الشرح :
كان يقال : اجعل الدنيا كغريم السؤ حصل منه مايرضخ لك به , ولا تأس على ما دفعك عنه و ثم قال : فإن لم تفعل فأجمل في الطلب , وهى من الألفاظ النبوية (( لن تموتَ نفسٌ حتّى تَستكمِل رِزقَها , فأجِملوا في الطّلبِ )).
وقيل لبعض الحكماء:
ما الغنى ؟ فقال : قلّة تمنّيك و ورضاك بما يكفيك .
الشرح :-
هذا نهي عن الكذب , وأن تقول مالا تأمن من كونه كَذِبا ,فإن الأمرين كليهما قبيحان عقلا عند أصحابنا.
فإن قلت كيف يقول أصحابكم : إن الخير الذي لا يأمن كونه كَذِبا قبيح والناس يستحسنون الأخبار عن المظنون.
قلت:إذا قال الإنسان :زيدٌ في الدار وهو يظّنه في الدار ولا يقطع عليه فإن الحسن منه أن يخبر عن ظنّه كأن يقول : أخبِرَ عن أنى أظن أن زيداً في الدار وإذا كان هذا هو تقديره فالخبر إذن خبر عن معلوم لا عن مظمونٍ لأنه قاطع على انه ظان أن زيداً في الدار .
فأما إذا فرص الخبر لا على هذا الوجه بل على القطع بان زيداً في الدار وهو لا يقطع على ان زيدا في الدار فقد أخبر بخبر ليس على ما اخبر به عنه لأنه أخبر عن أنه قاطع وليس بقاطعٍ فكان قبيحاً.
مرادُه أن الرزق قد قسمه الله تعالى فمن لم يرزقه قاعدا لم يجب عليه القيام والحراكة.
وقد جاء في الحديث : أنه ناول أعرابيَّا تمرة وقال له : (( خُدها فلو لم تأتِها لأتتك)).
وقال الشاعر:
جرى قلم القضاء بما يكونُ= فسيّان التحرّكُ والسكونُ
جُنونٌ منك ان تَسَعى لرزقٍ= ويُزَق فى غَشاوتِه الجنينُ
قد تقدم ها هنا خبر المبتدأ عليه والتقدير : (( ابن ادم مسكين )) ثم بين مسكنته من أين هي ؟ فقال : إنها من سته أوجه : أجله مكتوم لا يدري متى يُخترم وعلله باطنة لا يدري بخا حتى تهيج عليه وعمله محفوظ (ماَلهُذَاُ الكُتاَبَ لَايُغاَدِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إلاَّ أَحصاَهاَ) وقرص البقة يؤلمه والشرقه بالماء تقتله وإذا عرق أنتنته العرقة الواحدة وغيرت ريحه فمن على هذه الصفات فهو مسكين لا محاة لا ينبغى أن يأمن ولا أن يفخر .