العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:38 AM


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 13 ـ 14

* لا بدّ لكلّ عمليّة إصلاح أن تتبنّى مفاهيم عامّة وتصوّرات عامّة- تتحدّد بالتدريج- عن وضع الحوزة في الأمّة، وماذا يُراد من الحوزة للأمّة، وما هو الدور الذي يجب أن تؤدّيه للأمّة. يجب أن نبدأ من مفهوم يشخّص رسالة الحوزة في الأمّة، ثمّ على ضوء هذا المفهوم نضع نظامها الإداري وسياستها الماليّة، ونضع مناهجها الدراسيّة. على أساس هذا المفهوم نبني هذه الحوزة، لا أنّه نبني الحوزة وبعد هذا نفكّر في جانبها الوظيفي.
* قد يكون الإنسان عادلًا بالنسبة إلى سلوكه الذاتي الشخصي، ولكنّه لا يكون عادلًا بالنسبة إلى سلوكه الوظيفي بتلك الدرجة، ولذلك يحتاج إلى درجة من التوعية وتنمية هذا الجانب الوظيفي، ولذلك لو لم يوعِّ ويثقِّف ويمرِّن هذا الوجود الوظيفي، فسوف يحصل اختلال في مستوى التديّن.
* هل تصدّقون أنّه في النجف الأشرف نفسه، في مركز الحوزة العلميّة في النجف، الذي من المفروض أن يموّن بإشعاعه الفكري والعلمي والروحي والديني كلّ العالم، أو على الأقلّ كلّ العالم الإسلامي، أو على الأقلّ كلّ العالم الشيعي، يوجد آلافٌ من الناس لا يعرفون أحكام رسالتهم، غير منفتحين على رسالة مكّة ولا على مبادئ مكّة، منجرفون مع تيّارات أخرى أو جاهلون أو مقصّرون .. من الذي يسأل عن هؤلاء أمام الله؟ نحن نسأل أمام الله عن منحرف انحرف عن دينه، وعن منحرف انحرف في آخر نقاط العالم الإسلامي في وجود إمكانيّات، فكيف لا نسأل عن منحرف انحرف في أوطاننا، في أهلنا، في بلدنا؟! كيف ندّعي أنّنا من الدعاة إلى الله ويوجد في بلدنا من لا يعرف من الإسلام شيئاً ونحن لا نفكّر فيه؟
* لماذا تعيش الحوزة في هذا البلد مئات السنين، ثمَّ بعد هذا يظهر إفلاسها في نفس هذا البلد الذي تعيش فيه؟! .. وإذا بأبناء هذا البلد أو ببعض أبناء هذا البلد، يظهرون بمظهر الأعداء والحاقدين والحاسدين والمتربّصين بهذه الحوزة .. ألا تفكّرون في أنَّ هذه جريمتنا قبل أن تكون جريمتهم؟ في أنّ هذه هي مسؤوليّتنا قبل أن تكون مسؤوليّتهم؟ لأنّنا لم نتعامل معهم، نحن تعاملنا مع أجدادهم ولم نتعامل معهم!
هذه الأجيال التي تحقد علينا، التي تتربّص بنا اليوم، تشعر بأنّنا نتعامل مع الموتى، لا نتعامل مع الأحياء، ولهذا يحقدون علينا، ولهذا يتربّصون بنا؛ لأنّنا لم نقدّم لهم شيئاً، لأنّنا لم نتفاعل معهم.
* اليوم أمام كلّ واحد منّا صار واضحاً أنّ أيّ انحراف عن خطّ الإسلام في سلوكنا، في وضعنا، في أخلاقنا، في عواطفنا، هذا الانحراف، هذا التكاسل، هذه النزعة التحطيميّة التحريميّة لأيّ نوع من العمل الصالح في الحوزة، هذا الذي يؤدّي بنا إلى ما أدّى، وسوف يؤدّي إلى الدمار حتماً إذا لم يتغيّر الوضع الداخلي في الحوزة. لا يكفي أن يتغيّر الوضع الخارجي، يحتاج الوضع الداخلي إلى التغيير، تحتاج ضمائرنا إلى تطهير، تحتاج نفوسنا إلى تطهير، نحتاج أن نشعر بمسؤوليّتنا اليوم ..
* إنّ الإسلام الذي قام بإعالتك، قام بالإنفاق عليك أو عليّ، قام بإعالتنا والإنفاق علينا .. هذا الإسلام نحن مدينون له بوجودنا، مدينون له بأموالنا، مدينون له بكرامتنا، بعزّتنا، بكلّ ما نملك من اعتبار، هذا الإسلام إذا كلّفنا أن نقيم على الضيم أسبوعاً، أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، أن نتحمّل الأذى في سبيل الله، أن نصمد، أن نصبر في سبيل أن لا يتفتّت، في سبيل أن يواصل وجوده حتّى تنكشف هذه الأزمة عن الإسلام والمسلمين .. إذا كلّفنا ذلك فليس هذا التكليف بالنسبة إلينا تكليفاً غير طبيعي؛ لأنّه هو المحسن الذي كان دائماً يقدّم ونحن نأخذ، الذي كان دائماً يتفضّل ونحن نستفيد، الذي كان دائماً يسدّد ونحن نتمتّع بكلِّ ما يقدّم لنا من خيرات ومكاسب وجاه عريض .. ما هو جاهنا؟! ما هو اعتبارنا لولا الإسلام؟! (1)
* إذن لا بدّ من حسين جديد لهذه الحركة ولا بدّ من زينب، ولا بدّ من رجال كأصحاب الحسين (ع)، وهذا أمر مستحيل، فلا يمكن لأيّ إنسان أن يمتلك كلّ هذه المواصفات التي يمتلكها الحسين (ع)، ولا مقوّمات ثورته بالكامل. وإذا كان الأمر مستحيلًا، فلا بدّ من قطارٍ من الدماء ورتلٍ ضخمٍ من التضحيات تشكّل بمجموعها جزءاً من مقوّمات مأساة الطف، لتحرّك ضمير هذه الأمّة الميتة وتوقظ مشاعرها وأحاسيسها، وعلى المسلمين أن يكونوا دائماً على أهبّة الاستعداد لتلبية نداء الإسلام متى استصرخهم لنصرته، لعلّ في قطار الدم عودةً إلى الواقع الرسالي الكريم (2)
* [و] أنتم معي على الرغم من الزّمان، وعلى الرغم من المكان، ولتكن هذه المعيّة في اللّه، ومن أجل اللّه، تعبيراً حيّاً عن لقائنا باستمرار، إلى أن يجتمع الشمل وتعود الأغصان إلى الشجرة الأمّ.
والسّلام عليكم من قلب لا يملّ الحديث معكم ورحمة اللّه وبركاته (3)

__________________________________________________
(1) مقاطع من محاضرات للسيّد الصدر (رحمه الله) خلال السنوات 1385، 1387 و 1389 هـ، تراجع في محلّها من الكتاب‏
(2) المجموعة الكاملة لمؤلّفات السيّد محمّد باقر الصدر 13: 95، محاضرة حول ثورة الإمام الحسين‏
(3) من رسالة صوتيّة مسجّلة للسيّد الصدر (رحمه الله)، تجد نصّها كاملًا ضمن أحداث سنة 1394 هـ.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 15

- 1-

«العلاقات في داخل كلّ أمّة قد تكون غير قائمة على أساسٍ حق، قد يكون الإنسان المستضعف فيها جديراً بأن يكون في أعلى الأمّة ..
هذه الأمّة، تعاد فيها العلاقات إلى نصابها الحق. هذا هو الشي‏ء الذي سمّاه القرآن الكريم بيوم التغابن. يحصل التغابن عن طريق اجتماع المجموعة، ثمّ كلّ إنسان كان مغبوناً في موقعه في الأمّة، في وجوده في الأمّة، بقدر ما كان مغبوناً في موقعه في الأمّة يأخذ حقّه، يأخذ حقّه، يوم لا كلمة إلّا للحق».
محمّد باقر الصدر
2 / 5 / 1979 م‏
- 2-

«... السيّد محمّد باقر الصدر الذي كان عقلًا إسلاميّاً مفكّراً، وكان مرجوّاً أن ينتفع منه الإسلام بشكل أوسع، وأنا أرجو أن يُقبِلَ المسلمون على مطالعة كتب هذا الرجل العظيم، حشره الله تعالى مع أجداده العظام، وحشر أخته المظلومة مع جدّتها» «1».
روح الله الموسوي الخميني‏

- 3-

السيّد الصدر مظلومٌ لأنّه ولد في الشرق، ولو كان مولوداً في الغرب لعلمتم ماذا يقول الغرب فيه ... هذا الرجل فلتة، هذا الرجل عجيبٌ في ما يتوصّل إليه وفي ما يطرحه من نظريّات وأفكار «2».
أبو القاسم الموسوي الخوئي‏

- 4-

على الزعيم السياسي أن يرى لليوم وللغد ولما بعد الغد، وهذا متوفّرٌ في السيّد محمّد باقر الصدر، وحسبه أنّه استطاع أن يضع حلولًا لأمور بقيت عالقة مائةً وخمسين عاماً تهيّب الفقهاء من الدنوّ منها «3».
موسى الصدر

- 5-

هذا الرجل أخرج النجف من الكتب الصفراء إلى الكتب البيضاء، هذا الرجل عرّف العالم على النجف الأشرف بعد أن كانت مطمورة .. «4»
محمّد جواد مغنيّة

__________________________________________________
(1) صحيفه نور (فارسي) 14 : 280 .
(2) قولان للسيّد الخوئي (رحمه الله) (انظر أحداث سنة 1369 هـ) [في الكتاب].
(3) الإمام السيّد موسى الصدر .. محطّات تاريخيّة [السيد حسين شرف الدين ، دار الارقم ، بيروت، 1996] : 49
(4) انظر أحداث سنة 1395 هـ.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 16

- 6-

«يحقّ لكلّ مجمع علمي أن يرفع رأسه فخوراً بما قدّمه إنسانٌ كبيرٌ كهذا العالم الجليل. كان دونما ترديد نابغةً وكوكباً ساطعاً؛ فهو من الناحية العلميّة جمع في رجل واحد الشمول والعمق والإبداع والشجاعة العلميّة، ويعدُّ مؤسّساً وصاحب مدرسة في علم أصول الفقه، وفي الفقه والفلسفة، وما يرتبط بهذه العلوم.
ما كان يمتلكه من كفاءة غير عاديّة، ودأب قلّ له نظير، جعل منه عالماً متعمّقاً في ألوان الفنون، ولم ينحصر ذهنه البحّاث ورؤيته الثاقبة في آفاق علوم الحوزة المتداولة، بل أحاط بالبحث والتحقيق كلّ موضوع يليق بمرجع ديني كبير في عالمنا المتنوّع المعاش، خالقاً من ذلك الموضوع خطاباً جديداً، وفكراً بكراً، وأثراً خالداً.
درّة علم وبحث، وكنزٌ إنسانيٌّ لا نفاذ له، لو بقي ولم تتطاول إليه اليد المجرمة لتخطفه من الحوزة العلميّة، لشهد المجتمع الشيعي خاصّة، والإسلامي عامّة، في المستقبل القريب، تحليقاً آخر في سماء المرجعيّة والزعامة العلميّة والدينيّة.
الشهيد آية الله الصدر هو دونما شكّ أسوة وقدوة للطلّاب والفضلاء الشباب؛ دروسه في بناء الإنسان لم تنته بشهادته المفجعة، ومنهجه في البحث ماثل أمام الفضلاء الشباب في الحوزة العلميّة، وإشارة إصبعه توجّههم إلى طريق العظمة والمجد العلمي، مقروناً بالتفتّح والرؤية العلميّة.
الحوزات العلميّة اليوم بحاجة أيضاً إلى الشهيد الصدر، وإلى كلّ عنصر فيه من الهمّة والطاقة، ما يساعدهم على متابعة طريقه العلمي، ورؤيته الإسلاميّة، ونظرته العالميّة.
صلاةً وتحيّةً من الأعماق أبعثها إلى تلك الروح الطاهرة، وإلى أخته الشهيدة المظلومة بنت الهدى، سائلًا الله سبحانه وتعالى الرحمة وعلوّ المنزلة لهما، وتوفيق نموّ الفضلاء الشباب في الحوزات وتربيتهم على هذا النحو.
السيّد علي الخامنئي‏
21 شوّال 1421 هـ» «1».

- 7-

«كان أحد أصدقائنا يقول: ... عندما كنتُ صغيراً .. كنتُ أرى الأطفال يتجمّعون حول القطار عندما يتوقّف، وكانوا ينظرون إليه ولسانُ حالهم يقول: ما هذا المخلوق العجيب؟! وكان واضحاً أنّه يحتلُّ في قلوبهم مكانةً ومنزلة، وما دام متوقّفاً فقد كانوا ينظرون إليه بعين التعظيم والتكريم والاحترام والإعجاب. ولكن عندما تحين ساعة الانطلاق، يأخذون بالهرولة إلى جانبه ليرشقوه بالحجارة. وكنتُ أعجب لهذا الأمر وأتساءل: إذا كان لا بدّ من رميه بالحجارة، فلماذا لا يُرمى وهو ساكن؟! وإذا كان جديراً بالاحترام، فلماذا لا يكون له ذلك وهو يتحرّك؟!
لقد بقي هذا الأمر بمثابة اللغز بالنسبة لي، إلى أن كبرت ودخلت المجتمع، حيث وجدت أنّ حياتنا [ ] تخضع لهذا القانون المطّرد؛ فإنّ أيّ شخص وأيّ شي‏ء، طالما هو ساكن فهو محترم، طالما هو صامت فهو معظّم ومبجّل، ولكن بمجرّد أن يتحرّك يصبح بلا مُعين، بل يصبح مرمىً للحجارة ..» «2».
مرتضى المطهّري.

***
__________________________________________________
(1) من نداء الإمام الخامنئي إلى (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره))
(2) احياى تفكّر اسلامى (فارسي) : 22- 23، وما بين [ ] : «نحن الإيرانيّين».


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:51 AM


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 17 - 18

كلمة شكر


لأشكرنّك إنّ الشكر من أممٍ حقٌّ على حامل المعروف مفروضُ «1»
البحتري‏

أيّ شكرٍ به أقوم لقومٍ حمّلوني من الجميل جبالا «2»
ناصيف اليازجي‏
__________________________________________________
(1) ديوان البحتري‏
(2) ديوان ناصيف اليازجي.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 19

إنّ أخلاقيّة البحث العلمي تستدعي الإشارة إلى أنّ الكتاب لم يكن ليصدر بصيغته الحاليّة لولا مساعدة العديد من الأشخاص وتواتر خدماتهم. وقبل سرد أسمائهم، أرغبُ في التوجّه بالشكر الخاص إلى من كان له ارتباطٌ خاصٌّ بهذا المشروع، وأتقدّم بالشكر أوّلًا إلى:


ممثَّلًا بمديره العام السيّد نور الدين الإشكوري الذي بسط لي يد جوده، وأطلق عنان عونه، ومنحني وافر ثقته، واضعاً تحت تصرّفي الكامل أرشيفاً معلوماتيّاً ضخماً.
* وأشكر إلى جانبه السيّد حامد علي الحسيني الذي بذل على مدى سنين متمادية جهوداً جبّارة في سبيل جمع هذا الأرشيف، فيسّر لي بذلك الاطّلاع على ما أفادني في الكتاب أيّما إفادة.
* كما أتوجّه بالشكر الخاص إلى أسرة الشهيد الصدر على حسن استقبالها وعظيم لطفها، وبذلها ما أمكن من مساعدةٍ وإرشاد: زوجته السيّدة أم جعفر الصدر، ونجله السيّد محمّد جعفر، وكريمتيه أم أحمد وأم علي، وقد تفضّلت السيّدات بقسطٍ من وقتهنّ صرفنه في مطالعة الكتاب في مسودّته قبل الأخيرة، متفضّلات بالإضافة والتصحيح بالقدر الذي سمح به الوقت.
* ولا يفوتني استنزال الرحمة على روح السيّد عبد الغني الأردبيلي (ره)، الذي أثمرت مثابرته وجهوده مجموعة نفيسة من الوثائق والمعلومات والمحاضرات والتقريرات، والتي كان لها دور بارز في إثراء مواد الكتاب.
* وإلى جانب من ذكرت، أتقدّم بالشكر الخاص إلى كلّ من كانت له علاقة خاصّة بهذا المشروع بالذات، دون الأعمال الأخرى المرتبطة بالسيّد الصدر، وأذكر منهم «1»:
الدكتور جودت القزويني.
السيّد حسين شرف الدين.
الشيخ عبد الحليم الزهيري.
السيّد علي أكبر الحائري.
الشيخ محمّد رضا النعماني.
السيّد محمّد الغروي.
السيّد محمود الخطيب.
وذلك على تفاعلهم الخاص مع المشروع وبذلهم ما أمكنهم في سبيل تطويره وإنجاحه.
* ثمّ أتوجّه بالشكر إلى كلّ من أفادني ممّن عاصر الشهيد الصدر (ره) وعايشه، وجاد عليّ بما لديه أو بشي‏ءٍ منه، إضافةً إلى كلّ من أفادني في هذا العمل بنحو أو بآخر، بإعارة كتابٍ أو نقل معلومةٍ أو الإجابة عن استفسار أو تقديم خدمة، أو غير ذلك ممّا ساعد في اكتمال هذا العمل ..

__________________________________________________
(1) سأعمد إلى سرد أسماء الأشخاص بحسب التسلسل الأبجدي.









من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:53 AM


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 25

مقدمة المؤلف‏

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 26

«إنّي رأيت أن لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه إلّا قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أجمل، ولو ترك هذا لكان أفضل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص في جملة البشر».
العماد الإصفهاني‏
«لو كنت لأنتظر الكمال لما فرغت من كتابي إلى الأبد».
تاي تنج «1»

________________
(1) قصّة الحضارة 1: ك.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 27

لا زلتُ أذكر جيّداً إحدى سهراتنا مطلع التسعينات في ليلة من ليالي صيف عاملة، حيث البحر يلوح نهاراً لمن أمعن النظر في الأفق، ومن خلفنا وعلى مقربة منّا الجبل الرفيع، الذي سقت تربتَه دماءُ الشهداء الذين قضوا فيه ذوداً عن حمى الدين.
كان المتسامرون يتجاذبون أطراف الحديث حول بعض الفتاوى الفقهيّة، والتي كانت بنظر بعضهم مطّاطيّة يحار فيها المكلّف. وكان كلُّ شي‏ءٍ طبيعيّاً قبل أن يختم والدي الحديث معزّزاً يأس المتسامرين بقوله: «لو كان السيّد محمّد باقر الصدر حيّاً لعالج المسألة بطريقة مختلفة».
ربّما لم أكن يومها أعرف شيئاً عن السيّد محمّد باقر الصدر سوى أنّ له في مكتبة والدي كتاباً فلسفيّاً كان قد أثار فضولي ضميرُ الجمع المتّصل (نا) المثبت في عنوانه، وقد حفّته في مخيّلتي أحاديث المهابة والتقدير التي كنتُ أسمعها من والدي حول وزن الكتاب العلمي، فكنتُ أكتفي بنقله من مكانٍ إلى آخر داخل المكتبة التي كنتُ ملتزماً بترتيبها كلّما سنحت لي الفرصة.
لقد تساءلتُ في تلك الليلة عن السبب الذي قد يجعل هذا السيّد يعالج المسألة بطريقة مختلفة، وما هو السبب الذي يجعله متميّزاً؟! ومع أنّي لم أحاول يومها التثبّت من إمكان المصادقة على هذه المقولة، ولم أحاول البحث عن جواب تساؤلي، إلّا أنّني أودعتُه صفحة من صفحات الذاكرة، علّي أجد له يوماً جواباً.
وبعد عدّة سنوات، تيسّر أمر سفري إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من أجل متابعة الدراسة، حيث رحت ألتقي بمحمّد باقر الصدر متألّقاً في منتديات العلم والمعرفة، فضلًا عن حضوره البارز نقطةَ حسمٍ وفاصلةَ نزاعٍ في أسطر الخطاب السياسي لمختلف شرائح المعارضة العراقيّة، حيث لعب بوضوح دور (ليلى) التي يسعى إلى وصلها الجميع. ولا ينبغي لي أن أُغفل عظيم الحفاوة التي يحظى بها عند طبقة الكسبة والمعوزين من العراقيّين المهاجرين، الذين لا يضنّون عليه بعبارات الترحّم والتحسّر، وقد أسكنته تلك المنزلةَ الرفيعة ترابيّتُه العجيبة التي عاش بها معهم ..
في هذه المنتديات عثرتُ على جواب تساؤلي القديم الذي سبقني إليه والدي بسنوات، فقد أدركتُ- وبوضوحٍ لا يساوره شكّ- أنّ الحديث عن الصدر حديثٌ عمّا هو (مختلف)، إلّا أنّ اختلافه هذا وخروجه عن كثيرٍ من مسلّمات بيئته لم يكن خروج المتهوّر، بل خروج الثمر اليانع عن جذع أمّه. وفي هذه المنتديات أيضاً، عرفت معنى (نا) التي رفعها الصدر شعاراً، بل وجدته هو بنفسه (نا) أخرى، إذ كان بحق- طيّب الله رمسه- ضميراً فاعلًا لرفع الجمع المتّصل ..
لقد شكّلت محطّتي الجديدة هذه سبباً دعاني إلى محاولة التعرّف على شخص محمّد باقر الصدر بشكل أعمق، ثمّ على مواقفه في ميادين المعرفة وحقول العمل السياسي والاجتماعي، وقد شدّني إليه محاضرةٌ بصوته سمعت كلماتها مرّات عديدة، وقد أكّدت لي إخلاص الرجل وتمحضّه .. إلّا أنّ هذه المحاولة جرّتني- من حيث لا أدري- إلى التأريخ للحوزة العلميّة في‏

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 28

النجف عموماً خلال نصف القرن- أو يقل- الذي عاشه محمّد باقر الصدر.
وبعد رحلة طويلة نسبيّاً مع الصدر- لا أجدني الآن مهيّئاً من الناحية النفسيّة للحديث عنها وعمّا اكتنف بعض محطّاتها- تأكّد لي أنّه شكّل مفصلًا ومنعطفاً رئيساً ومهمّاً في سير الفكر والمعرفة والتصوّرات السياسيّة والاجتماعيّة خلال نصف القرن الأخير في بيئتنا التي نعيش فيها، ورسم للحوزة العلميّة في النجف الأشرف خطّاً أوشك أن يكون في كثيرٍ من معالمه غريباً عليها. وهذه القفزة التي جاد بها الصدر امتازت- أفقيّاً وعموديّاً- عن قفزات كثيرة مشكورة اتّجهت في الخط نفسه، فاستحقّت شيئاً من الوقوف عندها للتأمّل والاستزادة، الأمر الذي جعل من المفيد- إن لم نقل من الضروري- للمتحرّكين والنامين مراجعة سيرته الذاتيّة والفكريّة، من أجل إكمالها أو تصحيح ثغراتها ..
ومن هنا، فقد حاولت- وبالقدر الذي سمحت به أوقات الفراغ والعطل المتقطّعة- أن أفي السيّد الصدر (ره) بعض حقّه على هذه الأمّة وعليّ شخصيّاً، فإنّي وإن لم ألتقِ به ولم أعاصره- إذ كنتُ يوم شهادته أحرق شهري الحادي والعشرين- إلّا أنّي أعتبره المعلّم والمربّي والأستاذ، وأنا في الواقع إنما أفي رسالته بعض حقّها. ومن هذا المنطلق سعيتُ إلى إنجاز بضعة خطوات تمثّلت في الأمور التالية:
1- توثيق سيرته ومسيرة الحركة الإسلاميّة في النجف بالنحو الموجود في الكتاب، والذي كنتُ أفكّر في تقديمه أطروحةً جامعيّة، إلّا أنّي وجدتُ أنّ الفائدة التي تُرجى منه أكبر من أن تعلّق على حاجة شخصيّة، فصرفتُ النظر عمّا جال في البال، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً. وقد شكّل هذا الكتاب نواة الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة (المنار) بعنوان (شهيد العراق .. الصدر الأوّل)، وذلك بعد أن ضمّت إليه الجهود المشكورة التي بذلها الأخ أيمن زغيب في فترة زمنيّة قياسيّة، حيث أخرج الفيلم خلال أيّامٍ معدودات.
2- إكمال ما بدأه السيّد حامد علي الحسيني، الذي كان قد جمع مختلف المقالات التي نشرت سابقاً باسم السيّد الصدر (ره) وبغير اسمه، إضافةً إلى مجموعة من المحاضرات غير المنشورة التي كان قد دوّنها دون تصرّف السيّد عبد الغني الأردبيلي (ره) .. فأضفت إليها كثيراً ممّا تحصّل لديّ أثناء البحث، ثمّ قمتُ بتصحيح المجموع وتوثيق مصادره لـ (مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر (قدس سره)) المنبثق عن (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)) الذي اختار لها عنوان (ومضات). ويفترض بهذا المجلّد أن يصدر قبل صدور هذا الكتاب.
3- التوسّط لنشر مجموعة من الدروس المتفرّقة التي كان السيّد الصدر (ره) قد ألقاها في سالف السنين، وذلك في مجلّات مختلفة، وكانت هذه الدروس قد بقيت- لأسباب عديدة- حبيسة الرفوف، وتبدأ بالظهور تباعاً بإذن الله تعالى.
4- جمع عدّة مئات من الدراسات العلميّة التي كتبت حول السيّد الصدر (ره) لنشرها في عشرة

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 29

مجلّدات. وكنتُ- قبل هذا الكتاب- قد انتهزت إحدى العطل الدراسيّة لإعداد وتحقيق مجلّدين ضمّا مجموعة من الدراسات المنطقيّة والفلسفيّة التي كتبت حول الفكر المنطقي والفلسفي للسيّد الصدر (ره)، وقد حالت بعض الظروف دون طباعتهما. وبقي الأمل في أن أوفّر بعض الوقت لإنجاز مجلّدين آخرين كنتُ قد أعددت خطّتهما ليضمّا خيرة الدراسات في حقل أصول الفقه.
وبهذه الأمور أكون قد شارفتُ على طي مرحلة من مراحل حياتي أفدتُ منها الكثير، على الرغم ممّا جرّته عليّ من إرهاق نفسي وجسدي ومادي، وما تخلّلته من لحظات الضعف الكامل والانهيار، حتّى عقدت العزم لمرّات عديدة على اعتزال العمل وإتلافه من رأس، بسبب النكسات التي كنتُ أمنى بها، ولكنّ السيّد الصدر (ره) كثيراً ما كان يتراءى لي ببسمته المعذّبة، مستمطراً ما تبقّى من عيون القلب، موشكاً أن يخاطبني بصمته الناطق معاتباً، فأمتثل وأمضي، داعياً المولى تبارك وتعالى أن يكتب لي في ما قمت به الخير، وأن يعزل عنه ما يشوبه من عيوب قد تلصق به ..
وقد شجّعني على القيام بهذه الأعمال- إضافةً إلى ما مرّ- الحاجة الماسّة التي عكسها لي العديد من الشخصيّات الثقافيّة العراقيّة حول حاجة الباحثين والدارسين في العراق إلى ما يعينهم في أطروحاتهم ودراساتهم، خاصّةً أنّ ذكر اسم محمّد باقر الصدر في العراق كان يكلّف الشخص حياته، إذ تمّ تغييبه وتغييب مدرسته في العراق تغييباً يكاد يكون مطبقاً «1»، في حين احتلّ في تونس- مثلًا- الدرجة الأولى لدى المثقّفين الإسلاميّين الذين يبحثون عن قيادة أيديولوجيّة، وقد جاء- من حيث الإقبال على قراءة كتبه- بعد القرآن الكريم «2».
وأنا في الوقت الذي أشعر فيه- بحمد الله تعالى- بالطمأنينة والغبطة لأدائي بعض الواجب، أشعر بشي‏ءٍ من الاستياء إزاء الآثار السلبيّة التي قد تخلّفها أعمال من هذا القبيل، من قبيل الانشداد- ولو الباطني- إلى الأشخاص بما هم أشخاص، مع أنّ الرسالة لا تتوقّف عند أحد. وإذا قدّر للواحد منّا اجتياز هذه العقبة، فإنّه لن ينجح في الحؤول دون اقترانه في أذهان الناس بهذا الشخص.

__________________________________________________
(1) حتّى أنّ السيّد الصدر وأخته بنت الهدى لم يرد لهما ذكرٌ في كتاب (المنتخب من أعلام الفكر والأدب) الذي دوّنه مؤلّفه في النجف الأشرف في ظلّ حكومة البعث، وهذا يعكس مدى القمع الإعلامي الذي مورس في سبيل تغييب هذا الرجل.
(2) الحركات الإسلاميّة المعاصرة في الوطن العربي، الإسلام الاحتجاجي في تونس: 257.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:54 AM


- 1-
حول منهج الكتب‏

لم يكن في نيّتي عندما شرعت في تصنيف الكتاب أن أدوّن أكثر من مائة صفحة، فلم أضع خطّة عمل علميّة أستظلُّ بمعالمها، بل كانت مجموعة من الضوابط التي احتفظتُ بها في الذهن.
ولمّا أخذ العمل بالتوسّع شيئاً فشيئاً، وجدتني بحاجة إلى إرساء مجموعة من الضوابط التي ينبغي أن يسير تصنيف الكتاب على أساسها، فكنتُ أقتنص- من خلال أهم المفردات التي أواجهها

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 30

- مجموعةً من القواعد، ثمّ أحاول تطبيقها على موارد الكتاب الأخرى. ولكنّ هذه العمليّة تزامنت مع تصنيف الكتاب، ولم تسبقه ليكون التصنيف من رأس قائماً على أساسها، الأمر الذي ربّما أدّى إلى بروز بعض- أو كثيرٍ من- الاستثناءات، والتي لا يسمح لي الوقت فعلًا بتداركها.
ومن هنا، فإنّنا إذا تحدّثنا عن بعض الخصائص المتعلّقة بمنهج الكتاب، فإنّنا لا نتحدّث عن موجبات أو سالبات كليّة- بالاصطلاح المنطقي- خاصّةً أنّ هناك بعض الموارد التي تأبى طبيعتها أن تخضع للمنهج المذكور. وفي ما يلي بعض هذه المعالم:

اعتماد السرد الحولي غير الموضوعي‏

من المعلوم لدى متابعي نتاجات الشهيد الصدر (ره) أنّه نعى في أواخر حياته على التفسير التجزيئي للقرآن الكريم عدم وفائه بمتطلبّات الحياة، فدعا إلى اتّباع التفسير الموضوعي بوصفه خطوة متأخّرة زماناً ومتقدّمة درجةً على التفسير التجزيئي، منوّهاً في الوقت نفسه بأهميّة التفسير التجزيئي بوصفه خطوة ضروريّة لا يمكن من دونها الحديث عن تفسير موضوعي- خلافاً لما هو مرتسمٌ في ذهن الكثيرين- وهو الأمر نفسه الذي نواجهه لدى الحديث عن الدراسة التكامليّة لحياة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بوصفها دراسة متأخّرة زماناً عن الدراسة التجزيئيّة التفصيليّة.
لسنا هنا بصدد الحديث عن نظرة الشهيد الصدر (ره) إلى تفسير القرآن الكريم أو دراسة حياة الأئمّة (عليهم السلام)، بل بصدد الإشارة إلى أنّ الدراسات الموضوعيّة- الأعمّ من القرآنيّة وغيرها- تكون بطبيعتها متأخّرة زماناً عن الدراسات التجزيئيّة، هذا بعيداً عن معنى (الموضوعيّة) التي مارسها السيّد الصدر (ره) بالذات في تفسير القرآن الكريم.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يُصار إلى الكتابة عن سيرة الشهيد الصدر (ره) وتاريخ الحركة الإسلاميّة في زمانه بالطريقة التجزيئيّة، لتتاح الفرصة أمام الدارسين للكتابة موضوعيّاً؟!
ونحن لا نريد التعريض بالأسلوب الذي أطبق على اتّباعه من كتب حول سيرة الشهيد الصدر (ره)، والذي اتّبعناه نحن أيضاً في بعض ثنايا هذا الكتاب، وذلك لعلمنا بأنّ الدافع الذي أدّى بهم إلى الكتابة على النحو المذكور هو أنّهم افترضوا إلمام القرّاء مسبقاً بالكثير من تفاصيل حياته (ره) والظروف الذي عاش فيها، أو أنّ أوقاتهم وظروفهم لم تكن تسمح لهم بأكثر من هذا، إضافةً إلى أنّ كثيراً من الكتابات جاء تدويناً لمجموعة من الخواطر المختزنة، وأصحاب هذه المصنّفات مشكورون على أيّة حال.
وفي ما يلي نستعرض مؤاخذتين على الكتابة الموضوعيّة غير المسبوقة بكتابة تجزيئيّة:
الأولى: أنّ الاعتماد على خلفيّات القارئ في مدى اختزانه للمعلومات لا يصلح أن يكون مبرّراً كافياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ نسبة هذا الصنف من القرّاء نسبة ضئيلة جدّاً، خاصّةً وأنّ الحقبة التي أعقبت شهادته قد شهدت تعتيماً إعلاميّاً شرساً داخل العراق على وجه الخصوص.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 31

ومن هنا رأينا أن نضيف إلى الحديث عن سيرة الشهيد الصدر (ره) الحديثَ عن المسيرة بشكل عام، لكن بالمقدار الذي يتيح للقارئ فهم واستيعاب الجوّ الاجتماعي والسياسي العام الذي تحرّك فيه، خاصّةً وأنّي على اعتقاد بأنّ قيمة ما أنجزه (ره) لا تظهر بشكل واضح إلّا إذا وضع ضمن معادلة متعدّدة الأطراف. ومن هنا فقد جاء الكتاب يحمل عنوان «1» :

محمد باقر الصدر السيرة و المسيرة في حقائق ووئائق‏

ولعلّنا استطردنا في سرد ما يتعلّق بتحرّكات السيّد محسن الحكيم (ره)، حتّى ربّما اشتمل الكتاب على تأريخ سيرته هو أيضاً، وقد كانت هذه النتيجة تراكميّة غير متعمّدة، وقد احتفظتُ بها لما فيها من فائدة في التأريخ لتلك المرحلة التي ربّما رغب الكثيرون في الاطّلاع عليها.
وقد عثرت على مواد نافعة تؤرّخ لتاريخ المرجعيّة بشكل عام، إلّا أنّ خروجها عن غرض الكتاب الرئيس أعفانا من إدراجها، وهي في العمدة موجودة في كتاب (اسناد انقلاب اسلامى)، أي (وثائق الثورة الإسلاميّة)، وغيره من الكتب.
الثانية: أنّ عدم الإلمام بالتفاصيل الجزئيّة يفضي إلى ارتسام صورة مشوّهة غير متكاملة في المرحلة الموضوعيّة، وهو بالضبط ما سيعاني منه التفسير الموضوعي للقرآن الكريم إذا لم تسبقه تجربة تجزيئيّة مشبعة.
وفي هذا الصدد تحلو لي الإشارة إلى ما منيت به شخصيّاً لدى اطّلاعي على مقطعٍ من الرسالة التي كان قد وجّهها السيّد أبو الحسن الإصفهاني (ره) إلى الملك فيصل الأوّل عام 1924 م، والتي جاء فيها: «.. قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياساته جلالتكم‏». وكنتُ قد قرأت هذا المقطع أوّل الأمر في صحيفة (الجهاد) «2»، وارتسمت في ذهني انطباعات معيّنة حول السيّد الإصفهاني (ره) وقناعاته، ولم أتساءل عن مكان وتاريخ ورود هذا المقطع، وعن نصّه الكامل، كما لم تكن لديّ معلومات كافية حول سيرة السيّد الإصفهاني (ره). وبعد ذلك قرأت في كتاب (المرجعيّة العاملة) أنّ السيّد الإصفهاني (ره) كان معارضاً لتنصيب فيصل ملكاً «3»، كما قرأت في الكتاب المذكور بعض ما يرتبط بظروف إبعاده إلى إيران، ثمّ حول ظروف عودته المشروطة بعدم التدخّل في السياسة. عندها احتملتُ أن يكون المقطع الذي كنتُ قد قرأته محكوماً لهذا الشرط، أعني شرط

__________________________________________________
(1) أمّا العنوان الفرعي: (عرض تفصيلي موثّق لسيرة الشهيد الصدر من الولادة حتّى الشهادة) ففيه بعض التسامح من جهة أنّ الكتاب يشتمل على ما يرتبط به قبل ولادته وبعد شهادته‏
(2) صحيفة الجهاد، العدد (363)، 24 / 10 / 1988 م، ولمّا لم يتسنَّ لي الرجوع إلى الصحيفة لدى تدوين هذا النص، نقلته عن (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141- 142)، نقلًا عن الصحيفة، وفيه (سياساته) بدل (سياسته)
(3) المرجعيّة العاملة: 50.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 32

عدم التدخّل في السياسة، فبدأت انطباعاتي تتبدّل؛ لأنّ القائد قد يجد المصلحة في الصمت لفترة ريثما تصبح الفرصة مناسبة للعمل. ولم يطل تفكيري، لأنّي تأكّدت من صحّة هذا الاحتمال من خلال ما قرأته في كتاب (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد) «1»، وقد وجدتُ تفصيل الأمور في كتاب (حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل) الذي أورد مفصّلًا مواقف السيّد الإصفهاني (ره) من الانتخابات عام 1341 هـ، وإليك هذه المواقف الثلاثة:

«
بسم الله الرحمن الرحيم‏
نعم، قد صدر منّا تحريم الانتخابات في الوقت الحاضر، لما هو غير خفي على كلّ باد وحاضر. فمن دخل فيه أو ساعد عليه، فهو كمن حارب الله ورسوله وأولياءه صلوات الله عليهم أجمعين.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني«2»
»

«
بسم الله الرحمن الرحيم‏
إلى إخواننا المسلمين! إنّ هذا الانتخاب يميت الأمّة الإسلاميّة، فمن انتخب بعد علمٍ بحرمة الانتخابات حرمت عليه زوجته وزيارته، ولا يجوز ردّ السلام عليه، ولا يدخل حمّام المسلمين. هذا ما أدّى إليه رأينا، والله العالم بالصواب.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني «3»
»

«إنّنا قد حكمنا سابقاً بحرمة الدخول في الانتخابات، ولم يتغيّر الحكم ولم يتبدّل، والأمر كما كان.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني «4»
»

وبعد نفي السيّد الإصفهاني والميرزا النائيني (ره) بتاريخ 8 / ذي القعدة / 1341 هـ إلى إيران، وغيرهما من العلماء، تمّ التوصّل إلى حلٍّ للمشكلة عبر التعهّد بعدم التدخّل في أمور السياسة، فحرّر السيّد الإصفهاني (ره) الرسالة التالية إلى الملك فيصل، قبل أن يرجع إلى العراق بتاريخ 18 / رمضان / 1342 هـ. وقد جاء في الرسالة- التي تشتمل على المقطع المذكور في أوّل الكلام- ما يلي:

«
بسم الله الرحمن الرحيم‏
حضرة جلالة ملك العراق أيّد الله ملكه وسلطانه.
بعد السلام عليكم والسؤال عن أحوالكم ورحمة الله وبركاته.
نعرض أنّ كتابكم المؤرّخ 26 رجب، المرسل مع حجّتي الإسلام جناب الشيخ جواد صاحب الجواهر وجناب ميرزا مهدي آية الله زاده دامت بركاتهما، أخذته بكمال الاحترام. وكما ذكرتموه فيه وأودعتموه في مطاويه، صار [معلوماً] لدينا، ولقد أفاد بما دار بينكم من الشؤون وبيان الأسباب الموجبة إلى تأخير حركتنا، وطلب جلالتكم المؤازرة، وكذلك المحروس السيّد باقر سركشيك قام بواجبه، وأبلغ خطاباته الشفاهيّة. هذا وإن كنّا قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة، والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياسته جلالتكم، ولكنّ المؤازرة للملوكيّة حسبما تقتضيه الديانة الإسلاميّة، ذلك من مبدئنا الإسلامي. وأمّا ما أمرتم من توحيد الكلمة وتوطيد عرى الصداقة بين إيران والعراق، فذلك من وظائفنا الدينيّة. وحينما دخلنا إيران [لم‏] نزل نبذل الجهد في ذلك، وسوف تظهر نتيجة أعمالنا المبرورة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني‏
[الختم‏]
21 شعبان 1342»
«1»

__________________________________________________
(1) العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141
(2) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 123
(3) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 125
(4) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 128.
(1) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 135

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 33

ولكنّه عاد إلى ممارسة نشاطاته السياسيّة سنة 1360 هـ أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني كما سيأتي معك بإذن الله تعالى ضمن أحداث تلك السنة.
وهناك موارد كثيرة من هذا القبيل سيقف عليها القارئ الكريم في هذا الكتاب. فالكثير من الأحداث المتداولة والمعروفة، لا يُعلم (سبب نزولها)، من قبيل الرسالة التي حرّرها السيّد الصدر (ره) متحدّثاً عن حقيقة علاقته بأستاذه «2»، فإنّ وراء (نزولها) أسباباً ستجدها إن شاء الله تعالى موثّقة بخطّ السيّد الصدر (ره) «3»، إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتّسع المقام لسردها.

__________________________________________________
(2) انظر: موسوعة الإمام الخوئي 1: 27 (المقدّمة)
(3) انظر أحداث سنة 1396 هـ.

ملاحظة: كل ما يقوله المؤلف المحترم (انظر أحداث سنة) فهو يقصد الاحداث التي جاءت في كتابه الذي تم ترتيبه على اساس سنوات عمر السيد الشهيد قدس الله روحه الطاهرة! فتنبه.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:56 AM


شموليّة العرض‏

1- لقد سعيتُ أن يكون هذا الكتاب مصدراً جامعاً حول (محمّد باقر الصدر)، ومن هنا فقد مررت على جميع ما عثرت عليه حول الموضوع، ابتداءً ممّا كتب في حياته (ره)، وصولًا إلى آخر ما صدر في الأسواق ووصلني. ومن أحدث ما صدر وأخذته بعين الاعتبار:
* كتاب (محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق) للسيّد محمّد الحسيني، الذي حوى الكثير ممّا لم تحوه كتابات السيّد الحسيني السابقة.
* كتاب (الصدر في ذاكرة الحكيم) للسيّد محمّد محمّد الحيدري، وهو في الحقيقة تجميعٌ لبحوث السيّد محمّد باقر الحكيم (ره) والتي كنّا قد أخذناها بعين الاعتبار في التصنيف، وقد بدأتُ بالإرجاع إلى فصوله الأولى، ولمّا ضاق الوقت أعرضت عن ذلك لوجود المعلومات مسبقاً، واكتفيتُ يإثبات ما أضافه السيّد الحيدري باسم (المحقّق).
* ثمّ صدرت الطبعة الجديدة من (مقدّمة مباحث الأصول) للسيّد كاظم الحائري، ولكنّ ضيق الوقت من ناحية وعدم اشتمالها على أيّة إضافات خلت منها الطبعة السابقة، حالا دون أخذها بعين الاعتبار.
* وبعدها صدر كتاب (وجع الصدر .. ومن وراء الصدر أم جعفر)، للكاتبة الأمل البقشي، وقد

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 34

اعتمدنا على النسخة التي تفضّلت بها أسرة السيّد الصدر (ره)، والتي عيّنت فيها الموارد التي تحفّظت على نشرها.
* ثمّ وقع تحت نظري الطبعة الجديدة من كتاب (بغية الراغبين) للسيّد عبد الحسين شرف الدين (ره) وملحقاتها لنجله السيّد عبد الله، حيث طبعت ضمن (موسوعة الإمام شرف الدين) الصادرة مؤخّراً عن دار المؤرّخ العربي، بعد أن تمّ تحقيقها في مكتب الإعلام الإسلامي في قم، ولكنّها على أيّة حال لا تشتمل على إضافات أو معلومات لم نوردها في الكتاب، ولكنّنا استفدنا من الجزء التاسع من الموسوعة لتوثيق بعض الإحالات التي كنّا قد اعتمدنا على نسخها الخطيّة قبل طباعة الموسوعة المذكورة.
* وآخر ما وجدته إلى حين كتابة هذه السطور كتيّب (الشهيد الصدر .. سموّ الذات وسموّ الموقف) للسيّد كاظم الحائري، وهو عبارة عن مقدّمته على كتاب (مباحث الأصول) طبعها مستقلّة، وهي لا تحوي بدورها أيّة معلومات إضافيّة، سوى ما جاء في هامش الصفحة (199)، والذي كنّا قد سمعناه من السيّد الحائري مباشرةً ونقلناه عنه.
* وهناك كتاب تحت الطبع في مجلّدين للسيّد حسن شبّر تحت عنوان (تاريخ العراق السياسي المعاصر .. بحث وثائقي في سيرة الدعوة .. 1957- 1980 م)، أتوقّع أن يكون فيه ما يفيدني، ولكنّني قرّرت عدم الاطلاع عليه قبل صدوره خوفاً من تأخير طبع هذا الكتاب.
2- لم أجد بأساً في ذكر مختلف الأقوال وتعدادها ومحاكمتها لاختيار ما أراه صحيحاً منها، ولم أكتفِ بالتحقيق خارج الكتاب وإثبات المختار فيه، وذلك هرباً من تهمة الاستبداد بالرأي.
3- إنّ كثيراً من مفردات النزاع الواقعة في حياة الشهيد الصدر (ره) قد تبدو غير مهمّة في كثير من الأحيان، غير أنّ طرفي النزاع كانا في بعض الأحيان يجدان ثمرةً مترتّبة على تبنّي قول دون آخر. وكان كاتب السطور مجبراً- بحكم كونه في مقام التأريخ- على التعرّض إلى موارد النزاع كافّة.
4- سيتّضح للقارئ الكريم إن شاء الله تعالى أنّ عمدة هذه المحاولة تكمن في أنّها تسعى إلى جمع أكبر عددٍ ممكنٍ من المعلومات من أجل رسمِ قصّةٍ متكاملة. ومع أنّ المصادر التي أثبتُّها للحدث الواحد قد بلغت في بعض الأحيان حدّاً قد يبدو مزعجاً، إلّا أنّني لم آخذ ذلك حاليّاً بعين الاعتبار نظراً إلى الفائدة الأهمّ التي رجوتُها، وهي توثيق الحدث والتثبّت من صحّة الصورة المرسومة، وهو أمرٌ أعتقدُ بضرورته في خطوتنا الأولى هذه. ولعلّ الفرصة تسمح لاحقاً بحذف مصادر ما يكون قد دخل في دائرة الثبوت التاريخي، أو ما نحسبه كذلك.

العرض المجرّد غير المعياري‏

إنّ البحث الموضوعي لا يعني بالضرورة المحايدة في مقام النتائج- بمعنى عدم ميل الباحث في نهاية بحثه إلى اتجاه دون آخر- بل يعني أن يكون موضوعيّاً في ميله، أو قل محايداً أثناء استعراض الأدلّة والأقوال وقبل الوصول إلى النتائج. وليس متوقّعاً لأي بحثٍ أن يحظى بصفة الموضوعيّة

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 35

التامّة، لعوامل مرتبطة بالطبع البشري. أمّا في ما يتعلّق بهذا الكتاب، فإنّ نفس اختيار محمّد باقر الصدر موضوعاً لدراسة تأريخيّة من هذا القبيل، كفيلٌ بأن ينأى بالبحث عن الموضوعيّة التي يتوقّعها القارئ المثالي، والتي لن يجدها في أيّ كتاب على الإطلاق؛ لأنّ العواطف والمتبنّيات والنشأة البيئيّة والفكريّة و ... كلّها تدخل في آليات التعامل مع الموضوعات محلّ البحث. بل حتّى عمليّة الاجتهاد الفقهي التي يمارسها الفقهاء لا يُمكن أن توصف بالموضوعيّة المطلقة، ولا يُمكن أن تسلم من الذاتيّة التي يمارسها الفقيه انطلاقاً من ظروفه الخاصّة، وهو ما يصرّح به الشهيد الصدر (ره) نفسه في (اقتصادنا)، وما ألمح إليه الشهيد مرتضى المطهّري (ره) في بعض محاضراته «1». فما ينبغي أن يكون واضحاً بادئ الأمر أنّ الحديث عن الموضوعيّة حديثٌ نسبي.
وبعد هذا أشير إلى أنّني تجنّبتُ في هذا الكتاب التعليق معياريّاً على ما جاء فيه من تأريخٍ للوقائع والأحداث، وأقصد من التعليق المعياري الحكم بالسلب والإيجاب، بمعنى أنّ هذا مصيب وذاك مخطئ، اللهمّ شذرات لا ربط لي بها ممّا نقلته عن الآخرين ضمن نصوص لم أستطع فيها عزل الجانب المعلوماتي والاكتفاء به. ولستُ أذكرُ الآن مورداً واحداً عكستُ فيه انطباعاتي الشخصيّة حول مجريات التاريخ، سوى ما قد يستشفُّ من بعض العناوين وأبيات الشعر. أمّا تحقيق الحدث تاريخيّاً وقبول شهادة وردّ أخرى، فليس من الحديث المعياري الذي نحن بصدد الإشارة إليه.
إذن، لقد اكتفيتُ بعرض الحدث دون جعله موضوعاً لدراسة معياريّة. وما قد يحسبه القارئ كذلك ممّا ورد مفصّلًا في بعض هوامش الكتاب هو في الحقيقة تحليليٌّ توصيفيٌّ غيرُ معياري، بمعنى أنّ الجهد قد انصبّ فيه على تحليل بعض الظواهر ومحاولة اكتشاف مناشئها التاريخيّة وفهم طبيعتها، وهذا في نفسه أجنبيٌّ عن الدراسات المعياريّة التي فيها حكمٌ بالسلب أو الإيجاب، أعني بالخطأ أو الصواب.
وبتعبير علمي يلامس كتابات الشهيد الصدر الأصوليّة، فإنّ التفريق بين الكتابة التحليليّة وبين الكتابة المعياريّة يشابه إلى حدٍّ كبير تفريق السيّد الصدر بين القضايا التحليليّة وبين القضايا التركيبيّة في الدليل العقلي من حلقتيه الأصوليّتين الثانية والثالثة.

التدقيق في النقل‏

لقد بذلت جهدي في نقل المعلومات من مصادرها بشكل دقيق. وقد بالغتُ في التدقيق في ما نقلته مشافهةً أيّما مبالغة- خاصّةً وأنّي كنتُ أسجّل أكثر ذلك صوتيّاً وبإذن المعنيّين- ولم أتصرّف فيه إلّا بحدود تعديل بعض الكلمات حفاظاً على سلامة العبارة نفسها، وهذا نادرٌ جدّاً ولا يطال أصل المعلومة على الإطلاق. ومن هذا المنطلق فأنا لا أحبُّ لأحدٍ نقلتُ عنه مشافهةً في الكتاب أن‏

__________________________________________________
(1) اقتصادنا (ط. المؤتمر) : 448 وما بعد؛ اصل اجتهاد در اسلام (فارسي)، مجموعه آثار 20: 181.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 36

يشكّك في دقّة النقل، ويشيع أنّي تلاعبتُ بالمضمون. وبطريق أولى فأنا لا أحبُّ لأحدٍ أن يكذّبني في شي‏ءٍ نقلته عنه. نعم؛ لقائلٍ أن ينفي صحّة معلومةٍ نقلتها عنه من جهة أنّه نقل لي ما هو غير صحيح.
وحول الحديث عن الدقّة، تجدر الإشارة إلى أنّني ربّما أورد الرسالة المؤرّخة بتاريخ معيّن، فأعبّر بأنّها أرسلت بالتاريخ المذكور، مع أنّ غاية ما يمكن استفادته هو أنّها حرّرت بذلك التاريخ، وهذا من التسامح الذي التفتُّ له في آخر مراحل العمل، فلم أتداركه.

نقد متون الروايات ومضامينها

1- التزمت في الكتاب- حيث أمكن- بممارسة عمليّة تقويم ونقد للمتون المرويّة، واكتفيتُ بتسجيل ذلك في الهوامش. وهذا الأسلوب بات معروفاً في الأبحاث التاريخيّة، ويُمكن مشاهدته كذلك في ما كتبه المتقدّمون حول ما يعرف بـ (موضوعات الأخبار)، وهو ما أكّد عليه ابن خلدون في (مقدّمته) حيث قال:

«اعلم أنّ فن التاريخ فنٌّ عزيز المذهب، جمُّ الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعدّدة، ومعارف متنوّعة وحسن نظر وتثبّت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلّات والمغالط؛ لأنّ الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرّد النقل ولم تحكّم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادة الصدق. وكثيراً ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النقل غثّاً أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنّة الكذب ومطيّة الهذر، ولابدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد ..» «1».

ولا يخفى على أحد أنّه لا ملازمة بين إسناد المعلومة وبين الاعتماد عليها، ولذلك لم أتردّد في ممارسة هذه العمليّة، حيث قمت بمناقشة ومحاكمة بعض الأمور التي ظهر لي عدمُ دقّتها في نقل بعض الأخبار أو ما اكتنفها على الأقلّ، فقمتُ بتشذيبها دون أن أهمل ذكرها، إذ ربّما أفادت غيري. وإذا وقع تعارضٌ بين مجموعة من الأقوال، كنتُ أعمدُ إلى ترجيح بعضها على البعض الآخر وفق القرائن والمعطيات المتوفّرة.
وقد سهّل الخطب أنّ مجال البحث التاريخي أجنبيٌّ عن مسألة الحجيّة بمعناها المطروح في أبحاث علم الأصول، إذ لا معنى هنا للتعبّد بمؤدّى الأمارات. ولذا كانت أخبار الثقات أدوات كاشفة

__________________________________________________
(1) تاريخ ابن خلدون، القسم الأول من المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه ..

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 37

لا تنفرد في تحديد المتبنيّات التاريخيّة. وما أكثر القضايا التي نقلها الثقات وقطعنا بخطئها في هذه الدراسة، أو عدم دقّتها على أقلّ تقدير. بل أستطيع أن أقول: إنّ تحقيق جملة من القضايا أخرج بعض الأشخاص من ميقات الوثاقة بالمعنى المطروح في البحوث الرجاليّة، حيث ثبت لي بشكل يشارف أبواب اليقين أنّهم يلوون عنق الحقيقة مع سبق الإصرار والترصّد، إلّا أنّني لم أسجّل هذه الانطباعات لخروجها عن مهمّة الكتاب، ولكن بوسع القارئ الكريم أن يتتبّعها ليقف بنفسه على قيمة ما ينقله هؤلاء في مجالات أخرى.
أمّا الحد الذي يحصل عنده الاطمئنان إلى صحّة الخبر فيختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى «1». وعادةً ما يكون الأشخاص من ذوي الخبرات الاجتماعيّة المحدودة الذين لم يخالطوا الناس في حياتهم اليوميّة ولم يخبروا ما تقوم عليه وما يلفُّ غوامضها ممّن يحصل لديهم الاطمئنان بشكل سريع؛ لأنّ الأمور لديهم أبسط بكثيرٍ ممّا هي عليه في الواقع.
وحول هذا السجال لا بأس بإثبات نصٍّ للسيّد الصدر (ره) ينشر قريباً بإذن الله تعالى، وقد جاء في محاضراته حول التأسيس للمنطق الذاتي التي ألقاها في شهر رمضان / 1384 هـ حيث قال:

«إنّ هذه المسألة واضحة من خلال حياتنا الاعتياديّة. ففي القضيّة المتواترة مثلًا، لو أنّ شخصاً سليم القلب وغير مطّلع على دواعي الكذب دخل مجتمعاً مغموراً بهذه الدواعي، ثمّ أخبره شخصٌ واثنان وثلاثة بقضيّة معيّنة، فقد يحصل لديه القطع من خلال إخبار هؤلاء. ولكنّه لو التفت بعد ذلك إلى أنّ خمسة أو ستّة أشخاص أخبروه بقضيّة وتبيّن له كذبهم، فهذا الشخص ستضيق لديه دائرة اليقين، وسيصبح العدد اللازم لحصول القطع لديه ثمانية مثلًا بعد أن كان أربعة.
ثمّ لو فرضنا أنّ هذا الشخص دخل معترك الحياة وابتلي مع الناس بكثيرٍ من القضايا، بحيث تجلّت لديه الكثير من الأمور المخفيّة، وبان له وجود استعداد لدى أناسٍ للكذب لأتفه الأسباب، وأنّهم قد يتّفقون على الكذب، وبان له أنّ اتفاق عشرة أشخاص على الكذب ليس بالأمر الغريب، فبعد هذا لن يحصل لديه القطع من خلال إخبار عشرة أشخاص، وهكذا ..» «2».

عوداً إلى ما بدأناه، فإنّنا إذا عبّرنا أحياناً بـ (التعارض) بين خبرين أو أكثر، فإنّما نعني به المعنى العرفي الذي يتلاءم مع البحث التاريخي، لا تعارض الحجّة مع الحجّة بالمعنى الأصولي للحجيّة. وعلى أيّة حال فما أثبتّه في الكتاب لا يعني أكثر من أنّي أرويه، ولا يعني على الإطلاق أنّني آخذ به وأبني عليه، إلّا حيث أنصُّ على ذلك.
وهنا عليّ الإشارة إلى قناعتي بوجود شي‏ءٍ من المبالغة التي اكتنفت بعض الأخبار، وهو ما يعتري البحث التاريخي على الدوام، وحول هذا يقول أبو علي مسكويه الرازي:
__________________________________________________
(1) راجع على سبيل المثال ما يسجّله السيّد الصدر (رحمه الله) تحت عنوان (الضابط للتواتر) من عوامل موضوعيّة وأخرى ذاتيّة في حصول التواتر (دروس في علم الأصول، ط. المؤتمر 2: 153- 154)
(2) محاضرات في التأسيس للمنطق الذاتي، القسم الثالث، ينشر بإذن الله تعالى في مجلّة المنهاج، العدد (43).

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 38

«ووجدتُ هذا النمط من الأخبار مغموراً بالأخبار التي تجري مجرى الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها، والاستمتاع بأنس المستطرف منها، حتّى ضاع بينها وتبدّد في أثنائها، فبطل الانتفاع به ولم يتّصل لسامعه وقارئه اتصالًا يربط بعضه بعضاً، بل تنسى النكتة منها قبل أن تجي‏ء أختها، وتتفلّت من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها» «1».

وبحسب تعبير السيّد محسن الأمين (ره) في ترجمة الشيخ حسن صاحب (المعالم) :

«.. الناس اعتادوا المبالغة في الفضائل بما يغيّر حقائقها ..» «2»
، وقد علّقنا على بعضها بما يقتضيه الحال كما سيظهر لك في ذيل بعض الأخبار:
من قبيل أنّ السيّد الصدر (ره) قرأ (قصّة الحضارة) بمجلّداتها الثلاثة والأربعين خلال أسبوع عند تأليفه (اقتصادنا)، في حين لم يكن الكتاب قد اكتمل بلغته الأم سنة تأليف السيّد الصدر (ره) (اقتصادنا)، ويفترض أن يكون قد صدر من طبعته العربيّة إلى هذه الفترة ستّة أجزاء فحسب «3».
أو أنّه ألّف (الحلقات) اعتماداً على الذاكرة وبدون الاستعانة بشي‏ء، في حين صرّح أحد مقرّري أبحاثه الأصوليّة المطبوعة أنّه استعان بتقريرات بعض زملائه؛ لأنّ تقريرات الاستصحاب كانت لا تزال عند أستاذه السيّد الصدر (ره)، حيث أخذها منه للاستعانة بها على تأليف (الحلقات) «4».
إلى غير ذلك من الموارد التي ستظهر لك في ثنايا الكتاب. وهناك بعض الأخبار التي لا يسعنا سوى التحفّظ عليها على الصعيد الشخصي أو على طريقة تصويرها، ولا نملك شيئاً موضوعيّاً يدفعنا إلى ردّها.
ومثالٌ على ما لا نميل إليه ما يتعلّق بكتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء) : فقد أورد بعض تلامذة السيّد الصدر (ره)- نقلًا عنه- أنّه على الرغم من عدم دراسته الرياضيّات في المدرسة، إلّا أنّه كان يجلس في الليل و (يشخبط)، فينتج مطلبٌ رياضيٌّ، وهو ما أودعه في (الأسس). بينما يقابل هذا النقل نقلٌ آخر، وهو أنّه اتّفق مع أحد أساتذة الرياضيّات في بغداد، فكان يقصده في أيّام الخميس والجمعة والعطل ليدرس لديه الرياضيّات «5».
ونحن في موارد من هذا القبيل نميل إلى التصوير الثاني لا الأوّل، بل ربّما أمكن الجمع بينهما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما قد يصيب الخبر من تحريف لدى تناقله، فقد يكون جواب السيّد الصدر (ره) عن سؤال تلميذه الذي سأله أنّه من أين جاء بالرياضيّات في كتاب (الأسس) مع أنّه لم يدرسها في المدرسة، بأنّه كان يجلس في الليل ويعمل على حلّ تمارين الرياضيّات والتمرّس فيها، وهو ما يمكننا أن نعتبره منسجماً مع دراسته لدى أساتذة الرياضيّات في بغداد؛ لأنّه كان يدرس لديهم المبادئ فحسب، وكان عليه أن يمرّن نفسه بنفسه في البيت. ولكن لمّا أراد هذا الطالب‏

__________________________________________________
(1) تجارب الأمم 1: 2
(2) أعيان الشيعة (ط. ق) 5 : 95
(3) انظر: قصّة الحضارة 1: ك؛ وانظر: أحداث سنة 1379 هـ
(4) انظر: شهيد الأمّة وشاهدها1: 82، ثمّ: بحوث في علم الأصول6: 5، وانظر حولهما أحداث سنة 1397 هـ
(5) انظر أحداث سنة 1385 هـ.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 39

اختصار الحكاية ذكر أنّ السيّد الصدر (ره) كان يجلس في الليل و (يشخبط)، فينتج مطلب. ومن الواضح للقارئ أنّ تصويرنا يحقّق للمسألة بعدها الإنساني، بينما يضفي عليها التصوير الآخر صبغة ميتافيزيقيّة.
وهناك بعض الآراء تغالي في المدح والتبجيل بما يسي‏ء، كالاعتقاد مثلًا بأنّ على وجه المعمورة شخصين فقط بوسعهما استيعاب ما جاء في كتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء)!!
سعديُّ حسبُك واقصر عن مبالغةٍ *** لا تنطِقَنّ بدَعوى تورِثُ الخجَلا «1»
2- لا يخفى أنّ دائرة اليقينيّات في البحث التاريخي الذي لا تتكثّر فيه النصوص إلى حدٍّ معتدٍّ به ليست واسعة بالقدر الكافي، ولذا فاليقين الأرسطي لا يأخذ مداه في هذه المجالات، وعلى وجه الخصوص عند من لا يوافق أرسطو في تفسيره لليقينيّات من مبادئ الأقيسة وكيفيّة إفادتها اليقين. ومن هنا فإنّ الباحث كثيراً ما يركن إلى الروايات التي تكون مفاداتها أقدر على تفسير مجموعة من الظواهر، دون أن يقطع بصحّتها بضرسٍ قاطع، أو ينفي صحّة غيرها كذلك. نعم، لا شكّ في وجود يقينيّات بالمعنى الآخر غير الأرسطي، وهي ما يُعبّر عنه في البحث التاريخي بالحقائق، ولهذا جعلنا هذه الكلمة جزءاً من عنوان الكتاب.
3- ومن هنا فإنّ الموارد التي لا يقين جازم بوقوعها تكون عرضةً للتبدّل على ضوء ما يستجدُّ من معلومات، وكم وقع هذا الأمر في الكتاب. وكثيراً ما كنتُ أبذل الجهد في الحصول على القرائن، ثمّ جهداً مضاعفاً في تحليلها من أجل بلورة متبنى تاريخي، وبعد ذلك أحصل على وثيقة معيّنة تؤكّد صحّة ما توصّلتُ إليه أو تهذّب لي بعض تفاصيله أو تظهر لي خطأه.

___________________
(1) ديوان سعدي الشيرازي.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:57 AM


شفافيّة العرض‏
ونعقد الكلام حول هذه المسألة ضمن أمور:
الأمر الأوّل‏
أنّني لم أكتب هذا الكتاب في التأريخ للمرحلة المنصرمة من أجل أن أجامل أحداً أو أكسب ودّه، ولا من أجل أن أستفزَّ أحداً أو أثير غضبه، بل لقناعتي التامّة بأنّ الماضي عنصرٌ فاعل من عناصر توليد المستقبل، واطلاع القارئ عليه- خاصّةً طالب الحوزة- يساهم بشكل رئيس في ترشيد وعيه في ظلّ جوٍّ لا تتوفّر فيه مقوّمات التوعية بالشكل الكافي. وأملي كبيرٌ في أن يكون القارئ الكريم متّزناً في تعاطيه مع هذه المسألة، خاصّةً إذا تمّ عرض التاريخ بهدوء بغية توظيفه إيجابيّاً، فلا أحبّب له التسرّع في اتّهام الكاتب.

الأمر الثاني‏
هناك الكثير من المفاصل في حياة الشهيد الصدر (ره) تعتبر غايةً في الحساسيّة، وعليها دارت‏

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 40

رحى الخلافات بين مجموعات متعدّدة، فحاولتُ قدر المستطاع عرضها بهدوء تام ومع المحافظة على تماسك القلم. وقد سعيتُ إلى إعطاء الأطراف كافّة حقَّهم في بيان وجهة نظرهم، وذلك ضمن الأشخاص الذين تيسّر لي الوصول إليهم، لكن دون أن يسلبني ذلك الحقّ في النقاش والتمحيص بهدف بلورة المتبنّى التاريخي، دون التعدّي إلى الجانب المعياري غير المرتبط بالبعد التاريخي.
وثمّة عاملٌ ساهم- ربّما- في تكريس هدوء البحث إلى حدٍّ ما، وهو بُعد الكاتب الانتمائي عن التجاذبات التي ألمّت بتيّارات الساحة العراقيّة؛ فإنّه لا يميل عاطفيّاً إلى تيّار دون آخر لكي يتحرّك في باطنه نحو ما يصبّ في صالح ذلك التيّار.

الأمر الثالث‏
ليس الكاتب ممّن يعمل على تهميش دور المؤسّسة المرجعيّة ويدعو إلى عزلها وإهمالها، فإنّي لا أعتقد بالمقولة التي أطلقها الدكتور علي شريعتي تحت شعار (اسلام منهاى روحانيت)، أي الإسلام بدون مؤسّسة رجال الدين، وأنا أتطلّع دائماً إلى اليوم الذي تستطيع فيه هذه المؤسّسة أن تمارس دورها بالنحو الذي أريد لها، وتتّسع نشاطاتها لتكون السبّاقة إلى علاج مشكلات الناس بدل الانكفاء عنهم. ومن هنا، فإنّي منذ البدء لا أحبّ لأحدٍ أن يُمارس نوعاً من المزايدة حول هذه النقطة.
وممّا يعبّر عن هذا الموقف ما ذكره الشيخ محمّد جواد مغنيّة (ره) حيث قال:


«إنّي أرجّح الفوضى على تنظيم الساسة والسياسة، وأفضّل أنا- وكلّ عاقل- التقاليد النجفيّة بعلّاتها على أيّ تدخّل خارج عن الدين وأهله. وليس معنى هذا أنّي سأسكت وأصمت عمّا نحن فيه من عيوب وأخطاء حرصاً على الهيئة الدينيّة والحوزة العلميّة كما يقولون .. كلّا، ثمّ كلّا، كيف! وأنا أؤمن بأنّ السبيل إلى القضاء على الرذيلة والأخطاء هو أن نعرفها ونعترف بها، ونشعر بوجوب الخلاص منها. أمّا السكوت والصمت، أمّا التجاهل وغض الطرف عن العيوب، فمعناه الإمضاء لها والإبقاء عليها، ومعناه أيضاً تشجيع الأغيلمة ومن إليهم على تعدّي الحدود والفضول والتطفّل.
ثمّ ما معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل معناه أنّنا مسؤولون عن غيرنا ولسنا مسؤولين عن أنفسنا؟ ثمّ لماذا نحرص كلّ الحرص على أن يستر بعضنا على بعض، ونخاف هذا الخوف من النقد والصراحة؟ وهل من سرٍّ سوى الجبن والهلع من الفضائح والقبائح؟
لو كنّا على قليلٍ من الوعي والشجاعة، أو على شي‏ءٍ من حب الخير لأنفسنا، لرحّبنا بالنقد والناقد، بل وبحثنا عنه في كلّ مكان، فإن لم نجده أوجدناه وخلقناه، على شريطة أن يكون مخلصاً في أهدافه، خبيراً بالأسواء والأدواء، يجب أن نطلب هذا الناقد وندعوه للنقد، تماماً كما يجب أن نبحث عن الطبيب الناصح الماهر وندعوه للعلاج.
وبالتالي فإنّي سأنتقد كلّ عيبٍ ونقصٍ أراه في قومي الذين أشهد الله وأنبياءه وأولياءه على المرارة التي أعانيها من أجلهم .. إنّي أدين لهم بالإخلاص وأتمنّى لهم كلّ الخير، وأن يكونوا فوق الناس أجمعين، ولذلك‏

أنتقد كلّ عيبٍ فيهم ونقص، وأعلنه على الملأ، ولا أخشى لومة لائمٍ من كبيرٍ أو حقير ما دمتُ مخلصاً لله ولهم، واعياً ما أقول، آملًا أن يتحسّسوا ويشعروا بالمسؤوليّة تجاه خالقهم ونفسهم وأمّتهم.
وأهلًا ومرحباً بمن يهدي إليّ عيوبي بقلبٍ طاهر وعقلٍ ساهر»
«1».

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 41

ومن ناحية أخرى، أجد من الضروري أيضاً التأكيد على أنّ ما بات يُعرف بالحركة الإصلاحيّة ليس عبارة عن جسم واحد موحّد الأهداف والرؤى في ما يتعلّق بالموقف تجاه دور المؤسّسة المرجعيّة أو مؤسّسة رجال الدين؛ لأنّ هذه الحركة تشمل- بالمعنى الواسع للكلمة- المصلح الذي ينطلق في تحرّكاته من حرصه وغيرته على الإسلام، اقتداءً بالإمام الحسين (ع) الذي رفع (الإصلاح) شعاراً، كما تشمل من يهدف إلى التغيير، لكن لا انطلاقاً من دافع ديني. وليعلم القارئ أنّ هذا الكتاب قد جاء تلبيةً لنداء أطلقه كبار الدينيّين من أمثال الإمام روح الله الموسوي الخميني (ره) وغيره، الذين يدعون إلى إصلاح الوضع القائم من أجل تكريس الإسلام في نفوس الناس، لا عزله والعياذ بالله تعالى.
وأنا على الصعيد الشخصي أعتقد تماماً بصحّة ما يذكره السيّد الصدر (ره) في إحدى محاضراته حيث يقول:
«الحوزة هي واجهة الإسلام في نظر الأمّة وهي المعبّر الشرعي عن هذا الإسلام وأحكامه ومفاهيمه وحلوله لمشاكل الحياة، وهذه النظرة من الأمّة إلى الحوزة ليست أمراً تلقائيّاً أو مدسوساً أو مصطنعاً، وإنّما هي جزء من التخطيط الواعي الذي وضعه سيّدنا صاحب العصر (ع) حينما أنهى عهد النيابة الخاصّة واستبدل ذلك بالنيابة العامّة، وكان معنى الاستبدال بالنيابة العامّة جعل الطليعة الواعية المتفاعلة مع الإسلام فكريّاً وروحيّاً وعاطفيّاً، جعل هذه الطليعة الواعية العاملة العادلة هي المسؤولة عن حماية الرسالة، وهي المؤتمنة على هذه الأمانة الغالية التي اضطرّ سيّدنا القائم (ع) أن يغادرها إلى غيبة قد تطول»«2».
إلّا أنّ هذا لا يمنعني من الاعتقاد بأنّ من الممكن لأهل الداخل والخارج على حدٍّ سواء المساهمة في تشخيص أمراض هذا الجسم؛ لأنّ بعض هذه الأمراض ممّا لا يُمكن اكتشافه إلّا لمن عاش في داخله وعاين بنفسه الكثير من مشكلاته، وبعضها الآخر ممّا تعمى عيون أهل الداخل عن رؤيته، لأنّ التسليم غير المبرهن الذي قد ينمو مع الطالب تجاه بعض المسائل يمنعه عن رؤية بعض الأمراض. ولكنّي مع ذلك أجد- لمبرّرات عديدة، بعضها تاريخي- أنّ الإصلاح العملي الذي يتجاوز مرحلة توصيف المرض لا يُكتب له النجاح إلّا إذا انطلق من الداخل نفسه، وتسلّمت المرجعيّة أمر ريادته.
كما أنّ كلامي هذا لا يعني المصادقة على المسارعة في اتهام الحركات الإصلاحيّة، خاصّةً تلك التي تسبح في فلك الدائرة الضيّقة التي ألمحنا إليها، ولم أجد- تاريخيّاً- ما يعزّز لي كون التيّار الذي يقابل التيّار الإصلاحي أكثر حرصاً على هذه الحوزة وهذا الكيان من التيّار الإصلاحي نفسه-


__________________________________________________
(1) عقليّات إسلاميّة 1: 490 - 491
(2) من محاضرة للسيّد الصدر (رحمه الله) ألقاها سنة 1385 هـ، تنشر قريباً بإذن الله تعالى ضمن كتاب (ومضات) عن (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)).


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 42

بمعناه الضيّق- المُتّهم بعمله على تقويض المؤسّسة المرجعيّة. ولهذا تجد السيّد محسن الحكيم (ره) مثلًا يصدّ حسين الصافي الذي أتاه شاكياً السيّد محمّد باقر الصدر، بقوله: «وهل أنت أحرص من السيّد محمّد باقر الصدر على الحوزة العلميّة؟!» «1». كما يبدو لافتاً هنا نصُّ الإمام الخامنئي الذي يقول فيه:

«الجموا كلّ من يثير الوساوس في وجه أيّة دعوة إصلاحيّة، هؤلاء يسكتون أمام ممارسات العدو، لكنّهم ينبرون إلى إلصاق تهمةٍ ما بكلّ صرخة إصلاحيّة، وكلّ حديث نابعٍ من قلبٍ متألّم وحريصٍ على الإصلاح» «2».

ومهما يكن من أمر، فنحن نسجّل هذه الكلمات لسدّ الطريق على من يحلو له المسارعة إلى تصنيف الكاتب ضمن الأعداء والحاقدين والمناوئين وما إلى ذلك من ألفاظ مستهلكة، لمجرّد اختلافه معه في وجهة النظر حول ما يتعلّق بدور الحوزة، أو حول المصلحة من وراء عرض تاريخها بشفافية.

الأمر الرابع‏
إذا أردتُ اللجوء إلى المصطلحات العلميّة، فالحقيقة أنّني لم أكن لأقدم على تدوين تاريخ الحوزة العلميّة خلال نصف قرنٍ من حياتها بهذه الشفافية لولا تماميّة المقتضي لذلك وارتفاع المانع:
أمّا المقتضي، فهو المساهمة في ترشيد وعي الناس عموماً والطلّاب خصوصاً، وهذا الملاك يبدو واضحاً من نصوص الإمام الخميني (ره) التي شدّد فيها على ضرورة عرض التاريخ بدون إخفاءٍ وتحفّظ، حتّى لو أدّى ذلك إلى تضرّر فلان أو فلان. وقد اقتصرنا على أيّة حال على القدر المتيقّن ممّا يجوّزه هذا المقتضي. أمّا ما يمكن تصويره من موانع، فبحسب ما يخطر الآن بالبال أمور:
المانع الأوّل: وهو واردٌ بالعنوان الأوّلي، وهو عبارة عمّا يمكن أن يواجهه التأريخ بشفافيّة من إشكاليّة شرعيّة حول مسائل الغيبة والإهانة وما إلى ذلك.
المانع الثاني: وهو واردٌ بالعنوان الثانوي، حيث يلزم من التأريخ بشفافيّة انكفاء الناس عن المرجعيّة، وابتعادهم عنها، الأمر الذي يجعل تديّنهم في معرض الخطر.
المانع الثالث: وهو واردٌ بالعنوان الثانوي كذلك، إذ يلزم الهرج والمرج في ما يتعلّق بردّة الفعل.
* أمّا حول المقتضي الأوّل، فلو قدّر لتجربة من هذا القبيل أن تأتي على يد إنسان غير متشرّعي لأتت بصورة مختلفة تماماً. وإذا كان ذكر بعض القضايا يوجب الاستشكال من ناحية الحكم الشرعي، فلا بدّ من الإشارة إلى أمور:
1- أنّ النقّال بقّال كما يقولون. وعندما أذكرُ في الكتاب أنّ فلاناً فعل كذا ثمّ أذكر المصدر، فهذا لا يعني أنّني أقول إنّه فعل كذا، بل يعني أنّني أقول: ذكر المصدر الفلاني أنّ فلاناً فعل كذا. ومن الواضح أنّني أحاسب على صدقي في النقل عن المصدر لا على صدق المصدر في ما ذكره.


_________________________________
(1) انظر أحداث سنة 1382 هـ
(2) الحوزة العلميّة في فكر الإمام الخامنئي: 165.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 43

2- إذا كان ما تقدّم لا يُخرج من المأزق الشرعي، فإنّ المسألة على أيّة حال تتبع تقليد المرء إن كان من المقلّدين، ومقلَّدي يجوّز هذا السرد ما لم يقصد السارد الانتقاص، والله تعالى شاهدٌ على أنّ هذا القصد لم يكن دخيلًا، وعلى من يختلف معي في وجهة النظر أن يأخذ بعين الاعتبار براءة ذمّتي من جهة تقليدي، ولا يحمّلني قناعاته أو تقليده هو.
وقد جاء في الاستفتاء الموجّه إلى قائد الأمّة الإمام الخامنئي ما يلي: «الشخصيّات التأريخيّة التي لها آثار علميّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، وأصبح أمرها متعلّقاً بعموم المجتمع، فلو تعرّضوا للنقد سلباً أو لتقييم آرائهم ومواقفهم وأخلاقهم وجزئيّات حياتهم، وقد يكون بعض ذلك عيباً، فما الحكم؟».
وجاء في الجواب: «لا مانع من ذلك ما لم يقصد الانتقاص‏» «1»، فكيف إذا اكتفينا بالعرض وأحجمنا عن التقييم والنقد المعياريّين؟!
ولن أطيل في المسألة بعد أن كنتُ مُبرَأ الذمّة بحسب تقليدي. ولكنّي أودُّ الإشارة إلى أنّنا إن لم نقل: إنّ البحث التاريخي برمّته خارج عن مورد البحث، وأنّ أدلّة التحريم منصرفة عنه، فإنّ مواد الكتاب خارجة عن موضوع الاستشكال الشرعي موضوعاً؛ باعتبار عدم كونها عيباً، أو باعتبار التجاهر .. وإلّا فحكماً؛ باعتبار تزاحم الملاكات وتقديم ما نحن فيه لغرض شرعي صحيح بحسب ما نطمئنُّ إليه في ظلّ توجيهات شخصيّات من قبيل الإمام الخميني (ره) والإمام الخامنئي. وربّما لهذا السبب ذكر بعض العلماء المعاصرين أنّ المحرّم من الأمر يقتصر على الأمور الشخصيّة الناجمة عن الحسد وما شابه، ولا يشمل الأمور الاجتماعيّة التي يجوز فيها الانتقاد العلني «2»، فكيف إذا لم يكن هناك انتقاد، كما هو الحال في كتابنا هذا؟!
والإمام الخميني (ره)- مثلًا- وإن كان من أكثر المتشدّدين في بحثه حول المسألة من الناحية الفقهيّة في كتاب (المكاسب)، يطلب من السيّد حميد روحاني-...- تدوين التاريخ كما وقع ودون ستر للأمور، حيث يقول (ره) ما ترجمته:
«.. وعليكم أن تكتبوا الحقائق وإن لزم من ذلك تضرّركم أو تضرّر من تربطكم بهم علاقة .. إذا أردتم أن يكون التاريخ الذي تكتبونه مفيداً للإسلام والمسلمين، فعليكم أن تكتبوه بعيداً عن أيّة أغراض. حاولوا أن تكونوا مؤرّخين بهذا النحو. وعليكم أن تبيّنوا المسائل والحوادث كما وقعت ولا يكوننّ في ما تكتبونه مبالغة أو سترٌ للأمور» «3».

إنّ هذه النصائح والإرشادات لا يُمكن فصلها عن الجانب الفتوائي بذريعة عدم تدوينها في رسالته العمليّة، بل يُمكن أن نستفيد منها أنّه يرى مجال البحث التاريخي خارجاً عمّا كان بصدد التنظير له في بحثه الفقهي إذا تجاوز الأمر المشاحنات والطعونات الشخصيّة المحضة، وكان الهدف‏
__________________________________________________
(1) الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمّة المؤرّخين: 203، نقلًا عن صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد المؤرّخ بـ 21 / شعبان / 1415 هـ
(2) يادنامه شرق، ضميمه رايگان تاريخ وانديشه، شماره 12، ويژه آيت الله بروجردى، فروردين85 : 7
(3) نهضت امام خمينى، ط 15، 1: 11- 12.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 44

منه تدوين التاريخ بكبرياته، وذلك بغية تعريف الأجيال بمجرياته من أجل ترشيد وعيهم وتزويدهم بالدروس والعبر.
وإن كنتُ مخطئاً ولم يكن الأمر كذلك، فلا شكّ في أنّ سدّ باب تدوين التاريخ بغالبه هو الأولى والمحكّم في المقام بعد ملاحظة الأمور المتقدّمة.
إضافةً إلى ذلك، فقد وجدتُ من المصلحة إيراد بعض الحوادث التي وردت في مصادر منشورة ومتداولة، ولكنّنا أوردنا فيها بعض القرائن التي لم ترد في تلك المصادر، أو أضفنا تعليقاً يوجّه بعض الأمور، ممّا صبّ في نهاية المطاف في صالح من يُظنّ أنّنا نتهجّم عليهم.
وبعيداً عن ذلك، فقد تعرّض السيّد الصدر (ره) مؤخّراً إلى انتقادٍ طال تحرّكاته واعتقاداته، بل طال شهداء الحركة الإسلاميّة في العراق وشرعيّة إقدامهم على ما أقدموا عليه. وكان من الممكن مباركة هذه الخطوة في حال توفّرها على المبرّرات العلميّة والأخلاقيّة الكافية، إلّا أنّ ذلك لم يكن متيسّراً في ظلّ معاينتي شخصيّاً لموارد تقطيع النصوص وسلخها من سياقها بطريقة تبعد البحث عن أجوائه العلميّة بُعدَ ما بين الأرض والسماء.
وقد لاحظنا أنّ المرجعيّة لم تقدم على استنكار هذه الخطوة، مع أنّها تحمل في طيّاتها ما هو أعظم وأخطر بكثير ممّا يظنّه القارئ مودعاً في هذا الكتاب. ولو صحّت الرواية التي نقلت حول كيفيّة تسوية الأمور بهدف تراجع أحد المراجع عن قراره القاضي بتعطيل الحوزة دروسها استنكاراً، فهذا يكشف عن تشجيع المرجعيّة- أو بعض وجوهها على الأقل- على الخطوة المذكورة ومباركتها لها.
وأجمل الوجوه المفسّرة لما جرى هو أنّ هذا الموقف كان نابعاً إمّا من القناعة بضرورة نقد السيّد الصدر (ره) بالذات وبهذا الشكل، لمصلحة تراها هي، أو من حرصها الشديد على تكريس ظاهرة نقد المؤسّسة المرجعيّة بشكل عام وتشجيعها عليه، وذلك تأسّياً منها بأمير المؤمنين (ع) الذي لم تمنعه عصمته من الامتثال وغريمه أمام القاضي «1»، في حادثةٍ ربّما فهمتها المرجعيّة تأسيساً منه (ع) لمفهوم اجتماعيٍّ مطّرد يُلزم من بيده أزمّة أمور المجتمع بأن لا يترفّع بنفسه عن النقد.
فعلى الأوّل، قيل بالمصلحة في نقد غيره. أمّا على الثاني، فالأمر سهلٌ.
ومهما يكن من أمر، فإنّي لم أتعرّض في كتابي هذا إلى خصوصيّات الأشخاص خارج الدائرة المتعلّقة بمهمّة الكتاب ورسالته التي أراها له، فلم أتدخّل في حياتهم الشخصيّة، ولم أذكر ما يكون موضوعاً لحقّ الله تعالى خاصّة، فهو على الأقلّ لا يعنيني سواء في مهمّتي أم خارجها، وقد أهملت ذكر العديد من الأخبار المتعلّقة ببعض الشخصيّات، لأنّها ذات طابع شخصي محض ولا ارتباط لها بالشأن العام، كما لم أبدِ اعتناءً في تسجيل ما يتعلّق بالأشخاص الذين لا يعتبرون وجوهاً اجتماعيّة،

__________________________________________________
(1) هذه الرواية رواها أهل السنّة (انظر مثلًا: المغني لابن قدامة11: 444)؛ ونقلها علماؤنا في كتبهم الفقهيّة (انظر مثلًا: المبسوط8: 149؛ كفاية الأحكام2: 681؛ كشف اللثام 10: 47).



السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 45

لأنّ ما جوّز لي التأريخ قد لا يشمل حالات من هذا القبيل.
وعلى أيّة حال، وحتّى أدرّب نفسي على عدم تحويل المواقف الرساليّة إلى مواقف شخصيّة، فقد أخذت على نفسي عهداً بالاستغفار والدعاء لمن وقع في كتابي بنحوٍ قد يضعف موقفه، من الماضين والأحياء، حتّى من أكاد أطمئنُّ إلى عدم نظافة موقفه، عسى أن يساهم ذلك في تنزيه الموقف عن كونه موقفاً شخصيّاً.
* أمّا المانع الثاني فغير مستقر؛ لأنّنا لم نؤرّخ لاتجاه واحدٍ من اتجاهات المرجعيّات القائمة، وإنّما أرّخنا لخطّين نعتقد بأنّهما يكادان أن يكونا متباينين في ما يتعلّق برؤيتهما الكونيّة، وإذا قدّر للقارئ الانكفاء عن أحدهما، فإنّه سيتفاعل مع الآخر.
ويحلو لي هنا أن أورد نصّاً يسجّل فيه السيّد الصدر (ره) بعض ما ينفعنا في المقام، إذ يقول (ره) :
«وأتذكّر أنّ شخصاً من أجلّة علماء تبريز ومن المحبّين والمخلصين لنا «1» قد كتب لنا بعد صدور تعليقتنا على منهاج الصالحين يطلب السكوت عن فتوى طهارة أهل الكتاب وتبديل ذلك بالاحتياط، وذكر دامت بركاته أنّ جملةً من الأخيار في تبريز تعوّدوا على استخباث أهل الكتاب ونجاستهم، فهم ينقبضون عمّن يقول بالطهارة. وقد كتبتُ إليه دامت بركاته أنّي أعلم بذلك ولكنّي ألاحظ في نفس الوقت الآلاف ممّن يهاجر إلى بلاد أهل الكتاب ويقعون في محنة من ناحية القول بالنجاسة حتّى حدّثني [الثقات‏] أنّ جملةً من المتديّنين الذين هاجروا إلى هناك تركوا الصلاة وخرجوا تدريجاً من التديّن رأساً لأنّهم يرون النجاسة محدقة بهم، فيرفعون يدهم عن أصل الفريضة، فلو أوقفني المولى القدير سبحانه وتعالى للحساب بين يديه وقال لي كيف سبّبت بعدم إبرازك للفتوى التي تراها لانحراف هؤلاء وإحراج الكثير من الناس واستدراجهم إلى المعصية، فماذا سوف أقول. إنّني أيّها السيّد الجليل أعاني نفسيّاً وروحيّاً معاناةً شديدةً في مثل هذه المواقف، وأخشى كثيراً أن أتصرّف تصرّفاً أؤثر فيه مصلحتي الخاصّة على مصلحة الدين، فأنا أعلم أنّ هناك عدداً من الصالحين والمتشرّعة الأبرار قد أخسرهم شخصيّاً بسبب إبراز الفتوى المذكورة التي هي على خلاف المعهود في أذهانهم، وقد يقولون ما لنا ولهذا الفقيه؟! ولنتركه. ولكنّ هؤلاء إذا قدّر لهم أن تركوني فلن يتركوا الدين، وإنّما يتركوني إلى فقيهٍ آخر، لن يتركوا الصلاة، لن تتهدّد كرامتهم بشي‏ء. إذن فلن يخسرهم الدين، وإنّما أخسرهم أنا شخصيّاً إذا لم يوجد من يشرح لهم واقع الحال ويرفع ما في نفوسهم. وأمّا أولئك الذين يقعون في ضائقة من القول بالنجاسة ويصيبهم الضعف الديني تجاه ذلك فيتحلّلون تدريجيّاً من واجباتهم، فإنّهم سيخسرهم الدين رأساً» «2».

ويقول (ره) في رسالة أخرى له:
«... وليست المرجعيّة الصالحة شخصاً، وإنّما هي هدف وطريق، وكلّ مرجعيّة حقّقت ذلك الهدف والطريق فهي المرجعيّة الصالحة التي يجب العمل لها بكلّ إخلاص» «3».
_________________________________________
(1) يبدو لي أنّه السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي (رحمه الله)
(2) انظر أحداث سنة 1397 هـ
(3) انظر أحداث سنة 1399 هـ.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 46

وهذا ينطبق على ما نحن فيه؛ فإنّ إقبال الناس على المرجع أو انكفاءهم عنه- في مسألتنا هذه- لا علاقة له بالتديّن، وإنّما هو مرتبط بوعي المرجع وجوداً وعدماً، فإذا قدّر للقارئ الانكفاء عن مرجعيّات معيّنة، فإنّه لن يترك الدين، وإنّما سيتركها إلى مرجعيّات أخرى قد تكون بنظره أكثر وعياً أو أكثر تحقيقاً لأهداف الإسلام التي يراها، ولن يخسره الدين بذلك، وإنّما تخسره تلك المرجعيّات على الصعيد الشخصي، وهذا لا ضير فيه طالما أنّ من المفترض أن تكون المرجعيّات- بحسب تعبيرنا- مأخوذة على نحو الطريقيّة لا الموضوعيّة.
* أمّا المانع الثالث، فيحتاج إلى إعادة نظر؛ وإن كان ثمّة مفاسد، فمن قال إنّها أعظم من مفسدة بقاء الوضع على ما هو عليه. ويبدو أنّ الإمام الخامنئي لا يعتقد بهذا المانع، حيث يقول في نصٍّ سبق أن سجّلناه:
«إنّ عدم الاعتراف بالنقص يعني عدم إمكانيّة معالجته. إنّ هذه المهمّة مناطة بكم لا سيّما الفضلاء الشباب: اطرحوا هذا الموضوع وكرّروا طرحه، اكتبوا واستدلّوا عليه، ناقشوا الذين يعارضون هذا المنحى، جادلوهم بالحق، وأثبتوا لهم أنّ هذا المريض مريضٌ حقّاً، وأنّ هذا الجسم الحي يعاني الألم، وما لم يفهموا ألمه، سيبقى مريضاً دائماً»«1»، وذلك بعد قوله:
«لكنّ وضع الحوزة يختلف اليوم عمّا كان في الماضي، فهي اليوم متخلّفة كثيراً عن زمانها، ومساحة هذا التخلّف ليست صغيرة»«2».
والخلفيّة التي قد تدفع الناس إلى إحداث حالة من الهرج والمرج بسبب نسمة من النقد تطال الجسم، بل حتّى بسبب توصيفٍ لمرضه دون نقده، إنّما هي من صنع يدي هذا الجسم نفسه ووليدة النهج الذي دأب على تكريسه، ولو عن غير قصد. فلو أنّه حاول على مدى السنين المتراكمة أن يُفهِم الناس أو يشعرهم- ولو بطريقة غير مباشرة تحافظ على مكانته المقبولة بل والمرموقة- بأنّه لا يعلو على النقد، وبأنّه فعلًا غير معصوم، وبأنّ وجود أخطاء يُمنى بها خلال مسيرته وضعٌ طبيعي في ظلّ غياب إمامة الحق ذات العصمة المطلقة، وبأنّ نيابته العامّة عن هذه الإمامة الحقّة لا تسحب عليه ما لها من قدسيّة وعصمة مطلقتين ... لو كان منه هذا، لما جرّ عليه إبداء حفنة من الملاحظات الهرج والمرج.
ثمّ إنّنا لم نمارس في هذا الكتاب نقداً ولم نبرز رأياً أو كلاماً معياريّاً ليستتبع ردّات فعل بدرجة معيّنة، وإنّما اقتصرنا على العرض والتوصيف ليشكّل ذلك خطوة مخفّفة.
__________________________________________________
(1) الحوزة العلميّة في فكر الإمام الخامنئي: 166
(2) الحوزة العلميّة في فكر الإمام الخامنئي: 150.



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 11:01 AM


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 59

يقول الشيخ بزرگ الطهراني (ره) في ترجمة الشيخ رضا الهمداني (ره) :
«.. وقد أصرّ علماء عصره على الطعن بالحجّة الجليل الشيخ هادي الطهراني حسداً لمكانته، إلّا المترجم له ..» «1». كما تعرّض لنكبته السيّد محسن الأمين (ره) في ترجمة الشيخ الهمداني (ره) أيضاً، حيث يقول: «كان في عصره رجل في النجف اسمه الشيخ هادي الطهراني، مشهور بالفضل، له حلقة درس كبيرة ومؤلّفات مطبوعة، يقال: إنّه كان يطيل لسانه على أكابر العلماء. ولعلّه لما كان يعتقده في نفسه من الفضل والتفوّق. وقد شاهدناه في النجف وكثر الكلام في حقّه من كثير من أكابر العلماء، حتّى وصل إلى حد التكفير، فانحلّ أمره وتناقص عدد حلقة درسه إلى ما يقرب من عدد الأصابع أو يزيد قليلًا، وكان ذلك قبل ورودنا النجف، فوردناها والحال على ذلك. وفي بعض أوقات وجودنا فيها ثارت ثائرة جماعة من العلماء عليه، فأصدروا فتاواهم بتكفيره، وأرسلوا إلى شيخنا المترجم ليشاركهم في ذلك فأبى وقال: التكفير أمرٌ عظيم لا أقدم عليه بمثل هذه النسب، وصارت يومئذٍ مسألة الشيخ هادي حديث الناس من العلماء والطلّاب وغيرهم في مجالسهم ومحافلهم»«2».
وأضاف في موضع آخر:
«تصدّى للتدريس، فتهافتت عليه الطلّاب وأعجبوا بحسن أسلوبه في الإلقاء والإملاء، وبجودة تحقيقه في ذلك وحسن بيانه، وطار ذكره وكثرت تلاميذه وانتشروا في الأقطار، وكانوا مغالين به يفضّلونه على معظم العلماء من المعاصرين والقدماء. وكان لهذه المزايا، ولما طبع عليه من علو الفطرة لا يعجبه كثيرٌ من العلماء، وربّما أوقع في بعضهم، وجهّلهم، وفنّد آراءهم، وصرّح بمؤاخذتهم، فاغتنم هذا فيه بعض معاصريه أو مفاخريه، فحمل بإغراء أتباعه على إعلان تكفيره، فكان لهذه الواقعة دوي في المحافل الدينية وغيرها في العراق وغيره. وتحزّب الناس حزبين، وانبرى لنصرته وبراءته فريق من العلماء، منهم الشيخ محمّد حسين الكاظمي والملّا محمّد الإيرواني وغيرهما، فهان أمره، ولولا ذلك لانتظر الإيقاع به. رأيناه في النجف والطلّاب والعلماء تتحامى مخالطته خوفاً على أنفسهم من ألسنة الناس، ولا يحضر درسه إلّا نفر قليل متناهون في الإخلاص له، لا يبلغون الخمسة عشر. وكان يحضر درسه أوّلًا فضلاء العرب والفرس، فلما جرى عليه ما جرى تحامى الناس حضور درسه خوفاً من الناس، مع رغبتهم في حضوره، وكانت حادثته هذه في عصر الميرزا الشيرازي والميرزا في سامراء، فلم ينبس فيها ببنت شفة، إلّا انه قطع السؤال عنه. وكانت هذه الحادثة قبل مجيئنا إلى النجف، ودخلناها وحالته كما ذكرنا من تحامي الناس درسه سوى خاصّته، وكان يدرّس نهاراً في بيته وليلًا على سطح الكيشوانيّة القبليّة الشرقيّة، ثمّ جدّد أمر الهياج عليه ونحن بالنجف من أكثر العلماء إلّا شيخنا الآغا رضا الهمداني؛ فلم يدخل في ذلك ولم يرض أن يجري ذكر هذا الأمر في مجلسه بحرف واحد، وإلّا شيخنا الشيخ محمّد طه نجف. وكان كثيرٌ من الناس يغالي في علمه وفضله، لكنّ الذي سمعته من السيّد علي ابن عمّنا السيّد محمود- وكان ممّن حضر مجلس درسه- أنّه ليس بتلك المنزلة من المغالاة، وإن كان في مرتبة سامية من الفضل، وأنّ الناس في حقّه بين الإفراط والتفريط. ولكن من المحقّق أنّه كان يطيل لسانه على العلماء، ويقال إنّه صنّف حاشية على رسائل الأنصاري سمّاها الحسام المنتضى على الشيخ مرتضى، وكان يقول للشيخ حسن ابن صاحب الجواهر وهو في مجلس درسه: إنّ أباك ليلة كتب هذا المطلب كان عشاؤه طبيخ الماش، ونحو ذلك. ومثل هذا يقع كثيراً من العلماء، خصوصاً من ذوي الأفهام الحادّة والأفكار الواسعة»«1».
__________________________________________________
(1) نقباء البشر في القرن الرابع عشر 2: 777
(2) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 7: 20.
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 233، تحت عنوان (الشيخ هادي ابن الحاج ملّا محمّد أمين الواعظ الطهراني النجفي)

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 60

يقول متمّم (روضات الجنّات) في ترجمة الشيخ الطهراني (ره) :
«ونقل أنّه كان كثير الطعن والتشنيع في مجلس درسه على العلماء والمجتهدين في مقام ردّ كلماتهم، ولذا نقل بل اشتهر أنّ معاصره العلّامة الرشتي المتقدّم ذكره حكم بكفره، بحيث نقل لنا من أثق بنقله وأعتمد على قوله أنّ شيخنا الهادي صاحب العنوان ورد في تأبين بعض علماء النجف، فلمّا سقوه القهوة حسب ما هو العادة في المأتم والتعازي، صاح من وسط المجلس بعض المغرضين بمحضر الشيخ العلّامة الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي (ره) وملأٍ من الناس: (اغسلوا فنجان القهوة الذي شرب منه الشيخ هادي)، وكان شيخنا العلّامة المحقّق الشيخ محمّد حسين الكاظمي (ره) حاضراً في المجلس، فلمّا سمع تلك الصيحة النفسانيّة المنبعثة من الوساوس الشيطانيّة والدسائس الشخصيّة، حرّكته الغيرة الإيمانيّة، فأمر بإتيان كوز من الماء ليشرب، فجي‏ء له بكوز من الماء، فقدّمه لشيخنا الهادي (ره) وقال: (اشرب منه حتّى أشرب سؤرك)، ففعل ذلك، فتعجّب الحاضرون من صنيع الشيخ، فوثقوا بصاحب العنوان بعد فعل الشيخ المعظّم عليه، وتركوا الحركات القبيحة والتكلّمات البذيّة الموجبة لفساد عقايد العوام، والمخرّبة لشعائر الإسلام، ولولاه لكان ساقطاً عن الأنظار بالكليّة. وبالجملة لم نر في مؤلّفاته ما يوجب ذلك، بل يعبّر في كتبه عن علمائنا رضوان الله عليهم بحسن التعبير. وظنّي أنّ بعض المغرضين المفسدين الذين غرضهم هتك شعائر الله وحرماته ألبسوا الأمر على العلّامة الرشتي (قدس سره)، ومع ذلك ما أظنّه تفوّه بذلك، بل نسبوه إليه، كما وقع نظيره لمعاصره العلّامة الشيرازي (ره) بالنسبة إلى تحريم التنباك» «2».
ويذكر الشيخ صدر الإسلام الخوئي (ره) في ترجمة الشيخ حبيب الله الرشتي (ره) : «سافر المترجم إلى إيران .. ولمّا رجع المترجم من سفره إلى النجف الأطهر، زاره جلّ طبقاتها، وزاره أيضاً الشيخ محمّد هادي الطهراني من أعلام عصره. ولمّا قام الشيخ المذكور من مجلسه أمر المترجم بتغسيل الفنجان- الذي شرب الشيخ المذكور فيه القهوة- على ملأ من الحاضرين ومشهدٍ منهم، وانتشر الخبر من حينه وشاع وفشا شيوعاً عظيماً، فجاء المترجم جماعة يسألون عن العمل المذكور وسرّه ورأيه فيه، فأجابهم المترجم أوّلًا بأنّ الأمر بالتغسيل إنّما هو على وجه الاحتياط ممّا بلغه من الشيخ المذكور بوجوه ليس المقام موضع شرحه؛ فاعتُرض عليه- ولعلّ هذا الاعتراض كان على الشيخ وإن كان له بصورته- بأنّ الاحتياط إنّما هو في خلافه، لاستلزام العمل الحرام القطعي لأمرٍ لم يُعلم وجوبه، فيه توهين المؤمن، بل إيذاؤه وكسر اعتباره وهدم مقامه وهتك حرمة. فلمّا سمع به المترجم أظهر الجزم بذلك. فلمّا صدر منه [الأمر] تنجّز على الطهراني ما كان‏
__________________________________________________
(2) انظر: أحسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة 1: 167 - 168؛ مقدّمة تحقيق الفوائد الأصوليّة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) : 101، نقلًا عنه.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 61

يتبعه، واستقرّ وشاع أثره، وطار صيته وعلا وامتدّ ذيوله.
ووقتئٍذٍ قام بعض معاصريه- مثل العلّامة مولى محمّد الأيرواني الفاضل من عمد أعلام العصر وزعيمه- وغيره بتبجيل الشيخ المذكور وتعظيمه اعتقاداً منهم باشتباه المترجم في نظره، ولكنّ الشيخ لم يستقم صلباً ولم ينبسط وجهاً بعد ذلك مدّة حياته أبداً، مع الإصرار والاجتهاد [البليغ‏] في ترويج أمره وتعظيم مقامه ورفع الوصمة عنه من أعلام عصره، وما كان ذلك كلّه إلّا لإساءة اللسان منه بالنسبة إلى السلف الصالح رضوان الله [على‏] معاشر الماضين أجمعين، والله العالم بحقايق الأحوال وبواطن الأسرار» «1».
وأورد في ترجمة الشيخ محمّد هادي الطهراني (ره) :
«وكان (ره) حديد اللسان في المحاورة، قليل الرعاية في الكلام والانتقاد والقدح على أقرانه من السلف والخلف، ولا يبالي مخالفة الشهرة في الفتوى، بل لا يخلو عن حبّ التفرّد والاشتهار. وقد تقدّم ذكر معاملة العلّامة الميرزا حبيب الله الجيلاني النجفي مع المترجم في مجلسه العام وأمره باغتسال الفنجان- الذي شرب فيه المترجم قهوة- على رؤوس الأشهاد، وما ورد على المترجم من الكسر والنكبة بعد ذلك، بحيث إنّه لم يبتسم وجهاً ولم يستقم صلباً ولم يعدل أمراً ولم يرأ سقماً بعد ذلك اليوم إلى آخر عمره وخاتم أمره أبداً.
ويقال: إنّ كلّ ذلك كان ممّا كان عليه المترجم المغفور له من عدم [المبالاة] في انتقاداته العلميّة بالنسبة إلى السلف الصالح من أعلام الدين وخيار رجال العلم والأساتذة المحقّقين، ولو بالاستخفاف وسوء التعبير في ذلك، ولو على رؤوس الأشهاد، في مجالس درسه ونحوه. ويقال أيضاً: إنّ السبب في سوء اعتقاد العلّامة الجيلاني للمترجم ومعاملته معه أنّ العلّامة المذكور وقف على مقالة أو كرّاسة بقلم المترجم، أو سمع بمقالته هذه ممّن يثق به، أنّ المترجم ينكر فيه علم الباري تعالى شأنه على «2» الجزئيّات، كما نسب ذلك إلى جملة من الفلاسفة أيضاً، فجرى بينهما ما جرى من الأمر. وقيل في ذلك مقالات أخرى [غيرها] أيضاً [ممّا] لا ينبغي ذكرها، فضلًا عن قبولها أو الظن بصدقها في مثل هذا العالم الجليل ..» «3».
5- هذا إضافةً إلى العلاقات المتوتّرة بين أنصار الآخوند الخراساني وبين أنصار السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره)؛ فقد أورد السيّد الأمين (ره) في ترجمة أستاذه السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره) : «في أيّامه ظهر أمر المشروطة في إيران، وأعقبها خلع السلطان عبد الحميد في تركيا، وكان هو ضدّ المشروطيّة، وبعض العلماء يؤيّدونها، كالشيخ ملّا كاظم الخراساني وغيره. وتعصّب لكلٍّ منهما فريقٌ من الفرس، وكان عامّة أهل العراق وسوادهم مع اليزدي، خصوصاً من لهم فوائد من بلاد إيران، لظنّهم أنّ المشروطيّة تقطعها. وجرت بسبب ذلك فتن وأمور يطول شرحها، وليس لنا إلّا أن نحمل كلًّا منهما على المحمل الحسن والاختلاف في اجتهاد الرأي‏» «4»، وقد بلغ الأمر أنّ أنصار المشروطة أرادوا قتل السيّد اليزدي (ره) لولا
__________________________________________________
(1) مرآة الشرق 1: 688
(2) كذا في المصدر
(3) مرآة الشرق 2: 1380
(4) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 43

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 62

دفاع رؤساء عرب النجف وشيوخهم عنه وطوافهم ببيته لحمايته «1».
ويفصّل الحديث السيّد حسن الأمين (ره)، حيث يذكر أنّه بعد امتناع السيّد محمّد كاظم اليزدي (ره) عن التوقيع على (المشروطة)، صار أنصاره يوصفون بالمستبدّين، وانقسمت النجف والمدن الأخرى إلى فريقين، وقد استطاع السيّد اليزدي (ره) أن يكسب كفّة الميزان لصالحه، و «كان أكثر العامّة من دعاة الاستبداد، ويعدّون الملّا كاظم الخراساني هو وأتباعه كفّاراً، ولا يكادون يسمعون عن أحد العلماء أنّه (مشروطة) حتّى ينفضّوا عنه ويلعنوه ويتركوا الصلاة خلفه‏».
وبعد أن انقلب موقف الدولة العثمانيّة لصالح الشيخ الآخوند الخراساني (ره) «نظم الشيخ علي الشرقي قصيدة يهجو بها اليزدي ويتشفّى به، كما نظم السيّد صالح الحلي بعض الأبيات اللاذعة من الشعر، قارن في أحدها بين اليزدي ويزيد» «2»، وهي قوله:
فوالله ما أدري غداً في جهنّم*** (أَيَزْدِيُّها) أشقى الورى أو يزيدُها «3»

6- وبما أنّ اسم السيّد الأمين (ره) قد تردّد، فلا بأس بالإشارة إلى ما تعرّض له عقيب انتقاده بعض المراسم الحسينيّة التي تجري في يوم عاشوراء: فقد حرّم (ره) الضرب بالسيوف والسلاسل يوم عاشوراء، ودعا إلى مقاومة من يستعمل الطبول والصنوج والأبواق، [وقد تسرّبت هذه الظاهرة لاحقاً إلى مراسم استقبال الجنائز، في حين كان استعمال الطبول في العهد الذي كان فيه السيّد الأمين (ره) في النجف مقصوراً على التُرك الإيرانيّين في أيّام عاشوراء] «4»، وكان ذلك في تصريحٍ له إلى مراسل جريدة (العهد الجديد) البيروتيّة، فألّف الشيخ عبد الحسين صادق (ره) سنة 1345 هـ في الردّ عليه رسالة (سيماء الصلحاء في إثبات جواز إقامة العزاء لسيّد الشهداء (ع))، وهي عبارة عن الفائدة الثانية والسبعين من كتابه (مجمع الفوائد)، ثمّ طبعها مستقلّة في اثنين وثمانين صفحة بعد أن دعت الحاجة إلى ذلك، وهي- بحسب قول الشيخ صادق (ره)- أنّ «ناشئة عصريّة ولّدها الدهر بعد حبال أو قاءها بعد جشا، تنتحل دين الإسلام، وما هي منه بفتيل أو نقير، ولا بعير أو نفير، وإن تقشّفت بلبسته وأدهنت بصفته‏...»، ثمّ يقارن بين السيّد الأمين (ره)- دون أن يسمّيه- وبين الوهابيّة- دون أن يسمّيها كذلك- التي هدّدت بتخريب قبور البقيع، قائلًا: «ولا ريب أنّ هذه العصا من تلك العصية».
وعلى أيّة حال، فقد ألّف السيّد الأمين (ره) في الردّ على (سيماء الصلحاء) رسالة (التنزيه)، والتي- بحسب قوله- : «قام لها بعض الناس وقعدوا، وأبرقوا وأرعدوا، وجاشوا وأزبدوا، وهيّجوا طغام العوام والقشريّين ممّن ينسب للدين، فذهب زبدهم جفاء ومكث ما ينفع الناس في الأرض».
وكانت ردّة الفعل الشعبيّة على دعوة (التنزيه) مزيداً من التمسّك بالشعائر الحسينيّة، ظهر «في أوّل شهر محرّم جاء بعد الفتوى؛ فقد ازداد عدد الضاربين بالسيوف والسلاسل، وازداد استعمال الطبول والصنوج والأبواق، وكثرت‏
__________________________________________________
(1) أحسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة 1: 190
(2) مستدركات أعيان الشيعة 4: 151 - 152
(3) انظر: هكذا عرفتهم 1: 109؛ وانظر حول الخلاف بين هذين العالِمين: المرجعيّة الدينيّة ومراجع الإماميّة: 118- 120
(4) ما بين [ ] من: رحلات السيّد الأمين: 113.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 63

الأهازيج والأناشيد التي تتضمّن النقمة والتحدّي لتلك الحركة الإصلاحيّة». وقد أيّد السيّد الأمين (ره) من علماء جبل عامل الشيخ أحمد رضا، الشيخ سليمان ظاهر، [الشيخ محسن شرارة]، ومن العراق: السيّد أبو الحسن الإصفهاني، الشيخ عبد الكريم الجزائري، الشيخ علي القمي، الشيخ جعفر البديري، السيّد مهدي القزويني، السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، ومن الهند: الكاتب الهندي محمّد علي سالمين صاحب جريدة (ديوائن ميسج) التي تصدر في بومباي باللغة الإنجليزيّة، والذي كتب مقالًا نشر باللغة العربيّة.
وقد وقف إلى جانب صاحب (سيماء الصلحاء) عددٌ من رجال الدين، [خاصّةً بعد إصدار الميرزا النائيني (ره) فتواه بالتحليل بتاريخ 5 / ربيع الأوّل / 1354 هـ]: منهم السيّد عبد الحسين شرف الدين، السيّد نور الدين شرف الدين، الشيخ عبد الله سبيتي، والشيخ مرتضى آل ياسين (ره)، [وقد أصدر بعضهم كتباً في هذا المجال، من قبيل: (المواكب الحسينيّة) للشيخ كاشف الغطاء، و (نظرة دامعة حول مظاهرات عاشوراء) للشيخ مرتضى آل ياسين، و (الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة) للسيّد شرف الدين والتي نشرت في مجلّة (العرفان)].
وكان للصحافة كذلك دورٌ واسع في تحريك هذه الظاهرة، فكتبت مقالات عديدة- بعضها باسم مستعار- مع السيّد الأمين، وبعضها ضدّه؛ فكتب اثنان من أنصاره، وقع أحدهما مقاله بتوقيع (حبيب بن مظاهر) ووقّعه الثاني بتوقيع (أبو فراس) «1».
أمّا السيّد أبو الحسن الإصفهاني (ره) الذي أيّده، فقد أصدر فتواه التالية:
«إنّ استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق، وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين، إنّما هو محرّم وغير شرعي‏».
وإثر ذلك انقسم الناس إلى فريقين: أطلق عليهم العوام: (الأمويّون)، وهم أنصار السيّد الأمين (ره)، ويقابلهم (العلويّون)، وهم أنصار الطرف المقابل. وقد بلغت الأمور بين الفريقين شدّتها، حتّى راح حملة القرب وسقاة الماء ينادون‏: «لعن الله الأمين .. ماء»، بعد أن كانوا ينادون: «لعن الله حرملة .. ماء». ويؤكّد الخليلي أنّ العامليّين الذين يسكنون النجف كانوا السبب الأكبر في توتّر الجو ضدّ السيّد الأمين (ره).
وفي هذه الأجواء، أطلق الخطيب المعروف، السيّد صالح الحلّي (ره) شعره ذائع الصيت، والذي يقال إنّه لأحد العامليّين، وإنّما اشتهر على لسان السيّد الحلّي لشدّة موقفه من السيّد الأمين (ره)،
__________________________________________________
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 11: 20 - 21؛ الذريعة 12: 292؛ وما بين: [ ] من: حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 144- 149. وقد جاء في المصدر أنّ من الذين أيّدوا الفريق الذي يقابل السيّد الأمين (رحمه الله) : السيّد محسن الحكيم والسيّد محمود الشاهرودي والسيّد الخوئي والسيّد عبد الهادي الشاهرودي والسيّد حسين الحمّامي، وهذا بعيدٌ بحقّ بعضهم على الأقلّ، لأنّ ما نحن فيه يرجع إلى سنة 1345 هـ. ويُشار إلى أنّ الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله) صرّح بأنّ الأدلّة الفقهيّة لا تساعد إلّا على الحرمة، ولكنّ هذه الأعمال إن صدرت من المكلّف بدافع العشق الحسيني، فلا يبعد جوازها، بل إنّها تكون من القربات وأجلّ العبادات (الفردوس الأعلى: 58- 59).

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 64

والشعر هو:
يا راحلًا أما مررت بجلّق***فابصق بوجه أمينها المتزندق‏

ونظم في مقابله الشيخ مهدي الحجّار شعره التالي:
يا حرّ رأيك لا تحفل بمنتقد***إنّ الحقيقة لا تخفى على أحد
إن تلق ذمّاً على رأي تجد مدحاً***وأنت في البين لم تنقص ولم تزد
وهل على الشمس بأسٌ حين لم ترها***عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد
يا أيّها الوطن المحبوب رحلتنا***وقفا عليك غداً أو لا فبعد غد
آسى على ضيعة الأخلاق منك وذا***قلبي لأجلك مطويٌّ على الكمد
هذى بنوك صوادّ عن معارفها***و كيف يمكث ذوري بجنب صدي‏
ليس المقام على الإرغام من شيمي***أقصى البلاد أدنى الإبا بلدي‏
إنّي أقول ونظم الشهب من كلمي***كما أصول ونصر الله من مددي‏
عن كلّ شائنة في معطسي شمم***لكن على بيعة الرضوان هاك يدي‏
عندي من المتنبي خير عاطفة***روح الحماسة حلّت منه في جسدي‏
ومصلح فاه «بالتنزيه» ليس له***غير الحقيقة إي والله من صدد
تأسَّ يا «محسن» فيما لقيت بما***لاقاه جدّك من بغي ومن حسد
إنّا على «عامل» نأسى لأنّ بها***من لا يفرّق بين الزبد والزبد
سيروا شبيبتنا لكن على خطط*** قد سنّها الدين في منهاجه الجدد
لا تجعلوا لسقيم الذوق منتقداً***عليكم واحذروا من أعين الرصد
إنّا لنأمل فيكم أنّ شعبكم***يعود ملتئماً في شمله البدد «1»

وللسيّد رضا الهندي (ره) شعرٌ قيل إنّه نظمه في السيّد الأمين (ره)، وكان الأوّل مخالفاً الثاني في ما دعا إليه، ولكن يبدو من جواب السيّد الهندي عن سؤال الأستاذ جعفر الخليلي أنّه لم يقله في السيّد الأمين (ره)، هذا إن لم يكن لغيره، وهو:
ذريّة الزهراء إن عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا
فلا تعدّوا (محسناً) منهم *** لأنّها قد أسقطت (محسنا)
كما تطاول السيّد صالح الحلّي (ره) على السيّد الإصفهاني (ره) نفسه «2»، وقد أقدم الأخير على تحريم مجالسه مفتياً بفسقه «3»، فأنشأ الشيخ علي بازي مؤرّخاً ذلك:
__________________________________________________
(1) انظر الشعر بالخصوص في: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 148
(2) انظر: هكذا عرفتهم 1: 207 - 210؛ وما يتعلّق بالسيّد رضا الهندي (رحمه الله) انظره في: هكذا عرفتهم1 : 31، وفي بعض الدواوين: «لتحصي» بدل «ليطري»
(3) في التعبير عن هذه الأمور بالفتاوى تسامح، ولا مصحّح له سوى أن يكون من باب تحقيق موضوع الفتوى، وهو على كلّ حال أمرٌ يستوي فيه المقلّد مع مقلَّده في غير الموارد الولائيّة ويمكنه مخالفته فيه. اللهمّ إلّا أن يكون لفظ الفتوى للأعمّ من الحكم المحض- أعني غير الولائي- والولائي.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 65

أبو حسنٍ أفتى بتفسيق ***صالح قراءته أرّختها (غير صالحة)

ولمّا حاول وجوه الحلّة استرضاء السيّد الإصفهاني (ره) ملقين بالسيّد صالح على قدميه، أبى التراجع عن موقفه وقال: «إنّ السيّد صالح كحرف (أي) التي قيل عنها (أيٌّ كذا خلقت‏)» «1»، فكان أن اعتذر السيّد صالح عمّا بدا منه في حشد حافل في الصحن الحيدري، حيث اعتلا المنبر وقال: «أيّها الناس! إنّي أستغفر الله عمّا قلته وعمّا سأقوله‏»، ثمّ نزل «2».
يقول السيّد محسن الأمين (ره) :
«لقد أشاعوا في العوام أنّ فلاناً حرّم إقامة العزاء، بل زادوا على ذلك أن نسبونا إلى الخروج من الدين، واستغلّوا بذلك بعض الجامدين من المعمّمين، فقيل لهم: إنّ فلاناً هو الذي شيّد المجالس في دمشق، فقالوا: قد كان هذا في أوّل أمره، لكنّه بعد ذلك خرج من دين الإسلام. وعمدوا إلى شخص من الذاكرين يسمّى السيّد صالح الحلّي، بذلوا له مالًا على أن يقرأ في مجلسٍ أنشأوه كمسجد الضرار، ليقرأ فيه السيّد صالح ويقدح فينا، ورهن بعضهم لذلك داره وأنفق المال الذي رهنها به في ذلك السبيل»«3».
ناهيك عن مجريات تاريخيّة أشدّ قرباً إلينا، تختلف شدّةً وضعفاً:
7- من قبيل ما حدث بين السيّد حسين البروجردي وبين السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ره) بعد عودة الأخير من تبريز إلى قم وشروعه بتدريس (الأسفار) واجتماع أكثر من مئة طالب في درسه؛ فقد أمر السيّد البروجردي (ره) بقطع رواتب من يحضر هذا الدرس، وأرسل إلى السيّد الطباطبائي [الحاج أحمد الخادمي‏] يبلغه بأنّه هو بنفسه درس (الأسفار) ولكن بشكل مخفي، وأنّ هذا الدرس ليس من الدروس المتعارفة في الحوزة، فأجاب الطباطبائي (ره) بأنّه درس ما هو متعارف في الحوزة من فقه وأصول، وأنّه لا يقلّ عن الآخرين في هذا الجانب. وقد انقطع الأمر عند هذا الحد ولم يتعرّض لهم السيّد البروجردي (ره) بعد ذلك، وأرسل إلى السيّد الطباطبائي (ره) ذات مرّة نسخة من القرآن الكريم من أصحّ وأجود المطبوع «4». وكان الشيخ حسين المنتظري يدرّس‏
__________________________________________________
(1) انظر: هكذا عرفتهم 1: 109 - 111. ويشير السيّد الإصفهاني (رحمه الله) في قوله: «أيٌّ كذا خلقت» إلى ما جرى مع مروان بن سعيد بن عبّاد بن عبّاد بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة حين سأل الكسائي بحضرة يونس: «أيّ شي‏ء يشبه (أيّ) من الكلام؟»، فقال: «ما ومن»، فقال له: «فكيف تقول: لأضربنّ من في الدار؟»، قال: «لأضربنّ من في الدار»، قال: «فكيف تقول: لأركبنّ ما تركبُ؟»، قال: «لأَركبنّ ما تركب»، قال: «فكيف تقول: ضربت من في الدار؟»، قال: «ضربتُ مَن في الدار»، قال: «فكيف تقول: رَكبتُ ما ركبتَ؟»، قال: «ركبتُ ما ركبتَ»، قال: «فكيف تقول لأضربنّ أيّهم في الدار؟»، قال: «لأضربنّ أيَّهم في الدار»، قال: «فكيف تقول ضَرِبتُ أيّهم في الدار؟»، قال: «لا يجوز»، قال: «لِمَ؟»، قال: «أيٌّ كذا خلقت» (أخبار النحويّين، الموسوعة الشعريّة: 22)
(2) انظر: حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 150، نقلًا عن الشيخ باقر القرشي الذي كان حاضراً
(3) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 363
(4) مهر تابان (فارسي) : 61 وما بعد؛ الشمس الساطعة: 101 وما بعد.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 66

(المنظومة)، فتعطّل درسه «1»، ولكنّ السيّد البروجردي (ره) إنّما كان يعارض درس (الأسفار) و (المنظومة)، ولم يعارض تدريس فلسفة ابن سينا وفلسفة المشّائين «2».
أو الضغوط التي سبّبتها تعليقة السيّد الطباطبائي (ره) على كتاب (بحار الأنوار)، والتي أدّت بمتولّي طبع الكتاب إلى الاعتذار منه عن متابعة طبع بقيّة التعليقة، بعد أن توقّفت عند الجزء السادس، وكان السيّد الطباطبائي (ره) يرفض التخفيف من التعليق باعتبار أنّ منزلة الإمام الصادق (ع) أعظم من منزلة صاحب (البحار) «3»، وكان يردّد: «قد أخطأ المجلسي، قد أخطأ العلّامة» «4». وكان السيّد عبد الهادي الشيرازي (ره) قد أصدر بياناً من النجف الأشرف نشره في قم إثر تعليق السيّد الطباطبائي (ره) على (البحار)، وبحسب المصدر فإنّه: «تقريباً قد كفّره‏» «5».
ويشير السيّد الطباطبائي (ره) في بعض كتاباته إلى ظاهرة حمل مقولة (مخالفة العلماء) حملَ قميص عثمان، ويؤكّد على أنّ حسن الظن بالعلماء واحترام شخصيّتهم الدينيّة شي‏ء، واتباع نظريّاتهم العلميّة وأفكارهم العقليّة شي‏ء آخر «6». ويقول (ره) في تفسيره (الميزان) : «فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلّم المربي نفسه متصفاً بما يصفه للمتعلّم، متلبّساً بما يريد أن يلبسه، فمن المحال العادي أن يربّي المربّي الجبان شجاعاً باسلًا، أو يتخرّج عالمٌ حرٌّ في آرائه وأنظاره من مدرسة التعصّب واللجاج، وهكذا» «7».
8- وعام 1949 م وقعت في المدرسة الفيضيّة في قم خلافات بين الطلّاب الرشتيّين وبين الطلّاب الأتراك، هجموا خلالها على بعضهم البعض، وقد نشرت ذلك صحيفة (استوار) القميّة، ودخل رجال الأمن على إثرها المدرسة الفيضيّة. وقد دفعت هذه الحادثة بالإمام الخميني (ره) إلى
__________________________________________________
(1) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 207
(2) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 210
(3) مهر تابان (فارسي) : 35- 36؛ الشمس الساطعة: 52- 53.
(4) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 216
(5) تاريخ شفاهى انقلاب اسلامى ايران .. پيدايش وتحولات حوزه علميه قم (فارسي) : 212، نقلًا عن حسين حقّاني. وقد ذكر لي الشيخ جعفر السبحاني أنّه اطّلع ضمن تركة السيّد الطباطبائي (رحمه الله) على مجموعة من الرسائل التي كانت قد أرسلت إليه، وفيها شتمٌ وكلامٌ من قبيله.
وإذا رغب القارئ الكريم في الاطلاع على تعليقات السيّد الطباطبائي (رحمه الله) على (البحار) ليرى طبيعتها، فليراجع: بحار الأنوار ج 1: 90، 100، 104، 135، 179، 194، 218؛ ج2: 25، 33، 52، 104، 123، 135، 141، 160، 174، 176، 177، 185، 192، 314، 319؛ ج3 : 8، 31، 40، 45، 56، 62، 82، 87، 110، 143، 151، 180، 229، 249، 252، 258، 267، 273، 306، 327؛ ج4 : 38، 62، 63، 72، 86، 98، 129، 131، 137، 140، 144، 148، 149، 164، 167، 197، 296، 302، 305؛ ج5 : 7، 18، 33، 39، 83، 102، 105، 111، 112، 123، 149، 161، 207، 215، 223، 224، 234، 257، 276، 294؛ ج6 : 8، 37، 158، 271، 280، 290، 291، 326، 330، 336
(6) شيعه .. مجموعه مذاكرات با پروفسور هانرى كربن (فارسي) : 220؛ الشيعة .. نص الحوار مع المستشرق كوربان: 246
(7) الميزان في تفسير القرآن 6: 258 - 259.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 67

الاجتماع بالسيّد البروجردي (ره) والحديث معه حول ضرورة إصلاح الحوزة وتنظيم أمورها، وأنّ الوضع لم يعد يُحتمل، وأنّ عليهم الإسراع في ذلك، وكان السيّد البروجردي (ره) يسعى بشدّة لإصلاح الوضع، إلّا أنّ المقرّبين منه كانوا يحولون دون ذلك. وكان مدير الفيضيّة في ذلك الوقت الحاج الميرزا عبد الحسين صاحب الداري البروجردي الذي لم يكن- حسب المصدر- محبوباً من قبل الطلّاب، وكان المقرّبون من السيّد البروجردي (ره) يحمونه ويحرصون على بقائه في منصبه.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:49 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية