العلامه الحبوبي
هو أبو علي السيّد محمد سعيد بن السيّد محمود الحسني الشهير بحبوبي، من أشهر مشاهير عصره، فقيه كبير، وأديب فطحل، وشاعر مبدع. ولد في النجف الأشرف في الرابع من جمادى الآخرة عام 1266هـ ونشأ مطبوعاً على الخير، مثالاً للخلق الرفيع والنفسية العالية، فانطبع على حب العلم والأدب انطباعة كانت تشير إلى ذكاء ونبوغ. اتجه صوب المجتمع فكان ولوعاً بتكوين الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب وتثيرها. والتحق ببعض رجال أسرته الذين عرفوا باشتغالهم بالتجارة بين نجد والنجف. كان يغرد بألوان من الشعر لم يعهد النجف لها مثيلاً، ويحف المحافل والأندية بقطع من قلبه الرقيق وروحه الكبيرة. واستطاع أن يتملك زمام إمارة الشعر، ويترأس الأندية التي ضمت النوابغ والفحول من أرباب الأدب، فانضوى تحت رايته أكابر الشعراء، وانتسب إلى حضيرته معظم الأدباء"
"". ان تاريخ الحرب العالمية الأولى خصص صفحة مشرقة لجهاد السيّد الحبوبي، وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في الوطنية و الغيرة على بلده .. وكانت الليلة التي أعلن فيها جهاده ضد الإستعمار الإنكليزي هي السادسة عشر من المحرم من عام 1333هـ، وما أن انتشر خروجه حتّى لحقت به الجموع المحتشدة من الذين نذروا أنفسهم لصون كرامتهم ووطنهم ودينهم، يتبعونه، وقد قصد الناصرية فاطمأن بها حتّى تكامل العدد، والتحق به معظم عشائر الجنوب العراقي وسار بهم إلى الشعيبة المنطقة التي رسخت فيها أول قدم انكليزية، ولكن روح الأطماع والخذلان عصفت بتلك الجموع فتشتتوا ورجع السيّد مع فريق من المخلصين إلى الناصرية وقد غمرته موجة من الألم على تطور نفوذ العدو، وما أن لبث أياماً حتّى فارقته الحياة بها. كان خلال سيره بالجموع ينفق عليهم من ماله الخاص، وقد قدمت له الحكومة العثمانية خمسة آلاف ليرة ذهباً كمساعدة له على مواصلة جهاده ولكنه أبى قائلاً: ( ما زلت أملك المال فلا حاجة لي به، وإذا ما نفذ فشأني شأن الناس آكل مما يأكلون وأشرب مما يشربون ). هكذا كان الحبوبي الإنسانَ الذي علّم النفوس كيف تصل إلى الحق والإخلاص عن طريق التورع والزهد في حطام الدنيا، وأنّ الخلود لا يصاب إلاّ عن طريق الإيمان بالله وبالدين وبالدفاع عن وطنه و بلاد المسلمين . فارق الدنيا وهو لا يأسف على شيء كأسفه أنه سمع ورأى محتلااً يدوس أرض وطنه بصورة فاتح، وهو الذي يأنف من السماع فضلاً عن الرؤيا. مات وهو مرتاح من ضميره بكونه خرج من الدنيا وقد أدى ما عليه فلاقى الجزاء الأوفى والجنات الواسعة، وكان ذلك عشية الأربعاء ثاني شعبان من عام 1333هـ الموافق 1915م في الناصرية. وحُمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف، فكان موته كالصاعقة ذُهِل منها كل وطني مخلص ومتدين واستقبلته النجف وهي تبكي عنواناً لها ضاع منها، ودُفن في مقبرة خاصة له في الايوان الكبير في مقام أمير المؤمنين علي عليه السّلام عن يسار الداخل من الباب القبلي. ورثاه الشعراء، وأرخ وفاته فريق من أعلام المؤرخين وقد كتب بعضهم على قبره هذا التأريخ:
فـقيـدُ المسلميـن غـداة أودى*** حسيـب الـديـن بينهـم فقيـدا
فـإن شهدتـه أعينهـم سعيـداً*** فقـد حملتـه أرؤسهـم سعيـدا
تـقـدّمَ للجهـاد أمـيـرَ ديـن ***فسـاق المسلميـن لـه جنـودا
ومـذ لاقـى المـنيـة أرخـوه ***( سعيدٌ في الجهاد مضى سعيدا)
ورثاه الشيخ جواد الشبيبي بقصيدة عصماء مطلعها:
عمّ الثغورَ الموحشاتِ ظلامُ ***ودجت لأنك ثغرها البسّـامُ
ورثاه الشيخ جواد البلاغي بقصيدة مطلعها:
شاقك الركب فأسرع سباقـا*** وتركت الصب يلتاع اشتياقا
ورثاه الشيخ علي الشرقي بقصيدة مطلعها:
حماة الحمى قد شيعوك إلى الثغرِ*** فبالرغم ان يستقبلوك إلى القبـرِ ""
من قصائده الغزلية:
قصيده أيّها الساقي
ايّها الساقي ومن خمر اللمى
نشوتي فآذهبْ ببنت العنَبِ
أين هذا الخمر من ذاك الرضاب
وهو عذب للمعنىّ وعَذاب
فآسقنيها من ثناياها العَذاب
****
وآطفِ فيها من فؤادي الضرما
واقض هذا اليوم فيها أرَبي
قد فديتُ الغيد لماَّ ان بدتْ
ولها الاغصان طوعا سجدت
وبها الاقمار في الليل آهتدت
****
مثل ما عادَ نهاري مُظلِما
من أثيث الجعد يالِلعَجَبِ
تعقد الزنار في حلّ العهود
مذ ارتهم حسن هاتيك النهود
ولها الاصنام قد خرْت سجود
****
مثل ما فيها عبدتُ الصنَما
وهواها اليوم امسى مذهبي
****
نسج الحسن لها برد الدلال
فبدتْ تختال في عزّ الجمال
غار منها الغصن اذ مالتْ فمال
وقلوب الناس أمست حُوَّما
فوق خدّيها وفيها الأشنَبِ
****
مالتِ النفس اليها فلستْ
مَنْ به للنوم عيناي قَلتْ
وكؤوس الموت فيها قد حلتْ
وعليه لم ازلْ ابكي دَما
وهو لاهٍ لم يزل باللعَبِ
****
فآسعديني ياابنة الدوح فقدْ
قطع الصد لأحشائي وقَدْ
ولهيبُ الشوق في قلبي إتٌقَدْ
وجفون العين تحكي الدِيَما
وهي لم تطمع بطفو اللهَبِ
****
ياحمام الدوح بالله أعدْ
سجعك اليوم لصبّ وأجد
ان تكن مثلي مهجوراً فزدْ
رّبما يطفي غليلي رّبما
سجعك اليوم بلحن مُطرِبِ
****
ياحمام أنَّ في وادي العقيقْ
لا ارى لي غيرك اليوم صديقْ
فمتى من سكرة الحب تَفيقْ
والى ما فيه تخشى اللُّوَّما
وتراعي نظرة المرتَقِبِ
****
ياحمامٌ لم ترعْه بالفراق
جيرةٌ تعقد بالهجر النطاق
انت والغصن بضمّ وعناق
وبأسر الريم اصبحت وَما
دفعت عني سرايا العَربِ
***
أرجوا أن ينال أستحسناكم هذا المنقول
البغدادي