العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:50 AM


وبنص الأخبار الكثيرة الواردة في كتبنا وفي كتب كبار علمائكم الأعلام أن النبي (ص) قال: من سبّ عليا فقد سبّني وسب ّالله سبحانه.
وأما قولكم: إن هذا الكلام من موضوعات الشيعة، فهو اشتباه محض ، لأنكم تقيسون القضايا على أنفسكم، وأن كثيرا منكم لا يتورعون من الكذب وكيل الاتهامات على شيعة آل محمد (ص) من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيوية، فيغوون بكلامهم الباطل العوام الجاهلين، ولا يخشون يوم الدين ومحاسبة رب العالمين.
عبد السلام: إنما أنتم الشيعة كذلك! فأنت أحد علمائهم، وفي مجلسنا هذا لا تتورع عن سبّ الصحابة الكرام، والافتراءات عليهم، فكيف تتورع من الافتراء على علمائنا الأعلام؟!
قلت: ولكن التاريخ يشهد على خلاف ما تدعيه، فإن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم منذ قبض رسول الله (ص) مضطهدون ومشردون ومحاربون!
إذ أن حكومة بني أمية حين أسست قررت محاربة آل محمد (ص) وعترته الطاهرة، وأعلنوا على المنابر سبّ علي بن أبي طالب ولعنه، وهو أبو العترة وسيدهم ، بل أمعنوا في السب واللعن حتى سبّوا الحسن والحسين وهما سبطا رسول الله و ريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة.
وقاموا بمطاردة الشيعة حتى إذا ظفروا بهم سجنوهم وعذبوهم، وكم قتلوا منهم صبرا تحت التعذيب!!
والمؤسف أن بعض علمائكم كانوا يساندون أولئك الظلمة ويفتون بمشروعية تلك الأعمال الجنائية والإجرامية!!
وبعضهم يحوكون الأكاذيب والأباطيل بأقلامهم المأجورة فينسبونها على الشيعة على أنها من معتقداتهم! وبناء عليها يحكمون على الشيعة المؤمنين بالكفر والشرك والرفض والغلو، وما إلى ذلك من التهم والأباطيل، فيزرعون في قلوب أتباعهم ، العوام الغافلين، بذور عداوة الشيعة المؤمنين.
عبد السلام: إن علماءنا الأعلام كتبوا عن واقعكم ولم ينسبوا إليكم ما ليس فيكم، وإنما كشفوا عن أعمالكم الفاسدة وعقائدكم الباطلة، فاتركوها حتى تسلموا من أقلام علمائنا الكرام.

مفتريات ابن عبد ربه
قلت: ما كنت أحب أن أخوض هذا البحث وأسوق الحديث في هذا الميدان، ولكنك اضطررتني إلى ذلك، فأبين الآن لمحة للحاضرين حتى يعرفوا كيف ينسب علماؤكم إلينا ما ليس فينا!!
فأقول: أحد كبار علمائكم، المشهور بالأدب واللغة، هو شهاب الدين أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي المالكي، المتوفي سنة328 هجرية، ففي كتابه العقد الفريد 269/1: يعبر عن الشيعة الموحدين المؤمنين، بأنهم يهود هذه الأمة، ثم إنه كما يتهجم على اليهود والنصارى ويبدي عداءه لهم، يتهجّم على شيعة آل محمد (ص) ويظهر لهم البغض والعداء.
ومن جملة مفترياته وأباطيله على الشيعة، يقول:
الشيعة لا يعتقدون بالطلاق الثلاث، كاليهود...
الشيعة لا يلتزمون بعدة الطلاق!
والحال أن أكثر الحاضرين من أهل السنة في المجلس يعاشرون الشيعة ويتزاورون معهم يشهدون بخلاف هذا العالم المعاند الضالّ المضلّ.
وأنتم إن كان عندكم أدنى اطلاع على فقه الشيعة فستعرفون بطلان كلام ابن عبد ربه، وإن لم يكن عندكم اطلاع فخذوا أي كتاب شئتم من فقه الشيعة واقرءوها حتى تعرفوا أحكامنا حول مسألة الطلاق الثلاث وعدة الطلاق.
ثم إن عمل الشيعة في كل مكان بمسائل الطلاق والتزامهم بالعدة، أكبر دليل على بطلان كلام ابن عبد ربه.
ويقول هذا المفتري أيضا: إن الشيعة كاليهود، يعادون جبرئيل، لأن في اعتقادهم أنه أنزل الوحي على محمد بدل أن ينزله على علي بن أبي طالب!
" الشيعة الحاضرون كلهم ضحكوا من هذا الكلام "
فتوجهت إلى العامة الحاضرين وقلت لهم: انظروا هؤلاء الشيعة كلهم ضحكوا من هذا الكلام السخيف وسخروا منه، فكيف يعتقدون به؟!
فلو كان ابن عبد ربه يطالع كتب الشيعة ويحقق في معتقداتهم ما كان يتكلم بهذا الكلام المهين، وما كان اليوم يظهر جهله للحاضرين، أو يحكم عليه بأنه من المغرضين، وفي قلبه داء دفين، يريد أن يفرق بين المسلمين!!
أما نحن الشيعة فنعتقد أن محمدا المصطفى هو خاتم الأنبياء، بل نصدق الحديث النبوي الشريف: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فهو نبي مبعوث من عند رب العالمين، اختاره، واصطفاه، واجتباه، وأرسله للناس أجمعين، ونعتقد بأن جبرئيل هو أمين وحي الله، وهو معصوم ومصون عن الخطأ والسهو والاشتباه.
ونعتقد أن الإمام علي (ع) منصوب بأمر الله تعالى في مقام الولاية والإمامة، فهو خليفة النبي (ص) بلا فصل، نصبه رسول الله (ص) بأمر الله عز وجل يوم الغدير.
ويقول ابن عبد ربه الضال المضل: ومن وجوه الشبه بين الشيعة واليهود، أنهم لا يعملون بسنة النبي (ص)، فهم عندما يتلاقون لا يسلّمون، بل يقولون: السام عليكم!
" ضحك الشيعة الحاضرون، ضحكا عاليا "
فوجهت كلامي إلى العامة، وقلت: وإن معاشرتكم مع الشيعة في هذا البلد وتحيتهم معكم وفيما بينهم، بتحية الإسلام: " السلام عليكم " ينفي مزاعم هذا الإنسان وأباطيله.
ويستمر ابن عبد ربه في أكاذيبه ومفترياته على شيعة آل محمد (ص) فيقول: إن الشيعة كاليهود، يحلون قتل المسلمين ونهب أموالهم!!
أقول: إنكم تعيشون مع الشيعة في بلد واحد وتشاهدون معاملتهم الحسنة معكم ومع غيركم.
فنحن الشيعة لا نحل دماء وأموال أهل الكتاب (غير المحاربين) فكيف نحل دماء وأموال إخواننا المسلمين من أهل السنة والجماعة؟!
وإن حق الناس عندنا من أهم الحقوق، وقتل النفس من أعظم الذنوب وأكبر حوب!
هذه بعض مزاعم وأباطيل أحد علمائكم ضد الشيعة.
والوقت لا يسمح لأكشف لكم أكثر مما ذكرت من كلماته الواهية السخيفة.

مفتريات ابن حزم
وأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، المتوفى سنة 456 هجرية، هو أشهر علمائكم المعروف بحقده وعدائه للشيعة، فلقد تحامل على شيعة أهل البيت (ص) وافترى عليهم في كتابه " الفصل في الملل والنحل " الجزء الأول، فيقول: إن الشيعة ليسوا بمسلمين، وإنما اتخذوا مذهبهم من اليهود والنصارى!
وقال في الجزء الرابع من الكتاب نفسه، صفحة 182: الشيعة يجوزون نكاح تسعة نساء!
ويظهر كذب الرجل وافتراءه علينا إذا راجعتم كتبنا الفقهية، فقد أجمع فقهاؤنا الكرام في كتبهم: أن نكاح تسعة نساء في زمان واحد هو من خصائص رسول الله (ص)، ولا يجوز لأحد من رجال أمته، بل يجوز لهم نكاح أربعة نساء في زمن واحد بالنكاح الدائم، بدليل الآية الكريمة: ( فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(14).
فإذا طالعتم مجلدات كتاب " الفصل في الملل والنحل " وتقرءون سبابه وشتمه وكلامه البذيء للشيعة المؤمنين لعرق جبينكم خجلا، لانتسابه إليكم، وأنه يعد من علمائكم!!

مفتريات ابن تيميّة
وأحد علمائكم الذي اشتهر بشدة عدائه للشيعة الأبرار الأخيار، هو أحمد بن عبد الحليم الحنبلي، المعروف بابن تيمية، المتوفى سنة 728 هجرية وهو حاقد لا على الشيعة فحسب، بل يكمن في صدره بغض الإمام علي (ع) والعترة الطاهرة.
ولو يطالع أحدكم مجلدات كتابه المسمى بـ: " منهاج السنة " لوجدتم كيف يحاول الرجل أن يخدش في كل فضيلة ومنقبة ثابتة للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه الطيبين والعترة الطاهرين!
فكأنه آلى على نفسه أن لا يدع فضيلة واحدة من تلك الفضائل والمناقب ـ التي لا تعد ولا تحصى لأهل البيت (ع) ـ إلا يردها ويرفضها أو يشكك فيها ! حتى التي أجمعت الأمة على صحتها ورواها أصحاب الصحاح.
ولو أردت أن أذكر لكم كل أكاذيبه وأباطيله لضاع الوقت، ولكن أذكركم لكم نبذة من كلامه السخيف وبيانه العنيف! لكي يعرف جناب الشيخ عبد السلام، أن الافتراء والكذب من خصائص وخصال بعض علمائهم لا علماء الشيعة!!
والعجب أن ابن تيمية بعد ذكر أباطيله وأكاذيبه وافترائه على الشيعة المؤمنين، يقول في الجزء الأول من " المنهاج " صفحة 15: لم تكن أية طائفة من طوائف أهل القبلة مثل الشيعة في الكذب، فلذا أصحاب الصحاح لم يقبلوا رواياتهم ولم ينقلوها!
وفي الجزء العاشر، صفحة 23 يقول: أصول الدين عند الشيعة أربعة : " التوحيد والعدل والنبوة والإمامة " ولم يذكر المعاد، مع العلم أن كتبنا الكلامية التي تبين عقائد الشيعة منشرة في كل مكان وفي متناول كل إنسان.
وكما أشرنا في بعض مجالسنا السالفة: فإن الشيعة تعتقد أن أصول الدين ثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، وبحث عن عدل الباري سبحانه ضمن التوحيد، وتجعل الإمامة جزء النبوة.
وفي الجزء الأول، صفحة 131، من " منهاج السنة " يقول: إن الشيعة لا تعتني بالمساجد، فمساجدهم خالية من المصلين، غير عامرة بصلاة الجمعة والجماعة، وبعض الأحيان يحضر بعضهم في المسجد فيصلي فرادى!!
وجهت خطابي حينئذ إلى الشيخ عبد السلام وقلت: أيها الشيخ! أسألك وأسأل الحاضرين، أما تنظرون بأعينكم إلى مساجد الشيعة في بلادكم وهي عامرة أوقات الصلوات بكثرة المصلين وإقامة الجماعة بالمؤمنين؟!
وهذه إيران، وهي عاصمة الشيعة، نجد في كل مدينة منها، بل في كل قرية منها مساجد عديدة، مبنية بأحسن شكل وأجمل بناء وهندسة، وفي أكثرها، أو كلها، تقام الصلوات في أوقاتها جماعة.
(عرضت لهم تصاوير عن صلوات الجماعة لعلماء الشيعة).
وأنتم العلماء! راجعوا كتبنا الفقهية سواء المفصلة أو المجملة ، كالرسائل العملية لمراجع ديننا المعاصرين، تجدون فيها فصولا ومسائل كثيرة في ثواب الصلاة في المسجد وصلاة الجماعة، فإن ثوابها أضعاف الصلاة في البيت أو الصلاة فرادى.
ويستمر ابن تيمية في افترائه على شيعة أهل البيت (ع) في نفس الصفحة فيقول: الشيعة لا يحجون بيت الله الحرام كسائر المسلمين، وإنما حجهم يكون زيارة القبور، وثواب زيارة القبور عندهم أعظم من ثواب حج بيت الله الحرام، بل هم يلعنون كل من لا يذهب إلى زيارة القبور!!
" ضحك الشيعة من هذا الكلام ضحكا عاليا "
والحال أنكم إذا راجعتم موسوعاتنا الفقهية، وكتبنا العبادية، لرأيتم مجلدات عديدة باسم: كتاب الحج، وهي تحتوي على آلاف المسائل عن كيفية أداء الحج وأحكامه ومسائله الفرعية.
وكل فقيه يقلده الناس في الأحكام الشرعية لابد أن ينشر كتابا باسم " مناسك الحج " حتى يعمل مقلدوه وتابعوه وفق ذلك.
ورأى جميع فقهائنا الكرام وعلمائنا الأعلام: أن تارك الحج ـ المستطيع الذي يترك الحج عنادا ـ كافر، يجب الاجتناب منه والابتعاد عنه، عملا بالآية الكريمة: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)(15).
والتزاما بالحديث الشريف: " يقال لتارك الحج: مت إن شئت يهوديا أو نصرانيا ".
فهل بعد هذا كله، يترك الشيعة حج بيت الله؟!
ثم بإمكانكم أن تذهبوا عند قبور أئمة أهل البيت (ع) وهي أفضل المزارات عند الشيعة، واسألوا الزائرين وحتى السوقيين منهم والقرويين: أن أداء الحج، أين يكون وكيف يكون؟؟ تسمعون الجواب منهم: إنه يكون في مكة المكرمة... إلى آخره.
ثم نجد هذا الرجل المفتري الكذاب، وهو: ابن تيمية، يتهم أحد مفاخر العلم والدين، وأحد كبار علماء المسلمين، وهو الشيخ الجليل، والحبر النبيل ، العلامة محمد بن محمد النعمان، المعروف بالشيخ المفيد (قدس سره)، فيقول: إن له كتابا باسم: " مناسك حج المشاهد " بينما لم يكن لفضيلة الشيخ المفيد هكذا كتاب وإنما له كتاب باسم: " منسك الزيارات " وهو في متناول الأيدي، ويحتوي على التحيات والعبارات الواردة قراءتها عند مشاهد ومراقد أئمة أهل البيت (ع).
ولو راجعتم كتب الشيعة التي ألفت في الزيارات والمزارات تجدون فيها تأكيد المؤلفين على أن زيارة المشرفة والمراقد المتبركة، مندوبة وليست واجبة.
وإن أكبر دليل قاطع، وبرهان ساطع، على كذب ابن تيمية وافترائه علينا، أنكم تشاهدون في كل عام عشرات الآلاف من الشيعة يحجون ويقصدون بيت الله الحرام في الموسم، ويحضرون في الموقف بعرفات والمشعر الحرام مع إخوانهم المسلمين من سائر المذاهب.
وقد ورد في كتب الأدعية عندنا أهل البيت (ع)، في أدعية شهر رمضان المبارك، أن يقرأ في الليل والنهار وفي الأسحار: اللهم ارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام، ولا تخلني من تلك المواقف الكريمة، والمشاهد الشريفة، و زيارة قبر نبيك والأئمة (ع).
ويقول الحاقد المعاند، في الجزء الثاني من كتابه " منهاج السنة ": الشيعة ينتظرون إمامهم الغائب، ولذلك في كثير من البلاد كمدينة سامراء، يذهبون إلى سرداب هناك ويهيئون فرسا أو بغلا أو غيره، ويصيحون وينادون باسم إمامهم ويقولون: نحن مسلحون ومهيئون لنكون معك ونقاتل بين يديك، فاظهر واخرج!!
ثم يقول: وفي أواخر شهر رمضان المبارك يتوجهون نحو المشرق وينادون باسم إمامهم حتى يخرج ويظهر.
ويستمر في خزعبلاته قائلا: ومن بينهم من يترك الصلاة، حتى لا تشغلهم الصلاة عن إدراك خدمة الإمام (ع) لو ظهر.
(ضحك الحاضرون كلهم)
فهذه الأراجيف والكلام السخيف من ابن تيمية الجلف العنيف، ليس بعجيب، لكني أتعجب من بعض علماء مصر وسوريا، الذين كنا نعتقد أنهم أهل علم وتحقيق لا أهل وهم وتحميق!! كيف قلدوا ابن تيمية وكرروا خزعبلاته الهزلية وكلماته الهستيرية.
مثل: عبد الله القصيمي في كتابه " الصراع بين الإسلام والوثنية ".
ومحمد بن ثابت المصري في كتابه " جولة في ربوع الشرق الأدنى ".
وموسى جار الله في كتابه " الوشيعة في نقد علماء الشيعة "
وأحمد أمين المصري في كتابيه: " فجر الإسلام " و " ضحى الإسلام ".
وغير هؤلاء من دعاة التفرقة والطائفية وأصحاب الجاهلية العصبية.
وهناك بعض الجاهلين منكم اشتهروا بالعلم والتحقيق، وانتشرت كتبهم، وأصبحت عندكم من المصادر المعتمدة حتى أخذتم كل ما جاء فيها حول الشيعة وجعلتموها من المسلمات الحتمية.
منهم محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، وهو من علمائكم وكتابه " الملل والنحل " مشهور عندكم، وقد أصبح من مصادركم المعتمدة، بينما أهل العلم والتحقيق يرفضون هذا الكتاب ولا يعتمدون عليه أبدا، لأنه مشحون بالأخبار الضعيفة، بل الأخبار الباطلة المخالفة للواقع!
فمثلا: ضمن وصفه للشيعة الاثني عشرية يقول: بعد الإمام محمد التقي، الإمام علي بن محمد النقي ومشهده في مدينة قم بإيران!!
بينما كل من عنده اطلاع عن تاريخ الإسلام وعلم الرجال، يعلم أن الإمام علي بن محمد النقي (ع) مرقده في مدينة سامراء بالعراق، وتعلوه قبة ذهبية عظيمة لامعة، أمر بتذهيبها المرحوم ناصر الدين شاه، الملك القاجاري الإيراني.
ومن هنا نعرف مدى علم الشهرستاني وتحقيقاته العلمية والتاريخية حول الشيعة!! فيسمح لنفسه أن ينسب إليهم أنهم يعبدون علي بن أبي طالب، وأنهم يعتقدون بتناسخ الأرواح والتشبيه، وما إلى ذلك، مما يدل على جهله وعدم اطلاعه على الملل والنحل!!
يكفينا هذا المقدار في هذا الإطار، وقد ذكرته ليعرف الشيخ من الكاذب والمفتري، فلا يقول بعد هذا: إن علماء الشيعة يكذبون ويفترون على علماء العامة، فقد ثبت أن الأمر على عكس ما قاله الشيخ عبد السلام.

الكلام في ذم أبي هريرة
ولكي يعرف الشيخ أن الشيعة لم ينفردوا في ذم أبي هريرة، بل كثير من علماء العامة ردوا عليه أيضا ورفضوا رواياته، أنقل بعض ما جاء منهم في هذا المجال:
1ـ ابن أبي الحديد، في شرح نهج البلاغة: 4/63 ـ ط دار إحياء التراث العربي، قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى... أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع)، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا وعطايا مغرية، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير...
وفي الصفحة 67 من الجزء نفسه ذكر ابن أبي الحديد، أن أبو جعفر قال: وروى الأعمش، قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته مرارا وقال:
يا أهل العراق! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار؟!
والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: إن لكل نبي حرما، وإن حرمي بالمدينة، ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها!!
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.
أسألكم أيها المستمعون بالله عليكم! ألا يكفي هذا الخبر وحده لرد أبي هريرة وإسقاط رواياته عن الاعتبار؟! أم أن الشيخ عبد السلام يعتقد أن أبا هريرة لما كان من الصحابة، فيحق له أن يقول ما يحب ويفتري ويكذب، وله أن يتهم أفضل الخلفاء الراشدين وأكملهم حسب رواياتكم وهو الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وليس لأحد أن يرد عليه ويضعفه أو يطعن فيه؟!
الشيخ عبدالسلام: لو فرضنا صدق كلامكم وصحة بيانكم فكل ذلك لا يوجب لعن أبي هريرة؟! وأنا إنما استشكل عليكم وأقول: بأي دليل تلعنون أبا هريرة ؟!
قلت: بديل العقل والنقل أنه: لا يسب النبي (ص) إلا ملعون، وحسب الأخبار والأحاديث المعتبرة المروية عن طرقكم والمسجلة في كتب كبار علمائكم، أن رسول الله (ص) قال:
من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله سبحانه وتعالى.
وأبو هريرة كان من الذين يسبون عليا (ع)، وكان يجعل الأحاديث في ذمه (ع) ليشجع المسلمين الغافلين والجاهلين على سب أمير المؤمنين (ع).

أبو هريرة مع بسر بن أرطأة
2ـ ذكر الطبري في " تاريخه " وابن الأثير في " الكامل " وابن أبي الحديد في " شرح النهج " والعلامة السمهودي وابن خلدون وابن خلكان، وغيرهم: أن معاوية حينما بعث بسر بن أرطأة، الظالم الغاشم، إلى اليمن لينتقم من شيعة الإمام علي (ع) كان معه أربعة آلاف مقاتل، فخرج من الشام ومر بالمدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وتبالة ونجران وقبيلة أرحب ـ من همدان ـ وصنعاء وحضر موت ونواحيها، وقتلوا كل من ظفروا به من الشيعة في هذه البلاد، وأرعبوا عامة الناس، فسفكوا دماء الأبرياء، ونهبوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، وقضوا على كل من ظفروا به من بني هاشم حتى لم يرحموا طفلي عبيد الله بن العباس ـ ابن عم رسول الله (ص) ـ وكان واليا على اليمن من قبل الإمام علي (ع).
وذكر بعض المؤرخين: أن عدد الذين قتلوا بسيوف بسر وجنده في تلك السرية بلغ ثلاثين ألفا!!
وهذا غير عجيب من معاوية وحزبه الظالمين، فإن التاريخ يذكر ما هو أدهى وأمر من هذا الأمر.
والجدير بالذكر أن أبا هريرة الذي تعظموه غاية التعظيم، ولا ترضون بذكر مثالبه ولعنه كان قد رافق بسرا في رحلته الدموية وحملته الإرهابية الدموية، وخاصة جناياته على أهل المدينة المنورة، وما صنع بكبار شخصيات الأنصار، مثل: جابر بن عبدالله الأنصاري، وأبي أيوب الأنصاري إذ حرقوا داره! وأبو هريرة حاضر وناظر ولا ينهاهم عن تلك الجرائم والجنايات!!
بالله عليكم أنصفوا!!
أبو هريرة الذي صحب النبي (ص) مدة ثلاث سنوات ويروي خمسة آلاف حديث عنه (ص)، هل من المعقول أنه لم يسمع الحديث النبوي المشهور الذي يرويه كبار العلماء والمحدثين، مثل السمهودي في " تاريخ المدينة " والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " وسبط ابن الجوزي في " التذكرة " وغيرهم عن النبي (ص) أنه قال:
" من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ".
وقال (ص): " لعن الله من أخاف مدينتي ـ أي أهل مدينتي ـ ".
وقال (ص): " لا يرد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص ".
فهل من المعقول أن أبا هريرة ما سمع واحدا من هذه الأحاديث الشريفة؟!
إنه سمع! ومع ذلك رافق الجيش الذي هاجم المدينة المنورة وأخاف أهلها، ثم وقف بجانب معاوية المارق على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يومئذ خليفة رسول الله بحكم بيعة أهل الحل والعقد في المدينة المنورة.
فانضم أبو هريرة إلى معاوية مخالفا لأمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب، بل محاربا له عليه السلام، وما اكتفى بكل هذه الأمور المنكرة حتى بدأ يجعل الأحاديث المزورة والأخبار المنكرة في ذم ولي الله وحجته علي بن أبي طالب عليه السلام، برواية يرويها عن رسول الله (ص)، وحاشا رسول الله (ص) ثم حاشاه من ذلك كله.
والعجيب، أن مع كل هذه الأمور المفجعة والقضايا الفظيعة، قول القائل: إنه لا يجوز لعن أبي هريرة وطعنه، لأنه من صحابة النبي (ص)!
وفي منطق أبي هريرة يجوز سب الإمام علي عليه السام ولعنه والعياذ بالله وهو أكرم الصحابة وأفضلهم، وأحب الناس إلى الله ورسوله (ص).
الشيخ عبد السلام: الله الله! كيف تقول هكذا في شأن أبي هريرة وهو أعظم راو وأوثق صحابي؟!
فالطعن واللعن رأي الشيعة، وأما رأي عامة المسلمين في أبي هريرة، فإنهم يعظموه ويحترموه ويجلوه عن كل ما تقولون.
قلت: إن ما قلناه فيه لم يكن رأي الشيعة فحسب، بل هو رأي كثير من علمائكم ورجالكم، حتى الخليفة الثاني عمر الفاروق، فقد ذكر المؤرخون، كابن الأثير في الكامل في حوادث عام 23، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2/104ط مصر وغيرهما، ذكروا: أن عمر بن الخطاب في سنة 21 أرسل أبا هريرة واليا على البحرين، وأخبر الخليفة بعد ذلك بأن أبا هريرة جمع مالا كثيرا، واشترى خيلا كثيرة على حسابه الخاص، فعزله الخليفة سنة23 واستدعاه، فلما حضر عنده، قال له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟!
فقال: لم أسرق، وإنما هي عطايا الناس لي.
ونقل ابن سعد في طبقاته 4/90، وابن حجر العسقلاني في " الإصابة " وابن عبد ربه " العقد الفريد " الجزء الأول، كتبوا: أن عمر حينما حاكمه قال له: يا عدو الله! لما وليتك البحرين كنت حافيا لا تملك نعالا، والآن أخبرت بأنك شريت خيلا بألف وستمائة دينار!!
فقال أبو هريرة: عطايا الناس لي وقد أنتجت.
فغضب الخليفة وقام وضربه بالسوط على ظهره حتى أدماه! ثم أمر بمصادرة أمواله، وكانت عشرة آلاف دينار، فأوردها بيت المال.
وقد ضرب عمر أبا هريرة قبل هذا، كما ذكر مسلم في صحيحه 1/34 قال: في زمن رسول الله (ص) ضرب عمر أبا هريرة حتى سقط على الأرض على قفاه!
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/360 ط مصر أنه قال أبو جعفر الإسكافي: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضي الرواية، ضربه عمر بالدرة وقال : قد أكثرت من الرواية، أحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص).
وذكر ابن عساكر في تاريخه، والمتقي في " كنز العمال ": أن الخليفة عمر بن الخطاب زجر أبا هريرة، وضربه بالسوط، ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول الله (ص) وقال له: لقد أكثرت نقل الحديث عن النبي (ص) وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص)!! وإذا لم تنته عن الرواية عن النبي (ص) لأنفينك إلى قبيلتك دوس، أو أبعد إلى أرض القردة.
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه 1/ 360 ط مصر، عن أستاذه جعفر الإسكافي، أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ألا إن أكذب الناس ـ أو قال: أكذب الأحياء ـ على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي.
وذكر ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " والحاكم في الجزء الثالث من " المستدرك " والذهبي في " تلخيص المستدرك " ومسلم في صحيحه، ج2 في فضائل أبي هريرة: أن عائشة كانت تقول مرات وكرات: أبو هريرة كذاب، وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبي (ص)!!
فأبو هريرة لم يكن مرفوضا وكذابا عندنا فحسب، بل هو مردود وكذاب عند سيدنا الإمام علي عليه السلام، وعند مولاكم عمر الفاروق، وعند أم المؤمنين عائشة، وعند كثير من الصحابة والتابعين، والعلماء المحققين!!
كما إن شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلهم رفضوا مروياته وردوها، وأعلنوا: أن كل حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة، باطل وغير مقبول.
كما أن النووي في " شرح صحيح مسلم " في المجلد الرابع يتعرض لهذا الأمر بالتفصيل.
وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول: أصحاب النبي (ص) كلهم عندي ثقات وعدول، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول، إلا الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب، فلا أقبلها، وهي مردودة ومرفوضة.
(وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء).
وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي.
قلت: نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمة حول أبي هريرة ونظرائه، لا بد لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبي (ص).
وكما ورد عنه (ص): كلما حدثتم بحديث عني فاعرضوه على كتاب الله سبحانه، فإذا كان موافقا فخذوه، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه.

الحديث في فضل أبي بكر
وأما الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السلام عن أبي هريرة: أن جبرائيل نزل على النبي (ص) فقال: إن الله تعالى يقول: إني راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عني؟!
فأقول:
أولا: نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط، ورواياته غير مقبولة، كما مر.
ثانيا: حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبي (ص) نجده مخالفا للقرآن المجيد، فإنه سبحانه يقول: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)(16).
وقال: (.... فإنه يعلم السرّ وأخفى)(17).
وقوله تعالى: (إنه يعلم الجهر وما يخفى)(18).
وقوله سبحانه: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن)(19).
فبحكم هذه الآيات الكريمة، وبحكم العقل السليم، فإن الله عز وجل يعلم كل ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره، وكل ما يختلج في صدره.
فالحديث الذي يقول: " سل أبا بكر هل هو راضٍ؟! ".مفهومه: إن الأمر لا يخفى على الله سبحانه، فيسأل ليعلم!! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم.
ثم مما لا شك فيه أن رضا الباري عز وجل يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربه، فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا، أي: لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإن الله لا يرضى عنه، ولا يكون مقربا إليه تعالى.
فعلى هذا، كيف يبدي الله عز وجل رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إن أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا؟!
الشيخ عبد السلام: لا بأس، نترك هذا الحديث الذي تشككون فيه ولكن عندنا أحاديث لا شك فيها أنها صدرت عن النبي (ص) في شأن الخليفة أبي بكر، منها أنه:
وقال (ص): إن الله يتجلّى للناس عامة، ويتجلّى لأبي بكر خاصة.
وقال (ص): ما صب الله في صدري شيئا إلا صبه في صدر أبي بكر.
وقال (ص): إن في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.
وقال (ص): أبو بكر وعمر خير الأولين.
وقال (ص): خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور، وعمر سراج أهل الجنة.
هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة، وهي مروية في كتبنا المعتبرة وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسوله (ص).

أحاديث مدسوسة
قلت: هذه الأحاديث تدل ظواهرها على بطلانها وفسادها. وحاشا رسول الله (ص) أن تصدر منه هكذا كلمات!!
فإن الحديث الأول: يدل بظاهره على تجسم الباري عز وجل وسبحانه عن ذلك وعلا علوا كبيرا.
والحديث الثاني: يصرّح بأن أبا بكر شريك رسول الله (ص) في ما نزل عليه من الوحي.
والحديث الثالث: يدل على أن النبي (ص) ما كان أرفع درجة وأعلى رتبة من أبي بكر، بل يساويه في المقام والمنزلة.
والخبران الأخيران، مخالفان لأحاديث كثيرة متواترة ومقبولة عند الفريقين، فالأحاديث الصحيحة تصرّح بأن خير أهل العالم محمد المصطفى وآله النجباء ، سلام الله عيهم أجمعين.
وأما الجملة الأخيرة: " وعمر سراج أهل الجنة ".
فأقول: إن أهل الجنة مستغنون عن السراج فيها، لأن وجوههم منيرة يومئذ، كما قال تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم...)(20).
وقوله تعالى: (.. يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم...)(21).
وقد ورد في الأخبار المروية في كتب الفريقين: أن الجنة تكون مضيئة في حد ذاتها كالدرة البيضاء والياقوتة الحمراء، فلا قيمة فيها للسراج، لأن السراج إنما يفيد في الظلام، ولا ظلام في الجنة.
وإضافة على ما ذكرنا، فإن كبار علمائكم في علم الدراية والرجال ، وكبار محدثيكم الذين يميزون الأحاديث الصحيحة عن السقيمة مثل: العالم الجليل المقدسي في: " تذكرة الموضوعات ".
والفيروز آبادي الشافعي ـ صاحب " القاموس " ـ في: " سفر السعادة ".
والذهبي في " ميزان الاعتدال ".
والخطيب البغدادي في: " تاريخ بغداد ".
وأبي الفرج ابن الجوزي في: " الموضوعات ".
وجلال الدين السيوطي في: " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " هؤلاء صرحوا: أن هذه الأخبار موضوعة ولا اعتبار بها، لسببين:
1ـ أسانيدها ضعيفة، لأن في طريقها رجال متهمون بالكذب وجعل الأحاديث.
2ـ عدم موافقتها للقواعد العقلية والآيات القرآنية.
الشيخ عبد السلام: لو فرضنا صحة كلامكم في الأحاديث المذكورة، فما تقول في هذا الحديث الشريف المشهور بين علماء المسلمين، والمذكور في الكتب المعتبرة الموثوقة، أن النبي (ص) قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة؟!
قلت: أما قولك: " الحديث.....المشهور "... فربّ مشهور لا أصل له!
وأما قولك: " والمذكور في الكتب " فليتك تذكر لنا هذه الكتب المعتبرة، الموثوقة!!
وأما الحديث، إضافة على أنه مردود وغير مقبول عند علمائكم ومحدثيكم المتخصصين في علم الدراية والرجال والحديث والرواية، وقد حسبوه من الموضوعات، فإن ظاهره يخالف الحق الذي يتجلى في الأخبار الصحيحة المقبولة عند الفرقين.

أهل الجنة كلهم شباب
من معتقدات المسلمين أن الجنة ليس فيها غير شباب ولا يدخلها شيوخ وكهول.
والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع، وهو أن رسول الله (ص) قال لامرأة عجوز وهو يمازحها، حين طلبت منه (ص) أن يدعو لها بالجنة.
فقال (ص): " إن الجنة لا تدخلها العجائز " فحزنت المرأة وقالت : واخيبتاه إذا لم أدخل الجنة!
فتبسم رسول الله (ص) وقال: تدخلين الجنة ولست يومئذ بعجوز، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة، كما قال الله سبحانه: (إنا انشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا) (22).
وكما ورد في الحديث النبوي الشريف: المؤمنون يدخلون الجنة جردا ، مردا، بيضا، جعادا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين.
على هذا ذكر الفيروز آبادي في " سفر السعادة:142 ".
والسيوطي في: " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وابن الجوزي في " الموضوعات ".
والمقدسي في: " تذكرة الموضوعات " والشيخ محمد البيروتي في " سنى المطالب: 123 ".
قالوا: في سند حديث: " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة " يحيى بن عنبسة.
وقال الذهبي: هو ضعيف.
وقال ابن جان: إن يحيى جعال وضاع للحديث.
لذلك هذا الحديث ساقط عن الاعتبار!
ونحتمل احتمالا معقولا، أن هذا الحديث من جعل بني أمية البكريين، لأنهم كانوا يضعون الأحاديث قبال كل حديث نبوي صدر في فضل أهل البيت عليهم السلام، وقد وضعوا هذا الحديث مقابل حديث شريف متفق عليه بين الشيعة والسنة.
النواب: أي حديث تقصدوه، بينوه للحاضرين؟!
قلت الحديث النبوي الشريف: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما. وفي بعض أفضل منهما وقد جاء هذا النص في كثير من كتبكم المعتبرة، وصرح به كبار علمائكم الأعلام، منهم:
الخطيب الخوارزمي في " المناقب ".
والمير السيد علي الهمداني في المودة الثامنة من كتابه: " مودة القربى ".
والإمام النسائي في " الخصائص العلوية ".
وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " ص 159.
وسليمان الحنفي القندوزي، في الباب 54 من: " ينابيع المودة " نقلا عن الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.
وسبط ابن الجوزي في ص 133 من: " التذكرة ".
والإمام أحمد بن حنبل في " المسند ".
والترمذي في " السنن ".
ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 97 من " كفاية الطالب " بعد نقله للحديث الشريف بإسناده يقول: هذا حديث حسن ثابت، لا أعلم أحدا رواه عن ابن عمر غير نافع، تفرد به: المعلى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب، رزقناه عاليا بحمد الله ومنه.
قال: وجمع إمام أهل الحديث، أبو القاسم الطبراني في " معجمه الكبير " في ترجمة الحسن (ع) طرقه عن غير واحد من الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، ومنهم: علي بن أبي طالب (ع)، وطرقه عن علي بطرق شتى... إلى آخره.
وبعد كلام طويل، وذكره الحديث بشكليه: " وأبوهما خير منهما " ... " وأبوهما أفضل منهما " بأسانيد عديدة. قال: وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض دليل صحته.
انتهى كلام الكنجي.
ونقله أبو نعيم في " الحلية " وابن عساكر في تاريخه الكبير 4/206، والحاكم في
" المستدرك " وابن حجر في الصواعق: 82.
فعلماؤكم قد اتفقوا وأجمعوا على أن هذا الحديث الشريف صدر عن النبي (ص): " الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ".
الشيخ عبد السلام: سأذكر حديثا معتبرا مقبولا عند جميع علمائنا إذ لم ينكره أحد منهم، وهو الحديث النبوي الشريف: " ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقد عليه غيره " وهذا أفضل دليل على أن أبا بكر بعد النبي (ص) هو إمام المسلمين والمقدم عليهم.
قلت: أسفي عليكم، أنتم علماء الأمة! إذ تتقبلون الأخبار والأحاديث من غير تفكر وتدبر!
هلا فكرتم أن هذا الخبر إن كان صحيحا، فلماذا النبي (ص) بنفسه لم يعمل به، ولم يقدم أبا بكر في قضايا كثيرة مهمة في تاريخ النبي (ص) وتاريخ الإسلام، مثل يوم المباهلة، إذ أخذ معه فاطمة وعليا ابنيهما، وقدمهم على من سواهم.
وفي غزوة تبوك إذ خلّف الإمام عليا (ع) في المدينة مكانه وقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى... " إلى آخره.
وفي تبليغ الآيات الأوائل من سورة براءة، للمشركين، إذ عزل أبا بكر وأرسل عليا (ع) وقال (ص): " لا يبلغ إلا أنا أو رجل مني ـ أو قال من أهل بيتي ـ(23).
وفي فتح خيبر حين أعطاه النبي (ص) الراية وكان الفتح على يديه.
ويوم فتح مكة، رفع النبي (ص) علي بن أبي طالب (ع) على كتفه فكسر الأصنام التي على سطح الكعبة.
وأرسله النبي (ص) لأهل اليمن يبلغهم الدين ويقضي فيهم.
وأهم من كل ذلك: أن النبي (ص) جعل عليا (ع) وصيه، وأوصى إليه بكل ما أراد ليقوم به بعد موته. ولم يوص لأبي بكر!
وكان أبو بكر في كل هذه القضايا والأمور حاضرا، لا غائبا ولا مسافرا، والنبي (ص) اختار عليا وقدمه في تلك الأمور وغيرها من القضايا الكثيرة وترك أبا بكر!!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:52 AM





الشيخ عبد السلام: ما لكم كلما نذكر حديثا في فضل أبي بكر صاحب رسول الله (ص) رفضتموه ولم تقبلوه؟!
قلت: ما ذنبنا، إذا كانت الأحاديث التي تنقلها في هذا المجال ، يأباها العقل والنقل؟!
الشيخ عبد السلام: لقد وصلنا حديث ثابت صحيح غير قابل للإنكار ، وهو عن طريق عمرو بن العاص، قال: سألت النبي (ص) يوما عن أحب نساء العالم إليه ؟ فقال (ص): عائشة!
قال: فسألته عن أحب الرجال إليه؟ فقال (ص): أبو بكر!
على هذا فهما مقدمان، لأن حب النبي (ص) لهما دليل على أن الله تعالى يحبهما، وهذا دليل قاطع على أحقية أبي بكر (رض) بخلافة رسول الله (ص).
قلت: بالإضافة إلى أن هذا الخبر من الموضوعات، فهو يعارض الأخبار المعتبرة والأحاديث الصحيحة عند الفرقين من جهتين:
أولا: من جهة عائشة أم المؤمنين، بأنها أحب النساء إلى النبي (ص)، فإن هناك أحاديث جمة تصرح بأن أحب النساء إلى النبي (ص) وخيرهن هي: فاطمة سيدة النساء.
فقد أثبت ذلك علماء المسلمين عامة ـ شيعة وسنة ـ في أحاديث متواترة في كتبهم المعتبرة، منهم:
1ـ أبو بكر البيهقي، في تاريخه.
2ـ الحافظ ابن عبد البر، في " الاستيعاب ".
3ـ المير السيد علي الهمداني، في " مودة القربى ".
وغيرهم من علمائكم وعلماء الشيعة، كلهم متفقون على صحة الحديث المروي عن النبي (ص) أنه قال كرارا:
" فاطمة خير نساء أمتي " أو: " خير نساء أمتي فاطمة ".
وروى الإمام أحمد في " المسند " والحافظ أبو بكر في " نزول القرآن في علي " عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وروى ابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم: التحدث عن فاطمة الزهراء عليها السلام وخديجة أم المؤمنين، عن عبد الوارث بن سفيان وأبي هريرة، وفي قسم التحدث عن خديجة أم المؤمنين، روى عن أبي داود نقلا عن أبي هريرة وانس بن مالك.
وروى الشيخ سليمان الحنفي، في الباب 55 من " ينابيع المودة ".
والمير السيد علي الهمداني في المودة الثالثة عشرة من " مودة القربى " عن أنس بن مالك.
وروى غيرهم عن طرق عديدة: أن رسول الله (ص) قال: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد عليهما السلام.
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه، أن رسول الله (ص) عدّ هؤلاء النساء الأربع خير نساء العالمين وفضّل فاطمة في الدنيا والآخرة عليهنّ.
وروى البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في المسند، عن عائشة بنت أبي بكر، قالت: قال النبي (ص) لفاطمة: يا فاطمة أبشري، فإن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين، وعلى نساء الإسلام، وهو خير دين.
وروى البخاري في صحيحه 4/64، ومسلم في صحيحه، في باب فضائل فاطمة ج2، والحميدي في " الجمع بين الصحيحين " والعبدي في الجمع بين الصحاح الستة " وابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم: الحديث عن فاطمة عليها السلام، والإمام أحمد في المسند 6/282، ومحمد بن سعد في الطبقات ج2 في قسم أحاديث النبي (ص) في مرضه، وفي الجزء الثامن في قسم الحديث حول فاطمة عليها السلام، نقلا عن أم المؤمنين عائشة عن النبي (ص) في حديث طويل جاء فيه أنه (ص) قال: " يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟! ".
وفسره ابن حجر العسقلاني في الإصابة، في ترجمة فاطمة عليها السلام، أي: أنت سيدة نساء العالمين.
وروى محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " ص7، أحاديث وأخبارا كثيرة في هذا الباب، وقال بعدها: فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة، كون فاطمة كانت أحب إلى رسول الله (ص) من غيرها، وأنها سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء أهل المدينة.
وروى البخاري و مسلم في الصحيح، والثعلبي في تفسير الإمام أحمد في " المسند " والطبراني في " المعجم الكبير " وسليمان الحنفي في " الينابيع " الباب 32، عن تفسير أبي حاتم، والحاكم في " المناقب " والواحدي في " الوسيط " وأبي نعيم في " حلية الأولياء " وعن الحمويني في " فرائد السمطين ".
وروى ابن حجر الهيتمي في " الصواعق " في ذكر الآية الرابعة عشر.
وروى محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، ص8.
والطبري في تفسيره، والواحدي في أسباب النزول، وابن المغازلي في المناقب، ومحب الدين الطبري في الرياض، والشبلنجي في نور الأبصار، والزمخشري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور، وابن عساكر في تاريخه، والسمهودي في وفاء الوفاء والنيسابوري في تفسيره، والبيضاوي في تفسيره، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وأبو بكر شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي: الباب الأول /22ـ 23، نقلا عن تفسير البغوي والثعلبي، والملا في سيرته، ومناقب أحمد، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، والسدي، والشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في كتابه " الإتحاف " صفحة 5 عن الحاكم والطبراني وأحمد.
وروى السيوطي في " إحياء الميت " عن تفاسير ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه " والمعجم الكبير " للطبراني.
كلهم رووا عن ابن عباس حبر الأمة: أنه لما نزلت الآية الكريمة : (.... قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا...)(24).
قال جمع من الأصحاب: يا رسول الله! من قرابتك الذين فرض الله علينا مودتهم؟
قال (ص): علي وفاطمة والحسن والحسين.
وهذا الأمر ثابت ولا يشك فيه إلا الذي في قلبه مرض النفاق والعناد.
وإن هذا الأمر ثابت عند كبار علمائكم الأعلام، حتى روى ابن حجر في " الصواعق " صفحة 88، والحافظ جمال الدين الزرندي في " معراج الوصول " والشيخ عبد الله الشبراوي في " الإتحاف " صفحة 529 ومحمد بن علي الصبان في " إسعاف الراغبين " صفحة 119، وغير هؤلاء ذكروا: أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنشد شعرا في هذا الأمر، فقال:
يا أهل بيت رسول الله حبكمفرض من الله في القرآن أنزلهكفاكم من عظيم الشأن أنكممن لم يصل عليكم لا صلاة له
والآن، أوجه سؤالي لكل منصف في المجلس وأقول:
بالله عليكم هل يقابل الحديث الذي ذكره الشيخ عن عمرو بن العاص الفاسق، الذي خرج لقتال إمام زمانه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وسفك دماء المؤمنين عمار بن ياسر ونظرائه الأخيار الأبرار، هل يقابل حديثه بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المجمع على صحتها بين المسلمين، شيعة وسنة؟!
وهل يقبل العقل أن يفضل رسول الله (ص) أحدا ويحب أحدا أكثر من الذين فرض الله حبهم ومودتهم على المسلمين؟!
وهل يتصور أن النبي (ص) يتبع هواه فيغرم في حب زوجته عائشة من غير دليل معنوي ورجحان شرعي، فيرجحها على سائر زوجاته ويحبها أكثر من نسائه؟!
مع العلم أن الله عز وجل يطالب عباده بالعدل بين زوجاتهم فيقول : (...فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...)(25).
أم هل من المعقول أن النبي (ص) يفضل زوجته عائشة على ابنته فاطمة التي فضلها الله تعالى ومدحها في آية التطهير والمباهلة، وفرض مودتها في آية القربى؟!
كلنا نعلم ونؤمن بأن الأنبياء والأصفياء لا يتبعون الهوى، وإنما تكون أفعالهم وأقوالهم وحبهم وبغضهم لله وفي الله سبحانه، فمعيار الحب والبغض عندهم هو: الله، وليس الهوى!
والله عز وجل يرجح فاطمة ويفضلها على من سواها ويفرض حبها والذي يقول غير ما نقول، فيلزم أن يرد كل الأحاديث والأخبار المعتضدة والمؤيدة بالقرآن الحكيم والعقل السليم التي استدللنا بها على ما نقول!
أو أنه ينسب النبي (ص) ويتهمه ـ والعياذ بالله ـ بمتابعة الهوى ومخالفة الحق! وهذا كفر صريح.

أحب الرجال إلى النبي علي عليه السلام
ثانيا: أما من جهة أبي بكر، كما يقول حديث عمرو بن العاص: " إن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو أبو بكر " فهو ينافي الأخبار الكثيرة والأحاديث الصحيحة المعتبرة المروية في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم بأن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو علي بن أبي طالب عليه السلام، منهم:
1ـ روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب55، عن الترمذي بسنده عن بريدة، أنه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي عليه السلام.
2ـ العلامة محمد بن يوسف الكنجي روى مسندا في كتابه " كفاية الطالب " الباب 91، بسنده عن أم المؤمنين عائشة، أنها قالت: ما خلق الله خلقا كان أحب إلى رسول الله (ص) من علي بن أبي طالب.
ثم يقول الكنجي: هذا حديث حسن، رواه ابن جرير في مناقبه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته، أي ترجمة الإمام علي عليه السلام(26).
3ـ روى الحافظ الخجندي بسنده عن معاذة الغفارية، أنها قالت: دخلت على رسول الله (ص) في بيت عائشة، وكان علي عليه السلام خارج الدار، فسمعت رسول الله (ص) يقول لعائشة: إن هذا ـ أي علي عليه السلام ـ أحب الرجال إلي، وأكرمهم عليّ، فاعرفي حقه، واكرمي مثواه.
4ـ روى ابن حجر في آخر الفصل الثاني من " الصواعق " بعد نقله أربعين حديثا في فضائل الإمام علي عليه السلام، قال الترمذي: عن عائشة، قالت: كانت فاطمة أحب النساء إلى رسول الله (ص) وزوجها أحب الرجال إليه.

خبر الطائر المشوي
من أهم الأخبار في الموضوع، خبر الطير المشوي المروي في كتبنا وكتبكم المعتبرة كالصحاح والمسانيد، منها:
صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، والسجستاني ، في صحاحهم، والإمام أحمد في " المسند " وابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " صفحة 21، رواه بهذه العبارة: وأنه صح النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة عن أنس بن مالك... إلى آخره.
ورواه الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب الثامن، وقد خصه لهذا الخبر من طرق شتى فيرويه عن الإمام أحمد و الترمذي والموفق بن أحمد الخوارزمي وابن المغازلي وسنن أبي داود، عن سفينة مولى النبي (ص).
وعن أنس بن مالك وابن عباس.
ثم يقول: وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس، منهم : سعيد بن المسيب والسدي وإسماعيل.
قال: ولابن المغازلي " حديث الطير " من عشرين طريقا.
ورواه سبط ابن الجوزي في التذكرة: 23، عن فضائل أحمد وسنن الترمذي.
وأشار إليه المسعودي في مروج الذهب 2/49.
ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في الحديث التاسع من " الخصائص ".
وكتب كل من: الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري والحافظ أبو نعيم، كتابا خاصا بخبر الطير المشوي وأسانيده وطرقه وتواتره.
كما أن العلامة المحقق الورع، الزاهد التقي، السيد حامد حسين الدهلوي ـ وأنتم الحاضرون لقرب جواركم منه تعرفون العلمية وتعرفون وروعه وزهده أحسن وأكثر من غيركم ـ خصص مجلدا ضخما من موسوعته العلمية الكريمة: " عبقات الأنوار " لخبر الطير المشوي وقد جمع فيه أسناد ومصادر الخبر من طرقكم وكتب علمائكم فقط.
وأنا لا أذكر الآن كم بلغ عدد أسناد ومصادر هذا الخبر في ذلك الكتاب العظيم، ولكني أذكر بأني عجبت حين مطالعته من سعة اطلاع العلامة الدهلوي!
والخبر كما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن سفينة مولى النبي (ص) قال: أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويين بين رغيفين، فقال النبي (ص) :اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك فجاء علي (ع) فأكل معه من الطيرين حتى كفيا.
وجاء في بعض كتبكم مثل: " الفصول المهمة " لابن الصباغ المالكي وتاريخ الحافظ النيسابوري، و " كفاية الطالب " للعلامة الكنجي الشافعي، و مسند أحمد، عن أنس بن مالك، قال:
أتى النبي (ص) بطائر فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي.
فجاء علي (ع) فحجبته مرتين، فجاء في الثالثة فأذنت له.
فقال النبي (ص): يا علي! ما حبسك؟!
قال: هذه ثلاث مرات قد جئتها فحبسني أنس.
قال (ص): لم يا أنس؟! قال: قلت: سمعت دعوتك يا رسول الله، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.
فقال النبي (ص): الرجل يحب قومه.
فاسأل الشيخ عبد السلام وأقول: هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيه محمد (ص) أم لا؟!
الشيخ عبد السلام: نعم، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟!
وهو سبحانه يعلم أن النبي لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلا في محلها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (ص) مستجابة في كل وقت.
قلت: على هذا فعلي (ع) هو أحب الخلق إلى الله عز وجل.
كما إن كبار علمائكم صرحوا بذلك، مثل العلامة محمد بن طلحة الشافعي، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأول من كتابه " مطالب السؤول " بمناسبة حديث الراية وحديث الطير، فقد أثبت أن عليا (ع) كان أحب الخلق إلى الله ورسوله (ص).
ثم يقول: أراد النبي أن يحقق للناس ثبوت هذه المنقبة السَنيّة والصفة العليّة، التي هي أعلى درجات المتقين، لعلي (ع)... إلى آخره.
والعلامة الكنجي الشافعي، فقيه الحرمين ومحدث الشام وصدر الحفاظ، في كتابه " كفاية الطالب " الباب 33، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق، عن أنس وسفينة خادمي رسول الله (ص) قال: وفيه دلالة واضحة على أن عليا (ع) أحب الخلق إلى الله، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبي (ص) في ما دعا به، وقد وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة، حيث قال عزوجل: ( ادعوني استجب لكم...) (27).
فأمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو عز وجل لا يخلف الميعاد. وما كان الله عز وجل ليخلف وعده رسله، ولا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق إليه، وهو من أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبته ومحبة من يحبه لحبه.
وبعد هذا يقول: وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلا، كلهم رووه عن أنس، ثم يذكر أسماءهم(28).
فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسك بخبر واحد رواه عمر بن العاص، وهو أحد أعداء الإمام علي (ع)، والمعلن عليه الحرب، والخارج لقتاله، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم؟!
الشيخ عبد السلام: أظن أنكم مصرون على رد كل خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتبع الحق!
قلت: إني أعجب من الشيخ إذ يتهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟!
حتى يجابهني بهذا العتاب، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أننا نتبع طريق اللجاج والعناد!!
وإني أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصبا جاهلا، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا، وعلى إخواني من أهل السنة عموما.
وإني أشهد الله ربي وربكم أني ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى، والهنود والمجوس، ومع الماديين والوجوديين، وسائر المذاهب و الفرق والأحزاب المنحرفة، بل كنت دائما أطلب وجه الله عز وجل وأبحث عن الحق والحقيقة على أساس المنطق والعقل وأصول العلم والبرهان، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين، ونحن وإياكم على دين واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد وقبلة واحدة؟!
غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر، والتبس بذلك الحق عليكم، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة، نريد أن نتفاهم في القضايا حتى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى، ويخيم علينا الاتحاد والائتلاف، ويتحقق أمر عز وجل إذ يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)(29).
وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون، ولكن تأثرتم بكلمات وأكاذيب الأمويين المعادين للنبي (ص) وأهل بيته الطيبين فقلدتم الناكثين والمارقين المتعصبين ضد الإمام علي أمير المؤمنين وشيعته أهل الحق واليقين.
فإن تخليتم عن أقاويل أولئك، وتحررتم عن التعصب والتقليد الأعمى، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة، فإنا نصل إنشاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحق المعهود.
الشيخ عبد السلام: نحن قرأنا في الصحف والمجلات، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور، وعلمنا إفحامكم إياهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحق، وكنا نحب زيارتكم ونتشوق لمجالستكم، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم على الحق.
ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية، وعرض الأخبار والأحاديث المروية على كتاب الله سبحانه، فهو الفرقان الأعظم، ولذا قبلنا من منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتم نقاط تعرضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.
فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم، وأنا على يقين بأنكم ستوافقون عليه ولا تردونه، لأنه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.
قلت: أعوذ بالله العظيم من أن أرد الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أني حينما كنت أحاور الفرق الملحدة مثل الغلاة والخوارج، وغيرهم من الذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه، كانوا يحتجون عليّ في إثبات ادعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية!
لأن بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعددة ووجوه متشابهة، ولذا لم يسمح النبي الكريم (ص) لأحد أن يفسر القرآن برأيه، فقال:
" من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ".
وقد وكل هذا الأمر الهام إلى أهل بيته الكرام (ع)، فقال:
" إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ".
وقد أجمعت هذه الأمة على صحة هذا الحديث الشريف، فيجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية، وهم أهل بيته الذين جعلهم النبي (ص) مع القرآن ككفتي ميزان.
والله سبحانه أيضا أمر الأمة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون، فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(30).
والمقصود من أهل الذكر: علي بن أبي طالب والأئمة من بنيه (ع) كما روى الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب 39 نقلا عن تفسير " كشف البيان " للعلامة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن علي (ع)، قال: نحن أهل الذكر، والذكر: هو القرآن الحكيم لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(31).
وبتعبير آخر من القرآن الكريم، الذكر: هو رسول الله (ص) لقوله تعالى: (... قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات...)(32).
فأهل الذكر هم آل النبي (ص)، وأهل القرآن الذين نزل الوحي في بيتهم، فهم أهل بيت النبوة وأهل بيت الوحي.
ولذلك كان علي (ع) يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار، وفي سهل أم في جبل، والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من أنزلت، وإن ربي وهب لي لسانا طلقا، وقلبا عقولا... إلى آخره.
ملخص القول في نظرنا... إن الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية، وإلا إذا كان كل إنسان يفسر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع اختلاف في الكلمة والتشتت في الآراء، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.
والآن وبعد هذه المقدمة فإنا نستمع لبيانكم.
الشيخ عبد السلام: لقد أول بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى:
(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود...)(33).
قالوا: (والذين معه) إشارة إلى أبي بكر الصديق، فهو كان مع رسول الله (ص) في كل مكان حتى في الغار، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنورة.
والمقصود من (أشداء على الكفار): هو عمر بن الخطاب (رض) الذي كان شديدا على الكفار.
والمراد من (رحماء بينهم): هو عثمان ذو النورين، فإنه كان كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.
والمعني من (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فإنه ما سجد لصنم قط.
وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!
قلت: يا شيخ! إني أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإني لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة، هذا التفسير، ولو كان هذا الأمر كما تقول، لكان الخلفاء المتقدمون على الإمام علي (ع) احتجوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (ع) من البيعة لهم.
ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا التفاسير التي كتبها كبار علمائكم، أمثال: الطبري و الثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي، وغيرهم.
وهذا التأويل والتفسير ما هو إلا رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية، وإن القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبي (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)
وإذا قلت: إن ما قلته هو تأويل لا تفسير.
فأقول: إن مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا، ولا يجوز عند أئمتكم تأويل القرآن، وأضف على هذا، إن في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم، وهي:
أولا: الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.
وثانيا: صياغة الجمل فـ (محمد) (ص): مبتدأ، و( رسول الله): عطف بيان أو صفة، (والذين معه): عطف على (محمد) (ص) و (أشداء) وما بعدها : خبر، ولو قلنا غير هذا فهذا غير معقول وخارج عن قواعد العربية والأصول.
ولذا فإن جميع المفسرين من الفريقين قالوا: إن الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبي (ص) جميعا.
ولكني أقول: إن هذه الصفات ما اجتمعت في كل فرد فرد من المؤمنين، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين، أي إن بعضهم كانوا (أشداء على الكفار) وبعضهم كانوا (رحماء بينهم) وبعضهم (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) ولم يكن من المؤمنين إلا رجل واحد جمع كل هذه الصفات والميزات الدينية، وهو: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فهو الذي كان مع النبي (ص) من أول رسالته وبعثته حتى آخر ساعات حياته المباركة، إذ كان رأس النبي (ص) في حجر وصيه وابن عمه علي بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.
الشيخ عبد السلام: إنك قلت: بأني لا أجادل ولست متعصبا! بينما الآن تظهر التعصب، وتجادلنا على ما لا ينكره أي فرد من أهل العلم!
أما قرأت قوله تعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)(34).
هذه الآية الكريمة إضافة على أنها تؤيد رأينا في تأويل الآية السابقة: (والذين معه) فهي تسجل فضيلة كبرى، ومنقبة عظمى لسيدنا أبي بكر الصديق (رض)، لأن مصاحبته للنبي (ص) تدل على منزلته عنده، ودليل على أن رسول الله (ص) كان يعلم بعلم الله أن أبا بكر يكون خليفته، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة، لذلك أخذه معه حتى لا يقع في أيدي المشركين، ولم يأخذ النبي أحدا سواه، وهذا أكبر دليل على خلافته.
قلت: إذا أبعدتم عنكم التعصب، وتركتم تقليد أسلافكم، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق، لو وجدتم أنها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر، وليس فيها أي دليل على خلافته!
الشيخ عبد السلام: إني أتعجب من قولك هذا، والآية صريحة في ما نقول، ولا ينكره إلا معاند متعصب!
قلت: قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم، لأني أخشى أن يمس ويخدش البحث عواطفكم، فإن الكلام يجر الكلام، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام، ولا يتحمله العوام، لسوء ما تركز عندهم في الأفهام.
الشيخ عبد السلام: أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام، بل بين لنا كل ما عندك من الجواب والرد على ما قلناه بالتمام، ونحن إنما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام، ونحن مستعدون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنه الحق الذي أمر به محمد سيد الأنام (ص).
قلت: إن إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصب وعناد، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل، بل رعاية للأدب والوداد، ولكن إصراركم على رأيكم، وإحساسي بالمسؤولية في كشف الحق وإظهار الحقيقة والإرشاد، يفرض علي الرد والجواب، حتى يعرف الحاضرون كلمة الحق والسداد، فأقول:
أولا: قولك: إن النبي (ص) حمل معه أبا بكر، لأنه (ص) كان يعلم انه يكون خليفته، فأراد أن يحفظه من شر المشركين، كلام غريب..
لأن النبي (ص) إذا حمله لهذا السبب، فلماذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين، الراشدين على حد زعمكم؟! عمر وعثمان وعلي، لأنهم كانوا في مكة مهددين أيضا!
فلماذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليا ليبيت على فراش الخطر، ويفدي النبي (ص) بنفسه!
هل هذا من العدل والإنصاف؟!
ثانيا: بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه، ج3: إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبي (ص) فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول الله (ص)، فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبي (ص)، فرآه في الطريق فأخذه النبي (ص) معه.
فالنبي (ص) إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد، لا كما تقول.
وقال بعض المحققين: إن أبا بكر بعدما التقى بالنبي (ص) في الطريق، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه، لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة وكان المفروض أن يكون سرّا، كما نوّه به الشيخ أبو القاسم بن الصباغ، وهو من كبار علمائكم، قال في كتابه
" النور والبرهان ":
إن رسول الله (ص) أمر عليا فنام على فراشه، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!
ثالثا: أسألك أن تبين لنا محل الشاهد من الآية الكريمة، وتوضّح الفضيلة التي سجلتها الآية الكريمة لأبي بكر؟!
الشيخ عبد السلام: محل الشاهد ظاهر، والفضيلة أظهر، وهي:
أولا: صحبة النبي (ص)، فإن الله تعالى يعبر عن الصديق (رض) بصاحب رسول الله (ص).
ثانيا: جملة: (إن الله معنا).
ثالثا: نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيدنا أبي بكر.
ومجموعها تثبت أفضلية سيدنا الصديق وأحقيته بالخلافة.
قلت: لا ينكر أحد أن أبا بكر كان من كبار الصحابة، ومن شيوخ المسلمين، وأنه زوج ابنته من النبي (ص).
ولكن هذه الأمور لا تدل على أحقيته بالخلافة.
وكذلك كل ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر، بل لقائل أن يقول: إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء، وخاصة في الأسفار.

الصحبة ليست فضيلة
1ـ فإنا نقرأ في سورة يوسف الصديق (ع) أنه قال: (يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (35).
لقد اتفق المفسرون أن صاحبي يوسف الصديق (ع) هما ساقي الملك وطباخه، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبي يوسف الصديق (ع) ولم يؤمنا بالله، حتى أنهما خرجا من السجن كافرين، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسف (ع) تعد منقبة وفضيلة لهما؟!
2ـ ونقرأ في سورة الكهف: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا)(36).
ذكر المفسرون: أن المؤمن ـ وكان اسمه: يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه: براطوس ـ وكان كافرا، وقد نقل المفسرون ـ منهم: الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصحابين، ولا مجال لنقلها، فهل صحبة براطوس ليهودا، تعد له فضيلة أو شرفا يقدمه على أقرانه؟!
أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس، مع تصريح الآية: (أكفرت بالذي خلقك من تراب)(37) ؟!
فالمصاحبة وحدها لا تدل على فضيلة وشرف يميز صاحبها ويقدمه على الآخرين.
وأما استدلالك على أفضلية أبي بكر، بالجملة المحكية عن النبي (ص) (إن الله معنا) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد، لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا، لقوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا...)(38).
فبحكم هذه الآية الكريمة، فإن الله عز وجل يكون المؤمن والكافر والمنافق.
الشيخ عبد السلام: لا شك أن المراد من الآية الكريمة: (إن الله معنا...) يعني: بما أننا مع الله ونعمل لله، فإن ألطاف الله تعالى تكون معنا، والعناية الإلهية تشملنا.

حقائق لا بد من كشفها
قلت: حتى لو تنزلنا لكم وسلمنا لقولكم، فلقائل أن يقول: إن الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدل على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدم صاحبها على الآخرين، لأن هناك أشخاص شملتهم الألطاف الإلهية والعناية الربانية، وما داموا مع الله كان الله معهم، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم، مثل:
1ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنه عبد الله تعالى عبادة قل نظيرها من الملائكة، وقد شملته الألطاف والعنايات الربانية، ولكن لما تمرد عن أمر ربه تكبر واتبع هواه واغتر، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا: (قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإنّ عليك اللعنة إلى يوم الدين)(39).
2ـ ومثله في البشر: بلعم بن باعورا، فإنه كما ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى:
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)(40) قالوا:إنه تقرب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.
ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان، واتّبع الشيطان، وخالف الرحمن، وسلك سبيل البغي والطغيان، وصار من المخلدين في النيران.
وإذا أحببتم تفصيل قصته، فراجعوا التاريخ والتفاسير، منها: تفسير الرازي 4/ 463، فإنه يروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.
3ـ وبرصيصا.. في بني إسرائيل، كان مجدا في عبادة الله سبحانه حتى أصبح من المقربين، وكانت دعوته مستجابة، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة فترك عبادة رب العالمين، وسجد لإبليس اللعين، وأمسى من الخاسرين، فقال الله تعالى فيه: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)(41).
فإذا صدر عمل حسن من إنسان، فلا يدل على أن ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأن عاقبة أمره تكون خيرا، ولذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام: اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا.
إضافة إلى ما قلنا: فإنكم تعلمون أنه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان، أن التأكيد في الكلام يدل على شك المخاطب وعدم بقيته للموضوع، أو توهمه خلاف ذلك.
والآية مؤكدة " بأنّ " فيظهر بأن ّ مخاطب النبي (ص) وهو صاحبه في الغار كان شاكا في الحق، على غير يقين بأن الله سبحانه يكون معهما!
الشيخ عبد السلام: ـ شاط غاضبا ـ وقال: ليس من الإنصاف أن تمثل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!
قلت: أنا في البداية بينت أن: " لا مناقشة في الأمثال " ومن المعلوم أن في المحاورات إنما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من الجهات، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركز عليها موضوع الحوار.
وإني أشهد الله! بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي، وأبين مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.
الشيخ عبد السلام: دليلي على أن الآية الكريمة تتضمن مناقب وفضائل لسيدنا أبي بكر (رض)، جملة: ( فأنزل الله سكينته عليه) فإن الضمير في (عليه) يرجع لأبي بكر الصديق، وهذا مقام عظيم.
قلت: الضمير يرجع إلى النبي (ص) وليس لأبي بكر، بقرينة الجملة التالية في الآية (وأيده بجنود لم تروها).
وقد صرح جميع المفسرين: أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي (ص).
الشيخ عبد السلام: ونحن نقول أيضا: إن المؤيد بالجنود هو النبي (ص) ولكن أبا بكر كذلك كان مؤيدا مع النبي (ص).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبي (ص)
قلت: إذا كان الأمر كما تقول، لجأت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية، بينما الضمائر كلها جاءت منفردة، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول: إن الألطاف والعنايات الإلهية كالنصرة والسكينة شملت رسول الله دون صاحبه!!
الشيخ عبد السلام: إن رسول الله (ص) كان في غنى عن نزول السكينة عليه، لأن السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا، ولكن سيدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.
قلت: لماذا تضيع الوقت بتكرار الكلام، بأي دليل تقول: إن النبي (ص) لا يحتاج إلا السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها...)(42) وذلك في غزوة حنين.
ويقول سبحانه وتعالى أيضا: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى...)(43) وذلك في فتح مكة المكرمة.
فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبي (ص) ويذكر بعده المؤمنين، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الذين تشملهم السكينة الإلهية ، لكان الله عز وجل ذكره بعد ذكر النبي (ص) أو يقول: فأنزل الله سكينته عليهما.
هذا وقد صرح كثير من علمائكم: بأن ضمير (عليه) في الآية الكريمة يرجع إلى النبي (ص) لا إلى أبي بكر، راجعوا كتاب " نقض العثمانية " للعلامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو أستاذ ابن أبي الحديد، وقد كتب ذلك الكتاب القيم في رد وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.
إضافة على ما ذكرنا، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن) فالنبي ينهى أبا بكر عن الحزن، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيئا؟
فإن كان حسنا، فالرسول لا ينهى عن الحسن، وإن كان سيئا فنهي النبي (ص) له من باب النهي عن المنكر بقوله: (لا تحزن) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه، بل تكون في ذمه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر، لا تشمله العناية والسكينة الإلهية، لأنهما تختصان بالنبي (ص) والمؤمنين، وهم أولياء الله الذين لا يخشون أحدا إلا الله سبحانه.
ومن أهم علامات الأولياء كما في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(44).
ولما وصل البحث إلى هذه النقطة، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أن الوقت قد جاوز منتصف الليل.
فأرادوا الانصراف من المجلس، ولكن النواب قال: ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة: (محمد رسول الله والذين معه..) إلى آخره والسيد بعد لم يتم كلامه في الموضوع.
فقال الحاضرون: لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء الله تعالى.. فتوادعنا وانصرفوا.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:54 AM




المجلس السادس
ليلة الأربعاء28 رجب 1345 هجرية


قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين، وكان تاجراً محترماً من أهل السنة، وهو رجل كيس ورزين، كان يحضر مجلس الحوار في كل ليلة.
جاءني وقال: أيها السيد الجليل إنما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي، لأخبرك بأنك كسبت قلوبنا ونورتها بكلامك الحلو وبيانك العذب، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبينت لنا الحق الذي كان مجهولا.
واعلم أننا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر، ولكن بعض العقلاء والكبار توسطوا في البين وأنهوا القضية بسلام.
ولما صار وقت المغرب تهيأت وقمت للصلاة، واقتدى بي كل من كان في البيت، وصلى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.
وبعد إتمامنا الصلاة، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق، فأكرمهم صاحب البيت ورحب بهم ورحبت بهم بدوري، وبعدما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجه الأستاذ نواب عبد القيوم خان نظره إلي واستأذن للسؤال، فأذنت له.
فقال: نسألكم أن تتموا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة : (محمد رسول الله والذين معه...)
قلت: إذا أذن لي المشايخ الحاضرون، فلا مانع لدي.
الحافظ ـوكان في حالة غضب ـ: لا مانع... تكلموا ونحن نستمع.
قلت: لقد بينت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين.
وأما في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات أخرى حتى ينكشف الحق للحاضرين.
إن جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله تعالى أول كل صفه من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب فأقول:
أولا: لم يذكر أحد من المفسرين في شأن نزول الآية، هذا التأويل.
ثانيا: كلنا يعرف أن الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلها في شخص واحد، فهو المراد من الآية الكريمة.
وأما إذا تحقق بعضها في شخص، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها.
ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمق، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية، لوجدنا أن كل الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام.
الحافظ: إنكم معشر الشيعة تغالون في حق سيدنا علي كرم لله وجهه ، فكلما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتقين والمحسنين والصالحين، تقولون: نزلت في شأن الإمام علي!!
قلت: هذا اتهام وافتراء آخر منكم، نحن الشيعة لا نغالي في حق مولانا لإمام علي عليه السلام، وإنما نواليه ولا نبغضه، كما أراد الله سبحانه، فلذلك نقول فيه ما هو حقه، وإنه لظاهر كالشمس في الضحى.
من ينكر فضلك يا حيدر؟هل ضوء الشمس ضحى ينكر؟
وكل ما نقوله نحن في أمير المؤمنين عليه السلام إنما هو من كتبكم ومصادركم!

الآيات النازلة في شأن علي عليه السلام
وأما الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنها نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام وفضله، إنما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام.
فإن الحافظ أبو نعيم، صاحب كتاب " ما نزل من القرآن في علي " والحافظ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب " نزول القرآن في علي " والحاكم الحسكاني، صاحب كتاب " شواهد التنزيل " فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم؟؟
والمفسرون الكبار، أمثال: الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري، والعلماء الأعلام، أمثال: ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي، وغيرهم، الذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام...
هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنة والجماعة؟؟
ولقد روى الحسكاني، والطبراني، والخطيب البغدادي في تاريخه، وابن عساكر في تاريخه، في ترجمة الإمام علي عليه السلام، وابن حجر في الصواعق: 76، ونور الأبصار: 73، ومحمد بن يوسف الكنجي في " كفاية الطالب " في أوائل الباب الثاني والستين، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، بإسنادهم عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب ثلاثمائة آية.
وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص) ما أنزل الله تعالى آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها.
ورواه عن طريق آخر: إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها.
وروى في الباب عن ابن عباس أيضا أنه قال: ولقد عاتب الله عز وجل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير.
فمع هذه الأخبار المتظافرة والروايات المعتبرة الجمة التي رواها كبار علمائنا ومحدثيهم، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته.
فإن رفعة مقامه وسمو شأنه وعلو قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة، كشمس الضحى في وسط السماء، لا ينكرها إلا فاقدي البصر أو السفهاء.
وكما ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنه حين سئل عن فضل الإمام علي عليه السلام قال: ما أقول في رجل، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا، وأخفى محبوه فضائله خوفا ورهبا، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(1).
وأما حول الآية الكريمة، فإني كل ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم، كما إني إلى الآن ما تمسكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم، ولا أحتاج أن أتمسك بها في محاوراتي الآتية أيضا إن شاء الله تعالى.
وأما تطبيق الآية الكريمة: (محمد رسول الله والذين معه...) على مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام، فهو ليس قولي فحسب، بل أذكر جيدا أن العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي، في كتابه " كفاية الطالب " في الباب الثالث والعشرين، وبعد روايته للحديث النبوي الشريف الذي يشبه فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام.. فيقول العلامة الكنجي في شرحه للحديث:... وشبهه بنوح في حكمته، وفي رواية في حكمه، وكأنه أصح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح عليه السلام على الكافرين بقوله: (.. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا)(2)... إلى آخر كلام العلامة الكنجي.
وأما قول الشيخ عبد السلام: بأن (والذين معه) إشارة إلى أبي بكر لأنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار.
فإني أجبت بأن صحبته كانت من باب الصدفة، ولو سلمنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه معه لاعن صدفة، فهل مرافقة أيام قلائل وصحبة سفر واحد، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام علي عليه السلام تحت رعاية النبي (ص) وتعلم عنده وتأدب بآدابه وتربى على يده وتحت إشرافه؟!
فلو أنصفتم لقلتم: إن عليا أخص من أبي بكر في هذه الصفة أيضا، لأن رسول الله (ص) أخذه من أبي طالب ورباه في حجره وعلمه وأدبه، فكان أول من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين، آمن علي عليه السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين، كفارا مشركين، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي ما سجد لصنم قط، كما صرح كثير من علمائكم.

النبي (ص) مربي علي عليه السلام ومعلمه
لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبي عليا من الصغر.
منهم ابن الصباغ المالكي في كتابه " الفصول المهمة " فإنه خصص فصلا في الموضوع.
ومنهم محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " في الفصل الأول.
والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين، ص 238 المكتبة الحيدرية، نقلا عن " ذخائر العقبى " للطبري.
والثعلبي في تفسيره عن مجاهد.
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/198 ط دار إحياء الكتب العربية، نقلا عن الطبري في تاريخه(3)، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله ص للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا رضي الله عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب ع مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي ع فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه(4).
وقال ابن الصباغ المالكي بعد نقله للرواية: فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله (ص) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيا، فاتبعه علي عليه السلام وآمن به وصدقه، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم، وإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور.

علي عليه السلام أول من آمن
ثم ينقل ابن الصباغ المالكي، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار..)(5)، إنه روى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وربيعة المرائي، أنهم قالوا: أول من آمن برسول الله (ص) بعد خديجة أم المؤمنين، هو علي بن أبي طالب.
وهذا الموضوع الهام صرح به كبار علمائكم الأعلام، مثل: البخاري ومسلم في الصحيح، والإمام أحمد في مسنده، وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/32 والإمام النسائي في الخصائص، وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 63 والحافظ سليمان القندوزي في الينابيع باب 12ـ نقلا عن مسلم والترمذي، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 13/224 ط احياء الكتب العربية، والحمويني في فرائد السمطين، والمير السيد الهمداني في مودة القربى، والترمذي في الجامع:2/214، وابن حجر في الصواعق، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول ـ الفصل الأول ـ وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ذكروا بأن: النبي (ص) بعث يوم الاثنين وآمن به علي يوم الثلاثاء ـ وفي رواية: وصلى علي يوم الثلاثاء ـ وقالوا: إنه أول من آمن برسول الله (ص) من الذكور.
كما جاء في مطالب السؤول: ولما أنزل الوحي على رسول الله (ص) وشرفه الله سبحانه وتعالى بالنبوة كان علي عليه السلام يومئذ لم يبلغ الحلم، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر، وقيل: أقل من ذلك، وقيل: أكثر منه، وأكثر الأقوال وأشهرها: أنه لم يكن بالغا، فإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور، وقد ذكر عليه السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها ونقلها عنه الثقات ورواها النقلة الاثبات، وهي:
محمد النبي أخي وصنويوحمزة سيد الشهداء عميوجعفر الذي يضحي ويمسييطير مع الملائكة ابن أميوبنت محمد سكني وعرسيمنوط لحمها بلحمي ودميسبقتكم إلى الإسلام طــراغلاما ما بلغت أوان حلميوأوجب لي ولايته عليكـمرسول الله يوم غـدير خمفويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقىالإله غـــــدا بظلمي(6)
ونقل الطبري في تاريخه: 2/ 241 والترمذي في الجامع: 2 ص 215 والإمام أحمد في مسنده: 4/ 368 وابن الاثير في تاريخه الكامل: 2/22 والحاكم في المستدرك: 4/336 ومحمد بن يوسف القرشي الكنجي في كفاية الطالب: الباب الخامس والعشرون، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عباس: أول من صلى علي بن أبي طالب عليه السلام(7).
وروى الحاكم الحسكاني في كتابه " شواهد التنزيل " في ذيل الآية (السابقون الأولون...) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف، أن عشرة من قريش آمنوا وكان أولهم علي بن أبي طالب.
وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده، والخطيب الخوارزمي في " المناقب " والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الباب الثاني عشر من " الينابيع " وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك، أن النبي (ص) قال: صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى السماء، إلا مني ومن علي.
وأما ابن أبي الحديد في سرح نهج البلاغة: 4/125 ط دار إحياء الكتب العربية، بعدما نقل روايات كثيرة في سبق علي عليه السلام إلى الإيمان، وأخرى مخالفة، قال: فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا عليه السلام أول الناس إسلاما وأن المخالف في ذلك شاذ، والشاذ لا يعتد به.
وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي، صاحب واحد من الصحاح الستة عندكم، له كتاب " خصائص الإمام علي عليه السلام " فإنه روى أول حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: أول من صلى مع رسول الله (ص) علي رضي الله عنه.
وابن حجر الهيتمي ـ مع شدة تعصبه ـ يرى أن عليا عليه السام أول من آمن، كما في الفصل الثاني من كتابه " الصواعق المحرقة ".
ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه " ينابيع المودة " في الباب الثاني عشر، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والامام الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيد الخوارزمي والديلمي وغيرهم، بعبارات مختلفة والمعنى واحد، وهو أن عليا عليه السلام أول من أسلم وآمن وصلى مع رسول الله (ص).
وينقل رواية شريفة في آخر الباب، من كتاب المناقب بالاسناد عن أبي زبير المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنقلها لكم إتماما للحجة وإكمالا للفائدة.
عن رسول الله (ص) قال: " إن الله تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا، وأنزل علي سيد الكتب، فقلت: إلهي و سيدي، إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا، تشد به عضده و يصدق به قوله و إني أسألك يا سيدي و إلهي، أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوه، وهو أول من آمن بي و صدقني و أول من وحد الله معي.
و إني سألت ذلك ربي عز و جل فأعطانيه، فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي. و ابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، لم يهب الله عز و جل محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة ".
فهذا قليل من كثير مما نقله حملة الأخبار، من علمائكم الكبار، في هذا المضمار، ولو نقلتها كلها لطال بنا المجلس في موضوع واحد إلى النهار، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أن الإمام علي عليه السلام كان مع النبي (ص) منذ صغره وقبل أن يبعث.
وحينما بعث (ص) بالنبوة، آمن به علي عليه السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا.
فهو أولى وأجلى لمصداق الآية: (والذين معه) من الذي صاحب النبي وكان معه في سفر واحد.

شبهة على الموضوع وردها
الحافظ: نحن كلنا نقول بما تقولون، ونقر بأن عليا كرم الله وجهه أول من آمن، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن، ولكن إيمان أولئك يفرق عن إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة!
لأن عليا كرم الله وجهه، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك.
ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم.
وأضف على هذا أن إيمان سيدنا علي تقليدا وإيمانهم كان تحقيقا وهو أفضل من الإيمان التقليدي.
قلت: إني أتعجب من هذا الكلام، وأنتم علماء القوم! أنا لا أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصب، ولكن أقول: إنكم تفوهتم من غير تفكر، وتكلمتم من غير تدبر، تبعا لأسلافكم الذي قلدوا بني أمية وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية!
والآن، لكي يتضح لكم الأمر، أجيبوا على سؤالي:
هل إن عليا عليه السلام حين آمن صبيا، كان إيمانه بدعوة من رسول الله (ص) أم من عند نفسه؟!
الحافظ: أولا: لماذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجرون من إيراد الإشكال، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات، ولا نستشكل على كلامكم، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة، فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحق، وهذا يقتضي أن نطرح كل ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم، فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الاشكالات وأوضحتم الحق، يلزم علينا أن نصدقكم ونعتنق مذهبكم، وإذا لم تتمكنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم.
ثانيا: وأما جواب سؤالكم، أقول: من الواضح أن عليا كرم الله وجهه إنما آمن بدعوة من النبي (ص) لا من عند نفسه.
قلت: هل إن النبي (ص) حين دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!
إذا قلتم: ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبي (ص) وذلك لا يجوز، لأنه (ص) مدينة العلم، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.
وإذا قلتم: إنه (ص) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا عليا عليه السلام وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته، فيلزم من قولكم إن النبي (ص) قام بعمل لغو وعبث، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه!
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث، وقد قال عز وجل في شأنه:
(وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(8).

فضيلة سبق علي عليه السلام إلى الإيمان
لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان، فاستجاب وآمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد العقلاء والحكماء، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث، فلابد أنه رأى عليا عليه السلام أهلا وكفوا، فدعاه إلى الإيمان صبيا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قابلية الإمام علي عليه السلام ولياقته وكماله وفضله وتميزه و وفور عقله.
وصغر السن لا ينافي الكمال العقلي، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحي عليه السلام: (وآتيناه الحكم صبيا) (9).
وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)(10).
قال هذه الجملة، وهو صبي في المهد، فالحكم المأتي ليحيى إنما كان تكليفا من الله تعالى ليحي عليه السلام، والنبوة كذلك تكليف من عند الله عز وجل لعيسى بن مريم عليه السلام، وهذان التكليفان لهذين الصبيين، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما.
وإيمان الإمام علي عليه السلام بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو تكليف موجه من هذا القبيل، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!
وقد أشار سيد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفي سنة 179 هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا:
وصي مـحـمد وأبو بـنـيهو وارثه وفارسه الوفياوقد أوتي الهدى والحكم طفلاكيحيى يوم أوتيه صبيا
كما كان الإمام علي عليه السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مر في أشعاره:
سبقتكم إلى الإسلام طفلا صغيراما بلغت أوان حلمي(11)
وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعد فضيلة، فلماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينوه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلا ليسجل له فضيلة أخرى، تضاف إلى فضائله الجمة؟!
فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين، عن محب الدين الطبري المكي في كتابه " ذخائر العقبى " بسنده عن عمر بن الخطاب، أنه قال:
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكب علي فقال: يا علي! أنت أول المؤمنين أيمانا، وأولهم إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس، أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من الصحابة عند النبي (ص) إذ ضرب على منكب علي بن أبي طالب(ع) فقال: أنت أول المسلمين إسلاما، وأنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، كذب يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك.
ورواه ابن الصباغ المالكي عن ابن عباس أيضا في الفصول المهمة( 125) وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في الخصائص وموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في " المناقب " مختصرا، وابن عساكر في تاريخه مختصرا، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 6/395، وهذا نصه:
من مسند عمر، عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله(ص) والنبي متكىء على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: أنت يا علي أول
المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك.
وفي رواية ابن الصباغ المالكي أضاف: من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(12).
وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال:
سألت أبي: هل إن أبا بكر أول من آمن بالنبي (ص)؟
فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا، ولكنه كان أفضل منا في الإسلام.
ولقد ذكر الطبري أيضا فقال: ولقد أسلم قبل عمر بن الخطاب خمسة وأربعون رجلا وإحدى وعشرون امرأة، ولكن أسبق الناس إسلاما وإيمانا فهو علي بن أبي طالب.

ميزة إيمان علي عليه السلام
ثم إن لإيمان علي عليه السلام ميزة على إيمان غيره، وهي أن إيمانه عليه السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك، فإنه بدأ حياته التكليفية بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثم آمنوا، فكان إيمانهم مسبوق بالكفر والشرك، وإيمان الإمام علي عليه السلام كان عن فطرة، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره.
لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام " والمير السيد علي الهمداني في كتابه " مودة القربى " نقلا عن ابن عباس أنه قال: والله ما من عبد آمن بالله إلا وقد عبد صنم، إلا علي بن أبي طالب، فإنه آمن بالله من غير أن يعبد صنما.
وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في " كفاية الطالب " الباب الرابع والعشرون، بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون ؛ فهم الصديقون، حبيب النجار مؤمن أو صاحب ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم(13).
وفي " نهج البلاغة " قال علي عليه السلام: فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.
وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما، أن عليا عليه السلام لم يكفر بالله طرفة عين.
وروى الإمام أحمد في المسند، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " عن ابن عباس، أنه قال لزمعة بن خارجة: إنه عليا لم يعبد صنما، ولم يشرب خمرا، وكان أول الناس إسلاما.
وأخيرا أتوجه إلى من يقول بأن إيمان الشيخين أفضل من إيمان علي عليه السلام فأسأله: أما سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامة، منهم: ابن المغازلي في المناقب، والإمام أحمد في المسند، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " وغيرهم، رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو وزن إيمان علي وإيمان أمتي لرجح إيمان علي على إيمان أمتي إلى يوم القيامة.
وروى الإمام الثعلبي في تفسيره، والخوارزمي في المناقب، والمير السيد علي الهمداني في المودة السابعة من كتابه " مودة القربى " عن عمر بن الخطاب، قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفة ميزان ووضع إيمان علي في كفة ميزان لرجح إيمان علي(14).
وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي:
أشهد بالله لقد قال لنامحمد والقول منه ما خفىلو أن إيمان جميع الخلق ممنسكن الأرض ومن حل السمايجعل في كفة ميزان لكييوفي بإيمان علي ما وف
علي عليه السلام أفضل الأمة
روى المير السيد علي الهمداني، الفقيه الشافعي، في كتابه " مودة القربى " أخبارا متظافرة في أفضلية الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة، بل على جميع الأمة.
قال في المودة السابعة: عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي عليه السلام(15).
وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة: 1/9: وأما نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله(ع) ـ أي: علي ـ وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل، وهل المراد به الأكثر ثوابا، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبينا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا.
وقال في11/119: وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي ، ذكر فيه أن مذهب بشر بن المعتمر، وأبي موسى، وجعفر بن بشر، وسائر قدماء البغداديين، أن أفضل المسلمين علي ابن أبي طالب، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين ، ثم حمزة بن عبدالمطلب، ثم جعفربن أبي طالب...إلخ.
وبعد نقله هذا القول، وعده عقيدة المعتزلة، ينظم فيه شعرا، فيقول:
وخير خلق الله بعد المصطفىأعظمهم يوم الفخار شرفاالسيد المـعظـم الوصيبعد البتول المرتضى عليوابناه ثم حمزة وجعفر ثمعتيق بعـــدهم لا ينكر
الشيخ عبدالسلام: لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر (رض) ما كنت تتمسك بغيره.
قلت: وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام، لرأيتم رأينا وتمسكتم بقولنا في تفضيل الإمام علي عليه السلام.
ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلك على مصدر واحد كنموذج راجع: شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13/215 ـ295، فإنه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ، ودلائله على
أفضلية صاحبكم، أبي بكر، وذكر رد أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السنة وكبار أعلام الأمة وشيخ المعتزلة، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام علي(ع) على غيره من الأمة.
ومن جملة كلامه ـ في صفحة 275 ـ يقول أبو جعفر الإسكافي: إننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة (لقد أصدر علينا حكما غيابيا ولو كنا لأجبناه).. قال: ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب(ع) انتهى.
فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدثين، أن عليا عليه السلام لا يقاس به أحد من المسلمين. وأن مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب، فلا يمكن أن تقدموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 12:16 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية