|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 19-03-2013 الساعة : 05:26 AM
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (النور11 - 12)
تسمى هذه الآيات بآيات الإفك. الإفك معناه الكذب العظيم الذي اختلقة بعض المنافقين بشأن زوجة رسول الله لغرض الإساءة إليه (صلى الله عليه وآله) خلاصة هذه القصة نقلا عن أهل السنة: إن عائشة زوجة الرسول دخلت بستانا لقضاء الحاجة اثناء عودة المسلمين من إحدى غزواتهم، وهناك سقطت عصابة رأسها فظلت تبحث عنها وتأخرت - نتيجة ذلك - عن القافلة، ثم أنها دخلت المدينة متأخرة برفقة صفوان الذي كان يسير خلف القافلة لمساعدة المتخلفين عنها. وفي أعقاب هذه الحادثة روج المنافقون تهما ضد زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله).. يستفاد من هذه الآيات قضايا تربوية واجتماعية ذات أهمية بالغة، وقد نتعرض نحن في عصرنا الحالي لابتلاءات من هذا القبيل.
تؤكد الآية إن الذين جاءوا بهذا الإفك هم عصابة منكم. وبهذا الأسلوب ينبه القرآن المسلمين والمؤمنين إلى وجود مجاميع بينهم تتظاهر بالإسلام ولكنها تستهدف من وراء ذلك مقاصد خطيرة. أي أن القرآن يريد القول أنّ اختلاق هذا الإفك على يد تلك الفئة لم يكن عن جهل أو غفلة، بل كان عملا مقصودا ومبيتا يرمي إلى الإساءة إلى الرسول وانتهاك حرمته، إلا أنهم لم يحققوا غايتهم تلك.
يذكر القرآن إن هؤلاء عصبة منكم، وكان قصدهم شرا لكن النتيجة جاءت خيرا: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾. لا تظنوا أنّ في هذه الحادثة انتكاسة لكم أنتم أيها المسلمون، أبدا بل أن هذه القصة مع ما فيها من مرارة كانت خيرا للمسلمين. ولكن لماذا يعتبر القرآن هذه القصة ذات مردود إيجابي مع إنّها كانت تنطوي على مرارة فضيعة؟ هذه القصة وضعت حدّاً لانتهاك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبقيت تتداولها الألسن أياما متوالية _ حوالي أربعين يوماً _ إلى أن نزل الوحي وتوضّحت الأمور تدريجيا. والله يعلم بما جرى على الرسول والمقربين إليه خلال هذه المدة.
أما قول القرآن انه خير فيعزى إلى سببين هما:
أولا: إن هذه الفئة المنافقة قد كشف عنها. من أكبر المخاطر التي تهدد المجتمعات هو تداخل الخنادق واختلاط الصفوف. فالمنافقون والمؤمنون كلهم في خندق واحد. وما دامت الأوضاع مستقرة فلا خطر في ذلك. ولكن ما أن يتعرض ذلك المجتمع إلى هزّة حتى يلحق به المنافقون أفدح الأضرار. ولهذا فالأحداث التي تمر بالمجتمع تؤدي إلى الكشف عن الوجوه.
وإذا وقع للمجتمع بلاء يقف المؤمنون إلى جانب المؤمنين، ويمزق المنافقون حجب نفاقهم ويقفون في الخندق الذي ينبغي لهم الوقوف فيه. وهذا خير كبير للمجتمع. المنافقون الذي وضعوا هذه القصة بقي لهم منها - حسب تعبير القرآن _ "الإثم" فقط، والإثم بمعنى وصمة الذنب. فأولئك المنافقون قد سقطوا من الاعتبار ما بقوا على قيد الحياة.
ثانيا: إن الذين لفقوا هذه التهمة لفقوها عن وعي، إلاّ أن سائر المسلمين صاروا كأداة لهذه الزمرة، فأكثرية المسلمين مع ما تتصفبه من الإخلاص والإيمان ونزاهتهم عن الأغراض والمساوئ إلا أنهم اتخذوا من قبل هذه الزمرة كأداة إعلامية ولكن لا عن قصد أو عن وعي. وهذا ما يبينه القرآن بشكل واضح.
...
الفائدة الثانية من هذه القصة هي أن المسلمين أدركوا الخطأ الذي وقعوا فيه، مما أدى إلى إيجاد الوعي بينهم. أي انهم وقفوا على حقيقة تلك الفئة من جهة، وعرفوا موضع خطئهم من جهة أخرى.
... الإسلام يقول: متى ما سمعتم مثل هذا الكلام لا تذكروه أمام أحد أبدا. أن كنت في شك منه أذهب وتحرّاه بنفسك. وإذا لم تكن لديك رغبة في التحقق من صحة الأمر لماذا تذيعه للآخرين؟ لا يحق لك أبدا إفشاؤه.
... الفائدة الثانية المستقاة من قصة الإفك هي توعية المسلمين. والقرآن ذكرها لتبقى على الدوام يقرؤها الناس باستمرار ويأخذوا منها العبر. فإياك وإن تصبح أداة وإذاعة للآخرين.
...
وقول القرآن ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم﴾ يريد منه إنّ هذا درس لكم أيّها المسلمون إقرأوا قرآنكم وخذوا منه العبر لكي لا تكونوا بعدها أبواقاً إعلامية للأعداد ولما يبثونه من إشاعات. ثم يقول: أن الذين جاؤا بهذه القصة لحقتهم عواقب ذنبهم كل حسب ما ارتكب من الذنب، وإن أحدهم قد تحمل القسم الأعظم من ذلك الأثم "والمقصود به عبدالله بن أبي بن سلول" ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وبالإضافة إلى سوء المصير والسمعة في هذه الدنيا حيث بقي يُسمى برئيس المنافقين ما دامت الدنيا. ويذيقه الله أيضا عظيم العذاب في الآخرة.
﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ كان من الممكن أن يعبر القرآن عن هذا المعنى بالقول: أيها المسلمون لماذا أسأتم الظن بإخوانكم المسلمين لما سمعتم هذا الخبر ولم تحسنوا الظن بهم؟ ولكنه لو عرضه بهذا المعنى لكان قد عرض موضوعا في غاية البساطة، ولكنه قال: لماذا أسأتم الظن بأنفسكم؟ أي يجب أن تفهموا أنكم بناء واحد وجسد واحد. وعلى المؤمنين أن يعتبروا أنفسهم أعضاء في جسد واحد، فإذا نسبت لأحدهم تهمة تكون وكأنها موجهة ضدهم كافة، وإن عرض أي مسلم كأنه عرض الجميع.
النقطة الثانية هي أن القرآن لم يقل: لماذا لم تظنوا بأنفسكم خيرا؟ بل قال: لماذا لم يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا؟ هنا ذكر الرجل والمرأة سوية، أي لا فرق بين الرجل والمرأة. ثم يدخل كلمة الإيمان في السياق، أي أن الإيمان هو ملاك الوحدة والاتحاد. أي أن المؤمنين يعتبرون نفسا واحدة انطلاقا من مبدأ الإيمان. أي انه يريد القول أيها المؤمنون والمؤمنات لو وجهت إلى أحدكم تهمة، هل يذيعها ويتحدث بها حيثما جلس ويقول نُسِبَت إلىّ مثل هذه التهمة؟ كيف إذا نُسبت لأحدكم تهمة يفهم أنّه يجب عليه التزام الصمت ولا يعمل على إشاعتها في حين إذا نسبت إلى إخوانه المؤمنين وأخواته المؤمنات لا يتخذ نفس الموقف؟ ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾.
لماذا حينما سمعوه لم يقولوا: هذا إفك. سكت رسول الله مدّة شهر، في حين كان المسلمون الغافلون يتناقلون تلك الأكذوبة في مجالسهم وكلّ واحد منهم يقول: سمعت كذا؟ القرآن يقول: كان ينبغي أن تقولوا: هذا إفك منذ اليوم الأول. وعليكم الآن ان تقولوا حين سماع مثل هذا الإشاعات: هذا إفك مبين.
﴿لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (النور/13).
أي أنكم ملزمون برعاية الأحكام والقوانين التي حددها الإسلام لسلوككم. وأية تهمة تسمعونها بحق أي شخص مسلم - مادامت لم تثبت - يجب أن تعتبرونها أكذوبة، وأنها كذب عند الله، وعبارة "عند الله" بمعنى في الأحكام الشرعية.
التكليف واضح جداً. فإذا سمعنا شخصاً يتهم فرداً أو جماعة أو مؤسسة، ما هو تكليفنا؟ هل تكليفنا أن نسكت؟ أم نقول "الله أعلم"؟ أم نقول: لا ندري ربّما صحيح وربّما غير صحيح؟ أم نتحدّث في المجالس ونقول سمعنا يقولون هكذا؟ ما هو موقفنا؟ طالما لم تقم البينة الشرعية، وطالما لم يثبت لدينا شرعا - كأن يشهد أربعة عدول في قضايا الزنا، وشاهدان عدلان في القضايا الأخرى، وهذا هو معنى البيّنة الشرعيّة هنا، وعندها يترتب علينا واجب آخر - لا يحق لنا التحدث بذلك، ولا يحق لنا أن نقول: لا نعلم، أو نقول ربما للقضية أساس أو ربما لا أساس لها، ولا يحقّ لنا أن نسكت، بل يجب أن نكذّب الخبر ريثما يثبت شرعا وحينها يجب علينا التصدي لتلك الظاهرة السلبية.
يقع علينا بطبيعة الحال في كل حالة تكليف معين. في بعض المواقف يجب علينا الوقوف بوجه ذلك العمل، وفي مواقف أخرى يجب على الحاكم الشرعي اتخاذ الإجراءات الرادعة كقضية الزنا مثلا. والقرآن يقول: انتم أيها المسلمون إذا تناقلتم مثل هذه الإشاعات ترتكبون إثما عظيما، إلا أن الله غفر لكم هذا الذنب، وعليكم أن تحاذروا من ارتكاب مثل هذا العمل مستقبلا.
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور/14).
ولكن أي ذنب هذا الذي انهمكنا فيه، ونقلناه؟ ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (النور/15). وكنتم تظنونه أمراً هيّناً: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ لأن القضية هنا تخصّ كرامة المسلمين، وفي هذا المورد بالخصوص يمسّ بكرامة الرسول (صلى الله عليه وآله) فلماذا حينما سمعتموه لم تقولوا لا يحق لنا الخوض في هذا الحديث؟ ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ (النور/16). ولا يقتصر الموقف عند حد الامتناع عن الكلام ، بل لا بد من تكذيب الخبر: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ (النور/16).
أن الله يعظكم أيها المسلمون أن لا تعودوا لمثل هذا الذنب: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (النور/17).
ويجب عليكم أن لا تكونوا أداة إعلامية تشيع ما يلقيه العدو في الأفواه: ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النور/18). فهو تعالى عالم بكل شيء وأنزل عليكم هذه الآيات على أساس حكمته.
...
المجتمع الذي يلفق الأكاذيب والتهم والبهتان وعده الله بالعذاب. جاء في الآية التالية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور/19).كما تتضمن الآيات اللاحقة مزيدا من التأكيد على المؤمنين أن لا يتبعوا الأكاذيب التي يبثها الآخرون ويصبحون جهازا إعلاميا للتشهير بأنفسهم.
|
|
|
|
|