|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
الفقه المقارن / السجود على الأرض
بتاريخ : 05-09-2017 الساعة : 05:58 PM
السجود على الأرض1
لعل من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلل من قبل المخلوف خالقه، هو السجود، وبه يؤكد المؤمن عبوديته المؤكدة لله تعالى، ومن هنا فإن البارئ عز اسمه يقدر لعبده هذا التصاغر وهذه الطاعة فيضفي على الساجد فيض لطفه وعظيم إحسانه، لذا روي في بعض المأثورات "أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده".
ولما كانت الصلاة من بين العبادات معراجا يتميز بها المؤمن عن الكافر، وكان السجود ركنا من أركانها، فليس هناك أوضح في إعلان التذلل لله تعالى من السجود على التراب والرمل والحجر والحصى، لما فيه من التذلل شي، أوضح وأبين من السجود على الحصر والبواري، فضلا عن السجود على الألبسة الفاخرة والفرش الوثيرة والذهب والفضة، وان كان الكل سجوداً، إلا أن العبودية تتجلى في الأول بما تتجلى في غيره.
والإمامية ملتزمة بالسجدة على الأرض في حضرهم وسفرهم، ولا يعدلون عنها إلا إلى ما أنبت منها من الحصر والبواري بشرط أن لا يؤكل ولا يلبس، ولا يرون السجود على غيرهما صحيحاً في حال الصلاة أخذاً بالسنة المتواترة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وصحبه. وسيظهر – في ثنايا البحث - أن الالتزام بالسجود على الأرض أو ما أنبت، كان هي السنة
*
121
بين الصحابة، وأن العدول عنها حدث في الأزمنة المتأخرة. ولأجل توضيح المقام نقدم أمورا:
1- اختلاف الفقهاء في شرائط المسجود عليه
اتفق المسلمون على وجوب السجود في الصلاة في كل ركعة مر تين، ولم يختلفوا في المسجود له، فإنه هو الله سبحان الذي له يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرهاً2 وشعار كل مسلم قوله سبحانه: ﴿... لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ...﴾3 وإنما اختلفوا في شروط المسجود عليه - أعني ما يضع الساجد جبهته عليه - فالشيعة الأمامية تشترط كون المسجود عليه أرضا أو ما ينبت منها غير مأكول ولا ملبوس كالحصر والبواري، وما أشبه ذلك. وخالفهم في ذلك غرهم من المذاهب، وأليك نقل الآراء:
1 – قال الشيخ الطوسي4 – وهو يبين آراء الفقهاء -: لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار. وخالف جميع الفقها في ذلك حيث أجازوا السجود على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك – إلى أن قال -: لا يجوز السجود على شي، هو حامل له ككور العمامة، وطرف الرداء، وكم القميص، وبه قال الشافعي، وروي ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر،
122
وعبادة بن الصامت، ومالك، وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا سجد على ما هو حامل له كالثياب التي عليه أجزأه.
وإن سجد على ما لا يفضل منه مثل أن يفترش ويسجد عليها أجزأه لكنه مكروه، وروي ذلك عن الحسن البصري5.
وقال العلامة الحلي6 - وهو يبين آراء الفقهاء فيما يسجد عليه -: لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولامن نباتها كالجلود والصوف عند علمائنا أجيع، وأطبق الجمهور على الجواز:
وقد اقتفت الشيعة في ذلك أئمتهم الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه في حديث الثقلين ونحن نكتفي هنا بإيراد شي، مما روي في هذا الجانب:
روى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عتا يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز؟ قال: "السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس". فقال له: جعلت فداك ما العلة في ذلك ؟
قال: "لأن السجود خضوع لله عز جل فلا ينبعي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ؟ لأن أبنا، الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبنا، الدنيا الذين اغتزوا بغرورها"7.
123
فلا عتب على الشيعة إذا التزموا بالسجود على الأرض أو ما أنبتته إذالم يكن مأكولا ولا ملبوساً اقتداء بأئمتهم، على أن ما رواه أهل السنة في المقام، يدعم نظرية الشيعة، وسيظهر لك فيما سيأتي من سرد الأحاديث من طرقهم، ويتضح أن السنة كانت هي السجود على الارض، ثم جاءت الرخصة في الحصر والبراري فقط، ولم يثبت الترخيص الآخر بل ثبت المنع عنه كما سيوافيك.
روى المحدث النوري في المستدرك عن دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام، أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: قال: "إن الأرض بكم برة، تتيتمون منها، وتصلون عليها في الحياة (الدنيا) وهي لكم كفاة في الممات، ذلك من نعمة الله، له الحمد، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية".
وروى أيضاً جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال "ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الأرض، ويعفر وجهه في التراب، لأنه من التذلل لله"8.
وقال الشعراني – ما هذا نصه -: المقصود إظهار الخضوع بالرأس حتى يمس الأرض بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، سوا، كان ذلك بالجبهة أو الأنف والكبرياء، فإذا وضعه على الأرض، فكأنه خرج عن الكبرياء التي عنده بين يدي الله تعالى إذ الحضرة الالهية محرم دخولها على
124
من فيه أدنى ذرة من كبر فإنها هي الجنة الكبرى حقيقة وقد قالصلى الله عليه وآله وسلم: يدخل الجنة من في قلبه مثال ذرة من كبر"9.
نقل الامام المغربي المالكي الروداني: عن ابن عباس رفعه: من لم يلزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته10
2- الفرق بين المسجود له والمسجود عليه
كثيرا ما يتصور أن الالتزام بالسجود على الأرض أو ما أنبتت منها بدعة ويتخيل الحجر المسجود عليه وثناً، وهؤلاء هم الذين لا يفرقون بين المسجود له والمسجود عليه، ويزعمون أن الحجر أو التربة الموضوعة أمام المصلي وثنا يعبده المصلي بوضع الجبهة عليه. ولكن لا عتب على الشيعة إذا قصر فهم المخالف، ولم يفرق بين الأمرين، وزعم المسجود عليه مسجوداً له، وقاس أمر الموحد بأمر المشرك بحجة المشاركة في الظاهر، فأخذ بالصور والظواهر، مع أن الملاك هو الأخذ بالبواطن والضمائر، فالوثن عند الوثني معبود ومجسود له يضعه أمامه ويركع ويسجد له، ولكن الموحد الذي يريد إن يصلي في إظهار العبودية إلى نهاية مراتبها، يخضع لله تعالى سبحانه ويسجد له، ويضع جبهته ووجهه على التراب والحجر والرمال والحصى، مظهرا بذلك مساواته معها عند التقييم قائلا: أين التراب ورب الأرباب.
نعم: الساجد على التربة غير عابد لها، بل يتذلل إلى ربه بالسجود
125
عليها، ومن توهم عكس ذلك فهو من البلاهة بمكان، وسيؤدي إلى إرباك كل المصلين والحكم بإشراكهم، فمن يسجد على الفرش والقماش وغيره لا بد أن يكون عابداً لها على هذا المنوال فيا للعجب العجاب !!
3- السنة في السجود في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعده
إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه كانوا ملتزمين بالسجود على الأرض مدة لا يستهان بها، محتملين شدة الرمضاء، وغبار التراب، ورطوبة الطين، طيلة أعوام. ولم يسجد أحد يوم ذاك على الثوب وكور العمامة بل وعلى الحصر والبواري والخمر، وأقصى ما كان عندهم لرفع الأذى عن الجبة، هو تبريد الحصى بأكفهم ثم السجود عيها، وقد شكى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شدة الحر، فلم يجبه، إذ لم يكن له أن يبدل الأمر الإلهي من تلقاء نفسه، إلى أن وردت الرخصة بالسجود على الخمر والحصر، فوسع الأمر للمسلمين لكن في إطار محدود، وعلى ضوء هذا فقد مرت في ذلك الوقت على المسلمين مرحلتان لا غير:
ا - ما كان الواجب فيها على المسلمين السجود على الأرض بأنواعها المختلفة من التراب والرمل والحصى والطين، ولم تكن هناك أية رخصة لغيرها.
2- المرحلة التي ورد فيها الرخصة بالسجود على نبات الأرض من الحصى والبواري والخمر، تسهيلاً للأمر، ورفعاً للحرج والمشقة، ولم تكن هناك أية مرحلة أخر توسع الأمر للمسلمين أكثر من ذلك كما يدعيه البعض، وإليك البيان:
126
المرحلة الأولى:
السجود على الأرض
روى الفريقان عن النبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلمأنه قال: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"11.
والمتبادر من الحديث أن كل جز، من الأرض مسجد وطهور يسجد عليه ويقصد للتيمم، وعلى ذلك فالأرض تقصد للجهتين: السجود تارة، وللتيتم أخرى.
وأما تفسير الرواية بأن العبادة والسجود لله سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل الأرض كلها مسجد للمسلمين بخلاف غيرهم حيث خصوا العبادة بالبيع والكنائس، فهذا المعنى ليس مغايراً لما ذكرناه، فإنه إذا كانت الأرض على وجه الإطلاق مسجدا للمصلي فيكون لازمه كون الأرض كلها مالحة للعبادة، فما ذكر معنى التزامي لما ذكرناه، ويعرب عن كونه المراد ذكر «طهوراً» بعد «مسجداً» وجعلهما مفعولين لــ "جعلت" والنتيجة هو توصيف الأرض بوصفين: كونه مسجدا وكونه طهورا، وهذا هو الذي فهمه الجصاص وقال: إن ما جعله من الأرض مسجدا هو الذي جعله طهوراً 12.
ومثله غيره شرّاح الحديث.
تبريد الحصى للسجود عليها
1- عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
127
الظهر، فآخذ قبضة من الحصى، فأجعلها في كفي ثم أحولها الى الكف الأخرى حتى تبرد ثم أضعها لجبيني، حتى أسجد عليها من شدة الحر13.
وعلق عليه البيهقي بقوله: قال الشيخ: ولو جاز االسجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى بالكف ووضعها للسجود14.
ونقول: ولو كان السجود على مطلق الثياب سوا، كان متصلا أم منفصلا جائزاً لكان أسهل من تبريد الحصى، ولأمكن حمل منديل أو ما شابه للسجود عليه.
2- روى أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه15.
3- عن خباب بن الارت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكن16.
قال ابن الأثير في معنى الحديث: إنهم لما شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم17.
هذه المأثورات تعرب عن أن السنة في الصلاة كانت جارية على السجود على الأرض فقط، حتى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفسح للمسلمين العدول عنها إلى الثياب المتصلة أو المنفصلة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم مع كونه
128
بالمؤمنين رؤوفاً رحيما أوجب عليهم مس جباههم الأرض، وإن آذاهم شدة الحر.
والذي يعرب عن التزام المسلمين بالسجود على الأرض، وعن إصرار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بوضع الجبهة عليها لا على الثياب المتصلة ككور العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد، ما روى من حديث الأمر بالترتيب في غير واحد من الروايات.
الأمر بالتتريب
ا - عن خالد الجهني: قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب فقال له: "ترب وجهك يا صهيب"18.
2- والظاهر أنّ صهيبا كان يتقي عن التتريب، بالسجود على الثوب المتصل والمنفصل، ولا أقل بالسجود على الحصر والبواري و الأحجار الصافية، وعلى كل تقدير، فالحديث شاهد على أفضلية السجود على التراب في مقابل السجود على الحصى لما مر من جواز السجدة على الحصى في مقابل السجود على الأرض.
3- روت أم سلمة رضي الله عنها عنها: رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلاما لنا يقال له أفلح ينفخ إذا سجد، فقال: "يا أفلح ترب"19.
4- وفي رواية: "يا رباح ترب وجهك"20.
5 - روى أبو صالح قال: دخلت على أم سلمة، فدخل عليها ابن
129
أخ لها فصلى في بيتها ركعتين، فلما سجد نفخ التراب، فقالت أم سلمة: ابن أخي لا تنفخ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لغلام له يقال له يسار - ونفخ -: "ترب وجهك لله21.
الأمر بحسر العمامة عن الجبهة
1- روي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته22.
2- روي عن علي أمير المؤمنين أنه قال: "إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن وجهه"، يعني حتى لا يسجد على كور العمامة23.
3- روى صالح بن حيوان السبائي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسجد بجبه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبهته24.
4- عن عياض بن عبد الله القرشي: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: "ارفع عمامتك" وأومأ إلى جبهته25.
هذه الروايات تكشف عن أنه لم يكن للمسلمين يوم ذاك تكليف إلا السجود على الأرض، ولم تكن هناك أية رخصة سوى تبريد الحصى، ولو كان هناك ترخيص لما فعلوا ذلك، ولما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتتريب، وحسر العمامة عن الجبهة.
130
المرحلة الثانية:
الترخيص في السجود على الخمر والحصر
هذه الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالسجود على الأرض بأنواعها، وأنهم كانوا لا يعدلون عنه، وإن صعب الأمر واشتد الحر، لكن هناك نصوصاً تعرب عن ترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم – بإيحاء من الله سبحانه إليه – السجود على ما أنبتت الأرض، فسهل لهم بذلك أمر السجود، ورفع عنهم الأصر والمشقة في الحر والبرد، وفيما إذا كانت الأرض مبتلة، وإليك تلك النصوص:
ا- عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة26.
2– عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة وفي لفظ: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة27.
3– عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة28.
4– عن أنم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة29.
5– عن ميمونة: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة فيسجد30.
131
6– عن أم سلمة قالت: كان "رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" يصلي على الخمرة31.
7- عن عبد الله بن عمر: كان رسول الله يصلي على الحمر32.
السجود على الثياب لعذر
قد عرفت المرحلتين الماضيتين، ولو كانت هناك مرحلة ثالثة فإنما هي مرحلة جواز السجود على غير الأرض، وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أن هذا الترخيص جاء متأخرا عن المرحلتين لما عرفت أن النبيصلى الله عليه وآله وسلملم يجب شكوى الأصحاب من شدة الحر والرمضاء، وراح هو وأصحابه يسجدون على الأرض متحملين الحر والأذى، ولكن الباري عز اسمه رخص لرفع الحرج السجود على الثياب لعذر وضرورة، وإليك ما ورد في هذا المقام:
1- عن أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستطيع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، طرح ثوبه ثم سجد عليه.
2- وفي صحيح البخاري: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضح أحدنا طرف الثوب من شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه.
3- وفي لفظ ثالث: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود33.
132
هذه الرواية التي نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد تكشف حقيقة بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود على الثياب في حالة الاختيار أيضا. وذلك لان رواية أنس نص في أنهم كانوا يفعلون ذلك حالة الضرورة، فتكون قرينة على المراد من هذه المطلقات، واليك بعض ما روي في هذا المجال:
1- عبد الله بن محرز عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على كور عمامته34.
إن هذه الرواية مع أنها معارضة لما مر من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السجود عليه، محمولة على العذر والضرورة، وقد صرح بذلك الشيخ البيهقي في سننه، حيث قال: قال الشيخ: «وأما ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شي، من ذلك، وأصح ماروي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم 35.
وقد روي عن ابن راشد قال: رأيت مكحولاً يسجد على عمامته فقلت: لما تسجد عليها ؟ قال أتقي البرد على أسناني36.
2- ما روي عن أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه37.
والرواية محمولة على صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه، وبما رواه عنه البخاري: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا
133
أن يمكن وجه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه38.
ويؤيده ما رواه النسائي أيضا: كنا إذا صلينا خلف النبيصلى الله عليه وآله وسلمبالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر39.
وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدل إلا على أن النبيصلى الله عليه وآله وسلمصلى على الفرو. وأما أنه سجد عليه فلا دلالة عليه.
3- عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحصير والفرو المدبوغة40.
الرواية مع كونها ضعيفة بيونس بن الحرث، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة على الفرو والسجود عليه، ولعله صلى الله عليه وآله وسلم وضع جبهته على الأرض أو ما ينبت منها. وعلى فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين.
حصيلة البحث
إن المتأمل في الروايات يجد وبدون لبس أن قضية السجود في الصلاة مرت بمرحلتين أو ثلاث مراحل ففي المرحلة الأولى كان الفرض السجود على الأرض ولم يرخص للمسلمين السجود على غيرها، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض، وليست وراء هاتين المرحلتين مرحلة أخرى إلا جواز السجود على الثياب لعذر وضرورة، فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود على الفرو وأمثاله مطلقا فمحمولة على
134
الضرورة، أو دلالة لها على السجود عليها، بل غايتها الصلاة عليها.
من ها يظهر بوضوح أن ما التزمت به الشيعة هو عين ما جاءت به السنة النبوة، ولم تحرف عنه قيد أنملة، ولعل الفقهاء أدرى بذلك من غيرهم، لأنهم الأمناء على الرسالة والأدلاَّء في طريق الشريعة، ونحن ندعو إلى قليل من التأمل لإحقاق الحق وتجاوز البدع.
ما هو السر في اتخاذ تربة طاهرة ؟
بقي ها سؤال يطرحه كثيرا إخواننا أهل السنة حول سبب اتخاذ الشيعة تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربما يتخيل البسطاء - كما ذكرنا سابقاً - أن الشيعة يسجدون لها لا عليها، ويعبدون الحجر والتربة، وذلك لأن هؤلاء المساكين لا يفرّقون بين السجود على التربة، والسجود لها.
وعلى أي تقدير فالإجابة عنها واضحة، فإذ المستحسن عد الشيعة هو اتخاذ تربة طاهرة طيبة ليتيقن من طهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك سواء.
وليس هذا الالتزام إلا مثل التزام المصلي بطهارة جسده وملبسه ومصلاه، وأما سر الالتزام في اتخاذ التربة هو أن الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتخذها مسجداً، لا تتأتى له في كل موضع من المواضع التي يرتادها المسلم في حله وترحاله، بل وأنى له ذلك وهذه الأماكن ترتادها أضاف مختلفة من البشر، مسلمين كانوا أم غيرهم، ملتزمين بأصول الطهارة أم غير ذلك، وفي ذلك محنة كبيرة تواجه المسلم في صلاته لا يجد مناصا من أن يتخذ لنفسه تربة طاهرة يطمئن بها وطهارتها، يسجد عليها لدى صلاته حذرا من السجود على الرجاسة والنجاسة، والأوساخ
135
التي يتقرب بها إلى الله قط ولا تجوز السنة السجود عليهما ولا يقبله العقل السليم، خصوصا بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها:
المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، بل والأمر بتطهير المساجد وتطييبه41.
وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها، فقد روي: أن التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفى عام 62 كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها. كما أخرجه بن أبي شيبة في كتابه المصنف، باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها42.
إلى هنا تبين أن التزام الشيعة باتخاذ التربة مسجدا ليس إلا لتسهيل الأمر للمصلي في سفره وحضره خوفا من أن لا يجد أرضا طاهرة أو حصيرا طاهرا فيصعب الأمر عليه، وهذا كادّخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمم عليها.
وأما السرّ في التزام الشيعة استحبابا بالسجود على التربة الحسينية فإن من الأغراض العالية والمقاصد السامية منها، أن يتذكر المصلي باصطحابه تلك التربة، تضحية ذلك الإمام بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد.
ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفي الحديث "أقرب ما
136
يكون العبد إلى ربه حال سجوده، فيناسب آن يقتدي بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية، بأولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم إلى الملا الأعلى، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، وتحتقر هذه الدنيا الزائفة، وزخارفها الزائلة، ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر، فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب43.
وقال العلامة ألأميني: نحن نتخذ من تربة كربلاء قطعاً لمعاً، وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها، والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة، ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة. فليس في ذلك أي حزازة وتعسف أو شي، يضاد نداء القرآن الكريم أن يخالف سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو خروج من حكم العقل والاعتبار.
وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة من الفرض المحتَّم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا يفرق أي أحدمنهم منذ أؤل يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم، وإن هو عندهم إلاَّ استحسان عقلي ليس إلا، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت، وكثير من رجال المذهب يتَّخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو حمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم (2).
137
هوامش
1- أخذنا هذا البحث من كناب الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ جعفر السبحاني.
2- إشارة إلى قوله سبحانه: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدُوَّ والآصال} سورة الرعد، الآية: 15.
3- سورة فصلت، الآية: 37. (3) من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلفات ولد 785هـ وتوفي عام، 46هــ من تلاميذ الشيخ المفيد 776-417هــ، والسيد الشريف المرتضى 755-476هــ رضي. الله عنهما.
4- من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلفات ولد سنة 385 هـ. وتوفي عام 460 هـ. من تلاميذ الشيخ المفيد 336- 413 هـ. والسيد الشريف المرتضى 335- 436هـ. رضي الله عنهما.
5- الخلاف: 1 كتاب الصلاة / 358.357، المسالة 12 ا -113.
6- الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي 141. 726هـ وهو زعيم الشيعة في القرن السابع، لا يسمح الدهر بمثله إلا في فترات خاصة.
7- الوسائل: ج 3، الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث 1، وهناك روايات بمضمونه. والكل يتضمن أن الغاية من السجود التي هي التذلل لا تحصل بالسجود على غيرها فلاحظ.
8- مستدرك الوسائل: 4 باب 1، من أبواب ما يسجد عليه. ولعل الحديث ورد في أوائل الهجرة وقد كان المسلمون آنذاك يسجدون على الأرض فقط ولا منافاة بينه وبين ما يأتي من الرخصة بالنسبة إلى ما أنبتته الأرض.
9- اليواقيت والجوزاهر في عقائد الأكابر: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري المصري المعروف بالشعراني (من أعيان علماه القرن العاشر): 1/ 164» الطبعة الأولى.
10- محمد بن محمد بن سليمان المغربي (المتوفى عام 1049): جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد: 1/ 214برقم 1515.
11- صحيح البخاري: 1/ ا 9 كتاب التيتم الحديث 2 وسنن البيهقي: 2/ 433 باب: أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد، ورواه غيرهما من أصحاب الصحاح والسنن.
12- أحكام القرآن للجصاص: 2/389 نشر بيروت.
13- مسند أحمد: 3/ 327من حديث جابر وسنن البيقهي: 1/327 باب ما روي في التعجيل بها في شدة الحر.
14- سنن البيهقي:2/1، 5.
15- السنن الكبرى: 2/ 1، 6.
16- سننن البيهقي: 2/ 1، 5 باب الكشف عن الجبهة.
17- ابن الأثير: النهاية: 2/ 497مادة شكى.
18- المتقي الهندي: كنز العمال: 7/ 465برقم 19810.
19- المصدر نفسه: 7/ 459 برقم 19776.
20- المتقي الهندي: كنز العمال: 7/ 459برقم 19777.
21- المصدر نفسه: 7/ 465، برقم 1981، ومسند أحمد: 6/ 3، 1 ( 2) ابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 151كما في السجود على الأرض 41.
22- ابن سعد الطبقات الكبرى 1/151 كما في السجود على الأرض 41.
23- منتخب كنز العمال المطبوع في هامش المسند: 7/ 194.
24- البيهقي: السنن الكبرى: 2/ 1، 5.
25- المصدر نفسه.
26- أبو نعيم الأصفهاني: أخبار اصبهان: 2/ 141.
27- مسند أحمد: 1/269 - 3 0 3 – 3 0 9 و358.
28- المصدر نفسه: 6/ 179 وفيه أيضاً قال للجارية وهو في المسجد: ناوليني الخمرة.
29- المصدر نفسه: 3 0 2 (5) مسند أحمد: 6/ 331- 335.
30- مسند أحمد 6/331- 335.
31- المصدر نفسه: 377.
32- المصدر نفسه: 2/92-98.
33- صحيح البخاري: 1/ 101، صحيح مسلم: 2/109 مسند أحمد: 1/100، السنن الكبرى: 2/106.
34- كنز العمال 8/130 برقم 22238.
35- البيهقي: السنن 2/106.
36- المصنف لعبد الرزاق: 1/ 400 كما في سيرتنا وسنَّتنا، والسجدة على التربة 93.
37- البيهقي: السنن الكبرى 2/1 106 باب من بسط ثوباً فسجد عليه.
38- البخاري: 2/ 64كتاب الصلاة باب بسط الثوب في الصلاة للسجود.
39- ابن الأثير: الجامع الأصول: 5/ 468برقم 3660.
40- أبو داود: السنن: باب ما جاء في الصلاة على الخمرة برقم 331.
41- العلامة الأميني: سيرتنا وسنَّتنا 158-159.
42- أبو بكر بن أبي شيبة: المصنف: 1/ 400كما في السجدة على التربة 93.
43- الأرض والتربة الحسينية: 24.
|
|
|
|
|