بدأ يرتل بصوته المبحوح بعض آيات الكتاب العزيز وهو جالس على التراب الحار أمام الجنازة التي لم تدفن بعد ,عيناه الغائرتين في وجهه البائس كانتا تتحركان بسرعة خاطفة بين صفحات القرآن وبين وجوه أهل البيت لكي يثبت أو يثير انتباههم (إنني أقراء على ميّتكم المقبور) لم يكن أحد من الحاضرين ملتفت إليه أو ماذا يقرأ من صحيح أو خطأ بل حتى الميت لم يكن يسمع هذا الصوت الأجش لانشغاله بالحال الجديد وما سيلاقيه في بيته الجديد الموحش ربما (لا نعرف) أخذ يسرع بالقراءة لأن الدفن قد تم وسوف يغادرون بسرعة و لأن السادة الحضور قد استوحشوا من بقائهم داخل المقبرة التي لا صوت فيها إلا صوت الموت الذي يتردد في أسماعهم (إنكم راجعون إلي هنا لا محالة ) وضع أحدهم مبلغا في جيبه فلم يكتفي فبدأ يرتل مرة ثانية ولكن هذه المرة تراتيل حياته البائسة فبدأ التعاطف معه (سبحان الله لا يخرج المال من جيوب الناس إلا بالاستعطاف وقليل من الدموع ) فرح حينما امتلأ جيبه جيدا ثم بدأ يشق طريقه بين الأموات علّه يحظى بميت جديد
دخل بيته أو قبره (فالفارق غير موجود ) ولكنه لا يدري حين يموت من سيقرأ عليه وهو لا يملك أحدا يدفع من جيبه الخاص
الغريب في هذا القارئ انه يشبه الكثيرين من البشر فهو ينتظر أن يموت إنسان فتمتلئ جيوبه وأولئك ينزلون الموت كالوحوش فتمتلئ جيوبهم أضعافا مضاعفه أمولا ودماء .