عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية السید الامینی
السید الامینی
عضو فضي
رقم العضوية : 31113
الإنتساب : Feb 2009
المشاركات : 1,792
بمعدل : 0.30 يوميا

السید الامینی غير متصل

 عرض البوم صور السید الامینی

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : السید الامینی المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 21-10-2010 الساعة : 08:24 AM


  • إنّ صدق الإنسان يتحوّل إلى مقياس؛ فلا يَصدُق على طول الخطّ من ينطوي على الغشّ والتزوير. ولا يصدق مَن لم يستمسك بعروة الله الوثقى على طول الطريق؛ فإنّه ما أضمرَ أحد شيئاً ـ كما يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ـ إلاّ ظهر في فَلَتات لسانه وصَفَحات وجهه(8). ومَن تُجرِّب صدقَه في المواقف وفي الاختبارات الصعبة والخيارات الحرجة فهو الصادق، وهو المرء السويّ الذي تجد فيه «الرجل» السالك في جادّة الكمال.
    ومن مظاهر التديّن والأعمال العباديّة ما لا ينبئ عن جواهر الرجال، ولكنه يحكي القشرةَ الظاهرة والصبغة الفوقيّة التي تغطّي المضمون الواقعي وتتستّر عليه. ويكون الالتزام بهذه المظاهر والأعمال نابعاً من أسباب أخرى غير إسلاميّة: عُرفيّة، أو نفسيّة. نتعلّم هذه الحقيقة من الإمام الصادق عليه السّلام في قوله التحذيريّ: «لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لَهَج بالصلاة والصوم [أي حَرَص عليهما] حتّى لو تركه استوحش، ولكن: اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة»(9).
    إنّ الصادقين والصادقات يتحرّكون في بيئاتهم وهم صامتون.. كأفكار مجسّدة، ويدلّ عملهم وتحرّكهم وتعاملهم على المضامين الفكريّة والروحيّة التي ينطوون عليها. إنّهم يعلنون أفكارهم بصمت، ويَلفتون الآخرين إلى عقيدتهم ومنهجهم لَفْتاً عمليّاً يوميّاً هادئاً، من خلال الممارسات.. وبدون ضجيج. ألَم يَقُل الإمام الصادق عليه السّلام وهو يعلّم أصحابه هذا الأسلوب من أساليب العمل، وهو يحثّهم ويعلّمهم: «كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم: لِيَرَوا منكم الاجتهاد، والصدق، والورع»(10) ؟!
    وميادين الصدق ـ بالقياس إلى الإنسان ـ ميادين عديدة، أوّل ما يتبادر منها: الصدق في القول.. الذي يعتمد على القصد الصادق؛ فإنّ مَن يجانب الصدق ويقع في رذيلة الكذب فإنّما يتعمّد أن يُلغي المطابقة بين القول والواقع، ويعمل على نَسخ فكرة الانسجام وتبديلها ازدواجيةً بائسة تفصل المرء عمّا حوله، وعندئذٍ يكفّ الإنسان عن مواصلة المسيرة على صراط الله المستقيم.
    وأبعد غوراً من الصدق القوليّ: الصدق النفسيّ بين المرء وما ينطوي عليه ضميره، وما يحمله في أعماقه من إيمان ومن مفاهيم. إنّ التوافق والانسجام الداخليّ للإنسان ركيزة جوهريّة في بناء الشخصيّة الإسلاميّة والإنسانيّة المتينة التي تنهض بتكاليفها، وترقى إلى غاياتها الكبيرة بهممها العالية. ومَن يعجز عن تحقيق هذا الانسجام الداخليّ بين الإنسان في سلوكه وعواطفه وبين قناعاته وعقيدته.. فإنّما يحكم على نفسه بازدواجيّة أشدّ بؤساً، وأدعى للبعد عن جادّة الصراط.. إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين، فينتشل الإنسانَ حينئذ من الوضع المُوحل الذي يغرق فيه.
    والارتباط بين الصدق القوليّ والعمليّ والاعتقاديّ هو ـ في الرؤية الإسلاميّة ـ ارتباط وثيق نابع من طبيعة الإسلام نفسه.. التي تنبع هي كذلك من طبيعة العلاقة التي يريدها الله تبارك وتعالى: بين الإنسان، وبين العالم الرحيب، وبين الله عزّوجلّ خالق كلّ شيء، وربّ كلّ شيء، والذي إليه يعود كلّ شيء، وهو العزيز الحكيم.
    والانسجام ـ لدى الصادقين والصادقات ـ يشمل القول والعمل، وينتظم الظاهرَ والباطن. إنّه الاستقامة في الأقوال والأفعال والأحوال.
    ومظاهر حياة الصادقين والصادقات في أنفسهم وفي بيئاتهم هي مظاهر متعدّدة متكثّرة. بَيْد أن هذا التعدّد وهذا التكثّر يرجعان إلى حقيقة واحدة، هي حقيقة الذات الصادقة؛ ففيها ـ كما في الكون الفسيح ـ تلحظ الوحدةَ من خلال الكثرة، والتفرّد من خلال التعدّد. والكون كلّه ـ بتعدّد مظاهره ـ يقوم على الوحدة والتوحيد، ذلك أنّه صادر من الواحد الأحد قُل هو الله أحد. اللهُ الصمد. لم يَلد ولم يولَد. ولم يكن له كفواً أحد (11).
    والصادقون والصادقات يمثّلون درجة من درجات الصلة اليقِظة بالله الحيّ القيّوم. وهي درجة عالية رفيعة: رفيعة في مستوى التغيّر الذي طرأ في داخل الإنسان، فنوّره.. وأوقد فيه الجذوة، فصدق في الوعي وصدق في العمل. ورفيعة في مستوى القرب من الله عزّوجلّ والزُّلفى لديه. إنّهم ـ إذَن ـ أمّة من الناس آمنوا، وارتقَوا في الإيمان، فصدقوا واستمرّوا في صراط الصدق لا ينحرفون ولا ينكفئون مِن المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه: فمنهم مَن قضى نَحبَه، ومنهم مَن ينتظر.. وما بدّلوا تبديلا (12).
    والله تبارك وتعالى يدعو المؤمنين ألاّ يَقنعوا من الإيمان بدرجاتهم التي هم عليها ولو شاء اللهُ لَجعلكم امّة واحدة، ولكنْ لِيبلُوَكم في ما آتاكم، فاستَبِقوا الخيرات (13). إنّهم مدعوّون ـ ببيان الله جلّ وعلا ـ إلى المزيد من الجهد والمزيد من القصد ومن المعاناة للدخول في دائرة الصدق والالتحاق بالصادقين يا أيّها الذين آمنوا: اتّقوا الله، وكونوا مع الصادقين (14).
    ولا ريب ـ أيّها الأصدقاء ـ أنّ معاناة العروج الروحيّ والإيمانيّ للاقتراب من دائرة الصادقين في الاعتقاد وفي العمل.. تمرّ بمرحلة محاكاة «المِثال»، والتشبّه بملامحه، والتعاطف الوجدانيّ معه، والتلبّس به. يقول الإمام عليّ عليه السّلام وهو يشير إلى هذا المفهوم: «إن لم تكن حليماً فتحلَّمْ؛ فإنّه قَلّ مَن تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم»(15).
    والمؤمن حين يهمّه أمر الصدق ويتطلّب التلبّس بحال الصادقين.. تتفتّح له عين جديدة، هي: عين البصيرة.
    وعين البصيرة دفقة جديدة في إدراك المؤمن، تمنحه صدق الظنّ ورؤية الأشياء بنور جديد، وبعمق جديد.
    ويلحظ الناسُ مستويات مختلفة من دفقة هذا الإدراك المفاجئ، ويطلقون عليها أسماء عديدة. فهم يذكرون: الظنّ الصادق، والفطنة، والفراسة، والتوسّم، والحدس، كما يذكرون «البصيرة» ـ التي تعني: النظر إلى الأشياء والعلاقات بنور خاصّ، هو من نور الله عزّوجلّ، يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو المعلّم الأكبر: «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله عزّوجلّ»
    (16).
    --
8 ـ نهج البلاغة ـ الحكمة 26.
9 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 2.
10 ـ الأصول من الكافي 86:2 الحديث 10.
11 ـ سورة الإخلاص (112) 1 ـ 4.
12 ـ سورة الأحزاب (33) 23.
13 ـ سورة المائدة (5) 48.
14 ـ سورة التوبة (9) 119.
15 ـ نهج البلاغة ـ الحكمة 207.
16 ـ كنز العمّال ـ الرقم


توقيع : السید الامینی
ا
لتوقيع :


قال الإمام الباقر - عليه السلام - : "بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا
من مواضيع : السید الامینی 0 لماذا الوهابية يخافون من حديث الثقلين؟ أين أصحاب العقل والعلم والتقوى والأنصاف
0 سلسة في الحب
0 مصر يحتاج الى مثل هذا الحاكم(عهد الامام علي (ع)لواليه على مصر مالك الاشتر
0 امام زماننا المهدي الموعود عليه السلام -- و من هو امام زمانكم ايها الوهابية؟
0 فطُوبى لمن وعاها واستيقَظ بها.
رد مع اقتباس