عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية نووورا انا
نووورا انا
شيعي فاطمي
رقم العضوية : 23528
الإنتساب : Oct 2008
المشاركات : 4,921
بمعدل : 0.86 يوميا

نووورا انا غير متصل

 عرض البوم صور نووورا انا

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي الغيبة وانسجامها مع الغرض الالهي والاثار المترتبة عليها
قديم بتاريخ : 03-07-2009 الساعة : 04:18 PM


اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

السيد منير الخباز


الحديث عن الغيبة في نقطتين:

النقطة الأولى: هل أن الغيبة منسجمة مع الغرض الإلهي, أم مخالفة للأهداف الإلهية؟

والنقطة الثانية: في الآثار المترتبة على الغيبة.

النقطة الأولى:

استدل علماء الإمامية على وجوب نصب الإمام بقاعدة تُسمّى (قاعدة اللطف), والتي تنصُّ على وجوب نصب الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وهذا الكلام يتكوّن من مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن الإمام لطف, حيث إن وجوده أمر يغذّي حاجة المجتمع البشري الذي يحتاج إلى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويقضي بين الناس بالعدل, ويقيم الحدود والتعزيرات, وينشر العدالة بين أبناء المجتمع.

إذن, المجتمع البشري محتاج إلى وجود الإمام, فوجود الإمام لطف؛ لأنه يغذّي هذه الحاجة.

والمقدمة الثانية: أن اللطف واجب الصدور من الله عز وجل؛ لأن وجود إمام ينشر العدل, ويأمر بالمعروف, وينهى عن المنكر, ويقضي بين الناس, ويهدي المجتمع إلى الخير هو لطف. لكن هل هذا اللطف واجب؟

نعم, اللطف واجب.

لِمَ؟ لأن المجتمع البشري محتاج إلى وجود إمام عادل, آمر بالمعروف, ناهٍ عن المنكر, فعدم نصب الإمام من قِبَله تعالى يعود إمّا لجهله, وإمّا لعجزه, وإمّا لبخله, وليس عندنا شقٌ رابع.

فعدم نصبه للإمام إما بخل أو جهل أو عجز, والله تعالى منزّه عنها, فيكون مقتضى نزاهة الله عن الجهل وعن العجز وعن البخل أنه يجب نصب الإمام بين الناس, فنصب الإمام بين الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجب الصدور من الله؛ لأنه لطف.

ونتيجة هاتين المقدمتين أن نصب الإمام واجب.

هكذا استدلَّ الإمامية على ضرورة نصب الإمام بعد النبي.

وهنا يَرد سؤال يقول: بناءً على الدليل الذي ذكرتموه للاستدلال فإن غيبة الإمام نقض للغرض, ونقض الغرض قبيح, والقبيح محال على الله تبارك وتعالى، على أن الغرض من نصب الإمام والهدف من نصبه هو أن الإمام يأمر بالمعروف, وينهى عن المنكر, ويقضي بين الناس, ويبلّغ الأحكام الشرعية, أليس هذا هو الغرض؟ هذا الغرض لا يمكن تحصيله مع غيبة الإمام, ولو كان الإمام حاضراً بين الناس لقام بالغرض, إذ لو كان الإمام موجوداً بين أظهر الناس يرونه ويعرفونه ويراهم ويعرفهم لكان وجوده محقّقاً للغرض, أما إذا كان غائباً فغيبته ناقضة للغرض, فغيبته تماماً عكس الهدف وعكس الغرض؛ لأنه ما لم يكن حاضراً بين الناس فإنه غير قادر على إقامة العدالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذن, غيبة الإمام نقض للهدف, ونقض الهدف قبيح.

لماذا؟

مثلاً إذا أراد إنسان تأسيس مسجد لغرض العبادة, ثمّ استخدمه كورشة للحدادة أو للنجارة, فهل يصحُّ ذلك؟ إنه نقض للغرض كذلك الله سبحانه وتعالى نصَّب الإمام لغرض إقامة العدالة, والغيبة تنقض هذا الغرض, ونقض الغرض قبيح, والقبيح محال على الله تبارك وتعالى.

إذن فكرة الغيبة فكرة قبيحة يرفضها العقل؛ لأنها نقض للغرض, ونقض الغرض محال على الله, فهذه الفكرة في حدَّ ذاتها أمر محال لا يمكن صدوره من الله عز وجل , بأن ينصب إماماً غائباً مستوراً عن الأعين, هذه الفكرة أمر محال في حدَّ ذاته.

والجواب عن هذا السؤال بوجهين:

الوجه الأوّل: الإمام عليه السلام شاهد على أعمال الخلائق:

أن الغرض من نصب الإمام _ أيّ إمام كان _ ليس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجب على كل الناس وجوباً كفائياً: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(2), والغرض من نصب الإمام ليس هو تبليغ الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس وإقامة الحدود والتعزيرات, فهذه وظيفة الفقهاء في عصر الغيبة, كما ورد عن الإمام المنتظر عليه السلام: (فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنهم حجّتي عليكم, وأنا حجّة الله عليهم).(3)

إذن, الغرض من نصب الإمام ليس هذا ولا ذاك, حتّى يقال: إن هذا الغرض لا يتحقق مع غيبة الإمام, الغرض من نصب الإمام أمران:

الأمر الأوّل: مسألة الشهادة على أعمال الخلائق, أي أن يكون شهيداً على أعمال الخلائق, فالآية التي وردت في عيسى بن مريم عليه السلام الذي كان إماماً؛ لأن الرسل أولي العزم كانوا أئمّة, (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً ما دُمْتُ فيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني‏ كُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى‏ كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ)(4), مفادها أن الهدف من وجوده بينهم هو الشهادة على أعمالهم, والشهادة على أفعالهم, والغرض من نصب الإمام هو أن يقوم بالشهادة, والآية المباركة التي تخاطب النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيدا)(5) تؤكّد الغرض من وجود النبي والإمام, وهو الشهادة على أعمال الخلائق شهادةً حضورية, هذا هو الغرض, وليس الأمر بالمعروف وتبليغ الناس الأحكام الشرعية.

ومن الواضح أن الإمام سواءً كان مرئياً أو كان غائباً هو قادر على أن يقوم بغرض الشهادة, سواءً كان الإمام معروفاً بين الناس أم مجهولاً, حاضراً مع الناس أم غائباً عنهم, هو قادر على أن يقوم بالشهادة وأن يحقق غرضها.

إذن, الغرض من نصب الإمام متحقّق, وليست غيبة الإمام أمراً ناقضاً للغرض كي تكون الغيبة أمراً محالاً أو أمراً قبيحاً.

الإمام المنتظر عليه السلام هو الحافظ للدين:

الأمر الثاني: أن المترتّب على نصب الإمام عليه السلام هو حفظ الدين؛ لكي لا تمتد أيدي التزوير والتلاعب والتحريف إلى الدين الإسلامي, وقد ذكرنا فيما سبق قوله تعالى: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(6) أن المقصود بالذكر ليس هو القرآن الكريم, وإنما الدين السماوي المحفوظ من خلال القرآن الكريم نفسه.

إن الله تبارك وتعالى تعهّد بحفظ هذا الدين, وحفظ الدين بأسبابه, ومن أسباب حفظ الدين وجود الشخص الخبير بالدين كي يكون قادراً على حفظه من أن تندس أيدي التلاعب والتزوير والتحريف إليه.

كيف يحفظ الدين؟

ليس المقصود من الدين هو الوظيفة الظاهرية والتي يجب على الناس في عصر غيبة الإمام عليه السلام أن يعملوا بها وهي فتاوى الفقهاء, وهي وظائف ظاهرية وليست وظائف واقعية؛ لأن فتوى الفقيه قد تُصيب الواقع وقد تخطأ, لكن مع ذلك لو أصابت فتوى الفقيه الواقع فبها ونعمت, ولو أخطأت فتوى الفقيه الواقع فهو معذور كما أن المقلّد له معذور: (لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك بما يؤدّيه عنّا ثقاتنا, قد علموا أنا نفاوضهم سرنا, ونحملهم إيّاه إليهم)(7), أي: لا ينبغي التشكيك في ما يرويه الفقهاء وما يمليه الفقهاء, ووظيفة الناس العمل بفتاوى هؤلاء وهم معذورون, (فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنهم حجّتي عليكم, وأنا حجّة الله عليهم)(8), فليست وظيفة الدين هو هذه الوظيفة الظاهرية؛ لأن الدين مجموعة من القوانين السماوية, وهي موجودة في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة, وهذه القوانين هي الدين الواقعي, وهذه المجموعة من القوانين يجب حفظها من الدس والتزوير والتحريف, لكن المتكفل بحفظها هو من كان عارفاً بها, ومن لا يعرف هذه القوانين الواقعية الموجودة في الكتاب والأحاديث الصحيحة لا يمكنه حفظها, وأهل البيت عليهم السلام أدرى بما في الكتاب.

دخل قتادة بن دُعامة على الإمام الباقر عليه السلام فقال: (يا قتادة, أنت فقيه أهل البصرة؟)، قال: هكذا يزعمون, فقال أبو جعفر عليه السلام: (بلغني أنك تفسّر القرآن؟)، فقال له قتادة: نعم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: (بعلم تفسّره أم بجهل؟)، قال: بل بعلم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: (فإن كنت تفسّره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك؟)، قال قتادة: سل, قال: (أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ: (وَقَدَّرْنا فيهَا السَّيْرَ سيرُوا فيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنينَ)(9) ؟ )، فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمناً حتّى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر عليه السلام: (نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟)، قال قتادة: اللهم نعم، فقال أبو جعفر عليه السلام: (ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت, وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت،... ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به).(10)

إنّ معرفة القرآن معرفة واقعية, ومعرفة الأحاديث الصحيحة معرفة واقعية أمرٌ لا يتأتّى لا لفقيه ولا لغير فقيه, وإنما لمن خوطب بهذا القرآن, وبمن خوطب بهذه الأحاديث الصحيحة, ألا وهو الإمام القائم.

إذن, بالنتيجة يكون الغرض من نصب الإمام هو حفظ الدين الواقعي, والدين الواقعي لا يمكن حفظه إلاّ لمن كان عارفاً به, والعارف بالدين الواقعي هو الإمام عليه السلام الذي تلقّى مواريث النبوة وكتب الأنبياء وكتب الأئمّة عليهم السلام, ووصلت إليه العلوم الواقعية يداًَ بيد, فهو الوحيد القادر على حفظ الدين, وحفظ الدين يتوقّف على المعرفة, والمعرفة غير موجودة إلاّ عند إمام الزمان.

إذن, القادر على حفظ الدين هو إمام الزمان, (من مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية).(11)

ورد عن الأئمّة عليهم السلام: (لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها).(12)

وورد عن الإمام علي عليه السلام قوله: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة, إما ظاهراً مشهوراً, أو خائفاً مغموراً, لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته)(13), فهو الذي يقوم بحفظ الدين.

وقد يُسأل: كيف يقوم بحفظ الدين وهو غائب؟

نقول: يُحفظ الدين من خلال الاتصال بمواقع القرار للأمّة الإسلاميّة, من قيادات وعلماء ومراجع ووجهاء, وكل شخص له نفوذ وتأثير في الأمّة الإسلاميّة, والإمام قادر على حفظ الدين من خلال اتصاله بمواقع القرار, بالطريقة المباشرة أو بغير المباشرة, فالمهمّ أن واجبه حفظ الدين, فلا بدَّ أن يقوم به من خلال الاتصال بمواقع القرار مباشرةً أو بالواسطة من أجل حفظ الدين وإقامة هذا الغرض.

واليوم الصحوة الإسلاميّة تنمو, والوجود الإسلامي يكبر, وظاهرة التشيّع تقوى وتكبر وتمتد إلى أرجاء الأرض يوماً بعد يوم, ومع وجود حرب شرسة ضدّ الدين, لكن الدين يقوى ويزداد نمواً وقوةً, وهذا كاشف عن وجود تصرّفات غيبية خفية يقوم بها المسؤول عن هذه التصرفات من أجل حفظ الدين, ومن أجل حفظ هيبته ومكانته, ومن أجل حفظ قوّته, ألا وهي تصرفات المولى صاحب الأمر عليه السلام, ولولا أننا تحت رعايته وأنه لا يعزب عنه شيء من أخبارنا لنزل بنا اللأواء واصطلمنا الأعداء.(14)

بالنتيجة أنّ هذا المفهوم وهو أن الغيبة نقض للغرض غير تام، فالغرض حفظ الدين, والشهادة على أعمال الخلق, وهو قادر على ذلك حاضراً كان أم غائباً.

الوجه الثاني: الغيبة عمل بشري لا سماوي:

إن الغيبة ليست مخطّطاً سماوياً, وإنما هي عمل بشري, والعمل البشري لا يكون نقضاً للغرض السماوي, فمثلاً أن الهدف من نصب الإمام علي عليه السلام للإمامة هو إقامة الدولة الإسلاميّة العادلة, هذا هو المخطّط السماوي, لكن الذي حصل على الأرض أنه بمجرد أن تولى الخلافة قام عليه الناكثون والقاسطون والمارقون من كل حدبٍ وصوب, وشنّوا عليه حروباً دامية لخمس سنوات, لم تعطِ للإمام الفرصة الكافية لتحقيق الدولة الإسلاميّة العادلة, إلى أن قتله بعض الخوارج في محرابه.

فقتل علي عليه السلام ما هو بمخطّط سماوي, ولكن ما صنعه البشر كان رفضاً لمخطّط السماء, وهو حرب علي عليه السلام وقتله, إذن بالنتيجة الجناية البشرية لا تعدُّ نقضاً للغرض السماوي؛ لأنه قد يكون على شيء وتكون الجناية البشرية على شيء آخر, وهذا لا يعني نقض الغرض للسماء, فالله تبارك وتعالى بعث نبيه بالرحمة ليظهر دينه على الدين كله, (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(15), فلما جاء بنو أميّة نسخوا الدين من أصله, وجاء بنو العبّاس وواصلوا المسيرة بتشويه الدين السماوي, فما نصَّت عليه السماء شيء, وما جناه البشر شيء آخر.

إن الله تبارك وتعالى عندما نصَّب الإمام المهدي عليه السلام إماماً بعد أبيه الحسن العسكري عليه السلام, لم يكن الغرض من نصبه أن يغيب هذه الغيبة, أي أنها ليست مخطّطاً سماوياً, بل كان مخطّطاً أن يبقى حاضراً بين الناس, ويقوم بتحقيق أهداف الإمامة وهو حاضر بين الناس, ولكن الجناية البشرية صارت على عكس مخطّط السماء, حيث هجم الظالمون عليه فاستتر خوفاً من الظالمين, ولم تقم الأمّة الإسلاميّة بنصرته والدفاع عنه, ولو أن الأمّة الإسلاميّة وقفت إلى جنبه يوم هجوم الظالمين عليه ما تغيّب الإمام, فالإمام لم يتغيب لأن الله أمره بالغيبة, فالله أمره كإمام أن يكون كسائر الأئمّة في أن يبقوا حاضرين بين الناس ويقيموا العدالة بين الناس ويوصلوا الناس إلى الهداية, (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).(16)

إن الغرض هو الهداية, لكن البشر رفضوا هذا المخطّط السماوي, وهجم الظالمون على الإمام, وطلب الإمام النصرة من الأمّة الإسلاميّة فلم تكن مستعدة ولا حاضرة لبذل النصرة والوقوف معه حتّى يبقى حاضراً ويقيم غرض الولاية كما ذُكِر في القرآن الكريم, فهل هذا عمل إلهي أم تقصير بشري؟ بالتأكيد هو تقصير بشري.

إذن, نتيجة الكلام أن الغيبة ليست مخطّطاً سماوياً كي نقول بأن هذا المخطّط السماوي نقض للغرض, فغيبة الإمام تقصير بشري وجناية بشرية, فعندما ننظر إلى مسألة موسى بن عمران عليه السلام, وبني إسرائيل: (قالُوا يا مُوسى‏ إِنَّ فيها قَوْماً جَبَّارينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها)(17), (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(18), نجدهم قد رفضوا أن يدخلوا الأرض المقدسة, (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسي‏ وَأَخي‏ فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقينَ * قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعينَ سَنَةً يَتيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقينَ).(19)

لذلك غاب موسى عليه السلام عنهم, فبقوا في حيرة يتيهون في الأرض أربعين سنة, فهل غيبة موسى عليه السلام عنهم مخطّط سماوي أم جناية منهم؟ إنها جناية منهم, هم الذين رفضوا الاستعداد لنصرة موسى عليه السلام, وهم الذين رفضوا الاستعداد لكي يكونوا يداً مع موسى عليه السلام, ونتيجة عدم نصرتهم وتخلّيهم عن الوظيفة غاب عنهم موسى عليه السلام, فغيبته ليست مخطّطاً سماوياً, بل كانت نتيجة جناية بشرية, ونفس الكلام بالنسبة للإمام المنتظر, فغيبة الإمام المنتظر عليه السلام نتيجة جناية بشرية وتقصير من الأمّة الإسلاميّة, وليست الغيبة مخطّطاً سماوياً ليقال: إن هذه الغيبة نقض للغرض من نصب الإمامة.

إذن, فهذا السؤال وهذه الشبهة مندفعة.

النقطة الثانية: الآثار الروحية المترتبة على الغيبة:

الغيبة حصلت للإمام عليه السلام, فما هي الآثار الروحية المترتبة على الغيبة؟

هناك ثلاثة آثار مهمّة:

الأثر الأوّل:

شعور الأمّة بالتقصير يدفع لإعداد الأرضية لخروج الإمام المنتظر, إن الإمام يحتاج إلى قاعدة شعبية عريضة مخلصة مُضحية باذلة تعرف معنى الإمامة ومعنى طاعة الإمام, فلو وُجِدت قاعدة شعبية تملك خصائص التضحية والبذل والإخلاص والفناء والذوبان والانصهار في الإمام عليه السلام لظهر الإمام عليه السلام, فلا مانع من ظهوره إلاّ عدم استعداد القاعدة.

إن شعور الناس بغيبة الإمام نتيجة لتقصيرهم في إعداد الأرضية الصالحة يكون سبباً في اندفاعهم لتهيئة هذه الأرضية, وفي إيجاد النخبة المخلصة المضحية الباذلة, حتّى إذا وُجِدت وتهيّأت هذه الأرضية ظهر الإمام عليه السلام.

ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج)(20), ما معنى انتظار الفرج؟ هل الحوقلة وهي أن تقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله اللهم عجل الفرج. إن الانتظار بمفهومه الإيجابي لا بمفهومه السلبي, بمعنى إعداد الأرضية فانتظار الضيف يعني إعداد البيت لاستقباله, كذلك انتظار الإمام بمعنى تهيئة الأرضية الصالحة لظهوره, هذا الأثر الأوّل من آثار الغيبة.



يتبع


من مواضيع : نووورا انا 0 بواطن الرحمة الإلهية في ظواهر الشرور السفيانية
0 علامات الظهور بين الأولويات والانحراف
0 الابـــــــــــــــــلّة
0 شيعة البحرين تجذّر المواطنة ونابضية الولاء
0 شيعة باكستان والحصانة العقدية
رد مع اقتباس