عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية صدى المهدي
صدى المهدي
عضو فضي
رقم العضوية : 82198
الإنتساب : Aug 2015
المشاركات : 1,649
بمعدل : 0.44 يوميا

صدى المهدي غير متصل

 عرض البوم صور صدى المهدي

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : صدى المهدي المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : اليوم الساعة : 08:03 AM


الجمل الإخبارية

ولمّــا كان خطــاب الســيَدة (ع) موجهــاً بعــد استشــهاد الإمــام الحســين (ع) لمــن يشــك فــي أقوالهــا أو ينكرهــا إيمانــاً أو ادعــاءً؛ لــذا كثــرت الأخبــار الطلبيــة والإنكاريــة لتقنــع الســامعين بأقوالهــا وتســهم فــي تغييــر مــا وقــر فــي عقولهــم.
الخبــر الإنــكاري الداخــل فــي تركيــب شــرطي وتذييلــه باقتبــاس قرآنــي خيــر مـا يمثِّلـه نـص خالـد مـن خطبتهـا فـي مجلـس يزيـد وهـو: (ولئـن اتخذتنـا مغنمـاً لتجدنـا وشـيكاً مغرمـاً، حين لا تجـد إلا مـا قدمـت يداك، ومـا ربّك بظلام للعبيـد)؛ فالخبـر مؤكـد باللام الموطئـة للقسـم و إن الشـرطية وبالحصـر فـي حيـن (لا تجـد إلّا مـا قدمـت يـداك)، وانتهـى باقتبـاس قرآنـي نصّـي هـو: (ومـا ربّك بظلام للعبيـد).
والملاحـظ أنّ النّـص احتـوی فنونـاً باغيـة إقناعيـة تركيبيـة وسـياقية لفظيـة وصوتيـة تجـذب الأسـماع بجمـال صوتهـا، وتذكّـر بآيـات ربهـا وتخيـف الظالميـن بوعيدهـا وتقنـع المخالفين بسـفه من اتبعـوه وسـوء أفعالـه وتبهـر السـامعين علـى مرّ الأزمـان بشـجاعة قائلتهـا وشـدّة بلاغتهـا.
كان مأثــور العقيلــة قليــل الوســائل التصويريــة قياســاً بمــا ورد مــن الوســائل التركيبيــة والســياقية التــي لا يخلــو منهــا ســطر مــن ذلــك المأثــور النفيس؛ لأن هـذه الوسـائل أكثـر تأثيراً فـي الإقنـاع لمـا فيهمـا مـن اختيـار التراكيـب المؤكـدة أو انتقـاء الأسـاليب الصوتيـة الملفتـة للانتباه. لقـد تميّـز خطـاب السـيدة زينـب (ع) بفصاحـة الألفـاظ وبلاغـة العبـارات، والدقـة فـي اسـتعمال كل أسـلوب فـي موضعـه بحسـب مـا يقتضـي السـياق علـى وفـق مقتضـى الحـال مـع اسـتعانة كبيـرة بالقـرآن
الكريم تُفصِح عــن كونهــا مــن أهــل البيــت (عليهــم السلام ) وهــم عــدل القــرآن الكريـم؛ لذلـك اسـتعملت السـيدة مـن هـذه الأسـاليب البلاغية مـا كان أكثـر إقناعا وتأثيراً، ولقــد اعتــرف أعداؤهــا بتلــك البلاغــة كعبيــد الله بــن زيــاد، كمــا اعتــرف المتلقّون ممـن سـمعوا خطبتهـا كحُذَيـم الأسـدي الـذي ربـط بلاغتهـا ببلاغـة أبيهـا سـيّد البطولـة والبلاغـة.



الروابط الحجاجيّة الإقناعيّة للتوكيد

التوكيـد هـو مـن الروابـط الحجاجيـة الإقناعيـة، التـي تفيـد دفـع الشـك وإزالـة الشـبهات عمّـا المتكلـم بصـدده، فاسـتخدمت السـيدة زينـب (ع) فـي قولهـا: «وإنــي لأســتصغر قــدرك» التوكيــد؛ إذ تناولــت مؤكدين (إن) الحــرف المشــبه و(لام الإبتـداء) فـي معـرض اسـتصغار واحتقـار ليزيـد خليفـة الأمة آنذاك!!
مـن سـائر المؤكـدات الإقناعيـة أسـلوب الحصـر الـذي تكرّر مع القسـم الذي هو أيضـا يفيـد التوكيـد «والله،مـا فريـت إلّا جلدك، ولا حززت إلّا لحمك»، تقولهـا زينـب(ع) محاطـة بمؤكدات رغـم أنهـا تعبـر عن مسـتقبل يزيد.
تنوعـت فـي خطبـة زينـب(ع) مـن المؤكّـدات بتناسـق فـي الـكلام، وتصعيد لإنـكار فعـل يزيد، ومنـه التوكيـد اللفظـي وهـو رابـط حجاجـي وحجـة تعليليـة مؤكّدة فـي الـكلام. إذ تقـول: «ألا فالعجـب كل العجـب لقتـل حـزب الله النجبـاء بحـزب الشــيطان الطلقــاء!»، والحجــة التعجبيّة هنــا لأن طرفــي الميــزان غيــر متكافئــة فكيــف يُقتــل حــزب الله والمؤمنــون أصحــاب الحــق بشــراذمــة الشــيطان؟! تقــول زينـب مؤكدة قولهـا بالقسـم: «ولئن اتخذتنـا مغنمـاً..» فـإن زينـب مؤمنـة آل علي (ع)، تعلـم يقينـاً أن الدنيـا لا تـزن عنـد الله جنـاح بعوضـة، ولهـذا قتـل الأشـراف بيد الأدعياء، لكن بالمقابـل فـإن الله ليس بظلّام للعبيـد فـكل ذي حـق سـينال حقّه شـاء أم أبـى الطغـاة.
أسـلوب الشـرط فـي اشـتماله علـى ألفـاظ ذات معـانٍ تلزم الخصم علـى اقتراح جـواب، فتكـون أكثـر فاعليـة فـي إقناعـه واسـتمالته، ومـن خلال هذا الأسـلوب ظهر لنــا مــا يســمى بمبــدأ (الإســتلزام الحواري) في الآيــات نفســها، إذ يعد واحداً من أهـم الجوانـب التـي تبحـث فـي الـدرس التداولـي، وهـو ألصقها، ففـي الحـوار نجـد المتكلـم والمسـتمع يسـتطيعان المناقشـة والإتصـال لأنهمـا يمتلـكان معلومـات أو خلفيـة عـن الموضـوع، وقـد تطـور عـن ذلـك مبـدأ التعـاون.
الكثير مـن جمـل الخطبـة كانـت جملاً إخبارية تنبـأ عمـا حـدث فـي واقعـة الطـف وهـي جمـل إخباريـة مؤكّـدة بصنـوف التوكيـد وأنواعه_كمـا أشـرنا الـى ذلك مـن قبـل_ و زينـب (ع) بخطبتهـا تلـك تخبـر عمّا جـری فـي كربلاء ببلاغـة عاليـة وشــجاعة أدبيــة بمصداقيــة كبيــرة، فليــس شــيئاً خفيّاً، وقــد اعتــرف بهــا كل من كتـب فـي واقعـة كربلاء، ومـن أصـدق مـن بنـت علـي عليـه السـلام قيلاً! والـكلام مطابـق للواقـع، فعندمـا يلجـأ المتلقّـي إلـى قـراءة الخطبـة أو سـماعها، يجـد وصفـاً حقيقياً للواقعـة ووصفـاً لفعـل يزيـد ولمصيـره الـذي سـيلقاه.



الثنائيات المتقابلة

أســلوب التقابــل والــذي يســمى بالطبــاق والتقابــل والتكافــؤ و... يســتخدم فــي الخطبــة لأن الســيدة العقيلــة جعلــت التقابــل طريقاً تــوازن فــى الخطبــة فــي مجلـس يزيـد بيـن حاليـن متضاديـن يمثّلان خطيـن متضاديـن. التأويـل التقابلـي اســتراتيجية قرائيــة لصناعــة المعنــى، تقــوم علــى أســاس التقريــب بيــن العناصــر والمســتويات ذهنياً، وذلــك عبــر إحــداث تواجــه بين بنيتيــن، أو وضعيــن أو موقفيـن، وعلـى الجهـد الذهنـي المسـتقصي للمعانـي والعلاقـات الممكنـة بيـن العناصــر والمســتويات المكونــة للخطــاب.



ثنائيّة الهوان والكرامة

فنّــدت زينــب (ع) الظنَّ فــي إجلال مكانتهــم ومذلّــة أهــل البيــت عليهم السلام فتقــول: «أظننــت يــا يزيــد حيــن أخــذت علينــا أقطــار الأرض، وضيّقــت علينـا آفـاق السـماء، فأصبحنـا لـك فـي أسـار نُسـاق إليك سـوقاً فـي قطـار وأنـت علينا ذو اقتــدار» جــرّأه علــى الاعتقــاد «أنّ بنــا مــن الله هوانــا وعليــك منــه كرامــة وامتنانـاً، وأن ذلـك لعظـم خطـرك وجلالة قـدرك، فشـمخت بأنفـك، ونظـرت فـي عطفـك، تضـرب أصدريك فرحاً وتنقـض مذرويك مرحاً» (نفـس المصـدر) وتركّـز علـى اعتقـاده الباطـل بسـعة الأمـور لـه وتقـول: «حيـن رأيـت الدنيـا لـك مستوسـقة، والأمـور لديك متسـقة، وحيـن صفـا لـك ملكنـا، وخلـص لـك سـلطاننا» إذ تبيـّن عـن خطئـه فـي النظر لـذا توبخـه بقولهـا: «فمهلاً مهلاً، لا تطـش جهلاً»، واحتجّـت على صواب بقولها:«أنســيت قــول الله تعالــى»: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ لتعضد كلامها بما يقوّي حجته مما لا يشكّ به أحد، وهو كتاب الله تعالى.
إجـراء موازنـة بيـن حاليـن غيـر متكافئيـن وهمـا: «تخديـرك حرائـرك و إمائـك» و«وسـوقك بنـات»... أوضـح محافظتـه علـى نسـائه الإماء والحرائـر مخـدرات بـإزاء طريقـة ترحيل بنـات رسـول الله (ص)، وإحضارهـن مـن الكوفـة إلـى مجلسـه فـي دمشـق بشـكل غير لائـق مفصلـة الوصـف فـي تلـك الطريقـة مؤكّدة أنـه أراد عرضهـن علـى النـاس بمختلـف أنواعهـم بقصـد الإهانـة والتشـفّي: (قـد هتكـت سـتورهن وأبديـت وجوههن) إذ كان مــن المعيــب علــى المــرأة المكرّمة أن تخــرج بهــذا الشــكل، (وتحــدو بهــن الأعــداء مــن بلــد الــى بلــد) و(تستشــرفهن المناقــل ويتبــرّزن لأهل المناهل)، للدلالــة علــى اختلاف الأماكن التــي عرضــن بهــا، واختلاف الذيــن رأوهن، حيث (يتصفــح وجوههــن القريــب والبعيد، والغائــب والشهيد، والشــريف والوضيع، والدنـي والرفيـع) وهـن وحيـدات (ليـس معهـن مـن رجالهـن ولـي، ولا مـن حماتهـن حمـي).



ثنائية الإيمان والكفر

قيـام الحسـين(ع) و بعـده خطبـة زينـب(ع) يعتبـر قيـام الحـق أمـام الباطـل الـذي يدعـى بنفسـه حقـاً ويحـاول أن ينحـرف الحـق عـن جادتـه لينسـبه إلـى نفسـه زوراً. فتقــول زينب(ع) ليزيــد:« فالعجــب كل العجــب لقتــل حــزب الله النجبــاء بحــزب الشــيطان الطلقــاء»؛ فـ(النجبــاء) يمثلــون (الإيمان)، والطلقــاء يمثلــون (الكفـر)؛ لـذا توعـدت السـيدة زينب(ع) يزيـد علـى سـوء فعلتـه بمـا يدل علـى كونه مــع الشــيطان، وأن الله تعالــى مــع أهــل البيــت(ع) «وحســبك بــالله ولياً وحاكماً وبرســول الله خصماً، وبجبرئيــل ظهيراً». فتشــير زينــب(ع) إلــى هذيــن الركيزتيــن وتجعـل التقابـل طرقاً للإقنـاع؛ لـذا لـم يسـتطع يزيـد الـرد عليهـا؛ لأنهـا تفحمـه وتقنـع المتلقيـن بمـا تـورده.



التناص

لقــد ظهــرت الآيــات القرآنيــة الكريمــة فــي جميــع مأثــور الســيّدة زينــب (ع) لتفصـح عـن مـدی ارتباطهـا بكتـاب الله الـذي لا يأتيـه الباطـل مـن بيـن يديـه ولا من خلفـه؛ لأن الحجـج القرآنيـة ممـا يجمـع عليـه المسـلمون مهمـا اختلفـت مشـارب أفكارهـم. قـد اسـتعملت التنـاص القرآنـي بأنواعـه المختلفـة التـي تراوحـت بيـن الإســتعمال النصــي الكامــل أو الإســتعمال الــذي اعتــراه توليــف علــى أســاس أن المتصـرف بـه غير القـرآن. والتنـاص أسـاس التفاعل والتشـارك بين النصـوص وهذا يقتضــي الحفــظ والمعرفــة الســابقة؛ لأنّ (النــص يعتمــد علــى تحويــل النصــوص السابقة وتمثيلهــا بنــص موحــد، يجمــع بيــن الحاضــر والغائــب، وينســخ بطريقــة تتناسـب وكل قـارئ مبـدع)
تميّـزت خطـب السيّدة زينـب (ع) بكثـرة الاقتبـاس مـن آيـات القـرآن الكريـم بما يناسـب المقام، فتـارةً نجـده مباشـراً مـن غيـر فصـل بين نـص الخطبـة والآيـة، إذ يرتبطـان بوشـائج متينـة بحيـث لا يحـس القـارئ بالإنتقـال مـن الخطبـة الـى الآيـة؛ وهــذا ينــم عــن اســتيعاب كامــل مــن الســيدة زينــب (ع) للنــص القرآنــي بحيــث تسـتحضره بسـرعة كلمـا احتاجـت إليـه لاستشـهاد علـى قضية مـا. وتـارةً يكـون الإقتبـاس غيـر مباشـر مـن دون أن تلتـزم بلفـظ الآيـة وتركيبها، ولكن المتلقـي لا يجـد صعوبــة فــي تشــخيص الآيــات القرآنية مــن نــص الخطبــة، والخطيبــة فــي كلتا الحالتين توظّـف الإقتبـاس توظيفـاً دقيقاً.
طبيعـة اقتباسـات السـيدة زينـب (ع) للفظـة القرآنية هي اقتباسـات فاعلـة تضيــف مزيداً مــن المعانــي داخــل النــص الجديــد الــذي جلت فيه معه بعلاقــات غاية فــي التمكن. كثيــر مــن النــاس يسألون عــن ســر اصطحــاب الحسـين(ع) أختـه السـيّدة زينـب(ع) وبقيّـة النّسـاء والأطفـال، ومـن هـذه الخطبـة يتبيّن لنـا دور المـرأة فـي نقـل الوقائـع، فضلاً عـن منـع المجـرم يزيـد مـن قتـل الإمـام علـى بـن الحسـين الإمـام السـجاد (ع).

ثــم تقتبــس آية تعضِّد وتقــوي مــا تقــدّم إذ تقــول:« فمهلاً مهلاً، لا تطــش جهلاً أنســيت قــول الله تعالــى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ كما في بدء خطبتهــا فــي الشام حيــث قالت:«صــدق الله ســبحانه كذلــك يقول»: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ لتـدل علـى أنّ الإمـام الحسـين (ع) آيـة مـن آيـات الله تعالـى، وأنّ يزيد ممـن أسـاء السّـوء، وكذّب بتلـك الآيـات الكريمـة. وقـد كانـت السـيدة زينـب (ع) تمتلـك مـن القـوة والشـجاعة والبلاغـة، بـأن أعلنـت كفـر يزيـد بذكرهـا الآيـة من سـورة الـروم وفيها عاقبـة الذيـن أسـاؤوا السـوء وهـي جهنم، والذيـن أسـاؤوا هـم المشـركون الذيـن كذّبـوا رسـول الله محمـد (ص) والقـرآن، وكانـوا بحجـج الله وهـم أنبيـاؤه ورسـله يسـخرون.

وهنـاك ألفاظـاً وردت فـي خطبتهـا وكأن السـيدة زينـب (ع) انتقتهـا مـن القـرآن الكريـم ونهـج البلاغة مباشـرة:
1_ متّسقة: «والأمور لديك متسقة» أي:منتظمة ومجتمعة، وقد جاءت في قوله تعالى»: والقمر إذا اتَّسَق» أي: «إذا تــمّ واجتمــع واســتوی» بمعنــى: «أنــك رأيـت الأمـور لديـك منتظمـة وعلـى مـا تحـب وترضى، وعلـى ما يرام بالنسـبة إليـك، فـكل شـيء يجـري كمـا تريـد».
2_ نساق: «فأصبحنا نساق كما تساق الأساری» وهي تقول ليزيد الملعون وتصف حالها وحال من معها، بأنهم يساقون كالأسری القادمون من بلاد الكفر عند فتحها.
3_ هوان: في قولها تصرّح: فهل تعتقد بأنّك بفعلتك هذه «أنّ بنا من الله هواناً، وعليك منه كرامة وامتناناً؟» والهون: « الخزي » ففي التنزيل العزيز: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
4_ أقطار: من قولها: «أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض» وفي هذه العبارة الجريئة خاطبت الطاغوت باسمه (يا يزيد) احتقاراً واستصغاراً. وقد وردت في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾. أي جوانبها ونواحيها وقيل البيوت.

5_شنآن: من قولها: «وكيف يُستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشَّنف والشنآن والإحن والأضغان؟! » والشنآن: البغض، وهنا التفاتة رائعة من السيّدة زينب (ع) بأن تذكّر يزيد (عليه اللعنة) بقوله تعالى ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾، ﴿وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلىٰ أَلّا تَعدِلُوا﴾. يقال«:شنئت الرجل أشنؤه شنأ وشنأة وشنآنا، كل ذلك إذا أبغضته»، فـ: «شنآن قوم» أي: «بغض قوم».
فكأنّ السيّدة زينب(ع) تعمّدت استعمال لفظة (شنآن) للتذكرة. فهذه الآية الكريمة نزلت للمسلمين وهي تدعوهم ألّا يحملنهم عداوة قريش أن صدّوكم عن المسجد الحرام في غزوة الحديبية، أن تعتدوا عليهم وتظلموهم ولا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق الى الباطل، والعدل إلى الجور والجريمة. ففي الوقت الذي دعا الله سبحانه وتعالى المسلمين ألّا يحقدوا على قريش فإنك يا يزيد تخالف القرآن في كل خطوة، وتثبت أنك خارج عن دين الإسلام ببغضك لأهل بيت النبي صلوات الله عليهم.
6_ الأضغان: في قولها: «وكيف يُستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟!» وقد اقتبست كلمة (أضغان) من قوله تعالى : ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾، فكأنها تشير إليه أن قلبه فيه مرض البغض وأي بغض؟ بغض أهل بيت رسول الله (ص) وهذه أضغانك سببها الطمع في الحياة الدنيا، التي هو لعب. فكأنّ السيدة زينب (ع) تستعيد التاريخ باختيار الألفاظ.
7_ فند: من قولها: «وهل رأُيك إلّا فَنَد» والفند الكذب، والسفاهة، وتضعيف الرأي قال تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾، «معناه لولا أن تسفهوني عن ابن عباس ومجاهد». وقيل: «لولا أن تضعفوني في الرأي عن ابن اسحاق. وقيل لولا أن تكذبوني».
8_ تتحلّب:من قولها: «والأفواه تَتَحلّب من لحومنا» وحَلَبَ فلانٌ الشاة أو الناقة، أي استخرج ما في ضرعها من اللبن، وتحلّب فوه أو الشيء: إذا سأل، لعل المراد: أنه كما أنّ ولد الناقة تتحلّب وتمتص بفمها الحليب من محالب أمها، كذلك كان الأعداء يمتصّون بأفواههم من لحوم ودماء آل رسول الله(ص) مصّاً قوياً بدافع الحقد والبغضاء!! وهذه أيضاً استعارة بلاغيّة، وكناية عن شدة حقدهم وعدائهم.



النتيجة

قــد حقّقــت الخطبــة قيماً إجتماعيــة وثوريــة كبيــرة فــي الوقــوف ضــد الظلــم والصبر أمـام المصائـب والسـمو الإنسـاني علـى مصاعب الحياة، فهي تقدم الأسس والمنطلقــات الإسلامية فــي تعليــم اللباقــة فــي قــول الحــق ولا جلادة والوقــوف بوجــه الظالــم مــن غيــر خــوف مــن ســطوته وطغيانــه. ممــا يلاحــظ براعــة الخطيبــة وتعاملـت السـيدة زينـب(ع) مـع هـذا الموقـف الـذي قـد يعجـز عـن تحملـه الرجـال الأشـداء؛ فهي أسـيرة قُتِل إخوتهـا وأهـل بيتهـا عليهـم السلام، وسُبيت مـن العـراق
الـى الشـام فـي مجلـس يزيـد الـذي يعـجّ بالأعـداء أو الذيـن يجهلـون قدرهـا بسـبب التعتيـم الإعلامـي الـذي مارسـته السـلطة الأمويـة آنـذاك، فقامـت بدورهـا الإعلامـي فـى إبلاغ الحـق بخطبتهـا الحجاجيـة. اسـتخدمت السـيّدة زينـب(ع) الأسـاليب الكلامية المختلـفة فـي إطـار سـلميّة الخطـاب التأثيريـة واسـتخدمت الثنائيـات المتقابلـة ليقـف مقابـل الباطـل واسـتدعت الأفكار والآيـات القرآنيـة لتبيين الحق.
لقـد أدركـت السـيدة زينـب (ع) بفكرهـا الثاقـب أهميـة توضيـح الحقائـق للنـاس المضلليــن، وبيــان معالــم ثــورة أخيهــا المباركــة مــن خلال الــرد علــى الخصــوم بالحجّـة التـي تخلّلهـا الوصـف والحـوار، وأفـادت ممـا وهبهـا الله مـن نبـوغ تمكّنت مــن خلاله مــن تســخير طاقــات اللّغــة العربيـّـة والإفــادة مــن البنــى التركيبيــة فــي إفحـام الخصـم و إيضـاح معالـم نهضـة الحسـين(ع) المباركـة ليـس لأهـل عصرهـا وحسـب و إنمـا للأجيال القادمـة التـي أعطتهـا دروسـاً.


[1] الطبرسي، ابو الفضل ابن المحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المرتضى، 2009، 2: 1966/38.
[2] سورة النحل، الآية: 125.
[3] سورة آل عمران، الآية 178.
[4] راجع الخطبة في الطبرسي: 2/32-33.
[5] الطبرسي: 2/33.
[6] الطبرسي: 2/32.

​جامعة الحوراء عليها السلام للدراسات الاسلامية


من مواضيع : صدى المهدي 0 الزهد الاختياريّ والفقر المدّعى
0 آليّات الحجاج الإقناعي في خطبة زينب(ع)
0 5 جمادى الأولى.. ولادة السيدة زينب عليها السلام
0 ما حكم الاشتراك في المسابقات الهاتفية؟
0 المرأة تتصدى فتنجح: امرأة فرعون وبلقيس أنموذجاً
رد مع اقتباس