فإن قال قائل: إن هذه المنزلة التي جعلها النبي صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام إنما جعلها في حياته.
قيل له: نحن ندلك بدليل واضح على أن الذي جعلها النبي لعلي عليهما السلام بقوله:
أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلاأنه لا نبي بعدي " إنما جعله له بعد وفاته، لا معه في حياته فتفهم ذلك إن شاء الله. ومما(1) يدل على ذلك في قول النبي صلى الله عليه واله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " معنيان.
أحدهما: إيجاب فضيلة ومنزلة لعلي عليه السلام منه، والآخر نفي لان يكون نبيا بعده.(معاني الأخبار ص 84)
نوضح اكثر :
فإن قال قائل : إن هارون مات قبل موسى ولم يكن إماما بعده فكيف قيس أمر علي عليه السلام على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله " : هو مني بمنزلة هارون من موسى " ؟ وعلي عليه السلام قد بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله .
قيل له : نحن إنما قسنا أمر علي على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله : " هو مني بمنزلة هارون من موسى " فلما كانت هذه المنزلة لعلي عليه السلام وبقي علي فوجب أن يخلف النبي في قومه بعد وفاته . ومثال ذلك ما أنا ذاكره إن شاء الله : لو أن الخليفة قال لوزيره : " لزيد عليك في كل يوم يلقاك فيه دينار ، ولعمرو عليك مثل ما شرطته لزيد " فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد ، فإذا جاء زيد إلى الوزير ثلاثة أيام فأخذ ثلاثة دنانير ، ثم انقطع ولم يأته وأتى عمرو الوزير ثلاثة أيام فقبض ثلاثة دنانير فلعمرو أن يأتي يوما رابعا وخامسا وأبدا و سرمدا ما بقي عمرو وعلى هذا الوزير ما بقي عمرو أن يعطيه في كل يوم أتاه دينار وإن كان زيد لم يقبض إلا ثلاثة أيام . وليس للوزير أن يقول لعمرو : لا أعطيك إلا مثل ما قبض زيد . لأنه كان في شرط زيد أنه كلما أتاك فأعطه دينارا ولو أتى زيد لقبض وفعل هذا الشرط لعمرو وقد أتى فواجب أن يقبض . فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصي ان يخلف موسى عليه السلام على قومه ومثل ذلك لعلي فبقي علي عليه السلام على قومه ، ومثل ذلك لعلي عليه السلام فواجب أن يخلف النبي صلى الله عليه وآله في قومه نظير ما مثلناه في زيد وعمرو ، و هذا ما لابد منه ما أعطى القياس حقه .