|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
الفقه المقارن / تشريع الآذان والإقامة
بتاريخ : 05-09-2017 الساعة : 05:50 PM
تشريع الآذان والإقامة
أن من عرف رأي إخواننا - من أهل المذاهب الأربعة- في بدء، الأذان والإقامة واشتراعها لا يعجب من استسلامهم للزيادة فيهما أو للقيمة مهما، فانهم - هدانا الله وإياهم - لا يرون أن الأذان والاقامة مما شرعه الله تعالى بوحيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا مما ابتدأ به النبي صادعاً به عن الله عز وجل كسائر النظم والأحكام، وإنما كان طيف رآه، بعض الصحابة في المنام كما صرحوا ه ونقلوا الاجماع عليه ورووا فيه أحادث صححوها وادعوا تواترها.
وإليك منها ما هو من أصحها عندهم، فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال: أهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها.فقيل له: أنصب راية فإذا رأوها أذن بعضهم فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القبع - يعني الشبور شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، فذكروا له الناقوس، نقال هو من أمر النصارى - وكأنه كرهه أولا ثم أمر به فعمل من خشب - فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأري الأذان في منامه. قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره نقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذا أتاني آتٍ فأراني لأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومأ، ثم خبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال قم فانظر ما
*
53
يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله، قال: فأذن بلال.. (الحديث)93.
وعن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري، عن أبيه عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمعهم للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له: أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به ؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت: بلى. فقال: تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله94. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق إن شا، الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي
54
بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى... (الحديث )95.
واختصره الامام مالك في ما جاء في النداء للصلاة من موطأه، فحدث عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يتخذ خشبتين96 يضرب بهما ليجمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين الخشبتين لنحو مما يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع به الناس للصلاة، فقيل
له: ألا تؤذنون للصلاة ؟ وأسمعه الأذان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله بالأذان. انتهى ما في الموطأ مختصرا مرسلاً97.
وقال الامام ابن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد هذه في بدا الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة، والأسانيد في ذلك متواترة وهي من وجوه حسان. هذا كلامه بلفظه98.
قلت: في ثبوت هذه الأحاديث نظر من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليؤآمر الناس في اشتراع الشرائع الإلهية، وإنما كان يتبع فيها الوحي ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
55
يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾99. والأنبياء كلهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يؤآمرون أممهم فيما يشترعون ﴿... بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾100. وحسبنا قوله عز وجل لعبده وخاتم رسله: ﴿... قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾101 ﴿... قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾102. ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين﴾103. وقد حظر (عز سلطانه) عليه العجل ولو بحركة اللسان فقال جل وعلا: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه﴾104. وأثنى (جل ثناؤه ) على قول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال وهو أصدق القائلين: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾105. ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾106.
ثانيهما: أن الشورى المذكورة في هذه الأحاديث لمما يحكم العقل مستقلا بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الإلهية، فالعقل بمجرده يحيل
56
وقوعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل رأي الناس فيها إلاَّ تقول محض على الله تعالى؟ ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين﴾107.
نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا، كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى: ﴿... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ...﴾ 108. وفي مثل ذلك يجوز عليه ان يتألفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم لكن شرائع الدين لا يجوز فيها عليه إلا إتباع الوحي المبين.
ثالثها: إن هذه الأحاديث تضمنت من حيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يجوز على مثله من المتصلين بالله عز وجل، حتى مثلته وقد ضاق في أمره ذرعا فات ج إلى مشورة الناص، وأنه كره الناقوس أولاً، ثم أمر به بعل تلك الكراهة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أمر به عدل عنه إلى ما اقتضته رؤيا عبد الله بن زيد، وان عدوله عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به، وهذا من البدا، المستحيل على الله تعالى وعلى موضع رسالته، ومختلف ملائكته، ومهبط وحيه وتنزيله، وسيد أنبيائه وخاتم رسله.
على أن رؤيا غير الأنبياء لا يبتني عليها شي، من الأشياء بإجماع الأمة.
رابعها: ان في أحاديثهم هذه من التعارض ما يوجب سقوطها، وحسبك منها الحديثان اللذان أوردناهما آنفا - حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، وحديث محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه -
57
فأمعن فيما يتعلق منهما برؤيا عمر تجد التعارض بينا بأجلى مظاهره.
وأيضا فإن هذين الحديثين المشار اليهما يقصران الرؤيا على ابن زيد وابن الخطاب، ولكن حديث الرؤيا للطبراني في الأوسط صريح في صدورها من أبي بكر أيضا، وهناك من أحاديثهم ما هو صريح بأن تلك الرؤيا كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة، كما في شرحه التنبيه للجبيلي، وروي أن الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر من الأنصار، وعمر وحده من المهاجرين، وفي رواية أن بلالا ممن رأى الأذان أيضا وثمة متناقضات في هذا الموضوع، أورد الحلبي منها ما يورث العجب العجاب، وحاول الجمع بينها فحبط عمله109.
إذ قـــال يجمــــع شمــلاً غيــر مجتمـــــع
منهـــا ويجيـــر كســـراً غيــــر مجبـــــــر
خامسها: أن الشيخين - البخاري ومسلما - قد أهملا هذه الرؤية بالمرة فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلاً، لا عن ابن زيد، ولا عن ابن الخطاب، ولا عن غيرهما، وما ذاك إلا لعدم ثبوتها عندهما. نعم أخرجا في باب بد، الأذان من صحيحيهما عن ابن عمر، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومأ في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل بوق اليهود. فقال عمر: ألا تبعثون رجلا ينادي للصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال قم فناد الصلاة. فنادى بالصلاة.
هذا كل ما في صحيحي البخاري ومسلم مما يتعلق ببد، الأذان
58
ومشروعيته، وقد اتفق الشيخان على إخراجه كما اتفقا على إهمال ما عداه مما يتعلق بهذا الموضوع، وكفى به معارضا لما رووه من أحاديث الرؤيا كلها، لأن مقتضى هذا الحديث أن بد، الأذان إنما كان برأي عمر لا برؤياه، ولا برؤيا عبد الله بن زيد ولا غيرهما، ومقتضى تلك أن بدأه وبدء الإقامة إنما كان بالرؤيا التي سبق فيها عبد الله بن زيد، عمر بن الخطاب، ولذلك يدعى عندهم برائي الأذان، وربما قالوا صاحب الأذان.
وأيضا فان حديث الشيخين هذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم إنما أمر بلالا - بالند، للصلاة - في مجلس التشاور، وعمر حاضر عند صدور الأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم، وتلك الأحاديث - أحاديث الرؤيا كلها- صريحة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمر بلالاً بالنداء، عند الفجر إذ قص ابن زيد عليه رؤياه، وذلك بعد الشورى بليلة في أقل ما يتصور، ولم يكن عمر حينئذ حاضرا وإنما سمع الأذان هو في بيته فخرج آنذاك يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى.
بجدك قل لي هل يمكن الجمع بين هذا وتلك ؟ كلا. وشرف الإنصاف، وعلو الحق، وعزة ربنا عز سلطانه.
على ان الحاكم قد أهمل أحاديث رؤيا الآذان والاقامة، فلم يرو في مستدركه منها شيئا أصلا كما أهملها الشيخان فلم يرويا في الصحيحين شيئا منها بالمرة، هذا مما يلمسك سقوطها عن درجة الصحة عندهما، وذلك لان الحاكم قد أخذ على نفسه أن يستدرك عليهما كل ما لم يخرجاه في صحيحيهما من السنن الصحاح من شرطهما، وقد قام في مستدركه بما أخذه على نفسه أتم قيام، وحيث، أنه مع ذلك كله - لم يخرج من أحاديث الرؤيا في المستدرك شيئا، علمنا انه لم يثبت منها على شرط الشيخين
59
شي، لا في صحيحهما ولا في غير الصحيحين كما لا يخفى.
وللحاكم هنا كلمة تفيد جزمه ببطلان أحاديث الرؤيا وأنها كأضاليل، ألا وهي قوله: وإنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في الأذان والرؤيا لتقدم موت عبد الله. قلت: هذا لفظه بعينه110.
ويؤيد ذلك: أن ابتداء الأذان عند الجمهور إنما كان بعد وقعة أحد. وقد أخرج أبو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من كتاب حلية الأولياء بسند صحيح111 عن عبد الله الصميري، قال: دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت له: أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبي بدرا وقتل بأحد، فقال سلي ما شئت فأعطاها. قلت: لو كان عبد الله بن زيد كما يقولون أنه رأى الأذان لذكرت ابنته ذلك عنه كما نقلت حضوره بدرا وشهادته في أحدكما لا يخفى.
سادسها: أن الله عز وجل حظر على الذين آمنوا أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وأنذرهم بحبوط أعمالهم الصالحة إذا ارتكبوا شيئامن ذلك، فقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون﴾112 (الآيات ).
60
وكان سبب نزولها أن قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمر رجلا منهم، فقال أبو بكر- فيما أخرجه البخاري في تفسيرالحجرات من الجز، الثالث من صحيحه ص 117 يا رسول الله أمر عليهم القعقاع بن معبد متقدما بقوله هذا ومبادراً برأيه، فقال عمر على الفور من قول صاحبه: بل أمر الأقرع بن حابس أخا بني مجاشع يا رسول الله. فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وتماريا جدالا وخصومة، وارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرعهما في الرأي، وتقدمهما فيه بين يدي رسول الله ورفع أصواتهما فوق صوته صلى الله عليه وآله وسلم
خاطب المؤمنين كافة بهذه الآيات لتكون قانونهم المتبع وجوبا في آدابهم وأخلاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.وهذه الآيات كلها كما تراها قد منعت كل مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل إقدام على أمر بين يديه، فان معنى قوله تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾113 أن لا تفتشوا عندهما برأي ما حتى يقضي الله على لسان نبيه ما شاء، وكان المقترحين المتقدمين بين يديه كانا قد جعلا لأنفسهما وزنا ومقدارا ومدخلا في الشؤون العامة، فنبه الله المؤمنين على طاهما فيما رأياه، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن يقفا عليه.
وقوله تعالى: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي﴾114 نهى عن القول المشعر بأن لهم مدخلاً في الأمور، أو وزناً عند الله ورسوله، لأن من رفع صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتباراً خاصاً، وصلاحية
61
خاصة، وهذا مما لا يجوز ولا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن أمعن في قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾115، وقوله عز من قائل: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾116 علم الحقيقة بكنهها.
ومن علم أن الله أقرَّ أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين يدي الله ورسوله لا يقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه، ونظمه وأحكامه، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون.
سابعها: أن الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه، فمنشئها هو منشئ الفرائض نفسه، بحكم كل نسابة للألفاظ والمعاني،خبير بأساليب العظماء وأهدافهم، وأنهما لمن أعظم شعائر الله عز وجل، امتازت بهما الملة الإسلامية على سائر الملل والأديان، إذ جاءت آخرا ففاقت مفاخرا فليمعن معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته، وفخامة المعاني وسموها، وشرف الأهداف، وإعلان الحق بكل صراحة - الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن حمداً رسول الله، مع الدعوة إليه، بكل ترغيب فيه، وكل ثنا، عليه، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، لا تأخذ الداعي لومة لائم ولا سطوة مخالف غاشم.
تلك دعوة حية - كما قال عنها بعض الأعلام - كأنما تجد الإصغاء والتلبية من عالم الحياة بأسرها، وكأ نما يبدأ الإنسان في الصلاة من ساعة مسراها إلى سمعه، ويتصل بعالم الغيب من ساعة إصغائه إليها.
62
دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية في كل موعد من مواعيد الصلاة، كأنها نبأ جديد.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
تلك هي دعوة الأذان التي يدعو بها المسلمون إلى الصلاة، وتلك هي الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومي إليها، وتلك هي الحقيقة البسيطة غاية البساطة، العجيبة غاية العجب، لأنها أغنى الحقائق عن التكرار في الأبد الأبيد، وأحوج الحقائق الى التكرار بين شواغل الدنيا وعوارض الفناء.
المسلم في صلاة منذ يسمعها تدعوه للصلاة، لأنه يذكر بها عظمة الله، وهي لب لباب الصلوات.
وتنفرج عنها هدأة الليل فكأنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة الحية تلبيها الأسماع والأرواح وينعت لها الطير والشجر، ويخف لها الماء والهواء، وتبرز الدنيا كلها بروز التأمين والاستجابة منذ تسمع هتفة الداعي الذي يهتف بها... إلى آخر كلامه117
وبالجملة نون الأذان والإقامة لمما لا يأتي به البشر ولو اجتمعوا له، فنعوذ بالله من مخ الحقائق الناصعة ولا سيما لم إذا كانت من شرائع الله السائغة، وآياته البالغة.
ثامنها: ان سنهم في بد، الأذان والإقامة كلها يناقض المأثور الثابت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولا وزن عندنا لما خالف الثابت عنهم من رأي أو رواية مطلقاً.
63
ففي باب الأذان والإقامة من كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة بالسند الصحيح عن الأمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، قال: لما هبط جبرائيل على رسول الله بالأذان أذن جبرائيل وأقام، وعندها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً أن يدعو له بلالاً فدعاه فعلمه رسول الله الأذان وأمره به، وهذا ما رواه كل من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، وشيخ الامامية محمد بن الحسن الطوسي، وناهيك بهؤلاء صدقا وورعا، وروى شيخنا الشهيد السعيد محمد بن مكي في كتابه (الذكرى) أن الصادق - الامام جعفر بن محمد الباقر - ذم قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد الأنصاري، فقال: ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون أنه أخذه عن عبد الله بن زيد!
وعن أبي العلا، - كما في السيرة الحلبية - قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا لنتحدث أن بد، الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعاً شديداً، وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام، قال: فقلت له هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال :هذا والله هو الباطل.. إلى آخر كلامه.
وعن سفيان بن الليل، قال: لما كان من الحسن بن علي ما كان قدمت عليه المدينة قال: فتذاكروا عنده الأذان، فقال بعضنا إنما كان بدء الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، فقال له الحسن بن علي: إن شأن الأذان أعظم من ذلك، أذن جبرائيل في السماء مثنىً مثنىً وعلمه رسول الله، وأقام مرة
64
مرَّة فعلَّمه رسول الله... ( الحديث )118.
وعن هارون بن سعد، عن الشهيد زيد بن الأمام علي بن الحسين، عن آبائه، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم الأذان ليلة: أسري به وفرضت عليه الصلاة119.
65
هوامش
*93- أخرجه أبو داود في باب بد، الأذان من الجز، الأول من سننه، ورواه غير واحد من أصحاب السنن والمسانيد وأرسله أهل السير والأخبار منهم إرسال المسلمات فراجح.
94- هذا الأذان كان _ بزعم المحدثين به عن عبد الله بن زيد _ أول أذان في الإسلام وهو كما تراه ليس فيه (الصلاة خير من النوم ) مع كونه إنما كان لصلاة الفجر فمن أين جاء هذا الفصل يا مسلمون ؟ !
95- أخرجه أبو داود السجستاني في باب كيف الأذان من سننه، والترمذي في صحيحه وقال: حسن صحيح، ورواه كل من ابن حيان وابن خزيمة وصححاه وابن ماجة في باب بد، الأذان من سننه وغير واحد من أصحاب السنن والأخبار.
96- قال الزرقاني في تعليقه على هذا الحديث من شرحه للموط: هما الناقوس وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصفر منها فيخرج منهما صوت (قال ) كما في الفتح وغيره. قلت: وللزرقاني هنا (حول حديث عبد الله بن زيد في الأذان والإقامة ) كلام الفت اليه الباحثين فليراجعوه في ص 12، الى منتهى ص 125 من الجزء الأول من شرح الموط.
97- والتفصيل في شرح الزرقاني فليراجع.
98- نقله الزرقاني عنه فيما تقدمت الإشارة اليه من شرح الموط.
99- سورة النجم ؟ الآية: 7.
100- سورة الأنبياء ؟ الآية: 26.
101- سورة الأعراف ؟ الآية: 207.
102- سورة يونس ؟ الآية: 15.
103- سورة الاحقاف ؟ الآية 9.
104- سورة القيامة ؟ الآية: 16_19.
105- سورة الحاقة ؟ الآية :، 4.
106- سورة التـكوير ؟ الآية: 19.
107- سوره الحاقة، الآية: 44.
108- سوره آل مران ؟ الآيه: 129.
109- فلتراجع في باب بد» الأذان ومشروعيته من الجز، الثاني من سيرته الحلبية، فان هناك ما يوجب العجب والاستغراب.
110- فراجعه في باب رد الصدقة ميراثا ، من كتاب الفرائض ص 748من جزئه الرابع.
111- صرح بصحته ابن حجر العسقلاني إذ نقله عن الحلية في ترجمة عبد الله بن زيد الانصاري في إصابته فراجع.
112- سورة الحجرات، الآية. 1.
113- سورة الحجرات، الآية: 1
114- سورة الحجرات،الآية: 1.
115- سورة الحجرات، الآية: 1.
116- سورة الحجرات، الآية: 1.
117- فراجعه في ص 136 الى ص 141 من كتاب - داعي السماء - لكاتب الشرق الأستاذ العقاد.
118- أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص 17 من جزئه الثالث.
119- أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه فيما نقله المتقي الهندي ص 277 من الجز، السادس من كنز العمال وهو الحديث 397من أحاديث الكنز
|
|
|
|
|