والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطاهرين ، سفن النجاة .
لا أدري لم أراني تأخذني الصدفة بين الفينة والفينة لأستكشف تدليساً جديداً ، أو كذباً غير جديد للسلفيين ، بلا حياء منهم أو خجل ، ولا خوف من معاد !!
لا أطيل عليكم ...
كنتُ في وقت الاسترخاء ليلة البارحة (ليلة الأحد 29 / 4 / 1427 هـ) ، وإذا بي أسمع الشيخ السلفي المدعو "عائض الدوسري" على قناة المستغلة ، ينقل عن كتاب "البيان في تفسير القرآن" لأستاذ الحوزة العلمية السيد الخوئي أعلا الله مقامه الشريف ص 460 ،
قال الدوسري : يقول السيد الخوئي في كتاب البيان ص 460 :
(الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله ..)
محاولاً - أعني الدوسري - من خلال إيهام المستمع بأن السيد الخوئي قدس سره الشريف يذهب إلى نفس مذهب السلفيين بالقول في تكفير من استعان بغير الله ، والحكم عليه بالشرك والعياذ بالله !!.
والحال أن السيد الخوئي كان في مقام بيان الاستعانة بغير الله - بالمخلوق - على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، وبيان أن هذا النوع من الاستعانة هو المحكوم - أي على المستعين - بشركه وكفره من هذه الناحية .
ولم يكن كلامه - قدس سره - عن الاستعانة المشروعة المأذون بها من قبل الله تعالى .
وستجد في طيّ كلام السيد الخوئي الذي سننقله لك - بطوله - هذا الأمر بأجلى بيان
وقد أوضحَ الأخ الشيخ الأسدي هذا الأمر - الذي لا يختلف فيه شيعي - وأن الدوسري بتر الكلام ، وتلاعب باللفظ ، ولكن الهاشمي لم يترك له المجال لتبيان هذا الأمر - وإن كان أجلى من الشمس - فكلما حاول إيضاح هذا الأمر قطعه الهاشمي !!!! لأكثر من مرة .. ومرة .. ومرة !!
ملاحظة :
في ذهني أن الدوسري المدلس نقل قول السيد الخوئي من عند قوله (الإيمان يقتضي .... (الى قوله) .. فقد اشرك بالله) !
فلستُ متأكداً إن كان ذكر شيئاً قبل هذا النص أو بعده !!
فالنص الذي أتيقن - إن شاء الله - أن الدوسري نقله من كلام السيد الخوئي ، هو هذا :
(الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله )
فإن ذكر الدوسري قبل هذا النص شيئاً من كلام السيد الخوئي ، أو بعده فليفدنا أحد الاخوة وفقهم الله.
على كل حال ، نأتي الآن لننقل كامل كلام السيد الخوئي أعلا الله مقامه الشريف ، حتى يعرف المسلمون أننا كل يوم نزداد يقيناً على يقيننا بأن مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم هو المذهب الحق ، الذي لا ريب في اتباعه
وهو ما يجعل أعداء هذا المذهب يكذبون على الأحياء من أتباعه والأموات ، وكم لنا من أمثلة ذكرناها ، وسنذكرها لاحقاً بحول منه وقوة .
قال السيد الخوئي مبيناً معنى العبادة والاستعانة والشفاعة والتوسل
في كتابه العظيم
"البيان في تفسير القرآن"
طبع دار الزهراء ، ط6 ، 1412هـ/1992م ، بيروت ، لبنان
من ص457 - 483
( 3 )
تحليل آية
إياك نعبد وإياك نستعين - 5 .
***
اللغة
العبادة :
في اللغة تأتي لأحد معان ثلاثة :
الأول : الطاعة ، ومنه قوله تعالى :
" ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين 36 : 60 " .
فان عبادة الشيطان المنهي عنها في الآية المباركة إطاعته .
الثاني : الخضوع والتذلل ، ومنه قوله تعالى :
" فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون 23 : 47 " .
- ص 458 -
أي خاضعون متذللون ، ومنه أيضا إطلاق " المعبَّد " على الطريق الذي يكثر المرور عليه .
الثالث : التأله ، ومنه قوله تعالى :
" قل إنما أمرت أن أ عبد الله ولا أشرك به 13 : 36 " .
وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العرف العام إذا أُطلق دون قرينة .
والعبد : الإنسان وإن كان حرا ، لانه مربوب لبارئه ، وخاضع له في وجوده وجميع شؤونه ، وإن تمرد عن أوامره ونواهيه .
والعبد : الرقيق لأنه مملوك وسلطانه بيد مالكه .
وقد يتوسع في لفظ العبد فيطلق على من يكثر اهتمامه بشيء حتى لا ينظر إلا إليه ، ومنه قول أبي عبد الله الحسين عليه السلام : " الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم وإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الديانون " ( 1 ) .
وقد يطلق العبد على المطيع الخاضع ، كما في قوله تعالى :
" أن عَبَّدْتَ بني إسرائيل 26 : 22 " .
أي جعلتهم خاضعين لا يتجاوزون عن أمرك ونهيك .
الاستعانة :
طلب المعونة ، تتعدى بنفسها وبالباء، يقال استعنته واستعنت به ، أي طلبت منه أن يكون عونا وظهيرا لي في أمري
---------------------------------------------
* هامش *
( 1 ) البحاربابما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية ج 10ص189 . ( * )
- ص 459 -
الإعراب
" إياكَ " : في كلا الموردين مفعول قدم على الفعل لإفادة الحصر ، وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب .
والسر في ذلك أحد أمرين :
الأول : أن سابق هذه الآية الكريمة قد دل على أن الله سبحانه هو المالك لجميع الموجودات ، والمربي لها والقائم بشؤونها ، وهذا يقتضي أن تكون الاشياء كلها حاضرة لديه تعالى ، وأن يكون - سبحانه - محيطا بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو بالمعصية ، واقتضى ذلك أن يظهر العبد حضوره بين يدي ربه ويخاطبه .
الثاني : ان حقيقة العبادة خضوع العبد لربه بما أنه ربه والقائم بأمره ، والربوبية تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه ، وتدبير شؤونه . وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الإنسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في عبادته تقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة .
فلهذين الأمرين عدل السياق من الغيبة إلى الخطاب ، فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه .
التفسير
بعد أن مجد الله نفسه بالآيات المتقدمة لقَّن عباده أن يتلوا هذه الآية الكريمة وأن يعترفوا بمدلولها وبمغزاها ،
فهم لا يعبدون إلا الله ،
ولا يستعينون إلا به ،
فإن ما سوى الله من الموجودات فقير في ذاته ، عاجز في نفسه ،
بل هو لا شئ بحت ، إلا أن تشمله العناية الإلهية ،
ومَنْ هذا شأنه لا يستحق أن يُعبد ، أو يُستعان ، والممكنات كلها - وان اختلفت مراتبها بالكمال والنقص - تشترك في صفة العجز اللازمة للإمكان ، وفي أن جميعها تحت حكم الله وإرادته :
- ص 460 -
[SIZE=4][B]" ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين 47 : 54 .
ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير 24 : 42 " . من ذا الذي يعارضه في سلطانه وينازعه في أمره وحكمه ؟ وهو القابض والباسط ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ،
فالمؤمن لا يعبد غير الله ، ولا يستعين إلا به ، فان غير الله - أيّاً كان - مُحتاج إلى الله في جميع شؤونه وأطواره ، والمعبود لا بد وأن يكون غنيّاً ، وكيف يعبد الفقير فقيراً مثله ؟ ! .
وعلى الجملة: الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله ، وحَكَّمَ في سلطانه غيره :
" وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه 17 : 23 " .