- حسناً يا دكتور هاني ، سأفتح لك قلبي، وأشرح لك مشكلتي،ليس بحثاً عن حلّ لها ليقيني – كما قلت لك – أنه ليس لها حلّ ، ولكن لأنني أشعر أنني بحاجة فعلاً إلى شخص مثلك أحبه وأحترمه لأشكو له همي وحزني، لعلّ وعسى أن يرتاح قلبي قليلاً.
- تفضل يا باسم ، فكلي آذان صاغية.
قام باسم عن كرسيه وأخذ يتمشى في الغرفة جيئة وذهابا والدكتور هاني يرقبه باهتمام بالغ.. وقف باسم والتفت إلى الدكتور قائلاً:
مشكلتي يا دكتور أنني.....أنني محب عاشق
تبسم الدكتور هاني ابتسامة عريضة أشرق منها وجهه وراح يقول:
وهل تعتبر هذه مشكلة يا باسم؟؟!!!،كيف؟؟!! والحب أجمل شيء في الحياة!!!.
تأوه باسم وأجاب:
أعلم يا دكتور أن الحب أجمل شيء في الحياة، فلولاه لما أصبح لحياتنا معنى،ويقيني أنه هو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي،وبدونه تتحول الدنيا إلى صحراء قاحلة،وكل شيء فيها يذبل ويموت؟
أخذ الدكتور كأس العصير وشرب منه قليلاً،ثم وضعه وهو يبتسم،وقال محاولاً أن يلاطف باسم:
كلامك عن الحب حلو ٌوجميل،وكله شاعرية ورومانسية،فقد حوّلك الحب من طالب يدرس الطب إلى شاعر وأديب،يحوّل النثر بعذوبة كلامه إلى شعر منظوم؟
تكلّف باسم الإبتسامة،ولكنه قبل أن ينطق بكلمة واحدة،قام الدكتور عن كرسيه ووقف أمامه،وقال والإبتسامة لا تزال طافحة على وجهه:
ولكن أخبرني إلى أي مدى بلغ بك الحب والعشق،يا قيس؟؟!!.
ترك الدكتور هاني واقفاً يتأمله وراح يتمشى في الغرفة محاولاً أن يصف حبه بالصوت والصورة فقال:
صدقني يا دكتور ما بلغ حب قيس لليلى معشار حبي لحبيبتي،كيف؟؟!!وهي نبض قلبي،والدم الذي يجري في شراييني،والنور الذي تبصر به عيني...إنها...إنها يادكتور هاني كل كياني،فهي الروح التي تهبني الحياة..وهي.....
قهقه الدكتور ضاحكا ًوهو يقول:
يكفي!!،يكفي!!،يا باسم،فحقاً إنك من العاشقين!!،ولكن أخبرني عن حبيبتك:أهي جميلة،وتستحق كل هذا الحب؟؟!!.
صاح بلا وعي:
طبعاً يا دكتور،إنها جميلة،وجميلةجدا،وتستحق هذا الحب وأكثر،فما أبصرت عيناي غزالة أجمل منها في دنيا الوجود!!،إنها كظبي البراري في جمالها،وحسن صورتها،ورشاقة قوامها.....فهي:
ممتلئة البدن،رشيقة القوام..قمرية الوجه..عسلية العينين..أسنانها مستوية كالعقد المنظوم..شعرها أسود كالليل البهيم..ناعم كالحرير......فكيف لا تستحق كل هذا الحب؟؟!!،ولو أني وضعتها في عيوني،إلى يوم القيامة ما كفاني؟!!!.
ــ ما شاء الله!!..ما شاءالله!!،إنك تحسن الوصف،وتجيد القول يا باسم!!!.
ــ هذا من إلهام حبها وعشقها،وماهو إلاّ قطرة في محيط جمالها.
جلس الدكتور هاني على سرير باسم،واتكأ عليه براحتي يديه،وراح يهزّ قدميه ويسأل:
أخبرني يا باسم،هل حبيبتك هذه،تبادلك حباً بحب،وتحمل لك ما تحمله لها من العواطف والمشاعر والأحاسيس؟؟.
كان باسم قد ارتاحت نفسه،وانشرح صدره بسبب حديثه عن معشوقته،فجاء وجلس إلى جانب الدكتور هاني وأجابه وهو ينظر إلى وجهه ويبتسم:
طبعاً،إنها تبادلني حبا بحب،وعشقا بعشق.
هزّ الدكتور رأسه وهو يقول:
جميل...جميل...ولكن ما أدراك أنها تحبك؟؟!!،فهل أخبرتك هي بهذا الحب؟؟.
ــ لا، يا دكتور،إنها لم تخبرني لأنها لا تتكلم،ولكني فهمت ذلك من خلال تعاملها معي.
التفت الدكتور إليه وسأله متعجباً:
ماذا قلت؟؟!!، إنها لا تتكلم؟؟!!،لماذا؟؟!!،هل حبيبتك خرساء؟؟!!.
أجابه بضجر:
لا،يا دكتور،إنها ليست خرساء،ولكن طبيعتها هكذا.
قام الدكتور هاني عن السرير،وذهب إلى جانب الطاولة المكتبية،وأخذ عصيره ورشف منه رشفة،ثم التفت إلى باسم وهو لا يزال واقفاً وتبدو على وجهه علامات الإستغراب والدهشة،وقال:
مع أني لم أفهم ماذا تعني بكلامك هذا،ولكن أين تكمن المشكلة،إذا كنتما تحبان بعضكما إلى هذا الحد؟؟!!.
عاد إلى باسم حزنه،وظهرت عليه ملامح الألم ،وأجاب بحسرة وتأثر:
المشكلة يا دكتور تكمن في أن هناك من اعتدى على هذا الحب الجميل،وفرّق بيني وبين حبيبتي.
تفاعل الدكتور مع هذا الكلام كثيرا،فتطلع في وجه باسم بدهشة وسأله باستغراب:
هناك من اعتدى على حبك؟؟!!،وفرّق بينك وبين حبيبتك؟؟!!.
ــ نعم، يا دكتور،نعم.
ــ ومن هو؟؟!!.
- قد لا تصدق إذا أخبرتك!
- أخبرني!!!!.
- إن..إ..إنه أبي.
صرخ بدهشة:
ماذا؟؟أبوك!!!،ولماذا؟؟!!.
ــ ليتني كنت أدري؟؟!!.
- لعله رأى فيها عيباً.
- أبداً، فقد أخبرتك أنها مثال الجمال والكمال ، وأبي نفسه كان يحبها ومن المعجبين بها.
ـ عجباً!! ، أبوك يحبها ومعجب بها، ومع ذلك يفرّق بينك وبينها.
- تصور !!. حتى تعرف إلى أي مدى تصل قسوة الآباء على أبنائهم أحيناً.
- ألم تناقشه وتحاول أن تعرف سبب فعله هذا؟!!!.
قام عن سريره وجلس على كرسيه الخشبي وقال والحزن يعصر قلبه:
- لم أجرؤ على ذلك، فهيبته في قلبي وحبي واحترامي له، كل ذلك منعني من سؤاله.
- ولكن هذا خطأ يا باسم ،فيجب أن تناقش أباك في أمرخطير كهذا.
- قلت لك لا أستطيع، ثم ليس هناك فائدة، فقد خسرت حبيبتي وانتهى كل شيء.
- ولكن من خلال مناقشتك لأبيك قد يعود إليك ما خسرته.
- كيف؟؟!!، وقد باعها في السوق؟!
دُهش الدكتور بقوة لسماع هذه الكلمة إلى درجة أن كأس العصير قد سقط من يده على الأرض ،وقال بتلعثم واستغراب:
- ما..ما.. ماذا؟! باعها في السوق؟!!!
- نعم يا دكتور ،صدقني،فأنا لا أمزح ، لقد باعها في السوق.
فتح عينه وفاه من الدهشة ، وأخذ يتطلع في وجه باسم وقد انعقد لسانه عن الكلام ، ثم انطلق فصرخ:
هل جننت يا رجل؟؟!!،كيف يكون باعها؟؟!!،وهل هناك فتاة تباع وتشترى؟؟؟!!!!!!.
قام عن كرسيه قائلاً بحدة وانفعال:
ما هذا الكلام يا دكتور؟؟!!!،أرأيتني حدثتك عن فتاة؟؟!!.
صرخ الدكتور بانفعال أكبر،وقد وقف شعر رأسه من هول ما يسمع من كلام عجيب غريب:
إذن عن ماذا كنت تحدثني؟؟؟!!!!.
ـ إنما أحدثك عن حبيبتي" صباح".
يتبع
صاح بغضب ودهشة:
- وصباح هذه أليست فتاة من الفتيات؟!!
- طبعاً لا.
- طبعاً لا !! إذن ماذا تكون صباح هذه ؟!!.
- إنها " نعجتي"الجميلة ، أنا سميتها"صباح"لجمالها
وصباحة وجهها.
رمى الدكتور نفسه على الكرسي وقد احمرّ وجهه من الغيظ والدهشة اللذين اجتمعا عليه معاً ، وبقي صامتاً كأنما أُلجم الحجر،ثم رفع رأسه إلى باسم سائلاً:
أكل هذا الوقت الذي أمضيناه معاً،إنما كنت تحدثني فيه عن نعجتك (صياح).
هزّ رأسه مجيباً:
نعم,إنما كنت أحدثك عن نعجتي العزيزة: (صباح).
- وكل هذا الحب الكبير إنما هو لهذه النعجة؟!!
- نعم، نعم إنه لها وهي تستحقه.
- وهذا الحزن الذي أنت فيه ، والذي جعلك تهجر أصدقاءك ، وتترك جامعتك، وتحبس نفسك في هذه الغرفة أهو من أجل هذه النعجة فقط؟!!
- نعم يا دكتور، نعم هو من أجلها،وهو قليل في حقها.
- صفق الدكتور يداً بأخرى وراح يقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد جُنّ باسم وفقد عقله.
صرخ باسم بقوة:
أرجوك يا دكتور،فأنا لم أُجن.
فصرخ الدكتور:
بل جُننت وخرفت!!، وإلاّ كيف تضيّع حياتك ومستقبلك من أجل نعجة؟؟!!!
هدأ باسم قليلاً وقال:
ربما يحق لك أن تقول ذلك ، فأنت لا تعرف ماذا تعني لي هذه النعجة ، ولا تدري ما هي قصتي معها ، ولو أنك علمت شيئاً من ذلك لعذرتني.
تأوه وأجابه:
هات وحدثني.
- وتسمعني بهدوء.
- أسمعك وأمري لله.
شرع باسم يحكي قصته مع تلك النعجة قائلاً:
لقد بدأت علاقتي بهذه النعجة منذو اليوم الأول من ولادتها،فقد ماتت أمها يوم ولدتها ،فنشأت تلك النعجة ( يتيمة)،وأنا من تكفّل بتربيتها ورعايتها،وقد أوليتها من الرعاية والاهتمام ما عوضها حنان الأم،فقد كنت أشتري لها الحليب الصناعي وأرضعها بنفسي......،أتعلم يا دكتور هاني أن هذه النعجة هي أختي من الرضاعة؟؟!!!!.
رقص الدكتور هاني طرباً لهذا الكلام المضحك،وعلّق مبتسماً:
يا سلام..،ما أجمل هذا الكلام!!!،هذه النعجة أختك من الرضاعة؟؟!!،كيف؟؟!!، فهل أرضعتك أمها من ضرعها؟؟!!.
ــ لا يا دكتور،بل أمي هي التي أرضعت هذه النعجة بلبن أختي الصغيرة (ضياء)،فقد جعلت (ثدياً) خاصاً بضياء،والثدي الآخر جعلته لصباح.
- من صباح هذه؟!
- إنها النعجة.
- آه ،نعم، لقد نسيت،أكمل.
- بل أكثر من ذلك يا دكتور.
ـ أكثر من ذلك؟؟!،ماذا تعني؟؟!!.
ــ كنت أكثر من ملاعبة هذه النعجة ومداعبتها.
ـ هذا طبيعي يا عزيزي، فا لتيوس على أشكالها تقع،المهم أكمل ،وأخبرني ماذا جرى بعد ذلك؟؟!!.
ــ مازلت أهتم بتلك النعجة وأسهر على تربيتها،إلى أن شبّت واشتد عودها،وكنت أخرجها معي للتنزّه والترويح عن النفس،وأصطحبها معي إلى الحدائق والمنتزهات وشواطىء البحار......
قهقه الدكتور ضاحكا وقال ساخرا:
أحقا كل هذا كنت تفعله لهذه النعجة؟؟!!،يا لها من نعجة محظوظة ومدللة!!!.
ــ بل أكثر من ذلك يا دكتور.
- أكثر من ذلك ! جميل..جميل.. هيّا هات وأخبرني.
- أتعلم أنني كنت أتركها تنام معي في فراش واحد، ونمضي معاً أوقاتاً جميلة وسعيدة قبل النوم.
سأله باهتمام وقد وضع يده على قلبه خشية نزول صاعقة:
ماذا تقصد؟!أكنت تفعل معها....
قاطعه قائلاً:
لا يا دكتور،فقد ذهب فكرك بعيداً،فأنا لست من التيوس الذين لا يفكرون إلاّ في إشباع غرائزهم،ولا يكفون عن ملاحقة النعاج ومغازلتهن فكل،فإذا كنت لاأعتدي على النعجة الأجنبية،فكيف تريدني أن أعتدي على نعجتي وهي من أهلي ومحارمي؟؟!.
ـ النعجة (صباح) من أهلك ومحارمك؟؟!!.
ـ بالتأكيد!!،أم أنك نسيت أني وهي أخوان من الرضاعة؟؟!!.
ـ آه!!،فعلاً لقد نسيت ذلك!!،فأنا آسف جداً ياتيسي،عفوأ،
أقصد: يا باسمي العزيز،المهم أخبرني: ماذا تعني بقولك تقضي مع تلك النعجة أوقاتاً جميلة في الفراش؟؟!!.
ـ كل ما أعنيه أنه كل ما جنّ الليل اصطحبّتها معي إلى فراشي ، وبدأت ألاعبها ، فأحملها بيدي ، وأضعها على صدري ،وأوسدها ذراعي ، وأحكي لها الحكايات الجميلة.
- ما شاء الله ! ما شاء الله! أكل هذا كنت تفعله لهذه النعجة؟! جميل جداً.. هيّا أكمل.
- صدقني فأنا لا أمزح ، فقد حكيت لها حكاية " قمر الزمان" و" بنت السلطان" و"السند باد البحري"
و" الشاطر حسن" و"علي بابا والأربعين حرامي" .... وغيرها من الحكايات الكثيرة الجميلة.
- وطبعاً هي كانت تسمعك وتفهمك؟؟!!.
- طبعاً ، فهي ذكية جداً ، فحينما تتوسد ذراعي وأشرع في سرد الحكاية، كانت لا ترفع بصرها عن وجهي ،وتصغي إليّ باهتمام كبير... فإذا ما انتهيت من حكايتي تبسّمتْ تبسم الرضا والسرور، ولعقتْ بلسانها(أرنبة أنفي) معبّرة بذلك عن شكرها وتقديرها لي ، ثم تغمض عينيها وتنام.
- لا إله إلاّ الله!!، حقاً إنها نعجة مدللة وذكية!! ،فماذا حدث بعد ذلك!!
- طبعاً كبرت النعجة وبلغت مبلغ النعاج.
- وهنا أصبحت محرمة عليك، ولا يجوز لك الإختلاء بها.
- هذا صحيح، ولهذا فرّقتُ بيني وبينها في المضاجع ، خشية أن يحدث بيننا ما لا تحمد عقباه ، فأسيء إلى شرفها وكرامتي وأجلب لها ولنفسي الخزي والعار.
- ما شاء الله ! أإلى هذا الحد بلغ تحرجك في الدين، وتحرزك من الحرام!! ، حقاً إنك يا باسم رجل تقي ،ورع ، مؤمن!!!.
- هذا من فضل ربي، وشكراً على هذه الشهادة يا دكتور.
ــ المهم أكمل فقد استهواني حديثك الشائق عن نعجتك المدللة:
ــ رغم أننا افترقنا عن بعضنا في المنام،إلاّ أنني ما كنت أطيق أن أنمام دون أن أراها!!،فكنت أزورها كل ليلة في (زريبتها)(فتربض) هي في (زاوية) وأنا في (زاوية) أخرى وكلّ منا يسترق النظر إلى الآخر ويغازله بعينيه، ولكن بحشمة ووقار.
- طبعاً!!، فإيمانكما وورعكما يمنعانكما من الإخلال بالآداب والأخلاق!!!.
- الأمر كما تفضلت يا دكتور ، فإيماننا كان يمنعنا من الوقوع في الرذيلة، خصوصاً وأن(صباح)...
- عفواً، تقصدالنعجة طبعاً.
- نعم، أقصد النعجة صباح.
- نعم، أكمل،ما بها صباح؟!
- أقول : خصوصاً أن صباح كانت عفيفة وتستحي.
- هذا شيء طبيعي يا باسم ، فزينة (المرأة)، عفواً أقصد(النعجة) :العفة والحياء.
- أحسنت يا دكتور ، أحسنت.فياليت، (نعاج) هذه الأيام يفهمن هذا الكلام.
ــ لو كان لهن عقول كعقول نعجتك لفهمنّ،ولكنهنّ بلا عقول.
ـ وهل تقيس يا دكتور نعاج هذه الأيام بنعجتي الذكية؟؟!!.
- قطعاً،لا، فنعجتك أفضل منهنّ بكثير، على كل حال أكمل ، ودعني أرى إلى أين سأنتهي معك.
يتبع
- المهم يا دكتور هاني، إنه في يوم من الأيام دخلت البيت ، وكعادتي قبل أن أذهب للسلام على (أمي) ذهبت إلى (الزريبة) لأرى (نعجتي) ، وهنا كانت المفاجأة..
- أي مفاجأة؟!!
- لم أرَ النعجة في الزريبة!!
- يا سبحان الله !! أين ذهبت ؟! وماذا فعلت أنت؟!!!
- خرجت أبحث عنها وأنادي حتى بح صوتي:
صباح يا صباح، أين أنتِ يا نعجتي العزيزة، فلم تجبني،
وما راعني إلاّ أمي تخاطبني وتقول:
لا تتعب نفسك بالبحث عن صباح، فقد باعها أبوك اليوم الصباح.
- إنا لله وإنا إليه راجعون،أبوك باع نعجتك،ياله من غبي جاهل، وماذا فعلت أيها المحب المسكين؟.
تأوه وقال:
وماذا باستطاعتي أن أفعل غيرالاستسلام لما تراني فيه من الحزن والألم؟؟.
- لا ألومك فمن يخسر نعجة كصباح ، يحق له النياح، والبكاء في الليل والصباح ، ولكن في خاطري سؤال بودي أن أسألك إياه حتى قلبي يرتاح.
- تفضل واساْل فدتك الأرواح.
- أكنت تنوي الزواج من النعجة صباح؟!!!.
أجابه بحدة وغضب:
ما هذا السؤال السخيف؟؟!!،أتهزأ بي وتسخر مني؟؟!!.
- أنا لا أهزأ ولا أسخر ، وإنما أسألك جاداً.
- عجباً لك ولقلةعقلك، يا دكتور!!
- أتراني قليل العقل!!.... أنا.!!
- طبعاً قليل العقل،وسخيف التفكير أيضاً.
- لماذا؟!
- كيف لماذا؟! بالله عليك، هل رأيت رجلاً يتزوج من نعجة؟!
- ربما فنحن نعيش في زمن العجائب،ثم ألستَ من يحدثني عن حبها؟! وأضاع كل شيء جميل في حياته من أجلها؟!
- أنه حب يسمو على حب الرجال للنساء، ذلك الحب الوهمي الذي لا يتجاوز الغريزة والشهوة ، أما حبي أنا لنعجتي فهو من نوع آخر.
.ـ وما هو نوع حبك لنعجتك،أيها الفيلسوف العبقري؟؟!!.
- انه الحب العذري ، المتصف بالطهارة والنقاء ، إنه..انه الحب الذي تتآلف فيه الأرواح ، وتتوحد من خلاله القلوب ،انه الحب الذي يوحّد الشخصين ليكونا شخصاً واحداً.
هزّ الدكتور رأسه وهو يردد:
آه، هذا صحيح!! الآن فهمت لماذا أنت والنعجة سواء؟؟!!،ولست التيس الوحيد ياحبيبي،فأنا لا أكاد أرى في الدنيا إلاّ نعاجا وتيوسا،حتى أنني أظن أحياناً،أنه ليس في الدنيا بشر.
- صرخ فيه بقوة وانفعال:
- ما هذا الكلام يا دكتور :،أتسخر مني وتشبهني بالصخول والدجاج..أعني النعاج؟؟!!.
- أجابه بحدة:
- وماذا تريدني أن أفعل لك؟؟!!، أتدمر حياتك ومستقبلك من أجل نعجة ولا تريدني أن أهزأ و أسخر؟؟!!.
طأطأ رأسه إلى الأرض حياءً، ثم رفعه وقال بهدوء وتأثر:
اعلم أن الأمر يدعو إلى السخرية،ولكن ماذا أفعل فليس الأمر بيدي.
وضع الدكتور يده على كتف باسم وهزّه برفق وراح يقول:
بل الأمر بيدك يا عزيزي ، صدقني فإني لك من الناصحين ، فما عليك إلاّ أن تترك هذا الهراء والجنون، وهذه الحماقات السخيفة وتثوب إلى عقلك ورشدك وتهتم بمستقبلك وحياتك قبل فوات الأوان.
تأوه وقال:
ليتني أستطيع أن أفعل ، لكنت قد أخذت بنصيحتك.
- وما الذي يمنعك؟؟!!.
- حبي لصباح هو...
وقبل أن يتم قطعه الدكتور هاني قائلاً:
- لو سمحت قل النعجة صباح.
- نعم حبي للنعجة صباح هوالذي يمنعني من ذلك.
- إذن اسمح لي أن أسدي لك نصيحة سيكون فيها خلاصك.
أجابه باهتمام:
- تفضل.
- أنصحك بالانتحار ففيه خلاصك من حب النعاج.
أشرق وجهه استبشاراً،وصفق بيديه فرحاً،وراح يقول:
والله إنها فكرة جميلة!!!!،يا سلام!!،كيف غابت عني هذه الفكرة؟؟!!.
تطلع الدكتور إليه بدهشة وسأله بتعجب:
أي فكرة تعني؟؟!!،الإنتحار؟؟!!.
أجابه مسروراً
نعم يا دكتور الإنتحار!!،يجب أن أ نتحر مواساة لحبيبتي صباح،التي لابد أن الذي قد اشتراها ذبحها وأكلها،فلماذا أعيش أنا بعدها؟؟!!،يجب أن أ نتحرلألتحق بها في ذلك العالم الآخر،فلا شك أنها بانتظاري هناك.
كما أن وسائل الإعلام ستنشر هذاالخبر العظيم تحت عنوانها
(عاشق النعاج يموت انتحارا).
أصبح الدكتور في خوف وحيرة،ولم يعد يعرف ما الذي يصنع،التفت إلى باسم وسأله:
أجادٌ أنت في قولك هذا يا باسم؟!،وحقاً قد عزمت على الإنتحار؟؟!!..
أجابه مسرعاً:
طبعاً أنا جادٌ جدا يا دكتور،أم تراني أمزح في مثل هذا الأمر الخطير؟؟!!.
جلس الدكتور على الكرسي وهو يرتعش من الذعر وأخذ يتمتم بشفتيه:
إنا لله وإنا إليه راجعون، يا إلهي،أي جنون هذا الذي وصل إليه باسم؟؟!!.،وما الذي يجب أن أفعله قبل أن يقدم هذا المهبول على الإنتحار؟؟.
طال به التفكير إلى أن اهتدى إلى ما يظن أن فيه الخلاص من هذه الورطة،فالتفت إلى باسم قائلاً:
ولكن قبل أن تنتحر يا عزيزي هناك عمل لابدّ أن تقوم به؟
- قله بسرعة فأنا مستعد لعمل أي شيء.
- يجب أن تعرض نفسك على طبيب نفساني.
- لماذا؟ أتراني مريضاً؟!
- هذا إن لم تكن مجنوناً.
- وما هو مرضي بظنك؟
- لا أدري ، ولكني أستطيع أن أسميه:
(((جــنــون الــعــاشــقــيـــــن)))
قال ذلك ثم همّ بالخروج من الغرفة فصاح به باسم:
إلى أين؟.
التفت إليه وأجابه:
سأذهب قبل أن يبتليني الله بما ابتلاك به.
- رافقتك السلامة، ولكن ثق أنني سأعمل بنصيحتك.
قال له بذعر وخوف:
أتوسل إليك أن لا تفعل،فلا أريد أن أتحمل وزر موتك.
صمت باسم ولم يجبه بشيء،فخرج وهو يحدث نفسه:
أترى هذا المجنون يفعلها وينتحر؟؟!!،يا الله، ما هذا البلاء الذي حلّ بي، ليتني لم أحضر ولم أأت إليه....
مازال يحدث نفسه بمثل هذا إلى أن خرج من البيت إلى الشارع،فما راعه إلاّ باسم يرمي نفسه من أعلا السطح، فما وصل إلى الأرض إلاّ وهو جثة هامدة،ليكون بذلك أول شهيد في سبيل حب وعشق النعاج!!!.
تجمهر الناس حول جثته،وقد راعهم الحدث وأفزعهم إلى حد الذهول،أما الدكتور هاني فقد تقدم حتى جلس عند جثة باسم،فمسح الدم عن وجهه وراح يخاطبه بحزن كبير:
رحمك الله يا باسم،فقد أوصلك عشقك لهذه النعجة إلى الجنون،حتى قتلت نفسك من أجلها.
ثم تأوه ورفع رأسه إلى الناس المتجمهرين وخاطبهم:
لا تعجبوا من باسم وما فعله بنفسه من أجل هذه النعجة،فمثله في الناس كثير!!، يتعلقون بأشياء تافهة وحقيرة،ويعشقونها إلى حد الجنون،ويضحون في سبيلها بكل شيء،حتى أنفسهم العزيزة الغالية!!!،وليتهم يتعلقون بالله سبحانه وتعالى،ويعشقونه عشقهم لهذه الأشياء التافهة،ولو أنهم فعلو ذلك لحظوا بالرضوان الإلهي الأكبر،ونالوا سعادة الدارين:الدنيا والآخرة،وذاك أعظم الغايات وأغلى الأماني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ