العزيز الجزائري ،،
هل تتصور أن المرجع الفلاني كائناً من كان لمجرد كونه مرجعاً شيعياً كبيراً بل حتى لو كان الأكبر بين أقرانه بإمكانه أن يجري عملية جراحية في دماغ مريض ؟؟.. أنا لا أتحدث عن البركات و التبريكات و الأحراز و الأدعية ،، أتحدث عن تداخل جراحي أتحدث عن عملية واقعية فسلجية ،، لا أتصور أن جنابكم الكريم يجازف بقول "نعم هو يستطيع" ،، لأنك على علم كما يعلم الجميع أن هكذا أمر يتطلب إلماما بفن الطب و تخصصاً في علم الجراحة ،،
كذلك الفقيه الذي لا يوجد في نتاجه العلمي و الأدبي و الفكري أي طرح سياسي و لم يحدث أنه قد تخصص في أي علم يتعلق بالسياسة كعلم الإقتصاد السياسي و الفكر السياسي و فن إدارة الدولة و إدارة الأزمات السياسية و القانون الدولي و العلاقات الدولية و ليست له أية تجربة سياسية معتد بها فإنه يكون في هذا المجال شأنه شأن أي هاوٍ لعلم السياسة ممكن أن يتكلم بها بقدر قراءاته التي قد تتفوق جنابكم الكريم عليه فيها ،،
لذلك يا عزيزي عجزت حوزاتنا الدينية في العراق عن صناعة أي مشروع سياسي بإمكانه أن يغير معادلات العمل السياسي محلياً و إقليمياً و دولياً كما عجزت عن إنتاج و لو نخبة سياسية متمكنة قادرة على قيادة البلد بالرغم من إننا نعيش في حرية فكرية و علمية منذ أحد عشر عاماً،، و كما يقول القول المأثور ( لو كان لبان )
و من هذا الباب فلا أتصور أن إفتقار أي مرجع فقهي للحنكة السياسية و الغلبة السياسية و الإقتدار بعلم السياسة منقصة في مرجعيته الفقهيه لأنها ليست في مجال تخصصه ،، قد يكون الرجل حاله في هذا المجال مثل حالنا ،، يطلع على الجرائد و المقالات و يقرأ القراءات التي قد تكون معظمها منقوصة ،، ثم يصدر آراءه الظنية بحسب تصوره و استنتاجه ،،
فلو كان الحكم الظني في الفقه الديني مقبولاً من المرجع و هو صاحب إختصاص فيه فمن باب أولى يكون الحكم الظني في السياسة و علومها مقبولاً ،، أما أن نعتقد أن كل ما يصدر عن المرجع الفقهي في كل مجالات الحياة هو القول الفصل و ما دونه الهزل فهذا يحتاج منا أن نتنازل عن العقل و المنطق و نسلم للعواطف الجياشة ..
كل التقدير لقلمك و لما تطرح أخي العزيز
التعديل الأخير تم بواسطة الرجل الحر ; 22-03-2014 الساعة 09:59 AM.
الاخ العزيز الرجل الحر
تحية طيبة وبعد ...
اود التعقيب على مداخلتكم الاخيرة بايجاز ابدأه بتوطئة
توطئة
توافر الثقافة الواسعة للعلماء :
في العصور القديمة والوسطى نشات العلوم المختلفة قبل استقلالها في احشاء الدراسات االفلسفية وانضوت تحت سقفها قبل ان تستقل البعض منها وبالذات العلوم الطبيعية ابان عصر النهضة ولع الغربيون في العصور الحديثة بالتخصص الضيق ، واشتد اعتزاز العلم الطبيعي بمناهجه التجريبية ، حتى استخف اهله بسائر فروع المعرفة البشرية ومناهجها الاخرى ، ولكن في القرن العشرين قد شهد تحولا فجائيا افضى الى نوع من التقارب بين العلم التجريبي وغيره من فروع المعرفة البشرية . وكان هذا بعد ان غابت النزعة المادية على ذلك العلم وانهارت الآمال التي علقها عليه الناس في اسعاد البشرية . وايد هذا التحول واضعو المناهج العلمية حين طالبوا الباحثين بالوقوف على كل ما من شأنه ان يساعدهم على دراسة موضوعاتهم وفهمها على احسن الوجوه . ومن ذلك انهم أوصوا الطبيب بأن يلم بعلوم الاحياء والكيمياء والصيدلة والطبيعة والنفس وغيرها .
اما عن التراث العربي فقد اقتضت روح العصر ان تتهيأ للمفكر هذه الثقافة الواسعة التي يتيحها له عمره ، لأن فروع المعرفة – ومنها العلم الطبيعي – كانت مذابة في الفلسفة . بل ان العلوم الطبيعية حتى في أوروبا لم تعرف طريقها الى الاستقلال الا بعد ان وضعت مناهج البحث العلمي المختلفة . فكان تراث الفيلسوف الكبير - ((كأرسطو))قديما ((وابن سينا )) في العصور الوسطى – دائرة معارف تشمل كل ما عرفه عصره من فلسفة وعلم طبيعي ورياضي وفن وغيرهذا ، مما في نطاق المعرفة المنظمة ، وان كان هذا لا يمنع من ان يغلب على تفكير المفكر العربي وبحوثه اتجاه يجعله اقرب الى الفلكيين او الكيميائيين او الفلاسفة او الفقهاء . واقتفى هذا الوضع ان يكون العالم العربي والإسلامي على إلمام واسع بثقافة عصره في اوسع مجالاتها ، فلم يكن غريبا بعد هذا ان نعرف من الفلاسفة والعلماء من تفوق في الطب – كأبن سينا وابن رشد – ومنهم من درس الموسيقى وبرز فيها – كالكندي والفارابي – ومصداق هذا كله في مقدمة " ابن خلدون " التي كانت من المعرفة بحيث شملت ثقافات العصر على أكمل وأحسن الوجوه . وهكذا تحققت في المفكر العربي والإسلامي خاصية الثقافة الواسعة التي اوجب المحدثون من الغربيين توافرها في المحدثين من العلماء .
وتأسيسا على ما أسلفنا اقول ان المرجع او العالم ممكن ان يكون ملما بعدد من العلوم والفنون والتخصصات ولا غرو ولا إغراق ولا مبالغة خاصة اذا علمنا ان العلماء والفقهاء يقضون أوقاتهم ويفنون أعمارهم في طلب العلم والتوسع في مواضيعه والتزود من العلوم العصرية الحديثة قدر تعلقها بالأهداف التي خططوا للوصول اليها . وعدم طباعة وصدور كتب او نشرها ليس دليل على افتقار العالم للعلم .
ثم انك قارنت بين امكانية بلوغ المرجع الى التخصص الجراحي فرع علم الطب والذي هو من العلوم الطبيعية التي تصطنع منهج الملاحظة الحسية والتجربة العلمية وتتناول الظواهر الجزئية في عالم الحس ويستهدف وضع قوانين لتفسيرها ، بالكشف عن العلاقات التي تربط بينها وصياغة قوانين ونظريات .
وبين العلوم الانسانية (الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والتاريخ والسياسة والقانون ) التي لا تصطنع المناهج التجريبية (التجربة العلمية والظواهر الحسية الجزئية ) فتنتفي الجبرية او الحتمية التي تعتبر طابع العلم الطبيعي فالظاهرة الاجتماعية كالفقر مثلا تدفع وتحتم على افراد احد المجتمعات الإقبال على الانتحار ، بينما يتوافر هذا الفقر في بيئة اخرى تكاد تخلو منها ، فالظاهرة الاجتماعية ظاهرة شديدة التعقيد ولا تطَّرد على غرار واحد وقس على ذلك في بقية الظواهر السياسية والاقتصادية .
ولذلك الا تخضع هذه العلوم الى نفس المناهج التي تخضع لها العلوم الطبيعية لدلك يلجا أصحاب هذه العلوم في الاستعاضة عن التجربة العلمية الى التجارب الماضية والتاريخية والحكمة والعقل والاستدلال المنطقي . واكتفي بهذا العرض المجمل والموجز .
فيا ايها العزيز لم تعجز حوزتنا العلمية في العراق عن صناعة مشروع سياسي بل عجز الشعب عن استثمار وقبول المرجعية كمشروع سياسي اسلامي ، لقد قدم العراق القرابين من العلماء الذين تصدوا للعمل السياسي وليس ذلك عنكم ببعيد ، الا ان صفة الخذلان والنفاق والخلاف وحب الدنيا وعدم الاكتراث والاهتمام بالجانب السياسي التي يتصف بها الاعم الاغلب من الشعب حالت دون تكرر النموذج الايراني في العراق .....واحيلك الى تاريخ العراق الحديث خاصة ثورة العشرين ورسائل العلماء الى الشعب لاستنهاضهم الى الجهاد وعملية التعبئة الجماهيرية وما صاحبها وغير ذلك من الاحداث والوقائع التاريخية الحديثة والمعاصرة والكلام ذي شجون .
اما الحكم الظني فأليك نص القاعدة التي عليها الطائفة الشيعية ((الاصل في الظن عدم الحجية ))
او بألفاظ اخرى ((حرمة التعبد بالظن الذي لم يدل دليل قطعي على التعبد به ))
(( عدم حجية ما يشك في حجيته من الامارات ))
(( حرمة التعبد بكل أمارة لم يعلم التعبد بها من قبل الشارع ))
وبناءا على هذه القاعدة فلا حكم ظني من قبل الفقيه في الفقه الديني مبني على الاستحسان او القياس او الذوق الخاص او العواطف الجياشة او الاهواء بل يصطنع المنهج الاستدلالي العقلي والنقلي معا فلا يفارق المنطق والعقل في تفكيره .
واخيرا كل التقدير لمداخلتك ايها الاخ الاعز الرجل الحر التي تنم وتعبر عن مرارة من الوضع الحالي وشوقا الى النهوض به وتغييره ونحن نشاطرك هذه المشاعر من رجل حر واسع الفكر طويل العمر ان شاء الله ليشهد انتصار الحق على الباطل بسيف الله وسهمه القاتل وليه الاعظم عجل فرجه الشريف .