|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
صيام يوم عاشوراء 3
بتاريخ : 02-02-2010 الساعة : 12:29 AM
ارجو وضع تعليقاتكم لدى امتحان في هذا البحث (تعليقات على الكاتب)
معالجة المشكلة السندية:
من هنا ذكر الأصحاب وجوهاً لاعتبار النصوص المذكورة، ومن ثمّ إدخالها دائرة الحجية:
منها: ما جاء في كلمات المحقق النراقي(قده) في المستند، بقوله: لا يضر ضعف أسناد بعض تلك الأخبار، بعد وجودها في الكتب المعتبرة، مع أن فيها الصحيحة[1].
ولا يخفى أن كلامه يفيد تأسيس كبرى كلية، جعل مقامنا من صغرياتها، ومفاد تلك الكبرى: أن وجود النص في أحد الكتب المعتبرة موجب لدخوله دائرة الحجية، وكأن ذلك يعود إلى أن أصحاب الكتب المعتبرة قد شهدوا باعتبار كتبهم، والتـزموا ألا ينقلوا فيها إلا ما صح وثبت صدوره عن المعصوم(ع). وبالتالي يتشكل في البين قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه ما ذكرنا، وصغراه نصوص المقام، على أساس أنها مما ورد في الكتب المعتبرة، فتدخل دائرة الحجية.
ولا يخفى ما في الكبرى من منع، ضرورة أن مجرد شهادة أصحاب الكتب باعتبار نصوص كتبهم لا يلزم بحجيتها، وإلا لم تكن هناك حاجة للمناقشة في أسناد شيء من الكافي، أو الفقيه، لما جاء في ديباجتيهما، فلاحظ.
ومنها: ما جاء في كلمات سيد الرياض(قده)، إذ ذكر أن نصوص المنع: تكاد تقرب من التواتر، ولأجلها لا يمكن العمل بتلك(النصوص الدالة على الجواز والمشروعية)ولو من باب المسامحة، إذ هي حيث لم تحتمل منعاً ولو كراهة، وهي محتملة من جهة الأخبار المانعة[2].
ولا ريب في أنه لو تم ما أفاده(قده) فعلاً أعني من ثبوت التواتر لنصوص المنع، لم تكن هناك حاجة لدراسة أسنادها، إذ أن ذلك علامة الصدور كما هو واضح، إلا أن الكلام في صدق عنوان التواتر في المقام، فإن النصوص المذكورة وإن كانت لا تبلغ من حيث العدد ما جرت عادة أهل الدراية على اعتباره. نعم لو كان مقصوده من التواتر ما أختاره بعض الأكابر(قده)، وبعض أساطين المحققين من المعاصرين(دامت أيام بركاته) من ملاحظة نسبة الاحتمال والمحتمل، كان لذلك وجه.
والحاصل، يصعب الجزم في البين بتحقق التواتر، وإن كان المختار في حقيقته ومعناه، ما أختاره بعض الأكابر(ره)، وبعض أساطين المحققين(أطال الله في عمره الشريف). خصوصاً بملاحظة ما ذكره بعض الأعاظم(قده) من رجوع أربع من الروايات إلى واحدة، لأن طريقها ينتهي إلى الحسن بن علي الهاشمي[3]، فيقل العدد كما هو واضح.
ومنها: ما حكي عن شيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته) من اعتبار أسنادها، اعتماداً على عمد الشيخ(ره) للجمع بينها وبين الطائفة الثانية، ومن الواضح أنه(قده) إنما عمد للجمع بينهما لفراغه عن حجيتهما، ضرورة أن المعارضة فرع الحجية، فلو لم تكن هذه الطائفة حجة لم يعمد للجمع بينهما، لأنه لن تكون معارضة حينئذٍ.
ويلاحظ عليه، أولاً: أن المدعى أن بين نصوص المنع ما هو معتبر سنداً، وبالتالي يكفي أن يكون في البين ولو خبر واحد حتى يصح القول بحصول المعارضة، لأن تحققها خارجاً لا يتوقف على تعدد الأخبار كما لا يخفى.
على أنه يمكن القول، بأن ما كان غير معتبر عندنا، يكون معتبراً عند الشيخ(قده).
ثانياً: إن المتابع لمنهج شيخ الطائفة(ره) في التهذيـبـين، يجد أنه يعمد في البداية إلى محاولة التوفيق والجمع العرفي بين الطائفتين المتعارضتين، بعيداً عن المناقشة السندية فيها، فإن لم يتم الجمع عمد إلى الترجيح السندي، ولذا متى أمكن الجمع، فإنه يسكت عن اللجوء للمرجحات، ومن الطبيعي أن هذا يعني أن جمعه العرفي أعم من كونه يعتبر الخبر من عدمه، فتأمل.
ومنها: ما حكي عنه أيضا(دامت أيام بركاته) من أن نصوص المنع لما كانت موافقة لسيرة المتشرعة أوجب ذلك دخولها دائرة الحجية واعتبارها.
ولم يتضح لي منشأ تقوية سيرة المتشرعة للنصوص الضعيفة، إذ لو كان الأستاذ يريد أن النصوص الموجودة في المقام مجبورة، والكاشف عن تحقق الجابرية هو سيرة المتشرعة، فإن ذلك مردود، بأن وجود سيرة المتشرعة في المقام تمنع من تحقق جبر في مقام العمل، كما فصل في محله. وإن كان نظره إلى أن النصوص المذكورة كاشفة عن السيرة المستمرة، فلن تصلح السيرة لدعم النصوص وتقويتها، وإلا كان المقام مصادرة بينة.
أدلة القائلين بالجواز:
هذا وقد تمسك القائلون بجواز الصوم يوم عاشوراء بجملة من النصوص:
منها: موثقة أبي همام عن أبي الحسن(ع) قال: صام رسول الله(ص) يوم عاشوراء[4]. ودلالتها على المدعى واضحة، ضرورة أنه لا يتصور صدور الفعل من المعصوم(ع)، مع كونه غير مشروع، فإتيان المعصوم(ع) فعلاً من الأفعال دليل مشروعيته، بل رجحانه واستحبابه، لما نعتقده نحن الشيعة من أن المعصوم، لا يرتكب مكروهاً، ولا يترك مستحباً.
ولو تأمل في دلالة الموثق، لكونه فعلاً، وليس لساناً، والفعل دائماً وأبداً مجمل، لتردده بين الاستحباب والمشروعية.
دفع، بأن المدعي للجواز، لا يريد إثبات استحباب صيام يوم عاشوراء، وإنما أقصى ما يسعى إليه هو إثبات مشروعيته وجوازه، وهذا يكفي في الدلالة على المدعى، فتأمل.
ومنها: خبر جعفر بن محمد بن عبيد الله بن ميمون القدّاح، عن أبي جعفر، عن أبيه(ع)، قال: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة[5].
أقول: راوي الحديث لم تثبت وثاقته، هذا وقد أختلف ما ذكره في الوافي عما ذكره في الوسائل، ذلك أن صاحب الوافي جعل الراوي المباشر عن الإمام(ع) هو القداح[6]، بينما الوارد في الوسائل أن المباشر للرواية هو جعفر بن محمد، وما في الوافي هو الموافق لما في التهذيب[7]. وأما من حيث الدلالة، فهو واضح في المدعى، إذ أن جعل صيامه كفارة سنة كافٍ عن محبوبية صيامه، والندب إليه، فلاحظ.
ومنها: ما رواه كثير النواء عن أبي جعفر(ع) قال: لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح(ع) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر(ع): أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحواء، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى(ع) فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم(ع)، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس(ع)، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم(ع)، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم(ع)[8].
وليس في سنده من يتوقف فيه سوى كثير النوا، وسيأتي الحديث عنه في الملاحق، فأنتظر.
ودلالته على المدعى واضحة جداً، خصوصاً وأن الخبر قد تضمن الإشارة إلى ما وقع في هذا اليوم من بركات، حتى أنه كان يوماً مباركاً في جميع الأمم السابقة على أمة نبينا محمد(ص).
إلا أن شيخنا المجلسي غواص بحار الأنوار(قده)، حمله على التقية، بقرينة ما رواه الصدوق(ره) في الأمالي وغيره: أن وقوع البركات في هذا اليوم من أكاذيب العامة، ومفترياتهم[9].
وكذا ناقش في صحة وقوع هذه الأحداث في يوم عاشوراء المحقق القمي(ره) في غنائم الأيام أيضاً، فذكر أن رواية كثير النوا من حيث المضمون مخالفة لسائر الأخبار في ولادة عيسى(ع)، لأن المعروف أنها في ذي الحجة، وتوبة قوم يونس(ع) ورد أنها كانت في شوال، وتوبة آدم(ع) ورد أنها كانت في يوم الغدير، وغير ذلك. وأما ذكر قيام القائم(ع)، فلعله من جهة تخليطه حتى لا يكذب في سائر ما ذكره[10].
هذا ولو رفعنا اليد عما تقدم، فإنه يمكن المنع من دلالة الخبر على مشروعية صيام يوم عاشوراء، فضلاً عن استحبابه، لأن أقصى ما يفيده الخبر المذكور الحديث عن وقوع جملة من الأحداث في هذا اليوم، إلا أنه لا ظهور له من قريب أو بعيد في مشروعية الصيام فضلاً عن محبوبيته، وبالتالي البناء على ثبوت ذلك يحتاج إلى مؤونة، كما يحتاج إلى تمامية كبرى كلية، أنه في كل يوم وقعت جملة من الأحداث والكرامات، فإنه يحكم باستحباب صومه، ومحبوبية ذلك، والظاهر عدم ثبوت ذلك، فتأمل.
ومنها: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله، عن أبيه(ع) أن علياً(ع) قال: صوموا العاشوراء التاسع والعاشر، فإنه يكفر ذنوب سنة[11].
ودلالته على المدعى تامة، كما أنه لا مجال للخدشة في سنده، حيث ذكرنا في بحث حجية البينة أنه لا مانع من رواية هارون بن مسلم عن مسعدة، كما أننا استقربنا هناك اتحاد مسعدة بن صدقة مع مسعدة بن زيادة لعدة قرائن، فلاحظ.
ومنها: خبر حفص بن غياث عن جعفر بن محمد(ع) قال: كان رسول الله(ص) كثيراً ما يتفل يوم عاشوراء في أفواه أطفال المراضع من ولد فاطمة(ع) من ريقه ويقول: لا تطعموهم شيئاً إلى الليل، وكانوا يروون من ريق رسول الله(ص). قال: وكانت الوحش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود(ع)[12].
قال الفيض الكاشاني(قده): كأن الوجه في ذلك ما روي أن الوحش كانت تحضر وعظ داود(ع) وتذكيره لحسن صوته، وإعجاب كلامه، فلعلها سمعت منه(ع) من ذلك شيئاً أو أوقع الله في نفوسها في ذلك اليوم حزناً فتركت الأكل[13].
ولا يخفى أن الخبر المذكور أجنبي عن المقام تماماً، إذ لا يتضمن من قريب أو بعيد الإشارة إلى مشروعية الصيام في يوم عاشوراء، فضلاً عن استحبابه، فلاحظ. اللهم إلا أن يدعى أن ما صدر منه(ص) في شأن أطفال الزهراء(ع) يكشف عن أن بقية أهل الدار من البالغين كانوا صائمين، فتأمل.
ومنها: خبر الزهري عن علي بن الحسين(ع) قال: أما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار...صوم عاشوراء[14].
ودلالة الخبر على المشروعية واضحة بمقتضى التخيـير، وفي الزهري خلاف بين الرجاليـين، في أنه من العامة المحبين، أم أنه من الشيعة، يطلب من محله.
ومنها: خبر الجعفريات عن أبي عبد الله الصادق(ع) عن أبيه، قال: كان علي(ع) يقول: صوموا يوم عاشوراء التاسع والعاشر احتياطاً فإنه كفارة للسنة التي قبله، وإن لم يعلم به أحدكم حتى يأكل فليتم صومه[15].
وهو تام الدلالة على المدعى، إلا أن المشكلة فيه من الناحية السندية كما فصلنا ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا عدم إمكانية الاستناد للكتاب المذكور، فلاحظ.
ومنها: خبر دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد(ع) أنه قال: أوفت السفينة يوم عاشوراء على الجودي، فأمر نوح من معه من الإنس والجن بصومه، وهو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم(ع)، وهو اليوم الذي يقوم فيه قائمنا أهل البيت(ع)[16].
وهو أيضاً كالنصوص السابقة عليه من حيث الدلالة كما لا يخفى.
والمتحصل من هذا العرض أن في البين نصين قد تما سنداً ودلالة، وهما موثقة أبي همام، وموثقة مسعدة، وقد تقرر منا في محله أن اعتبار وثاقة مسعدة إنما هي صناعية، لا يجزم بها في مقام العمل، ووفقاً لذلك وبناءً على عدم تمامية ما دل على المنع من صوم يوم عاشوراء، يلتـزم باستحباب صيامه دونما تقيـيد بكونه على وجه الحزن، بل بالاستحباب المطلق.
ولا يخفى أنه ووفقاً لما تقدم من تمامية ما دل على المنع من صوم يوم عاشوراء، فعندها تحصل المعارضة بين ما دل على الجواز، وبين ما دل على المنع، فلابد من العمد إلى العلاج، إما من خلال جمع عرفي، أو يعمد إلى الترجيح.
معالجة المعارضة بين النصوص:
وقد يجمع بينهما بحمل ما دل على استحباب الصوم يوم عاشوراء مطلقاً دونما تقيـيد بكونه حزناً على مصاب أبي عبد الله(ع) باستحباب صومه حزناً، بقرينة الروايات الدالة على المنع عن صومه، لأنها ناظرة للمنع من صومه إذا كان فرحاً وشكراً، لا ما إذا كان صومه حزناً وألماً، وقد جمع هذا الجمع شيخ الطائفة(ره) في الاستبصار، وقال أنه جمع شيخنا المفيد(قده).
وأورد عليه: بأن الصوم يوم عاشوراء-طبقاً للنصوص الناهية عن صومه- يعدّ بدعة ويوجب الهلكة، مما يعني عدم قابليته للصوم. مضافاً إلى أنه لم يعهد كون الحزن سبباً لاستحباب الصوم أصلاً، وإنما السبب لاستحبابه هو أيام الفرح والسرور، فلاحظ[1].
هذا وقد منع شيخنا الأستاذ(أطال الله في بقائه) من الجمع بين الطائفتين، وذكر أنه جمع تبرعي، وعلل ذلك بأن الصوم إنما يكون شكراً لله سبحانه، ولا يتصور هذا في يوم عاشوراء لأنه يوم مصيبة، فيكشف عن المنع من الزجر عن صومه، فلا يمكن جمعه مع النصوص الأخرى.
ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن الشكر لا يتنافى والمصيبة بل هو أعم، إذ يمكن أن يكون الإنسان شاكراً لله سبحانه على ما هو فيه من مصاب، كما يمكن أن يشكر الله تعال متى تجددت له نعمة، من هنا فقد نُقض عليه(حفظه الله) بما جاء في زيارة عاشوراء: اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم.
وعن صاحب الحدائق(قده) البناء على عدم ثبوت معارضة في المقام، ضرورة أن المعارضة فرع حجية النصين المتعارضين، ولا حجية في البين لما دل على مشروعية أو استحباب صوم يوم عاشوراء، لأن هذا الحكم، أعني صوم يوم عاشوراء كان ثابتاً في صدر الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك عندما نزل الأمر بصوم شهر رمضان المبارك، تمسكاً بما جاء من أن صوم عاشوراء كان ولكن ترك برمضان[2].
ولم يرتض مقالته شيخنا الأستاذ(أطال الله في عمره)، فأورد عليه:
أولاً: إنا نمنع ثبوت النسخ لصوم عاشوراء تمسكاً بموثقة مسعدة بن صدقة المتقدمة في ما دل على الجواز، فإنها تضمنت أمر أمير المؤمنين(ع) صوم يوم عاشوراء، وأنه كفارة ذنوب سنة، وهذا يعني عدم نسخ الحكم بمشروعية الصوم، لأنه لا تشريع بعد وفاة رسول الله(ص). وكذا أيضاً خبر القداح المتقدم.
ثانياً: إن مستند صاحب الحدائق(ره) في نسخ صوم يوم عاشوراء بصيام شهر رمضان المبارك، مضافاً لضعفه السندي، هو غير تام الدلالة على المدعى، ضرورة أن أقصى ما يستفاد منه هو ترك صوم يوم عاشوراء بمعنى رفع وجوبه، لا أنه يستفاد منه عدم المشروعية.
هذا ولو جعل مستند صاحب الحدائق للنسخ التالي: سألت أبا جعفر(ع) عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: صوم متروك بنـزول شهر رمضان والمتروك بدعة[3]. وهي ظاهرة في النسخ ومن ثمّ سلب المشروعية.
أجيب عنه، مضافاً لضعف الخبر سنداً، فإنه معارض بما دل على بقاء المشروعية وأنه كفارة سنة، كخبر القداح، ولا ريب في أن خبر القداح نص في المشروعية ورواية أبي جعفر(ع) ظاهرة في عدم المشروعية، فترفع اليد عن الظاهر بمقتضى النص.
على أنه لو بني على الإجمال في لفظ الترك، إذ يحتمل أن يكون المقصود منه ترك الصيام عملاً في الخارج، مع بقاء المشروعية، أو تركه بمعنى زوال أصل المشروعية، كانت النتيجة أيضاً عدم صلوح الخبر لإثبات النسخ، مضافاً إلى أنه يمكن رفع الإجمال من خلال موثقة مسعدة، ورواية القداح.
أقول: لا يخفى أن ما أفاده شيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته) جارٍ على وفق القواعد، ذلك لأن موثقة مسعدة، ومروية القداح مستجمعة لشرائط الاعتبار بتوفرها على الأصالات الثلاث، إلا أن هذا لا يجري على وفق مبناه(دامت أيام بركاته) فإنه قد قرر أنه لن تصل النوبة للتعارض حتى لو قلنا بأن أخبار المنع غير تامة سنداً كما عن بعض الأعاظم(ره)، لانتفاء أصالة الجهة في نصوص الاستحباب أو المشروعية، وذلك لأن متون هذه الروايات موافقة للنصوص المتظافرة الواردة في صحيح مسلم، كما أنها موافقة للعنوان الفقهي الوارد في كتبهم الفقهية. ثم إنه لما كانت هذه النصوص موافقة للمتون الفقهية المسلمة عند العامة، فهذا يسلب منها أصالة الجد، للشك فيها، فلا تجري أصالة الجد حينئذٍ، فإنها أصل عقلائي لبي، يقتصر فيه حال الشك على خصوص القدر المتيقن. وطبقاً لذلك لن يكون في البين ما يدل على المشروعية فضلاً عن الاستحباب كما لا يخفى.
ولا يخفى أن شيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته) يشير بهذا البيان إلى أن تحقق موجب الشك في توفر أصالة الجهة، لأنه يقرر أن النصوص الدالة على الاستحباب أو المشروعية موافقة لما عند العامة، فيكون ذلك موجباً لحصول الشك في أصالة الجهة فيها، لأننا نشك عندها في صدورها بداعي الجد كما هو واضح.
وبالجملة، مقتضى ما ذكرنا أن إيراده(دامت أيام بركاته) غير وارد على صاحب الحدائق(ره)، اللهم إلا أن يدعى أنه ناظر إلى إلزام صاحب الحدائق(قده) بما يلتـزم، لا بما يلتزم به هو(أطال الله في بقائه)، فتأمل[4].
والمتحصل، أنه لا مجال للجمع العرفي بين الطائفتين، بل إن المعارضة مستقرة بينهما، ولا موجب لرفع اليد عن اللجوء للمرجحات، وقد تكرر في كلمات الأصحاب حمل روايات الجواز على التقية، فقد حملها المحقق القمي(ره) في غنائم الأيام على ذلك[5]، وكذلك الشيخ التقي الشيخ محمد تقي المجلسي(قده) في كتابه روضة المتقين[6]، وكذا المجلسي(قده) في ملاذ الأخيار[7]، وكذا في مرآة العقول[8]. وبالتالي تبقى النصوص الدالة على حرمة صوم يوم عاشوراء من دون معارض، فيحكم بحرمة صيامه.
إلا أن في النفس شيئاً من هذا الحمل، فإن النصوص الدالة على الجواز والمشروعية تضمنت حكاية ذلك عن رسول الله(ص)، وعن أمير المؤمنين(ع)، ولا يخفى أنه لو كانت الحكاية منحصرة في خصوص ما صدر عن رسول الله(ص)، أمكن الحمل على ذلك، إلا أن الكلام في اشتمالها على الحكاية لذلك عن أمير المؤمنين(ع)، وقد جاء في مروياتنا أن القوم كانوا يعمدون لخلاف ما يفعله علي(ع)، فكيف تكون الحكاية عن أمير المؤمنين(ع) لفعل أو لقول يوافق التقية. على أن الملاحظ أن نصوص الجواز قد نقلت عن غير واحد من الأئمة(ع)، وهذا بنفسه يوجب التوقف كثيراً في صدورها تقية كما لا يخفى، مضافاً إلى أن الموجب للحمل على التقية غير واضح في البين، إذ لو كان المقصود هو موافقة الفقيه ذا السلطة العلمية في ذلك العصر، وسلمنا أنه أبو حنيفة أو مالك أو كلاهما، فإننا نجد أنهما لا يلتـزما بالاستحباب، وإنما يلتـزما بأن صومه سنة، ويفرقان بين كون العمل سنة وبين كونه مندوباً، فلا معنى لأن يتقي منه(ع).
وبالجملة، الحمل على التقية للنصوص الدالة على الجواز والمشروعية يحتاج وقفة تأمل للجزم بذلك.
ثم إنه مع التوقف في الحمل على التقية، فلابد من البحث عن مرجح آخر، فقد يستند عندها إلى الشهرة الروائية على أساس أن المستفاد من المقبولة هو الترجيح بالمشهور روائياً، فتقدم الطائفة المستجمعة لذلك.
إلا أن الإنصاف، أنه لا مجال للركون لهذا المرجح، إذ أن الطائفتين من النصوص، ما دل منها على المشروعية والجواز، وما دل منها على المنع يتوفر فيه البناء على الشهرة الروائية، فلاحظ.
هذا ولو قيل بأن المستفاد من المقبولة هو الترجيح بالشهرة الفتوائية، وليس المقصود منها الترجيح بالشهرة الروائية، كما بنى على ذلك بعض الأعلام(ره)، وبعض المعاصرين(حفظه الله)، فتقدم النصوص الموافقة للشهرة الفتوائية، ولا ريب أنها نصوص المنع، لما عرفت عند استعراض كلمات الأصحاب في مطلع البحث.
وهذا وإن كان بحسب الصغرى تام، إلا أن المشكلة تكمن في الكبرى، إذ تقرر منا في الأصول عدم ظهور الشهرة الواردة في المقبولة في الشهرة الفتوائية، بل هي ظاهرة في الشهرة الروائية، فتدبر.
هذا وقد يقال: بأنه لا معنى للقول باستقرار المعارضة، لأن النصوص الدالة على الحرمة معرض منها من قبل الأصحاب، إذ لم يلتـزم بها أحد من القدماء، بل كلماتهم وفتواهم على البناء على استحباب الصيام في يوم عاشوراء، كما أن هناك دعوى إجماع على ذلك كما عن صاحب الغنية، وفي الجواهر أنه لم يجد في ذلك خلاف، وعليه تبقى النصوص الدالة على المشروعية أو الاستحباب من دون معارض فلا تحمل على التقية.
قلت: إن الإعراض على فرض تحققه في المقام، فهو من الإعراض الصناعي الذي لا يسلب الحجية عن الخبر كما فصل في محله.
وبعدما فقد ما يوجب الترجيح، فلا محيص عن البناء على التساقط، فإن كان في البين عام فوقاني يصلح أن يكون مرجعاً للبناء على مشروعية صيام يوم عاشوراء، كان هو المحكم، وإلا فالمرجع عندها إلى الأصل العملي.
والظاهر أنه لا يوجد في المقام عام فوقاني يمكن الرجوع إليه للبناء على مشروعية صيام يوم عاشوراء، فيتعين الرجوع للأصل العملي، لمعرفة حكم صيام يوم عاشوراء، ومقتضاه البناء على عدم المشروعية، إما تمسكاً باستصحاب العدم الأزلي، أو تمسكاً باستصحاب العدم النعتي، ولا يمكن الرجوع للبراءة، لأن البحث ليس في ثبوت التكليف وعدمه، بل هو في أصل المشروعية وعدمها، فتعين على هذا المنع من صيام يوم عاشوراء، نعم يـبقى ما أشير له في كلمات شيخنا الأستاذ(أطال الله بقائه) من أن البناء على الحرمة بنحو الفتوى مع كون فتوى الأصحاب على الاستحباب كما عرفت مما يصعب الجزم به، فيتنـزل الفقيه في مقام الفتوى إلى الاحتياط الوجوبي حذراً من مخالفة المشهور، والله سبحانه وتعالى العالم العاصم[9].
النهاية
|
|
|
|
|