وفي السيرة الحلبية: أنه لما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع صلى الله عليه وسلم، بني عبد المطلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلا - وفي الإمتاع خمسة وأربعون رجلا - فصنع لهم (علي) طعاما - أي رجل شاة مع مد من البر، وصاعا من لبن - فقدمت لهم الجفنة، وقال: كلوا بالسم الله، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى نهلوا - وفي رواية حتى رووا -، وفي رواية قال: ادنوا عشرة عشرة، فدنا القوم عشرة عشرة، ثم تناول القعب الذي فيه اللبن، فجرع منه ثم ناولهم، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة، وفي رواية: يشرب العس من الشراب في مقعد واحد، فقهرهم ذلك.
فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، بدره أبو لهب بالكلام، فقال: لقد سحركم صاحبكم سحرا عظيما، وفي رواية: ما رأينا كالسحر اليوم، فتفرقوا ولم يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كان الغد قال: يا علي عد لنا بما صنعت بالأمس من الطعام والشراب، قال علي: ففعلت، ثم جمعتهم له صلى الله عليه وسلم، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى نهلوا، ثم قال لهم: يا بني عبد المطلب، إن الله قد بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني - أي يعاونني - على القيام به؟
قال علي: أنا يا رسول الله، وأنا أحدثهم سنا، وسكت القوم، زاد بعضهم في الرواية: يكن أخي ووزيري ووريثي وخليفتي من بعدي، فلم يجبه أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، قال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانيا فصمتوا، فقام علي، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: اجلس، فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي -1
وروى المحب الطبري (615 - 694 هـ) عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي وصي ووارث، وإن عليا وصيي ووارثي، قال:
خرجة البغوي في معجمه (2).
وفي مسند علي بن أبي طالب عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا-3
(1) السيرة الحلبية 1 / 460 - 461 (ط الحلبي - القاهرة 1964).
(2) المحب الطبري: الرياض النضرة 2 / 234، وانظر: أحمد بن حنبل: المسند 1 / 111، 159، 331، فضائل الصحابة 2 / 615 (حديث رقم 1052)، 2 / 650 - 651 (حديث رقم 1108) 2 / 712 - 713 (حديث رقم 1220) المستدرك للحاكم 3 / 125 - 126، 172، مجمع الزوائد للهيثمي 8 / 253، 9 / 113، 134، 146، 165، كنوز الحقائق للمناوي ص 42، 121، كنز العمال للمتقي الهندي 6 / 153، 154، 392، 397، 8 / 215، أبو نعيم:
حلية الأولياء 1 / 63، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11 / 112، 12 / 305، النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 29، طبقات ابن سعد 1 / 124، 125.
(3) الطبري: تهذيب الآثار - مسند علي بن أبي طالب - القاهرة 1982 ص 62 - 63 (نشر جامعة محمد بن سعود الإسلامية بالرياض).