|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 29209
|
الإنتساب : Jan 2009
|
المشاركات : 1,756
|
بمعدل : 0.29 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
بنت الهدى/النجف
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 06-07-2010 الساعة : 09:40 PM
المدخل والمنهجية
في القسم الاول والقسم الثاني من حديثي عن الشهيد القائد السيد محمد باقر الحكيم مررت على ذكريات ممزوجة بممارسات سياسية. واعتقد ان ما ذُكر القى ضوءا ولو محدودا عن فترة من فترات العمل السياسي العراقي ونضال الشعب من اجل اسقاط الدكتاتورية.
ولا يخفى على القارئ المنصف انه توجد الكثير من التفاصيل لتكملة القسمين الاول والثاني من تلك الذكريات. على الاقل توجد عندي حولها في ارشيفي الشخصي العامر بالوثائق والمستندات والمدونات مئات الصفحات. وقد توجد بل توجد قطعا عند غيري اكثر مما عندي. فليدلو كل دلوه في ساحة التسابق بالخيرات، ولا يعرف النيات الا رب الانسان والحياة.
في القسم الثالث من الحديث عن السيد محمد باقر الحكيم قائد النضال ضد الدكتاتورية، سأمر على بعض من المفاهيم التي اكد عليها السيد الحكيم في عمله النضالي الاسلامي السياسي الاجتماعي والثقافي. وقد ذكرت في جزء من القسم الثاني جوانب ثقافية وفكرية للسيد رحمه الله لذا فان ما سياتي في هذا القسم هو اقرب ما ان يكون امتدادا لتلك الجوانب.
من الطبيعي ان المنهجية في تناول افكار اي شخصية ستركز على اقواله وكتاباته وحواراته، وبمقدار تقيدها باصالة النص والتأكد من صدوره عن تلك الشخصية ستكون دقة التوصلات والاستنتاجات. وسأتجنب ان اقوّل النص ما يريده كاتب الدراسة، لذلك سارجع الى نصوص السيد الحكيم ذاته في تناول المفاهيم وترتيبها وتبويبها. وبذلك سيكون دور الباحث في هذه الحالة هو اظهار افكار صاحب الدراسة لا افكار كاتبها، مع وجود الاتفاق والتطابق قطعا وبدرجة كبيرة جدا بين الكاتب كتب الله له حسن العاقبة والمترجم له حشره الله الى جنان الخلود.
اذكر ذلك لايضاح المنهجية في التعاطي مع هذا الجانب من البحث كما تقتضيه الامانة العلمية ومنهجية البحث العلمي. ستركز هذه الصفحات على المفاهيكم التالية في فكر السيد محمد باقر الحكيم:
اولا: قضية الحسين
ثانيا: اهمية صلاة الجمعة
ثالثا: المرجعية الدينية ودور العلماء
رابعا: ولاية الفقيه
وسنكمل الحديث عن مفاهيم اخرى في حلقات لاحقة من هذه الدراسة.
قضية الحسين في فكر السيد محمد باقر الحكيم
وفي نص البيان الذي وجهه السيد الحكيم إلى الشعب العراقي بمناسبة حلول شهر محرم الحرام، وذلك يوم الجمعة 4 / 8 / 1989 م الموافق 1 / 1 / 1410 هـ يقف القارئ الكريم على طبيعة فهم السيد الحكيم للثورة الحسينية وامتداداتها في المجتمع المعاصر. لقد بلور السيد الحكيم الكثير من افاق رؤيته لهذه القضية من خلالها. ولذلك سنتابعه ونتابع فهمه لقضية الحسين من بين سطورها.
يرى السيد الحكيم انه تتجدد في كل عام ذكرى كربلاء وعاشوراء، وتتجدد معها صور التضحية والفداء، وصور البطولات الرائعة والوفاء، وصور الإخلاص والصدق مع الله تعالى، وصور الصبر والإيمان المطلق بالله، وصورة المأساة الأليمة التي لا زالت تعيش في وجدان البشرية، وتتفاعل مع مسيرة الإنسان التكاملية لتدفع بها نحو مدارج العزة والكرامة.
ويعتقد السيد انه تتجدد بها كذلك صورة التجسيد الرائع للقيم والمثل الإلهية في الإنسان الذي منحه الله شرف الخلافة وثقل الأمانة والمسؤولية، وقوة الإرادة التي تزيل الجبال ولا تلين.
ويقصد السيد الحكيم بالانسان ذلك الإنسان الذي تربى في أحضان الرسالة المحمدية، وارتضع من ثدي الإيمان الفاطمي وارتوى من العرفان العلوي وورث الأنبياء والأوصياء في صفاتهم وعلومهم ومسؤولياتهم ذلك هو الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
والسيد الحكيم وهو يخاطب من امن بمدرسة الحسين وطريقته في العمل والنضال والكفاح، فانه يسعى لان يستخلص اهم الدروس والعبر من واقعة كربلاء ومع انه يعلم ان الحديث عن مأساة كربلاء وصورها المتباينة حديث طويل لأن هذه القضية الفريدة في تاريخ البشرية إنما تعبر عن أطروحة إلهية في مسيرة الإنسان على الأرض لتكون المدرسة التي تتربي على يدها أجيال الأمة المحمدية الخاتمة ولتمثل أحد المعالم الرئيسة في مسيرة البشرية كلها. ولا بد للإنسانية في جميع أدوارها أن تستفيد الدروس تلو الدروس من هذه المدرسة المعطاء. الا انه يستخلص منها عبرا للواقع المعاصر. فهو يعتقد انه يمكن لنا في هذا العصر، وفي كل عصر، أن نتعلم منها الدروس الكثيرة. ومن الدروس التي اقتطفها من الروضة الحسينية:
1- دروس التضحية والفداء:
التضحية بالنفس والأولاد والإخوة والأصحاب والأهل والأطفال والأحبة. التضحية بالعلماء والصالحين والأبرار من خيرة أهل الأرض. والفداء بالجاه والمال والمستقبل الدنيوي والموقع الاجتماعي، وما يمكن أن يقدمه الإنسان الصالح من خدمة في حياته بين الناس. كل ذلك من أجل تحقيق الأهداف السامية التي وضعها الإنسان أمام عينيه وأداء وظيفته الشرعية، وإنجاز المسؤولية المهمة الملقاة على عاتقه.
من هنا يعتقد السيد الحكيم رحمه الله ان الحسين يعلمنا درساً عظيماً ويوضح لنا الموقف بشكل حاسم حيث يقطع الطريق على كل أولئك المترددين في سلوك هذا الدرب بسبب حسابات الخسارة والربح والتذرع بأن هذه التضحيات تمثل خسارة للمجتمع الإنساني حيث يمكن لهؤلاء الصالحين ان يقدموا خدمة عظيمة له لو كتب لهم البقاء في المجتمع. إن الحسين وأهل بيته وأصحابه كانوا يمثلون خيرة أبناء الأمة على الإطلاق علماً وأخلاقاً ومركزاً اجتماعياً وقدرة على العطاء، ولكنهم قدموا كل ذلك رخيصاً في سبيل الإسلام. وهذه المسألة بالذات هي احدى اهم المنطلقات التي انطلق منها السيد الحكيم بالعمل ضد الدكتاتورية وكانت احدى محاور اختلافه مع البعض دون ان يشكك بنواياهم.
2- الإيمان المطلق بالحكمة الإلهية:
ودرس آخر يؤكده السيد الحكيم في قرائته للعطاء الحسيني هو درس الإخلاص والثقة بالله تعالى والإيمان المطلق بالحكمة الإلهية حيث نجد أن الحسين عليه السلام لم يتزعزع في نفسه حتى في لحظات الاحتضار، أي شيء من القيم والمثل والمفاهيم الإلهية. ولم تهتز في نظره الصورة المشرقة للرسالة الإسلامية وأهدافها بالرغم من عمق المأساة وقوة الصدمة التي واجهها عندما رأى كل هؤلاء الناس الذين كان يأمل فيهم أن يكونوا أنصاراً له وإذا بهم يتكالبون عليه ويشهرون سيوفهم ضده وينزلون به هذه المصيبة الفادحة ويرى نفسه وحيداً لا ناصر له ولا معين بعد أن قتل جميع أهل بيته وأصحابه ثم يرى ما هو أشد هولا من ذلك وهو سبي عيالاته والمصير المجهول لنسائه وأطفاله. وقد تمثل السيد الحكيم هذا الفهم بحياته الجهادية فلم يشك طرفة عين باحقية الطريق الذي يسلكه.
3- الثبات على المبدأ والعقيدة
والدرس الثالث الذي يؤكد السيد الحكيم على تعلمه من الحسين عليه السلام هو درس الصبر والثبات والصمود على المبدأ والعقيدة مهما كانت الخسائر والتضحيات والنتائج ومهما كانت الضغوط النفسية والعاطفية أو العذاب الجسدي. هذا الصبر الذي ينطلق من الإيمان المطلق بالله تعالى وقدرته على التغيير والنظرة البعيدة للأشياء ونهاياتها والالتزام بأداء التكليف والوظيفة الشرعية والإيمان بالنصر الإلهي الحتمي. ويبدو ان هذا الفهم الاصيل هو الذي قاده بعدما وصلته رسالة نظام العفالقة ان لم تنتهِ من المعارضة سنبيد عائلتك اضافة للستة الذي قتلناهم، فيخرج الحكيم امام الملأ ليقول كلمة الحسين الخالدة: هيهات منا الذلة.
ويرى السيد الحكيم ان الحسين عليه السلام كان يفهم النصر في جانبه الذاتي أنه الانتصار على النفس الأمارة بالسوء ورغباتها وشهواتها حيث يتجسد هذا النصر بأداء التكليف الشرعي والوظيفة الإلهية وأداء الأمانة الثقيلة التي وضعها الله على عاتق الإنسان، وأن النصر في جانبه الموضوعي وفي الحياة الاجتماعية ومسيرة الإنسان يتمثل في تكامل هذه المسيرة ودفعها إلى الأمام من خلال إيقاظ ضمير الأمة وتحرير إرادتها من الخوف والرعب والشهوات والضغوط الداخلية والخارجية.
وقد حقق الحسين عليه السلام هذا النصر بكامله في ذاته وفي مسيرة الأمة، وبذلك يمكن أن نفهم كيف علمنا الحسين عليه السلام انتصار الدم على السيف، وانتصار التضحية والفداء على القوة والطغيان. ويورد السيد الحكيم على ذلك امثلة من قبيل:
- قول الحسين عليه السلام: «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً».
- وقول أبيه علي عليه السلام: «الحياة في موتكم قاهرين والموت في حياتكم مقهورين».
وهكذا يستنتج السيد الحكيم ان الإمام الحسين عليه السلام كان ينظر إلى المستقبل ويرى أن جميع أهدافه التي نهض من أجلها قد تحققت في مسيرة الأمة. فالحسين عليه السلام كان يستهدف من نهضته إقامة حكومة القسط والعدل الإلهي، وتحرير إرادة الإنسان المسلم من الهيمنة الداخلية والخارجية والتعبير عن العزة والكرامة الإنسانية من خلال رفض الظلم والطغيان وحفظ الأمة الإسلامية من الضلال والانحراف.
وهذا الفهم للشهيد الحكيم يدعو الجميع الى الفهم الجدي لمعنى اسقاط نظام طاغوتي دكتاتوري من اجل اقامة نظام صالح لا من اجل صراع على مكاسب ومناصب مما يعني استمرار عدوان النظام السابق على الانسان بصورة اخرى لا تخلو من تزويقات فارغة بالشكل لا بالمضمون.
ويشير الحكيم الى امتداد الثورة الحسينية عبر الاجيال فيقول: وقد وجدنا أن جميع هذه الأهداف تأخذ مسارها في تاريخ الأجيال التي جاءت بعد الحسين عليه السلام تصبح هذه المثل والقيم هي الأهداف التي تسعى إليها الأمة الإسلامية وتجاهد من أجلها وتتقدم باطراد باتجاهها.
ومن هنا نرى ان ثورة الحسين التي كان لها اكبر الاثر في تدمير نظام الطاغية صدام وعفالقته سيكون لها اكبر الاثر في تصحيح المسار اذا انحرف عن الاهداف الانسانية الصالحة في اقامة مجتمع السلم والعدل والسعادة.
وعندما يدرس السيد الحكيم المضمون الحقيقي للثورة الحسينية فانه يتوصل الى إن طبيعة المعركة التي خاضها الحسين عليه السلام في صدر الإسلام ضد التسلط والهيمنة اليزيدية تشبه إلى حد كبير طبيعة المعركة التي يخوضها المسلمون في هذا العصر ضد قوى الاستكبار والكفر العالمي.
ويؤكدد السيد الحكيم تقدست نفسه إن الحسين عليه السلام قاتل ضد الانحرافات والضلالات التي حاول الأمويون ويزيد الطاغية أن يفرضها على المجتمع الإسلامي من أجل تغيير الهوية الإسلامية لهذا المجتمع وتحويل المسلمين الذين حررهم الإسلام من عبودية الأصنام والأفكار الجاهلية وتسلط الفرس والروم، إلى أرقاء ليزيد وجلاوزته وعمّاله.
وينتقل الى طبيعة الصراع المعاصر مع الاعداء فيقول: إن الصورة التي نشهدها هذا العصر في الصراع مع قوى الاستكبار والكفر العالمي، مع أمريكا وإسرائيل وحلفائهما وعملائهما تشبه إلى حد كبير صورة الصراع الحسيني مع يزيد بن معاوية.
والسبب الذي يورده الحكيم هو ان الحسين عليه السلام كان يخوض الصراع مع يزيد نيابة عن الأمة الإسلامية جمعاء، ولذا وجدناها تتجاوب مع نهضته في جميع الأقطار.
ويشبه السيد الحكيم معركة الامة الاسلامية مع اعدائها اليوم بمعركة الحسين مع يزيد في الماضي. ويستخلص أن الاستكبار العالمي وأمريكا بالخصوص تلجأ إلى وسيلتين رئيسيتين في حربها مع الامة هما:
الأولى: سياسة القمع والإرهاب والتدمير الوحشي، من خلال انظمة منحرفة مثل نظام العفالقه الحاقدين على الإسلام والقيم الإسلامية، الذي وظف قدرات وإمكانات الشعب العراقي بالقوة وسلطة الحديد والنار، من أجل قمع النهوض الاسلامي في العالم والمنطقة، ولمنع نهوض الشعب العراقي المسلم.
ويمكننا ان نضيف الى ما ذهب اليه السيد الحكيم رحمه الله توظيف المجاميع الارهابية والتي كان هو شخصيا من ضحاياها.
ويؤكد السيد الحكيم أن القمع ينتشر كوسيلة استراتيجية لقوى الكفر والصهيونية العالمية في المنطقة كلها، وضد الشعب العراقي والفلسطيني خاصة.
والثانية: محاولة تضليل المسلمين من خلال طرح الإسلام المشوّه والمحرّف وبالصيغة التي تؤمّن مصالح الكفر العالمي حسب تعبير السيد الحكيم. ويؤكد السيد ان هذا الأسلوب لم يكن جديداً، وإنما كان نفس الأسلوب الذي اتبعه يزيد في مواجهة الحسين عليه السلام.
فأمريكا تطرح الإسلام المهادن، الإسلام الذي يسكت عن الظلم، ويداهن الطغاة!! الإسلام الذي يشتري الضمائر بالأموال والهدايا!! الإسلام الذي يمكن أن يتعايش مع الطغاة ورجال المخابرات ويرضى بالفساد والنهب والسلب لأموال المسلمين وتسلط الأجانب على رقابهم!! الإسلام الذي يوافق على استلاب القبلة الأولى للمسلمين وتدنيس المسجد الأقصى... الإسلام الذي يمنع التدخل بالسياسة ضد أمريكا وإسرائيل ويوظف كل طاقات الأمة الإسلامية وأموالها لإفساد المسلمين وتضليلهم وإذلالهم!! ونقول تايدا لتصورات السيد ان الجهاز الاعلامي العربي الضخم مارس عملين اعلاميين اساسيين هما محابة ارادة الشعب العراقي عبر تأيد الارهاب زتشويه مسيرنه التحررية من جهة ونشر الفساد والانحلال الخلقي من جهة ثانية وهاذا واضح جدا لكل مراقب لا سيما بعد سقوط النظام لاحظنا
من هنا يذهب السيد الحكيم الى ان الإسلام المحمدي الأصيل مرفوض من أمريكا وأتباعها من أمثال صدام العفلقي لأن هذا الإسلام يؤمن بالجهاد وهو الإرهاب في نظرهم، ويؤمن بعودة الإسلام إلى حياة المسلمين، وهو تخلف أو تطرف حسب زعمهم، ويؤمن بالرجوع إلى الكتاب والسنة النبوية وهو رجوع إلى الأصول.
ويكمل السيد الحكيم الصورة بقوله: وإذا لم يقبل الإنسان المسلم في هذا العصر «الإسلام الأمريكي»! فلا بد من قتله حتى لو كان أعزلا أو طفلا أو امرأة كما يصنع الآن بأبناء العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، ويهدم داره ويشرده في الأرض بدون مأوى، وهو إرهابي لا يستحق الحياة، ولا بد من حرمانه من جميع الحقوق الإنسانية المدنية والسياسية، وتصادر أمواله وتهتك عياله، ويتعرض لأقسى ألوان التعذيب الوحشي في السجون والأقبية والزنزانات. ونقول تعليقا على كلام السيد اما الارهاب والارهابيين الحقيقيين فهم في حماية من يدعي العداء للارهاب.
ويشير السيد الحكيم رحمه الله الى موقف الحاقدين على الإسلام والعملاء للأجانب، من الحسين والشعائر الحسينية وأنصار الحسين وشيعة الحسين في العراق، لأن العفالقة المجرمين وصدام الحاقد وجميع أعداء الإسلام يعرفون الأثر العظيم الذي يمكن أن تتركه الشعائر الحسينية وثورة الحسين في نفوس المسلمين وخصوصاً العراقيين الذين ارتوت بلادهم من دم الحسين الزكي وتربوا في أحضان الثورة الحسينية وأئمة أهل البيت وعلماء الإسلام العظام، وتعلموا الدروس من هذه المدرسة العظيمة. والذي يؤكد اقوال السيد ان اذناب اعداء الامة لجؤوا حتى بعد القضاء على نظام صدام الى محابة انصار الحسين وابادتهم. ولكن هيهات فاذا قتل نفر واحد في طريق الطفوف فان الالافا غيره ستبرز للحتوف.
وقد تنبأ السيد الحكيم من خلال فهمه لطبيعة المجتمع العراقي ومبادئه واهدافه الى إن هذا الشعب سوف يتمكن بعون الله من مواصلة طريق النصر حتى الإطاحة بهذا النظام المجرم، كما تمكن من الصمود أمام أنظمة القمع التي شهدها في تاريخه كنظام زياد ابن أبيه وعبيد الله والحجاج الثقفي والمنصور الدوانيقي والمتوكل العباسي وعهود بني عثمان وغيرها. وصدقت نبؤته.
ولا يريد السيد الحكيم ان تقف الامور بحدود التثقيف المجرد لذا يطرح السيد الشهيد سؤالا مركزيا للعاملين ولابناء الشعب اذ يقول: ما هو المطلوب من أبناء شعبنا في الداخل؟
ويقدم الاجابة عليه بقوله: لا بد لابناء الشعب العراقي في الداخل أن يستلهموا مدرسة الحسين في الصبر والثبات والصمود والتضحية والفداء والإخلاص لله تعالى والثقة به، والتمتع بروح الأمل وعدم الاستسلام للنظام الذي يريد أن يبيع العراق في سوق التجارة السياسية الدولية، ويحول قدرات الجيش العراقي للعدوان على البلاد الإسلامية فتارة العدوان على إيران، وأخرى على لبنان وهكذا...
ويقدم لنا السيد محمد باقر الحكيم المنهجية الرسالية في التعامل مع الحسين وذكرى شهادة الحسين عبر نقاط محددة هي:
1- الاهتمام بإقامة الشعائر الإسلامية والتمسك بتعاليم الإسلام وخصوصاً الشعائر الحسينية والتوافد على زيارة الأئمة الأطهار واللجوء إليها بالشفاعة والتوسل والدعاء لله تعالى في الخلاص من هذا الحكم الكافر والمزيد من الارتباط بالعلماء الأعلام والتوجه إلى طلب العلوم الدينية.
2- الاهتمام بالثقافة الإسلامية لترسيخ الوعي الإسلامي والحس الديني ودراسة مواقف النظام المجرم والعملاء المتعاونين معه على ضوء الإسلام وتعاليمه.
3- الاحتفاظ بالعلاقات الإنسانية والمثل والقيم الإسلامية، وحفظ البنية العائلية التي يعمل النظام على تخريبها وتفكيكها وهدمها، وكذلك البنية العشائرية في التناصر والتحابب والصلات الرحمية.
4- تشكيل الخلايا السياسية والإعلامية ذات الطابع الجهادي لمقاومة أعمال النظام اللانسانية والتي يستهدف منها استعباد الشعب وإذلاله من خلال القمع والإرهاب أو تضليله بالادعاءات والشعارات الفارغة. ويكون من أهم النشاطات لهذه الخلايا هو العمل على إشاعة روح التضامن والإخاء بين أبناء الشعب وكشف أزلام النظام وعملائه، وعزلهم عن المجتمع ومطاردتهم، وبناء القاعدة الإسلامية الإيمانية في المجتمع.
5- مقاومة عمليات الهيمنة والتسلط للأجانب على بلادنا لأن النظام يقوم بالنيابة عن أمريكا بتنفيذ المهمات القذرة في المنطقة، وزج الشعب العراقي في حروب عدوانية ضد شعوبها.
6- الاهتمام بعوائل الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله ودفاعاً عن الإسلام وشرف الأمة في العراق ورفضوا الظلم والتسلط الأجنبي.
أزمات النظام والتظاهر الكاذب بالقوة
ومن خلال قضية الحسين عليه السلام يورد السيد الحكيم حقيقة مهمة تبين ضعف الانظمة الدكتاتورية الارهابية. فقد اكد السيد الشهيد: أن النظام الظالم الصدامي المباد مهما ظهر بمظهر القوة والجبروت فهو يشعر بالخوف والرعب من الشعب العراقي ويعاني بشكل حاد من الأزمات. ويشير السيد الى عدد من تلك الازمات:
- أزمة الاختلافات الداخلية في الجهاز الحاكم،
- وأزمة الرفض السياسي والعزلة عن الشعب،
- وأزمة الديون المتراكمة والعجز الاقتصادي، بعد الخراب الواسع الذي أنزله بالعراق،
- والعزلة في المجتمع الدولي والإقليمي، بالرغم من مظاهر التأييد الكاذب التي يحصل عليها النظام أحيانا بسبب المهمات القذرة التي يقوم بها لصالحهم وهي مهمات مرحلية وسوف يتخلى عنه حتى هؤلاء الأسياد وعملاؤهم في الوقت المناسب.
خطباء المنبر الحسيني
ولاهمية دور الخطباء الحسينيين في الصراع والنضال ضد الظلم يرسم السيد الحكيم الدور الرسالي لخطباء المنبر الحسيني والأدباء والشعراء وكل المبلغين الذين يساهمون في إحياء هذا الموسم الشريف. وينطلق في ذلك من أن الدور الأساس للخطيب والمبلغ هو إبلاغ الرسالة الإلهية بجميع أبعادها وهذا الدور يمثل مسؤولية كبيرة تحملها الأنبياء والأئمة الأطهار، والأمة الآن بحاجة إلى من يتحمل المسؤولية إزاءها. وحدد السيد واشار إلى هذه النقاط:
1- الاهتمام بحفظ وحدة الأمة وتماسكها والاجتناب عن طرح القضايا التي تثير الخلاف أو التساؤلات أو الشكوك لدى أبناء الأمة.
2- رفع المستوى الروحي والأخلاقي لدى أبناء المجتمع خصوصاً فيما يتعلق بالصبر والثبات وروح الأمل والتطلع للمستقبل والاستفادة من دروس نهضة الحسين عليه السلام في هذا المجال.
3- طرح الجانب السياسي والتربوي في قضية الحسين إلى جانب طرح الجانب المأساوي وتطبيق نهضة الحسين عليه السلام على ظروف العصر الحاضر ليفهم المستمع الكريم والذين يحيون هذه الشعائر المباركة، من هو الذي يقوم بدور الحسين في هذا العصر؟ ومن هو الذي يقوم بدور يزيد في هذا العصر؟ وما هو الموقف الحسيني في هذا العصر وخصائصه؟ فنحن بحاجة إلى تشخيص الدور الحسيني، والموقف الحسيني والتخلق بالأخلاق الحسينية في عصرنا الحاضر والتزود من مدرسة الحسين. فإن الشعائر الحسينية كما يجب الاهتمام فيها بالشكل وجانب المأساة والعاطفة وتحريك الوجدان كذلك يجب الاهتمام بالمضمون الفكري والثقافي والسياسي لهذه الشعائر.
وإن كل واحد من هذين الأمرين يكمل الآخر في التأثير على حياة الإنسان وحركته لأن الإنسان مركب في محتواه الداخلي من العقل والوجدان، والعقل يمثل أداة الهداية إلى الصواب، والوجدان والعاطفة يمثلان الطاقة المحركة في مسيرة الإنسان، وعندما تتجانس العاطفة مع العقل تتكامل المسيرة الإنسانية.
اهمية صلاة الجمعة
أَمَّ السيدُ محمد باقر الحكيم في مدينة النجف الاشرف وفي حرم امير المؤمنين جماهير محافظة النجف للمرة الربعة عشر. وقدم لهم الصورة التي ينبغي ان تسير عليها الامور وكانت تلك الخطبة والخطب التي سبقتها منهج عمل. وكان السيد يتحدث وهو يجود باخر انفاسه عندما كان يتوقد في عطاء وهو يستحث الخطى للقاء الله وزيارة رسوله والائمة من اهل البيت والشهداء والصالحين ومن سبقة من رفاق الطريق ومن اهل بيته الكرام. وما ان خرج من الحرم الامين حرم امير المؤمنين حتى امر الشيطان الكبير شياطينه المجرمين الصغار ليضغطوا على ازرار الجريمة القتل السيد محمد باقر الحكيم. وما هي الا دقائق عن مفارقته لمحراب صلاة الجمعة حتى دووا الانفجار ورحل امام صلاة الجمعة النجفي الى الله.
كانت ارادة الله عز وجل ان تكون خاتمة حياة السيد الحكيم هي امامة صلاة الجمعة. من هنا فان اهتمام السيد الشهيد بهذه الشعيرة المباركة كان معمدا بدم الشهادة، فكان خاتمة القابه الكريمة شهيد المحراب.
لا شك ولا ريب ان صلاة الجمعة من الشعائر الاسلامية تلعبادية السياسية التي اولتها الشريعة الاسلامية اهمية كبيرة وانزل الله حولها في القرآن الكريم سورة سميت باسمها وهي سور سورة الجمعة، يقول الله تبارك اسمه وجل جلاله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تعلمون
وهناك العديد من الاحاديث المروية عن الرسول الاكرم واهل بيته الاطهار في الحث والاهتمام بصلاة الجمعة، يقول الامام السجَّاد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في دعائه في يوم الجمعة وهو من الأدعية المدرجة في الصحيفة السجادية:
«وَوَفِّقْنِي لأدَاءِ فَرْضِ الْجُمُعَاتِ * وَمَا أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيْهَا مِنَ الطَّاعَاتِ، وَقَسَمْتَ لأَهْلِهَا مِنَ الْعَطَاءِ في يَوْمِ الْجَزَاءِ * إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ».
كان للامام السيد روح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه الدور الاكبر في وسط شيعة اهل البيت عالميا بالاهتمام بصلاة الجمعة. فقد احيى هذا الفقيه الكبير من فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السلام هذه الشعيرة المقدسة بعدما مرت بفترات طويلة من عدم الاهتمام بها الا من قليلين على صعيد المسلمين الشيعة.
وعلى صعيد العراق كان للمرجع الكبير السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه دور كبير في تعميق وتعميم صلاة الجمعة بين العراقيين. بل كانت اقامته لهذه الشعيرة من اهم وسائل تأجيج المعارضة والصراع ضد الدكتاتورية واسيادها واذنابها. فكان بحق امام مسجد الكوفة الذي يعيد احياء ذكرى الامام علي بن ابي طالب وهو يأم المصلين في مسجدها بالصلوات وبصلاة الجمعة. ودفع السيد الشهيد الصدر الثاني حياته ثمنا لاقامة صلاة الجمعة لايقاظ الشعب العراقي وتحريكه ضد الدكتاتورية. لكنه نجح ايما نجاح في ترسيخ هذه التجربة فراحت مدن العراق تعج بالفقراء والمستضعفين لاداء فرض الجمعات.

السيد الحكيم يلقي خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحيدري الشريف
وجاء دور السيد الشهيد محمد باقر الحكيم داعما لهذه الجهود في دفع شيعة اهل البيت في ممارسة هذه الشعيرة الاسلامية العبادية السياسية. وقد اراد السيد الشهيد الحكيم ان يطرح اهم مفاهيمه عن الدولة العراقية الجديدة من خلال صلاة الجمعة فكانت خطبه اربعة عشر بعدد المعصومين من اهل بيت النبوة بمثابة منهجا يرجع اليه في هذا الشان.
ركز السيد الشهيد الحكيم في خطبة يوم في صلاة الجمعة في النجف الأشرف في الصحن الحيدري الشريف 28/ ربيع الأول/ 1424هـ - 30/5/2003م على اقامة هذه الشعيرة الشريفة ـ التي تقام لأول مرة في هذا الصحن الشريف، وبهذا الاجتماع الواسع ـ وسعى السيد الحكيم ان يلخص اهم الافكار حول هذه الصلاة عبر نقاط محددة هي:
1- اهمية صلاة الجمعة
بين السيد الحكيم ان: صلاة الجمعة من فرائض الله، وقد ورد الحثّ عليها في القرآن الكريم كما ورد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحثّ على هذه الشعيرة وورد الحث على هذه الشعيرة على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام واحداً بعد الآخر حيث تحدثوا عن أن هذه الشعيرة تمثل علامة من علامات الإيمان وأن من تركها لثلاث مرات طبع على قلبه بالنفاق أو كان من المنافقين أو طبع على قلبه، وتعبيرات مختلفة في نصوص موثقة وردت عن أهل البيت عليهم السلام حول صلاة الجمعة.
2-هدف صلاة الجمعة
ويرى السيد الحكيم ضرورة الاهتمام بالهدف الذي كانت من أجله هذه الشعيرة المقدسة. ويحدد السيد الحكيم اهم معالم الهدف من اقامة هذه الصلاة عبر نقاط:
1-الهدف الذي يمثل وحدة الأمة في اجتماعها، ولذلك جعلت هذه المسافة الواسعة التي لابدّ من المحافظة عليها لتجسيد الوحدة في اجتماع واحد للأمة تعبّر فيه عن موقفها ورأيها، وتعبّدها لله سبحانه وتعالى والتزامها بهذا المنهج الشريف في الإسلام.
2- إن هذه الشعيرة وضعت لتفعيل الجانب الروحي والمعنوي للمؤمنين وجُعِلَ من شروط هذه الخطبة ـ بل من شروط الخطبتين أن يتحدث الخطيب بأن يحمد الله ويثني عليه، ويعظ المؤمنين ويتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرح وبيان القضايا ذات العلاقة بحركتهم الاجتماعية وحركتهم السياسية والروحية، إلى غير ذلك من الخصائص التي تمّ التأكيد عليها في الخطبتين ومضمونهما.
إذن، فالاهتمام بالجانب الروحي والمعنوي والعبادي في هذه الشعيرة هو ما يعبّر عنه بـالموعظة في المصطلحات الفقهية، وهو يعتبر أحد الأهداف الرئيسية المهمة لهذه الشعيرة. ويوضح السيد من جهة اخرى انه لابدّ أيضاً في هذه الشعيرة من الاهتمام بالجانب الثقافي للجماعة والأمة. فالخطيب الذي يتحدث إلى الأمة لابدّ له أن يثري ويصعّد ثقافتها ويأخذ بيدها خطوة إلى الأمام في هذه الثقافة الدينية الإسلامية الاجتماعية، التي تجعلها أمة صالحة قادرة على القيام بمسؤولياتها وواجباتها من خلال فهمها للإسلام وللشريعة وللحياة، وظروف هذه الحياة. ولابد لهذه الشعيرة من توعية الأمة وجعلها قادرة على تشخيص مواقفها في مسيرتها التي لها أبعاد عديدة، ومواجهتها للمشكلات والأحداث. هذه الشعيرة وضعت بهذه الصيغة وطُلب من المؤمنين أن يتحملوا هذا العناء الخاص والاجتماع الخاص من أجل أن يصلوا إلى مثل هذه الأهداف.
3- مضافاً إلى كل ذلك هناك قضية تعبئة الأمة، وجعل هذه الأمة في طاقاتها وتنظيمها وحركتها قادرة على أداء دورها الحقيقي في المجتمع الإنساني.
وينطلق السيد الحكيم في تثبيت النقطة الثالثة من ايمانه إن للأمة في النظرية الإسلامية دور عظيم، سواء كان ذلك في عهد المعصوم، من الأنبياء والأئمة الأطهار أم في عهد الإمامة غير المعصومة، صحيح أن في عهد الإمامة المعصومة يبدو دور الأمة أكبر وأعظم، وعهدنا هذا هو عهد غيبة سيدنا ومولانا الإمام المهدي. فيقول: نحن عندما نتحدث عن توعية الأمة وإعطائها الدور الحقيقي في حركة المجتمع، نتحدث عن رؤية شرعية إسلامية لابدّ أن تكون واضحة لدى الأمة كلها لتقوم بواجباتها، وقضاياها الكبيرة تجاه مظلومية المستضعفين، وتجاه قضايا الاستبداد، والظلم والهيمنة والسيطرة، والعولمة، وإلى غير ذلك من القضايا المهمة الرئيسة التي لا يمكن أن يواجهها الإنسان الاّ من خلال حركة الأمة.
إذن، فيرى السيد الحكيم ان هذه الشعيرة إنما يكون أداؤها راجحاً ضمن هذه المواصفات التي ذكرها. وبمقدار ما تتمكن الأمة بعلمائها وخطبائها ومثقفيها وأوساطها الاجتماعية المختلفة من تحقيق ذلك، تصبح قضية إقامة صلاة الجمعة ضرورة من ضرورات هذه الأمة
3- الجانب الفقهي من صلاة الجمعة
كما اسلفنا في عدة مواضع ان السيد محمد باقر الحكيم صريح وواضح وقوي في ذكر ما يؤمن به ومن هنا جاء طرحه للجانب الفقهي من صلاة الجمعة وامام الناس قاصدا من ذلك التثقيف الاسلامي والسياسي والفقهي حول هذه الشعيرة المباركة. يقول رحمه الله عن الجانب الفقهي مع حذره من طرح امور علمية دقيقة الا في المكان المناسب لطرحها الا انه يقدم الحد المفيد من المعلومات الضرورية فيقول: نحن لا نريد تناول هذه الشعيرة من الجانب الفقهي لها، وذلك له مجال خاص، وتناوله أيضاً علماؤنا في أبحاثهم الفقهية ـ وانتهوا ولاسيما في العقود الثلاثة الأخيرة ـ إلى أن هذه الشعيرة بصيغتها المضبوطة والمحببة تعتبر واجباً تخييرياً، يخيرّ فيها الإنسان بين إقامتها كصلاة جمعة بشرائطها وضوابطها، وبين صلاة الظهر الرباعية، هذا ما انتهى إليه غالب فقهائنا في العقود الثلاثة الأخيرة. وهذا الرأي الفقهي هو رأي مراجعنا العظام من ناحية، وأيضاً ما سار عليه شيعة أهل البيت عليهم السلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فمنهم من يقيم هذه الشعيرة وفق ضوابطها، ومنهم من يكتفي بصلاة الظهر جماعة أو فرادى.
4- الجانب العملي
ويؤكد السيد على اهمية صلاة الجمعة في جانبها العملي فيقول عن هذا الجانب وعن دورها في هداية الامة وتوجيهها: عندما نريد التحدث عن صلاة الجمعة نرى أن فيها أبعاداً عديدة .... أودّ أن أشير بهذا الصدد وفي هذه الخطبة إلى تشخيص الوضع العلمي الذي ندعو إليه تجاه هذه الشعيرة، فالرأي الفقهي كما ذكرت هو الرأي التخييري. ونحن نعتقد ويشاركنا في هذا الاعتقاد أيضاً مراجعنا العظام عندما شاورناهم في هذا الأمر ـ أنه من المستحسن والراجح إقامة هذه الشعيرة سواء من الناحية الفقهية، كما تشير إلى ذلك النصوص، أم من الناحية الاجتماعية، فإن في إقامتها فوائد كثيرة تحتاجها الأمة، ولكن هذا الرجحان والاستحسان في إقامة هذه الشعيرة لابدّ أن يكون ضمن الضوابط الشرعية التي وضعها الشارع المقدس لهذه الشعيرة من ناحية، وضمن الأهداف العبادية والثقافية والاجتماعية التي أسست وشرّعت هذه الشعيرة المقدسة من أجل تحقيقها من ناحية أخرى، وضمن هذين الحدّين يرجح أداء هذا العمل ويستحسن.
5- الضوابط الشرعية لاقامتها
وقد تكلم السيد الشهيد عن الضوابط الشرعية المعروفة اللازمة لاقامة هذه الصلاة، من حيث العدد، ومن حيث أن يكون الإمام متصفاً بمواصفات الإمامة المذكورة في الكتب الفقهية. ويضيف: لابدّ لأعزتنا من إخواننا وأخواتنا، ولابدّ لعلمائنا الأعلام وخطبائنا الكرام أن يؤكّدوا وينبهوا على هذه الضوابط ويشرحوها.
ويشير الى مسألة مهمة اخرى تتعلق بصلاة الجمعة وهي قضية المسافة والمحافظة عليها ويبين انها تحتاج ـعادة إلى إدارة دقيقة من أجل تحديدها أولاً، ومن أجل تقسيمها أو توزيعها على القائمين بهذه الشعيرة ثانياً.
هذه الضوابط الشرعية لابدّ من الاحتفاظ بها حتى تكون هذه الشعيرة راجحة.
6- صلاة الجمعة وسيلة للوحدة
ويؤكد السيد ان صلاة الجمعة ينبغي ان تكون وسيلة للوحدة بين المسلمين وان تتسامى فوق الاختلاف. لذلك يؤكد السيد الحكيم على الوحدة فيقول: احترام الرأي الآخر الفقهي تجاه هذه الشعيرة، فنحن منذ بداية الغيبة الكبرى للإمام عجّل الله تعالى فرجه كانت قضية الرجوع إلى الفقهاء هي القضية التي أقرّ بها الإمام عليه السلام، وعندما يتمّ الإرجاع إليهم، يصبح من الطبيعي وجود اجتهادات متعددة ـ ونحن نتحدث عن الاجتهاد الصحيح المضبوط القائم على القواعد والأسس ومن الطبيعي أن تختلف آراء المجتهدين حتى في إطار الاجتهاد الصحيح، ويصبح هناك رأي يقول مثلاً بوجوب صلاة الجمعة، ورأي آخر يقول بالتخيير فيها، ووجوبها تعييناً لكن بشروط لا مجال لذكرها الآن، ومن ضمنها شرط وجود الإمام العادل، ولو لم يكن معصوماً، وهناك رأي آخر وهو ما يقول به غالبية مراجعنا العظام في العقود الثلاثة الماضية ـوهو الواجب التخييري، كما أن هناك رأياً يقول بعدم وجوبها في عصر غيبة الإمام المعصوم، ويشترط وجوبها بوجود الإمام المعصوم.
فالاحترام لهذه الآراء الفقهية يمثل عنصراً رئيسياً وأساسياً في وحدة كلمة الأمة تجاه هذه الشعيرة والوصول بها إلى أهدافها، وبدون أصل الاحترام واحترام الرأي الآخر الفقهي سوف تختلف الأمة وتتنازع وتتحول صلاة الجمعة مثلاً، التي يجمع العلماء والمراجع على استحسانها في هذا العصر، أداة للاختلاف والنزاع، وهذا من الأمور التي لابدّ أن نأخذها بقوة عندما نتحدث عن شعيرة صلاة الجمعة.
يتبع
|
|
|
|
|