|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:43 PM
الدرس الحادي عشر: قاعدة إخبار ذي اليد
أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة حجية إخبار ذي اليد وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.
--------------------------------------------------------------------------------
149
--------------------------------------------------------------------------------
المقدّمة
هذه القاعدة من القواعد الّتي تأتي في سياق تعزيز الثقة بين الناس، بتصديق أقوالهم فيما تحت أيديهم، وترتيب الآثار الشرعية على إخباراتهم حولها. وهي تساهم في تثبيت أركان الانتظام العامّ في المجتمع.
بيان المراد من القاعدة
المراد من القاعدة أنّ كلّ من كانت له يد على شيء، فإنّ قوله حجّة فيه، فإذا أخبر عن نجاسته أوطهارته، أو كونه أمانة أو غصباً أومضاربة يقبل قوله فيه، سواء أكان ثقة أم ل, لأنّ الحيثيّة المبحوث عنها في قبول القول من جهة اليد لا في جهة الوثاقة. وحيثيّة الكشف في اليد كون صاحب اليد أبصر وأعلم بما في يده، ومعه لا يفرّق بين كونه مخبراً عن الطهارة والنجاسة، أوعن كون المال غصباً أو مضاربة أو أمانة.
ولذا نجدهم لا يشكّون إذا قال صاحب الدار أوصاحب الأثاث: إنّه ملكي، أو انتفاعه لي بإجارة ونحوها، في أنّهم ينتفعون به، وإذا قال: إنّه غصب أو وقف، ولست متولّياً ولا مأذوناً، لا يمسّونه، وكذا إذا قال: إنه لحم ميتة، وفي عكسه بأن قال: إنّه مذكّى.
--------------------------------------------------------------------------------
151
--------------------------------------------------------------------------------
ولا فرق بين القول والفعل بأن قدَّمه لضيوفه. وهكذا حال الأمّ إذا قالت: أنا أرضعتك العدد المحرّم بشروطه، أوقالت: إنّ الرضاع لم يكن بالشروط. أوقال صاحب المطعم: إنّه لحم غنم، أولحم أرنب، إلى غيرها من الموارد، بل ويأتي في كلّ ذلك قوله عليه السلام: "لَما قام للمسلمين سوق".
بل نراهم يعتمدون على الأوزان والموزونات والموادّ الغذائيّة المركّبة وما أشبه، كمن قال: إنّه رطل أوصاع أو كرّ، أو من قال: إنّ المعدودات بقدر كذا، فيما يتعارف إعدادها مسبقاً للمشتري، وكذلك الحكم بالنسبة إلى الأدوية المركّبة، مع أنّها قد تكون خطراً على الجسم أوالعضو، فيما إذا كانت خلاف الواقع أومركّبات الأغذية ممّا للإنسان عناية بصحّتها.
ولا فرق بين قول ذي اليد وفعله وتقريره, لوحدة الملاك، وإطلاق الأدلّة في الجميع.
بيان مدرك القاعدة
استدلّ على القاعدة بالسيرة وبجملة من الروايات:
أوّلاً: الاستدلال بسيرة العقلاء:
هذه القاعدة، كالعديد من القواعد الفقهيّة، عقلائيّة قبل أن تكون شرعيّة، وفي الحقيقة أمضاها الشارع لا أنّه أسّسها، ويظهرذلك بالرجوع إلى أهل العُرف والعقلاء، فإنّهم يعتمدون على إخبار ذي اليد، سواء أكان مالكاً أم وكيلاً أو أجيراً أو وليّاً، أو غير ذلك من أنحاء التسلّط على المال أو شبه ذلك، ويحتجّون بذلك في المخاصمات، ما لم يكن ذواليد متّهماً في قوله، ولا يشترطون في ذلك العدالة أو الوثاقة المعتبرة في حجّيّة خبرالواحد على نحو العموم، وهذا أمر ظاهر لمن راجعهم واختبر أحوالهم.
--------------------------------------------------------------------------------
152
--------------------------------------------------------------------------------
ثانياً: الاستدلال بالروايات:
الرواية الأولى: عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: "سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جُبّةَ فراءٍ، ولا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك"1.
وتقريب الاستدلال أنّ ظاهرها قبول قول المسؤول، وإلاّ لما حصل الضيق في الدين بالسؤال، فالأصل في الأشياء الإباحة والسعة، والضيق آتٍ من جهة السؤال.
الرواية الثانية: صحيّحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام: "عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج (عُرّبت إلى البختج)، ويقول: لقد طبخ على الثلث، وأنا أعرفه أنّه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله، وهويشربه على النصف؟ فقال: لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة، ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه، وبقي ثلث، يشرب منه؟ قال:نعم"2. والبختخ: معرّب: (بختبه) أي العصير المطبوخ المخمّر.
وظاهره قبول إخبار ذي اليد مع عدم ما يوجب اتهامه، وظهور أمارات الصدق منه، ولذا قبل قول المخالف ورُدّ قول المؤالف.
الرواية الثالثة: عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى، قال: "سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارفٍ؟ قال: عليكم أنتم
--------------------------------------------------------------------------------
153
--------------------------------------------------------------------------------
أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه"3.
وتقريب الاستدلال بها: ما ذكره السيّد الشهيد رحمه الله من عدم الاحتياج إلى السؤال مع كون البائع مسلماً، ولزوم السؤال مع كون البائع غير مسلم...، وهذا يقتضي تصديقه فيما يخبر به، وإلّا لما أجدى السؤال منه، وهومعنى قبول خبر صاحب اليد، وإذا ثبت أنّ خبره -الكافر- حجّة في إثبات الطهارة، يثبت بالأولويّة العرفيّة أنّه حجّة في إثبات النجاسة, لأنّ صاحب اليد إذا كان يصدق فيما هو في مصلحته من أوصاف الكمال لماله، فتصديقه فيما هو على خلاف مصلحته من أوصاف المال أولى عرفاً، بنكتة أنّ احتمال الكذب أبعد4.
الرواية الرابعة: عن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام: في حديث: "أنّه سئل عن الرجل يأتي بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث؟ قال: إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً مأموناً فلا بأس أن يشرب"5.
تدلّ هذه الرواية على قبول قول ذي اليد بشرط الإسلام والورع والإيمان والأمان، ولا إطلاق فيها للكافر، أو لكلّ مسلم ٍ.
اعتبار العدالة أوالوثاقة في ذي اليد وعدمه
لا يخفى على الناظر في أخبار الباب أنّ إطلاقها ينفي اعتبار العدالة والوثاقة، وظاهرها قبول قول ذي اليد، سواء أكان عادلاً أم ثقةً أم لا، وهكذا فتاوى الفقهاء مطلقة من هذه الجهة، حتى إنّ بعضهم تردّد في اعتبار الإسلام فيه، واحتمل قبول قوله وإن كان كافراً، بل أفتى بعضهم باعتباره مطلقاً.
--------------------------------------------------------------------------------
154
--------------------------------------------------------------------------------
قال المحقّق اليزديّ في العروة: "لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقاً أوعادلاً بل مسلماً أو كافراً"6، ويؤيّد ما ذكرنا، بل يدلّ عليه، عدم اعتبار شيء من هذه القيود في بناء العقلاء عليه. نعم، يستثنى من ذلك ما إذا كان ذو اليد متّهماً في مقالته، أويكون هناك قرائن ظنّيّة تدلّ على كذبه، وإن لم تبلغ حدّ الحجّيّة، أو يكون ظاهر حاله مكذّباً لقوله، فإنّ بناء العقلاء على حجّيّة أمثالها بعيد جدّاً، وأخبار الباب أيضاً منصرفة عنها. وذلك مثل ما إذا كان المخبر ممّن لا يبالي في إخباره، أو كان الخبر بالطهارة مثلاً في موارد استصحاب النجاسة يجلب له نفعا كثيراً، وقد علمنا كذبه في مثل هذا الخبر في غير مورد، فإنّ الاعتماد على إخباره مشكل جدّاً، بل ممنوع7.
--------------------------------------------------------------------------------
155
--------------------------------------------------------------------------------
الأفكار الرئيسة
- المراد من القاعدة أنّ كلّ من كانت له يد على شيء فإنّ قوله حجّة فيه، فإذا أخبر عن نجاسته أوطهارته، أوكونه أمانة أوغصباً أومضاربة يقبل قوله فيه، سواء أكان ثقة أم لا.
- الحيثيّة المبحوث عنها في قبول القول من جهة اليد، لا في جهة الوثاقة. وحيثيّة الكشف في اليد كون صاحب اليد أبصر وأعلم بما في يده.
- عند الرجوع إلى أهل العرف والعقلاء، فإنّهم يعتمدون على إخبار ذي اليد، سواء أكان مالكاً أو وكيلاً أو أجيراً أو غير ذلك من أنحاء التسلّط على المال، ويحتجّون بذلك في المخاصمات ما لم يكن ذو اليد متَّهَماً في قوله.
- استدلّ على حجّيّة القاعدة بعدّة روايات، منها ما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: "سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جُبّةَ فراءٍ، ولا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة، أيصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك".
- الظاهر أنّهم يعتمدون على قول ذي اليد، بما أنّه كاشف عن الواقع وأمارة عليه, لأنّه أعلم وأعرف بما في يده من غيره.
- لا يخفى على الناظر في أخبار الباب أنّ إطلاقها ينفي اعتبار العدالة والوثاقة، وظاهرها قبول قول ذي اليد، سواء أكان عادلاً أم ثقةً أم لا.
مطالعة
حجّيّة قول ذي اليد من الأمارات أو من الأصول
الواضح أنّ اعتماد العقلاء على القاعدة ليس من باب التعبّد المحض، فلا نقول إنّ التعبّد في أمور العقلاء غير معقول - كما ذكره بعض محقّقي المتأخّرين -، بل نقول: إنّ التعبّد في ما بينهم وإن كان معقولاً مثل تعبّدهم بالقرعة، فإنّها لا كاشفيّة لها عن الواقع عندهم، بل قد لا يكون في موردها واقعاً مجهولاً، تكشف عنه القرعة كما في موارد قسمة الأموال بين الشركاء، ولكنّ ما نحن فيه ليس من التعبّد، بل الظاهر أنّهم يعتمدون على قول ذي اليد بما أنّه كاشف عن الواقع وأمارة عليه, لأنّه أعلم وأعرف بما في يده من غيره.
والحاصل أنّ جميع الخصوصيّات الموجودة في الأمارات موجودة هنا، فإنّ ذا اليد غالباً أبصر بما في يده من غيره، فيكون إخباره عنه كاشفاً عن الواقع المجهول.
أسئلة وتمارين
- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- إذا كان شخص صاحب يدٍ على شيء وادّعاه غيره، فيحكم بأنّه له.
2- إذا كان شخص يبيع لحماً نشكّ أنّه مذكّى أو لا، فنحكم بالتذكية إن أخبر البائع بها.
3- إذا دخلنا دارَ شخصٍ وقال: إنّ هذا المكان من الدار نجسٌ، فنحكم بالنجاسة لإخباره.
4- لا تختصّ هذه القاعدة بإخبار ذي اليد المسلم بل تعمّ الكافر أيضاً.
5- معنى القاعدة هوأنّ كلّ من كانت له يد على شيء فإنّ قوله حجّة فيه، سواء أكان ثقة أم لا.
6- ظاهر أخبار الباب أنّ إطلاقها ينفي اعتبار العدالة والوثاقة، وظاهرها قبول قول ذي اليد سواء أكان عادلاً أم ثقةً أم لا.
- عالج الأسئلة الآتية:
1- إذا كان شخصان يسكنان داراً فتارةً يدّعيها أحدهما، وأخرى يدّعيها كلاهما، وثالثة يدّعيها شخص ثالث غيرهما، فما هوالموقف في هذه الحالات؟
2- لوتعارض استصحاب نجاسة الإناء وقول ذي اليد بطهارته فأيُّهما يُقدّم؟ ولماذا؟
3- لوأخبر المسلم المخالف ـ غير الإمامي ـ بطهارة الجلد الذي يبيعه، فهل يكون إخباره هذا حجَّة عندنا؟ علماً بأنَّ منهم من يعتقد طهارة الميتة بالدبغ، أولا يشترط كلّ الشروط المعتبرة في التذكية عندنا.
4- لو أخبر الفاسق بطهارة جميع ما في منزله من أثاث وفرش، فهل يُعتنى بهذا الإخبار؟ ولماذا؟.
5- استأجر شخصٌ داراً، وبعد أن تركها أخبر صديقه الّذي استأجرها بعد سنة بأنَّ بعضاً من أنحاء الدار نجسة، فهل يترتَّب الأثر على هذا الإخبار؟ علماً بأنَّه يحتمل أنَّ مالك الدار قد طهَّرها بعد خروج الأوَّل منها.
6- إذا أخبر المسلم بطهارة كلّ ما في منزله ، وكان هناك قرائنظنّية تدلّ على كذبه لم تبلغ حدّ الحجّيّة، فهل يمكن الأخذ بقوله كونه ذا اليد؟
هوامش
1- العاملي، وسائل الشيعة،م.س، ج3، باب 50 من أبواب النجاسات، ح3.
2- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج4، باب7 من أبواب الأشربة المحرّمة، ح17.
3- م.ن، ج3، باب50 من أبواب النجاسات، ح7.
4- الصدر، محمّد باقر: شرح العروة الوثقى،لاط، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1392هـ.ق/ 1972م، ج2، ص126.
5- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب7 من أبواب الأشربة المحرّمة، ح6.
6- اليزدي، العروة الوثقى، م.س، طريق ثبوت النجاسة، المسألة 12.
7- الشيرازي، القواعدالفقهية، م.س، ج2، ص115.
يتبع
|
|
|
|
|