عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية أرجوان
أرجوان
شيعي حسيني
رقم العضوية : 13143
الإنتساب : Nov 2007
المشاركات : 7,797
بمعدل : 1.29 يوميا

أرجوان غير متصل

 عرض البوم صور أرجوان

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : أرجوان المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-07-2008 الساعة : 01:13 AM


6

الكوفة خائفة . جلست ذليلة في حضرة ابن زياد .. وزياد يشير بسوطه .. فتتساقط الرؤوس .. وتطيح الأيدي . وانحنت الرقاب ((للأرقط)) لقد انتصر بجيشه الوهمي القادم من الشام . الكوفة كلّها أسيرة في قبضته .. تنقاد له طائعة . يصرخ فيها :
-اقتلوا آل الحسين .. إنهم أناس يتطهّرون .
وينتظم العبيد .. عبيد الدنيا جيشاً عرمرماً يقوده ((الحرّ)) .
المهمة خطيرة .. القبض على القافلة .. فارس يقود ألف فارس مدجّج السلاح يجوبون الصحراء بحثاً عن قافلة صغيرة ..
قدر عجيب ساق هذا الرجل .. جعله في طليعة الذين يريدون اغتيال الحريّة .. وهو ((الحر)) كما سمّته أمّه ..
والحرّ يجوب الصحراء في مهمّة كان يلعنها في أعماق نفسه .. الرمال الممتدة إلى ما لا نهاية تدعوه إلى الرحيل .. الرحيل إلى الشمس ، وكانت الأرض تشدّه إليها كما شدّت ألفاً يسيرون خلفه .
ويسمع الحرّ صوتاً عجيباً .. صوتاً قادماً من وراء الرمال :
-ابشر يا حرّ بالجنة .
-أية جنّة وأنا سائر لقتال سبط النبي .
الخيل تلهث .. أضرّ بها الظمأ .. والصحراء تلتهب .. تتوهج .. تشتعل جحيماً لا يطاق والحرّ يُبشَّر بالجنّة . وتبدو في الأفق قافلة تتجه نحو ذي حسم (الجبل الصغير) .
الشمس في كبد السماء تتشظى حمماً .. تتفجّر لهباً ، والرمال تشتعل جمراً ، والخيل تلهث .. تهوّم عيونها نحو سراب بعيد يحسبه الظمآن ماء . وقف الحرّ قبال الحسين في الظهيرة العظمى .. الخيول تنظر إلى الحسين .. تشمّ رائحة الماء ، وتحمحم .
هتف الحسين :
-اسقوهم وارشفوا الخيل .. .
ومرّت مئات الخيول الظامئة .. تعبّ من الماء .. وتطفئ لهب الصحراء .
ورأى الحسين فارساً وصل متأخراً ، وقد أضرّ به العطش ، فقال بلغة حجازية :
-أنخ الراوية .
-... ؟!
-انخ الجمل .
أناخ الظامئ الجمل . ولما أراد أن يشرب ، جعل الماء يسيل من السقاء ، فقال الحسين بلغة حجازية :
-أخنث السقاء .
فلم يدر الرجل ما يصنع ، فعطف الحسين له السقاء حتّى ارتوى وسقى فرسه .
وساد صمت رهيب رغم حمحمة الخيل .. وكان الجميع يتساءلون عن سرّ وجودهم في تلك البقعة الملتهبة من دنيا الله . وأذَّن ((ابن مسروق)) للصلاة : فقال للحسين :
-أتصلّي بأصحابك .
-لا ، بل نصلّي جميعاً بصلاتك .
وصلّى الحسين بالجموع .. وصلّى خلفه ألف فارس كانوا يريدون القبض على الرجل القادم من الحجاز . وقال الحسين بعد الصلاة :
-نحن أهل بيت محمد أولى بالأمر من هؤلاء المدّعين .. السائرين بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلّا الكراهية لنا ، والجهل بحقنا ، وكان رأيكم على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم .. .
تساءل الحرّ :
-ما أدري ، ما هذه الكتب التي تذكرها ؟!
فنظر الحسين إلى ((ابن سمعان)) ، فأحضر خرجين مملوءين كتباً .. رسائل بالآلاف .. كتبها الكوفيون .. كتبها الكوفيون ، كلها تقول أن أقدم علينا ليس لنا إمام غيرك .
تمتم الحرّ خجلاً :
-إني لست من هؤلاء .. وإني أمرت أن أقدمك الكوفة على ابن زياد .
قال صاحب الأنف الأشمّ :
-الموت أدنى إليك من ذلك ..
القافلة تريد أن تستأنف رحلتها .. سفن الصحراء ترفع مراسيها .
و((الحر)) يعترض :
-أنا أنفّذ أمر الخليفة .
-ثكلتك أمّك .
-أما لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر أمّه كائناً من كان .. ولكن مالي إلى ذكر أمّك من سبيل .. فأمّك الزهراء البتول .
وأردف الحرّ متوسّلاً :
-لتسلك طريقاً وسطاً .. لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة ، حتى أكتب إلى ابن زياد ، فلعلّ الله يرزقني العافية .
كانت القافلة تسير باتجاه بوصلة القدر .. باتجاه مدينة تعيش في رحم المستقبل .
كانا يسيران على مهل .. يسيران في طريق واحد .. طريق رسمته الأقدار .
همس الحرّ بحزن :
-إني أذكّرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن قاتلت لتُقتلَنَّ .
وأدرك الحسين ما تموج به أعماق ((الحرّ)) .
-أفبالموت تخوّفني ؟!
سأمضي وما بالموت عار على الفتى


إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلَم

كفى بك ذلاً أن تعيس وترغما

وأدرك الحر هدف الحسين .. الغاية التي يتحرك نحوها . ابتعد عنه .. أخذ ناحية أخرى من الطريق .. يسايره فيها من بعيد .. ولكنه شعر بنفسه تهفو إلى الرجل السائر نحو الموت .. الرجل الذي قال من قبل : من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنا لم يبلغ الفتح .

7

ما بين ((عين التمر)) و((القريات)) ، لاحت من بعيد خيمة وحيدة .. في خارجها رمح مركوز وفرس تحمحم . وفي داخل الخيمة رجل وحيد .. فرّ من الكوفة .. يريد أن ينأى بنفسه بعيداً عن قدر رهيب . فجاءه رجل من أقصى الجزيرة يسعى .
-ماذا تريد !!
-إني جئتك بهدية وكرامة . هذا الحسين يدعوك إلى نصرته .
أجاب الرجل الوحيد :
-والله ما خرجت من الكوفة إلا لكي لا أراه .. لعلّك لم تسمع الأخبار .. لقد خذلته شيعته .. قُتل ((مسلم بن عقيل)) و ((هاني بن عروة)) ورجال آخرون ، ولا أقدر على نصره ..
وأردف وهو يطرق برأسه إلى الأرض :
-ولست أحب أن يراني وأراه .
ولكن الحسين أراد أن يراه فمضى إليه .. ورآى ((الجعفي)) لمّة من الناس تهفو إليه .
رجل ذرّف على الخمسين وحوله رجال وصبية وأطفال قادمين ، فأوسع لهم في المجلس ، وجلس الجعفي قبال رجل لم يره من قبل .. تموج في جبينه طيوف النبوّات . أراد أن يكسر حاجز الصمت ، فقال مبتسماً وهو يشير إلى لحية تشبه ليلة غاب فيها القمر :
-أسواد أم خضاب ؟!
-عجّل عليّ الشيب يا ابن الحرّ .
-خضاب إذن !
-يا ابن الحرّ .. ألا تنصر ابن بنت نبيّك وتقاتل معه ؟
-إنّ نفسي لا تسمح بالموت .. ولكن فرسي ((الملحقة)) هذه لك .. والله ما طلبت عليها شيئاً قط إلا لحقته .. ولا طلبني أحد إلا سبقته .. .
-أما إذا رغبت بنفسك عنّا ، فلا حاجة لنا في فرسك .
ونهض الحسين . كان يريد أن يرفع الرجل .. أن يسمو به ، ولكنه اثّاقل إلى الأرض .
وفي آخر الليل أمر الحسين فتيانه بالاستسقاء والرحيل . ونهضت النوق .. يمّمت وجوهها نحو الأرض التي بورك فيها للعالمين .. وكان هناك ألف ذئب تتوهج عيونها غدراً .. القافلة تسير .. تشقّ طريقها في الظلام .. تتبعها قطعان من الذئاب وهي تعوي في آخر الليل .
لاح راكب من بعيد .. مدجج بالسلاح . كان رسولاً من ابن زياد إلى ((الحرّ)) يحمل إليه كتاباً خطيراً . قرأه الحرّ بصوت يسمعه الحسين :
-جعجع بالحسين حين تقرأ كتابي ولا تنزله إلا بالعراء على غير حصن ولا ماء . قال الحسين :
-دعنا ننزل ((نينوى)) أو ((الغاضريات)) .
-لا أستطيع . فحامل الكتاب عين عليّ .
قال (( زهير بن القين )) ، وكان رجلاً صحب الحسين على قدر :
-يابن رسول الله ! دعنا نقاتلهم .. إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم . فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به .
-ما كنت أبدأهم بقتال .
-ههنا قرية و((الفرات)) يحدق بها من ثلاث جهات .
-ما اسمها ؟.
-((العقر)) .
-نعوذ بالله من العقر .
والتفت الحسين إلى الحر :
-سر بنا قليلاً .
ومضت القافلة لا تلوي على شيء .. يتبعها ألف ذئب أغبر .
اهتزّت البوصلة .. تعثرت النوق .. ووقف جواد الحسين .. تسمّر في مكانه .. رفعت النوق رؤوسها .. تلفتت .. لعلّها شمّت رائحة وطن تبحث عنه . سأل الحسين :
-ما اسم هذه الأرض ؟
-الطّف .
-فهل لها اسم آخر ؟
-كربلاء .


توقيع : أرجوان
..اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين..
من مواضيع : أرجوان 0 سفن آب (تجميد اللقطة)
0 زخارف اسلامية للتصاميم
0 في حياتي زهــــــ ـــــرة
0 لا يفوتكم المناظر مصر .. أم الدنيا‎
0 اسم فاطمة الزهراء (ع) سبب شفاء أعمى
التعديل الأخير تم بواسطة hassan.khalifa ; 20-07-2008 الساعة 01:54 PM. سبب آخر: حسب طلب الغالية...

رد مع اقتباس