|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 480
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 18,076
|
بمعدل : 2.67 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
melika
المنتدى :
المنتدى العقائدي
الدور الثقافي للمراقد
بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 03:04 PM
إن للثقافة مفهوماً عاماً، حيث إنها تحتضن مجموعة من الأمور، ولعلّ من أهمها، الفكر، الأدب، الإعلام.. فكل هذه الأمور منضوية تحت سقف الثقافة غايتها ومؤدّاها تنوير الإنسان الذي يشكّل اللبنة الأساس للمجتمع، ولا يمكن الاستغناء عنها في مسيرة الحياة الفردية أو الاجتماعية.
فالتعليم يشكّل أبجدية الثقافة؛ إذ بدونه يستعصي على الإنسان اقتحام أغلب جوانب الثقافة، وللمراقد دور فاعل في تنشيط حركة التعليم؛ وذلك لأن زيارة المراقد تُصنَّف مرتبتها عند الإمامية دون الواجب وفوق الاستحباب؛ لتأكيد أئمة المسلمين على ضرورة ممارستها ولو في أصعب الظروف كما اعتبروا تركها من الجفاء المَقيت. وللزيارة طقوس متنوّعة أهمها تلاوة نصوص معينة ـ تُسمّى الزيارة ـ في كلّ مناسبة، وقد حثّت الروايات على تلاوتها، فعندها يسعى الزائر إلى تعلّم القراءة كحدّ أدنى ـ وبالأخص في تلك الحقبة الزمنية ـ ليتمكن من قراءة تلك النصوص أوّلاً، كما أنه يسعى إلى فهم معانيها ثانياً، ليستوعب المقصود منها خضوعاً لنص بعض الزيارات « عارفاً بحقك » (62) والتي من سُبلها استيعاب تلك الفضائل والأمور المتضمّنة لها الزيارات، وبذلك يتجاوز المرء مرحلة الأمية ويُعدّ في عداد المتعلمين، وعندها يشعر بحلاوتها فيندرج في كسب العلم والمعرفة. ومن حركة الزيارة الدؤوب والمتواصلة طوال السنة في المناسبات الخاصة والعامة وتوافد الزائرين من أقطار العالم كافة، نشأت حركة تعليم اللغة العربية أيضاً إلى جانب لغة الزائر.
وفي ظل أجواء التوافد هذه وبالأخص لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السّلام والذي تُعَدّ مدينته من أكثر المدن المقدسة في العالم الإسلامي استقبالاً للزوّار، حيث ذكرت بعض المصادر الخبرية الرسمية أن عدد الزائرين الذين أمّوا مدينة الحسين عليه السّلام في موسم الأربعين من شهر صفر لعام 1417 هـ بلغت سبعة ملايين زائر (63) من كافة الأصقاع، ومن شأن هذا النشاط والحركة على طول التاريخ أن تتبلور فيه الثقافات وتلتقي الحضارات فتتولّد في ظلها حركة فكرية كتعبير لازم وأثر حتمي لهذه الحالة، وبالفعل فقد نشأت وترعرعت مجموعة من المذاهب الفكرية التي كان لها دور مهم في تغيير المسار الفكري والعلمي في فترات زمنية مختلفة، ومن تلك الحركات الفكرية التي كانت لها صولات وجولات في هذه المدينة بالذات الحركة الإخبارية بقسميها (64) على سبيل المثال لا الحصر، والحركة الأُصولية التي لها الفضل في وضع الأسس المتينة في الفقه الإمامي، إلى جانب الحركات العقائدية.
ومن حتميات النهضة الفكرية الشاملة ولادة الحركة العلمية، وبالفعل فقد شهدت هذه المدينة العريقة والأصيلة حماسة علمية دؤوباً ومتنامية قلما تضاهيها مدينة أخرى.
فمنذ القرن الأول وفي ظل هجرة كبار الرواة والعلماء إلى جوار مرقد سبط الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله الإمام الحسين عليه السّلام أخذت المدينة تبني دعائمها العلمية، وشهدت القرون التالية ظهورها كمدينة علمية بارزة ومرموقة تبوأت جامعتُها العلمية مكانةً سامية، ولكنها كانت تخضع دوماً لعملية المد والجزر نتيجة الوضع السياسي الذي أصابت آثارُه مجملَ البقاع المقدّسة بشكل عام، وهذه المدينةَ بشكل خاص.
ووُضعت نواة هذه النهضة العلمية ببناء المرقد الشريف للإمام الحسين عليه السّلام، فازدحم العلماء والرواة وأصحاب القلم والفكر وأحاطوا بالروضة المباركة مستغلّين الغرف المحيطة بها والأروقة المشيّدة حولها، حتّى عجَّ الصحن الشريف بالدارسين والأساتذة من أصحاب العلم والفكر، مما حدا بالسلطان عضد الدولة (65) إلى تأسيس مدرسة علمية (66) لاستيعاب هذا النشاط العلمي وذلك لأول مرة في تاريخ العراق على الإطلاق، وكان ذلك في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري.
ومنذ قرونها الأولى خرّجت جامعة هذه المدينة المقدسة مئات العلماء والمفكرين وعشرات المراجع (67)، وزخرت مكتبتها العلمية بألوف المؤلفات (68) التي صنّفها وألّفها خريجو هذه الجامعة في شتى صنوف العلم والمعرفة، والتي على أثرها ازدهرت حركة الكتابة والخط في عموم المنطقة، وشهدت أرضها المقدسة إنشاء أول مطبعة في العراق (69).
ويُعدّ القرنان الثاني عشر والثالث عشر الهجريان العصرَ الذهبي لمدينة الحسين عليه السّلام من بين القرون من الناحية العلمية والفكرية، ولم تقتصر النهضة العلمية في هذه الجامعة على علوم الفقه والحديث والأصول، بل شملت العلوم العقلية والنقلية كافة، الإسلامية منها والعربية، إلى جانب علوم الطبيعة والفلك والطب وغيرها. وكان للمرأة دور بارز في تداول العلوم الإسلامية والعربية حيث ارتقت إلى مصاف العلماء الأعلام، وحاز عدد منهن مكانة علمية سامية كما سبقت الإشارة إليه في محله (70).
ومن الخليق بيانه أن هذه المراقد تُعتبر مركزاً للإلهام ومنهلاً للعلم، ولذا نجد أن كل المراقد المنتسبة إلى أهل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله تُحاط بمجموعة كبيرة من حملة العلم والفكر والأدب، وفيها صروح للعلم بدءاً بمركز المدينة المنوّرة والنجف الأشرف وكربلاء المقدّسة والكاظمية المشرّفة ومشهد المقدّسة وسامراء المشرّفة وحيّ السيّدة زينب في دمشق والقاهرة وقم المقدسة والسيّد عبدالعظيم في الريّ إلى غيرها (71)، ممّا يدلنا على أن هذه المراقد تستقطب العلماء والمفكرين والأدباء، وتخلق من وجودهم مراكزَ للعلم والفكر والأدب.
ولا يخفى أن المركز العلمي يولّد طبقة لها اهتماماتها بالأدب بشكل عام وبالشعر بشكل خاص يوازي الحركة العلمية ويواكبها، وهذا ما نشاهده في المراكز العلمية كافة، فكلما زادت الحركة العلمية تألقاً زادت معها الحركة الأدبية نشاطاً واضطراداً، ولكنّ الذي يميّز مرقد الإمام الحسين عليه السّلام عن غيره من مراقد أهل البيت عليهم السّلام أنّ الإمام الحسين عليه السّلام بحد ذاته أصبح رافداً زاخراً ومنهلاً ثراً للأدب ونظم الشعر، وأصبح مرقده الشريف مهوىً للعشاق ومركزاً للإشعاع الأدبي الفريد من نوعه، يغرف منه القريب المجاور وينهل منه البعيد الزائر، وقد تطرّقنا إلى ذلك في محله (72).
وأيضاً ـ ومن خلال ما قدمناه من أدوار ـ يظهر جلياً الدور الإعلامي لهذه المراقد المقدسة، إذ تُعتبر مركزاً للتلاقي والانبعاث من جديد، وبما تحمله مواسم الزيارة من مقوّمات حقيقية للإعلام، فقد استغل العلماء والمفكرون والأحرار هذا التجمع الحاشد في تلك المواسم كنقطة انطلاق لنشر الفكر الإسلامي ومبادئه، وقد شُوهدت الحركة الإعلامية في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري وكيف كانت الكتيّبات والمنشورات بل الكتب الفكرية والعقائدية تُوزَّع باللغات الشرقية والغربية في مدينة الحسين عليه السّلام، بينما كان الخطباء ينتهزون هذه الفرصة لإلقاء المحاضرات والخطب الهادفة على الجماهير، بالإضافة إلى التجمّعات والمؤتمرات التي كانت تُقام في رحاب المرقد الحسيني وغيره من المراقد الشريفة، ومن الجدير بيانه أن أُولى الصحف الوطنية صدرت من كربلاء والنجف في قبال الصحف التي أصدرتها حكومة الاحتلال البريطاني والجيش العثماني من بغداد والبصرة (73).
|
|
|
|
|