سؤال: قد يخطر في ذهن البعض هذا التساؤل: ما الفائدة من العمر الطويل بالنسبة إلى الإمام المهدي عليه السّلام ؟ ولماذا أطال الله تعالى عمره ولم يكتفِ بخَلْقه قبل ظهوره بمدّة يسيرة، كأن يخلقه قبل وقت ظهوره بأربعين سنة مثلاً ؟
جواب: الإجابة عن هذا السؤال تماثل ـ إلى حدٍّ ما ـ الإجابة عن سؤال فلسفة الغَيبة، لكننا نشير في هذا المجال إلى جملة أمور:
1 ـ أنّ فائدة وجود الإمام عليه السّلام لا تنحصر في ظهوره وقيامه في آخر الزمان، بل إنّ أحد فوائد وجود الإمام عليه السّلام هو كونه أماناً للبشريّة وللأرض من الزوال والفناء؛ فقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من طرق الفريقين: « بأنّ النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض »(1). وروي عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام أنّه: « لولا الإمامُ لَساخَت الأرضُ بأهلها »(2)، و« أنّ الأرض لا تخلو من قائمٍ لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حُجج الله وبيّناته »(3).
2 ـ أنّ وجود الإمام عليه السّلام بين الناس هو مصدر للخير والبركة وسبب لنزول الرحمة والألطاف الإلهيّة، لأنّ الإمام عليه السّلام واسطة للفيض الإلهيّ بين الله تعالى وبين العباد.
3 ـ أنّ الغَيبة لا تعني غيبة الشخص بل غَيبة العنوان، فالناس يَرَون الإمام عليه السّلام بينهم، لكنّهم لا يعرفونه بشخصه، وقد ورد أنّه عليه السّلام يحضر موسم الحج فيرى الناس ولا يعرفونه، وأنّه يُغيث المنقطعين ويقضي حوائج المؤمنين المتعسّرة، ممّا يعني استمرار بركاته عليه السّلام للناس. وقد عبّر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن هذه الحقيقة حين سئل: هل للناس الانتفاع به في غيبته ؟ فقال: « إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سَتَرها سحاب »(4). فنحن ننتفع بالإمام ظاهراً كما ننتفع بحرارة الشمس حين تشرق وتظهر، وننتفع ببركاته وتعاليمه كما نستفيد من نور الشمس حين يخترق الغيوم التي تحجبها.
4 ـ أنّ وجود الإمام عليه السّلام بين الناس ممّا يقوّي قلوب المؤمنين ويشدّ من عزائمهم، وكيف لا يشعر المؤمن بالطمأنينة والثبات ـ مهما واجه من المحن والمصاعب ـ وهو يحسّ أن إمامه عليه السّلام معه يُعاني ما يعاني، ويرى ما يرى، وينتظر الفَرَج كما ينتظر؟!
وقد نًُقل أن الملك نادر شاه شاهد في إحدى حروبه جنديّاً يقاتل ببسالة وشجاعة فائقة، فسأله متعجّباً: أين كنتَ في الحرب السابقة ضد الأفغان ؟ فردّ الجندي ببساطة: لقد كنتُ موجوداً، ولكنّك كنت غائباً يومذاك!
وروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: كنّا إذا احمّر البأس اتّقَينا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوّ منه(5).
فحتّى أمير المؤمنين عليه السّلام مع شجاعته المنقطعة النظير، كان يتقوّى برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويستمدّ العزم من وجوده المبارك صلّى الله عليه وآله وسلّم، من هنا ندرك أن وجود الإمام المهدي عليه السّلام بين شيعته من بواعث الطمأنينة والثبات في قلوبهم وأرواحهم، وممّا يُهوّن عليهم مواجهة الصِّعاب والصبر على الشدائد.
1 ـ المستدرك، للحاكم 448:2. فرائد السمطين، للحمويني 252:2، حديث 521.
2 ـ انظر الكافي، للكُليني 179:1، حديث 10 ـ 13.
3 ـ انظر: نهج البلاغة ـ طبعة صبحي الصالح 497. وشرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 351:18.
4 ـ ينابيع المودّة، للقندوزي 399:3 ـ الباب 94. بحار الأنوار، للمجلسي 93:52.
5 ـ نهج البلاغة 214. غرائب كلامه عليه السّلام / الرقم 9.
سؤال: يتساءل البعض: ما فائدة الاعتقاد بإمام غائب ؟!
جواب: نذكّر هنا بالحديث الشريف الذي تناقله علماء المسلمين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَن مات ولم يَعرِف إمامَ زمانه ماتَ مِيتةً جاهليّة »(1). إنّ المسلم إذا اعتقد بالإمام المنتظر عليه السّلام ووضع في حسابه أنّ ظهور هذا الإمام سيكون مفاجئاً، وعلى حدّ تعبير الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَثَلُه مَثَل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة »(2)، فإنّ أوّل ثمار الاعتقاد بالإمام المهديّ عليه السّلام سيكون الترقّب لظهوره المبارك، هذا الترقّب الذي وصفته الروايات المتكاثرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام بأنّ ثوابه ثواب مَن قاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ من مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً(3).
وهذا الترقّب يستلزم أن يكون الفرد المسلم على حالة من الاستقامة على الشريعة الإلهية، والتقيّد بأوامرها ونواهيها؛ لأنّ ظهور الإمام المهدي عليه السّلام الذي سيكون مفاجئاً يتطلّب من المؤمن المترقِّب المنتظِر أن يكون على أُهْبة كاملة للاشتراك في حركة التطهير الواسعة التي سيقودها الإمام المنتظر عليه السّلام، لإرساء دين الله تعالى والانتصاف للمظلومين من ظالميهم وغاصبي حقوقهم. وهذا الترقّب المقرون بالنهوض بالمسؤوليّة في تطبيق الشريعة على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. هو مصداقُ: « مَن مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته عليهم السّلام »، وهو مصداق « أفضل العبادة انتظار الفَرَج »(4).
وندرك من خلال هذا الفهم أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كانوا إذا نَهَوا أصحابهم عن الاستعجال بظهور الإمام، إنّما كانوا يأمرونهم بأن يكونوا مستعدّين لظهوره عليه السّلام، ويؤكّدون عليهم الالتزام بالشريعة الحقّة، فذلك أفضل وسيلة لتمهيد الأرضيّة لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام.
1 ـ صحيح البخاري 13:5 ـ باب الفتن. صحيح مسلم 21:6 ـ 22،حديث 1849.
2 ـ فرائد السمطين، للحمويني 337:2، حديث 591.
3 ـ تأويلات الآيات، لشرف الدين 642.
4 ـ فرائد السمطين، للجوينيّ الحموينيّ 335:2، حديث 588. ينابيع المودّة، للقندوزي الحنفيّ 397:3 الباب 94