عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.60 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 80  
كاتب الموضوع : nad-ali المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-04-2013 الساعة : 04:59 PM




القاعدة أنقذت عرش الأسد من السقوط

[IMG]http://www.mepanorama.com/wp-*******/uploads/2013/04/mepanorama152328.jpg[/IMG]
أحمد الشرقاوي

“الظواهري” يفجر قنبلة في أوروبا
“القاعدة أنقذت عرش الأسد من السقوط”.. “القاعدة قدمت للأسد هدية أثلجت صدره”.. “القاعدة تربك حسابات التحالف الدولي حيال الوضع في سورية”… هذه بعض من عناوين المقالات التحليلية التي تداولها الإعلام الغربي نهاية الأسبوع المنصرم، عقب إعلان “جبهة النصرة” مبايعتها لتنظيم “القاعدة” الدولي، وتبنيها رسميا من قبل عراب الإرهاب الدولي ‘أيمن الظواهري’.

لقد اعتبرت مثل هذه العناوين وغيرها بمثابة مؤشر لبداية تحول في موقف الإعلام الغربي تجاه الأزمة السورية.. لا لأن مؤسسات صناعة الرأي في أوروبا اكتشفت فجأة أن ما يجري على الأرض السورية هو غير ما كانت تروج له الحكومات الغربية لأشهر طويلة تحت عناوين من قبيل: “الثورة السورية” و “الحرب الأهلية”… بل لأن ظهور الظواهري على الإعلام وتبنيه لمبايعة “جبهة النصرة” السورية كان بمثابة قنبلة انفجرت في سماء أوروبا، حيث شكل هذا الإعلان في حد ذاته صدمة كبيرة على مستوى الوعي الشعبي، فكان لوقعه ما يشبه الكارثة على صناع القرار والرأي معا.

لم يكن أحد من المحللين السياسيين، العاملين في كبريات الصحف الأوروبية ككومبارس يتقنون فن تحوير الحقائق وتزوير الوقائع للتأثير على الرأي العام وتوجيهه الوجهة التي تدعم الخط السياسي الرسمي وتخدم مصالحه، يتوقع أن تخرج “جبهة النصرة” لتعلن مبايعتها لتنظيم “القاعدة” الإرهابي، وهم الذين ظلوا لشهور طويلة يعملون على كي الوعي الجمعي من خلال الترويج لما يسمونه “حقائق ميدانية” من الأرض السورية ۥيطٍعمونها بتصريحات الساسة ويدعمونها بشهادات ميدانية مفبركة، تؤكد في مجملها أن من يحمل السلاح ضد النظام السوري الذي “يقتل شعبه” هم “المجاهدين” من أبناء الشعب السوري، بعد أن جوبهت ثورتهم “السلمية” كمناضلين من أجل الحرية والكرامة، بالدبابات وقصف الطائرات وصواريخ سكود، حيث بلغ عدد المدنيين ضحايا القتل الممنهج في سورية أزيد من 100 ألف قتيل وعدد الهاربين من جحيم الحرب أزيد من 4 ملايين لاجىء.

منطق التبرير
هذا نموذج مما كتبه في مجلة (لوبوان) الفرنسية، الباحث ‘طوماس بيريت’، المحاضر في الإسلام السياسي المعاصر بجامعة ‘أودنبرغ’ على سبيل المثال، حيث قال: “هذه المعطيات هي التي جعلت ‘الجهاديين’، ومن يقاتلون في سوريا من منطلق السعي إلى الإطاحة بنظام “رافضي”، المساندين الوحيدين للشعب السوري، قبلَ أن يحيدُوا عن المبادئ التِي أسسُوا قتالهم بالاستنادِ إليها بادئَ الأمر، يعلنون مبايعتهم لتنظيم “القاعدة”.

ليتسائل بعد هذه المقدمة التبريرية حتى لا نقول التلفيقية: “هلْ يمكنُ القول إنَّ حلمَ بشَّار الأسد آخذٌ في التحقق مع إعلانِ جبهة النصرة، الشديدة في محاربتِها لبشار الأسد، ولاءَها لتنظيم القاعدة، الذِي ظلَّ الأسد يتشدقُ به في جميع خطاباتهَ؟”، مؤكداً أنَّ “معارضيهِ لا يعدونَ كونهم جماعةَ إرهابيين؟”.. ليضبف بامتعاض: “لا شكَّ أنَّ الغبطة ألفت سبيلاً إلى الأسد، وقد أعلنت جبهة النصرة، الثلاثاء الماضي، مبايعتهَا لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهِري”.

ويخلص في مقاله إلى أنه: “رغم الخلافات التِي قد تكون بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، فإنَّ ما يوحِّدُ التنظيمين هو حلمُ رؤية سورية دولة إسلاميَّة، بحيث أعرب زعيم تنظيم القاعدة بالعراق في كلمة له، عن أملهِ في أن تُحكمَ سورية بالشريعة الإسلاميّة، قائلاً إِنَّ الديمقراطية لا ينبغِي أن تكون بديلاً بعدمَا مات الآلاف منكم، في مخاطبته السوريين”. ثم يعلق الباحث بالقول: “يبدُو أنَّ الائتلافَ الوطنِيَّ السورِي، الذِي لا يضمُّ جهاديين في صفوفه، سيدفعُ الثَّمنَ غالياً، بسبب الولاء الجديد لجبهة النصرة”.

بمثل هذه الصيغ والمفردات كانت تقدم الأمور إلى الرأي العام الغربي، باعتبارها “حقائق ميدانية”، في حين كانت “الحقيقة” هي أكبر ضحايا هذا الإعلام المتحامل والمدفوع الأجر… لكن فجأة، انقلبت الصورة وتغير قليلا خط التحرير العام، وإن كان لم يغير بالكامل من مقاربته للأزمة السورية، لما يشتم من عناوين ومضامين التقارير والتحليلات من حقد وكراهية وبغضاء تجاه الرئيس الأسد شخصيا، وامتعاض مشوب بكثير من الغضب، من إعلان جبهة النصرة مبايعتها للقاعدة.. وكأن صراع الغرب في سورية هو صراع شخصي ضد رئيس اسمه ‘بشار الأسد’ وليس لتدمير سورية الدولة والكيان من أجل مصالح جيوستراتيجية حقيرة.. فلا يتوانون في ما يكتبون عن التركيز على قلق حكوماتهم تجاه دماء الأبرياء من الشعب السوري التي تسيل كل يوم أنهارا، وتعاطف ساسة وممثلو شعوب أوروبا المتحضرة مع ملايين اللاجئين الهاربين من جحيم النار والقتل في مخيمات تركية والأردن ولبنان، والخشية من أن يقدم “الطاغية الدموي” بشار الأسد (وفق تعبيرهم)، على استعمال السلاح الكيماوي ضد شعبه وشعوب دول المنطقة المجاورة.. ثم يصرون رغم قنبلة ‘الظواهري’ المحرجة والفاضحة، على أن ما يسمونه بـ “الإئتلاف الوطني السوري” لا يضم “جهاديين” في صفوفه، في محاولة منه لإقامة نوع من الفرز بين “جبهة النصرة” و الجيش الحر”، لإيجاد منفذ يبررون من خلاله استمرار تقديم الدعم بالمال والسلاح لـ “لمعارضة” السورية.

هذه هي الأوثار الحساسة التي يلعب عليها الإعلام الصهيو – أوروبي المتحامل على محور المقاومة من ايران التي تمثل “الخطر النووي” القادم، مرورا بسورية “الفزاعة الكيماوية” اليوم، وصولا إلى حزب الله “الإرهابي” الذي يهدد قطعان المستوطنين الصهاينة “المساكين” بعشرات الآلاف من الصواريخ غدا…

هذا غيض من فيض، ولن تهدأ الأمور إلا بعد أن يتيقن الشارع الأوروبي من أن حكوماته لا تدعم القاعدة في حروبها العبثية من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي.. ولعل هذا ما يفسر الإنقسام الذي كان قائما بين الحكومات الأوروبية بشأن توريد السلاح للمعارضة السورية قبل أن يفجر الظواهري الفضيحة في وجه الغرب.. ولعل أكثر الحكومات إحراجا اليوم هي الحكومة الفرنسية والبريطانية اللتان كانتا تصران على استصدار قرار أوروبي بتسليح المعارضة، فيما رفضت بقية الحكومات الأوروبية ذلك بشكل قاطع، لعلمها بحقيقة ما يجري على الأرض في سورية من جهة، ولخوفها من أن ينعكس مثل هذا القرار سلبا على استقراراها مستقبلا في حال اكتشف أمر استخدام الإدارة الأمريكية والحكومات العربية لـ”القاعدة” كأدات لحسم للصراع مع بشار الأسد في سورية.

“القاعدة” في الوعي الجمعي الأوروبي
اعلان “جبهة النصرة” كان له وقع الزلزال في العواصم الأوروبية لدرجة أنه خلط اوراق المتآمرين وأربك خططهم وشل تفكيرهم وجعلهم يتحسسون كراسيهم ومناصبهم.. هذه ليست صورة مبالغ فيها.. فالذي يعيش في أوروبا يفهم معنى أن يكتشف الشعب الأوروبي أن قادته كانوا يكذبون عليه عندما ادعوا دعمهم لمقاتلين “معارضين” ضد نظام استبدادي، في حين أن الأمر يتعلق بنظام يحارب “جهاديين” ينتمون لتنظيم “القاعدة” الإرهابي.. وبالتالي، فالمواطن الأوروبي لن لن يتأخر في طرح السؤال المقلق التالي: – “لمن سلمت حكوماتنا الدعم المقتطع من ضرائبنا إن كان من يسمونهم بـ”المقاتلين” الذين يحاربون ‘الأسد’ في سورية ليسوا “ثوار” ولا “معرضين”، بل “جهاديين” إرهابيين أعلنوا عن انتمائهم صراحة لتنظيم القاعدة الدولي؟…

لقد عملت الإدارة الأمريكية ومعها الحكومات الغربية طويلا، وأنفقوا أموالا ضخمة لصنع فزاعة رهيبة يخيفون بها شعوبهم إسمها “القاعدة”.. وقد نجحوا في ذلك بمساعدة إمبارطوريات الإعلام “الصهيو – غربي” الضخمة أێما نجاح.. لدرجة أن مجرد ذكر إسم “القاعدة” أصبح يسبب للمواطن الأوروبي الخوف والإرباك.. بل أخطر من ذلك، يكفي أن يسمع مواطن أو مواطنة أوروبية أحد الجيران المسلمين يقرأ القرآن ليلا بصوت مرتفع، حتى يستنجد بالشرطة التي تسارع إلى تطويق المكان وكأن الأمر يتعلق باكتشاف خلية إرهابية خطيرة تعد لتفجير في الحي.. وبسبب الخوف من الإسلام الذي أصبح عنوانا للإرهاب، الكثير من الأوروبيين غيروا مساكنهم لجهات لا توجد بها مساجد ولا يقطنها مسلمون.

ما حدث من تفجيرات إرهابية في أوروبا ابتداء من تفجيرات قطارات مدريد في 11/03/ 2004، ولندن بتاريخ 07/07/2005، وما تلى ذلك من تفكيك لخلايا إرهابية نائمة، وإحباط لعمليات مبرمجة نشرت تفاصيلها الصحافة الأوروبية المتخصصة، أهمها تلك التي كانت تستهدف مؤسسات رسمية كالبرلمان الأوروبي بالعاصمة البلجيكية (2005)، وتجمعات جماهيرية في كبريات المدن الإسبانية بمناسبة احتفالات نهاية السنة الميلادية (2005)، ومحطة نووية بالجنوب الفرنسي في نفس السنة، ومواقع حساسة عديدة في ألمانيا وايطاليا وغيرها… جعل من تنظيم القاعدة شبحا مخيفا بل ومرعبا يقض مضاجع الشعوب.. هذا علما أن كل هذه العمليات كانت من تنظيم المخابرات الصهيو – أمريكية بتواطىء مع بعض الحكومات العربية من أجل زرع الخوف وتبرير القبضة الأمنية وضمان الدعم والمساندة للمغامرات العسكرية الإمبريالية خارج الحدود، بحجة ضرب الإرهاب في مواطنه قبل أن ينتقل إلى عقر دار الغرب ليهدد قيمه الحضارية وأنموذج عيشه الراقي المتمثل في الحرية والديمقراطية ومجتمع الرفاهية.. وهو ما دفع بالحكومات الغربية إلى مساندة المغامرات العسكرية الأمريكية، لا حبا في القضاء على تنظيم “القاعدة”، بل خوفا من أن تضرب خلايا المخابرات الأمريكية والصهيونية الإرهابية في قلب العواصم الأوروبية باسم هذا التنظيم الفزًاعة.. هذه هي الحقيقة، وقد تأتي المناسبة لنكتب عنها بتفصيل أكثر.

لكن ماذا عن الرأي العام العربي؟
لقد نجح العقل الأصولي الوهابي في بداية ما سمي بـ”الثورة” السورية بتدجين المثقف العربي (إلا من رحم الله)، كما عمل على استئصال المختلف مع أطروحاته التآمرية على الصعيد المعرفي والمعنوي.. هذا تصرف طبيعي من جهة تنضح مواقفها بالضيق من الموقف المخالف، وبدل التعامل مع الآخر المختلف باحترام وتعقل وعقلانية، تفضل ركوب نهج التعصب ومنهج التطرف والإرهاب الفكري لمحاربته واقصائه من الساحة الفكرية حتى لا يكون له صوت يسمع أو كلمة تقرأ.. إنها إحدى سمات منطق الأصولية الظلامية الرجعية التي ابتليت بها الأمة، وبدل أن تقدم لها مشروعا إسلاميا إنسانيا نهضويا كما كانت تروج في خطاباتها خلال عقود، أرجعتها دهورا إلى الماضي السحيق، لتعيش الفقر والجهل والتخلف في أبشع صوره..

هذا هو حال الوطن العربي من الماء إلى الماء باستثناء سورية التي ظلت معلمة فكرية شامخة، تنتج المعرفة وتنادي بالتسامح وتزرع بذور المحبة بين كل أبناء الأمة باختلاف مشاربهم الثقافية وانتماءاتهم الإديولوجية وتوجهاتهم الفكرية.. وتنادي بالوحدة من أجل محاربة الشر المطلق الذي تمثله الصهيونية اليهودية والعربية والإمبريالية العالمية، والعمل على بناء محور المقاومة والممانعة على امتداد جغرافية الوطن العربي من منطلق الحرص على احترام السيادة الوطنية لكل قطر واستقلال قراره السياسي والإقتصادي عن التبعية للأجنبي الذي يتربص بالأمة شرا.

غير أن الإعلام العربي المتصهين، نجح من خلال قنوات العهر والبورديل كـ”الخنزيرة” و “العبرية” وغيرهما، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية المأجورة، في ضخ كم هائل من الزبالة في العقل العربي الخام، حتى تحول إلى مكب للقمامة راكم على مدى سنوات مخلفات سموم الفكر “الصهيو- وهابي” المدمر للهوية والثوابث القومية والمبادىء الانسانية السامية والقيم العربية الأصيلة والأخلاق الإسلامية الرفيعة.. وكل ذلك باسم “التنوير” الذي تحول إلى تزوير وتضليل وتحوير.. وهو النهج الذي تصاعد بشكل ملفت مع انطلاق ما سمي بـ”ثورات الشعوب” أو “الربيع العربي” الذي تحول إلى خريف حزين قاتل ومدمر، بعد أن ركبته الإدارة الأمريكية بمساعدة أدواتها الغربية و “الصهيو – وهابية” في المنطقة، لحرفه عن مساره السلمي المطالب بالحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وإعادته إلى حضيرة الهيمنة الأمريكية.

وبموازات ذلك، نشط فقهاء الظلام وعلى رأسهم زعيمهم الذي علمهم السحر، الكاهن القرضاوي ومن والاه واتبع ضلاله، في الترويج لوهم “الخلافة” وتطبيق “الشريعة”.. خلافة آل سعود لخدمة المشروع الصهيوأمريكي في العالم العربي، وشريعة الديانة الوهابية التي تأمر بقطع يد سارق الخبز وتقبيل يد سارق مقدرات الأمة، وتعتبر المرأة مرحاظ يتبول فيه الرجل، وعورة يجب سترها بكيس زبالة أسود، وتقطع لسان المعارض وتضرب عنق المخالف الخارج عن طاعة ولي الأمر بحد السيف تيمنا بسنة صعاليك قريش زمن الجاهلية الأولى.

هذا هو الوهم الذي ُرٍوج له على نطاق واسع مع انطلاق الربيع العربي وتبنته شريحة واسعة من الشباب الذي كنا نعتقد أنه ولج فضاء التنوير وبدأ يتعامل مع قضايا أمته بالتعقل والعقلانية.. وبالرغم من أن الخلافة لا أصل لها في الخطاب القرآني، إلا أن الخطاب الديني ركز بشكل ملفت على هذا الوهم الذي ۥسٍوق كحلم للأمة، من دون أن يتسائل شاب ورع واحد عن أصل وفصل الخلافة في الإسلام، والفرق بين شرع الله الذي يعني ضمان المساوات في الحقوق والواجبات بين كل أفراد الأمة رجالا ونساء من الفلاح إلى الملك من جهة، وشرع محمد بن عبد الوهاب الذي يفرق بين الشرفاء والنبلاء من الطبقة الحاكمة الفاسدة والمستبدة، والرعاع والدهماء والعامة وسواد الأمة – وفق أوصاف الاحتقار والتبخيس التي يستعملها فقهاء السلاطين في تصنيف عامة المواطنين، الذين يعتبرونهم مجرد عبيد بمرتبة “حيوانات مدجنة” وفق ما يعطيه مفهوم “الراعي و الرعية” بلغة الجزار والخروف.

فالخلافة التي يروجون لإقامتها لم يشرعها الله تعالى في قرآنه، بل ترك الأمر “شورى” بين المسلمين ليختاروا نظام الحكم الذي يضمن لهم الحرية والعدالة والكرامة والمساواة.. أما الشريعة التي يتحدث عنها فقهاء الوهابية، فبالإضافة لما سبق ذكره، فإن الدعوة إلى تطبيقها في مجتمعات تحكمها أسر اقطاعية فاسدة ومستبدة تعتبر دعوة غير شرعية بكل المقاييس، وحري بهذه المجتمعات أن تبدأ بالمطالبة باجثتات أنظمة الأسر القبلية البليدة التي تحكمها، لتشنق ملوكها وأمرائها بمصارين فقهائها المنافقين.. وبذلك تضمن أن المواطن الذي أمره الله بالوقوف في وجه فرعون، يكون قد طبق أول بند من بنود الشريعة، ألا وهو إسقاط الفاسدين والمستبدين لصوص الوطن والدين.. أما الإنقياد وراء فقهاء الجهل والظلام المتآمريم على الله والدين والأمة خدمة للإقطاع، فمن السهل أن ينخدع المواطن المسكين بجبة الدين التي يلبسونها لينقاد وراء دعوتهم المهلكة إلى الجحيم.. ومعنى المعني، أن المجتمع من أساسه مجتمع غير شرعي، فعن أي شريعة يتحدث المنافقون؟.

إن الدارس لتاريخ العرب والمسلمين، يعرف أن الأمة لم تجنى من وراء دعاة الخلافة غير العبودية والاستبداد، ولم تنتج سوى مزيد من الخراب وسفك الدماء والتسلط والفساد.. وهو ما أدى بنا إلى ما نحن عليه اليوم من جهل وتخلف وفقر ومرض.. لأن الحاضر هو نتاج الماضي، وإذا لم نستفد من تجارب ودروس هذا “الماضي” الكئيب، فلن نستطيع تغيير الحاضر بشكل إيجابي نرسم من خلاله معالم جديدة، متينة وعقلانية، لبناء مستقبل أفضل لأوطاننا وشعوبنا… والسبب هو أننا لا ندرك عمق العلاقة القائمة اليوم بين السلطة والفساد، وبين الحرية والإستبداد، ولا نعرف كيف ننتج معرفة نحولها إلى إرادة وسلطة تحررنا من الفساد والاستبداد.. وبدل ذلك نسعى وراء الوهم والسراب.. في انتظار أن يرحمنا الله بالموت أو التخلف العقلي.

هذه دعوة إلى المستقبل للخروج من ثقافة التنزيه والتقديس والتعظيم والتبجيل.. ونبذ ثقافة القبور ودعوات السلف الذي لم يكن كله صالحا بالمراجعة العقلانية المسؤولة.. وهي ذات الدعوة التي يدعونا الله في قرآنه لسلوك سبيلها، الذي يعني أن نعيش تجربتنا الأرضية الخاصة بنا بدل استنساخ تجارب الآباء والأجداد حتى لو كانوا مخطئين.. وأن ننخرط في سنته التي تعني الصيرورة والتطور نحو غد أفضل اعتمادا على عقولنا وابداعنا وانتاجنا للعلم والمعرفة، لننتفع به وننفع به غيرنا من شعوب الأرض المستضعفة.. هذا هو السبيل الوحيد لننهض من كبوتنا التي مل من ذكرها التاريخ، ونخرج من ظلمة ليلنا الشديد السواد الدامس القتامة إلى فجر مشرق جديد وجميل.

قد يطول الحديث عن موقف الشارع العربي من الحرب الكونية الدائرة في سورية، وهو موضوع أود العودة لمعالجة خلفياته وبعض مظاهره البارزة بتفصيل أكثر في مناسبة قادمة.. لكن قبل ذلك، لا بد من الإشارة هنا إلى أن ما ۥطرح أعلاه، يمثل جوهر القضايا الاستقطابية والخلافية القائمة بين الشباب العربي عموما مع بعض الاستثناءات.. مع ملاحظة أن الخطاب الإعلامي والديني التضليلي نجح إلى حد بعيد في التأثير على الناس وجر الغالبية من مثقفين ومتنورين وعامة إلى جانبه، لأسباب قد تتطلب دراسة علمية دقيقة لمفهما بالعمق المطلوب. غير أنني، وبإيجاز شديد أستطيع الجزم اليوم أن هناك تغيير نوعي حصل، وبدأت الأصوات ترتفع في تونس والمغرب ومصر والأردن منددة بالمؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية، موجهة أصابع الإتهام إلى الاستكبار العالمي والصهيونية وأنظمة الذل والخذلان العربية عامة، والخليجية بصفة خاصة، وعلى رأسها السعودية وقطر والأردن وتركية وكيل الإمبريالية العالمية في المنطقة.

هذه الأصوات لا تشكل أغلبية اليوم، لكنها أصوات حرة وشريفة معتبرة، بدأت تخرق رداء الصمت الذي فرض على الأمة في الحالة السورية، وتتحدى الفكر الظلامي الرجعي العربي، وتفضح تواطؤ الأنظمة العميلة.. وهو ما جعل رواد الفكر الظلامي يحجمون عن النزول إلى الشوارع للتظاهر ضد النظام السوري كما كانوا يفعلون من قبل، بعد أن تبين أن المظاهرات التي نظموها لم تكن لوجه الله ولا من أجل حرية وكرامة الشعب السوري، بل شطحات مدفوعة الأجر بقرار تتحكم فيه عوامل إقليمية ودولية، وهو ما خصصت لتنفيذه مشيخة قطر ما قدره 300 مليون دولار، الأمر الذي مكن جماعات الإسلام السياسي بشقيها الدعوي والجهادي، بالإضافة لبعض المرتزقة من مثقفي السلطة وممثليها في جمعيات المجتمع المدني، لتجييش الغوغاء والدهماء والعامة (بتعبير فقهاء السلفية)، لاحتلال شوارع العواصم العربية والمطالبة بطرد سفراء النظام السوري.

إن المتتبع لنقاشات الشباب العربي على صفحات المواقع الإجتماعية والمواقع الإلكترونية الخاصة التي تشرف على معظمها المخابرات العربية، سيفاجأ بالعدد الهائل من التدخلات والمواقف التي أصبحت تصب في صالح النظام السوري، وتستنكر الإرهاب والإجرام الدائر في سورية، وتفضح الحرب القذرة بالوكالة التي يتعرض لها الوطن السوري والعربي بعد أن بدأت تتكشف للجميع خيوط المؤامرة الكونية الخبيثة التي تحاك للأمة بأسرها..

هذا تحول فارق وتطور إيجابي وإن تأخر قليلا، بعد أن كنا نشعر نحن المناهضين للحرب على سورية، أننا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم منسلخين عن الواقع، نكاد لا نجد من يشاركنا رأينا وقناعاتنا.. ومع ذلك صبرنا وصمدنا وما بدلنا تبديلا… كنا نقول ونكرر أن المواقف لا تتخذ بالتبعية بل بالقناعة، وأننا أكثر منكم تعاطفا مع الشعب العربي السوري، وحماسة للتغيير الديمقراطي السلمي، وأن مقياس تقييم نظام سياسي معين لا يكون بتصديق الشائعات والأحكام القيمية المغرضة التي تطلق على عواهنها بعد أن تصنع في مطابخ الإعلام المضلل.. بل من خلال تفكيك وتحليل سياسة هذا النظام الداخلية والخارجية.. وأنه بالنسبة للحالة السورية، وبخلاف كل الأنظمة العربية الفاسدة المستبدة والعميلة للصهيونية، يعتبر نظام بشار الأسد نظاما أمنا قاسيا، لكنه قابل للإصلاح، وقد قام بخطوات ايجابية في هذا الإتجاه، بحيث أنهى هيمنة الحزب الواحد على الدولة والمجتمع واقرر بالتعددية السياسية وحرية تكوين الأحزاب والحق في تداول السلطة، كما عبر في أكثر من مناسبة عن استعداده للحوار مع المعارضة بمن فيهم حملة السلاح ضد الدولة.. وعلى مستوى السياسة الخارجية يكفي سورية فخرا أنها في محور المقاومة المدافعة عن قضايا الأمة المركزية وعلى رأسها فلسطين، وترفض الانصياع للقرارات الخارجية والإنبطاح للهيمنة الصهيوأمريكية، مفضلة الحفاظ على استقلاليتها وقراراها السيادي مهمى كلف الثمن.. وهذه لعمرى قمة المجد والعزة.. في حين أن كل الأنظمة العربية من دون استثناء فاسدة ومستبدة وعميلة خائنة باعت ضميرها ودينها وحضارتها وتاريخها وقيمها للشيطان.. وإذا كان من ثورة لا بد من نصرتها، فأولى ثم أولى أن تنصر الأمة ثورة الشعب البحريني المظلوم والشعب السعودي المقهور، وتقف في وجه المآمرات والمغامرات الهادفة إلى تفكيك الأمة وتجزئة أوطانها ودس الفتن بين شعوبها…

سورية.. الله حاميها
صحيح أن الإعلام السوري قصر في التعريف بحقيقة ما يجري على الأرض السورية، ولم يقم بالدور المنوط به لفضح المؤامرة في هذا الظرف العصيب الذي تمر منه سورية.. لكن صحيح أيضا أن إمكانات إعلام التضليل الخليجي وامبراطوريات الإعلام الغربي أقوى من أن تنافسها إمكانات الإعلام السوري المتواضعة جدا.. ورغم ذلك، أبى الله إلا أن يفضح المتآمرين والمنافقين، ويفشل مؤامراتهم الخبيثة، ويجعل كيدهم في نحرهم، فأظهر الحق وأزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا…

وقديما سألوا ألبرت آنشتين : “هل للكون حدود؟.. فأجاب: شيئان لا أعرف لهما حدود.. الكون و غباء الإنسان”… لذلك، لن نشكر “القاعدة” على غبائها هذه المرة، بل نشكر الله الذي أفشل مكر الماكرين ودسائس المتآمرين على سورية قلب العروبة النابض، فحماها بلطفه من مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) صدق الله العظيم.

هذا الكلام لا يعني أن المؤامرة انتهت، بل لا زالت في فصولها الأخيرة، فقوى الشر والظلام ترفض أن تسلم بالأمر الواقع وتجنح للسلام، فها هم يتحدثون عن تسليح المعارضة التي لا تقاتل إلى جانب القاعدة، وفق زعمهم، بالرغم من عدم وجود شيىء إسمه “معارضة مقاتلة” وازنة وذات شأن يذكر، وهي حيلة خبيثة لتسليح القاعدة بطرق ملتوية عبر الأردن وتركية ولبنان.. وها هم يثيرون من جديد الأسلحة الكيماوية ويحضرون لتدمير سورية بطرق أخرى أكثر قساوة.. ومهما يكن من أمر، فإيماننا بالله القدير وثقتنا بمحور المقاومة الصلب كالصخر، وموقف الحلفاء الثابت إلى جانب سورية، كلها عوامل قوة كفيلة بإفشال ما يخطط له المجرمون في الدهاليز والأقبية المظلمة.

للتذكير
وفي الختام، أود أن أذكر فقهاء الظلام في هذا الزمن الرديء، بمقولة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، تليق بالمناسبة، حيث قال: “نصف أوزار الملحدين في هذا العالم يحملها متديٍنون كرًهوا خلق الله في دين الله.. إن كل تديٌن يجافي العلم ويخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة.. هو تديٌن فقد صلاحية البقاء”. (مع ضرورة التفريق بين دين الله ودين الفقهاء).

خاص بانوراما الشرق الاوسط نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية


توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع
رد مع اقتباس