إن الوالدين هما المسئولان إلى حد كبير عن إحساس أبنائهم بالقلق النفسي والخوف والتوتر، لهذا كان من الضروري أن يعملا على وقاية أبنائهم من القلق النفسي، فالوقاية خير من العلاج خصوصا أن بعض حالات القلق النفسي في الطفولة قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية وعقلية مستقبلا.
وفيما يلي دور الوالدين لتجنب إصابة أبنائهم بالقلق النفسي:
1- العمل على توفير كل ما هم في حاجة إليه من: محبة واهتمام، ورعاية وعطف، حتى تشبع فيهم حاجتهم النفسية، وتشعرهم بالأمن، والاطمئنان الذي هو حجر الزاوية في القضاء على القلق النفسي، والخوف، والتوتر، والعصبية.
2- على الوالدين أن يمنحوا أبناءهم الحب المستنير الواعي وأن يكونوا مرشدين في أسرتهم، وأبوتهم فيمنحوا الحب والحنان والحماية دون إفراط أو تفريط، كي تكون لديهم الفرصة للاعتماد على أنفسهم، والثقة بها دون خوف أو قلق.
3- العمل على مساعدتهم على فهم ما يحيط بهم من المواقف، المشكلات التي تتطلب منهم حلا.
وكثيرا ما يعجزون عن التكليف لقلة خبرتهم بالحياة، لأن الطفل قد يخاف موقف بجهله، ثم لا يلبث أن يألفه ويزول خوفه منه بعد أن يفهمه.
4- العمل على تشجيع الأبناء إلى أن يثقوا بأنفسهم، وعلى أن يواجهوا مشكلات الحياة بشجاعة وواقعية.
5- في حالة ملاحظة أن احد الأبناء يعاني قلقا يشعره بالألم والاكتئاب، ويؤدي إلى عرقلة كفايته الإنتاجية، ينبغي طلب الاستشارة الطبية النفسية بصورة مبكرة، قبل أن يستفحل الأمر ويزداد القلق، ويتعقد ويصعب علاجه.
وأخيرا أيا كانت الصورة التي يعبر بها الطفل عن قلقه النفسي:
فإنها تعبير عن حاجته إلى الحب والحنان والعطف والرعاية، وأية محاولة لعلاج الصورة الظاهرة للقلق بعيدا عن مدلولها الحقيقي فإن مآلها الفشل.
والعلاج المجدي الصحيح هو إعطاء الطفل الحب بسخاء، وإشعاره بأنه موضع التقدير، والقبول، وإتاحة الفرصة له لكي يكون آمنا سعيدا.
الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأساسية التي تتحمل المسؤولية الأولى في تنشئة الأبناء ورعايتهم. ويتفق الباحثون وعلماء النفس على أن الأسرة هي أهم عوامل التنشئة الاجتماعية للطفل، وهي الأقوى تأثيراً في شخصية الطفل وطباعه، ومن خلالها يكتسب الطفل السلوك الاجتماعي، ومعظم القيم الأخلاقية والعادات التي تحدد سلوكه، وتتحكم في تصرفاته وتطبعه بطابع معين قد يلازمه طوال حياته.
وتلعب التنشئة الأسرية دوراً حاسماً في تنمية القدرات الحركية والقدرات العقلية والخصائص النفسية للطفل، وعليها يتوقف معدل النمو في هذه الجوانب بغض النظر عن مستوى الاستعدادات أو القدرات الموروثة لدى الطفل، ذلك أن معاملة الوالدين لأبنائهم تحدد درجة إشباعهم لحاجاتهم النفسية (مثل الشعور بالأمن وحب الاستطلاع والحاجة للإنجاز والحاجة للاستقلالية)، وحاجاتهم الاجتماعية (الحب والتقبل والتقدير والانتماء) وحاجاتهم الجسمية (الغذاء والحركة واللعب).
لقد أثبتت الدراسات أن العلاقات الأسرية عامل حاسم في تشكيل اتجاهات الطفل الصغير نحو ذاته ونحو الآخرين ونحو الحياة بوجه عام، كما أظهرت أن فقدان الأمن العاطفي يؤدي إلى تأخر نضج الطفل من النواحي النفسية والعقلية، وأن فقدان الحب والحنان في العلاقة مع الوالدين يؤدي إلى اضطرابات انفعالية ومشكلات سلوكية، وأن الحرمان يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس. وبشكل عام يمكن القول بأن الصحة النفسية للأبناء في مراحل نموهم المختلفة ترتبط بنوعية العلاقة والتفاعل بين أفراد الأسرة التي ينشأون فيها.
إن القسوة في التعامل مع الأطفال أو الخبرات غير السارة التي مروا بها قد تؤدي إلى حدوث تغيرات دائمة وضارة في تركيب المخ. ويترتب على هذه التغيرات حدوث مشكلات سلوكية وصعوبات في التعلم والنمو لدى هؤلاء الأطفال. وقد توصل باحثون من جامعة هارفرد إلى أن حجم الحزمة العصبية التي تربط بين نصفي المخ، وتنقل المعلومات بينهما، أصغر لدى الأطفال الذين تعرضوا للأذى البدني أو الجنسي أو الإهمال من قبل الوالدين بمقدار 40%، مقارنة مع متوسط حجم المخ لدى الأطفال الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الخبرات (العمر، 2001)، كما أن الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها الأطفال نتيجة الظروف الأسرية الصعبة (مثل الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو سوء الأحوال الاقتصادية...) قد تصبح حالة مزمنة يرافقها مشكلات تكيفيه حادة مثل العصبية، والحركة الزائدة، والعدوانية، والانسحاب والضجر، وفقدان الدافعية، وتدني مستوى التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى مشكلات مرضية كآلام الرأس والبطن التي لا يعرف لها أسباب عضوية ظاهرة.
ونورد فيما يأتي أبرز معوقات الإبداع في الأسرة: 1. تدني المستوي الاقتصادي تعاني نسبة كبيرة من الأسر العربية من سوء الأوضاع الاقتصادية وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية. وتشير المعلومات المتوافرة حول الأوضاع الاقتصادية للدول العربية إلى تدني مستوى الدخل السنوي للفرد في عدد كبير من الدول العربية.
يضاف إلى ذلك الآثار السلبية الناجمة عن تأثير الأوضاع الاقتصادية للأسرة على النواحي الغذائية والصحية والسكنية التي تستطيع توفيرها لأبنائها، وهي في مجملها دون المستوى المطلوب لتحقيق النمو المتوازن والسوي لشخصية الطفل العادي والموهوب.
2. النسبة المرتفعة للأمية يقدر عدد الأميين في الدول العربية بحوالي 68 مليونا، وتبلغ نسبة الأمية بين الذكور حوالي 24% وبين الإناث حوالي 46% (مؤشرات التنمية الدولية، 2001). وإذا كنا نتحدث عن الأمية الهجائية المستشرية في الدول العربية الأكثر تعداداً للسكان، فلا نملك أن نتجاهل الحاجة لمعالجة الأمية الثقافية والأمية المعلوماتية التي تفوق نسبها بكثير نسبة الأمية الهجائية. إن ارتفاع نسبة الأمية بين الآباء والأمهات من شأنه تحديد فرص الأطفال الموهوبين من حيث تفهم احتياجاتهم وتعزيز دافعيتهم للتعلم من قبل الوالدين، ناهيك عن فقر بيئتهم الثقافية واللغوية. وتتفاقم الصعوبات التي يواجهها الطفل الموهوب إذا أخذنا بالاعتبار النسبة المرتفعة للأمية بين الأمهات اللاتي يتحملن المسؤولية الأولى عن تربية الأبناء، استنادا للعادات الشائعة في المجتمعات العربية. كما أن التوصيف النمطي لأدوار كل من الذكور والإناث يرتبط بدرجة أكبر مع مستوى تعليم الوالدين وطبيعة البيئة الأسرية التي ينشأ فيها الطفل.
3. أحادية المسؤولية في تربية الأبناء تسود في معظم المجتمعات العربية اتجاهات ترسخت عبر السنين حول الأدوار المنوطة بالذكور والإناث في الأسرة والمجتمع بصورة عامة. فالأمهات هن المسئولات عن رعاية الأبناء وتربيتهم، بينما الآباء يتحملون مسؤولية العمل لإعالة الأسرة، وذلك على الرغم من تزايد أعداد الأمهات العاملات في مختلف مجالات العمل. إن تحميل الأم مسؤولية تربية الأبناء وعدم المشاركة الفاعلة من قبل الأب ممارسة تنعكس بصورة سلبية على التنشئة الاجتماعية للأبناء ذكورا كانوا أو إناثا لأنها تقدم نموذجا نمطيا لأدوار الرجل والمرأة في الأسرة والمجتمع، وقد يترتب عليها مشاحنات وتوترات في العلاقات الأسرية خاصة إذا كان حجم الأسرة كبيرا وكانت الأم عاملة.
إن المفاضلة بين دور الأب ودور الأم في تربية الأبناء غير ممكنة، وذلك لأن كلا منهما يقوم بدور مكمل للدور الذي يقوم به الآخر، ولا يغني وجود أحدهما عن الآخر سواء بالنسبة للأبناء أو البنات. وقد أشارت بعض الدراسات إلى تفوق الأطفال الذين يتعاون الآباء والأمهات في تربيتهم على الأطفال الذين تتولى الأمهات رعايتهم في التحصيل الدراسي والدافعية للإنجاز وحب الاستطلاع ومفهوم الذات والإبداع، كما تفوقوا عليهم في مستوى النضج الاجتماعي والانفعالي.
وفسر الباحثون هذا التفوق على أساس الأثر الإيجابي الذي يترتب على تعاون الآباء مع الأمهات. حيث أن هذا التعاون يساعد الأبناء على إشباع حاجات لا يشبعونها إلا مع آبائهم، ويقدم دعماً نفسياً للأم يرفع من كفاءتها في التعامل مع أبنائها ورعايتهم.
ما هي نقاط العداء بين الأبناء؟ وكيف نستطيع أن نقتلعها من صدورهم، ونزرع مكانها أشجار الحب والوئام؟ أي كيف تجعل ابنك يطبع قبلة على وجنتي أخيه بدل أن يوجه إليه الضربات؟
الجواب:
تستطيع أن تقتلع جذور التباغض والعداء من بين أبنائك إذا ما عملت بهذه الوصايا التالية:
أولاً: اعرف متى تطبع القبلة وتوزع الحب.
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((فهلاً واسيت بينهما؟)).
إذاً.. لا تنس في المرة القادمة التي تريد أن تقبل فيها أحد أبنائك، أو تضمه إلى صدرك، وتعطف عليه بالحب والحنان، لا تنس أن عليك أن تفعل ذلك في وقت لا يلحظك فيه أبناؤك الآخرون، وإلا.. فإن عليك أن تواسي بين أبنائك في توزيع القبلات، ويعني ذلك إذا قبلت أحد أبنائك في محضر إخوانه الصغار حينئذ لا بد أن تلتفت إليهم وتقبلهم أيضاً، وإن لم تفعل ـ بالخصوص إذا كنت تكثر من تقبيل أحد أبنائك دون إخوانه ـ فكن على علم أنك بعملك هذا تكون قد زرعت بذور الحسد وسقيت شجرة العدوان بينهم وقد أكد الإسلام على هذه المسألة الحساسة، وأعار لها انتباهاً ملحوظاً.
والمطلوب ـ في الحقيقة ـ إقامة العدل بين الأبناء سواء في توزيع القبلات أو في الرعاية والاهتمام بشكل عام.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر))رواه مسلم .
وتحضرنا هنا بعض الأسئلة حول وضع الإخوة في الأسرة:
ـ هل الأطفال الأصغر دائماً يحمون حماية زائدة؟
ـ وهل الأطفال الأكبر يجدون قبولاً أكبر أو أقل عندما يأتي أطفال آخرون؟
ـ وهل يكون المولود الأول مفضلاً دائماً؟
ـ وما مركز الابن الأخير والابن الوحيد؟
ـ كيف يكون موقع الابن الجميل والابن القبيح؟
ـ هل هناك تفاضل بين الأبناء وعلى أي أساس يقوم؟
ـ على أساس الجمال، أم على أساس التقوى والعمل الصالح؟
ـ وإذا كان هنالك من تفاضل.. كيف يجب أن يتم إشعار الأبناء به؟
يجيب على بعض هذه الأسئلة أحد الباحثين التربويين فيقول: ((عندما يولد الطفل الثاني، ويأخذ بالنمو والكبر ويدرك ما حوله، لا يجد الوالدين من حوله فحسب، بل يجد كذلك في الميدان أخاه الأكبر الذي سبقه في الميلاد، والذي يفوقه قوة ويكبر عنه جسماً ووزناً.
وكلما كبر أدرك أنه أصبح في مرتبة ثانوية في المعاملة تتضح له من الأمور الآتية: نعطي له اللعب القديمة بعد أن يكون أخوه قد استلمها جديدة واستعملها أمامه، ونعطي له كذلك ملابس أخيه القديمة بعد أن تصبح غير صالحة للاستعمال إلا قليلاً.
والذي يزيد الطين بله، ميلاد طفل ثالث في الأسرة يصبح موضع رعاية جديدة من الوالدين، فيقل لذلك مقدار الرعاية التي كانت توجه إليه.
وهنا يأخذ الطفل الثاني ترتيباً جديداً بين الإخوة، ويصبح طفلاً أوسط. وإن مركز الطفل الأوسط لا يحسد عليه إذ إنه يكون مهاجماً من الأمام (عن طريق الأخ الأكبر) ومن الخلف (عن طريق الأخ الأصغر).
أما عن الطفل الأخير في الأسرة، فإن مركزه تحدده العوامل التالية نجد:
أولاً: أن هنالك اختلافاً في معاملة الوالدين له عن بقية الإخوة والأخوات، وميلاً لإطالة مدة الطفولة، لأن الوالدين ـ حينئذ ـ يكونان غالباً قد تقدم بهما السن وأصبح أملهما في إنجاب أطفال جدد محدوداً.
وفي بعض الحالات نجد أن الطفل الصغير الأخير يكون موضع رعاية خاصة و (دلال) الوالدين أو من أحدهما، وهنا تدب نار الغيرة والحقد في نفوس إخوته وتذكرنا أمثال هذه الحالات بقصة يوسف عليه السلام، وما تعرض له من إيذاء نتيجة كره إخوته له، لإيثار والديه له بالعطف الزائد)).
وبالنسبة إلى مسألة التفاضل، نجد أن بعض الآباء يزدادون حباً وعطفاً على أحد أبنائهم دون إخوته للآخرين، ليس لأنه الأجمل أو الأكبر أو الأخير، وإنما لأنه الأفضل نشاطاً وعملاً وخدمة لوالديه.
هنا لا بأس بهذا التفاضل إذا ما كان سراً، ولكن حذار من الطريقة السلبية التي يتم إشعار الإخوان بها.
والطريقة السلبية ـ التي يجب اجتنابها ـ هي:
أن يقول الأب لأبنائه ـ على سبيل المثال ـ : لا بارك الله فيكم إنكم جميعاً لا تساوون قيمة حذاء ولدي فلان!! أو يقوم باحترام ابنه والاهتمام به دون إخوانه وأخواته.
بينما الطريقة الايجابية تقضي بأن يقوم الأب بمدح الصفات التي يتحلى بها ابنه الصالح دون ذكر اسمه، أو حتى إذا ما اضطر إلى ذكر اسمه فلا بد أن يقول لهم مثلاً: إني على ثقة من أنكم ستحذون حذو أخيكم فلان في مواصفاته الحميدة، ولا شك ـ يا أبنائي ـ أن لكم قسطاً من الفضل في مساعدتكم أخاكم حتى وصل إلى هذه الدرجة من الرقي والتقدم والكمال.
بالطبع ـ عزيزي القارئ ـ إنك وجدت الفارق بين الطريقتين، ففي الطريقة الأخيرة تجد أن الأب يحاول إعطاء التفاضل لأحد أبنائه بصورة فنية دون أن يحرك مشاعر الحقد والحسد في صدور أبنائه الآخرين، تجاه ابنه المتميز لديه، بل بالإضافة إلى ذلك فهو قد دفع أبناءه إلى تقليد أخيهم الصالح عبر إعطائهم الثقة في الوصول إلى مرتبته، وبصورة هادئة وحكيمة.
والتفاضل هنا لا يعني إعطاء أحد الأبناء حقوقاً أكثر، وفي المقابل سلبها من الأبناء الآخرين، كأن يعطي الابن المتميز طعاماً أكثر أثناء وجبة الغذاء أو أن تقدم إليه الملابس الأجود واللوازم الأفضل، لا.. إن هذه الطريقة هي طريقة الحمقى والذين لا يعقلون.
إذاً.. إن آخر ما نريد قوله في هذا الباب هو: المطلوب مزيد من الانتباه إلى هذه الملاحظة الهامة والتعرف ـ جيداً وبحكمة ـ على كيفية توزيع الحب بين الأبناء.
ثانياً: بيّن أهمية الأخ لأخيه.
إذا كنت ترغب في أن يسود الحب والود بين أبنائك فما عليك إلا أن تبين أهمية الأخ لأخيه، وتشرح له عن الفوائد الجمة التي يفعلها الإخوان لبعضهم البعض.
وهنا يجدر بك أن تسرد لأبنائك الأحاديث التي توضح تلك الأهمية التي يكتسبها الأخ من أخيه.
إذاً.. فالأخ هو المساعد الأيمن لأخيه، وقد تجلى ذلك أيضاً في قصة النبي موسى حينما قال: (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري).
بهذه الطريقة تكون قد أشعرت ابنك بأهمية أخيه، وبالتالي قد شددت أواصر العلاقة والمحبة بينهم.
ثالثاً: اسق شجرة الحب بينهم.
الأب الناجح في التربية هو الذي يجسم المحبة بين أبنائه ويقوم بإروائها وسقيها كل وقت. وتسأل: كيف يتم ذلك؟ والجواب يأتيك على لسان أحد الآباء، وهو يسرد تجربته مع أبنائه، حيث يقول:
لقد رزقني الله (عز وجل) الوليد الثاني بعد أن جاوز عمر الأول السنتين، وحمدت الله (تعالى) كثيراً على ذلك. وكما هو الحال عند كل الأطفال، أخذ ولدي الأول يشعر تجاه أخيه، كما يشعر الإنسان تجاه منافسيه، كان ينظر إليه باستغراب ودهشة وعدم رضى، وكأن علامات الاستفهام التي تدور في مخيلته تقول: لماذا احتل هذا الغريب مكاني؟ من هو هذا الجديد؟ هل يريد أن يأخذ أمي مني؟ وبدأ الحسد والغيرة يدبان في نفسه حتى أنه تسلل إليه وصفعه وهو في مهده. لقد كانت تلك هي آخر صفعة، حيث أدركت على الفور أنه لا بد من وضع حل ناجح يمنع الأذى عن هذا الرضيع.
فكرت بالأمر ملياً حتى اهتديت إلى فكرة سرعان ما حولتها إلى ميدان التطبيق، حيث جئت ببعض اللعب الجميلة والمأكولات الطيبة، ووضعتها في المهد عند طفلي الرضيع، ثم جئت بولدي الأكبر وأفهمته بالطريقة التي يفهمها الأطفال أن أخاه الصغير يحبه كثيراً وقد جاء له بهدايا حلوة وجميلة، ثم أمرته بأن يأخذها منه، فأخذها وهو فرح مسرور لا يخامره أدنى شك في ذلك. ومنذ ذلك اليوم لم أترك العملية هذه، حيث أوصيت زوجتي بأن تقدم أكثر الأشياء التي تريد تقديمها لوليدنا الأول أن تقدمها باسم الصغير وعبره، مثلما فعلت أنا في بادئ الأمر. وكل يوم كان يمضي كان ولدي الأكبر يزداد حباً لأخيه حتى وصل به الأمر إلى البكاء عليه فيما لو أخذه أحد الأصدقاء وقال له مازحاً إنني سأسرق أخاك منك!
كان ذلك بالنسبة للأطفال الصغار، بينما السؤال الآن: كيف نزرع الحب بين الأبناء الكبار؟
تستطيع أن تحقق ذلك عبر الطرق التالية:
الطريقة الأولى: ادفع أبناءك ليقدم كل واحد منهم هدية لكل أخ من إخوانه، سواء عبر إبلاغ كل واحد منهم بطريقة مباشرة أو عن طريق توجيههم إلى القيام بهذا العمل بطريقة غير مباشرة، أو من خلال الطريقتين معاً، وإن كان نفضل الطريقة غير المباشرة.
الطريقة الثانية: ادفع أبناءك للتزاور والتواصل بينهم فإنه ليس هناك شيء يمتن العلاقة والحب بين الإخوان مثل الزيارة.والجدير بك أن تعلمهم الأحاديث الشريفة ا حتى تدفعهم ذاتياً للقيام بالتزاور فيما بينهم
الطريقة الثالثة: ادفعهم إلى المصالحة والمعانقة فيما بينهم.
الطريقة الرابعة: اقض على الظلم والحسد فيهم.
ابحث عن أسباب الشقاق وبواعث الحقد والخصام بين الأبناء ثم اقتلعها من الجذور وازرع مكانها رياحين المودة والإخاء.
ومن أسباب الخصام السيئة هي: الاعتداء والظلم والحسد.
فلو كان أبناؤك يعتدون على بعضهم البعض، ويمارسون الظلم وفي صدورهم يعشعش الغل والحسد، حينئذ فلا غرابة إذا لم تجد فيهم الحب والود والإخاء.
ترى كيف يمكن أن يحب الصغير أخاه الكبير، وهو يقاسي من مرارة ظلمه وعدوانه.
إن وجدت الكثير من الأبناء يمارسون أقسى أنواع الظلم بحق إخوانهم وأخواتهم فهم يمارسون الضرب القاسي، ويسلبون حقوق الإخوان في الأكل والمنام والملبس وكل شيء.
وأحياناً كثيرة تجد أن الأخ الأكبر في العائلة يصبح مستبداً إلى آخر حد، يقوم بأحكام سيطرته الحديدية على أخواته مكسورات الجناح، وكأنه سلطان جائر.
هنا لا بد أن يتدخل الأب ويفك القيد ويرفع الظلم، وإلا فإن الأبناء ـ كلهم ـ سيصحبون على شاكلة أخيهم الكبير، لأن الأجواء الملتهبة تخلق من أفراد الأسرة وحوشاً ضارية، تضطر الكبير أن يستضعف الذين هم أصغر منه، وهكذا بالتسلسل حتى آخر طفل.
وهكذا الأمر تماماً بالنسبة للحسد، فالأبناء الذين ينامون على وسائد الحسد ويلتحفون بلحاف الحقد والضغينة، وتنمو في صدورهم أعشاب الغل، هؤلاء الأبناء يعيشون حياة ضنكاً، لا تجد للمحبة أثراً فيها.
فالحسود بطبعه يبغض الآخرين، ويكنّ لهم الحقد والكراهية، ولربما تسول له نفسه القضاء على من يحسده، كما فعل قابيل بأخيه هابيل من قبل.
من هنا، فإذا ما كنت تريد أن يسود الحب والود بين أبنائك، فلا مناص م رفع أي بوادر سيئة مثل الظلم والحسد من بين أبنائك.. بل ولا بد أن تقتلها وهي في المهد قبل أن تترعرع وتكبر.
الطريقة الخامسة: اجعل الحوار والتفاهم وسيلة لحل المشكلات.
هنالك بعض الأبناء لا يعرفون طريقاً لحل المشكلات غير طريق المشاجرة والاشتباك الحاد، وكأنهم أعداء وليسوا إخواناً!
ترى.. لماذا لا ينتهجون سبيل الحوار الهادئ بينهم؟
بالطبع إن السبب يرجع إلى الوالدين فهما المسئولان عن خلق الأجواء والعادات والتقاليد في العائلة.
لذلك.. من المفترض أن لا ينسى الآباء تعليم أبنائهم عادة الحوار والتفاهم الرزين بدل أسلوب المناقشات العصبية والمشاجرات الصاخبة.
والمسألة لا تحتاج إلى فلسفة وتنظير، إذ يكفي لأحد الوالدين أن يستوقف أبناءه، في حالة حدوث أول صراع كلامي ويبدأ يحل لهم المشكلة بالتفاهم والسؤال الهادئ.
ونضرب مثالاً على ذلك: كثيراً ما يحدث أن يتشاجر طفلان على لعبة معينة، ويبدأ كل منهما يجر اللعبة. هنا على الأم أو الأب أن يسرع إلى ولديه، ويحاول أن يرضي أحد الطرفين بالتنازل، مثل أن يقول لهما: ليلعب كل واحد منكما بهذه اللعبة نصف ساعة.. واحداً بعد واحد.
وهكذا على أي حال فالمهم أن ينهي المسألة بالتفاهم وبمرور الزمن يتعلم الأولاد هذه العادة الحسنة في حل أي مشكلة تطرأ لهم، فيقضون بذلك على أي سبب للخصام قبل أن يفتح عينه للحياة.
الطريقة السادسة: عرفهم.. حقوق الإخوان.
وهذه الحقوق ((للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقاً، لا براءة منها إلا بأدائه، أو العفو:
يغفر زلته، ويرحم عبرته (إن من واجب الأخ تجاه أخيه أن يخفف عنه حزنه ويهون عليه رزيته)، ويستر عورته (إذا رأى بادرة سيئة من أخيه، أن يسترها ولا ينشرها)، ويقيل عثرته (من صفات المؤمن، أن يمتلك قلباً كبيراً وصدراً رحباً يستوعب بها عثرات إخوانه)، ويرد غيبته، ويقبل معذرته.. (يقول علي رضي الله عنه :اقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له ذعر فالتمس له عذراً)، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعوده في مرضه، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويحسن جيرته، ويكافئ صلته، (فإن قدم له خدمة فلا بد أن لا ينساها حتى يقدم له خدمة مماثلة)، وأن يشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته (زوجته)، ويقضي حاجته، ويستنجح مسألة (أي يسعى لنجاح مسائله بأي شكل كانت وفي أي مجال)، ويسمت عطسته (فإذا عطس الأخ ـ أو أي أحد من الجالسين ـ لا بد أن يقول له الانسان: ((يرحمك الله)) ويدعو له)، ويرشد ضالته، ويطيب كلامه (أي يقول له: طيب الله أنفاسك)، ويوالي وليه (أي يصادق صديقه)، ولا يعاديه (لا يصبح عدواً لصديق أخيه)، وينصره ظالماً ومظلوماً (فأما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه)، ولا يسلمه (لا يتركه فريسة عند العدو، ولا يتجاهله عند الخطر)، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يحب لنفسهن ويكره له ما يكره لنفسه)).
بعد أن يكون أبناؤك قد تعلموا هذه الحقوق وأدوها تجاه إخوانهم ـ حينئذ ـ لا تخش على نور الحب أن ينطفئ بينهم، بل وكن على أمل كبير من ازدياد شعلة الحب والمودة بصورة مستمرة ودائمة.
1- لا تتولَّ زمام المبادرة عوضا عنه، ولا تقلق من لحظات سكونه، لأنك بملاحظتك وانتظارك وإنصاتك له سوف توجد فرصا مناسبة للتواصل مع طفلك.
2- كن وجها لوجه أثناء جلوسك مع طفلك.
3- كرر الأفعال الروتينية التي يحبها طفلك حتى يكون قادرا على توقع ما سيحدث، ثم انتظر حتى يستجيب، لأنه سيتوقع ماذا سيحدث بعد قليل.
4- اعمل على إثارة حاسة الفضول لديه، وذلك بتوفير فرص وأنشطة يهتم بها كثيرا، بحيث يقوم باستكشاف هذه الفرص والأنشطة.
5- حاول إغراءه بالأنشطة التي يحبها بشكل خاص.
6- قلد وفسر أي محاولة منه للتواصل مهما كانت بسيطة.
7- لا تذكر أمامه للناس أنه خجول حتى لا يرسخ هو هذه الصفة في نفسه.
8- عندما تذهب معه لمكان حدثه عن المكان والأشخاص الذين سيقابلهم والمواقف المحتمل حدوثها.
9- احترم خجله ولا تضغط عليه أمام أحد ليسلم عليه، أو يلعب معه، أو يفعل شيئًا لا يرغبه، ولكن حدثه دائما عن خبراتك وتجاربك وأهمية الاحتكاك بالناس والتفاعل معهم.
10- شجعه على أن يقوم ببعض المهام وحده وعلى المشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة مع أقرانه في المدرسة والعائلة، واستخدم معه جدول الحافز وأعطه هدية أو امدحه حين يفعل شيئا إيجابيا وعزز ثقته بنفسه دائما.
وأرجو أن تراجع استشارتنا: القاعدة الصدئة.. كبرى معززات الخجل.
أما عن عناد طفلك: فهذه طبيعة سنه، يبدأ منذ سن الثانية ويستمر في محاولة لإثبات الطفل لذاته والتعرف على ردود أفعال من حوله ورغبته في الشعور بالاستقلال، وللتعامل مع الطفل العنيد عليك:
- التحلي بالهدوء، فمقابلة العناد بعناد مثله أو بالصراخ لن يأتي بنتيجة.
- اترك لطفلك مساحة من الحرية في تحديد بعض قراراته ورغباته –ما دامت أنها لا تتعارض مع قانون منزلكم- فهذا أيضا سيعزز ثقته بنفسه، كما أن كثرة اللاءات والمرفوضات تضيق على الطفل وتزيد من عناده وتمرده.
- لا تسمح لطفلك أن يضغط عليك بعناده فتستجيب لطلباته حتى لا يعتمد هذا الأسلوب وسيلة للحصول على ما يريد.
- لا تضع ابنك في مواقف تحتم عليه رفض ما تطلبه منه فتزيد من صفة العناد لديه، فلا تطلب منه مثلا ترتيب حجرته أثناء اندماجه في اللعب مع صديق أو مشاهدة برنامجه المفضل.
- من المهم والجميل إشعار طفلك بالحب واحتواؤه والصبر عليه، ولكن احذر ثم احذر من تدليله لتعويضه شيئا آخر أو امتصاص غضبه.
- صاحب ابنك واستمع له وافهم مبرراته وما يغضبه، واترك له مساحة للبوح والفضفضة دون أن تخطئه وتلومه، فهذا سيقلل من عناده ويمتص غضبه.