الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء و المرسلين وآله الطاهر المنتجبين وعلى كفيله والد سيد الوصين .
وبعد ،
فإن شخصية أبي طالب عليه السلام فرضت نفسها في مكة المكرمة على جميع أهلها ، بل وعلى من حولها ، فصار سيد البطحاء بلا منازع ، لكرم المحتد والمنبت ، ولنبل الصفات والخصال التي تزين بها وتزينت به ، من كرم وجود ، وحنكة وسياسة ، وشجاعة وبسالة ، وفصاحة وبلاغة ، وعفة و نزاهة ، وسداد رأي وبعد نظر وغيرها ...
ويكفيه فخرا و استقامة وقبا من الله تعالى أنه كفل النبي صلى الله عليه وآله صغيرا ، وحامى عنه كبيرا ، فكان بالنسبة إليه مجنا يقيه عادية الأشرار ، ودرعا يتقي به نوازل الأخطار ، وجبلا يعصمه من الناس ، فاستطاع الرسول صلى الله عليه وآله مع وجود هذه الدرع الحصينة أن يبلغ رسالة ربه في الجاهلين ، ويسفه أحلام المشركين ، وينشر الهدى للمتقين ، حتى امتلأت مشارق الأرضين ، وأقطار الآفاق بالنور المبين .
وكان النبي صلى الله عليه وآله في مأمن من شرور قومه مادام أبو طالب عليه السلام حيا يمشي على الأرض ، إذ خاف المشركون من قدرته ، ورهبوا من هيبته وسطوته .
ولقد كان أبو طالب عليه السلام في تلك الفترة العصيبة من البعثة النبوية يحث النبي صلى الله عليه وآله بشعره وبقوله ، ويؤيده بموقعه وبفعله .
ولما انتهت أيامه ، واختار الله له دار أوليائه ، هجم الدهر الخؤون على سيد المرسلين ، فاضطر إلى مغادرة موطن آبائه ، ومحل ميلاده ، مكة المكرمة بعد أن (( جاءه الوحي من ربه ، فقال له جبرئيل عليه السلام : إن الله عزوجل يقرئك السلام ، ويقول لك : اخرج عن مكة فقد مات ناصرك .
وبعد أن ارتحل النبي صلى الله عليه وآله إلى دار الكرامة ، وصارت دولة الإسلام عند غير أهل بيته عليهم السلام وانتقلت حكومة دار الإسلام من شخص لآخر ، ومن قبيلة إلى أخرى ، حتى صارت بيد بني أمية تارة ، وعند بني العباس أخرى ، وهم من أشبعوا غيظا وحسدا على أهل البيت عليهم السلام ، ولا سيما على سيدهم أمير المؤمنين عليه السلام نبغ خامل الأقلين ، وأخرج الشيطان رأسه من مغرزه ، فظهرت حسيكة النفاق ، وانتشرت الشائعات بتكفير أبيه عليه السلام ، ورويت الروايات ونسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله المقولات ، فانقسمت الآمة بعد ذلك فثي أبي طالب عليه السلام إلى طوائف :
الطائفة الأولى :
من قالت بإسلامه وإيمانه ، وهم الشيعة الإمامية ، وتبعهم جماعة من غيرهم .
الطائفة الثانية :
من قالت بكفره ، وهم قسم من أهل السنة .
الطائفة الثالثة :
من توقفت في أمره عليه السلام كابن أبي الحديد المعتزلي صاحب شرح النهج ، مع الاعتراف بفضله وحقه على جميع المسلمين .