|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.35 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 07-01-2018 الساعة : 08:29 PM
السؤال: رد شبهات عن آية الولاية وذكر المصادر المعتبرة في شأن نزولها
من أدلّتنا القوية التي نستدل بها على إخواننا السُنّة بوصاية وولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هي الآية القرآنية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55). بما ثبت من نزولها في تصدّق عليّ(عليه السلام) وهو راكع عندما أتى سائل يسأل الصدقة في المسجد.
والسؤال:
1- هل كانت صدقة أم زكاة؟ ولماذا نقول: إنّها صدقة، وذكرت في القرآن زكاة؟! وهل يجوز إعطاء الزكاة في هذا الموضع؟
2- ماذا نقول عن دعوى العبث في الصلاة؟ وهل يجوز للمصلّي أن يتصدّق وهو يصلّي؟
3- هل كانت تتوفّر في هذا الخاتم شروط الزكاة:
أ- حول الحول.
ب - وأن تكون بمقدار 2.5%...الخ؟
وأريد الأدلّة من كتب إخواننا السُنّة إن وجدت.
الجواب:
يجب أن يعلم الجميع بأنّه (إذا ورد الأثر بطل النظر)، فلا يجوز التقديم بين يدي الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا اجتهاد في معرض النصّ.
ومع ذلك نقول: إنّ كلّ الروايات تذكر بأنّها كانت: صدقة؛ فإنّ سائلاً سأل المسلمين فلم يعطه أحد، فأشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) أن خذ الخاتم، فأخذه، فنزلت الآية الكريمة في حقّه. فلا علاقة للزكاة الواجبة هنا، ولم يدّع أحد ورود سبب نزول الآية في الزكاة، فلا مجال للخوض في شروطها وتوفّرها أو عدمها هنا، خصوصاً أنّ أكثر الروايات تذكر بأنّ الصلاة أيضاً كانت صلاة نافلة وتطوّع قبل الظهر.
وقد أطلق الله تعالى في كتابه: الزكاة، والصلاة، والحجّ، والصيام، والصدقة، على الواجبة والمستحبّة، فلا ضير في إطلاق الزكاة وإرادة الصدقة المستحبّة، أو خصوص الزكاة الواجبة، أو الأعمّ منهما، مثل قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتم من رباً ليَربوَ في أَموَال النَّاس فَلا يَربو عندَ اللَّه وَمَا آتَيتم من زَكَاة تريدونَ وَجهَ اللَّه فأولَئكَ هم المضعفونَ )) (الروم:39)، وقوله تعالى: (( وَأَوصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيّاً )) (مريم:31).
وسنذكر من قال بنزول الآية الكريمة في حقّ عليّ(عليه السلام) من مصادر أهل السُنّة المعتبرة باختصار:
أولاً: ابن جزي الكلبي في تفسيره (التسهيل لعلوم التنزيل)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ فإنّه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه))(1).
ثانياً: الرازي في تفسيره، قال: ((القول الثاني: إنّ المراد من هذه الآية شخص معيّن. وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة (الخارجي الناصبي كعادته) أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر، والثاني: روى عطاء، عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) )).
ثمّ ذكر روايتين في تصدّق عليّ(عليه السلام) على الفقير عن عبد الله بن سلام، وأبي ذرّ(2).
ثالثاً: السيوطي في (الدرّ المنثور)، قال: ((أخرج الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: (من أعطاك هذا الخاتم؟) قال: ذاك الراكع، فأنزل الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
وأخرج عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عبّاس في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه، عن عمّار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع (نقول: وهذا يدلّ على أنّ الصلاة والزكاة كانت تطوّعاً لا واجباً)، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه، ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه).
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيته (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))إلى آخر الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخل المسجد وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: (يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: لا، إلاّ ذاك الراكع - لعليّ بن أبي طالب ـ. أعطاني خاتمه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ )).. الآية.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير، عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله.
(نقول: ولم يقل أحد: أدّى الزكاة فكلّ الروايات تقول.. تصدّق عليّ(عليه السلام) ).
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله! أنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخاطبنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا الله ورسوله، وتركنا دينهم، أظهروا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، ونودي بالصلاة، صلاة الظهر، وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (من؟) قال: ذلك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذاك عليّ بن أبي طالب، فكبّر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذلك، وهو يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56).
وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو نائم يوحى إليه، فإذا حيّة في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها فأوقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخفت أنّه يوحى إليه، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لئن كان منها سوء كان فيّ دونه، فمكثت ساعة، فاستيقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقول: ( (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، الحمد لله الذي أتم لعليّ نعمه، وهيأ لعليّ بفضل الله إياه).
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، قال: نزلت في الذين آمنوا وعليّ بن أبي طالب أوّلهم))(3).
رابعاً: الزمخشري في كشافه، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، الواو فيه للحال؛ أي: يعملون ذلك في حال الركوع، وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلّوا وإذا زكّوا.
وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة، بمعنى: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنّها نزلت في عليّ(كرم الله وجهه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره (أي سهل الحركة)، فلم يتكلّف لخلعه كثيرَ عمل تفسد بمثله صلاته)).
(ودافع الرجل عن مجيء الآية بالجمع ونزولها في عليّ(عليه السلام) )(4).
خامساً: ابن عطية الأندلسي في (المحرّر الوجيز): ((ولكن اتّفقَ أنَّ عليّاً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع))، ونقل ذلك عن السدّي ومجاهد، وذكر رواية في نزولها في عليّ(عليه السلام)، ثمّ ردّ هذا القول على عادتهم، ورجّح غيره كغيره!!(5)
سادساً: أبو السعود في تفسيره، قال: ((وروي أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع، فطرح عليه خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره، غير محتاج في إخراجه إلى كثير عمل يؤدّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعله(رضي الله عنه)، وفيه دلالة على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة))(6).
سابعاً: ابن أبي حاتم في تفسيره: نقل بسنده عن عقبة بن أبي حكيم، وسلمة بن كهيل، في سبب نزول الآية الكريمة في عليّ(عليه السلام)(7).
ثامناً: ابن كثير في تفسيره، قال: ((حتى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن عليّ بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه)).
ثمّ نقل عن ابن أبي حاتم روايتيه في أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولم يعلق على إسنادها مع أنّهما صحيحتان.
ثمّ نقل قول ابن جرير عن مجاهد.
ونقل عن عبد الرزّاق بسنده عن ابن عبّاس، أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولكنّه ضعّف سندها.. وعن ابن مردويه بسنده عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، وضعّفه بعدم إدراك الضحّاك لابن عبّاس، ثمّ ذكر طريقاً ثالثاً عن أبي صالح، عن ابن عبّاس به، وعلّق بقوله: ((وهذا إسناد لا يفرح به)).
ثمّ قال: ((ثمّ رواه ابن مردويه من حديث عليّ بن أبي طالب نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع، وليس يصحّ شيء منها بالكلّية، لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها)).
ثمّ قال: ((ثمّ روى بإسناده (ابن مردويه) عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، نزلت في المؤمنين، وعليّ بن أبي طالب أوّلهم)).
ثمّ ذكر عن ابن جرير، بسنده عن أبي جعفر(عليه السلام)، أنّه سأله عبد الملك عن هذه الآية، قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا. قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب، قال: (عليّ من الذين آمنوا).
وقال أسباط عن السدّي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن عليّ بن أبي طالب مَرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(8).
تاسعاً: البغوي في تفسيره، نقل عن ابن عبّاس والسدّي: أنّ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) أراد به عليّاً بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(9).
عاشراً: البيضاوي في تفسيره، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل: هو حال مخصوصة بـ(يؤتون)، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعة إليه، وإنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، واستدلّ بها الشيعة على إمامته زاعمين أنّ المراد بالوليّ المتولّي للأمور، والمستحق للتصرّف فيها، والظاهر ما ذكرناه، مع أنّ حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر.
(نقول: ولكن سبب النزول يغنينا عن الظاهر).
ثمّ قال: وإن صحّ أنّه نزل فيه، فلعلّه جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، وعلى هذا، يكون دليلاً على أنّ الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها، وأنّ صدقة التطوع تسمّى: زكاة))(10).
(وهذه الجملة الأخيرة فيها ردّ على أسئلتكم ومن علمائهم).
الحادي عشر: السمرقندي في تفسيره نصّ على ذلك ورجّحه، فقال: ((ثمّ قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال ابن عبّاس: وذلك أنّ بلالاً لمّا أذّن وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والناس في المسجد يصلّون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، قال: ماذا؟ قال: خاتم فضة، قال: ومن أعطاك؟ قال: ذلك المصلّي، قال: في أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع.. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عبد الله بن سلام: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، يعني: يتصدّقون في حال ركوعهم؛ حيث أشار عليّ بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه وهو في ركوعه، ويقال: يراد به جميع المسلمين أنّهم يصلّون ويؤدّون الزكاة))(11).
الثاني عشر: السمعاني في تفسيره، قال: (( (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يعني مصلّون، إلاّ أنّه خصّ الركوع تشريفاً، وقيل: معناه خاضعون، وقال السدّي ـ. وهو رواية عن مجاهد -: إنّ هذا أنزل في عليّ بن أبي طالب، كان في الركوع ومسكين يطوف في المسجد، فنزع خاتمه ودفع إليه، فهذا معنى قوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) ))(12).
الثالث عشر: ابن جرير الطبري - شيخ المفسّرين - في تفسيره، ذكر ذلك في أوّل آرائه في تأويل الآية، ومن عادته تقديم الرأي الراجح، فقال: ((وأمّا قوله: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنى به، فقال بعضهم: عُني به عليّ بن أبي طالب، وقال بعضهم: عُني به جميع المؤمنين. ذكر من قال ذلك:
(ثمّ نقل بأسانيده) عن السدّي، وعن عتبة بن أبي حكيم، وعن مجاهد: أنّها نزلت في عليّ))(13).
الرابع عشر: القرطبي - خاتمة المفسّرين - في تفسيره، قال: ((وقال ابن عبّاس: نزلت في أبي بكر!! وقال في رواية أُخرى: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وقاله مجاهد والسدّي، وحملهم على ذلك قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))..
وهي المسألة الثانية: وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه، قال الكيا الطبري: وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة.
وقوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة، فإنّ عليّاً تصدّق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39)، وقد انتظم الفرض والنفل فصار اسم الزكاة شاملاً للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين)).
ثمّ قال القرطبي بعد استبعاده لقول الطبري: ((وقال ابن خويز منداد: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) تضمّنت جواز العمل اليسير في الصلاة، وذلك أنّ هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحاً، وقد روي أنّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة، وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوّع، وذلك أنّه مكروه في الفرض))(14).
الخامس عشر: النسفي في تفسيره، قال: ((والواو في (( وَهُم رَاكِعُونَ )) للحال، أي: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة. قيل: أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته، وورد بلفظ الجمع، وإن كان السبب فيه واحداً؛ ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه، والآية تدلّ على: جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أنّ الفعل القليل لا يفسد الصلاة))(15).
ولم يذكر النسفي غير ذلك في تفسيره للآية الكريمة.
السادس عشر: الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون متواضعون لله تعالى. (نقول: أليس هذا خلافاً للظاهر؟!!)
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريّين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم، وابن مردويه، وغيرهما، عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال...(إلى أن قال): فقال لهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) فقال: نعم خاتم من فضة. فقال: (من أعطاكه؟) فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (على أيّ حال أعطاك؟). فقال: وهو راكع. فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية.
فأنشأ حسان(رضي الله عنه) يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس ياخير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها إثنا كتاب الشرائـــع(16)
ثمّ قال الآلوسي في تفسير الآيات اللاحقة: هذا، (ومن باب الإشارة في الآيات: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: صلاة الشهود والحضور الذاتي، (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )): أي: زكاة وجودهم، (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: خاضعون في البقاء بالله.
والآية عند معظم المحدّثين نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه))(17).
السابع عشر: ابن الجوزي في تفسيره (زاد المسير)، قال: ((قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... ))، اختلفوا في من نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنّ عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقالوا: إنّ قوماً قد أظهروا لنا العداوة، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك، لبعد المنازل. فنزلت هذه الآية، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين، وأذّن بلال بالصلاة، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا مسكين يسأل الناس، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (ماذا؟) قال: خاتم فضّة، قال: (من أعطاكه؟) قال: ذاك القائم. فإذا هو عليّ بن أبي طالب، أعطانيه وهو راكع، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عبّاس. وبه قال مقاتل. وقال مجاهد: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
- ثمّ قال ابن الجوزي -: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فيه قولان: أحدهما: أنّهم فعلوا ذلك في ركوعهم، وهو تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه في ركوعه. والثاني: إنّ من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع.
وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال: أحدها: إنّه نفس الركوع؛ على ما روى أبو صالح عن ابن عبّاس. وقيل: إنّ الآية نزلت وهم في الركوع، والثاني: إنّه صلاة التطوع... والثالث: إنّه الخضوع والخشوع))(18).
الثامن عشر: الجصّاص في (أحكام القرآن)، قال في باب العمل اليسير في الصلاة: ((قال الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، روي عن مجاهد والسدّي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع...
إلى أن قال: فإن كان المراد فعل الصدقة في حال الركوع، فإنّه يدلّ على إباحة العمل اليسير في الصلاة، وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبار في إباحة العمل اليسير فيها، فمنها: أنّه خلع نعليه في الصلاة. ومنها: أنّه مسّ لحيته، وأنّه أشار بيده. ومنها حديث ابن عبّاس: أنّه قام على يسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ ذؤابته وأداره إلى يمينه. ومنها: أنّه كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن ربيع، فإذا سجد وضعها وإذا رفع رأسه حملها.
فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة؛ لأنّه إن كان المراد: الركوع، فكان تقديره: ((الذين يتصدّقون في حال الركوع))، فقد دلّت على إباحة الصدقة في هذه الحال.
وإن كان المراد: وهم يصلّون؛ فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة، فكيفما تصرفت الحال فالآية دالّة على: إباحة الصدقة في الصلاة))(19).
وهناك المزيد، وفيما نقلناه عنهم كفاية.
(1) تفسير التسهيل لعلوم التنزيل 1: 181 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(2) تفسير الرازي 12: 26 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 293 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(4) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(5) المحرّر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز 2: 208 سورة المائدة: 55 ــ 57.
(6) تفسير أبي السعود 3: 52 قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... )).
(7) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6549) (6551).
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(9) تفسير البغوي 2: 47 سورة المائدة: 55.
(10) تفسير البيضاوي 2: 229ــ340 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(11) تفسير السمرقندي 1: 424 سورة المائدة: 55 ــ 56.
(12) تفسير السمعاني 2: 47 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(13) تفسير ابن جرير 6: 388 القول في تأويل قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير القرطبي 6: 221ــ222 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(15) تفسير النسفي 1: 289 سورة المائدة: 55 ــ 59.
(16) تفسير روح المعاني 6: 167 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(17) تفسير روح المعاني 6: 167 سورة المائدة: 59 ــ 66.
(18) زاد المسير 2: 292 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(19) أحكام القرآن 2: 557 باب (العمل اليسير في الصلاة).
السؤال: مناقشة الطبري في سبب النزول، وابن كثير في معنى (وهم راكعون)
كان تفسير الطبرى مفتوح امامى عندما اطلعت على هذا الموضوع. فرجعت إليه للتأكد فلم اجده مقنع . واننى انقل لكم صفحات التفسير فدلونى عن الدليل من فضلكم.
*************************
القول في تأويل قوله : (( إنَّمَا وَليّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلَاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ ))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره(1). فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نفصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرّفئه من ولاية يهود بني قينقاع وحفلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12207 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحد بني عوف بن الخزرج) فخلعهم إلى رسول
الله(2) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حفلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حفلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { لقول عبادةَ: (( أتولى الله ورسوله والذين آمنوا))، تبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم, إلى قوله: (( فإن حزب الله هم الغالبون ))(3)
12208 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.
12209 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله: (( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّف به. فقال بعضهم: عفنفي به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
12211 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال:
سألته عن هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، قلت4) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا!(5) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.
12212 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.
12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، قال:
علي بن أبي طالب.(6)
12214 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.(7)
هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: (( وهم راكعون ))، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.
وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 182 : (( وأما قوله: (( وهم راكعون ))، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (( ويؤتون الزكاة ))، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه...)) ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: (( وهم راكعون ))، يعني به: وهم خاضعون لربهم، متذللون له بالطاعة، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى (الركوع) الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير (ركع) فيما سلف 1: 574.
وإذن فليس قوله: (( وهم راكعون )) حالا من (( ويؤتون الزكاة )).
وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.
*************************
(1) انظر تفسير(ولي) فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 1, والمراجع هناك.
(2) في المخطوطة: (فجعلهم إلى رسول الله), والصواب ما في المطبوعة, مطابقًا لما سلف, ولما في سيرة ابن هشام.
(3) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52, 53, وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158, وتابع الأثر رقم: 12167. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (حدثني والدي إسحق بن يسار, عن عبادة بن الصامت), أسقط ما أثبت من السيرة, ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: (قلنا), والصواب الجيد ما أثبت.
(5) هذا ليس تكرارًا, بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.
(6) الأثر: 12213-إسمعيل بن إسرائيل الرملي, مضى برقم: 10236. وأيوب بن سويد الرملي, مضى برقم: 5494. وعتبة بن أبي حكيم الهمداني, ثم الشعباني, أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين, وكان أحمد يوهنه قليلا, وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
(7) الأثر: 12214-غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري, منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان, والكبير للبخاري 4/1/101, وابن أبي حاتم 3/2/48.
الجواب:
الاستدلال بآية الولاية (الآية55 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت بعد إثبات أنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، ليتحصّل منها حصر الولاية بالله وبرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيرهم، وبعدها نقول: أنّ المعنى المتصوّر للولاية هنا هو: ولاية الأمر دون المحبّة، أو النصرة، أو أمثالهما من المعاني، التي لا مجال لتصوّر حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأوّل نقول: انّه قد ورد من طرق صحيحة أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسّر الكبير ابن أبي حاتم، الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) من المفسّرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات(1)، يروي بسند مرسل صحيح في تفسيره: عن أبي سعيد الأشج، عن الفضيل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل - وكلّهم ثقات - أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني، الذي وصفه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) بـ(المحدّث البارع القاضي... الحاكم)(3)، في كتابه (شواهد التنزيل) بسند صحيح أو قريب من الصحيح: أنّ هذه الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حال الركوع(4).
وقد تقرّر في علم الحديث أنّ المرسل الصحيح إذا عضده مستند صحّ الاحتجاج به، وارتفع إلى درجة الحسن(5).
وكذا يروي السيوطي في (الدرّ المنثور): عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم: أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)(6).
وأيضاً يروي السيوطي في (لباب النقول): عن الطبراني، بأنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ثمّ يذكر له شواهد، وقال: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً))(7).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره، أنّها نزلت في حقّ عليّ(عليه السلام) بعدّة طرق، ومنها الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم(8).
وكذا يروي القرطبي في تفسيره(9)، والواحدي في (أسباب النزول)(10)، والجصّاص في (أحكام القرآن)(11)، والزمخشري في (الكشّاف)(12)، والرازي في (التفسير الكبير)(13)، وأيضاً الطبري عن طرق متعدّدة كما أسلفتم في تفسيره: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(14).
وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسّرين أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصّل أنّ الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدّمة، وبمعاضدة الطرق التي يقوّي بعضها بعضاً، نقطع بأنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأمّا دعوى أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.
فنقول: إنّ هذه الرواية شاذّة، وأكثر الأُمّة يدفعها، وما ذكر في نزولها في عليّ(عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنّه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلاّ على حاله (عليه السلام)؛ إذ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قد بيّن أنّ المعني هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأُمّة على أنّه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين(عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: أنّ قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزكاة؛ فإنّ ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلاناً وهو راكب، لم يفهم منه إلاّ لقاؤه في حال الركوب، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الركوب، وإذا قال: رأيته وهو جالس، أو جاءني وهو ماشٍ، لم يفهم من ذلك كلّه إلاّ موافقة رؤيته في حال الجلوس، أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.
(1) منهاج السُنّة 7: 13، المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلّة الدالة من القرآن على إمامة عليّ(عليه السلام).
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) سير أعلام النبلاء 18: 268 (136) الحسكاني.
(4) شواهد التنزيل 1: 212.
(5) انظر: الباعث الحثيث 1: 157 النوع التاسع: المرسل.
(6) الدرّ المنثور 2: 293، 294 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(7) لباب النقول في أسباب النزول: 81 سورة المائدة.
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله: (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ... )).
(9) تفسير القرطبي 6: 221.
(10) أسباب النزول: 133 سورة المائدة.
(11) أحكام القرآن 2: 557.
(12) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(13) تفسير الرازي 3: 431 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير الطبري 6: 388.
يتبع
|
|
|
|
|