عرض مشاركة واحدة

وسام المحبة
عضو متواجد
رقم العضوية : 32077
الإنتساب : Mar 2009
المشاركات : 97
بمعدل : 0.02 يوميا

وسام المحبة غير متصل

 عرض البوم صور وسام المحبة

  مشاركة رقم : 83  
كاتب الموضوع : جعفر المالكي المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-09-2009 الساعة : 03:11 PM


لنكمل المداخلة والاية مدار البحث

مع أن الله سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة كقوله في الوالدين: و وصينا الإنسان بوالديه حسنا و إن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما الآية: «العنكبوت: 8» فما باله لم يظهر شيئا من هذه القيود في آية تشتمل على أس أساس الدين، و إليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية.
على أن الآية جمع فيها بين الرسول و أولي الأمر، و ذكر لهما معا طاعة واحدة فقال: و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم، و لا يجوز على الرسول أن يأمر بمعصية أو يغلط في حكم فلو جاز شيء من ذلك على أولي الأمر لم يسع إلا أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أي تقييد، و لازمه اعتبار العصمة في جانب أولي الأمر كما اعتبر في جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير فرق.
ثم إن المراد بالأمر في أولي الأمر هو الشأن الراجع إلى دين المؤمنين المخاطبين بهذا الخطاب أو دنياهم على ما يؤيده قوله تعالى: و شاورهم في الأمر: «آل عمران: 159»، و قوله في مدح المتقين: و أمرهم شورى بينهم: «الشورى: 38»، و إن كان من الجائز بوجه أن يراد بالأمر ما يقابل النهي لكنه بعيد.
و قد قيد بقوله: «منكم» و ظاهره كونه ظرفا مستقرا أي أولي الأمر كائنين منكم و هو نظير قوله تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم: «الجمعة: 2»، و قوله في دعوة إبراهيم: ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم: «البقرة: 129»، و قوله: رسلا منكم يقصون عليكم آياتي: «الأعراف: 35»، و بهذا يندفع ما ذكره بعضهم: أن تقييد أولي الأمر بقوله: «منكم» يدل على أن الواحد منهم إنسان عادي مثلنا و هم منا و نحن مؤمنون من غير مزية عصمة إلهية.
ثم إن أولي الأمر لما كان اسم جمع يدل على كثرة جمعية في هؤلاء المسمين بأولي الأمر فهذا لا شك فيه لكن يحتمل في بادىء النظر أن يكونوا آحادا يلي الأمر و يتلبس بافتراض الطاعة واحد منهم بعد الواحد فينسب افتراض الطاعة إلى جميعهم بحسب اللفظ، و الأخذ بجامع المعنى، كقولنا: صل فرائضك و أطع سادتك و كبراء قومك.

و من عجيب الكلام ما ذكره الرازي: أن هذا المعنى يوجب حمل الجمع على المفرد، و هو خلاف الظاهر، و قد غفل عن أن هذا استعمال شائع في اللغة، و القرآن مليء به كقوله تعالى: فلا تطع المكذبين: «القلم: 8»، و قوله: فلا تطع الكافرين: «الفرقان: 52»، و قوله: إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا: «الأحزاب: 67»، و قوله: و لا تطيعوا أمر المسرفين: «الشعراء: 151»، و قوله: حافظوا على الصلوات: «البقرة: 238»، و قوله: و اخفض جناحك للمؤمنين: «الحجر: 88»، إلى غير ذلك من الموارد المختلفة بالإثبات و النفي، و الإخبار و الإنشاء.
و الذي هو خلاف الظاهر من حمل الجمع على المفرد هو أن يطلق لفظ الجمع و يراد به واحد من آحاده لا أن يوقع حكم على الجمع بحيث ينحل إلى أحكام متعددة بتعدد الآحاد، كقولنا: أكرم علماء بلدك أي أكرم هذا العالم، و أكرم ذاك العالم، و هكذا.
و يحتمل أيضا أن يكون المراد بأولي الأمر - هؤلاء الذين هم متعلق افتراض الطاعة - الجمع من حيث هو جمع أي الهيئة الحاصلة من عدة معدودة كل واحد منهم من أولي الأمر، و هو أن يكون صاحب نفوذ في الناس، و ذا تأثير في أمورهم كرؤساء الجنود و السرايا و العلماء و أولياء الدولة، و سراة القوم، بل كما ذكره في المنار هم أهل الحل و العقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء و الرؤساء في الجيش و المصالح العامة كالتجارة و الصناعات و الزراعة و كذا رؤساء العمال و الأحزاب، و مديرو الجرائد المحترمة، و رؤساء تحريرها! فهذا معنى كون أولي الأمر هم أهل الحل و العقد، و هم الهيئة الاجتماعية من وجوه الأمة لكن الشأن في تطبيق مضمون تمام الآية على هذا الاحتمال.
الآية دالة - كما عرفت - على عصمة أولي الأمر و قد اضطر إلى قبول ذلك القائلون بهذا المعنى من المفسرين.
فهل المتصف بهذه العصمة أفراد هذه الهيئة فيكون كل واحد واحد منهم معصوما فالجميع معصوم إذ ليس المجموع إلا الآحاد؟ لكن من البديهي أن لم يمر بهذه الأمة يوم يجتمع فيه جماعة من أهل الحل و العقد كلهم معصومون على إنفاذ أمر من أمور الأمة و من المحال أن يأمر الله بشيء لا مصداق له في الخارج، أو أن هذه العصمة - و هي صفة حقيقية - قائمة بتلك الهيئة قيام الصفة بموصوفها و إن كانت الأجزاء و الأفراد غير معصومين بل يجوز عليهم من الشرك و المعصية ما يجوز على سائر أفراد الناس فالرأي الذي يراه الفرد يجوز فيه الخطأ و أن يكون داعيا إلى الضلال و المعصية بخلاف ما إذا رأته الهيئة المذكورة لعصمتها؟ و هذا أيضا محال و كيف يتصور اتصاف موضوع اعتباري بصفة حقيقية أعني اتصاف الهيئة الاجتماعية بالعصمة.
أو أن عصمة هذه الهيئة ليست وصفا لأفرادها و لا لنفس الهيئة بل حقيقته أن الله يصون هذه الهيئة أن تأمر بمعصية أو ترى رأيا فتخطىء فيه، كما أن الخبر المتواتر مصون عن الكذب، و مع ذلك ليست هذه العصمة بوصف لكل واحد من المخبرين و لا للهيئة الاجتماعية بل حقيقته أن العادة جارية على امتناع الكذب فيه، و بعبارة أخرى هو تعالى يصون الخبر الذي هذا شأنه عن وقوع الخطإ فيه و تسرب الكذب عليه، فيكون رأي أولي الأمر مما لا يقع فيه الخطأ البتة و إن لم يكن آحادهم و لا هيئتهم متصفة بصفة زائدة بل هو كالخبر المتواتر مصون عن الكذب و الخطإ و ليكن هذا معنى العصمة في أولي الأمر، و الآية لا تدل على أزيد من أن رأيهم غير خابط بل مصيب يوافق الكتاب و السنة، و هو من عناية الله على الأمة، و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا تجتمع أمتي على خطإ.

يتبع...


من مواضيع : وسام المحبة 0 طور الاستخلاف المهدوي
0 مظاهر هجر القران الكريم
رد مع اقتباس