اقول : ان كل من اوجب المعرفة فقد الزم تحصيل اليقين في العقيدة وذلك لان المعرفة التي تجب انما تكون بالبحث والنظر وقد نقل الاجماع على وجوب المعرفة , ولعله هو المشهور شهرة عظيمة .
› الشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنية ص 76 : معرفة الله : 1 - بعد أن اتفق الإمامية والسنة على أن معرفة الله واجبة على كل إنسان ، بمعنى أن عليه أن يبحث ، وينظر إلى الدلائل التي تؤدي به إلى الجزم واليقين بوجود الخالق اختلفوا في مصدر هذا الوجوب : هل هو العقل أو الشرع ؟ قال الإمامية : إن معرفة الله تجب بالعقل ، لا بالشرع ، أي إن العقل هو الذي أوجب على الإنسان أن يعرف خالقه ، أما ما جاء في الشرع من هذا الباب كقوله تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا هو فهو بيان وتأكيد لحكم العقل ، وليس تأسيسا جديدا من الشارع . وقال السنة : بل تجب المعرفة بالشرع لا بالعقل ، أي أن الله وحده هو الذي أوجب على الناس أن يعرفوه .
ومن هنا فالكلمات في عدم جواز الاعتماد على التقليد في الاعتقاديات ظاهرة من كل من قال بوجوب المعرفة وهي كثيرة جدا لايمكن حصر اكثرها .
وارجع مرة اخرى الى عبارة الشيخ الطوسي اعلى الله مقامه في الاقتصاد :
وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الأدلة الموصلة إلى توحيد الله تعالى وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به ، وكيف يكون ذلك منهيا عنه أو غير واجب والنبي ( عليه السلام ) لم يوجب القبول منه على أحد إلا بعد إظهار الأعلام والمعجزة من القرآن وغيره ، ولم يقل لأحد إنه يجب عليك القبول من غير آية ولا دلالة . وكذلك تضمن القرآن من أوله إلى آخره التنبيه على الأدلة ووجوب النظر ، قال الله تعالى : أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ . وقال : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت . وإلى السماء كيف رفعت . وإلى الجبال كيف نصبت . وإلى الأرض كيف سطحت . وقال : وفي أنفسكم أفلا تبصرون . وقال : قتل الإنسان ما أكفره . من أي شئ خلقه . من نطفة خلقه . الآية . وقال : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . إلى قوله : إنك لا تخلف الميعاد . وقال : فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ، ثم شققنا الأرض شقا ، إلى قوله : متاعا لكم ولأنعامكم . وقال : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . إلى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين . وقال : إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، ولقوم يعقلون ، ولأولي الألباب ، ولمن كان له قلب ، يعني عقل . وغير ذلك من الآيات التي تعدادها يطول . وكيف يحث تعالى على النظر وينبه على الأدلة وينصبها ويدعو إلى النظر فيها ، ومع ذلك يحرمها . إن هذا لا يتصوره إلا غبي جاهل .
اقول : ولاشك ان الفكر انما يكون منتجا اذا حصلت منه المعرفة وتحققت النتيجة وهي بالضرورة لا معنى ان تكون ظنية .
يجب على كل مكلف حر وعبد ذكر وأنثى أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدليل لا بالتقليد . ومن جهل شيئا من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين ، واستحق العقاب الدائم مع الكافرين .
- رسائل المحقق الكركي ج 1 ص 80 و ج 3 ص 173 ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى ، وصفاته الثبوتية والسلبية ، وعدله وحكمته ، ونبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله ، وإمامة الأئمة ( عليهم السلام ) والإقرار بكل ما جاء به النبي صلوات الله عليه وآله من أحوال المعاد ، بالدليل لا بالتقليد .
قوله : بالدليل لا بالتقليد ، الدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشئ آخر إثباتا أو نفيا . والتقليد هو الأخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة ، مأخوذ من تقليده بالقلادة 183 وجعلها عنقه كأن المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلده .
خامسا : رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 56 .
إعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله تعالى بالنظر وأنها لا تحصل بالتقليد ، إلا من شذ منهم كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية ، حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية ، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع ، والنبوة ، والعدل وغيرها ، بل ذهب إلى وجوبه .
لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة في أنه عقلي أو سمعي ، فالإمامية والمعتزلة على الأول والأشعرية على الثاني ، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك ، بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه . من ذلك : أن لله تعالى على عبده نعما ظاهرة وباطنة لا تحصى ، يعلم ذلك كل عاقل ، ويعلم أنها ليست منه ولا من مخلوق مثله . ويعلم أيضا أنه إذا لم يعترف بإنعام ذلك المنعم ولم يذعن بكونه هو المنعم لا غيره ولم يسع في تحصيل مرضاته ، ذمه العقلاء ، ورأوا سلب تلك النعم عنه حسنا ، وحينئذ فتحكم ضرورة العقل بوجوب شكر ذلك المنعم . ومن المعلوم أن شكره على وجه يليق بكمال ذاته يتوقف على معرفته ، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره ، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الإمارة ، فلا بد من النظر المفيد للعلم . وهذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح ، والأشاعرة ينكرون ذلك ، لكنه كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل ، يدل أيضا على كون الوجوب عقليا . واعترض أيضا بأنه مبني على وجوب ما لا يتم الواجب المطلق الآبه ، وفيه أيضا منع للأشاعرة . ومن ذلك أن الأمة اجتمعت على وجوب المعرفة ، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم ، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه وقد اعترض على هذا بمنع الإجماع ، كيف والمخالف معروف ، بل عورض بوقوع الإجماع على خلافه ، وذلك لتقرير النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه العوام على إيمانهم وهم الأكثرون في كل عصر ، مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع وصفاته ، مع أنهم كانوا لا يعلمونها ، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف ، ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بإيمانهم . وأجيب عن هذا : بأنهم كانوا يعلمون الأدلة إجمالا ، كدليل الإعرابي حيث قال : البعرة تدل على البعير ، وأثر الأقدام على المسير ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير ؟ ! فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم ، أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين ، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين . ومن ذلك : الإجماع أنه لا يجوز تقليد غير المحق ، وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا ، وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر والاستدلال ، وإذا صار مستدلا امتنع كونه مقلدا ، فامتنع التقليد في المعارف الإلهية , . ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات ، فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت فتياه عن دليل شرعي ، فإن اكتفى في الإطلاع على ذلك بالظن وإن كان مخطئا في نفس الأمر لحط ذلك عنه ، فليجز مثله في مسائل الأصول . وأجيب بالفرق بأن الخطأ في مسائل الأصول يقتضي الكفر بخلافه في الفروع ، فساغ في الثانية ما لم يسغ في الأولى .........
يجب على كل مكلف حر وعبد ذكر وأنثى أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدليل لا بالتقليد . ومن جهل شيئا من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين ، واستحق العقاب الدائم مع الكافرين .
- رسائل المحقق الكركي ج 1 ص 80 و ج 3 ص 173 ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى ، وصفاته الثبوتية والسلبية ، وعدله وحكمته ، ونبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله ، وإمامة الأئمة ( عليهم السلام ) والإقرار بكل ما جاء به النبي صلوات الله عليه وآله من أحوال المعاد ، بالدليل لا بالتقليد .
قوله : بالدليل لا بالتقليد ، الدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشئ آخر إثباتا أو نفيا . والتقليد هو الأخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة ، مأخوذ من تقليده بالقلادة 183 وجعلها عنقه كأن المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلده .
خامسا : رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 56 .
إعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله تعالى بالنظر وأنها لا تحصل بالتقليد ، إلا من شذ منهم كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية ، حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية ، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع ، والنبوة ، والعدل وغيرها ، بل ذهب إلى وجوبه .
لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة في أنه عقلي أو سمعي ، فالإمامية والمعتزلة على الأول والأشعرية على الثاني ، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك ، بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه . من ذلك : أن لله تعالى على عبده نعما ظاهرة وباطنة لا تحصى ، يعلم ذلك كل عاقل ، ويعلم أنها ليست منه ولا من مخلوق مثله . ويعلم أيضا أنه إذا لم يعترف بإنعام ذلك المنعم ولم يذعن بكونه هو المنعم لا غيره ولم يسع في تحصيل مرضاته ، ذمه العقلاء ، ورأوا سلب تلك النعم عنه حسنا ، وحينئذ فتحكم ضرورة العقل بوجوب شكر ذلك المنعم . ومن المعلوم أن شكره على وجه يليق بكمال ذاته يتوقف على معرفته ، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره ، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الإمارة ، فلا بد من النظر المفيد للعلم . وهذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح ، والأشاعرة ينكرون ذلك ، لكنه كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل ، يدل أيضا على كون الوجوب عقليا . واعترض أيضا بأنه مبني على وجوب ما لا يتم الواجب المطلق الآبه ، وفيه أيضا منع للأشاعرة . ومن ذلك أن الأمة اجتمعت على وجوب المعرفة ، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم ، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه وقد اعترض على هذا بمنع الإجماع ، كيف والمخالف معروف ، بل عورض بوقوع الإجماع على خلافه ، وذلك لتقرير النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه العوام على إيمانهم وهم الأكثرون في كل عصر ، مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع وصفاته ، مع أنهم كانوا لا يعلمونها ، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف ، ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بإيمانهم . وأجيب عن هذا : بأنهم كانوا يعلمون الأدلة إجمالا ، كدليل الإعرابي حيث قال : البعرة تدل على البعير ، وأثر الأقدام على المسير ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير ؟ ! فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم ، أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين ، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين . ومن ذلك : الإجماع أنه لا يجوز تقليد غير المحق ، وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا ، وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر والاستدلال ، وإذا صار مستدلا امتنع كونه مقلدا ، فامتنع التقليد في المعارف الإلهية , . ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات ، فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت فتياه عن دليل شرعي ، فإن اكتفى في الإطلاع على ذلك بالظن وإن كان مخطئا في نفس الأمر لحط ذلك عنه ، فليجز مثله في مسائل الأصول . وأجيب بالفرق بأن الخطأ في مسائل الأصول يقتضي الكفر بخلافه في الفروع ، فساغ في الثانية ما لم يسغ في الأولى .........
سادسا : › اللمع في أصول الفقه للشيرازي ص 347 : 72 - باب بيان ما يسوغ فيه التقليد وما لا يسوغ ومن يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ قد بينا الأدلة التي يرجع إليها المجتهد في معرفة الحكم وبقي الكلام في بيان ما يرجع إليه العامل في العمل وهو التقليد وجملته أن التقليد قبول القول من غير دليل والأحكام على ضربين عقلي وشرعي فأما العقلي فلا يجوز فيه التقليد كمعرفة الصانع وصفاته ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأحكام العقلية وحكي عن أبي عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال يجوز التقليد في اصول الدين وهذا خطأ لقول الله تعالى إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون فذم قوما اتبعوا آباءهم في الدين فدل على أن ذلك لا يجوز لأن طريق هذه الأحكام العقل والناس كلهم يشتركون في العقل فلا معنى للتقليد فيه .
سابعا :
النافع يوم الحشر للعلامة الحلي ص 19 : قال : ( بالدليل لا بالتقليد ) . أقول : الدليل لغة هو المرشد والدال ، واصطلاحا هو ما يلزم من العلم به العلم بشئ آخر . ولما وجبت المعرفة وجبت أن تكون بالنظر والاستدلال ، لأنها ليست ضرورية ، لأن المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلا ................. ولا يجوز معرفة الله تعالى بالتقليد . والتقليد : هو قبول قول الغير من غير دليل ، وإنما قلنا ذلك لوجهين : الأول : إنه إذا تساوى الناس في العلم ، واختلفوا في المعتقدات فأما أن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه فيلزم إجماع المتنافيات ، أو البعض دون بعض ، فأما أن يكون لمرجح أولا ، فأن كان الأول فالمرجح هو الدليل ، وإن كان الثاني فيلزم الترجيح بلا مرجح وهو محال . الثاني : إنه تعالى ذم التقليد بقوله : ( قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) . وحث على النظر والاستدلال بقوله تعالى : ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) . قال : ( فلا بد من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين ، واستحق العقاب الدائم ) . قوله والتقليد أو قول الغير من غير دليل ، كما تسأل عالما عن استحباب القنوت ووجوبه فيقول مستحب فتعتقد ذلك وفقا لاعتقاده خلافا لبعضهم فإنه قد اكتفى ، وادعى الفقهاء الاجماع على عدم جواز التقليد في أصول الدين وأقاموا البراهين العقلية والنقلية على ذلك
ثامنا : بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 66 ص 133 : ثم قال رفع الله درجته : اعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله بالنظر ، وأنها لا تحصل بالتقليد إلا من شذ منهم كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية ، والتعليمية ، حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الاصولية كوجود الصانع ، وما يجب له ويمتنع ، والنبوة والعدل وغيرها ، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه ، لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة أنه عقلي أو سمعي فالامامية والمعتزلة على الاول ، والاشعرية على الثاني ، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك ، بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه
وحيث توجد تساؤلات مهمة حول موضوع عدم جواز التقليد في الاعتقاديات او قل اصول الاعتقاديات ولا نزال نحن في بداية الامر فلنذكر تمام ما حكاه في البحار ففيه فوائد ودفع لاشكالات ليست عادية .
. ثم استدل بوجوب شكر المنعم عقلا ، وشكره على وجه يليق بكمال ذاته يتوقف على معرفته ، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره لاحتمال كذب المخبر ، وخطأ الامارة ، فلابد من النظر المفيد للعلم ، ثم قال : وهذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح ، والاشاعرة ينكرون ذلك ، لكن كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل ، يدل أيضا على كون الوجوب عقليا ، واعترض أيضا بأنه مبني على وجوب مالا يتم الواجب المطلق إلا به ، وفيه أيضا منوع للاشاعرة . ومن ذلك أن الامة أجمعت على وجوب المعرفة ، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم إن أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه ، وقد اعترض على هذا بمنع الاجماع كيف والمخالف معروف بل عورض بوقوع الاجماع على خلافه ، وذلك لتقرير النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه العوام على إيمانهم ، وهم الاكثرون في كل عصر ، مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع وصفاته ، مع أنهم كانوا لا يعلمونها ، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف ، ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بايمانهم ، واجيب عن هذا بأنهم كانوا يعلمون الادلة إجمالا كدليل الاعرابي حيث قال " البعرة تدل على البعير ، وأثر الاقدام على المسير ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ، لا تدلان على اللطيف الخبير " ؟ فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين ، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين . ومن ذلك الاجماع على أنه لا يجوز تقليد غير المحق وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا ؟ وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر والاستدلال وإذا صار مستدلا امتنع كونه مقلدا ، فامتنع التقليد في المعارف الالهية ، ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات ، فانه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت فتياه عن دليل شرعى ، فان اكتفي في الاطلاع على ذلك بالظن وإن كان مخطئا في نفس الامر لحط ذلك عنه فليجز مثله في مسائل الاصول ، واجيب بالفرق بأن الخطا في مسائل الاصول يقتضي الكفر ، بخلافه في الفروع ، فساغ في الثانية ما لم يسغ في الاولى . احتج من أوجب التقليد في مسائل الاصول بأن العلم بالله تعالى غير ممكن لان المكلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره ، وحال امتناع كونه عالما بأمره ، يمتنع كونه مأمورا من قبله ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، وإن كان عالما به ، استحال أيضا أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل ، والجواب عن ذلك على قواعد الامامية والمعتزلة ظاهر ، فان وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي لا سمعي نعم يلزم ذلك على قواعد الاشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي . أقول : ويجاب أيضا معارضة بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم بالمعارف الاصولية ، يدل على امتناع التقليد فيها أيضا ، فينسد باب المعرفة بالله تعالى ، فكل من يرجع إليه في التقليد لابد وأن يكون عالما بالمسائل الاصولية ، ليصح تقليده ، ثم يجري الدليل فيه ، فيقال : علم هذا الشخص بالله تعالى غير ممكن ، لانه حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره بالمقدمات وكل ما أجابوا به فهو جوابنا ، ولا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالى غير ممكن أو سمعي فكذلك . فان قيل : ربما يحصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك ، فيقلده الباقون ، قلنا هذا أيضا يبطل قولكم إن العلم بالله تعالى غير ممكن ، نعم ما ذكروه يصلح أن يكون دليلا على امتناع المعرفة بما يسمع ، فيكون حجة على الاشاعرة ، لا دليلا على وجوب التقليد . واحتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالى " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " والنظر يفتح باب الجدال فيحرم ، ولانه عليه السلام رأى الصحابة يتكلمون في مسألة القدر فنهاهم عن الكلام فيها ، وقال : إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا ، ولقوله عليه السلام : عليكم بدين العجائز ، والمراد ترك النظر فلو كان ] واحتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف الالهية لوجد من الصحابة ، إذ هم أولى به من غيرهم ، لكنه لم يوجد وإلا لنقل كما نقل عنهم النظر والمناظرة في المسائل الفقهية ، فحيث لم ينقل لم يقع ، فلم يجب . واجيب بالتزام كونهم أولى به ، لكنهم نظروا وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة الله تعالى ، وكون الواحد منا أفضل منهم ، وهو باطل إجماعا ، إذا كانوا عالمين ، وليس بالضرورة ، فهو بالنظر والاستدلال ، وأما أنه لم ينقل النظر والمناظرة ، فلا تفاقهم على العقائد الحقة لوضوح الامر عندهم ، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن الهوى فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر ، بخلاف الاخلاف بعدهم ، فانهم لما كثرت شبه الضالين ، واختلفت أنظار طالبي اليقين ، لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا إلى النظر والمناظرة ، ليدفعوا بذلك شبه المضلين ، ويقفوا على اليقين ، أما مسائل الفروع لما كانت امورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض الامارات فيها وقع بينهم الخلاف فيها ، والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل . واحتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات ، والتورط في الضلالات ، بخلاف التقليد فانه أبعد عن ذلك ، وأقرب إلى السلامة ، فيكون أولى ، ولان الاصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى ، فإذا جاز التقليد في الاسهل ، جاز في الاصعب ، بطريق أولى ، ولانهما سواء في التكليف بهما فإذا جاز في الفروع فليجز في الاصول . واجيب عن الاول بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل أو الانتهاء إلى من يعتقد عن نظر ، لانتفاء الضرورة ، فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة ، وهي احتمال كذب المخبر ، بخلاف الناظر مع نفسه ، فانه لا يكابر نفسه فيما أدى إليه نظره ، على أنه لو اتفق الانتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم ، أو بالالهام ، أو بخلق العلم فيه ضرورة ، فهو إنما يكون لافراد نادرة ، لانه على خلاف العادة فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة ، بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب ، بخلاف الناظر فانه لا يكابر نفسه ولانه أقرب إلى الوقوع على الصواب ، وأما الجواب عن العلاوة فلانه لما كان الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل ، ساغ لنا التقليد فيها ، ولم يقدح احتمال كذب المخبر ، وإلا لانسد باب العلم والعمل بها ، بخلاف الاعتقاديات فان الطريق إليها بالنظر ميسر . ‹ صفحة بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 67 ص 132
اشكر الاخوه و الاخوات المشاركين
ونستمر بتوثيق كل شيء ان شاء الله وحتى لا تكون هناك مواضيع مشابهه فقد وضعنا الملف الشامل ان شاء الله حتى يكون المنتدى اكثر فائده و اكثر اهتمام بتلك المواضيع في صفحه احده و اي شيء يطرحه الاخوه و الاخوات بنفس سياق الموضوع ارجوا ان يضعه مع الملف هذا و ليس في موضوع محدد
نكمل ان شاء الله
هذا وقد اعترض لاسيما من الاشاعرة على القول بعدم جواز التقليد في اصول العقائد وحيث ان الامر يحتاج الى نظر كثير فهل المراد بعدم جواز التقليد في العقائد كل العقائد ام اصولها ام بعضا من اصولها , وهل ان تفاصيل الاعتقاديات يجري فيها الكلام نفسه , ومعنى حرمة التقليد هل هي مولوية ام عقلية , وهل ان عوام الناس او قل قاصريهم او السواد الاعظم منهم حيث قد نرى منهم التقليد وعدم النظر حتى في اصول الاعتقاد وبالتالي تعوليهم عل
الظن مؤمنون ام كافرون ام مقصرون وحسب , وما هو الاصل للقول بعدم جواز التقليد في الاعتقاد ؟ هل هو عدم كفاية الظن ام التعبد بحرمة التقليد ام يقال بعبارة اخرى ان وجوب المعرفة سواء كان وجوبها غيريا ام نفسيا لاتحصل تعويلا على الظن وما شاكله , وهل الظن هنا كالشك في الاعتقاديات وهل يكفي الظن الاطمئناني ام ان المراد هو القطع , وهل يجوز الاعتماد على التقليد من محق ام ان مطلق التقليد باطل وان تقليد المحق ليس اولى من تقليد المبطل , وهل وجوب المعرفة تعبدي وسمعي ام انه عقلي وهل يكفي المعرفة من السمع والنقل ام لا بد من حصرها بالعقل وهل هذا مطلق ام يجري فيه التفصيل , وهل التعويل على العقل في اصل التوحيد والنبوة لايجوز فيه غيره , وهل الامر كذلك في المعاد والامامة واسئلة اخرى عديدة لابد من التركيز على اجوبتها في كلمات الاعلام التي نقلنا منها وما سياتي ذكره وكله يحتاج الى تحقيق ولعلنا نوفق لذلك . واعلم ان اصحاب الانحراف ومروجي الاباطيل لايتركون منفذا الا ودخلوه ليشبهوا على العوام ومن هنا نجد انفسنا في دوامة لا تتنهي لو اقتصرنا على مجرد السرد لاقوال العلماء دون شرح وتبيان وتحقيق ونظر وتفصيل في الاجوبة ومراجعة اقوال اعاظم المحققين في العصور المتاخرة ,والنظر في الادلة العقلية والنقلية والله المستعان وهو خير مؤيد ومسدد.
الثاني : ان حرمة التقليد في اصول الدين مما حكي فيها الاجماع بين الامامية بل ادعي ذلك بين المخالفين - قال ابن عطية : أجمعت الامة على إبطال التقليد في العقائد . وذكر فيه غيره خلافا كالقاضي أبى بكر بن العربي وأبي عمر وعثمان بن عيسى بن درباس الشافعي . قال ابن درباس في كتاب " الانتصار " له : وقال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد ، وهو خطأ لقوله تعالى : " إنا وجدنا آباءنا على أمة " . فذمهم بتقليدهم آباءهم وتركهم اتباع الرسل ، كصنيع أهل الاهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه ، ولانه فرض على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به ، وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسنة ، كما بيناه في آية التوحيد ، والله يهدي من يريد . قال ابن درباس : وقد أكثر أهل الزيغ القول على من تمسك بالكتاب والسنة أنهم مقلدون . وهذا خطأ منهم ، بل هو بهم أليق وبمذاهبهم أخلق ، إذ قبلوا قول ساداتهم وكبرائهم فيما خالفوا فيه كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فكانوا داخلين فيمن ذمهم الله بقوله : " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا " إلى قوله : " كبيرا.( تفسير القرطبي للقرطبي ج 2 ص 210 : قوله تعالى : وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا ..)
وحكى القرطبي من الاقوال :
الخامس - التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلا له ، لا في الاصول ولا في الفروع ، وهو قول جمهور العقلاء والعلماء ، خلافا لما يحكى عن جهال الحشوية والثعلبية من أنه طريق إلى معرفة الحق ، وأن ذلك هو الواجب ، وأن النظر والبحث حرام ، والاحتجاج عليهم في كتب الاصول . انتهى
اقول : كما ترى فإن القول بوجوب التقليد بين محققي العامة ومتكلميهم انفسهم في غاية الضعف اما القول بجوازه فهو مرجوح عندهم كثيرا لاسيما مع قول القرطبي ان قول جمهور العقلاء والعلماء في نفي طريقية التقليد للعلم والايصال له .
ولكن مع ذلك ذهب اكثرهم الى ان اول الواجبات هو الايمان وليس المعرفة والعلم بالله تعالى وسيأتي التعرض لها .
ولابد من معرفة معنى التقليد , قا ل القرطبي في تفسيره : - (التقليد عند العلماء حقيقته قبول قول بلا حجة ، وعلى هذا فمن قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم من غير نظر في معجزته يكون مقلدا ، وأما من نظر فيها فلا يكون مقلدا ], وقيل : هو اعتقاد صحة فتيا من لا يعلم صحة قوله .
وهو في اللغة مأخوذ من قلادة البعير ، فإن العرب تقول : قلدت البعير إذا جعلت في عنقه حبلا يقاد به ، فكأن المقلد يجعل أمره كله لمن يقوده حيث شاء ، وكذلك قال شاعرهم : وقلدوا أمركم لله دركم * ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا ( المصدر السابق )
هذا وممن حكى الاجماع بين الامامية اعزهم الله بل وغيرهم العلامة قدس سره في الباب الحادي عشر حيث قال : (وادعى الفقهاء الاجماع على عدم جواز التقليد في أصول الدين وأقاموا البراهين العقلية والنقلية على ذلك .) وذكر الشهيد الثاني قدس سره في رسالة حقيقة الايمان ما نصه : اعلم ان العلماء اطبقوا على وجوب معرفة الله تعالى بالنظر , الا من شد منهم كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية حيث ذهبوا الى جواز التقليد في العقائد الاصولية كوجود الصانع وما يجب له وما يمتنع , والنبوة , والعدل وغيرها , بل ذهب بعضهم الى وجوبه لكن اختلف االقائلون بوجوب المعرفة في انه عقلي او سمعي فالامامية والمعتزلة على الاول ....
وللاجابة العلمية على سبب حرمة التقليد في العقائد ومعرفة الاطلاق او التفصيل في ذلك نرجع الى مسالة اساسية وهي ان الدليل العقلي اوجب المعرفة للمنعم والصانع وتوجد مقدمة ذكرها المحقق الحلي قدس سره في المسلك في أصول الدين ص 96 وهي : وقبل ذلك لا بد من بيان حقيقة العلم والنظر ، فنقول : العلم هو تبين الشئ على ما هو به تبينا ينتفي معه الاحتمال ، وهذا ليس بتحديد ، إذ العلم لظهوره غني عن الإبانة لكنه تنبيه . وأما النظر فهو ترتيب علوم أو ظنون ترتيبا صحيحا ليتوصل به إلى علم أو ظن . والدليل هو ما النظر الصحيح فيه يفضي إلى العلم .انتهى
وهناك تعريفات او قل بعبارة ادق شروحات لفظية للمصطلحات المذكورة قد نتعرض لذكرها ,
وللتنبيه ينبغي ان يعلم ان مقابل القول بوجوب النظر كمقدمة لحصول المعرفة هو القول بوجوب الايمان .
ثم ذكر قدس سره : . إذا عرفت هذا فنقول : الدليل على أن النظر واجب وجهان :
الأول : أن النظر يؤمل به زوال الخوف ، وكل ما يؤمل به زوال الخوف فهو واجب . أما أنه يؤمل به زوال الخوف ، فلأنا نعلم أن العقلاء يعولون على أنظارهم عند تجدد الحوادث المشكلة ، فلو لم يكن طريقا من طرق الكشف لما عولوا عليه . والخوف الذي نشير إليه هو ما يحصل عند العاقل حين يسمع اختلاف العقلاء في إثبات الصانع والثواب والعقاب ، أو أن يتنبه من قبل نفسه على جهة الخوف ، أو أن يخطر الله بباله ذلك . وأما أن كل ما يؤمل به زوال الخوف واجب ، فمعلوم ضرورة .
الثاني : أن معرفة الله واجبة ، ولا يمكن تحصيلها إلا بالنظر ، وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . أما أن معرفة الله واجبة ، فلأنها دافعة للضرر من خوف الوعيد ، أو لأنها لطف في أداء الواجبات . وأما أنه لا يمكن تحصيلها إلا بالنظر ، فلأن المعارف إما ضرورية ، وهو ما لا يمكن العاقل دفعه عن نفسه ، ويكون من فعل الله في المكلف ، وإما كسبية ، وهو ما لا يحصل إلا بالنظر ، والمعارف الإلهية ليست من قبيل الأول ، لأنا نراجع أنفسنا فلا نرى العلم يحصل بها على ذلك الوجه ، فتعين أن يكون كسبية . وأما أن كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فضروري ، ولأنه لو لم يجب ، لكان إما أن يسقط الواجب المتوقف عليه ، وإما أن لا يسقط ، ويلزم من الأول أن لا يكون ما فرضناه واجبا واجبا ، ومن الثاني تكليف ما لا يطاق .
اقول : كلا الوجهين يدلان على وجوب النظر كما اسلف قدس سره من جهة انه مقدمة لواجب ومقدمة الواجب واجبة عقلا بالضرورة فلا تحتاج الى دليل , ولو استعاض عن كلمة الله تعالى بالصانع او المنعم لكان انسب كي يستبطن الابتعاد عن الدور ووجوب المعرفة سمعيا ولكن الوجه الاول اوفق واتم ولايخلو الثاني من نظر ما لم يجري التبديل الذي اشرنا له والا كان الثاني انسب .
والنتيجة ان النظر انما يجب لتحصيل المعرفة لدفع الخوف او للامان باستمرارالنعمة ولامعنى للاكتفاء بالظن في ذلك ضرورة ان المعرفة الظنية لا تغني ولايحصل معها الأمن من الخوف او امن ضرر الجهل بالصانع , ومعلوم ان التقليد غاية ما يحصل منه الظن, يقول في البحار:" ثم استدل (الشهيد الثاني في رسالة الايمان ) بوجوب شكر المنعم عقلا ، وشكره على وجه يليق بكمال ذاته يتوقف على معرفته ، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره لاحتمال كذب المخبر ، وخطأ الامارة ، فلابد من النظر المفيد للعلم . انتهى .
فالخلاصة ان المعرفة لما وجبت لزم ان تكون بالنظر والاستدلال وإيضاحه اكثر كما ذكره العلامة قدس سره : " . ولما وجبت المعرفة وجبت أن تكون بالنظر والاستدلال ، لأنها ليست ضرورية ، لأن المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلاء ، بل يحصل العلم بأدنى سبب من توجه العقل إليه ، والاحساس به ، كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين ، وأن النار حارة ، والشمس مضيئة ، وأن لنا خوفا وغضبا وقوة وضعفا غير ذلك . والمعرفة ليس كذلك لوقوع الاختلاف فيها ، ولعدم حصولها بمجرد توجه العقل إليها ، ولعدم كونها حسية ، فتعين الأول لانحصار العلم في الضروري والنظري فيكون النظر والاستدلال واجبا ، لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به ، وكان مقدورا عليه فهو واجب "
وهنا وجه اخر ذكره العلامة قدس سره في الباب الحادي عشر : " ولا يجوز معرفة الله تعالى بالتقليد . والتقليد : هو قبول قول الغير من غير دليل ، وإنما قلنا ذلك لوجهين : الأول : إنه إذا تساوى الناس في العلم ، واختلفوا في المعتقدات فأما أن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه فيلزم إجماع المتنافيات ، أو البعض دون بعض ، فأما أن يكون لمرجح أولا ، فأن كان الأول فالمرجح هو الدليل ، وإن كان الثاني فيلزم الترجيح بلا مرجح وهو محال ." انتهى .وهو وجه ثالث عقلي .
والعلامة نفسه اوجز الوجهين الاوليين قائلا : " ولما وجبت المعرفة وجبت أن تكون بالنظر والاستدلال ، لأنها ليست ضرورية ، لأن المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلا ، بل يحصل العلم بأدنى سبب من توجه العقل إليه ، والاحساس به ، كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين ، وأن النار حارة ، والشمس مضيئة ، وأن لنا خوفا وغضبا وقوة وضعفا غير ذلك . والمعرفة ليس كذلك لوقوع الاختلاف فيها ، ولعدم حصولها بمجرد توجه العقل إليها ، ولعدم كونها حسية ، فتعين الأول لانحصار العلم في الضروري والنظري فيكون النظر والاستدلال واجبا ، لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به ، وكان مقدورا عليه فهو واجب ، لأنه إذا لم يجب ما يتوقف عليه الواجب المطلق ، فإما أن يبقى الواجب على وجوبه أولا . فمن الأول : يلزم تكليف ما لا يطاق ، وهو محال كما سيأتي . ومن الثاني : يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وهو محال أيضا "
بل توجد خلاصة اقوى للعلامة في ايجاب النظر وهي : لنا ان النظر دافع للخوف الحاصل من الاختلاف فيكون واجبا . وايضا معرفة الله تعالى لكونها دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ولا تتم الا بالنظر فيكون واجبا . ( مناهج اليقين بحث تقسيم الموجودات )
كما قرره الشيخ الحلبي رحمه الله في كافيه حيث قال : " . فأما الدلالة على وجوب المعرفة بالتوحيد والعدل فهي أن كل حي عند كمال عقله يجد عليه آثار نفع من كونه حيا سميعا بصيرا عاقلا مميزا قادرا متكلما مدركا للمدركات منتفعا بها يجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم ، ويعلم أنه إن كان ذلك نعمة فهي أعظم من كل نعمة لانغمارها في جنبها ، وكونها فرعا لها واستحالة انفرادها منها ، ويعلم وجوب شكر المنعم واستحقاق المدح به والذم على الاخلال بواجبه ، ويجوز أن يكون له صانع صنعه وفعل النفع به محسنا إليه به تعريضا للثواب على شكره ومعاقبا على الاخلال بحمده ويجد في عقله وجوب المظنون والمعلوم وحسن طلب النفع المعلوم والمظنون . . . . ويظن ضررا هو العقاب فوجب لذلك عليه معرفة من خلقه وخلق النفع له ليعلم قصده فيشكره إن كان منعما فيحوز عظيم النفع من المدح والثواب وينجو من عظيم الضرر بالذم والعقاب ، ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثار صنعته . " الى قوله رحمه الله : " ، فإذا وجبت المعرفة للوجه الذي ذكرناه ولم يكن لها سبب إلا النظر وجب كونه أول الأفعال الواجبة لعموم العلم لكل عاقل بوجوب ما لا يتم الواجب إلا به . وجه وجوب النظر كونه تحرزا من ضرر لو لا فعله لم يأمن العاقل نزوله به من الذم والعقاب " .
وكما ترى فإنه قدس سره يرى تبعا للبرهان الذي اقامه ان اول الواجبات هو النظر للوصول الى المعرفة التي بها يأمن العقاب او الضرر من الصانع المنعم لو لم يشكر نعمه او يامن بالشكر عدم انقطاع النعمة .
وذكر المحقق السيد محسن الحكيم في حقائق الاصول تعليقا على الكفاية : لا ريب ظاهرا في وجوب هذه المعارف وانما الخلاف في وجوبها عقلا أو شرعا ، فالمحكي عن العدلية الاول ، وعن الاشاعرة الثاني ، والخلاف في ذلك منهم مبني على الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، فعلى القول بها - كما هو مذهب الاولين - تكون واجبة عقلا لان شكر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما يتوقفان على المعرفة وما يتوقف عليه الواجب واجب ، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري ، والمصنف ( ره ) جعل وجوبها نفسيا بناء منه على كون المعرفة بنفسها شكرا ، فإذا كان الشكر واجبا عقلا لكونه حسنا بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب ، ولذا قال في تعليل وجوبها : أداء لشكر بعض . . . الخ
الثالث : كفر المقلد في العقائد .
ويقابل القول بوجوب النظر القول بوجوب الايمان عند العامة ففي تفسير القرطبي للقرطبي ج 7 ص 331 : وقد اختلف العلماء في أول الواجبات ، هل هو النظر والاستدلال ، أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة . فذهب القاضي وغيره إلى أن أول الواجبات النظر والاستدلال ، لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة ، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته . وإلى هذا ذهب البخاري رحمه الله حيث بوب في كتابه ( باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل : " فاعلم أنه لا إله إلا الله . قال القاضي : من لم يكن عالما بالله فهو جاهل ، والجاهل به كافر. انتهى .
اقول فعلى هذا فالتقليد يعني الكفر بصريح عبائر القائلين بحرمة التقليد في الاصول , وقد اعترض على القول بكون النظر اول الواجبات بما حكاه القرطبي في تفسير ( المصدر السابق ) : قال ابن رشد في مقدماته : وليس هذا بالبين ، لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد ، وبأول وهلة من الاعتبار بما أرشد الله إلى الاعتبار به في غير ما آية .
قال : وقد استدل الباجي على من قال إن النظر والاستدلال أول الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلد مؤمنين . قال : فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحا لما صح أن يسمى مؤمنا إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال . قال : وأيضا فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم : لا يحل لكم قتلنا ، لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل . قال : وهذا يؤدي إلى تركهم على كفرهم ، وألا يقتلوا حتى ينظروا يستدلوا . قلت : هذا هو الصحيح في الباب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف ( ذكر صفة كمال الإيمان ) أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن كل ما جاء به محمد حق ، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح العقل - أنه مسلم . وإن رجع بعد ذلك وأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد . وقال أبو حفص الزنجاني وكان شيخنا القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد السمناني يقول : أول الواجبات الإيمان بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به ، ثم النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله تعالى ، فيتقدم وجوب الإيمان بالله تعالى عنده على المعرفة بالله . قال : وهذا أقرب إلى الصواب وأرفق بالخلق ، لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة المعرفة والنظر والاستدلال . فلو قلنا : إن أول الواجبات المعرفة بالله لأدى إلى تكفير الجم الغفير والعدد الكثير ، وألا يدخل الجنة إلا آحاد الناس ، وذلك بعيد ...
الثالثة - ذهب بعض المتأخرين والمتقدمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه وهو كافر ، فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين . انتهى ما ذكره القرطبي .
اقول : ذكر العلامة قدس سره في النافع يوم الحشر للعلامة الحلي ص 19-21بعد بيان الوجه الاول المحكي أنفا في حرمة التقليد :
الثاني : إنه تعالى ذم التقليد بقوله : ( قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) . وحث على النظر والاستدلال بقوله تعالى : ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) . قال : ( فلا بد من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين ، واستحق العقاب الدائم ) ...... أقول : لما وجبت المعارف المذكورة بالدليل السابق اقتضى ذلك وجوبها على كل مسلم ، أي مقر بالشهادتين ، ليصير بالمعرفة مؤمنا لقوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) ، نفى عنهم الإيمان مع كونهم مقرين بالإلهية والرسالة لعدم كون ذلك بالنظر والاستدلال ، وحيث أن الثواب مشروط بالإيمان كان الجاهل بهذه المعارف مستحقا للعقاب الدائم ، لأن كل من لا يستحق الثواب أصلا مع اتصافه بشرائط التكليف ، فهو مستحق للعقاب بالاجماع انتهى .
اقول فما ذكره العلامة صريح بنفي الايمان عمن ترك الاستدلال والنظر في المعرفة الواجبة وان كان ربما يظهر منه القول باسلامه , وعليه فالكفر المنسوب لهم القول به هو الكفر مقابل الايمان لا الكفر المقابل الاسلام لانه القدر المتيقن فتنبه .