جاء في كتاب الخوف والرجاء من كتاب الأنوار للمرحوم العلامة المجلسي رضوان الله عليه، انه كان في بني اسرائيل رجل ينبش القبور، فاعتل جار له فخاف الموت .. فبعث إلى النبّاش فقال : كيف كان جواري لك ؟.. قال : احسن جوار .. قال : فانًّ لي اليك حاجة .. قال : قضيت حاجتك .. قال: فاخرج له كفنين ، فقال : احب أن تأخذ احبّهما اليك ،واذا دفنت فلا تنبشني .. فامتنع النباش من ذلك وابى ان يأخذه ، فقال له الرجل: احب ان تأخذه ، فلم يزل به حتى اخذ احبهما ، ومات الرجل .
فلما دفن قال النبّاش : هذا قد دفن، فما علمه بأني تركت كفنه أو اخذته.. لآخذنّه، فأتى قبره فنبشه ، فسمع صائحاً يقول ويصيح به : لاتفعل .. ففزع النباش من ذلك ، فتركه وترك ما كان عليه.. وقال لولده : اي اب كنت لكم ؟.. قالوا : نعم الأب كنت لنا .. قال : فانًّ لي اليكم حاجة .. قالوا : قل ما شئت ، فانّا سنصير اليه ان شاء الله .. قال : فأحب ان انا متُّ ان تأخذوني فتحرقوني بالنار ، فاذا صرت رماداً فدقّوني ، ثم تعمّدوا بي ريحاً عاصفاً فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر . قالوا : نفعل .
فلما مات فعل بعض ولده ما اوصاهم به .. فلما ذروه قال الله عز وجل للبر : اجمع ما فيك ، وقال للبحر : اجمع ما فيك .. فاذا الرجل قائم بين يدي الله جل جلاله ، فقال له : ما حملك على ما أوصيت ولدك ان يفعلوه بك؟.. قال : حملني على ذلك وعزّتك خوفك.
فقال الله جل جلاله : فاني سأرضي خصومك ، وقد آمنت خوفك وغفرت لك .
قال الشاعر :
ايها ذا الناس ما حلًّ بكم .. عجباً من سهوكم كل العجب
وسقام ثم موت نازلُ ثم قبر ونزول وجــلب
وحساب وكتاب حافظ وموازين ونـار تلـتهب
وصراط من يقع عن حده فالى خزي طويل ونصب . ديوان أبي العتاهية: ص73
قال اسحاق بن ابراهيم الطاهري : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في النوم وهو يقول : اطلق القاتل !.. فارتعت لذلك ، ودعوت بالشموع ونظرت في اوراق السجن، واذا ورقة فيها ان رجلاً ادعي عليه بالقتل واقر به.. فأمرت باحضاره .
فلما رأيته وقد ارتاع قلت له : ان صدقتني اطلقتك . فحدثني انه كان هو وجماعة من اصحابه يرتكبون كل عظيمة ، وان عجوزاً جاءت لهم بامراة ، فلما صارت عندهم صاحت : الله!.. الله !.. وغشي عليها .. فلما افاقت قالت : انشدك الله في امري !.. فانًّ العجوزة غرتني وقالت: ان في هذاه الدار نساء صالحات ، وانا شريفة جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وامي فاطمة ، وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم فيًّ .
فقمت دونها وناضلت عنها ، فاشتد علي واحد من الجماعة وقال : لا بد منها .. وقاتلني فقتلته ، وخلّصت الجارية من يده . فقالت : سترك الله كما سترتني ..وسمع الجيران الصيحة ، فدخوا علينا فوجدوا الرجل مقتولاً والسكين بيدي ، فامسكوني وأتوا بي اليك وهذا امري .. فقال اسحق : قد وهبتك لله ولرسوله .. فقال : وحق الذين وهبتني لهما لا اعود إلى معصيته ابداً .
نلاحظ في هذه القصة ان الرجل قد نجا من القتل ، وشمله لطف الله ورسوله ، لانه ترك الحرام ،واعان مظلوماً في سبيل الله ، ولأجل حرمة رسوله.
قال الشاعر :
إياك والبغي والبهتان والغيبة والشك والكفر والطغيان والريبة
ما زادك السن من مثقال خردلةٍ الاّ تقرب الموت مـنك تقريبه
فـما بقـاؤك والأيام مسـرعة تصعيدة منك أحـياناً وتصويبه . ديوان أبي العتاهية: ص64