يــــا مَنْ أمرتني بأنّ أتّخذ من المرتضى "ع" مولى ودليلا ، وهوالرفيق لك منذ يومه الأول لصباح الرسالة الصبوح وصاحب البواكير من مواهب ومزايا تستمطر على فؤاده الغضّ غمائم النّور الصقيل دون التوكّل على مداخل السنين القليلة من عمره أكانت سبع أم خمسة عشر .. فمثل عليّ "ع" لا تستوقفه عتبات العمر، وهو من قلّة يؤمّون الحياة مع بدايات فصولها .. وهو صفحة بيضاء نقية تقبل كل لون ، وهي مستعدة لأن ينطبع عليها كل صورة مهما كانت من القيم الأخلاقية والقواعد الإنسانية وطريقة الحياة السعيدة ، وتحقيقا لهذا الهدف السامي .. وما ظنّك إذا كان الرسام عن بياضها النبي الكريم - صلى الله عليه وآله – والريشة من عجينة الوحيّ ترسم على وتر البصيرة العلوية بنقرة الموهوب مصحوبة بنور محمّد ..ومع إرادة الله تعالى لولي دينه أن ينشأ نشأة صالحة وأن يأخذ النبي عليا إلى بيته وأن يقع منذ نعومة أظفاره تحت تربية النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله - فكان يضعهُ في حجره وهو وليد ، ويضمّه إلى صدره ، ويكنفنه في فراشه ، ويمسه جسده ، ويشمُ عرفه ، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمُ .. وبذلك نُسجت الطهارة النفسية العلوية ، ونقاوة الروح التي كان يتحلى بها ، والتربية المستمرة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله "ع" ، كل ذلك كان سببا في أن يتصف علي "ع" - ومنذ صباه الأول - ببصيرة نفاذة وقلب مستنير ، وأذن سميعة واعية تمكنه من أن يرى أشياء ويسمع ترانيم تخفى على الناس العاديين ، ويتعذر عليهم سماعها ورؤيتها ، كما يصرح نفسه بذلك إذ يقول : " أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ويرى مع رسول الله "ع" قبل الرسالة الضوء ، ويسمع الصوت ، كما كان يسمع رنة الشيطان حين نزول الوحي ..
وقد قال له النبي "ع" ..": لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة ، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه ، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء ". وهكذا مشى الإمام عليّ "ع" الطريق واثقا ببصيرته قبيل أن يمشيه بقدميه . حتّى كانت حَجَّة البلاغ حبلى بخاتمة البشارة والوصية والبيان بقرب الرحيل ؟ وعند غدير خمّ كان القول الفصل وتتمة الآيات وقيــام الحجّة ، حتّى تكتحل من نورٍها بصائر أهل الولاء ، ويتسرب نورها إلى عُمق الوجدان والعقــــــل .. ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، كمثل نجوم السماء : إذا هوى نجم ، طلع نجم ، بعد أن تكاملت من الله فيهم الصنائع ، و أراهم ما كانوا يأملون ..:"ومع ذلك كان أغلب السامعين لها قد إستحبّوا العمى وركوب أمواج التيه ما بين إنكار وتأويـــــــــل أملته ضغائن الحسد والنفــاق والردّة .. ورغم بروز حجّة البلاغ بثوب البيان القاطع والبرهان الساطع مع الرمز اللطيف ، والورد الزلال لكلّ نفس أضماهــا العطش المُقدَّس ترى قطـــرات من ندى الهدى المحمّدي للنبي الكريـــــــــم "ع" تنزل بشائـــــر لطف وصفاء على قلوب وأفئـدة خير البريـــة فيستوي معها الفهم والرواء ! وهو يقـــول ": .. عليٌّ منِّي وأنا مِن عليٍّ .. مَــن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللَّهمَّ والِ مَن والاه وعــــاد مَن عاداه .. إنِّي مُخلِّف فيكم ما إنْ تمسَّكتــم به لن تضلُّوا مِن بعدي ، كتاب الله وعِترتي أهل بيتي ، فإنَّهما لن يفترقـــا حتَّى يردا عليَّ الحوض ..:"
يتبـــــــــــــــــــــع ..
التعديل الأخير تم بواسطة أبو مرتضى عليّ ; 29-05-2012 الساعة 02:47 PM.
تعليلةُ النّفس من ثنايا العشق ..ج 4
العرض المتطور
