|
مشرف المنتدى العقائدي
|
رقم العضوية : 81228
|
الإنتساب : Jul 2014
|
المشاركات : 5,545
|
بمعدل : 1.40 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
وهج الإيمان
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 09-11-2016 الساعة : 12:37 AM
الاجراء الرابع هو ترجمة الاستعارة "او التشبيه " الى تشبيه ، بالاضافة الى المعنى (أو احيانا الى استعارة بالاضافة الى المعنى)، ويصف "نيومارك" هذا الاجراء بأنه اجراء توفيقى حيث انه يوفق بين الترجمة المعنوية والترجمة التواصلية حيت يحقق الترجمة المعنوية بمحافظته على صورة الاستعارة الاصلية فى الترجمة، وبذا فإن الترجمة تخاطب القارىء المثقف الذى يستطيع تذوق الاستعارات الاجنبية، وهو يحقق هدف الترجمة التواصلية فى تقديمه معنى الاستعارة الى قراء الترجمة، وهنا تخاطب الترجمة - القارىء الاقل ثقافة او الرجل العادى، فهذا الاجراء اذن "اجراء وسط يحافظ على جزء من تأثير الاستعارة العاطفى (والثقافي ) بالنسبة للخبير، بينما يقدم شرحا للقراء الآخرين الذين لايتمكنون من فهم الاستعارة" ومثل هذا ترجمة الاستعارة الفرنسية التى تعنى حرفيا ،"لديه ذاكرة فيل " الى الانجليزية ى ،(انه لاينسى ابدا كالفيل " حيث تبقى الترجمة على صورة الفيل فيما تقدم فى ذات الوقت معنى الاستعارة "لا ينسى".
الاجراء الخامس هو تحويل الاستعارة الى المعنى فقط ، حيث يتخلى المترجم عن الصورة الاستعارية ويترجم الاستعارة الى معناها مثل ترجمة المثل الاستعاري الانجليزيYou cannot get blood from a stone الى المعنى مثال ما فى "لايمكنك استعطاف من هو فظ القلب "، وأخر هذه الاجراء ات هو حذف الاستعارة كليا ولا يؤخذ بهذا الاجراء إلا فى حالة كون الاستعارة غير ذات فائدة، ويدل حذف استعارة معينة من نص ما على تقييم المترجم - عبر التحليل الدلالي للنص اى من خلال تحديد الاهم فالمهم فالاقل اهمية، وهذا يقتضى انه اذا اكتشف المترجم ان وظيفة الاستعارة قد تم انجازها فى مكان أخر فى نفس النص فبإمكانه حذف الاستعارة .
الاستعارة الحديثة: Recent Metphor
الاستعارة الحديثة هى الكلمة المستحدثة التى تنتشر بسرعة فى لغة ما، وتشكل نوعا من الموضة اللغوية، مثل التعبير الانجليزي الذى يرمز للجنس (Doing a line) او كلمة "لجب " التى قصد بها فى الاصل جهاز النداء الألى، ولكن هذه الكلمة قد انتشرت فى اوساط الشباب فى عمان وبعض مناطق الخليج بدلالة جديدة، حيث يقصد بالكلمة الأن الشخص الذى يلازم شخصا أخر على نحو دائم ، وبالنسبة للترجمة فإن بامكان المترجم الاحتفاظ بنفس الصورة إذا ضمن أن جمهور اللغة المترجم اليها بإمكانه ادراك المعنى الموجود فى اللغة الاصلية، وإلا فعليه الاحتفاظ بالمعنى دون الاحتفاظ بالجزء الاستعاري .
الاستعارة الاصلية: Original ****phar
يرى نيومارك انه كلما كانت الاستعارة الاصلية بعيدة عن المعيار اللغوى فى اللغة الاصلية سهلت ترجمتها الى اللغة المترجم اليها، وهنا يبرز اختلاف بين كل من نيومارك " و"داجوت " حول الاستعارة الاصلية ذات الخصوصية الثقافية، حيث يرى نيومارك انه يمكن للمترجم الاحتفاظ بالدلالات الثقافية التى تحملها الاستعارة، بينما يعتقد "داجوت "، كما سنرى لاحقا انه من المستحيل ترجمة هذه الاستعارات ، ويجادل "(نيومارك " ان مثل هذه الاستعارات لاتشكل مشكلة حقيقية للمترجم لقلة عددها وندرة وجودها، ويستدل على ذلك بأنه حينما تفحص بعض الاجزاء من الترجمة الفرنسية للالياذة لم يلاحظ إلا عددا قليلا جدا من الاستعارات الاصلية التى لم تترجم حرفيا، لكن "نيومارك " يستدرك بأن هذه الاستعارات قد تشكل مشكلة فى الترجمة لان افضل هذه الاستعارات ، كما يرى نيومارك يحتوى على معنى مزدوج حيث يستخدم الكاتب كلمة تحمل معنيين قد لايوجد لها مقابل فى لغة الترجمة مثل الفعل Stunned فى الاستعارةDeath stunned its Function فهذا الفعل يحمل دلالتين: الصدمة، والتوقف ، وحيث ان ازدواج معنى كلمة معينة هو من خصائص اللغة الاصلية، فمن غير المتوقع ان توجد لهذه الخاصية الدلالية مقابل فى لغة الترجمة، فلذا من الصعوبة البالغة على المترجم ايجاد مقابل لها يحفظ كلا الدلالتين .
واجمالا فإن نيومارك يرى ان كل تعبير مجازى هو نوع من الاسستعارة وان هناك انوعا مختلفة من الاستعارة يثير كل منها مظهرا خاصا من مظاهر الصعوبة فى الترجمة، كذلك فإن الاجراءات المختلفة لترجمة الاستعارة التى استعرضناها فى "الاستعارة المتداولة" هى من اهم ما اضافه " نيومارك "لموضوع ترجمة الاستعارة.
رابعا الاستعارة كوسيلة ادبية - داجوت
يرى ""داجوت " ان ما يحدد مدى ترجمة استعارة معينة هو لم وجود نفس التجربة الثقافية والمصاحبات الدلالية التى تحملها الاستعارة لدى كل من متحدثى اللغة الاصلية ومتحدثى اللغة المستهدفة، وتقوم معالجته للاستعارة على تعريفه لمصطلح "استعارة" فيلاحظ ان الاستعارة تستخدم خطأ للدلالة على انواع اخرى من الامتداد المعنوى كالعبارات الاصطلاحية والكلمات متعددة المعنى والتى رغم ما تحمله من اهمية لغوية فإنه لايمكن اعتبارها استعارة، لانها تعبيرات فقدت السمة الاساسية التى تميز الاستعارة وهى القدرة على مفاجأة القارىء وادهاشه و اثارة بصيرته الخيالية، وبذا يتجاوز الوعى الحدود الدلالية للغة وبكلمات اخرى فإن معالجة "داجوت " للمصطلح فضحت و"ازاحت النقاب عن " التشويش فى المصطلحات حيث يرى ""داجوت " ان الاستعارة اصيلة بطبعها، ولذلك فإن مصطلحات مثل الاستعارة المندثرة والاستعارة المبتذلة تحوى تناقضا لان الاساس هو قدرة الاستعارة على الادهاش ومتى اندثرت هذه السمة او ابتذلت لم يعد التعبير استعارة، كذلك فإن مصطلحات مثل الاستعارة الاصيلة هى محض حشو لان الاصالة صفة لازمة للاستعارة .
ولان الاستعارة ابداع دلالي متفرد فإنها لغويا تتعلق "بأداء" المتحدث ولعيس بـ "مقدرته " اللغوية التى تشمل معرفة المتحدث القاموسية وغيرها، ولان الاستعارة اداء دلالي غير مسبوق فلا يمكننا ان نجد استعارة ما فى القاموس حيث إن القاموس هو بيت ما يمكن تسميته بالقانون الدلالي التى تأتى الاستعارة لتكسره وتخلق مجالات دلالية جديدة لاتحتويها القواميس ، وهذا ما يجعلها تختلف مثلا عن التعابير الاصطلاحية التى كانت فى البدء استعارة لكنها فقدت قدرتها الادهاشية بفعل الاستعمال المتكرر لها، وعلى سبيل المثال فإن قولنا "زاد الطين بلة" ليس إلا تعبيرا اصطلاحيا يقصد منه "زاد المشكلة تعقيدا" ولاتسعى الصورة التى يحملها الى مفاجأة القارىء وادهاشه بينما وصف البرق بأنه "سهير" فى قول ابن عديم .
سميري وهل للمستهام سمير
تنام وبرق الابرقبين سهير
فهو استعارة قمة فى الابداع والخلق الدلالى الخالد فى قدرته على ادهاش القارىء واثارة وعى القارىء العاطفي والذهنى.
داجوت وترجمة الاستعارة
كما ذكرنا فإن معالجة داجوت للاستعارة تقوم على تعريفه المحدد للمصطلح ، حيث تكون الاستعارة انتهاكا دلاليا لحرمة النسق اللغوى، وبهذا فلا يوجد لها مثيل فى اللغة المترجم اليها، وهذا يغير دور المترجم تغييرا جذريا، حيث يتحول من باحث عن مقابل موجود الى خالق لمقابل غير موجود اصلا فى لغة الترجمة، والدور الجديد هذا ليس امرا هينا حيث انه يعتمد على مدى وجود نفس التجربة الثقافية والارتباطات اللغوية للاستعارة فى كل من اللغة الاصلية ولغة الترجمة.
وكما يرى داجوت فإنه يمكن تحديد مشكلة ترجمة الاستعارة على النحو التالي : لان الاستعارة هى انتهاك مبدع للغة الاصلية فإن مرادفها ليس له وجود فى اللغة المترجم اليها، فتصبح الترجمة عملية خلق مقابل مقبول وهذا ما يحدده عاملان اساسيان هما العامل الثقافي والعامل اللغوى .
فلا يمكن ترجمة بعض الاستعارات لاسباب ثقافية محضة حيث يرتبط وجود الصورة بثقافة اللغة الاصلية وحيث لايوجد مثيل لهذه الصور الثقافية فى لغة الترجمة، ومثل هذا ترجمة الاستعارة العبرية التالية :
(يكاد بيأحا فاتف فى ان أو نيم ليها جيد أو تابي رابيم) الى الانجليزية كالتالي :
Bound By my love and heloplessly to tell it in public
اى (قيدت بقيد الحب وعبثا احاول اعلانه على الملأ ) والفعل "نيكاد" يشكل استعارة ثقافية حيث ان هذا الفعل هو صيغة المبنى للمجهول من الفعل العبري الذى يعنى "يقيد" وهذا الفعل لايستخدم إلا بالارتباط برواية التوراة لتقييد نبى الله ابراهيم لابنه اسحاق (اواسماعيل حسب المعتقد الاسلامى) استعدادا للتضحية به اتباعا لأوامر الله ، ولهذا فإن الفعل يحمل دلالات التضحية بالنفس والاستشهاد، ويرى "داجوت " انه من المحال ترجمة هذه الاستعارة دون فقدان هذه الدلالة لانها موجهة فى الاصل الى القارىء العبري الذى تحرك مشاعره الاستعارة بقوتها الدلالية القائمة على الايحاءات الثقافية ،"التاريخية الحضارية" وترجمة الاستعارة الى المعنى او تفسيرها يفشلان فى ترجمتها كاستعارة اما تحويلها الى تشبيه مثل "مقيد انا كاسحاق للتضحية" فيفشل ايضا فى الحفاظ على نفس التأثير العاطفى الوجدانى للاستعارة الذى لا يشعر به إلا القارىء العبري ، وهذا يثبت استحالة ترجمة - الاستعارة ثقافية الصورة الى لغة اخرى.
بالاضافة الى الاسباب الثقافية، توجد بعض الاستعارات التى لايمكن ترجمتها لاسباب لغوية ليس إلا، وهنا فإن الاستعارة تستثمر بعض الخصوصيات اللغوية الموجودة فى لغة الاصل ولايمكن "خلقها" فى الترجمة، ويوضح ""داجوت " هذا بمثال حول محب ولهان يعرب عن استعداده لتقبل اى لون من الوان الاهانة والاذلال من قبل من يحب إلا ان يكون "أه رحمان " يقوم بتسليتها فى الوقت الذى تنتظر هى فيه رجلا أخر، وحرفيا فإن "أه رحمان " يعنى ""اخ رحيم " وهو مسمى عبرانى مركب من ""ممرض " و""مرب " وحينما يستخدم كاستعارة فإنه يحتوى على ايحاء ات دلالية لايوجد لها مقابل فى اللغات الاخرى حيث ان التعبير يحمل دلالتى الاخوة والرحمة فى ذات الوقت ، ذلك ان المحب يرفض ان يقدم لها الرأفة والحب "الاخوى" وهذه الدلالة المركبة لايمكن اعادة انتاجها فى لغة اخرى كالانجليزية والعربية لانهما لايحتويان على مقابل يحمل نفس الخصوصيات الموجودة فى "آه رحمان ".
وقد تمتزج العوامل الثقافية واللغوية لتشكلا عائقا يحول دون ترجمة الاستعارة حيث تحمل صورة الاستعارة ايحاءات ثقافية وخصوصيات لغوية توجد فى اللغة الاصلية فقط ، ومثل ذلك الاستعارة العبرية "مكوم جنجولا ها احارون " او محل دورتها الاخيرة "او تحولها الاخير" حيث ترتبط الاستعارة هنا بمفهوم اللف من مكان لأخر، وايضا "التحول فى الحفل " اى ان الاستعارة ترسم صورة امرىء عادة ما يغير مأواه ويتغير هو ذاته فى نفس الوقت ولايمكن ترجمة الاستعارة - كما يرى داجوت - بسبب عد وجود المعنيين العبريين فى اللغة المترجم اليها.
وتلخيصا فإن "داجوت " يتميز عن غيره ممن تناولوا الموضوع بافتراضه اساسا ان الاستعارة اداة ادبية تهدف الى انتاج نوع من ادهاش القارىء واثارة مشاعره ، وان نجاح الترجمة يكمن فى قدرة الاستعارة على تحقيق هذا الهدف لدى قارىء الترجمة إلا ان العوامل الثقافية واللغوية قد تحول دون ذلك .
خامسا: ترجمة الاستعارة العربية
يعبر "داجوت " فى مقال من مقالاته عن الحاجة الماسة لدراسة امكانية ترجمة استعارات من مختلف لغات العالم ، وسبب ذلك ان معظم الدراسات ، وخصوصا المبكرة منها، قد ركز على مدى ترجمة الاستعارات العبرية الى الانجليزية وقد يعود ذلك الى ان الباحثين الاوائل فى الموضوع كانوا من اصول عبرية، إلا ان السنوات الاخيرة قد شهدت اتجاها لدراسة استعارات من لغات اخرى كالصينية والايطالية وغيرها.
ويهدف الجزء الاخير من هذا المقال الى تحديد العوامل التى تحدد مدى ترجمة الاستعارة العربية الى اللغة الاخرى وخصوصا الانجليزية، وبدءا فيمكن افترأض وجود صعوبة فى ترجمة الاستعارة العربية الى الانجليزية، بسبب ان كلا من الانجليزية والعربية ينتميان الى عائلتين لغويتين مختلفتين فالانجليزية تنتمى الى العائلة الاوروبية - الهندية فيما تنتمى العربية الى العائلة السامية، وهذا يفترض مبدئيا ان اللغتين تختلفان تمام الاختلاف فى مستوياتهما المعجمية والدلالية والنحوية.والسبب الثانى لهذه الصعوبة المحتملة هو ان اللغة العربية واللغة الانجليزية تمثلان ثقافتين جد مختلفتين ، فالانجليزية تمثل الثقافة والحضارة الانجليزية والغربية عموما، فيما تمثل اللغة العربية الثقافة العربية والاسلامية، وكلا الثقافتين لايتقاطعان فى شتى مظاهر الحياة، لاسيما فى المظاهر الاجتماعية والدينية، ولهذين السببين ايضا فإن العربية والانجليزية تمثلان ارضا مثالية لدراسة مدى ترجمة الاستعارة.والكتاب المستخدم كمصدر لهذه الاستعارة هو كتاب "نهج البلاغة" للامام على بن ابى طالب كرم الله وجهه ، وترجمة الكتاب الى الانجليزية التى قام بها على رضا والمنشورة عام 1989، ونهج البلاغة كما هو معروف ينبوع من ينابيع البلاغة العربية ويأتى - كما يرى الكثيرون - فى المرتبة الثالثة بعد القرآن الكريم والسنة النبوية.
وهنا ننوه ان كلمة (استعارة) المستخدمة فى هذا الجزء من المقالى يقصد بها اى نوع من انواع التشبيه ، ويدخل ضمن ذلك التعابير الاصطلاحية والتشبيه ، فيمكن اعتبار التشبيه استعارة لانه يثير مشاعر مشابهة لتلك التى تثيرها الاستعارة فى القارىء، ويمكن اعتبار التشبيه استعارة مكشوفة، اما التعابير الاصطلاحية فيمكن ادراجها كأمثلة لسببين ، اولهما صعوبة تحديد ما اذا كان تعبير اصطلاحي ما استعارة مكشوفة ام لا، هذا اضافة الى عدم وجود معيار نقيس به مثل هذه المفاهيم النظرية، ثانى هذه الاسباب هو ان السا ق يمكن له ان يعيد بعض او كل الصور الاستعارية الاصلية والتى اعتبرت مندثرة، وهنا فإن التعبير الاصطلاحى يثير نفس الاشكالات التى تثيرها الاستعارة .
العوامل المحددة لترجمة الاستعارة العربية فى "،نهج البلاغة".
من خلال تحليل الاستعارات التى تكاد تملأ كل اسطر نهج البلاغة يمكننا ملاحظة ثلاثة عوامل ذات تأثير أساسي وفعال في ترجمة الاستعارة العربية وهذه العوامل هى :
أ - العامل الكونى
ب - العامل الداخلى الذى يشمل العوامل اللغوية والعوامل الثقافية.
ج - العامل التناصى الذى يشمل العامل الارجاعى وعامل الصورة المركزية .
أ - العامل الكونى :
يمكن ادراك صورة بعض الاستعارات ومعناها من قبل كل من قراء اللغة الاصلية وقراء لغة الترجمة، وهذا ما يجعل الاستعارة كونية حيث تسهل مهمة المترجم هنا بحفظه لمقومات الاستعارة، وفى ذات الوقت حفظه لقدرتها على الادهاش الجمالي من خلال الترجمة الحرفية، ويرى "داجوت " ان مرجع هذه السهولة هو التداخل الكلى او الجزئى بين اللغتين فى الدلالات المعنوية وفى التجربة الثقافية، اما "نيومارك " فيخالفه فى ذلك حيث يرى ان سبب يعسر الترجمة فى هذه الحالة هو التجربة الانسانية الكونية وليس التداخل الذى يقتصر على لغتين ، ونرى هنا ان رؤية "نيومارك " هى الأقرب الى الصواب ، ونستدل على ذلك بوجود الصور الاستعارية التى تستمد وجودها من مفاهي انسانية شاملة تتجاوز حدود اللغات والثقافات كما هو حال استعارة الامام علي التالية .
انى لعالم بمايصلحكم ويقيم اودكم "اى اعوجاجكم "
والتى ترجمها على رضا الى :
I know what can improve you and how you crookedness can be straighened
حيث نرى ان المترجم قد وفق فى ترجمته للاستعارة فى "يقيم اودكم "، فقد حفظ نفس الصورة لان صورة "اقامة الاعوجاج " على المستوى المادى وتشبيه ذلك بالمستوى الروحى هو مفهوم انسانى عام يمكن ان يدركه حسبما نرى متحدث اى لغة، ونجاح المترجم فى حفظ الصورة هنا قد حافظ على قدرة الاستعارة الجمالية وملامستها لمشاعر القارىء.
ب العامل الداخلى:
نقصد بالعامل الداخلي تلك السمات المشكلة لمكونات الاستعارة الداخلية والتى تؤثر فى ترجمتها الى لغة اخرى ويمكن تمييز نوعين من العوامل الداخلية وهى العوامل الاجتماع - ثقافية والعوامل اللغوية.
ويقصد بالعوامل الاجتماع - ثقافية، المظاهر التى تحتويها الاستعارة وتمثل خصوصية اجتماعية وثقافية مرتبطة بالمجتمع والثقافة العربيين والتى لاتوجد فى اى سياق أخر، وهنا فإن هذه المظاهر قد تشكل عائقا فى الترجمة عند استخدامها كصور فى الاستعارات ، وحيث ان هذه الصور تحمل خصوصية غير موجودة فى لغة اخرى فإنها غير موجودة بطبيعة الحال فى لغة الترجمة وهذا يعنى عدم امكانية ترجمة الاستعارة بأكملها الى لغة الترجمة كما هو الحال فى المثال التالي .
إلا وان اليوم المضمار وغدا السباق
المترجمة الى :
Today is the day of preparation whil morrow is the day of race
وصورة المضمار فى الاستعارة ذات خصوصية عربية حيث تدل على عملية يتم فيها تهيئة الخيل او الجمل للسباق بتجويع الحيوان لفترة، مما يؤدى لفقدان بعض وزنه مما يساعده على الجرى فى السباق ، ويرتبط هذا بمعنى الاستعارة الذى هو ان على المرء ان يتعب ويجهد نفسه لكى يفقد بعض وزنه المتمثل فى متاع الدنيا وزخرفها، وهذا ما يجعله يتجاوز سباق يوم القيامة، فالترجمة هنا ليست موفقة تماما لان الارتباط بين كلمتى "سباق " و""مضمار" اقوى وأشد تعبيرا من الارتباط بين preparation و race اللتين لايحملان نفس الدلالات الاجتماع - ثقافية المشكلة للمعنى الذى تشكله الكلمتان العربيتان وبكلمات اخرى فإن عدم قدرة ا لمترجم على اعادة انتاج صورة "المضمار" بدلالتها الاجتماع - ثقافية اورثه عدم القدرة على ترجمة الاستعارة وبالتالي اثرها فى القارىء.
اما العامل اللغوى فيتمثل فى ان الاستعارة تحتوي على خصوصيات لغوية مرتبطة باللغة الاصلية دون سواها، ومثل ذلك عدم القدرة على ترجمة بعض الاستعارات العربية الى الانجليزية لعدم وجود نفس الصورة فى اللغة الانجليزية، مما يؤدى الى عدم القدرة على انتاج المعنى الذى يشكله التفاعل بين الصورة والموضوع ، ومثل ذلك الاستعارة التالية .
تلك شقشقة هدرت ثم قرت والتى ترجمها على رضا الى :
It was like the foam of a camel which gushed out
. but subsided
وقد قال الامام على هذه الاستعارة ردا على احد اصحابه الذى سأله ان يكمل خطبة كان قد ابتدأها، لكن احد ابناء العراق قاطعه فيها ببعض الاسئلة حيث ابى الامام ان يتمها ووصفها بأنها شقشقة هاجت ثم سكنت ، والشقشقة هى شىء يشبه الرئة يخرجه البعير من فمه وهو يصدر صوتا عاليا حينما يهيح ، ووجه الشبه بين الخطبة غير المكتملة وشقشقة البعير يتمثل فى قوتها وتأثيرها وكأنها خرجت من فم الامام على هادرة.. لكنها سكنت وهدأت تماما مثل شقشقة البعير التى تخرج هادرة لكنها س عان ما تهدأ او تخفت ، وصورة البعير الهائج وارتباطها بالامام على ذاته لم تحفظها الترجمة، لان صورة الشقشقة غير موجودة فى اللغة الانجليزية ويبنى على هذا ان الترجمة تفشل فى نقل الصورة وبذا تفشل ايضا فى نقل معنى الاستعارة وقوتها الجمالية وفشل الترجمة هذا سببه لغوى يتمثل فى ان كلمة "شقشقة" تحمل خصوصية لغوية تربطها باللغة العربية لاغيرها.
ج- العامل التناصى :
يعرف "ديبوجوراند" ""ودرسلر" التناص فى كتابهما "مقدمة فى علم لغة النص " على انه "السبل التى يعتمد فيها انتاج نص ما واستقباله على معرفة المشاركين بنص أخر" وفيما يتعلق بكتاب "نهج البلاغة" فيمكن تمييز نوعين من العوامل التناصية وهما العامل الارجاعى وعامل الصورة المركزية.
فالسمة الارجاعية تبدو ن ان بعض استعارات الامام على تتميز بكونها اعادة انتاج لاستعارات موجودة مسبقا فى النص القرآنى، بحيث انه حينما يقرأ المرء استعارة الامام على سرعان ما يستحضر فى ذهنه الاستعارة القرآنية، وهذا "الاستحضار التناصى" او الايحاء التناصى" لايقلل أبدا من اصالة استعارة الامام على وقدرتها الجمالية فى ادهاش القراء مثلما هو حال اى استعارة اصيلة اخرى .
وقد يتصور البعض ان الاستعارات الارجاعية لاتفترق فى شىء عن الاستعارة الاصيلة الاخرى فيما تثيره للترجمة من اشكالات ، إلا اننا ندعى هنا ان الحال جد مختلف وان اشكالات الاستعارات الارجاعية فى الترجمة هى امر لم يتطرق له البحث العلمى من قبل ، ويمكننا تحديد المشكلة هنا كالأتى : الاستعارة التى على المترجم ترجمتها هى استعارة اصيلة وهى تحمل اصداء تناصية لاستعارة اخرى موجودة مسبقا، ومع ان بإمكان المترجم ترجمة مظهر الاستعارة - اى ابعادها اللغوية والثقافية فإن ارتباطاتها التناصية بالاستعارة الاخرى تظل خارج نطاق الترجمة لانها موجودة فقط فى ذهن قارىء اللغة الاصلية وليس قارىء الترجمة، وهنا قد يلتبس الامر بحالة الاستعارة الثقافية، إلا ان الامرين مختلفان لان فشل ترجمة الاستعارات الثقافية يعود الى الدلالات الثقافية الموجودة فى صورة الاستعارة كما هو الحال فى المثال التالي الذى نصيغه هنا بقصد التوضيح .
انت يثربي التى أهاجراليها من كل هذا الظلام .
فصورة "يثرب " تحمل دلالات ثقافية اسلامية وهى الهجرة النبوية من مكة التى عانى فيها شتىضروب الاضطهاد الى "يثرب " التى رحبت به واستقبلته بالحب والاناشيد. وفى مثالنا الافتراضى فإن المتحدث يصف محبوبته بأنها الشخص الذى يهرب اليه من كل مأسى الدنيا، كحال يثرب التى احتضنت الرسول صلى الله عليه وسلم وآوته ، وصعوبة ترجمة الاستعارة تنبع هنا من كون الدلالات التى تحملها كلمة "يثرب " ذات خصوصية عربية ولايمكن نقلها الى الانجليزية وبالتالي لايمكن نقل معنى الاستعارة ايضا لان تجربة "الهجرة الى يثرب " ودلالتها لايمكن ان يشعر بها القارىء غير العربي "او لنقل غير المسلم الى حد ما".
إلا ان الامر فى الاستعارات الارجاعية مختلف تمام الاختلاف ، فالاستعارة - وليست كلمة واحدة منها كحال كلمة يثرب فى المثال السابق - معتمدة تناصيا على استعارة اخرى وهنا فعلى المترجم ان يلتزهم بشيئين .
1 - ترجمة ابعاد الاستعارة اللغوية والثقافية.
2- ترجمة ابعاد الاستعارة التناصية "اى ارتباطها بالاستعارة الاصلية"، ولتوضيح ذلك سنعرض هنا لمثالين على الاستعارة الارجاعية.
اعر الله جمجمتك
Iend your head to Allah
رغم نجاح الترجمة فى الحفاظ على المعنى الحرفى للفعل "اعر" فإن الترجمة قد فشلت فى حفظ الارتباطات التناصية للاستعارة لان هذا الفعل يحمل اصداء لاستعارات قرآنية تحمل نفس الصورة مثل الاية الكريمة }من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة{ (2 : 245)
والاية الكريمة }ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم { "64: 17"، ويوضح عبد الله يوسف على - احد مترجمى القرآن الكريم الى الانجليزية - هذه الاستعارة بقوله "ان الانفاق فى سبيل الله سمى استعاريا "قرضا حسناا، وهذا تعبير رائع لامور شتى، اولها ان الاستعارة تظهر روحا جميلة بتجاهل الذات وثانيها ان القروض الاخرى قد تحتوى على شك حول مدى سلامة نقودك وارجاعها لك اما هنا فإن من تعطيه هو رب الناس اجمعين الذى في يده مفاتيح الحاجة" وهذه الملاحظة قد تلقى بعض الضوء على الابعاد التناصية فى استعارة الامام على المتمثلة فى الفعل "اعر" فبينما يتحدث القرآن الكريم عن "قرض حسن " فإن الامام علي يحدد هذا القرض الحسن وهو"الجمجمة" التى هى رمز للحياة وللشهادة وهكذا فإن الصورة هنا تحمل معانى التضحية بالنفس وضمانات الثواب من لدن الله .
اما الترجمة الانجليزية فتفشل فى استحضار هذه المعانى المرتبطة تناصيا بالنص القرانى ، لان القارىء الانجليزي لايمكنه الشعور بالاستحضار التناصى الموجود فى استعارة الامام على، وهذا ما توضحه ايضا الاستعارة التالية :
والناس فى فتن انجذم فيها حبل الدين
At the time peapl had fallen in cvices whereby the
rope of relgion had been broken
وهنا فإن البعد التناصى يلعب دورا كبيرا فى فهم الاستعارة، وبالتالي فى ترجمتها حيث يشبه الامام على العقيدة الاسلامية بالحبل المتين الذى ينقطع بوقوع الناس فى براثن الفتن والضلال والزيغ ، وهذه الاستعارة ترتبط تناصيا الآية الكريمة }واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا{ ،"3: 103" ولايمكن للقارىء غير العربي "غير المسلم " الوعى بهذا الارتباط التناصى لانه موجود فقط فى اللغة الاصلية اى العربية، ولذا
فلا يمكن ترجمته الى لغة اخرى كالانجليزية، واجمالا فإن الترجمة تفشل احيانا فى حفظ بعض الاستعارات العربية لان هذه الاستعارات تحمل ايحاء تناصيا يربطها باستعارات اخرى، وهذا ما لايمكن ان يعى به القارىء فى لغة اجنبية .
اما العامل التناصى الآخر الذى يميز بعض الاستعارات العربية ممثلة فى استعارات "نهج البلاغة" فهو ما نسميه هنا بعامل الصورة المركزية حيث تشترك مجموعة من الاستعارات فى صورة مركزية واحدة مثل صورة الجمل التى هى اوسع الصور انتشارا فى استعارات الامام علي حيث يكون الجمل او احدى خصائصه صورا لكثير من الاستعارات وذلك بأن يعبر الامام على عن حالات انسانية نفسية وذهنية وروحية بتشبيهها بخصائص فى حياة الجمل ، وللدلالة على هذه السمة نسوق
الامثلة التالية.
"ننوه هنا اننا لانهدف الى دراسة كيفية ترجمة علي رضا لهذه الاستعارات بل الى اظهار هذه السمة فحسب ":
1 - يا اشباه الابل غاب عنها رعاتها، كلما جمعت من جانب تفرقت من أخر.
2 -إلا وان اليوم المضمار وغدا السباق .
3 - تلك شقشقة هدرت ثم قرت .
4 - دعوتكم الى نصرة اخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الاسر وتثاقلتم تثاقل النضو الادبر.
5 - وقد نزلت بكم البلية جائلا خطامها، رخوا بطانها
6 - حتى يظن الظان ان الدنيا معقولة على بنى امية.
7 - بنا اهتديتم فى الظلماء، وتسنمتم ذروة العلياء.
8 - فتداكوا على تداك الابل الهيم يوم وردها وقد ارسلها راعيها وخلعت مثانيها.
9 - حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه .
10 - كم اداريكم كما تدارى البكار العمدة.
كما هو جلي فإن الجمل هو الصورة المركزية فى كل هذه الاستعارات وهذا نوع من التناص الذى يتوجب على المترجم الحفاظ عليه فى الترجمة لسببين اثنين اولهما ان وجود مجموعة من الاستعارات التى تشترك فى صورة مركزية واحدة يعنى ان هذه سمة اسلوبية يختص بها الكاتب ، ونقصد بالاسلوب هنا السمات التى تكثر فى نصوص كاتب معين وقد تظهرفي نصوص كتاب أخرين ولكن بدرجة مختلفة من التكرار، ولهذا يتوجب على المترجم الحفاظ علي هذه السمة الاسلوبية فى ترجمة الاستعارة اى ان على المترجم ألا ليركز جهده على السمات
الداخلية فى النص بل ايضا فى ابعاده التناصية، وتجاهل هذه السمة فى الترجمة يعنى فشلا ذريعا فى الحفاظ على اسلوب الكاتب فضلا عن انه تدخل وتحريف لهذا الاسلوب .
وعلاوة على هذا السبب الاسلوبى فإن هذه السمة تعنى ايضا ان مدلول الصورة المركزية يشكل جانبا مهما فى شخصية الكاتب ورؤيته للحياة عموما، فوجود صورة الجمل المركزية مثلا فى استعارات الامام على قد يوحى بوجود علاقات نفسانية كبيرة تربط بين الامام على والجمل ، بحيث ان هذه العلاقة قد بلغت من القرب حدا جعل الامام يفسر كثيرا من الظواهر الانسانية بتشبيهها بمظاهر فى حياة الجمل ، وهذا يقتضى ان على المترجم ان يحافظ على هذه الصورة المركزية فى كل الاستعارات لان غير ذلك سيؤدى الى فشل فى ترجمة النص كمرأة لشخصية مؤلفه ونظرته للحياة .
واجمالا نقول ان استعارات الامام علي فى "نهج البلاغة" تقدم دعما قويا للدراسات السابقة التى تؤكد اهمية العوامل الثقافية واللغوية كمحددات لترجمة الاستعارة، لكن تحليل هذه الاستعارات يظهر ايضا ان الاستعارات العربية تثير اشكالات اخرى بسبب بعض مميزاتها التناصية المتمثلة فى السمة الارجاعية وسمة الصورة المركزية.
انتهى
|
|
|
|
|