الموضوع: اخبار دولية
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.60 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 55  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-02-2013 الساعة : 09:44 PM






الجزء الرابع:

الفصل الثاني : الإعلام والإسكان.. تعبير عن أزمة أعمق



نادر المتروك

3- الإعلام.. الخصام على الحقيقة

أولاً: الإعلام الرسّمي.. تأمين الموالاة ومصَادر التشّويش

1-هيئة شؤون الإعلام

لا تختلف السّياسة الإعلامية الرسمية في الفترة بين أكتوبر 2011- سبتمبر 2012 عن الفترات السّابقة. تعتبر هيئة شؤون الإعلام الجهة الحكوميّة المختصّة بالإعلام الرّسمي، وهي تتولّى الإشراف على جميع وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها، وقد تشكّلت بمرسوم ملكي اعتباراً من 8 يوليو 2010م، بعد فصْلها عن وزارة الثقافة، وإنشاء الهيئة برئاسة الشّيخ فوّاز بن محمد بن خليفة آل خليفة. بحسب أدبيّات الهيئة المنشورة في موقعها الإلكتروني؛ فإنّها تضع في أولوياتها جملةً من الأهداف العامة، من بينها تحقيق "المصلحة العليا للوطن، والمحافظة على وحدة المجتمع"، انطلاقاً من محدِّدات معياريّة تتبنّاها الهيئة، وهي "خدمة مسيرة الإصلاح، والتطوّر السّياسي والدّيمقراطي، والتّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وحماية حقوق الإنسان وحرّياته الأساسيّة"(1).

تتصدّر الهيئة قائمة الفاعلين في إعلام الحكومة، وقد اكتسبت قوّةً مضافةً بمجيء شخصيّة محسوبة على المتشدّدين في العائلة الحاكمة. تتكشف صلابة الشّيخ فوّاز من إدارته السّابقة للوسط الرّياضي – حيث كان رئيس المؤسّسة العامة للشّباب والرّياضة - فقد كان معروفاً بسلوكه الحاد والنّهاني في التّعاطي مع إدارات الأندية والإعلام الرّياضي. من خلال متابعة الإطلالات والبيانات الصّادرة عن الهيئة، يظهر الشّيخ فوّاز بوصفه مؤثّراً أساسيّاً في إمساك الرّواية الرّسميّة، ومنحها ما تحتاجه من إسنادٍ وحِجج.

1-بانوراما هيئة الإعلام



أشاد الشّيخ فوّاز (2 سبتمبر 2012) بكلمة ملك البحرين التي دعت للارتقاء بالرّسالة الإعلاميّة. تطرّق الملك في كلمته إلى رغبة الحكومة في "تحسين أوضاع الصّحفيين معيشيّاً وإسكانيّاً ومهنيّاً واحترافيّاً"، واعتبر رئيس الهيئة الخطاب الملكي ضامناً لتوفير "أفضل السّبل للتّعبير عن الرأي بحرّية وأمان واستقلاليّة"(12.

في 14 أغسطس 2012م، وعد رئيس الهيئة بإصدار "قانون عصري ومستنير" للصّحافة، مع إشراك جمعية الصّحافة البحرينيّة في ذلك. وقد حرص على مدى الفترة التي يرصدها هذا التقرير؛ على الإشادة بالكتّاب والإعلاميين الذين ارتبطت أسماؤهم بالإثارة الإعلاميّة، ومناوأة المعارضين، والكتابات المؤيّدة لسياسة العنف الرّسمي ضدّ المحتجّين.

أجرت مجلّة "المجلّة" السّعوديّة ( 3 يوليو 2012) حواراً مع الشّيخ فوّاز تتجلّى فيه أهم ملامح السّياسة الإعلاميّة "المتحايلة" التي تطبع هيئة الإعلام ومؤسّساتها. كرّر رئيس هيئة الإعلام ذات المضامين المثيرة التي اشتغل عليها الإعلامُ التّحريضي والكتاباتُ الصّحافيّة التي أفرزتها مرحلة السّلامة الوطنيّة، حيث وصّف أحداث فبراير ومارس 2011 بأنّها "مؤامرة إرهابيّة لقلب نظام الحكم"، وأعاد تثبيت اتهامات لم يجزم بها القضاء التّابع للدّولة، مستخدماً لغة إطلاقيّة معتادة بحديثه عن "احتلال مستشفى حكومي"، و"تشكيل تحالف لإقامة جمهوريّة طائفيّة على النّمط الإيراني".

في نهاية شهر سبتمبر من عام 2011م، نشرت الهيئة بياناً "هاماً" أشارت فيه إلى قيامها بتوثيق "انتهاكات" الكادر الطّبي البحريني، وقامت ب"تسجيل اعترافاتهم التي تكشف حجم المؤامرة التي قاموا بها". صدر هذا البيان في إطار إبراز الهيئة لدورها في "إظهار الحقائق"، و"صدّ المؤامرة الانقلابيّة" التي تعرّضت لها البلاد، بحسب اللّغة التي ستكون لازمة غير منقطعة في بيانات الهيئة وتصريحات رئيسها الشّيخ فوّاز. يمثّل هذا البيان تأكيداً على شهادات قدّمها ضحايا في السّجون، ذكروا أن موظفين في الهيئة قاموا بتصويرهم وهم يدلون باعترافاتٍ أُنتزعت منهم تحت التّعذيب، وبينهم المخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة.

على هذا المنوال، سيرحّب رئيس هيئة الإعلام بتقرير تقصّي الحقائق (23 نوفمبر 2011م)، ولكنّه يُسجّل بمعيّة هذا التّرحيب أنّ "الهيئة كانت مهمّتها في الفترة الماضية نقْل الحقائق على أرض الواقع، وتوصيلها للرأي العام الخليجي". يأتي ذلك في سياق سياسة أخرى اعتمدها الإعلام الرّسمي، وتقوم على اجتزاء المواقف الصّادرة. بعد نشْر تقرير بسيوني، أذاعت وكالة الأنباء الرسمية (بنا) بياناً اكتفى بما ذكره التقرير من عدم وجود أدلة على "خطاب مفعم بالكراهية" في الإعلام الحكومي، وتحاشى الإشارة إلى ما ذكره التقرير نفسه من نقودٍ حول برامج التلفزيون، وتبعيّة الإعلام المطلقة للسّلطة.

2- وزيرة الدولة لشؤون الإعلام: سميرة رجب

شكّلت الوزيرة سميرة رجب عنصراً فاعلاً في تمرير السّياسة الإعلاميّة للسّلطة. كانت وُجهة مفضّلة للإدلاءات المثيرة، ووجهاً مطلوباً من جانب السّلطة، وهي خيارها الأكثر دفْعاً في الإطلالات الإعلاميّة الخارجيّة. تنطوي رجب على قيمة إيجابيّة للسّلطة، كونها تنحدر من عائلة شيعيّة عريقة، كما أنّها تملك سجلاً قديماً في تكريس الإطار التبريري الذي سوّقه الإعلام الرّسمي في قمع الاحتجاجات الشّعبيّة، وخصوصاً الحديث عن المدّ الإيراني في المنطقة وارتهان المعارضة بالأجندة الخارجيّة.

في مؤتمر صحافي بتاريخ 18 أغسطس 2012م(3) وافقت رجب الحكومة على الإجراءات المتخذة ضدّ النّاشط الحقوقي نبيل رجب، وأكّدت على سلامة الموقف القانوني للسّلطة، وأن الناشط رجب مُنح كافة حقوقه بوصفه متّهماً بالتّحريض والتجمهر "غير القانوني". ومن اللافت أنّ الوزيرة كرّرت في المؤتمر المذكور أهم العناوين التي تتبنّاها السّلطة ضد نشطاء حقوق الإنسان، الذين تراهم يمارسون "عملاً سياسيّاً". وامتعضت من موقف المنظمات الدّولية تجاه الحقوقي رجب، وشدّدت على أن هذه المنظّمات "لديها ترسّبات من اعتمادها على الإعلام المُضلِّل" التّابع لمن أسمتهم بالمخرّبين الذين يواصلون "الكذب وإيصال الافتراءات إلى الإعلام في الخارج".

كان تعيين رجب في منصبها الوزاري (أبريل 2012م) تتويجاً لظهوراتها الإعلاميّة المتكرّرة، والتي نافحت فيها بصرامةٍ متواصلة عن الموقف الرّسمي تجاه الأحداث الجارية، ومن غير اكتراث بما حولها من اعتراضات أو نقودٍ معاكسة. وقد اكتسبت، تبعاً لذلك، احتراماً كبيراً في أوساط الموالين للسّلطة، ونظروا إليها باعتبارها نموذجاً "للشّيعي" الحر الذي يستحقّ الاحتفاء والتّكريم.

3- تلفزيون البحرين

واكب تلفزيون البحرين السّياسة الرّسميّة التي اتبعتها السّلطات في التّعاطي مع الأحداث والاحتجاجات، وقدّم مواد إعلاميّة اعتادت على "تلويث سمعة المحتجين"، و"الحديث بطريقة مُهينة"، كما سجّل تقرير بسيوني(4)، والذي خلُص إلى أمرٍ وصفه بالـ"جليّ" مفاده أن "وسائل الإعلام البحرينيّة كانت مُنحازة إلى حكومة البحرين"(5).

من أبرز البرامج التلفزيونيّة التي ارتبطت بهذه الأوصاف، برنامج "الرّاصد"(6)، و"حوار مفتوح" (سعيد الحمد)، و"كلمة أخيرة" (سوسن الشّاعر)(7). تخصّص الأوّل في بثّ حلقات ذات طابع أمني، وباستخدام التّشهير المبرمج، وقام بعرض حلقات متسلسلة تناولت قطّاعات مهنيّة متعدّدة بغرض التّحريض عليها، واتهام منسوبيها بالمشاركة في التظاهرات السّياسيّة، وقد اعتقل العديد جرّاء هذه الحلقات مباشرةً. انطلق البرنامج فوْر دخول قوّات درع الجزيرة في 17 مارس 2011م، واستمر حتّى نهاية شهر أبريل من العام الماضي.

مثّل سعيد الحمد أكثر النماذج الممتلئة بعمليات التّشهير ضد المعارضين. سبّب حرجاً للمسؤولين في التلفزيون الذين اضطّروا إلى إيقاف برنامجه مع مجيء لجنة بسيوني. استمرّ الحمد في تقديم برنامجه من خلال قنوات أخرى معروفة بالتّحريض الطّائفي. أسّس الحمد للغة التّحقير الإعلامي، واعتمد على معلومات أمنيّة واستخباراتية لمزاولة المهمّة. لا يختلف الأمر مع سوسن الشّاعر التي ترفض أيّ تقارب مع المعارضين، وخصّصت برنامجها التلفزيوني وكتابتها الصّحافيّة لاتهام المعارضة والطّعن فيها، ولم تتردّد في لصق تهمة الخيانة بها والتّحريض المباشر ضدّها. وكان لافتاً أنّها استضافت في حلقة أخيرة من برنامجها سعيد الحمد، في خطوةٍ بدت احتفاءاً بطريقته في التشويه الإعلامي.

4- الصّحف والمطبوعات المحلّية

تصدر في البحرين سبع صحف يوميّة، كلّها تمثّل الموقف الرّسمي، عدا صحيفة الوسط. تحرص الصّحف على التطابق شبه التّام مع السّياسة الإعلاميّة الرّسميّة. قدّمت صحيفة "الوطن"، على وجه الخصوص، نهجاً صحافياً منبوذاً في العمل المهني، وذلك بإمعانها في مناهضة المعارضين، ونشرها أخبارا وتقاريرا تحطّ من سمعة المناوئين للحكومة وتشويه مطالبهم المرفوعة، وباللّجوء عادةً إلى النّبش الطائفي. فقدت الصحف الرسمية المعايير المعتادة في التحرير الخبري، وطغى عليها الخطاب التّحريضي. يختصر هذا الاندفاع غير المسبوق للصّحافة المحلّية؛ الهجوم المنظّم ضدّ شيخ عيسى قاسم ومخاطبته بنعوت تحقيريّة.

5- قناة العربيّة (محمد العرب)

ارتبط مراسل قناة العربية (السّعوديّة) محمّد العرب – العراقي، الفلسطيني الأصل، المتجنّس بالجنسية البحرينيّة حديثاً– بالجهاز الأمني مباشرةً وبشكل علني. أعدّ تقاريره بما يتوافق مع سياسة القناة السّعوديّة، ومن خلال تنسيق دائم ومفتوح مع جهاز المخابرات البحريني. لم يكتفِ العرب بنقل الأحداث من خلال الرّواية الرّسميّة، فقد سعى لإضافة "اجتهادات إعلاميّة" انطوت على فبركات مفضوحة والتّشهير وإهانة المعارضين، وقد سجّل تقرير بسيوني ذلك(8). من خلال رصد السّلوك الإعلامي للعرب، وما ينشره في القناة وموقعها الإلكتروني؛ يتضح أن الهدف الأبرز لديه هو تبرئة السّلطات من الاستخدام المفرط للقوّة وإضفاء صفات ملائكيّة على رجال الأمن من ناحية، وإلصاق تهم الإرهاب والعنف والعمالة بالمتظاهرين من ناحيةٍ أخرى(9).

6- الإعلام الإلكتروني

استغرق الموالون للنّظام في بثّ الكراهية والتحريض على العنف من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. لم يُسجّل الإعلام الإلكتروني الرسمي حضوراً مؤثراً على مشهد الأحداث، باستثناء اهتمام الموالين. اعتمدت السّلطة الدّعم غير المعلن للمواقع والحسابات الإلكترونيّة المتخصّصة في تجريح المعارضين واستهدافهم، وقد نشطت هذه المواقع في فترة السّلامة الوطنيّة. في ذلك الوقت، شهد موقع "منتديات مملكة البحرين" تصعيداً طائفيّاً حامياً، وتجاوب مع عمليات التّشهير والتّطهير التي بلغت أوجها آنذاك. من بين الأدوار المؤثرة على هذا الصّعيد، برز حساب "حارقهم" في تويتر، الذي انطبع بالكراهية والتّحريض على العنف، كما قال تقرير بسيوني(10). تشير المعطيات إلى أنّ الحساب المذكور مرتبط بجهات نافذة في هيئة الإعلام ووزارة الدّاخليّة، ومن اللافت أنّ مسؤولين في الهيئة يتابعون "حارقهم" ويقوم بعضهم بإعادة نشْر تغريداته (11).



ثانيا: السياساتالمتبّعة

من خلال رصْد البيانات والمواقف الإعلاميّة للهيئة ولوسائل الإعلام الخاضعة لها؛ يتضح أنّ الجهاز الإعلامي الحكومي؛ أبدى حرصاً مفهوماً على إدخال أدبيّاتٍ خطابيّة جديدة، تتركّز على حرّية الإعلام والصّحافة، والمواكبة "الدّعائيّة" للتّوصيات التي خرجت بها لجنة تقصّي الحقائق (لجنة بسيوني) ومؤتمر التوافق الوطني. ولكن لم تشهد الممارسة الإعلاميّة الرّسميّة تغييرات إيجابيّة ملموسة، وعوّلت الهيئة على إستراتيجيّة مزدوجة، فهي تؤكّد على عناوين برّاقة في مجال الشّفافيّة والموضوعيّة والانفتاح، ولكنها تتولّى تنفيذ سياسات إعلاميّة تتناقض مع جوهر هذه العناوين.

عوّل الإعلام الحكومي على إغراق المشهد بالإدّعاءات والاتهامات، وتوظيف مختلف وسائل الإعلام لتوسيع نطاق هذه الاتهامات، وإبرازها بوصفها حقائق نهائيّة، وغير قابلة للدّحض والنّفي. واعتبر الإعلام الآخر ضالاً ومضلاً. بدورها، استمرّت الصّحف في تبليغ الموقف الحكومي، وظلّت مقفلة في وجه المعارضة أو الكتابات الناقدة للسّلطة. خلافاً للبيانات الرّسميّة، فإنّ الصحف الرّسميّة لم تشهد حراكاً متنوّعاً للآراء والمواقف، وكان الجامع المشترك بينها هو الالتحاق بالرّواية الرّسمية والتّطبيل عليها.



ثالثاً : النتائج

كان الفاعلون في الإعلام الحكومي والمؤيّد للسّلطة مؤثّرين على مستوى تحقيق الهدف الإعلامي الدّاخلي (الأنصار المفترضين)، فقد استطاع النّمط الإعلامي الموسّع ضمان إبقاء الموالين في الصّف الحكومي، وأمّن المبرّرات المؤيّدة لاتهام المعارضين بالتّخوين والعمالة للأجنبي، وقد أثمر ذلك –تدريجيّاً- (وبسرعةٍ) في تصليب الجدار الطّائفي. رغم أن الاستثناءات محدودة، فإنّ موالين مفترضين للسّلطة لم يبدوا تسليماً مفتوحاً للإعلام الحكومي، وارتفع صوتٌ يسخر من بعض المواد الإعلاميّة التي تنشرها الحكومة بغرض التّحريض وتعليب الاتهامات.



رابعاً: التّحدّيات والسّيناريوهات

خسر الإعلام الرّسمي مصداقيته المهنيّة بدرجاتٍ كبيرة. قدّم دوراً كبيراً في التّعتيم، وصناعة الشّائعات، والتّوجيه المضاد للرّأي العام. لم تُحقّق هيئة الإعلام شيئاً من أهدافها المنصوصة، وكان أداؤها على النّقيض. بناءاً على الأداء الذي استمرّ حتّى إعداد التّقرير، فإنّ التّلفزيون الحكومي ارتبط مباشرةً بالخطط الأمنيّة التي تتبعها السّلطة، وتولّى المعدّون والمقدّمون مهمّة محدّدة، تتلخّص في مباركة السّلطات، وإلحاق الأذى بالمعارضين.

من غير المتوقّع أنّ يتخلّى الجهاز الإعلامي الحكومي عن هذا المنهاج، إلا في حال إجراء تغيّر في السّياسة الرّسميّة وإصلاح الوضع السّياسي برمّته، وهو قرارٌ لا يبدو في الأفق القريب.



ثانياً: الإعلام المُعارِض.. الإزعاج وإبطال الاتهامات

عانى الإعلام "المستقل" والصّحافيين غير التّابعين للسّلطة؛ محنة كبيرة بعد إعلان السّلامة الوطنيّة(12). استمرّ ذلك في المرحلة التي سبقت وتلقت مجيء المحقّق بسيوني وإصدار التّقرير. رغم ذلك، فرضَ الاحتجاج المعارض مستوياتٍ جديدة من الإعلام الُمناهض للسّلطة، وكان لافتاً أنّ فئة "المعارضين الإعلاميين" جرّبت المهمّة الإعلاميّة بمقادير واضحة من الاحتراف والمهنيّة بالمقارنة من الأداء الإعلامي للحكومة وموالاتها.

حضور صحافيين محترفين في أوساط المعارضة البحرينيّة؛ وفّر أجواء محفّزة على تحقيق الجودة والإبداع. التقى ذلك باشتراطات الصّدقيّة والنّقل الميداني المباشر، وهي مواصفات تميّز بها إعلام المعارضة، وهو ما هيّأ سُبلاً وافرة لمناجزة الإعلام الحكومي، رغم فارق الإمكانات الماديّة.



1- قناة اللؤلؤة

تُعرّف القناة نفسها بأنها قناة بحرينيّة مستقلة، تبثّ من العاصمة البريطانيّة لندن. بدأ بثّها الفضائي في يوليو 2011م. تختص القناة بنقل الشأن البحريني، وتحرص على تقديم تغطية قريبة من الوقائع الجارية على الأرض وهو ما جعلها تتعرّض للتشويش من قِبل السّلطات البحرينيّة. خطابها الإعلامي يتجاوب مع المطالب الدّيمقراطيّة التي ينادي بها المواطنون، مع محافظة ملحوظة على المواصفات المهنيّة.

2- قنوات عربيّة وأجنبيّة

مع انطلاق احتجاجات 14 فبراير 2011م، حظيت الأحداث في البحرين بتغطيات موسّعة من جانب المحطّات الأجنبيّة والعربيّة، وقد أُعدّت تقارير خاصة من الدّاخل، نال بعضها جوائز دوليّة مرموقة(13). تتميّز الوثائقيّات المُعدّة حول البحرين بطرحها المتوازن، وعدم تبنّيها المطلق للموقف الرّسمي، وسلّطت الضّوء على طبيعة الأحداث الجارية، ومنحت مساحة لشرح وجهة نظر المعارضين. بعض القنوات العربيّة تبنّت مطالب المحتجّين، وخصّصت تغطيات يوميّة حول البحرين، ومنها قناة "العالم" التي انحازت بوضوح إلى الموقف الشّعبي، وأحدثت ثغرة في احتكار الصّورة، وقد شنّت عليها السّلطات حملات دعائيّة، وطالبت بإيقاف بثّها الفضائي وطردها من اتحاد العرب التلفزيوني. في السّياق نفسه، تُقدِّم قناة "المسار" إطلالة يوميّة لمتابعة التطوّرات السّياسيّة والميدانيّة في البحرين، وبلغةٍ إعلاميّة قريبة من الحراك الثّوري هناك. تعرض القناة للوقائع اليوميّة الجارية من داخل البحرين، مع الحرص على نقل الوتيرة المتصاعدة من الغضب الشّعبي جرّاء تزايد قمع السّلطة، إضافة إلى إجراء حواراتٍ مع المعارضين البحرينيين من السّياسيين والإعلاميين.

3- صحيفة الوسط

تُصنّف "الوسط" باعتبارها الصّحيفة الوحيدة غير الرّسمية من بين الصّحف اليوميّة التي تصدر من داخل البحرين. منذ بدء الاحتجاجات، اتخذت الصّحيفة موقفاً واضحاً في دعم المطالب الديمقراطيّة التي رفعها المحتجّون، ولكنها نأت عن المطابقة مع الحراك الثّوري الذي تفجّر مع تطوّر الأحداث. نتيجة ذلك، كانت الصحيفة والعاملون فيها محلّ استهداف من السّلطة والموالين. تعرّضت مكاتبها ومطبعتها للهجوم في منتصف مارس 2011، وأوقفت هيئة الإعلام صدورها في 2 أبريل من العام نفسه بعد أن بثّ التلفزيون الحكومي حلقة خاصة ضدّ الصّحيفة ورئيس تحريرها، منصور الجمري، أُتهمت فيه بنشر أخبار كاذبة. أجبر الجمري على التنحّي شرطاً لمعاودة ظهور الصّحيفة، وفُرض عبيدلي العبيدلي بديلاً عنه. رغم أنّ ذلك لم يستمر طويلاً، إلا أنّ هذه التجربة أعطت الوسط والجمري، فيما بعد، قدرةً مضاعفة في التأثير على الرأي العام.

4- مرآة البحرين

ظهرت صحيفة "مرآة البحرين" http://www.bahrainmirror.org/ في مايو 2011م، وهي واحدة من أهم تطوّرات الإعلام الإلكتروني المعارض. استطاعت في فترة وجيزة أن تأخذ موقعها المؤثر والمتميّز ضمن شبكات الإعلام غير الرّسمي التي ظهرت بعد ثورة 14 فبراير. انزعاج النّظام من الصّحيفة كان مؤشّراً على نجاحها غير المتوقّع بالنسبة للكثيرين. اللّقطة الهامة في الاستهداف الذي وُجّه للصّحيفة، كان في الاعتراف بتفوّقها على الجهاز الإعلامي الحكومي، كما عبّر الصحافي عقيل سوار في لقاء بتلفزيون البحرين.

تتميّز "مرآة البحرين" بأنها جمعت بين الصّحافة المحترفة، ووظائف الإعلام الجديد. يمكن القول بأنها الخلاصة الأكثر نضجاً للإعلام المعارض حتّى الآن. لم تخلُ من الأخطاء أو تحيّزات النشأة الأولى. ويُسجّل أنها قدّمت أكثر من اعتذار حين تورّطت في الأخطاء غير المقصودة. من الواضح أنها استفادت من أخطائها بسرعة، والأهم من ذلك أنها تعلّمت الدّرس الإلكتروني بذكاء عندما تخلّت عن الإدّعاءات المفرطة، وأخذت بعين الاعتبار الوقائع المستجدة وغير الثابتة. حدّثت (آب ديت) قرون استشعارها بشكل متواصل. مع مرور الوقت، تخلّت عن الرقابة المسبقة، وتعاملت بمرونة مع اختلاف أسقف المعارضة، وكان منهجها الإعلامي يقوم على المتابعة الصّحافيّة للأحداث والفاعلين، بمعزل عن سياستها الإعلاميّة.

5- المواقع الإلكترونيّة

يوتيوب :تمثّل مواقع التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة للمعارضين في البحرين. مبكّراً، استفاد المحتجّون من هذه المواقع في تبليغ أهدافهم ومطالبهم. الإلمام بطبيعة الإعلام الرّسمي، وطريقة إنتاج المعلومة، يسّر للأهالي توظيف الأدوات الإلكترونيّة في صناعة إعلامهم المعارض والبديل. لا تهتم المواد الإعلامية المنشورة في الفضاء الإلكتروني بإثبات "الكذبة الرّسميّة" فحسب، ولكن أيضاً القيام بأدوار أخرى.

في "يوتيوب" اهتم المعارضون بتقديم الأحداث مباشرةً. كان نقل الصّورة الحيّة والكاملة جزءاً من المهام الحرجة التي مارسها الإعلاميّون الإلكترونيون، وتسبّب في إبطال السّياسات الدّعائيّة للإعلام الحكومي. تتمّ المقارعة بأسلوب السّخرية تارة(14)، وبجديّة مهنيّة تارة أخرى. يستهدف هذا الإعلام إفشال الإعلام الحكومي، وإظهار الغايات المبرمجة، وتحصين الرّأي العام من آثارها النفسيّة والتوظيفات السّياسية المضادة. اشتغل المعارضون على توفير مواد إعلاميّة تعمل في كلّ هذه الاتجاهات، ونجحوا في تحقيق أهدافهم، برغم غياب التخطيط الممنهج وعدم الالتزام الكامل بأصول اللّعبة الإعلاميّة.

استهدفت قوات الأمن المصوّرين الميدانيين، وتكشف الأفلام المنشورة أن فرقاً أمنيّة خاصة تتولّى رصْد حاملي الكاميرات أثناء التظاهرات، وتتعمّد إصابتهم مباشرةً(15). لم يفوّت الإعلاميون المتظاهرون هذا الاستهداف، فتمّ توثيق عشرات الأفلام التي تُظهِر القوات الأمنيّة وهي تُطلق النّار على الكاميرا والإعلاميين الميدانيين، ولم يسلم مراسلون محترفون من الأذى، وكان ذلك شكلاً من المواجهة الحامية بين كاميرا الأجهزة الأمنيّة وكاميرا المتظاهرين.

تويتر: وجد تويتر ولادته الحقيقيّة مع بدء الاحتجاجات في فبراير 2011. أحرز تقدّماً على موقع فيسبوك في الإعلام المعارض. تحوّل الأوّل إلى فضاء حيوي، وهو متقدِّم في كلّ السّاحات ويتواجد في أكثر الميادين سخونةً. في تويتر يخوض المتظاهرون ومؤيّدو الثورة أوسعَ عمليات التغطية الإعلاميّة. يتبادلون الأخبار العاجلة، ويعلّقون على مستجدات الأحداث. منه تنطلق حملات التّضامن وتنسيق فعّاليات الاحتجاج الدّيمقراطي. وهو المكان المفضَّل لإبداء الآراء المختلفة ومناجزة رموز النّظام والمسؤولين والموالين. مثّل ذلك أبرز وجوه الإعلام الجديد وأسرعها فاعليّةً في البحرين، وقد علّق ناشط حقوقي مصري (جمال عيد) بأن "تويتر يتكلّم بحريني"(16)، وهو ما تؤكّده بعض الأرقام التي تتحدّث عن حضور البحرينيين المتقدِّم في "تويتر".

يجمع تويتر ميزات الإعلام الجديد، ما يمنح دوره الإعلامي مثاليّةً أكثر وشموليّة أكبر. عمِدت السّلطة إلى التّشويش على الإعلام التويتري المعارض من خلال تجنيد ما يُعرف ب"الترولز". أشاع هؤلاء أجواء مناوئة للمعارضين في تويتر، وحاولوا تنظيم حملات لغلق الحسابات، وإغراقها بالشتائم والقاموس التخويني المعروف. لكنها لم تفلح في مهمّتها، واستطاع المعارضون الاستمرار في التربّع على عرش تويتر. مؤخراً، لجأت السّلطة إلى استهداف هذا الإعلام من خلال محاكمة ناشطين في تويتر بتهمة الإساءة إلى الملك. وكان الحقوقي نبيل رجب قد حوكم بسبب تغريداته أيضاً.

المدوّنات والمنتديّات: تراجع حضور المدوّنات البحرينيّة في المشهد الإعلامي المعارض. إضافة إلى الأسباب الأمنيّة، فإنّ المدوّنين وجدوا في وسائل الاتصال الجديدة فسحةً أوسع للانتشار والتأثير. برغم التراجع المحدود، إلا أن المنتديات الإلكترونيّة حافظت على نشاطها، وخصوصيتها في إتاحة التحاور التفاعلي، وبينها موقع "بحرين أون لاين". بشكل عام، استمرّت هذه المواقع في مهمّتها المفترضة، بوصفها قنوات إعلاميّة غير معنيّة بالالتزامات والمواثيق الجارية بين السياسيين والفاعلين في المشهد الواقعي. رسّخت هذه القنوات الإلكترونيّة سيرتها المعهودة في التّحريض على الخروج على كلّ الاتفاقات والتّوصلات النّهائيّة.

6- رابطة الصّحافة البحرينيّة

تأسّست الرّابطة في لندن، في يوليو 2011م، علي أيدي صحافيين وإعلاميين بحرينيين خرجوا من البلاد بعد اجتياح قوّات درع الجزيرة وإخلاء دوّار اللؤلؤة. تأسيس الرّابطة شكّل ردّاً على احتكار التّمثيل الذي تدّعيه جمعية الصّحافيين المدعومة من الحكومة. وهي بهذا المعنى تعتبر حدثاً إعلاميّاً هاماً. أصدرت الرّابطة بيانات وتقارير غير مرهونة للسياسة الرّسمية، ومنها تقرير بمناسبة اليوم العالمي للصّحافة، وتقريرها السّنوي لعام 2011م الذي رصدَ الانتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيون غير التّابعين للإعلام الحكومي. قدّمت تقارير الرّابطة مادة توثيقيّة موسّعة تكشف الخروقات والمعوقات الكبيرة التي تعترض العمل الصّحافي الحر داخل البلاد، وبادرت لتقديم توصياتها لأجل إنعاش حرية الصحافة وحماية الإعلاميين من الاستهداف والقتل.

7- الظهور الإعلامي والصّحافي

ظهر المعارضون في الصّحف غير البحرينيّة والقنوات الخارجيّة بكتاباتهم ومقالاتهم وتحليلاتهم. قدّم هؤلاء الرأي الآخر، وفنّدوا وجهة النّظر الحكوميّة، كما حرصوا على عرض المطالب الدّيمقراطيّة التي ينادي بها المتظاهرون. إضافة إلى ظهور السياسيين والنشطاء، فقد كان للكتّاب والإعلاميين حضورهم الخاص، خصوصاً في الكتابات الصّحافيّة التي قدّمت صورةً مختلفة عن الصّورة المنشورة في الصّحف الرّسميّة. قدّمت صحيفة "الأخبار" اللّبنانيّة تعاوناً مفتوحاً في هذا المجال، وأسهم فيها كتّاب وصحافيون بحرينيون في إعداد تقارير وملفات مؤثرة، مثل ملفها الخاص باختيار البحرين عاصمة للثقافة العربيّة، والتي عرض وجهة نظر ناقدة للسّلطة السياسية والثقافيّة في البلاد(17).



ثالثاً:السّياسات المتّبعة:

اهتمّ الإعلامُ المعارض بتقديم الصّورة المُغيّبة من الأحداث. كان معنيّاً بأن يكوِّن إعلاماً بديلاً متعدِّد الوظائف. تطلّب ذلك الدّخول في مختلف مجالات الإعلام واستثمارها. نشط المعارضون في مواقع التّواصل الاجتماعي، وطوّروا الإمكانات الإلكترونيّة لتأسيس إعلام إلكتروني محترف، إضافة إلى التّواجد المؤثر في الوسط الصّحافي العربي والأجنبي. لم يقتصر التنوّع على وسائل الإعلام، فقد تنوّع الأنماط الإعلاميّة، تبعاً للمهام المطلوبة.

نجحت هذه السّياسة في إيصال الصّوت الآخر، والصّورة الأخرى، وهو ما أزعج الحكومة، ولجأت إلى مضاعفة حملاتها الدّعائيّة المضادة في الدّاخل والخارج، وقامت هيئة الإعلام برفع دعاوي ضدّ صحف أجنبيّة (الاندبندت) والرّد على أخرى (الإيكونومست).



رابعاً: النّتائج:

رغم الطّوق الإعلامي الدّاخلي، وسياسة الحكومة في بناء شبكة علاقات عامة واسعة في الخارج، ولكن المعارضين حقّقوا قوّة إعلاميّة ملموسة. اعترفت وزيرة شؤون الإعلام، سميرة رجب، بما أسمته بالقصور الإعلامي للحكومة، ورأت أنّ المعارضة تتميّز بنشاط إعلامي "قوي" و"غير طبيعي". (برنامج "الصورة الكاملة"، قناة أون تي في، بتاريخ 7 أكتوبر 2012م).

مع الممارسة المتواصلة في تغطية الأحداث، تحوّل المعارضون والمتظاهرون إلى إعلاميين يتقنون فنّ التوثيق. حقّق ذلك غلبة مؤكّدة ضد الإعلام الحكومي الذي عوّل على قوّة الانتشار في تطبيع رواياته للأحداث. النتيجة الحاسمة هي أنّ التوثيق الإعلامي لا يتطلّب إمكانات ماديّة وفنيّة ضخمة، ويكفي الحضور في السّاحات أو رصْد الحدث الجاري للحصول على التفوّق المطلوب.

بسبب عدم الحرفيّة الكافية، وعدم التفرّغ، فإنّ بعض إدّعاءات الإعلام الحكومي لم تجد ردوداً شافية في الإعلام الأهلي. اكتفى المعارضون بإنتاج مواد إعلاميّة ذات طابع ساخر أو ترويجي للردّ على اتهامات تتعلّق بطائفيّة الحركة الاحتجاجيّة أو ارتباطاتها الدّينيّة بالخارج. بسبب الضّخ الإعلامي الحكومي، لم يفلح الإعلام الأهلي المعارض في اكتساب شرائح جديدة أو واسعة من الوسط السّني المحلّي والخليجي والعربي. بدا الإعلام المعارض، في الغالب، غير جادٍ في تقديم المزيد من الإقناع، مكتفيّاً بإعلام المظلوميّة وتوثيق الانتهاكات.



خامساُ: لتّحدّيات والسيناريوهات:

تحمل الفترة التي يرصدها التقرير، خلاصة الآثار الحاسمة التي عاشتها المملكة بعد الانتفاضة الشّعبية في فبراير 2011م، ومثّل الإعلام صورةً ناظرة وعاكسة لتلك الآثار، وأصبحت المواد الإعلاميّة مرجعاً لمقاربة الأوضاع العامة التي عاشتها البلاد تباعاً منذ تفجّر الانتفاضة. رسّخ الإعلام الرّسمي، خلال هذه الفترة، الصّورة النّمطيّة المعهودة، فقدّم دوراً "رسميّاً" خالصاً، ونأى عن إعطاء المساحات المرضيّة للآراء الأخرى. تحوّل الجهار الإعلامي الحكومي إلى أداة "مؤثرة" في تشجيع قمع الاحتجاجات السّياسيّة القائمة، ووفّر الأجواء المناسبة لتوتير الرأي العام، وإثارة الضغائن بين المواطنين. وبنحوٍ دقيق، فقد تولّى الإعلام الحكومي تهيئة المبرّرات المحتملة لسياسة القمع العنيف الذي واجهت به السّلطات حركة الاحتجاج، وتمّ ذلك عبر سلسلة من البرامج والمواد الإعلاميّة المليئة بالتّحريض ضدّ كلّ ما له صلة بالبيئة الاحتجاجيّة.

لم يستطع الإعلام "غير الحكومي" والإعلام المعارض مجاراة إعلام الحكومة، بسبب نقص الدّعم المادي المناسب، ولكنه قدّم قدرة محسوبة في إظهار الرأي الآخر، ونقض روايات السّلطة، وهو ما أسهم بشكل مباشر في إجهاض استثمار الحكومة لنجاحها الأمني.

يُنتظر من الإعلام الأهلي تحديد أهدافه بوضوح، والخروج من ردود الأفعال. الانشغال بالاتهامات يفضي إلى الرّضوخ لأجندة إعلاميّة محدودة. ليس ثمّة حاجة إلى مركزيّة إعلاميّة موحّدة بالنسبة للمعارضة، فقد كان توزُّع العمل الإعلامي بين الأهالي والإعلاميين المجهولين؛ نقطة قوّة أمّنت استمراريّة الإعلام المُعارض وحماه من الاستهداف القاتل. إلاّ أنّ تشتّت الجهود، وغياب التّنسيق الإستراتيجي، ضيّع على الإعلام المعارض الفرص المناسبة لتحقيق الأهداف الإعلاميّة في الأوقات المناسبة.



سادساً: خاتمة

لا إعلام حرّاً في ظلّ نظامٍ غير ديمقراطي، والحديث خلاف ذلك هو ضرْبٌ من التّرويج الدّعائي أو محاولة إثبات المستحيل. هذا الحكم لا يمكن المغالبة عليه في بلدٍ خليجي يشهدُ، منذ 14 فبراير 2011م، سلسلة غير متوقّفة من الاحتجاجات السّياسيّة، تخلّلتها أحداث دامية، تذكر التقارير الدّوليّة بأنها مثّلت تجاوزاً لحقوق الإنسان، وأظهرت قدراً هائلاً من "الاضطهاد السّياسي" بحسب مفوضيّة حقوق الإنسان، بيلاي، الأمر الذي انتهى بالبلاد إلى أن تكون "مقبرة" للإنسان وحقوقه، وفق التّوصيف الذي اعتادت على استخذامه جمعيّة "الوفاق"، كبرى جمعيات المعارضة في الدّاخل.

المكارثيّة صفة مستحقّة في الأداء الإعلامي للحكومة. المعارضون بنوا إعلاماً مُوزَّعاً يُقدِّم الكثير من المظلوميّة والمناوأة والتوثيق، والقليل غير الكافي من المناظرة الملائمة في إقناع الرأي العام المعاصر.

_________________________________

1- الموقع الإلكتروني لهيئة شؤون الإعلام http://www.iaa.bh/ar/aroverview.aspx

2- في حوار مع صحيفة الأيام البحرينيّة، نُشر بتاريخ 23 أكتوبر 2012م، ذكر رئيس هيئة شؤون الإعلام بأنّ "الإعلام البحريني يعيش عصره الذّهبي بفضل انحياز (الملك) للحرّيّات الإعلاميّة وحقوق الصّحفيين (...)". وأكّد ترحيب الحكومة بحقّ النّقد، ولكنه اشترط أن يكون ذلك "في ظلّ المشروع الإصلاحي للملك"، وهي شارطة يُراد بها التّسليم بالسياسة الرّسميّة المعمول بها. http://www.iaa.bh/ar/arnews-details.aspx?id=362

3- وكالة أنباء البحرين "بنا" http://www.bna.bh/portal/en/news/521349

4- جاء في تقرير لجنة تقصّي الحقائق - النّسخة العربيّة – (قُدّم بتاريخ 23 نوفبمر 2011م) بأنّ تلفزيون البحرين أساء استخدام هذا المنبر الإعلامي وشارك في سلوكٍ، ربّما، يكون انطوى على التّشهير. ص 506، فقرة 1630.

5- تقرير لجنة تقصّي الحقائق، النّسخة العربيّة، ص 508، فقرة رقم 1640

6- انظر نتائج بحث "برنامج الراصد" في موقع يوتيوب. ومن بين الذين قدّموا البرنامج الإعلامي محمد الشّروقي، الذي خرج من تلفزيون البحرين ليلتحق بقنوات أخرى متخصّصة بالتّأجيج الطائفي. في حسابه عبر تويتر @malshurouki، يتبنّى الشروقي القاموس التخويني ضد المعارضة، ويمارس لغة تحقيريّة ضدّ رموزها السياسيين والدّينيين، ويكاد يتطابق أداؤه "الإعلامي" مع مجموعة "حارقهم".

7- من اللّافت أنّ تلفزيون البحرين، وعلى موقع الهيئة، يُعرِّف برنامج "كلمة أخيرة" على هذا النّحو: "تقدم الإعلامية المخضرمة سوسن الشاعر عمودها الصحفي اليومي في قالبٍ تلفزيوني يضم حوارات على طاولة مستديرة. حيث يستضيف البرنامج الإسبوعي مجموعة من المختصين في الشأن العام ليطرح عليهم القضايا المحلية و الإقليمية و يحاورهم فيها". ومن المعروف أن العمود اليومي للشّاعر يُنشر في صحيفة "الوطن" البحرينيّة، والتي تُصنّف باعتبارها من صحف التّحريض الطّائفي. والصّحيفة إحدى ثمار ما يُسمّى بتقرير "البندر"، وهو تقرير أصدره المستشار الحكومي المنشقّ صلاح البندر، وضمّ تفصيلاً لمخطّط القوى المتشدّدة في السّلطة لإثارة الفوضى في البلاد.

8- تقرير تقصّي الحقائق، ص 507، فقرة رقم 1635

9- انظر مثلاً تقريره الأخير حول قرية العكر البحرينيّة، أثناء حصارها من قبل الشّرطة، حيث أعدّ تقريره بغرض تكذيب الحصار، وتأكيد رواية السّلطات. قارن: تقرير العرب حول "العكر" http://www.youtube.com/watch?v=90PBe...eature=related. وتقرير آخر ينقل شهادات من أهالي العكر أثناء الحصار http://www.youtube.com/watch?v=Z97jm...eature=related . وكذلك تقريره "الأمني" بشأن ما يُعرف بنفق قرية عذاري البحرينيّة، والإيهام بوجود مخازن للأسلحة لدى المتظاهرين. وقد أرسلته السّلطات البحرينيّة إلى جنيف لحضور اجتماعات حقوق الإنسان في سبتمبر 2012، وقد تولّى مهمّة محدّدة وهي إثارة الوفد الأهلي ومشاغبته، وتعرّض للطّرد نتيجة ذلك.

10- تقرير تقصّي الحقائق، فقرة رقم 162

11- بتاريخ 23 أكتوبر 2012م قام يوسف محمد، مدير إدارة المطبوعات والنّشر في هيئة شؤون الإعلام، بإعادة نشر تغريدة لحساب مجموعة "حارقهم". الحساب لايزال يعمل حتّى تاريخ إعداد هذا التقرير، وينشر تغريدات بنفس المحتوى الطائفي، ويحرّض على العنف والكراهية. وقد كشف تقرير نُشر بتاريخ 26 أكتوبر 2012م على موقع "الفاتح نيوز" هوية الشّخصية التي تدير هذه المجموعة، وهو محمد بن سلمان آل خليفة http://alfatehnews.wordpress.com/

12- انظر: تقرير لجنة التقصي، الفصل العاشر. و: تقارير رابطة الصّحافة البحرينية، ومراسلون بلا حدود مثلا.

13- فاز وثائقي قناة "الجزيرة" الإنكليزيّة (البحرين.. صرخة في الظلام) بجوائز متنوّعة، منها جائزة «جورج بولك» الدولية. كاد يفجّر الفيلم أزمة بين البحرين وقطر، فقد وصفه وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بـ«المكيف»، وأضاف عبر حسابه على تويتر:"من الواضح أنّ في قطر مَن لا يريد خيراً للبحرين. وما الفيلم المكيّف في «الجزيرة» الإنكليزية سوى خير مثال على العداء غير المفهوم". وردّ سفير قطر لدى البحرين الشيخ عبد الله آل ثاني في حسابه بتويتر: "يستغل العاطفة ليزيد في نشر سمومه، فلا يتورع في ذلك حين يذكر أن هناك من يضمر السوء في قطر. (...) أحترم البحرين ملكاً وحكومة وولي العهد وشعباً غالياً على قلبي عشت معه لإحدى عشرة سنة (...) تعلمت الكثير فيه وله كل احترامي. أما من يتطاول على قطر ورموزها، فسأردّ بتوضيح الحقائق باحترام، ولن يعنيني السفهاء». وقد اشتعلت في الصحافة القطرية والبحرينية هذه المناوشة، حتّى هدأت فجأة.

14- عرض تلفزيون البحرين في نوفمبر 2011م، من خلال برنامج سوسن الشاعر، شريطاً ادّعى أنه يُظهر متظاهرين يمارسون التخريب. http://www.youtube.com/watch?v=q0kgALZCOno ونظراً لكونه مليئاً بالثغرات، فقد ردّ عليه معارضون بأسلوب ساخر http://www.youtube.com/watch?v=q0kgALZCOno

15- قُتِل الشّاب أحمد إسماعيل في مارس 2012م أثناء تصويره لإحدى التظاهرات في منطقة سلماباد. والشهيد إسماعيل ناشط إعلامي اختصّ بتغطية المسيرات والتظاهرات بكاميرته الخاصة. http://www.youtube.com/watch?v=v6y1lq7a6qw

16- مقال قاسم حسين، صحيفة الوسط البحرينيّة، العدد 3508 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ http://www.alwasatnews.com/3508/news/read/656011/1.html

17- صحيفة الأخبار اللّبنانيّة، ع 1632، 11 فبراير 2012م، ص 10-11، ملف بعنوان "المنامة عاصمة المكارثيّة العربية 2012". وقد نشرت مجلّة الآداب اللبنانية ملفاً بعنوان "انتفاضة البحرين" في عدد صيف 2012م ساهم فيه كتّاب بحرينيون.

يتبع..


توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع
رد مع اقتباس