|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.32 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
حبّ الله تعالى
بتاريخ : 15-12-2012 الساعة : 10:58 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام
إنّ لعاشوراء- سوى بُعدها الملحمي، وبُعد مقاومة ومواجهة الظلم، وبُعد القيام لإقامة العدل والقسط، وأبعادها الأخرى- بُعدها العرفانيّ الذي يتجلّى في العلاقة والمحبّة الخاصّة بين العبد وخالقه ، فعاشوراء كانت ولا تزال تعلّم الأجيال أسمى دروس العرفان الخالص. وأنّى يمكن المزج بين الحماسة والعرفان لو لم تكن كربلاء والمشاهد المستلهمة من ملحمة عاشوراء؟
إنّ بعض المؤلّفين وكتّاب المقاتل، أو الشعراء الذين نظموا ملحمة عاشوراء شعراً كما تناولوا وقائع عاشوراء تأريخاً وتحليلاً، نظروا كذلك وتأمّلوا في البعد العرفانيّ لهذه الملحمة.
إنّ بلاغ عاشوراء العرفانيّ يرسم ويوضّح أيضاً طريقة السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى المطابقة ل-"خطّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام "، كما يفضح بطلان خطّ العرفان الصوفيّ المصطَنع والمعتزل لميدان الصراع بين الحقّ والباطل وميدان العمل بالتكليف الاجتماعيّ.
حبّ الله تعالى
من أسمى وأعذب حالات الروح الإنسانيّة حبّها للكمال المطلق والمعبود الحقيقيّ وهو الله تبارك وتعالى، والقادة الرّبانيّون من الرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام يتمتّعون بأعلى درجات هذا الحبّ المقدّس، وإنَّ منحى حياتهم وشهادتهم ناطقٌ بهذه الحقيقة وشاهد عليها أيضاً. إنّ أهل هذا الحبّ المقدّس لا يرون لأنفسهم تعيّناً وجوديّاً، بل هم دائماً في انتظار لحظة التحرّر والخلاص من قفص البدن وسجن التراب من أجل الالتحاق بالله تبارك وتعالى، حبٌّ كهذا يتبعه "فناءٌ في الله" أيضاً، وهذا الفناء وهذه الجذبة هما السبب في أنّ العارف الواصل لا يحسب لشيء غير ذات الله تبارك وتعالى وغير رضاه حساباً أبداً، ويتجاوز بالإعراض عن كلّ ما يكون مانعاً لوصال المحبوب. وفضلاً عن أنّ أحد مظاهر هذا الحبّ العرفانيّ هو أنّ العارف يرى كلّ شيء لله ومن أجل الله، فإنّ التضحية بالجسم من أجل معراج الروح إلى الله تعالى هو مظهر آخر من مظاهر هذا الحبّ. وممّا ينسب إلى الإمام الحسين عليه السلام من الشعر، أنّه قال هذين البيتين وهو صريع مطروح على أرض كربلاء:
تركتُ الخلق طُرّاً في هواكا وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحبّ إرباً لما مال الفؤاد إلى سواكا
ومن ثمرات هذا الحبّ وهذه المجذوبيّة إلى الله سبحانه أيضاً وصول العارف إلى مقام التسليم والرضا، إنّ ازدياد إشراق نورانيّة وجه الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء كلّما ازداد قرباً من لحظة استشهاده علامة أخرى من علائم هذا الحبّ الخالد، كما أنّ استعجال أنصار الإمام عليه السلام ليلة عاشوراء قدوم الصباح حتّى يجالدوا الأعداء في ميدان القتال كاشف عن شوق الأنصار (قدّس سرّهم) إلى لقاء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جنّات النعيم، ذلك الشوق الذي هيمن على قلوبهم إلى درجة نفاد صبرهم في انتظار الصباح القادم بعرائس الشهادة!
كانت ملحمة عاشوراء بكلّ تفاصيلها، وبكلّ مشاهد وميادين بطولات أنصاره وأبنائه وأهل بيته عليه السلام مظهراً من مظاهر هذه الجذبة المعنوّية وهذا الحبّ الخالد، وكانت شهادة كلّ من الأصحاب والأهل عند الإمام عليه السلام "هديّة" يتقرّب بها إلى المحبوب عزَّ وجلَّ ويحتسبها عنده من أجل تحقيق رضاه والوصول إلى قربه.
ولقد تجلّى هذا المشرب العرفانيّ والحبّ الإلهيّ أيضاً في سلوك المجاهدين، حيث كان جند الإسلام العارفون وأصحاب القلوب المتيّمة بالحبّ الإلهيّ قد قطعوا في ليلة واحدة طريق السير والسلوك الذي قد يقطعه غيرهم بالتعبّد والمجاهدة في مائة عام! وبتعبير الإمام الخمينيّ (قدس سره) فإنّ طعم الشهادة في ذائقة أولياء الله أحلى من العسل، وكان (قدس سره) يعتقد أنّ المجاهدين قد ارتشفوا جرعة من ذلك الشراب الطهور- شراب المعرفة والعشق- فانتشوا ، وكان يعتقد أنّ الشهداء عشّاق كانت أجنحتهم هفهافة "فعرجوا معراج الدم على جياد الشرف والعزّة، ففازوا بالشهود والحضور بين يدي عظمة الحقّ تبارك وتعالى، وفي مقام جمع الجمع !".
وفي صدد الجذبات الروحانيّة التي لا يمكن وصفها عند عشّاق الشهادة من المجاهدين، يقول (قدس) بقلمه وبيانه الرشيق: "... لكن بأيّ قلم، وبأيّ فنّ وبيان يمكن تصوير ذلك البعد الإلهيّ العرفانيّ، وذلك الظهور المعنويّ الربّانيّ الذي يأخذ بأعنّة الأرواح إليه، وتلك القلوب التي ذابت في التجليّات الإلهيّة؟".
نسألكم الدعاء
|
|
|
|
|