|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 19-03-2013 الساعة : 09:50 AM
السيّد محمّد الحسيني الشيرازي
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان، ج3، ص: 684 - 689
طبعة دار العلوم في قم 1424
سورة النور ، الآيات 11 - 20
[سورة النور (24) : آية 11]
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11)
[12] وبمناسبة ذكر الحد على القاذف يذكر القرآن الحكيم قصة «الإفك» الذي رمي به إحدى زوجتي النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «مارية» أو «عائشة» فقد نسب الخاصة القصة إلى «مارية». ونسب العامة القصة إلى «عائشة» والقصة هي:
قال الإمام الباقر عليه السّلام: لما هلك إبراهيم ابن رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حزن رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حزنا شديدا، فقالت له عائشة، ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلا ابن جريح فبعث رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عليا عليه السّلام وأمره بقتله، فذهب علي عليه السّلام إليه، ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط، فضرب علي باب البستان، فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب، فلما رأى عليا، عرف في وجهه الغضب، فأدبر راجعا، ولم يفتح باب البستان، فوثب علي عليه السّلام الحائط ونزل إلى البستان واتبعه، وولى جريح مدبرا فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة، وصعد علي عليه السّلام في أثره، فلما دنى منه رمى بنفسه من فوق النخلة، فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال ولا للنساء فانصرف علي عليه السّلام إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال له: يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوبر، أمضي على ذلك أم أثبت؟ فقال: لا تثبت، قال عليه السّلام: والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال وما له ما للنساء، فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت [بحار الأنوار: ج 22 ص 155]. وفي حديث آخر فأتى به رسول الله، فقال له: ما شأنك يا جريح؟ فقال: يا رسول الله إن القبط يحبون حشمهم، ومن يدخل إلى أهليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها وأخدمها وأؤنسها.
أقول: ولقد كان بعث الإمام على هذا ليتبين الأمر وإن كان بصورة إن يقتل جريح،
أما ما ذكره العامة، فقد قال في الجوامع: إن سبب الإفك، إن عائشة ضاع عقدها، في غزوة بني المصطلق، وكانت قد خرجت لقضاء حاجة فرجعت طالبة له، وحمل هودجها على بعيرها ظنا منهم أنها فيها، فلما عادت إلى الموضع، وجدتهم قد رحلوا وكان صفوان من وراء الجيش، فلما وصل إلى ذلك الموضع وعرفها أناخ بعيره حتى ركبته، وهو يسوقه حتى أتى الجيش، وقد نزلوا في قائم الظهيرة.
أقول: وهناك نسب المنافقون إلى عائشة وصفوان الإثم و أخذوا يبثونه، وقد أطال العامة في الحديث، لكن الغالب أن طرقه غير صحيحة، ومن المحتمل وقوع الأمرين كما في كثير من الآيات القرآنية التي يتعدد سبب نزولها
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بالكذب العظيم الذي قلب وجه الحقيقة، ويقال للكذب الإفك، لأنه يقلب الحقيقة إلى غير واقعه، وأصل الإفك القلب، ولذا قيل لمدائن لوط «مؤتفكات» لأنها قلبت ظهر البطن عُصْبَةٌ أي جماعة مِنْكُمْ أيها المسلمون، ولعل الإتيان بهذه الخصوصية، لإفادة أن الإفك، إنما كان وليد جماعة ذات هدف واحد، فليس كلاما قاله مغرض وإنما حركة مقصودة ضد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فليعرف المسلمون تلك العصبة وليطلعوا على نواياهم لا تَحْسَبُوهُ أيها المسلمون شَرًّا لَكُمْ يذهب بشرفكم ورفعة مقامكم وطهارتكم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إذ يوجب الأجر، ومعرفة المنافقين وتمرين الأمة على الصعوبات كما قال الشاعر:
جزى الله النوائب كل خير**و إن جرعنني غصص بريقي
أهاجتني زمانا كي تريني **على ملأ عدوي من صديقي
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أي من تلك العصبة التي جاءت بالإفك مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ قدر ما خاض في الحديث حول المرأة البريئة «مارية» وَالَّذِي تَوَلَّى أي تحمل كِبْرَهُ أي القسط الأكبر مِنْهُمْ أي من العصبة لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ أي هو الذي أذاعه وأشاعه وأظهره للمجتمع.
[سورة النور (24): آية 12]
لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
[13] ثم عاتب الله سبحانه المسلمين الذين خاضوا في الحديث بدون دراية ومعرفة، وإنما تفكها و حديثا لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ «لو لا» للردع، أي هلّا حين سمعتم الإفك من القائلين المغرضين ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً فإن مارية وجريح كانا من نفس المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم خيرا فإن مارية وجريح كانا من نفس المؤمنين والمؤمنات، ولم يكونا خارجين عن دينهم، والمراد ظنوا بها خيرا، قال الشاعر:
قومي هم قتلوا أميم أخي ** فإذا رميت يصيبني سهمي وَقالُوا حين سمعوا الخبر هذا إِفْكٌ أي كذب مُبِينٌ ظاهر أي لماذا لم يقولوا هكذا؟
[سورة النور (24): الآيات 13 الى 15]
لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
[14] لَوْ لا جاؤُ أي هلّا جاءت العصبة القاذفة عَلَيْهِ أي على الإفك الذي قذفوا مارية به بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ كما هو التشريع أن يأتي القاذف بأربعة شهود فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ أي حين لم يكن لهم شهيد يشهد بصدقهم فَأُولئِكَ الذين صنعوا هذا الإفك عِنْدَ اللَّهِ في حكمه هُمُ الْكاذِبُونَ لأن القاذف يرمى بالكذب حتى يقيم الشهود.
[15] وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أيها المسلمون وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ بأن أمهلكم للتوبة، ولم يعاجلكم بالعقوبة لَمَسَّكُمْ أي أصابكم فِيما أَفَضْتُمْ أي خضتم فِيهِ من الإفك، والإفاضة في الشيء الدخول فيه عَذابٌ عَظِيمٌ مؤلم شديد، إذ الإفك كان كبيرا حيث إنه وقيعة في بيت النبي وشرفه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مما يوهن طهارة الرسالة في نظر الناس، فيقول الكفار والمنافقون كيف يأمر النبي بالطهارة، وزوجته على ما هي عليه؟
[16] إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ أصله «تتلقونه» حذف إحدى التاءين على القاعدة، فيما إذا اجتمع في أول المضارع تاءان، والمراد تلقي بعضكم هذا الإفك عن بعض بالسؤال عنه وجاء «بألسنتكم» ليوضح، إن التلقي لم يكن بمعناه المتعارف، وهو أخذ الشيء باليد ونحوها وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ جمع فم ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ إذ لم تكونوا تعلمون ذلك، ومع ذلك كنتم تتكلمون حوله وَتَحْسَبُونَهُ أي تظنون ذلك هَيِّناً سهلا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ في الوزر، لأنه كذب وافتراء وهتك عرض، وإشاعة فاحشة.
[سورة النور (24): الآيات 16 الى 18]
وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
[17] وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ أي هلّا، إذ سمعتم هذا الإفك قُلْتُمْ لمن قاله ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا الحديث، أي لا يحل لنا أن نخوض في هذا الأمر سُبْحانَكَ ربنا هذا الذي قالوه بُهْتانٌ عَظِيمٌ أي كذب وافتراء عظيم عقابه، وقوله «سبحانك» لفظ يطلقه الإنسان لدى التعجب و الاستغراب من أمر.
[18] يَعِظُكُمُ اللَّهُ أيها المسلمون أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أي لئلا تعودوا لمثل هذا الإفك، أو كراهة أن تعودوا أَبَداً أي إلى الأبد، طيلة أعماركم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين بالله والرسول والمعاد والدين.
[19] وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ أيها المسلمون الْآياتِ الدالة على أوامره ونواهيه وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما يصدر منكم حَكِيمٌ فيما يأمركم و ينهاكم، فإنها طبق الصلاح و الحكمة.
[سورة النور (24): الآيات 19 الى 20]
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20)
[20] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ أي تنتشر و تظهر الصفة الفاحشة، من فحش بمعنى تعدى تسمى المعصية الكبيرة فاحشة، لأنها تتجاوز الحد كثيرا وإن كان كل عصيان يتجاوز الحد المقرر، وهل المراد بـ «يحبون» مجرد الميل القلبي حتى يكون لهذا الميل إثم، أو هو كناية عن القيام بالإشاعة لما سبق من أن كلا من الفعل و الإرادة يستعمل في الآخر فِي الَّذِينَ آمَنُوا أي بالنسبة إليهم، بأن يقذفوهم بها، أو يوسعون دائرة القذف، صدقا كان أم كذبا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم موجع فِي الدُّنْيا بالجلد والتعزير وَالْآخِرَةِ بالنار والنكال وَاللَّهُ يَعْلَمُ مضار إشاعة الفاحشة، وما فيها من العقاب والنكال وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فلا تفعلوا ما لا تعلمون إضراره و عقوباته.
[21] وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أيها المسلمون حيث عفى عنكم، عن هذه الجريمة، ولم يعاجلكم بالعقاب وأمهلكم لتتوبوا وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ بكم، لأخذكم العذاب في هذه النسبة التي نسبتموها إلى مارية زوجة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقد حذف جواب «لو لا» تهويلا، كما تقدم.
|
|
|
|
|