قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : ثم إن الله تعالى خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله عشرين
بحرا من نور ، في كل بحر علوم لا يعلمها إلا الله تعالى ، ثم قال لنور محمد صلى الله عليه وآله : أنزل
في بحر العز فنزل ، ثم في بحر الصبر ، ثم في بحر الخشوع ، ثم في بحر التواضع ، ثم
في بحر الرضا ، ثم في بحر الوفاء ، ثم في بحر الحلم ، ثم في بحر التقى ، ثم في بحر الخشية ، ثم
في بحر الانابة ، ثم في بحر العمل ، ثم في بحر الزميد ، ثم في بحر الهدى ، ثم في بحر الصيانة ،
ثم في بحر الحياء ، حتى تقلب في عشرين بحرا ، فلما خرج من آخر الابحر قال الله تعالى :
يا حبيبي ويا سيد رسلي ، ويا أول مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت الشفيع يوم المحشر ، فخر النور
ساجدا ، ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف قطرة ،
فخلق الله تعالى من كل قطرة من نوره نبيا من الانبياء ، فلما تكاملت الانوار صارت
تطوف حول نور محمد صلى الله عليه وآله كما تطوف الحجاج حول بيت الله الحرام ، وهم يسبحون
الله ويحمدونه ويقولن سبحان من هو عالم لا يجهل ، سبحان من هو حليم لا يعجل ،
سبحان من هو غني لا يفتقر)فناداهم الله تعالى : تعرفون من أنا ؟ فسبق نور محمد صلى الله عليه وآله
قبل الانوار ونادى أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، رب الارباب ،
وملك الملوك)فإذا بالنداء من قبل الحق : أنت صفيي ، وأنت حبيبي ، وخير خلقي ،
امتك خير امة اخرجت للناس ، ثم خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله جوهرة ، وقسمها قسمين ، فنظر
إلى القسم الاول بعين الهيبة فصار ماء عذبا ، ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فلخلق
منها العرش فاستوى على وجه الماء ، فخلق الكرسي من نور العرش ، وخلق من نور
الكرسي اللوح ، وخلق من نور اللوح القلم ، وقال له : اكتب توحيدي ، فبقي القلم ألف
عام سكران من كلام الله تعالى ، فلما أفاق قال : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب ؟ قال :
اكتب لاإله إلا الله ، محمد رسول الله)فلما سمع القلم اسم محمد صلى الله عليه وآله خر ساجدا ، وقال :
سبحان الواحد القهار ، سبحان العظيم الاعظم ، ثم رفع رأسه من السجود وكتب لا إله
إلا الله ، محمد رسول الله)ثم قال : يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره بذكرك ؟
قال الله تعالى له : يا قلم فلو لاه ما خلقتك ، ولا خلقت خلقي إلا لاجله ، فهو بشير ونذير ،وسراج منير ، وشفيع وحبيب ، فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد صلى الله عليه وآله ، ثم قال
القلم : السلام عليك يا رسول الله ، فقال الله تعالى : وعليك السلام مني ورحمة الله وبركاته ،
فلاجل هذا صار السلام سنة ، والرد فريضة ، ثم قال الله تعالى : اكتب قضائي وقدري ،
وما أنا خالقه إلى يوم القيامة ..
ثم خلق الله ملائكة يصلون على محمد وآل محمد ، ويستغفرون
لامته إلى يوم القيامة ، ثم خلق الله تعالى من نور محمد صلى الله عليه وآله الجنة ، وزينها بأربعة أشياء :
التعظيم ، والجلالة ، والسخاء ، والامانة ، وجعلها لاوليائه وأهل طاعته ، ثم نظر إلى
باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت ، فخلق من دخانها السماوات ، ومن زبدها الارضين ،
فلما خلق الله تبارك وتعالى الارض صارت تموج بأهلها كالسفينة ، فخلق الله الجبال فأرساها بها ، ثم خلق ملكا من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الارض ، ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا عظيما لم يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه ، حتى لو وضعت البحار كلها في إحدى منخريه ما كانت إلا كخردلة ملقاة في أرض فلاة ، فدخل الثور تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه ، واسم ذلك الثور لهوتا ، ثم لم يكن لذلك الثور قرار فخلق الله له حوتا عظيما ، واسم ذلك الحوت بهموت . فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت، فالارض كلها على كاهل الملك ، والملك على الصخرة ،والصخرة على الثور ، والثور على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء على الظلمة ، ثم انقطع علم الخلائق عما تحت الظلمة ، ثم خلق الله تعالى العرش من ضياءين : أحدهما الفضل والثاني العدل ، ثم أمر الضياءين فانتفسا بنفسين ، فخاق منهما أربعة أشياء : العقل والحلم والعلم والسخاء ، ثم خلق من العقل الخوف ، وخلق من العلم
الرضا ، ومن الحلم المودة ، ومن السخاء المحبة ، ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمد صلى الله عليه وآله ،
ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم خلق الشمس والقمر والنجوم
والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمد صلى الله عليه وآله ، فلما تكاملت الانوار
سكن نور محمد تحت العرش ثلاثة وسبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى الجنة فبقي سبعين
ألف عام ، ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي سبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى السماء
السابعة ، ثم إلى السماء السادسة ، ثم إلى السماء الخامسة ، ثم إلى السماء الرابعة ،
ثم إلى السماء الثالثة ، ثم إلى السماء الثانية ، ثم إلى السماء الدنيا ، فبقي نوره في السماء الدنيا ...