|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 31113
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 1,792
|
بمعدل : 0.30 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
السید الامینی
المنتدى :
المنتدى الإجتماعي
بتاريخ : 15-03-2009 الساعة : 05:13 PM
أساس التدرّج في تعليم المسائل الدينيّة
ينبغي على الوالدَين والمعلّمين الذين يقومون بتعليم الناشئة المعارفَ والمسائلَ الدينيّة، التوجّه إلى حقيقة أنّ لهذه المعارف درجاتٍ ومَراتبَ مختلفة باختلاف الأفراد في نموّ قابليّاتهم الذهنيّة والروحيّة، وتفاوتهم في المعلومات والتجارب، وفي الظروف الاجتماعية والثقافيّة. ولذلك ينبغي إلقاء الأفكار والمفاهيم التعليميّة والدينيّة بما يتناسب ومستوى إدراك الطلاّب والناشئة، وبما ينسجم وقواهم الذهنية والروحيّة. وعلى الوالدين أن لا ينتظرا من ولدهما أن يصبح بسرعة من أهل العبادة والصلاة. ويجب أن يكون برنامج تعويد الناشئة على الصلاة مبنيّاً على أساس التدرّج والرِّفق، وأن يَحذَر الوالدان من أن يحسّ الطفل بثقل الواجبات الدينيّة الملقاة على عاتقه، وأن يواظبا على تجنيبه الواجبات الثقيلة التي لا تتناسب مع طاقته؛ لأنّ من الممكن أن يؤدّي ذلك إلى الإضرار بعقائد الطفل.
وقد وردت توصيات كثيرة في الإسلام في أمر التدرّج في تعليم المسائل الدينيّة، فقد أوصى الإمام الصادق عليه السّلام أن الطفل إذا بلغ ثلاث سنين أمَرَه والداه أن يقول يوميّاً سبع مرّات عبارة « لا إله إلاّ الله »، ثمّ يُترك لشأنه حتّى يبلغ عمره ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرين يوماً، فيُعلّم قول « محمّد رسول الله » سبع مرّات يوميّاً، ثمّ يُترك وشأنه حتّى يبلغ أربعة سنين، فإذا بلغها عُلّم قول « صلّى الله عليه وآله » سبع مرّات، ثمّ يُترك لشأنه حتّى يبلغ الخامسة من عمره. فإذا ميّز الطفل بين يُمناه ويُسراه، وُجّه إلى القِبلة وعُلّم السجود. فإذا بلغ السادسة عُلّم الركوع والسجود وباقي أجزاء الصلاة. فإذا أتمّ السابعة قيل له أن يغسل وجهه ويديه ( بعد أن يُعلّم الوضوء تدريجاً ) ثمّ يُؤمر بالصلاة، ثمّ يُترك وشأنه إلى أن يبلغ التاسعة، فإذا بلغ التاسعة عُلّم الوضوء الصحيح وأُمر بالصلاة.
والأمر كذلك بالنسبة إلى الصوم، حيث روى الكلينيّ في كتابه ( الكافي ) عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمُروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين. ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام، إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فإذا غلب عليهم العطش والغرث أفطروا، حتّى يتعوّدوا الصوم ويُطيقوه؛ فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا (6).
ونلاحظ تاريخيّاً حقيقة أنّ التعاليم الإسلاميّة نزلت بالتدريج، وأنّ القرآن أُنزل تدريجاً، في حين يُشاهد ـ وهذا ممّا يؤسف له ـ أن بعض الآباء والمربّين يحاولون إيصال المتعلّمين إلى الصورة التي يرسمونها في أذهانهم بسرعة ومن دون تريّث ولا تدرّج، مع أنّ المختصّين بأمور التربية والتعليم يؤكّدون على أنّ أيّ رسالة تربويّة إذا ما نُقلت إلى الطفل بسرعة وعجلة ومن دون ترك فرصة للطفل للتلقّي الصحيح، فإنّ الاستجابة لتلك الرسالة التربويّة ستكون ظاهريّة فقط وغير دائمة. ومن هنا كان من الأفضل أن يُترك للطفل فرصة ـ ولو يسيرة ـ لهضم واستيعاب ما تلقّاه، وإلاّ صار ما يتلقّاه سطحيّاً سريع الزوال.
وفي الحقيقة أنّ الانسجام والتعاون المشترك بين قابليّة الطفل المتعلّم من جهة، والإمكانات التربويّة المناسبة من جهة أخرى يتطلّبان سرعة معيّنة يؤدّي زيادتها أو تقليلها إلى اختلال العملية التربويّة، بل إلى اختلال التعادل في شخصيّة المتعلّم.
أساس الاعتدال في تعليم المسائل الدينيّة
الاعتدال هو الحجر الأساس الذي تقوم عليه التعاليم الإسلاميّة، بحيث أكّدت جميع تلك التعاليم على رعاية الاعتدال وعلى اجتناب الإفراط والتفريط.
وأساس الاعتدال من جملة الأسس التي عُني بها القرآن الكريم، حيث يقول الله تبارك وتعالى: وكذلكَ جَعَلناكُم أُمّةً وَسَطاً (7).
ويمكن ملاحظة هذا الأساس في جميع أعمال وسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وأئمّة الهدى عليهم السّلام، يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في صفة رسول الله صلّى الله عليه وآله: « سِيرتُه القَصْد » (8).
ولمّا كان الإنسان موجوداً ذا أبعاد متعدّدة وجوانب مختلفة، وكان الإسلام ديناً كاملاً يُعنى بجميع أبعاد الإنسان الوجوديّة، فإنّ جميع أبعاد الإنسان ينبغي ملاحظتها ورعايتها وتنميتها بصورة متعادلة ومتكاملة من أجل أن يصل البشر إلى كماله الحقيقيّ؛ وإنّ الاهتمام بأحد أبعاد الإنسان أو ببعض أبعاده الوجوديّة دون البعض الآخر سيجعل منه فرداً شاذّاً غير متوازن، وسيؤدّي إلى القضاء على الشخصيّة الإنسانيّة لذلك الفرد.
إنّ أغلب الانحرافات الفرديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والروحيّة التي تعاني منها المجتمعات البشريّة في العصر الحاضر يرجع إلى الإفراط أو التفريط في تنمية الأبعاد الوجوديّة للبشر. يقول النبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله: « إنّ هذا الدين متين، فأوغِلُوا فيه بِرِفق، ولا تُكرّهوا عبادةَ الله إلى عِبادِ الله، فتكونوا كالراكب المُنْبَتّ (9) الذي لا سَفراً قَطَع ولا ظَهْراً أبقى » (10).
وكما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحذّر أصحابه من الانهماك في المسائل الماديّة والشهوانيّة، فإنّه ـ كذلك ـ كان يحذّرهم من الانهماك في الرهبانيّة والإفراط الزائد في العبادات، وكان ينبّههم إلى حقيقة أنّ لأبدانهم وأزواجهم وأصحابهم عليهم حقّاً، وأنّ عليهم رعاية تلك الحقوق وعدم تضييعها.
من ذلك قوله صلّى الله عليه وآله ـ وقد بَلَغه أنّ عُثمانَ بنَ مَظعون تَرَهّب ولَبِس المُسوحَ واعتزل زوجتَه ـ: ما بالُ أقوامٍ يُحرِّمون على أنفسهم الطيّبات ؟! ألاَ إنّي أنامُ الليلَ وأنكحُ وأُفطِرُ بالنهار، فمن رَغِب عن سُنّتي فليس منّي (11).
ومن ذلك قول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام لعاصم بن زياد ـ وقد بَلَغه أنّه لبس الخشنَ من أثواب الصوف وتخلّى عن الدنيا ـ: يا عُدَيَّ نفسِه، لقد استهام بك الخبيثُ ( يعني الشيطان )، أمَا رَحِمتَ أهلَك وولدَك ؟! أترى اللهَ أحلّ لك الطيّباتِ وهو يَكرَهُ أن تأخُذَها ؟ أنت أهوَنُ على الله مِن ذلك. قال عاصم: يا أمير المؤمنين، هذا أنتَ في خُشونةِ مَلبسِك وجُشوبة مأكلك!
قال عليه السّلام: وَيْحكَ! إنّي لستُ كأنت. إنّ الله تعالى فرض على أئمّة الحقّ أن يُقدّروا أنفسَهُم بِضَعَفَةِ الناسِ كي لا يَتَبَيّغ (12) بالفقيرِ فَقرُه (13).
وروى الكلينيّ عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: اجتهدتُ في العبادة وأنا شابّ، فقال لي أبي: يا بُنيّ، دون ما أراك تصنع، فإنّ اللهَ عزّوجلّ إذا أحبَّ عبداً رضي عنه باليسير (14).
وروى عن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: مرّ بي أبي وأنا بالطواف وأنا حَدَثٌ وقد اجتهدتُ في العبادة، فرآني وأنا أتصابّ عَرَقاً، فقال لي: يا جعفر يا بُنيّ، إنّ الله إذا أحبّ عبداً أدخله الجنّةَ ورضي عنه باليسير (15).
ويُلاحظ ـ مع الأسف ـ أنّ بعض الآباء والمربّين الذين يفتقرون إلى الاطّلاع على سيرة أهل البيت عليهم السّلام ووصاياهم وتعاليمهم في مجال التربية، يرتكبون بعض الأعمال التي تضرّ بعقائد الأطفال والناشئة. ويُشاهَد أنّ الاهتمام الزائد لبعض الآباء في تنشئة أبنائهم نشأة دينيّة من دون رعاية لقابليّات أبنائهم واحتياجاتهم الروحيّة والفكريّة، ومن دون رعاية لحدّ الاعتدال في التربية، يؤدّي إلى عواقب وخيمة، ويكرّه لدى هؤلاء الأبناء واجباتهم الدينيّة.
6 ـ الكافي للكليني 309:3.
7 ـ البقرة:143.
8 ـ بحار الأنوار 379:16 ـ نقلاً عن نهج البلاغة.
9 ـ المنبتّ: الراكب الذي عَطَبت راحلتُه وانقطع به في سفره.
10 ـ الكافي للكلينيّ 86:2 ـ 87.
11 ـ بحار الأنوار للمجلسي 116:67 ـ نقلاً عن تفسير القمّي، ذيل قوله تعالى « يا أيّها الذين آمنوا لا تُحرّموا طيّبات ما أحلّ اللهُ لكم ».
12 ـ يتبيّغ: يثور ويهيج.
13 ـ نهج البلاغة: الخطبة رقم 207؛ بحار الأنوار 118:67.
14 ـ الكافي للكلينيّ 87:2/ ح 5.
15 ـ الكافي 86:2 / ح 4
|
|
|
|
|