|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 1,630
|
بمعدل : 0.44 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
صدى المهدي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : يوم أمس الساعة : 09:21 AM
القسم الثاني: في أصناف المنتظرين:
ما نبحث عنه هو: علاقة الإنسان بقرب وبعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام ورؤيته لهذا الموعد المهمّ في تاريخ البشرية، ونحاول أن نُحلِّل الدافع الأساس والبوصلة التي تُحرِّك الإنسان تجاه تعجيل أو إبطاء ظهوره المبارك، إذ ربَّما يخدع الإنسان نفسه أحياناً بتقديم وتأخير بعض الأهداف من غير شعور، والمطلوب منّا كمكلَّفين بطاعة إمام زماننا هو ترتيب أولويات ولائنا تجاهه عليه السلام، وأن لا نخدع أنفسنا بتصوّرات ربَّما تخذلنا ساعة نحتاج إليها، وكلّنا حسب الفرض نتمنّى قرب ذلك اليوم المنشود.
ويحاول هذا القسم أن يجيب عن هذا السؤال المهمّ والجوهري، حيث صنَّفنا المنتظرين لليوم الموعود ومعرفة ماهية المعيار الحقيقي للانتظار ونسبة صدق من يتطلَّعون لسيادة العدل الكامل في ربوع الأرض إلى عدَّة أصناف. وستتمُّ الإجابة إن شاء الله عن طريق نقاط يتمُّ فيها ذكر كلّ صنف من المنتظرين وبيان المعيار الذي يحكمه، مع ذكر الصنف الذي يقابله إن كانت هناك حاجة لذلك.
أصناف المنتظرين ومعايير انتظارهم:
الصنف الأوَّل: ما إذا كان هدفهم من خروج المهدي عليه السلام ليُحقِّق حاجتهم لتطبيق العدل الذي حُرِموا منه.
ويميل لهذا الهدف الطبقات الفقيرة في العالم، وما أكثرهم في ظلِّ أمواج الظلم الهائلة التي تجتاح العالم اليوم جراء ظلم الظالمين وجور الجائرين، وقد حدثت فجوات هائلة بين طبقات المجتمع البشري فمنها ما هو متنعّم ومرفَّه بكلِّ وسائل الترفيه، ومنها المعدم الذي يحلم برغيف يسدُّ به رمق عياله، وليس ذلك وحسب فما يحزُّ في نفوس هؤلاء الفقراء هو البذخ الزائد والمفرط في استعمال وسائل العيش سواءً الأساسية منها أو الثانوية من قِبَل المستأثرين بالثروات، وما يزيد الطين بلَّة هو تآزر قوى الشرّ العالمي من دول صناعية مهيمنة على مقدرات العالم على استنفاذ الموارد البشرية الأساسية، ممَّا يُهدِّد اليوم العالم بأجمعه، وباتت تحت ظلِّ هذا الوضع المزري مليارات من البشر تحلم بأبسط مقوّمات الحياة كالسكن والطعام والماء الصالح والأمن والتعليم... الخ.
وبعد هذا التفاوت بين طبقات المجتمع البشري واحتكار هذه الموارد من قِبَل أنظمة وأحزاب محدِّدة، وبعد فشل هذه الجهات في توفير العيش الكريم لهذه الطبقات والشعوب مع مسكها لزمام الأُمور وإخفاق وعودهم الكثيرة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق، فإنَّ البشرية تتطلَّع إلى خطاب جديد ونظام جديد وسلوك جديد يزيح عنهم تراكمات الماضي وويلاته، وغطرسة ونفاق وعنجهية الأنظمة والأحزاب السابقة.
فإن حدث واكتشف هؤلاء المضلَّلون - بفتح اللام - أنَّهم كانوا يُخدَعون من قِبَل قياداتهم وفي جميع المستويات وفي أدقِّ تفاصيل توجّهاتهم الفكرية، وسيثبت لهم أنَّ كلَّ الأنظمة السابقة كانت قائمة على النفعية الاقتصادية والهيمنة لأشخاص وجهات محدَّدة، وكلُّ ما كان يُرفَع كشعار أو اتِّجاه ديني يأتي في حسابات هؤلاء النفعيين بالدرجة الثانية أو الثالثة، أو أنَّ تلك الشعارات والمفاهيم كانت تُرفَع من أجل استدراج وتضليل العامَّة من الطبقات الشعبية وفي كلِّ الأُمم.
سيكتشفون حينها أن لا قيمة حقيقة لما كانوا يؤمنون به كمنهج فكري أو معتقد ديني بعد أن يعلموا أنَّ كلَّ ذلك كان أداة طوَّرها ونظَّر لها أشخاص استخدموها وسيلة للسيطرة عليهم، عندها سيهون عليهم نبذ هذا التوجّه والتخلّي عن هذا الدين المصطنع والذهاب بكلِّ قوَّة نحو نظام ومنهج يُحقِّق لهم أهدافهم المنشودة وعدلهم المفقود.
وذلك (أنَّ التخطيط الإلهي قائم على اكتساح التمحيص الدقيق للأفراد والمبادئ، وبذلك ينكشف بشكل حسّي مبرهن ومدعم بالتجارب الكثيرة والمريرة، عن فشل كلِّ دعوة تدَّعي لنفسها حلّ مشاكل العالم وتذليل مصاعبه. حتَّى ما إذا انكشفت وبان زيفها ونقاط الضعف فيها وأيست البشرية من أن تضع حلّها لنفسها...، انبثق الأمل في أنفسها من جديد إلى حلٍّ جديد ونظام جديد ينقذها من وهدتها ويخرجها من ورطتها. وهذا الأمل إحساس نفسي مجمل لا زال في طريق التربية في نفوس البشر، كما هو المحسوس الآن بالوجدان ولا زالت الحوادث وما ينكشف من مساوئ الأنظمة والفلسفات الوضعية تؤيّده وتدعمه)(ظ،ظ¦).
ويشير إلى هذا المعنى ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: «دولتنا آخر الدول ولن يبقَ أهل بيت لهم دولة إلَّا ملكوا قبلنا لئلَّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: ظ،ظ¢ظ¨]»(ظ،ظ§).
ولا شكَّ أنَّ هذه الجموع البشرية متطلّعة لهذا اليوم المنشود سواءً أسمته ظهور الإمام أم غير ذلك، المهمّ سيادة العدل والمساواة في ربوع الأرض، وبهذا المعنى هم يرون ومن منشأ حاجتهم يوم انتظار الفرج قريباً.
الخلاصة: أنَّ المنشأ الأساس لهذا الصنف ممَّن يتطلَّعون لقرب تطبيق العدل الكامل، هو بسبب فقرهم وحاجتهم لذلك العدل.
ويقابل هذا الصنف فئة كبيرة من الناس الأكثر تاثيراً هم أُولئك الذين ينتمون إلى مؤسَّسات كبرى هيمنت من خلال مكر وخبث هؤلاء على مصير شعوب كثيرة من العالم، ولا زالت تبتزُّ الدول الفقيرة باستعمالها كثير من الأساليب، ومن أمثلة تلك الشركات:
شركات تصنيع الأسلحة، فلا تجري أرباح لتلك الشركات حتَّى تجري دماء شعوب العالم، فهم يُخطِّطون من خلال عملائهم لزرع الفتن، وتحت شتّى الاسباب، كالدينية والعرقية والجغرافية، فإذا نظرنا إلى أغلب المعارك الجارية اليوم نجد أنَّ لأصحاب تلك الشركات والدول التي تحتضنها والأيادي التي تُشغِّلها يداً في اشتعال فتيلها.
وأمَّا الشركات الأُخرى المصنِّعة، كشركات النفط والاتِّصال والتكنلوجيا والبرمجيات وشركات السيّارات والتبوغ والأدوية وغيرها من القطاعات، فهي لا يُشكِّل نسبة مالكيها شئياً بالنسبة لعدد سكّان العالم، ومع ذلك هي تستولي على أغلب رأس المال العالمي، وتتحكَّم بمصير مليارات البشر، ويُتمِّم هذه الهيمنة المالية والاقتصادية هيمنة المصارف الكبرى في العالم، وسيطرتها على البورصات العالمية. حتَّى أصبحت هي السلطة الحاكمة الفعلية على حيات الناس، فأبسط نظرة على الواقع المعاصر وطريقة هيمنة هذه المؤسَّسات والدول على الشعوب ذات الطبقة المتوسّطة والفقيرة نجد أنَّ هناك فارقاً شاسعاً بين ما يتنعَّم به هؤلاء وبين تلك الشعوب، ومن ينطلق من هذا المبدأ ويستعمل هذه الأساليب فإنَّه لا يرى للعدل أيَّة قيمة فضلاً عن التطلّع إليه، فهم بكلِّ المقاييس يعملون وليس فقط يرون بكلِّ ما أُوتو من قوَّة على إبعاد وعرقلة تحقيق أدنى مقوّمات العدل فضلاً عن تحقيق العدل الكامل في أرجاء المعمورة.
الصنف الثاني: ما إذا كان هدفهم من خروج المهدي عليه السلام هو رغبة بتحقيق العدل والمساواة في العالم حتَّى تنعم البشرية بظلِّ هذه المبادئ التي سيأتي بها المهدي عليه السلام.
والدافع الأساس لأبناء هذا الصنف هو ميلهم الأخلاقي لتطبيق وإقامة العدل ونبذ ومحاربة الظلم، وهم حتَّى وإن كانوا من غير الفقراء أو المحتاجين إلَّا أنَّ ما يجري في العالم من ظلم وما يشاهدونه من ويلات دعاهم إلى رفضه ومجابهته سواء عبَّروا عن ذلك أم لم تسنح لهم الفرصة.
فكثير من شعوب العالم كأفراد لديها رقي انساني لا بأس به وقد مرّوا كمجتمعات بكثير من التجارب السابقة من حروب كالحرب العالمية الأُولى والثانية، وقد حدثت لديهم ردّات فعل إيجابية تجاه تلك الكوارث الأمنية والاجتماعية والسياسية، واستثمروا ردَّة الفعل هذه بشكل إيجابي جدَّاً على الأقلِّ على المستوى المدني، فقاموا بسنِّ قوانين دقيقة جدَّاً تُنظِّم حياة الإنسان وتستثمر طاقاته السلوكية والاجتماعية بما يتناسب مع ثقافاتهم وفلسفتهم للحياة.
إلَّا أنَّ تلك التشريعات والقوانين لم تُغَذِّ كثير من الطاقات الإنسانية الخفيَّة عليهم، ومنها الفطرة الإنسانية الطيّبة التي صنعها الله تعالى وصوَّرها، والتي لها قوانينها الدقيقة الخاصَّة والخفيَّة على جميع مشرّعي العالم مهما علت هممهم ولطفت أفكارهم، وهي القاعدة الأساسية لتربية الإنسان وتزكيته، ولا ينسجم أيُّ نظام تربوي أو قانوني إلَّا ما شرَّعه وقنَّنه خالق تلك الفطرة، ذلك القانون الذي حاول أولياء الطاغوت على طول خطِّ البشرية تشويهه وعرقلته، وهو ما ينسجم مع ما تتطلَّع تلك الجموع البشرية لتحقيقه، وهي عطشى لملئ هذا الفراغ التربوي والأخلاقي والروحي. وسوف يُبيِّن معالمه الاساسية ذلك المصلح العظيم حين يصدح معلناً ظهوره عليه السلام.
وأصبح الوعي الشعبي الإنساني الغربي متطوّراً من هذه الناحية، وأقرب شاهد على ذلك ما نراه اليوم من طريقة تعامل شعوب أُوربا الغربية مع اللاجئين وخروجهم بمظاهرات مطالبة حكوماتهم بالسماح لهم بالدخول لدولهم، وهذا ما عجز عنه كثير من البلدان التي تدَّعي ارتباطها بالإسلام ولديها قدرات اقتصادية هائلة لاستيعاب إخوانهم في الدين واللغة.
فبهذا الشعور بالوحدة الإنسانية وانتفاض الإنسان لمساعدة أخيه الإنسان بغضِّ النظر عن الدين واللغة والعرق، بدأت تتكشَّف لهؤلاء شيئاً فشيئاً زيف ادِّعاء أنظمتهم، بل بدأوا يُدرِكون أنَّها جزء من المشكلة وهي ما تسبَّبت في وجود وانتشار هذا الظلم والقتل والتشريد في كثير من بقاع العالم وليس آخرها فلسطين، وما أحدثته بريطانيا من وجود هذا الجسم الفايروسي في جسد المسلمين، وما حدث في أفغانستان حين أنشأت أمريكا كيان طالبان بمساعدة السعودية لمجابهة المدِّ السوفيتي، وما يحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وغيرها.
واستطاعت تلك الحكومات أن تُضلِّل شعوبها بإعلام مركَّز جدَّاً ومدروس بحيث اقتنع إلى فترات قريبة ولا زال في كثير من مفاصله أنَّ كلَّ ما يحصل في تلك البلدان والشعوب هو أمر مستحقّ وهم أصلاً لا يستحقون الحياة كونهم شعوباً متوحِّشة ومتخلِّفة ولا يعون مصالحهم الشخصية، وأنَّ مهمَّة جيوشهم هي إنقاذهم من أنفسهم، وأيّ اعتداء على تلك الجيوش هو تخريب لهذه المهمَّة النبيلة بنظرهم.
ومع اتِّساع سبل الاتِّصال وسرعته بدأت شعوب الدول الغربية تعي بعض حقائق جيوشها ونوايا سياسييها، ومثال لذلك الوعي هو توقيع مائة ألف بريطاني اليوم(ظ،ظ¨) على عريضة تطالب فيها حكومة بريطانيا التي أوجدت إسرائيل باعتقال ومحاكمة رئيس إسرائيل.
فعموماً مشكلة كثير من شعوب العالم وخصوصاً المهيمنة على العالم اليوم هي في الأنظمة الحاكمة ومعاهداتها السرّية والعلنية فيما بينها وارتباطها المصلحي الوثيق، فإن اتَّسعت رقعة الفارق بين وعي وإدراك تلك الشعوب لما تقوم به حكوماتها وسياسييها وتُقرِّبها أكثر فأكثر لإنسانيتها وبين إصرار تلك الأنظمة على غيِّها وعجرفتها وطغيانها، فمن الصعب حينئذٍ سدّ فجوة هذا الفارق بالأساليب المتعارفة، وقد استهلك الطغاة كلّ وسائلهم في إضلال العالم، فلم تبقَ أمام الجميع إلَّا الحقيقة التي لا يملكها أئمَّة الجور والانحراف، بل وقفوا هم بالضدِّ منها تماماً، وأصبح من المستحيل العودة من جديد، فأضاعوا جميع فرصهم أمام شعوبهم وأتباعهم، حيث أخذوا من الوقت بما فيه الكفاية.
فإن حدث وطُرِحَ نظام جديد بديل لكلِّ تلك الأنظمة خصوصاً إذا سلَّط الضوء على أهمِّ مساوئه وفضحها للعالم ويأتي منسجماً مع تطلّعهم الإنساني، فمن الحتمي أنَّه سيسارع أغلب أبناء بني البشر ولو يكون بشكل تدريجي في بادئ الأمر إلى نصرته.
الخلاصة:
هناك طبقات واسعة من شعوب العالم لديها حبّ للعدل والمساواة، وتتطلَّع وتسعى وتأمل تطبيقهما في أرجاء المعمورة بعد يأسها من جميع الأنظمة والحكومات التي كانت تغشّها بشعارات ليس لها في الواقع أيّ قيمة حقيقية، وأنَّ هذه الطبقات بعد هذا اليأس تستشعر أنَّ يوم تحقيق العدل قريب.
وكلُّ من كان ناصراً ومؤيِّداً للباطل والظلم سواءً على المستوى الشخصي أو الاجتماعي الفعلي أو بما يضمره. فبمقدار تأييده للباطل وبعده عن الحقِّ، فهو يأمل بُعد يوم سيادة العدل وزوال الظلم، ويسعى لعرقلة وجوده بشتّى السبل والمستويات، ويتمنّى ومن شدَّة تمسّكه بباطله أن يرى ذلك اليوم بعيداً سواءً كان مسلماً أم شيعياً أم غيره.
الصنف الثالث: عامَّة المسلمين:
ينطبق الكلام حول الصنف السابق على كثير من أبناء عامَّة المسلمين، فكثير منهم يعيش حالة حقيقية من الغربة عن دينه، فأصبحوا علمانيين بالتدريج ولم يبقَ من الدين لديهم إلَّا ما ينسجم مع فطرتهم من أُسس عامَّة جدَّاً، إمَّا على مستوى العقيدة التفصيلية أو التشريع، فقد وجد خصوصاً أصحاب الوعي والقلوب الزاكية منهم أنَّ هناك تناقضات صارخة بين ثوابت الدين وما جاء في كتاب الله تعالى، وبين تفسيرات علماء وأئمَّة الفِرَق الإسلاميَّة لنصوص الكتاب، وما ورد عن طريقهم عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم من أحاديث تتناقض تماماً مع ثوابت الكتاب المبين. وما أثَّر اكثر في تشويه الدين لدى هؤلاء هو الرفع من شأن بعض من عاصروا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم إلى درجة التقديس، وخُلِطَ تاريخهم بمضامين الدين حتَّى أصبح تدريجاً جزءاً منه، وقد مُلأ هذا التاريخ بالظلم والجور والقتل وسلب أموال وحرمات المسلمين إلى أبعد حدٍّ ممكن، وتولَّد من هذا التناقض الصارخ شكٌّ وريبة.
وأصبح لا يربطهم بالدين إلَّا أساسيات أُصول الدين من توحيد ونبوَّة ومعاد وبعض الضروريات من العبادات. فانقسم هؤلاء إلى قسمين:
الأوَّل: منهم من استلهم تجربة التجديد المسيحية، حيث إنَّهم عاشوا نفس تجربتهم، من سلوك الكنيسة وتفسيرها للنصوص الدينية المسيحية. فاتَّبعوا منهج التجديد وتعدّد القراءات في فهم النصوص الدينية.
الثاني: ومنهم من أضمر هذا التناقض خوفاً من البوح به خشية التسقيط والتكفير، وهم على درجات متفاوتة، وأغلب المسلمين من أبناء المذاهب كذلك.
ومن الثابت لدى هؤلاء أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم قد بشَّر بظهور شخص يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إلَّا أنَّهم يعتقدون بولادة ذلك القائد في مستقبل الأيّام.
فبالإضافة إلى ما يمرُّ به الصنف السابق من اليأس بحلول جميع الفلسفات والمدارس السابقة لمشاكل البشرية، كذلك يعيش أبناء الإسلام من العامَّة محنة أُخرى، وهي تناقض كثير من ثوابت الدين مع تفسيرات وسلوك قادة الإسلام ممَّا ولَّد لديهم ريبةً وشكَّاً في الصورة العامَّة للدين. فحين يتحقَّق وعد وبشرى النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم بظهور مصلح ومنقذ لهم بطرح تفاسير وسيرة بسلوك ينبع من صميم وثوابت الدين الحنيف، تلك الثوابت التي طالما حلموا بالبقاء عليها وتمنّوا أن يجدوا جسراً بين تطبيقاته وثوابته، الآن وقد عرفوا الفرق بين هذا التفسير الأصيل وبين ما كانوا يعرفونه من أُسس عاشوا على أمل معرفة سبيلٍ للوصول إلى ذلك اليوم السعيد بتحقيق بشارة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم.
نتيجة الصنف الثالث:
إنَّ عامَّة المسلمين يؤمنون بثوابت وعموميات الدين الحنيف تنسجم مع الفطرة الطيّبة لهم، ووجدت تفسيرات وسلوكاً لقياداتهم منافية لتلك الثوابت، وقد تمَّ خلط متعمّد بين السلوك المنحرف للحكّام وإدخاله كجزء من الدين. ولَّد هذا الخلط لهؤلاء حالة من التناقض بين تفسير العلماء وسلوك الحكّام، والمبادئ العليا للدين، وتوجد بشارة من المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم بخلاص البشرية من الظلم والانحراف، فنتج من ذلك:
من شدَّة ارتباط هؤلاء بدينهم ونقاء سريرتهم اتِّجاه ثوابته وانسجامه مع فطرتهم، وثقة منهم ببشارة نبيِّهم صلّى الله عليه وآله وسلم، فإنَّهم يأملون قرب ذلك اليوم وزوال التناقض الذي عاشوا تحت جحيمه لقرون متمادية.​
|
|
|
|
|