حديث ابي موسى الاشعري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن رواة هذا الحديث عن صلاة ابي بكر المزعومة هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب التميمي المعروف بابي موسى الاشعري ، عاصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم منذ اسلم حتى استشهاد النبي صلى الله عليه واله وسلم . سمع منه وشاهد وعرفه الرسول الكريم معرفة تامة وقد اخبره يوم من الايام قائلا : ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيها ، نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك ماشيا . وقد خص النبي صلى الله عليه واله وسلم ابا موسى بهذا القول ولم يكن صلوات ربي عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين لينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى .. وقد قرر الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه ابا موسى على هذه الرواية كما جاء في تاريخ مدينة دمشق :
(عن أبي مريم . قال : سمعت عمار بن ياسر يقول : يا أبا موسى أنشدك الله ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : « من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ، وأنا سائلك عن حديث فان صدقت والا بعثت عليك من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من يقررك به ! أنشدك الله أليس انما عناك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما أنت نفسك ؟ فقال أنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيها ، نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك ماشيا ، فخصك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يعم الناس ، فخرج أبو موسى ولم يرد فيها شيئا ) فما هذه الفتنة التي خص بذكرها نبينا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم ، وحذره منها ؟
هذه الفتنة هي قضية التحكيم في حرب صفين ، وهنا ، وقبل التعرض الى قصة التحكيم وجدت من المفيد والنافع ان اذكر موقفا حصل بين الامام علي عليه السلام وعمرو بن العاص لما جلسا ليكتبا وثيقة بشأن التحكيم والاتفاق على السلم وترك الحرب بعد ان اضطر الى ذلك الامام علي عليه السلام عند رفع المصاحف ، يقول التاريخ : كتب الحاضرون في تلك الجلسة بمقدمة الوثيقة ( هذا ما اتفق عليه امير المؤمنين علي بن ابي طالب ) قال عمرو بن العاص ما معناه ( لا ، انت لست امير المؤمنين ، انت امير جماعتك ولست امير لنا ) فقال علي بن ابي طالب عليه السلام (سنّة بسنّة ومثل بمثل، والله اني لكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية وقد املى عليّ هذا ما قاضى محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال له سهيل: امح رسول الله فانا لا نقر لك بذلك ولا نشهد لك به، اكتب اسمك واسم ابيك، فامتنعت من محوه، طبعا هذا معروف في قصة الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: امحه يا علي وستدعى الى مثلها فتجيب وانت على مضض ، وفي قول اخر ستدعى اليها وانت مظطر ) وهذا حديث حسنه القوم ولم يطعنوا فيه بل جعلوه في صنف الصحيح من الحديث . فقال عمرو بن العاص للامام علي عليه السلام سبحان الله ومثل هذا يشبه بذلك ونحن مؤمنون واولئك كفار، فقال الإمام علي عليه السلام: يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه الا امك التي دفعت بك، فقال عمرو: لا يجمع بيني وبينك مجلس ابدا، فقال امير المؤمنين عليه السلام: والله اني لارجو ان يطهر الله مجلسي منك ومن اشباهك. ولمن يرغب بمعرفة المزيد عن هذه القصة مراجعة : ( فتح الباري الجزء السابع صفحة (286)، النسائي في خصائص امير المؤمنين في الصفحة (149)، ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة الجزء الثاني صفحة (232)، الذهبي في تاريخ الاسلام الجزء الثاني صفحة (391)، الخوارزمي في المناقب في الصفحة (193) ، ومصادر اخرى كثيرة .
من هذه المقدمة عرفنا ان عمرو بن العاص كان رافضا لبيعة الامير علي عليه السلام خارجا عليه محاربا له ، وقد وصفه الامام ومثّله بالكافرين الذين صالحهم النبي صلى الله عليه واله وسلم في الحديبية .
عمرو ابن العاص هذا كان ممثلا عن جبهة الباطل ، جبهة معاوية بن ابي سفيان .
ولكن ، من الذي كان ممثلا عن جبهة الحق المتمثلة بالامام علي عليه السلام ؟
انه ابو موسى الاشعري ، وما ادراك ما الاشعري ، والذي قد بينا في المقدمة قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم به ، ولم يكن هذا الرجل قد اختاره الامام علي ولكنه قبل به على مضض ، حيث اختار هو عليه السلام عبد الله بن عباس ، ولكن الاشعث رفض عبد الله بن عباس وقال ( لا و الله- لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة- و لكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال علي ع إني أخاف أن يخدع يمنيكم- فإن عمرا ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى- فقال الأشعث و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان ) ولما عرف الامام علي عليه اصرارهم على ابي موسى قال لهم ( اصنعوا ما شئتم ) فبعثوا الى ابي موسى وكان بارض تعرف بــ ( عرض ) من اراضي الشام وقد اعتزل القتال .
وحضر الاثنان واجتمعا لتدارس الحلول الممكنة للصلح واجتناب الاستمرار بالقتال ودار بينهما هذا الحوار :
أبو موسى: يا عمرو, هل لك في صلاح الأمة ورضا الله..؟
عمرو: وما هو..؟
أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر, فانه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.
عمرو: وأين أنت من معاوية..؟
أبو موسى: ما معاوية بموضع لها ولا يستحقها.
عمرو: ألست تعلم أن عثمان قتل مظلموا..؟
أبو موسى: بلى..
عمرو: فان معاوية وليّ دم عثمان, وبيته في قريش ما قد علمت. فان قال الناسلم أولي الأمر ولست سابقة؟ فان لك في ذلك عذرا. تقول: اني وجدته ولي عثمان, والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).. وهو معهذا, اخو أمحبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وهو أحد أصحابه..
أبو موسى: اتق الله يا عمرو..
أمّا ما ذكرت من شرف معاوية, فلو كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناسبها أبرهة بن الصبّاح فانه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرقالأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب..؟؟
وأما قولك: ان معاوية ولي عثمان, فأولى منه عمرو بن عثمان..
ولكن ان طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره, بتوليتنا ابنه عبداللهالحبر.. ( انظر عزيزي القاريء الكريم الى قول الاشعري – احيينا سنة عمر – وانه لا يريد بذلك احياء سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم )
عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟
أبو موسى: ان ابنك رجل صدق, ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا, فهلمنجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن عمر..
وعاد الاشعري بعد ان تم الاتفاق بينه وبين ابن العاص ولقيه ابن عباس من مناورات عمرو وقال له:
" أخشى والله أن يكون عمرو قد خدعك, فان كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمهقبلك ليتكلم, ثم تكلم أنت بعده"..!
واجتمعا في اليوم التالي.. أبو موسى ممثلا لجبهة الامام علي, وعمرو بنالعاص ممثلا لجبهة معاوية..
ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث.. فأبى عمرو وقال له:
" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!
وتقدم أبو موسى واستقبل الحشود من كلا الفريقين.
وقال:
" أيها الناس.. انا قد نظنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة, ويصلحأمرها, فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين علي ومعاوية, وجعلها شورى يختارالناس لأنفسهم من يرونه لها..
واني قد خلعت عليا ومعاوية..
فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"... ( لاحظ عزيزي القاريء الكريم فعل هذا المرتد وخلعه للامام ورفضه خلافته )
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية, كما خلع أبو موسى عليا عليه السلام , تنفيذاللاتفاق المبرم بالأمس...
وصعد عمرو المنبر, وقال:
" أيها الناس, ان أبا موسى قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه,
ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه , وأثبت صاحبي معاوية, فانه ولي أميرالمؤمنين عثمان والمطالب بدمه, وأحق الناس بمقامه.."!!
هنا يتضح موقف الاشعري من خلافة الامام عليه السلام . وقد امتلأ قلبه حقدا وكرها للامام لانه عزله عن ولاية الكوفة عندما حثّ الناس على عدم الخروج مع الامام علي عليه السلام وكان الامام قد بعث الصحابي الجليل مالك الاشتر بصحبة ولده المجتبى عليه السلام ، الى اهل الكوفة ليحرضهم على القتال يوم الجمل ولكن ابا موسى قام فيهم خطيبا وحرضهم على عدم اللحاق وكان يقعدهم عن الجهاد ولكن البطل الهمام مالك الاشتر لما سمع منه ذلك نفذ امر الامام علي عليه السلام وعزله عن الكوفة واستولى على قصر الامامرة وما فيه ، ويبدو ان هذا الامر قد اخذ مأخذه من الاشعري ففعل فعلته في التحكيم وثأر لغرائزه السلطوية ، كيف لا يكون كذلك وهو شريك المحاصصة السياسية التي اسهمه فيها عمر بن الخطاب وولاه البصرة وعثمان كان قد ولاه بعده الكوفة ، ولم يكن بد من شيطانه الا ان يحرضه على خلع الولي عليه السلام .
وبعد هذا الموجز البسيط المتواضع عن ابي موسى الاشعري ومواقفه من الامام علي عليه السلام وتبيان بغضه له وولائه المطلق للخلفاء المغتصبين ، لا بأس بذكر بعض من اقواله التي تزيد الباحث عنه دراية حيث كان يقول بتحريف القران :
1-قال الهيثمي في مجمع الزوائد:5/3 2: (وعن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحواً من براءة فرفعت! فحفظت منها: إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم)
2- قال السيوطي في الدر المنثور:1/1 5: (وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم)!
وبهذا القول كان الاشعري يريد ان يؤسس الى مفهوم خطير يجيز تولي الفجّار للحكومة .
2-روى مسلم (عن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها! غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة!!).
4- وقد صرح الاشعري جريئا على الله تعالى حيث قال (" مَا وَجَدْتُمْ فِي مُصْحَفِي هَذَا مِنْ زِيَادَةٍ فَلا تَنْقُصُوهَا ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ نُقْصَانٍ فَاكْتُبُوهُ ) وانه اعترف بوجود زيادة بقرانه او نقصان ، ولكنه امر بعدم التعرض للزيادة وان يتركوها كما هي ، فمن اين اتت هذه الزيادة يا قوم ؟
الخلاصة : ولكي لا اطيل البحث عن الاشعري ويكون ذلك مدعاة للملل اكتفي بهذا القدر من صور حياته الناصبية والعدائية لله تعالى ولرسوله ولال البيت عليهم السلام ، وقد وردت روايات ان الامام علي عليه السلام كان يدعو على الاشعري بعد صلاته . لذلك ، فهل يصح ان يؤخذ من هذا الرجل حديث او خبر ؟
والذي روى حديث صلاة ابي بكر عن الاشعري هو ابو بردة ابن الاشعري نفسه وهذا الرجل آثم غادر ناصب العداء لال البيت عليهم السلام ومبغض للامام علي عليه السلام حيث قال لابي الغادية وهو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ( أ أنت قتلت عمار بن ياسر؟ قال: نعم. قال: فناولني يدك. فقبلها وقال: لا تمسك النار أبداً ) رواه ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح النهج الجزء الرابع . كما جاء في تاريخ الطبري الجزء الرابع ان ابا بردة قد شهد زورا على حجر ابن عدي هو واخرون مما ادى الى قتله رضوان الله تعالى عليه . والذي رواه عن ابي بردة هو عبد الملك بن عمير لعنه الله تعالى وهو الذي ذبح عبدالله بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي، وهو رسول الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة، فانه لما رمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبه رمق أتاه عبدالملك بن عميرفذبحه، فلما عيب ذلك عليه قال: ( إنما أردت أن أريحه ) تلخيص الشافي 3|35، روضة الواعظين: 177، مقتل الحسين ـ للمقرّم ـ: 185.
لذا فان حديث ابي موسى هذا مروي عن النواصب الآثمين الغادرين الفاسقين ولا يصح لعاقل ان يأخذ باقوالهم فهم ملعونون منبوذون لا رحم الله من اتخذ منهم دينه .
واخيرا لا بأس بذكر راي ابن حجر بهذا الحديث حيث قال انه ( مرسل )
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى اله الطيبين الطاهرين