25- فضل الله
جاء في المجلد الأول من كتاب " المستطرف " : ان ملاحاً بنهر النيل المبارك في مصر قال : كنت اجتاز من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي ، ومن الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي احمل الناس، فبينما أنا ذات يوم في الزورق اذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة ، فقال : السلام عليكم . فرددت عليه السلام ، فقال : اتحملني إلى الجانب الغربي لله تعالى .. فقلت : نعم .. فطلع إلى الزورق وعديت به إلى الجانب الغربي .. وكان على ذلك الفقير مرقّعة ، وبيده ركوة وعصا .. فلما اراد الخروج من الزورق قال : اني اريد ان احملك أمانة .. قلت : وماهي ؟.. قال : اذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتّاً ، وستنسى ؛ فاذا اُلهمت فأتني وغسلني وكّفني في الكفن الذي تجده عند رأسي ، وصل عليَّ وادفني تحت الشجرة ، وهذه المرقعة والعصا والركوة يأتيك من يطلبها منك ، فادفعها اليه ولا تحتقره .
قال الملاح : ثم ذهب وتركني فتعجبت من قوله وبتُّ تلك الليلة، فلما اصبحت انتظرت الوقت الذي قال لي.. فلما جاء الوقت نسيت ، فما تذكرت الاّ قريب العصر ، فسرت بسرعة فوجدته تحت الشجرة ميتاً ، ووجدت كفناً جديداً عند رأسه تفوح منه رائحة المسك ، فغسلته وكفنته .. فلما فرغت من غسله حضر عندي جماعة عظيمة ، لم اعرف منهم أحداً ، فصلينا عليه ودفنته تحت الشجرة كما عهد اليَّ ، ثم عدت إلى الجانب الشرقي ، وقد دخل الليل ، فنمت فلما طلع الفجر وبانت الوجوه ، اذ انا بشاب قد اقبل عليَّ فححقت النظر في وجهه ، فاذا هو من صبيان الملاهي كان يخدمهم، فاقبل وعليه ثياب رقاق ، وهو مخضوب الكفين وطارة تحت ابطه .. فسلم عليَّ فرددت عليه السلام فقال : يا ملاّح !.. انت فلان بن فلان ؟.. قلت : نعم .. قال : هات الوديعة التي عندك .. قلت : ومن اين لك هذا ؟.. قال: لا تسأل .. فقلت : لابد ان تخبرني . فقال : لا ادري ، الاّ اني البارحة كنت في عرس فلان التاجر ، فسهرنا نرقص ونغني إلى ان ذكر الله الذاكرون على المآذن .. فنمت لأستريح، واذا برجل قد ايقظني وقال : ان الله تعالى قد قبض فلاناً الولي ، واقامك مقامه ، فسر إلى فلان بن فلان، صاحب الزورق ، فان الشيخ اودع لك عنده كذا وكذا .
قال : فدفعتها له فخلع اثوابه الرقاق ورمى بها في الزورق وقال : تصدّق بها على من شئت ، واخذ الركوة والعصا ، ولبس المرقعة وسار وتركني اتحرق لما حرمت من ذلك .. واقمت يومي ذلك ابكي إلى الليل .
ثم نمت فتناهى إلى سمعي صوت يقول : يا عبدي !.. اثقل عليك ان مننت على عبد عاص بالرجوع اليَّ ، انما ذلك فضلي أوتيه منأشاء من عبادي ، وانا ذو الفضل العظيم .
قال الشاعر :
رأيت الناس صاحبهم قليل وهم والله محمود ضروب
ولست مسمياً بشراً وهوبا ولكن الاله هو الوهوب
تحاشا ربنا عن كل نقص وحاشا سائليه بأن يخيبوا ديوان أبي العتاهية: ص36
26- طريق الحقّ
ذكر الاُستاذ آية الله سيد حسن الأبطحي في كتاب " سير إلى الله " بأن أحد الأشخاص ذكر له : إني كنت ليلة الحادي عشر من ذي القعدة عام 1404 وهي ليلة ولادة الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في مدينة مشهد المقدسة .. وكنت في تلك الأيام في غفلة عن الله ، وعن الدين، وعن جميع الجوانب الروحية .. وكان بعض الاصدقاء يذكّرني بين الحين والآخر بيوم القيامة ، وبالمثل والكمالات الروحية ، والآفاق الانسانية .. الا انني كنت كسائر الناس همّي الدنيا، والعيش والطعام ، والحياة الحيوانية .
مررت تلك الليلة على ضريح الإمام الرضا عليه السلام، حيث اقيم حفل بهيج بتلك المناسبة .. ومع ان الساعة كانت حوالي العاشرة ليلاً الاّ اني رأيت الناس مزدحمين في الصحن الشريف ، ويتناقلون بينهم اخباراً بلهفة وشغف وهي: ان 21 شخصاً من ذوي الأمراض المستعصية ممن دخلوا الصحن الشريف وما جاوره قد شفوا من امراضهم .. وكل شخص من الحاضرين يدعى انه رأى بعضهم ، وشهد شفاءهم .. وفي تلك اللحظة رأيت شخصاً يمر إلى جانبنا والناس يشيرون اليه ويقولون هذا واحد منهم .
تقدمت اليه لأطلع على حقيقة امره ، وبدا لي اني اعرفه ، ولهذا بادرته اولاً بالقول : أين رأيتك من قبل؟ .. قال: البارحة في المطعم الفلاني ، كنا نتعشى سوية ، وقد اسفت لحالي وكنت تنظرإليَّ بالم ، وبقيت جالساً امامك حوالي نصف ساعة.. ولما سمعت هذا الكلام تذكرت انني ذهبت البارحة لتناول العشاء في المطعم .. كان في مقابلي شخص مشلول الرجلين، يجلس على عربته ويتعشى ، ويبدو انه يواجه صعوبة شديدة ، فتألمت لحاله حتّى انني اردت دفع ثمن طعامه .
كنت البارحة قد رايت رجليه ولم يكونا سوى قطعتين من العظم يكسوهما جلد .. فقلت له : دعني انظر رجليك لأرى كيف استعدت سلامتك .. رفع بنطاله فوراً فرأيت رجلين طبيعيتين يكسوهما اللحم والعضلات ولااثر للشلل فيهما !.. فصحت في الحال :
الهي!.. عميت عين لا تراك .. اللهم !.. اغفر لي غفلتي واسرافي على نفسي طول عمري .
واعترف انني كنت اتجاهل وجودك ، لكي ابرر لنفسي معصيتك، حتّى انني كنت لا اقر بكل ما يذكر من لطفك وفضلك ورحمتك .
الهي !.. ظلمت نفسي ، ومع لطفك بي كنت اعصيك.
اللهم !.. اسألك رأفتك ورحمتك .. فان لم تغفر لي فبمن الوذ ؟!..
وعندها احتشد الناس حولي يسألونني عمّا جرى ، الاّ انني ما كانت لي قدرة على اجابة احد منهم .. وبقيت اسكب الدموع هناك حتىالصباح ، وتاسفت على ما اسلفته من عمري بالبطالة والغفلة .. وعزمت على التوبة لاارتقي مدارج الكمالات الروحية باسرع ما يمكن ، ولا ادع زخارف الدنيا تلفّني ثانية وتطويني في متاهات الغفلة .
ينسب إلى الامام علي عليه السلام انه قال :
يا طالب الصفو في الدنيا بلا كدر طلبت معدومة فاياس من الظفر
واعلم بانك ما عمّرت ممتحن بالخير والشر والميسور والعسر
انى تنال بها نفع بلا ضرر وانها خلقت للنفع والضرر . ديوان الإمام علي (ع): ص68