منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتدى الجهاد الكفائي (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=217)
-   -   اخبار دولية (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=162035)

nad-ali 30-12-2012 05:36 PM

«فاينانشيال تايمز»: انفراجة دبلوماسية وشيكة بين إيران والولايات المتحدة في 2013


كتب: أ.ش.أ
السبت, 29/12/2012 15:33

رجحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، السبت، أن يشهد عام 2013 انفراجة دبلوماسية بين أمريكا وإيران، في حال أراد الطرفان تفادي اندلاع صراع جديد في منطقة الشرق الأوسط.
*
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن قضية النووي الإيراني والتوصل إلى اتفاق مع إيران بهذا الشأن كانت ولاتزال أكبر التحديات التي تواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال فترة ولايته الثانية التي تبدأ الشهر المقبل.
*
وذكرت أنه «بالرغم من أن أوباما اختار أن يلعب دور المتفرج في الأزمة السورية الحالية إلا أنه لا يزال، بحكم الأمر الواقع، يقود المفاوضات مع إيران»، معتبرة أنه يتعين على إدارة أوباما أن تقرر أي التكتيكات والإستراتيجيات التي سيتم توظيفها من أجل التأكد من أن هذا الخلاف الذي دام طوال 10 سنوات سينتهي بالدبلوماسية دون اللجوء إلى خوض حرب.
*
وتساءلت الصحيفة عن فرص انتهاء المفاوضات الجارية بين إيران والقوى الدولية بنجاح خلال العام الحالي، لاسيما وأن كل الأطراف لديها أسباب تؤكد رغبتها في التوصل لاتفاق من شأنه إنهاء هذا الصراع.
*
ورأت أن النظام الإيراني يشعر باليأس من عبء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي، والتي أدت إلى تراجع صادرات النفط الإيراني، وانخفاض قيمة الريال الإيراني، إضافة إلى تفشي التضخم، وهو الأمر الذي يؤكد حاجة إيران إلى تخفيف حدة هذه القيود.
*
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن الخطوط العريضة للاتفاق بين إيران والغرب تتمثل في أن تكف إيران عن إنتاج المزيد من اليورانيوم عالي التخصيب، وتحول مخزونها الحالي من اليورانيوم إلى وقود مفاعل لا يمكن استخدامه لصنع قنبلة، وتفكك أجهزة الطرد المركزي في موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم.
*
في المقابل، يتعين على الغرب أن يقدم لإيران أكثر مما طرح على طاولة المفاوضات خلال الاجتماعات الثلاثة الماضية التي جرت خلال العام الماضي، إضافة إلى التزام الغرب بعكس مسار بعض جوانب الحظر النفطي المفروض من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض العقوبات المصرفية من الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن ضرورة أن يكون هناك وعد بتقديم المزيد من التنازلات، في حال اتخذت إيران المزيد من الخطوات لبناء جسر الثقة بين كل الأطراف، وفقًا للصحيفة.
*
ورأت الصحيفة أن المرحلة القادمة ستشهد محورين جديدين يتمثل أولهما في إجراء انتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو المقبل والتي لا يمكن التنبؤ بما ستفرزه، لاسيما في حال نظمت المعارضة صفوفها وأصبحت أكثر فعالية، مشيرة إلى أنه في حال وقعت نزاعات نتيجة هذه الانتخابات فيمكن أن تسهم في إشعال الاضطرابات العامة التي ميزت الانتخابات السابقة في عام 2009.
*
أما عن المحور الثاني، فيتمثل في أنه في الوقت الذي لن تكون فيه إيران قادرة على اختبار أجهزة الطرد هذا العام، فإنها لن تمتلك أي سلاح نووي في عام 2014، الأمر الذي سيكون بمثابة تهديد لن تتمكن واشنطن وتل أبيب من التعايش معه.
*
ورجحت «فاينانشيال تايمز» البريطانية أنه في حال لم يحمل عام 2014 في طياته صراعًا إيرانيًا أمريكيًا، فإن عام 2013 سيشهد انفراجة دبلوماسية بين الطرفين.

http://m.almasryalyoum.com/node/1346351

nad-ali 05-01-2013 09:57 PM

نصر الله: ما يجري في سورية هي حرب حقيقية ونحن من منع انتقالها الى لبنان






نصر الله: ما يجري في سورية هي حرب حقيقية ونحن من منع انتقالها الى لبنان
قال حسن نصر الله الامين العام لـ"حزب الله" اللبناني يوم الخميس 3 يناير/كانون الثاني في كلمته التي ألقاها في ذكرى اربعينية الامام الحسين من بعلبك أن على اللبنانيين التمسك بوحدة لبنان وطنا وارضا وشعبا ومؤسسات واذا اطلت من هنا او هناك مشاريع
دويلات او امارات "يجب ان نرفضها جميعا لان لبنان اصغر من ان يقسم".

وأشار نصر الله: "اللبنانيون مدعوون الى المحافظة على وحدة الوطن والمؤسسات، وثانيا يجب ان نعترف بأن لبنان هو اكثر بلد يتأثر بما يجري حوله، خصوصا بما يجري في سوريا، وذلك بسبب التنوع الطائفي والسياسي والتعارض في المصالح وهامش الحريات، وبسبب الحدود الطويلة، ولانه الجار الوحيد، واكثر من يتأثر بهذا الموضوع البقاع والشمال بسبب التواصل الاهلي والشعبي".

كما أكد نصر الله أن "سوريا في حرب حقيقية، ومنذ اليوم الاول كان في لبنان نهجان تجاه ذلك" وقال: "دعوا سياسة النأي بالنفس جانبا، لاننا نتكلم جديا".
وشدد : "هناك موقفان: اولا موقف يدعو الى الحوار وعدم نقل القتل والقتال الى لبنان، واما النهج الثاني فيريد نقل الاحداث والقتال الى لبنان والى اكثر من ساحة، وهذا نهج خاطئ".

وأعلن نصر الله "ان هناك اختلافا في الرؤى والمنهجية، ولكن يجب الا نتقاتل، ولكن هناك اشخاصا عملوا على التحريض لجر اطراف اخرى الى الشارع".

وقال: "اسجل ان موقف فريقنا السياسي وموقف الحكومة اللبنانية الحالية يعود اليهما الفضل بمنع انتقال القتال الى الساحة البنانية، ولو كان الفريق الاخر في سدة الحكومة لكان ورط البلد، ليس بقتال داخلي، بل وبقتال مع سوريا ايضا".
المصدر: وكالات

nad-ali 05-01-2013 10:01 PM

http://topnews-nasserkandil.com/topnews/toplogo.jpg

طهران – الرياض... والحرب الباردة...

رأى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير له أن القادة السعوديين متشددون بثلاثة ملفات حاضرة دائماً في ملفاتهم السياسية وهي: قصف المفاعل النووي الإيراني، وتسليح المعارضة السورية، ودعم النظام الملكي وآل خليفة في البحرين، مؤكداً أن هذه الملفات ليست سياسية بقدر ما هي حقيقة مقلقة للرياض وواشنطن.


فوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ينتقد بشدة موقف الحكومة الأميركية من عدم تسليح المعارضة السورية، ولكن لا جواب لديه عندما يسأل عما سيحدث في سوريا إذا سقط الناظم القائم فيها، والخطة القابلة للتطبيق لمساعدة السوريين التي يطرحها القادة السعوديون هي إعادة البناء بعد سقوط الدولة البعثية.


ويؤكد تقرير مجلس العلاقات الأمريكية أن الصراع السوري لا يقتصر فقط على سوريا، بل يتعداها إلى إيران العدو اللدود للمملكة السعودية، فمعظم المسؤولين السعوديين مقتنعون بأن إيران تتجه نحو تطوير أسلحة نووية، وقلقون من احتمال استعمالها لهذا السلاح في هجوم على إسرائيل، وعلى المملكة نفسها، مشيراً لوجود خوف حقيقي لدى السعودية من نية إيران مهاجمة أراضيها، وأن الولايات المتحدة لا تدرك عمق التهديد الإيراني لها.


ويشير التقرير إلى وضوح في سياسة المسؤولين السعوديين حول البحرين، إذ يشيرون للدعم الإيراني لرجل الدين الشيعي آية الله قاسم عيسى الذي كان في المنفى بمدينة قم قبل أن يعود إلى مسقط عام 2001، في حين سقوط آل خليفة سيؤدي لوصول رجال الدين الشيعة إلى سدة الحكم وسيطرة الموالين لإيران على مؤسسات البلاد.


ويضيف التقرير أن سيطرة الشيعة على البحرين، ستؤدي عواقب وخيمة، حيث ستشجع إثارة السكان الشيعة في المملكة السعودية، وتؤدي لوجود حكومة مؤيدة لإيران بدول مجلس التعاون الخليجي، والوصول لحقول النفط المشتركة بين السعودية والبحرين.


ويرى المجلس أن المخاوف السعودية من طهران ليست جديدة، حيث أن تدخل إيران المباشر في البحرين واليمن والمملكة السعودية وباكستان والعراق وأفغانستان يعطي الرياض كل الحق بالقلق من التأثيرات الجديدة /للإمبريالية الإيرانية/، والغرب ساعد بتسليم العراق لمنطقة النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط الحديث، ولا يمكن الآن أن يتكرر الخطأ في البحرين، ولن يتكرر طالما أن السعودية بالمرصاد.


ويوضح تقرير المجلس واشنطن لا تتفق مع السعوديين حول تسليح المعارضة السورية، وقصف المفاعل النووي الإيراني، لكنها تراهم محقين بقلقهم من المخاطر في البحرين والنتائج المترتبة على عدم دعم النظام الملكي، وأن الإدارة الأمريكية محقة بإنشاء قاعدة لأسطولها الخامس في البحرين.


ويخلص التقرير إلى أن رغبة الولايات المتحدة بالمشاركة بشكل أكبر في نزاعات الشرق الأوسط قد تبددت، ويؤكد على وجود حرب باردة حالية حقيقية بين السعودية وإيران، والبحرين تقع على خط الجبهة الأمامية في هذه الحرب.

nad-ali 05-01-2013 10:03 PM

http://www.alahednews.com.lb/desimages/jimages/anws.png

مشيخات النفط واردوغان يوجهون تهديدات لإيران !
عقيل الشيخ حسين
لا يبدو أن فوز باراك أوباما بولاية ثانية سيضع حداً لتقاعسه عن ضرب إيران، على ما كانت تشيعه الدوائر العربية السائرة في ركاب أميركا. ليس فقط لأن أميركا ليست مستعدة لخوض مغامرة فاشلة أو، على الأقل، بالغة التكاليف، بعد الهزائم التي مني بها المعسكر الأميركي في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة، وفي ظروف الهزيمة التي تنتظره في سوريا، وبعدها في أكثر من بلد من بلدان المنطقة. وليس فقط لأنها تعاني من أزمات داخلية، اقتصادية وغير اقتصادية، مرشحة لأن تدفع بها إلى ما هو أكثر عمقاً من الهاوية المالية. بل لأنها، والكلام ينطبق أيضاً على الكيان الصهيوني المشهور أيضاً بكثرة ما يوجهه من تهديدات بضرب إيران، فيما لو وجدت أن لا مناص من الإقدام على مثل هذه المغامرة بشرط ألا تؤدي سريعاً إلى ضرب مصادر النفط أو إغلاق مضيق هرمز، تجد كثيراً من الأتباع الإقليميين الذين يمكن أن توكل إليهم هذه المهمة. والأرجح أن الأدوار قد وزعت في هذا الإطار، وإن كان الجزم غير ممكن بأن ما يصدر من تهديدات يتجاوز سقف الحرب النفسية والشحن الفتنوي الهادف إلى تعميم انموذج الاقتتال البيني والفوضى البناءة.

http://www.alahednews.com.lb/uploade...3/ardgan_1.jpg

فخلال الأيام القليلة الماضية، انهال على إيران سيل من التهديدات الصادرة عن أكثر من جهة إقليمية. مجلس التعاون الخليجي رفع صوته بدعوة إيران إلى ما أسماه بـ "عدم التدخل في شؤونه" (؟) وأشفع هذا التهديد بإقرار اتفاقية أمنية وتشكيل مجلس أعلى للدفاع، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى بيع درع أو دروع صاروخية في منطقة الخليج، وهو السعي الذي يقابل من قبل المعنيين بالترحيب الحار والتهافت على تقديم طلبات الشراء.

وكعادتها في تغيير جلدها بسرعة قياسية إن لجهة الانقلاب على سوريا، بعد أن كانت العلاقات معها قد ارتقت إلى مستويات تبعث على الأمل بلم شعث الأمة، وإن لجهة تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، بعد المواقف العابرة التي اشتم منها أنها قد عادت إلى احتلال الموقع اللائق بها على خط المواجهة العربية والإسلامية مع هذا الكيان، قلبت تركيا ظهر المجن لإيران من خلال تصرفات غير ودية كان آخرها توجيه التهمة إليها بدعم حزب العمال الكردستاني.

وفي الوقت نفسه، من الواضح أن تركيا أردوغان تسعى جهدها لرفع مستوى التوتر مع العراق، إن من حيث تجاوز الحكومة المركزية وإقامة علاقات تجارية وغير تجارية تفتقر إلى الشرعية مع إقليم كردستان، وإن من حيث اللعب على وتر الفتنة الطائفية، وتأمين الحماية والدعم لمتورطين في أعمال إرهابية تستهدف المدنيين العراقيين، مع عدم استثناء دور تركي في أعمال التفجير الدامية التي تشهدها الساحة العراقية. ولا يخفى أن كل ذلك ينطوي على التحرش المباشر وغير المباشر بإيران. خصوصاً وأن أعلاماً إيرانية قد أحرقت وشعارات معادية لإيران قد رفعت من قبل بعض العراقيين الذين يصغون إلى التصريحات التحريضية التي تصدر عن أردوغان وأشباهه.

أما الرئيس المصري محمد مرسي فلم يفاجىء أحداً عندما شدد بلهجة مفعمة بالشجاعة والقوة على "عروبة" الخليج واعتبر أن أمن الخليج وسيادته لا ينفصلان عن أمن مصر وسيادتها.

http://www.alahednews.com.lb/uploade...3/ardgan01.jpg

كل هذا التهديد والوعيد الذي يصطف إلى جانب التهديدات الأميركية والإسرائيلية بضرب إيران، تقابله إيران على الدوام بالحرص الشديد على العمل على مد كل ما يمكن من جسور المودة بينها وبين جيرانها رغم كل ما يوجهونه إليها من إساءات. وهي لا تتوقف، منذ مدة طويلة، عن توجيه الدعوات من أجل إقامة نظام أمني بين دول المنطقة، وتحرص، حتى عندما تقوم بإجراء مناورات عسكرية في الخليج والمحيط الهندي، على التأكيد بأن المناورات هي رسائل صداقة لبلدان الضفة الأخرى. وهي عندما تؤكد ذلك تعني ما تقول : قوة إيران العسكرية لا وظيفة لها غير التصدي للعدو الإسرائيلي وبلدان الغرب الحريصة على تدمير المنطقة ووضع يدها على ثرواتها النفطية وغير النفطية.

أما إذا شاء هؤلاء أن ينوبوا عن الغرب والعدو الصهيوني في الكيد لإيران، فإنهم لن يفعلوا غير السقوط في هاوية أعمق بما لا يقاس من تلك التي سبقهم إليها صدام حسين. مع فارق مهم جداً : يومها كانت الثورة الإسلامية بعمر عام أو عامين. أما اليوم، فقد بلغت من العمر أربعة وثلاثين عاماً، كلها زرع متسارع النماء على عكس ما يفعله هؤلاء الحكام العرب وغير العرب من تبديد قدرات شعوبهم ومن تخريب بلدانهم بالأشكال التي يمليها عليهم أعداء الأمة من المستكبرين.

kumait 12-01-2013 03:03 AM

برلسكوني 'يفضح' الثورة الليبية
 
برلسكوني 'يفضح' الثورة الليبية
رأي القدس

لم نتوقع ان تظهر ملامح الخديعة الكبرى في ليبيا بمثل هذه السرعة، ولكن المستر سيلفيوبرلسكوني رئيس الوزراء الايطالي، الذي كان مشاركا رئيسيا في التدخل العسكري لحلف الناتو، وتنطلق الطائرات من قواعد بلاده لقصف طرابلس وسرت وبني الوليد وسبها،فاجأنا جميعا عندما فجر قنبلة من الوزن الثقيل واعلن في حديث لوكالة الانباء الايطالية الرسمية 'ان ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعا عربيا، او ثورة شعبية، بل تدخلا ارادته فرنسا'.

برلسكوني ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال في الحديث نفسه 'ان ما حدث في ليبيا جرى وفق قرار للحكومة الفرنسية بالذهاب الى هناك، والتدخل في نزاع داخلي، وتقديمه في اطار المجتمع الدولي على انه ثورة، وهاجمت الطائرات الفرنسية ليبيا قبل ان يتم اتخاذ قرار مشترك، والبدء في قصف قوات القذافي'.

هذا الاعتراف، ومن رئيس وزراء ايطاليا الذي كان يشارك في ادارة الحرب على ليبيا، ويطلع على كل التقارير العسكرية والاستخبارية، يؤكد ما ردده 'القلة' بان الحرب في ليبيا لم تكن من اجل حقوق الانسان والحريات وانهاء الظلم الواقع على الشعب الليبي، وانمامن اجل مصالح فرنسية بريطانية صرفة عنوانها الاستيلاء على النفط الليبي، وتدميرالبلاد وبناها التحتية من اجل اعادة اعمارها من قبل الشركات الغربية.

نعم.. كانت مسرحية فرنسية بطلها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وصديقه المفكر اليهودي برنارد هنري ليفي الذي توجه الى بنغازي مبكرا، وادعى التعاطف مع الليبيين من ابنائها، ورفع سماعة الهاتف مستنجدا بالرئيس ساركوزي طالبا منه التدخل فورا لمنع مجزرة تعد لارتكابها قوات القذافي في المدينة.

المفكر ليفي اعترف في كتابه الذياصدره حول دوره في ليبيا، وكذلك في تصريحات صحافية، انه فعل ذلك انطلاقا من كونه يهوديا وخدمة لمصالح اسرائيل، وتحدث عن الرسالة التي حملها من اصدقائه 'الثوار' في المجلس الوطني الانتقالي الى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل عارضين فيها التطبيع.

نختلف مع برلسكوني في نقطة واحدة هي 'ان الزعيم الليبي الراحل معمرالقذافي كان محبوبا من قبل شعبه، ورغم انه كان يفتقر الى الحرية فانه كان يحصل علىالخبز والسكن مجانا'، فالتعميم هنا خطأ كبير، فليس كل الشعب الليبي كان محبا لرئيسه، كما ان الحرية اهم من الحصول على الخبز والسكن مجانا، فالمعتقلون في السجون يحصلون عليهما، اي السكن والخبز مجانا ايضا.

النظام الليبي السابق ارتكب اخطاء قاتلة في حق شعبه، عندما صادر الحريات وفشل في تقديم الخدمات الاساسية التي تليق بدولة ثرية تصدر مليونا ونصف المليون برميل يوميا من النفط، ولكن هذا لا يعني ان النظام الجديد افضل حالا، فمعدلات الفساد في ليبيا الجديدة بلغت ارقاما خرافية،والانهيار الامني بات معروفا للجميع، والصراعات المناطقية والقبلية اصبحت من البديهيات في المشهد الليبي الحالي.

برلسكوني نفسه قال ان ما يحدث في ليبيا حاليا يبعث على الكثير من القلق لدى الجميع، والسبب في ذلك ان 'هذا الربيع يعيد البلاد الى الوراء، وهذا لا يمت بصلة الى الديمقراطية الغربية'.

نكتفي بترديد المقولة الاثيرة 'وشهد شاهد من اهلها'!

nad-ali 12-01-2013 09:18 PM

http://topnews-nasserkandil.com/topnews/toplogo.jpg

http://topnews-nasserkandil.com/topn...108-155153.jpg

الاعلام الاميريكي و الاسرائيلي في حالة غليان و القيادات السياسية الاسرائيلية و اللوبي اليهودي في واشنطن تحت تاثير اعنف رسالة اميريكية وجهها باراك اوباما الى اسرائيل كما لم يفعل رئيس اميريكي من قبل في تعييناته بالادارة الاميريكية

وزارات رفيعة و ادارات مفصلية اسندها باراك اوباما الى شخصيات منفتحة و اكثر ليونة و اقل حدة و تطرف في مواقفها تجاه قضايا الشرق الاوسط واكثرها اختلاف مع اسرائيل بعدة قضايا ظهر ابرزها في الملف الايراني النووي و سوريا و حركات المقاومة في المنطقة و استبعادها اللجوء للخيارات العسكرية ..
بالامس تعيين جون كيري وزيرا للخارجية على راس الديبلوماسية الاميريكية خلفا لهيلاري كلينتون و اليوم تشاك هاغل المختلف مع اسرائيل وزيرا للدفاع الاميريكي خلفا لليون بانيتا صديق ايهود باراك و تعيين جون برينان رئيسا لجهاز الاستخبارات الاميريكية cia و اسرائيل في حالة من الغليان و قلق و حذر بين كل هذا ...
ربما تشاك هاغل هو اكثرما يعني اسرائيل وهواجسها اليوم نظرا لتسلمه حقيبة الدفاع المعنية بالحروب و الدعم العسكري لها والوزارة التي لطالما اخذت بعين الاعتبار في ميزانيتها احتياجات اسرائيل العسكرية وتطلعاتها و هي الوزارة التي تعتبر بالنسبة لاسرائيل السند الاساس في مشاريعها خصوصا بما طرحته حول عملية عسكرية ضد ايران و منشاتها النووية بمساعدة اميريكية .
يعود السبب من وراء القلق الشديد و الغضب عند الساسة الاسرائيلين و المنظمات اليهودية الأمريكية كاللجنة اليهودية الأمريكية و عند عدد من أعضاء السيناتورات الديمقراطيين و الجمهوريين الموالين لاسرائيل هو مواقف هاغل السابقة المعروفة بلهجته المعادية لاسرائيل والى معارضته للمواجهة العسكرية مع طهران و رفضه الحعقوبات الاقتصادية عليها اضافة الى عدم تصويته على اعتبار الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية و الى مواقفه بخصوص حرب تموز و انتقاده اسرائيل بشدة لها حيث اعتبرها تدميرا ممنهجا للبنان و دعا الرئيس بوش وقتها للايقافها اضافة الى معارضته غزو العراق و دعواته الى حكومة وحدة وطنية بين فتح و حماس عام 2007

تعيين هاغل هو اعنف رسالة ممكن ان يوجهها اوباما الى نتنياهو لكن يجب ان لا نحصر اطار التعيينات فقط بالخلاف بين اوباما و نتنياهو مثل القول ان الوقت حان كي ينتقم اوباما من اسرائيل ومن نتنياهو بعد كل الحشد و الجهود التي بذلوها من اجل خسارته بالانتخابات الرئاسية الاميريكية لولاية ثانية ..
.بالتاكيد الامر اكبر بكثير ويجسد سياسة و استراتيجية و وجهة جديدة و جدية ترى فيها الولايات المتحدة مصلحة عليا وطنية بعيدا عن تدخلات الغير خصوصا ما يشاع عن عدم قدرة اي ادارة اميريكية اتخاذ خطوات دون الحصول على رضى اللوبي اليهودي الاميريكي و اليوم اوباما اثبت العكس بوضوح و الاهم من ذلك ان اوباما الذي فاز بولاية ثانية اكد ان هذا هو راي الشعب الاميريكي الذي بات يريد الامن و الامان و التمتع بوضع اقتصادي لائق دون سياسات التوسع التي خاضتها الولايات المتحدة منذ عقود ...
التعيينات هذه هي اكبر اشارة على الانكفاء الاميريكي عن السياسات التوسعية و الانتقال الى ما فيه مصلحة للشعب و الاقتصاد الاميريكيين و رفض اي ضغط خصوصا ان وزارة الدفاع الاميريكية تعتبر الثقل الاكبر من ميزانية الاقتصاد الاميريكي ما يشير الى ان اولى اولويات اوباما باتت تحسين الاقتصاد و في تعيين هاغل تاكيد على الحاجة الى التقليص من نفقات الولايات المتحدة الدفاعية ما يعني ان هاغل لن يكون له تواصل ودي و خاص بنظيره الاسرائيلي بالمقارنة مع العلاقة التي كانت بين باراك و بانيتا و المعروفة و من هنا فان هواجس اسرائيل مفهومة
الواقع الجديد مخيف على اسرائيل و لن يكون سهلا ان تتقبل كل المتغيرات القادمة لا بل قد تسعى لافشال العديد من الامور و التخطيط حتى لارسال تهديدات بالاغتيالات و هذا غير بعيد عنها عندما يتعلق الامر بامنها ...

انها الرسالة الاميريكية الاعنف و الاقوى من باراك اوباما لاسرائيل ......
تشاك هاغل وزيرا للدفاع الاميريكي المعروف بعدائه لاسرائيل و لسياستها الاستيطانية و التي لطالما كانت مواقفه سبب لاستبعاده عن مناصب عديدة تقول مصادر اميريكية .....بالاضافة الى جون برينان رئيسا للاستخبارات الاميريكية و هو من ابرز ضباط العمليات الخاصة الذي يعتقد انه المسؤول عن تنفيذ عملية اغتيال بن لادن و في ذلك اشارة ان اوباما سيواصل التصعيد ضد الحرب مع القاعدة و الارهاب مع فريق يعرف سلفا ماذا يقرر و متى ...
معادلة "وحيدة " و اولوية "جديدة "رسمها اوباما لسنوات حكمه القادمة و لن يسمح لاي ضغط من هنا او هناك ان يثنيه عن تحقيقها و تحويلها عن اولويات ادارته و هي .... انقاذ الاقتصاد الاميريكي ومواصلة الحرب على الارهاب عبر خطى .... ما هو مناسب للولايات المتحدة فقط .
انها بالفعل نقلة جديدة في السياسة الاميركية سيترقب العالم و يلتمس انعكاساتها في شتى القضايا و دليل كبير ان اوباما يترجم رغبات الشعب الاميريكي الذي بات يتوق الى الهدوء و الاستقرار ... و هذا التعيين سيضع إسرائيل واللوبي المؤيد لها داخل الولايات المتحدة AIPAC المعروف ب ايباك في حالة حرب سياسية قريبة في واشنطن من جهة و بين واشنطن و تل ابيب من جهة اخرى .
باراك اوباما يقول اليوم بوضوح ... ليس بالضرورة ما هو جيد لاسرائيل ان يكون جيد للولايات المتحدة ....

nad-ali 12-01-2013 09:18 PM

http://alnnasib.com/images/headertemp.jpg

المسجد النبوي.. وخطر التدمير

http://www.walfajr.net/media/lib/pics/1351219958.jpg

الأربعاء, 09 يناير 2013

سيطر آل سعود على الحكم في شبه الجزيرة العربية بواسطة السيف والفكر الوهابي، وألحقت البلاد وما عليها باسمها (السعودية) نسبة إلى آل سعود، رافعة راية "التوحيد" ومحاربة كل أنواع الشرك الخفي والظاهر وفق شعاراتها العلنية.. وتكاملت المؤسستان الدينية والملكية للإطباق على البلاد وما عليها وما في جوفها من ثروات على أساس النظام الملكي والفكر الوهابي.

مشكلة الفكر الوهابي أنه فكر إلغائي يكفّر كل من يخالفه الرأي، ويعتمد على الثروة المالية لنشره في بقاع الأرض، ويستغل ولايته على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنوّرة وبقية أرجاء المملكة، ليفرض قناعاته وأفكاره ورأيه على بقية المسلمين الذين يحجون للمسجد الحرام في مكة المكرمة، وزيارة رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة حيث مسجده وقبره.

لقد تمّ تدمير وإغلاق أكثر من 90% من المعالم والمواقع والآثار الإسلامية في السعودية، تحت عنوان منع الشرك وعبادة الأصنام، ومنع زيارة القبور، وتنقية الإسلام من الشوائب والبدع المضللة.. لا ننكر المغالاة في بعض الممارسات، نتيجة فهم خاطئ لبعض العامة، لكن لا يمكن مواجهة التطرف والبدع بتطرف وسلوكيات أكثر سوءاً، وتصحيح الخطأ بالخطيئة، وكل ذلك نتيجة اجتهاد شخص هو من البشر، لا يستطيع فرض رأيه أو فهمه بما يناقض ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولنفترض أن هذا العالم (محمد بن عبد الوهاب) قد أخطأ في لحظة ما، فهل يجب على المسلمين تحمل نتائج هذا الخطأ الاجتهادي أو نقص في العلم أو المعرفة أو خطأ استنباط الحكم من النص؟

في مقاربة حديثة بين الشيخين ابن باز وعبد الوهاب، فإن ابن باز يقول بتكفير كل من يقول بـ"دوران الأرض"، خلافاً للنص القرآني {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب}، ولكل الاكتشافات العلمية، فما هو الحل إذا قتل المسلم القائل بدوران الأرض وفق فتوى ابن باز؟ ومن يتحمل مسؤولية تكفير المسلمين الذين يزورون القبور (حديث السيدة عائشة وزيارة القبور)، أو حادثة أهل الكهف، حيث انقسم الناس فريقين حول التعامل مع معجزة أهل الكهف، بعدما كشف أمرهم مع مضي 309 سنوات {ابنوا عليهم بنياناً} وهم العامة غير المؤمنين، بينما يقول المؤمنون الذين انتصروا فيما بعد {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً}.

لقد نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أخباراً عن نية السعودية هدم المسجد النبوي وثلاثة مساجد (مسجد عمر وأبو بكر والغمامة)، وكذلك جزء من مقبرة البقيع بهدف توسعة المسجد النبوي الشريف ليتسع لنحو مليون ونصف المليون مصلٍّ.. هذا هو الهدف المعلن، لكن الهدف الأساسي هو استكمال عملية هدم المعالم الإسلامية التي بدأها السعوديون منذ عام 1344هـ، بعد استلامهم الحكم، حيث تم الارتكاز على مبادئ الفكر الوهابي لإضفاء الشرعية على أعمال الهدم، وفي استعراض للمعالم الإسلامية التي تعرضت للهدم أو الحصار، نذكر منها:

- تحويل المنزل الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكتبة عامة في مكة المكرمة.

- هدم منزل السيدة خديجة رضي الله عنها؛ زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام وبناء حمامات عامة مكانها.

- محاولة إزالة مقام إبراهيم عليه السلام من المسجد الحرام، والتراجع عنه بعد اعتراض العلماء والمسلمين.

- محو كل الآثار والأسوار وبيوت الصحابة حول المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وإقامة الفنادق والأسواق.

- منع الزوار من الوصول إلى غار "حراء"؛ مهبط الوحي الإلهي.

- منع الزوار من زيارة قبور شهداء "أُحد"، بمن فيهم قبر حمزة عم رسول الله.

- إقفال الطرق المؤدية إلى حصن خيبر، ومنع الزوار من الوصول إليه.

- منع الزوار من الوصول إلى ساحة موقعة بدر.

- إغلاق منطقة مدائن صالح، حيث توجد آثار قوم النبي صالح عليه السلام ومعجزة الناقة.

- منع الزوار من زيارة مقبرة البقيع التي دُفن فيها معظم صحابة رسول الله وزوجاته وبعض الخلفاء والأئمة.

- إزالة معالم مقبرة حواء في جدة.

بالإضافة إلى تدمير الكثير من المعالم وآثار صدر الإسلام في كل أنحاء شبه الجزيرة العربية، لمحو الذاكرة التاريخية والحضارية التي طبعت المنطقة خلال أكثر من 1400عام.

إن هدم المسجد النبوي الشريف بهدف توسعته وفق الطريقة التي تنفذها السلطات السعودية، يؤدي إلى إزالة معالم أحد الحرمين (المسجد الحرام والمسجد النبوي) وفق فتاوى صدرت مؤخراً، وكان آخرها ما اخترعه وأفتى به الشيخ يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه بشكل دائري من عشرة إلى عشرين أو ثلاثين طابقاً، لمنع الاختلاط، وكان الشيخ السعودي عبد الرحمن البراك قد أفتى مؤخراً بجواز قتل من يبيح الاختلاط!

إن السكوت عن هدم المسجد النبوي الشريف، كما تم السكوت عن هدم بقية المعالم الإسلامية، مسؤولية تقع على عموم المسلمين علماء وعامة، لأنها تفتح الطريق أمام هدم المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين، فمن يقبل بهدم مسجد رسول الله في المدينة المنورة، عليه أن يقبل بهدم المسجد الأقصى؛ موطن الإسراء النبوي، والتبرير للاحتلال الإسرائيلي لهدمه لإعادة بناء "الهيكل"، خدمة للعقيدة اليهودية الصهيونية، ما يعني أن هدم المسجد الأقصى له هدف عقائدي وديني، وليس هدفاً سياسياً أو عنصرياً يوازي في تبريره هدف هدم المسجد النبوي لتأمين مساحات للمصلين المسلمين.

إن الواجب الديني يفرض على المسلمين وجوب التصدي لهذه المحاولات، والمؤسف أن داعية مثل الشيخ يوسف القرضاوي قد توجّه إلى أفغانستان للتوسط عند حركة طالبان لمنعها من هدم تمثال "بوذا" في أحد الجبال، ولم يتحرك مع أقرانه من العلماء للتصدي لما يجري في السعودية والقدس، وكأن الدين والأحكام الشرعية صارت وفقاً لـ"الفرمان" السياسي والحوالة المالية التي تسقط في جيب العالم أو الداعية.

www.alnnasib.com

د. نسيب حطيط

nad-ali 12-01-2013 09:19 PM

http://www.athabat.net/news/images/s...cs/hishamX.jpg

المناورات الروسية.. أهداف ورسائل
الأربعاء, 09 يناير 2013

http://image.moheet.com/images/11/big/113414.jpg

يرتقب العالم في شهري كانون الثاني الحالي وشباط المقبل، أضخم مناورات عسكرية روسية منذ عقود، وهذه المناورات تكتسب أهمية بالغة لأسباب عدة؛ من حيث حجم القوة المشاركة، وهي أربعة أساطيل: أسطول البحر الأسود، وأسطول البلطيق، وأسطول المحيط الشمالي، وأسطول المحيط الهادئ.

أما من حيث المكان، فتبلغ الأهمية أعلى من المتوقع، سيما في الظروف العالمية الحالية، إذ إن حلبة المناورات ستكون البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث بدأت القطع تتحرك إلى الميدان، ومعلوم أهمية البحريْن المذكوريْن الجغرافية، إن من حيث الممرات المائية، أو من حيث التروات التي تختزنها الدول المشاطئة، وأهميتها الاستراتيجية على المستوى العالمي.

كان ممكناً أن تكون المناورات عادية ضمن خطة رفع الكفاءة القتالية، والوقوف على الجهوزية التي يتمتع بها كل أسطول بذاته، أو الأساطيل مجتمعة ضمن خطة قتالية واحدة، إلا أن الوقائع المرافقة للإعلان عن المناورات المذكورة، تشي بأن أسلوباً جديداً بدأ يدخل العقيدة الروسية في التعامل مع الأزمات الدولية.

فروسيا ومنذ الحرب العالمية الثانية، أظهرت تمسكاً بالقانون الدولي، وزاد هذا التمسك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى جانب نهج احترام سيادة الدول الذي يطبع السياسة الخارجية الروسية، إلا أن "الاستفراس" الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، دفع القيادة الروسية الحالية إلى رفع البطاقة الصفراء، حتى الآن، والتي بدأت تميل إلى اللون البرتقالي، أي أن للمناورات ارتباطاً وثيقاً بالصراعات المتجددة دولياً، ومن ضمن تلك الصراعات، الدرع الصاروخي الأطلسي، إن في تشيكيا أو بولندا، وصولاً إلى تركيا، حيث بدأت طلائع القوة الأميركية بالوصول لموضعة منظومة صواريخ الباتريوت، والتي انطلقت احتجاجات شعبية تركية رفضاً لها، بعد انكشاف النوايا العدوانية منذ تركيب المنظومة الرادارية في ملاطيا، وهنا تجدر الإضاءة على أن روسيا أعلنت أن القوات الاستراتيجية الصاروخية ستنفذ أيضاً مئة مناورة، تستخدم فيها صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية إلى قارات بعيدة مثل أميركا على حد التعبير الدقيق للناطق باسم القوات الصاروخية الاستراتيجية سيرغي شورين.

طبعاً، لهذا التعبير الدقيق دلالة بالغة في العلاقات الدولية، وإذا عطفناه على رفع الموازنة العسكرية والعمل على تعزيز الأسطول الروسي بـ50 غواصة وسفن حربية متطورة، مع تحديث الترسانة الصاروخية بصواريخ تفوق أهمية صاروخ "اسكندر" المعروف بـ"قاتل الباتريوت"، وكذلك تعزيز الترسانة بصاروخ "يارس"، وتطوير صاروخ جديد بعيد المدى وثقيل يحل محل "فويفودا" الذي يسميه الأطلسي بالشيطان، يمكن أن يستشف مآلات الأمور والرسائل المقرر إرسالها والعناوين المرسلة إليها.

ويقول سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، إن نتائج تحليل الوضع العسكري الاسترتيجي حول العالم وفقاً لتطوره، يدل على أن الساحة الدولية تشهد الانتقال من النزاعات الواسعة النطاق إلى حروب ونزاعات محدودة النطاق، ويضيف: "في هذا الإطار تؤكد العقيدة العسكرية الروسية الحاكمة، أنه من حقها أن تستخدم القوات المسلحة وغيرها من صفوف القوات لصد العدوان عليها أو على حلفائها والحفاظ على السلام أو استعادته"، بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي "أو غيره من منظمات الأمن الجماعي".

ليس الموقف المشار إليه معزولاً عن الموقف الروسي المعلن أيضاً بأن "منطقة شرق المتوسط لها أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لروسيا"، ولذلك يجري التعرف الآن وليس غداً على مسرح العمليات الحربية في المنطقة، لأنها ربما تشهد أعمالاً حربية في وقت ما".

صحيح أن لأي مناورات أهدافاً تدريبية وتنسيقية بين الوحدات المشاركة، لكن لهذه المناورات خاصية فريدة باتت معلنة، وهي أن محاولة للتلاعب مع روسيا لن تكون نزهة بعد أن صم الغرب وحلفه الأطلسي الآذان عن سماع الكلام الروسي الجميل، ويختصر خبير روسي الصورة بجملة سمعها الأميركيون مباشرة وهي "ما دمتم ترفضون العيش بسلام.. فليكن".

يونس ع

nad-ali 12-01-2013 09:20 PM

http://www.alhejazi.net/common/banner.jpg

الأردن في استراتيجية الصراع بين الرياض ودمشق
محمد فلالي

منذ اندلاع الثورة السورية ودخول أطراف إقليمية ودولية على الخط، كان مقرراً للدول المحيطة بسورية، وخصوصاً المحسوبة على معسكر الاعتدال أن تلعب دوراً لوجستياً أساسياً في دعم الجماعات المسلّحة، التي تمّ تجنيدها وإقحامها في أتون الصراع الدموي الدائر في طول الأراضي السورية وعرضها..وكما الحال بالنسبة للدور التركي، فإن الدور الأردني كان أساسياً في الصراع، لأسباب عديدة منها تخفيف الضغط على الجبهة التركية، من حيث نقل المقاتلين والسلاح والمال، ونزوح اللاجئين، فيما تتولى الجبهة الأردنية مهمات لوجستية وأمنية واستراتيجية بالغة الخطورة.
سمح الأردن في بداية الثورة السورية لدخول عناصر مسلّحة الى المناطق المحاذية لحدوده، على الأقل في محافظة درعا ومدن حوران ونوى وبصرى الشام وغيرها، وصدرت تصريحات من الملك الاردني ومسؤولين في حكومته وصفتها القيادة السورية بأنها عدائية وتدخل سافر في الشؤون الداخلية للدولة السورية. قبل الأردن منذ البداية أن يقتصر دوره على المهمة الاستخبارية وإدارة العمليات الأمنية داخل الأراضي السورية، وقيل بأن عملية اغتيال القيادات العسكرية والأمنية (آصفت شوكت، حسن تركماني، هشام بختيار) فيما نجا وزير الداخلية محمد الشعّار، تم التخطيط لها في عمّان من قبل خلية استخبارية مسؤولة عن (الملف السوري) مؤلفة من ضباط استخبارات أميركيين واسرائيليين وبريطانيين وأتراك وسعوديين وأردنيين..
تحوّلت السفارات الأميركية والبريطانية والاسرائيلية والسعودية في عمّان الى ما يشبه خلايا استخبارية حيث تضاعف عدد العاملين في هذه السفارات وفي الغالب ينتمون الى الأجهزة الأمنية والاستخبارية في بلدانهم، وقد باتت أجهزة الاستخبارات الروسية والصينية على معرفة تامة بطبيعة التحرّكات الاستخبارية واللوجستية التي تقوم بها تلك السفارات، وقد أوصلت معلومات دقيقة الى القيادة السورية من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لاحباط الهجمات التي تقع في المناطق الجنوبية الشرقية من سورية..
منذ اندلاع المظاهرات في محافظة درعا، كانت الاردن مرشّحة لأن تلعب دوراً استراتيجياً في تسهيل مهمة تسلل المقاتلين والعتاد الى المحافظة، وتفاعل المسؤولون الاردنيون مع الاحداث بطريقة لافتة واستفزازية بالنسبة للجانب السوري، الى حد كان من الصعب على أحد تصديق أن الاردن سوف ينأى بنفسه عن تداعيات التظاهرات، فيما كانت تتهيأ محافظات أردنية محاذية لأحداث مماثلة..
كانت السعودية ودول خليجية في مجلس التعاون على استعداد لأن تقدّم مساعدات مالية للجانب الاردني لشراء السخط الشعبي عبر هبات ودعم أسعار الوقود ومواد تموين رئيسية، وقد فعلت ذلك فتراجعت وتيرة الاحتجاجات، على الأقل لفترة من الوقت، أي منذ مارس 2011 بعد مظاهرات حاشدة في نهاية فبراير من العام نفسه..
كانت الاردن مرشّحة على الدوام لأن تشهد احتجاجات، ولكن التقديرات كانت تجمع على أنها سوف تقتصر على مطالب معيشية وخدمية ولن ترقى الى مستوى تغيير النظام أو إسقاطه، دع عنك المساس بذات الملك، الذي بقي الى ما قبل الاحتجاجات الأخيرة، أو (هبّة الكرامة) كما اصطلح عليها خارج أي تجاذب سياسي..
ماهو جديد في الملف الأردني له صلة بما تطلبه أنظمة خليجية من القيادة الأردنية بخصوص الأزمة السورية.. فهناك من يريد من عمّان أن تقدّم أكثر من مجرد تعاون أمني واستخباري، وأن تتحوّل، كما تركيا، الى لاعب فاعل ورئيسي في الصراع على سورية، وهو ما ترفضه القيادة الأردنية لإدراكها بأن تداعيات الإنخراط الواسع في الحرب الأهلية الداخلية في سورية سوف يؤول الى اتساع رقعة الحرب وانتقالها حكماً الى الأردن.

العقاب الإقتصادي السعودي للأردن أجّج حراك الشارع
دول الخليج خيّرت عمّان بين: الانخراط الكامل والشامل في الحرب على سورية أو الحرمان من المساعدات الاقتصادية الموعودة. فكانت الهبّة الأخيرة بمثابة رسالة خليجية الى النظام الأردن مفادها أن العزوف عن المشاركة في مشروع اسقاط النظام السوري بحسب الشروط الخليجية، يعني بلوغ الاحتجاجات الى رأس النظام الأردني، وإسقاط المحرّمات التي كانت حتى وقت قريب مصونة بفعل المال الخليجي.
لم يكن لدى القيادة الأردنية خيارات عديدة حيال هذا الضغط المتراكم عليها من قبل حكومات الخليج، ومن المستحيل بطبيعة الحال أن يبدّل النظام الأردني تحالفاته. وسط هذا التجاذب الأردني الخليجي، قدّمت إيران عرّضاً ربما كان لصالح الأردن في كل الاحوال سواء قبل العرض أو رفضه، فالعرض يقوم على تزويده بالنفط مجاناً، وقال السفير الايراني في عمان مصطفى زاده بأن العرض هو لتجاوز الازمة الاقتصادية التي يمر بها الأردن و (يقضي بتزويد الاردن بالنفط والطاقة لمدة 30 عام مجانا مقابل تبادل الزيارات الدينية بين عمان وطهران). وشدّد زادة في مقابلة مع قناة أردنية محلية (ان عدونا واحد والكل يعرف بذلك وكان ولا يزال يحاول تفرقة المسلمين كي يتسيدوا ويسيطروا على المنطقة). ولفت زادة الى وجود اتفاقيات تجارية بين البلدين ولكنّها غير مفعّلة. مسؤولون في الحكومة الأردنية دعوا الى دراسة عرض السفير الإيراني بشكل جدي، فيما جرى توظيفها من قبل القيادة الأردنية للضغط على الحكومات الخليجية من أجل الوفاء بوعودهم.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت الأردن مؤّخراً طالبت الحكومة الاردنية بتخفيض سعر الدينار كخيار إجباري للإصلاح النقدي والاقتصادي، ما أثار فزع مدراء البنوك وكبار المسؤولين في الحكومة الأردنية لأن ذلك يعني بداية مرحلة جديدة يفقد فيها الدينار قوته الشرائية والاستعداد لتضخم الأسعار. البعثة التي اجتمعت مع الطاقم المالي الأردني بهدف إنقاذ الموقف كانت قد حذّرت وزير المالية سليمان الحافظ بأن الخزينة الأردنية لن تحصل على مساعدات دولية بعد الآن الا من خلا ضوء أخضر من صندوق النقد الدولي. حاول الطاقم المالي الأردني تفادي خيار تخفيض قيمة الدينار مع تقديم ضمانات تتصل جميعها بمساعدات مالية سعودية. ولكن المفاجأة أن مسؤولة الصندوق والبعثة الدولية سألت بصورة قاطعة وحاسمة: لا يكفي مجرد الوعود، هل بإمكانكم تزويدنا بتعهد خطي من السعودية ينص على أن المال في طريقه اليكم؟
احتار الفريق المالي الاردني المؤلف من وزير المالي والبنك المركزي الاردني ووزير التخطيط في تقديم اجابات حاسمة، وخصوصاً فيما يتعلق بوعود السعودية التي لم تدخل حيز التنفيذ. ما جرى بعد ذلك لم يكن واضحاً، فقد تخلّص الفريق المالي الأردني من ضغط صندوق النقد الدولي بطريقة غير مفهومة، واكتفى الطرفان بالإتفاق على مسارات طوارىء مؤقّتة تلتزم الحكومة الاردنية بالسير فيها ريثما تحسم خياراتها، المتعلّقة حكماً بالمساعدات المالية الخليجية وعلى رأسها السعودية.
كان أول تطوّر لافت بعد ذلك هو تغيير الحكومة الاردنية، وهو الإجراء التقليدي المتبّع في الاردن كلما شهد الأخيرة أزمة سياسية أو اقتصادية، وجاء على رأسها عبد الله النسور وهو رجل بيروقراطي وصديق للأميركيين مع بقاء الطاقم الاقتصادي نفسه. ظهر النسور على شاشة التلفزيون وأعلن في خطاب صادم خيّر فيه الشعب الأردني بين: خفض سعر الدينار أو رفع الأسعار.
على أية حال، لم يلبث أن حسم النسور الخيارات، حيث انتهى الى ارتفاع الاسعار فاندلعت الاحتجاجات في المدن الأردنية طالت الملك نفسه، فيما كان صنّاع القرار الأردني يتبادلون الحديث عن الأزمة الداخلية الحادة بسبب المساعدات السعودية التي لم تصل ولم تقدّم فيها الحكومة السعودية أي تعهد من أي نوع.
النسور تحدّث الى مقربين منه بأن لديه أساليبه الخاصة في مداواة التطنيش الخليجي والسعودي، وبالرغم من مخاوف المسؤولين الأردنيين من (أساليب) النسور، إلا انه ليس هناك من لديه بدائل ولذلك ترك حتى يكمل خطّته في استدراج أو بالاحرى استفزاز الخليجيين كيما يسارعوا الى الوفاء بوعودهم بدعم الاقتصاد الأردني.
ماذا فعل النسور؟ قام باستدعاء ثمانية مراسلين لوسائل إعلام أجنبية وعقد مؤتمراً صحافياً مغلقاً وأطلق تحذيراً خارج نطاق الخطاب الرسمي الأردني مع الخليج وقال: لولا الدور الاردني في حماية حدود الخليج لأنفق الاشقاء نصف ثروتهم في شراء منظومة صواريخ تحميهم.
تقول مصادر أردنية بأن جهود وزير الاتصال الاردني سميح المعايطة بمحاصرة تصريح النسور هذا وتذكير المراسلين الاجانب بأن ذلك ليس للنشر، وكانت للتسريب على شكل رسالة تبيّن لاحقاً في تقييمات النسور أنها لم تحقق أغراضه، فمنع وزير خارجيته المعترض ناصر جودة من اصحطاب وفد كبير معه لدولة الإمارات.
بعد يومين من المؤتمر الصحافي، قام النسور بتوجيه رسالة ثانية وأطلق تصريحاً آخر شرح فيه كيف أن الأردن يحمي حدود الخليج من عبور ثلاثة أخطار هي اسرائيل والسلفيون والمخدرات..وهنا بدا واضحاً من تصريحات النسور بأن ثمة مطلباً أردنياً عاجلاً لدول الخليج ولابد من الاستجابة له، ولفت الى الاردن (متضايق) الى أبعد حدود، وثم صدر تصريح ثالث للنسور وهو الأكثر وضوحاً حين قال بأن: الازمة المالية التي نعيشها حاليا لم تمرعلينا منذ اكثر من خمسين عاما.
ردود فعل الخليج حيال تصريحات رئيس الوزراء الأردني كانت فاترة وربما باردة، وهناك من رفض اسلوب النسور في استدرار عطف الخليجيين، ومن بينهم وزير الخارجية ناصر جوده ورئيس مجلس الاعيان طاهر المصري لكن المؤسسة سمحت للرجل بالتصعيد قليلاً في هذه اللغة بدلاً من غرق البلاد في الاتجاهين معاً وهما رفع الاسعار وانخفاض سعر الدينار ايضاً.
ولكن في المقابل بدأت تصريحات النسور تأتي أكلها، حيث أبلغ الملك نخبة من السياسيين التقاهم في منزل رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي بأنه يأمل بأن تكون المساعدات في الطريق. كما لمس الفريق الاقتصادي الذي يعمل مع النسور باهتمام اماراتي كويتي بحريني بالمساعدة والضغط على السعودية وقطر، ومنها تخفيف القيود المفروضة على مشاريع اقتصادية اردنية.
ويمكن القول بأن التطوّرات تسارعت بعد تصريحات السفير الايراني حول تقديم نفط مجاني للأردني، بدأت بإعلان الحكومة العراقية عن هبة عبارة عن مئة ألف برميل من النفط مجاناً لمرة واحدة. ما لفت في التطوّرات هو حديث رئيس الوزراء الأردني النسور في 29 نوفمبر الماضي عن تقديم السعودية 3 مليارات ريال (787 مليون دولار) لدعم مشاريع التنمية في المملكة الأردنية..وقال النسور بأن السعودية (قامت مشكورة بتنفيذ الجزء الاول من التزامها لدعم المشاريع التنموية، حيث بلغت قيمة المشاريع التي تم اعتمادها والاتفاق عليها ـ حتى 28 نوفمبر ـ 487 مليون دولار). وأضاف إنه (سيتم اعتماد عدد آخر من المشاريع بقيمة 300 مليون دولار اخرى قبل نهاية هذا العام). وتحدّث النسور عن تفاصيل الهبة وموارد صرفها ولكن بقدر كبير من الغموض حول مواعيد تسلّم الدفعات. وتحدّث عن استمرار الاتصالات مع الكويت والامارات وقطر حول دعم مشاريع اقتصادية في الأردن..نشير الى أن الموازنة الاردنية تعاني من عجز كبير بلغ بحسب الارقام الرسمية 7.7 مليار دولار فيما يعتمد الاردن في معظم حاجاته النفطية على الدعم الخارجي وكذلك اقتصاده القائم على المساعدات.
ما يلفت أن تصريحات النسور الأولى وبشائره أيضاً لم تؤخذ على محمل الجد، وأن الاهتمام الذي حظيت به بالاردن من قبل دول الخليج ليس لأن هناك التزامات أو وعود يراد الوفاء بها، ولكن ثمة من يتحدث عن أن الاردن قد يكون قبل بالانخراط في الأزمة السورية بشكل أكبر ولكن مع تعديل على الخطة السابقة، فقد وضع النظام الأردني في مهب الريح بعد (هبّة الكرامة)، فإما ان يستجيب لشروط السعودية وقطرفي الحرب في سورية أو يدفع ثمناً باهظاً قد يصل الى قطف رأسه.

nad-ali 12-01-2013 09:21 PM

http://www.neworientnews.com/news/images/non_02.jpg

إنذار إقليمي كبير يحرك اتصالات لاستباق قمة بوتين أوباما

http://www.neworientnews.com/news/fi...111-141643.jpg

ذكرت مصادر إقليمية فاعلة أن إنذارا بعمل ردعي واسع النطاق على مساحة المنطقة يوضع في اعتبار الدوائر الغربية و أسلوب تعاملها مع الأحداث في سورية و العراق.

الجهات الغربية تبلغت الإنذار قبل أسابيع قليلة و شرعت بعده تظهر تدابير استثنائية في منطقة الخليج و خصوصا في كل من دبي و الدوحة و الرياض و كذلك في تل أبيب و تفيد المعلومات الدبلوماسية الخاصة أن مصدر الإنذار أكثر من عاصمة في المنطقة و خارجها و قد تحركت بعده اتصالات مكثفة بين واشنطن و حلفائها تحت عنوان التحضير لجدول أعمال اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي و الأميركي فلاديمير بوتين و باراك أوباما الذي يعتبر محطة فاصلة في إقرار المعادلات الجديدة عالميا و حيث تحتل منطقة الشرق العربي و الإسلامي مكانة رئيسية في الحسابات الدولية الجديدة سياسيا و اقتصاديا في ظل التقارير المتعلقة بمكتشفات النفط و الغاز الوفيرة.

nad-ali 28-01-2013 10:33 PM

http://www.alhejazi.net/common/banner.jpg

2013.. عام التغيير في السعودية؟

http://www.alhejazi.net/images/123_3_0.jpg

http://www.alhejazi.net/images/123_4_0.jpg

لعبة الدومينو لم تصل الى نهايتها بعد في الشرق الأوسط، فلا تزال هناك مناطق مرشّحة لأن تشهد تحوّلات كبرى، وأن رياح التغيير منذ انطلقت من الغرب هي في طريقها الى الشرق، وقد وصلت الى المناطق التي كان يعتقد حكّامها بأنها محصّنة وبمنأى عن التغيير..لقد بات حديث التغيير محسوماً الآن في المملكة السعودية، ولم يعد الأمر فرضياً، ولا تكهناً، فهذا الربيع يزحف تدريجاً، ويحاول حكّامها احتواءه، استيعابه، الالتفاف عليه عبر مبادرات عبثية، كتشكيل مجلس شورى جديد يضم 30 إمرأة، من أجل كسب تأييد الغرب..مصيبة العائلة المالكة أنها باتت عاجزة عن هضم الحقائق الجديدة، وأبرزها أن الناس لم تعد تنتظر دعماً غربياً أو تكترث لموقف الغرب سلباً أم إيجاباً، ولا للتغطية الاعلامية شبه الغائبة عن وقائع التحول الداخلي العميق والسريع، ولا التهويل الامني الذي يزداد شراسة الى حد اعتقال النساء والاطفال، ولا تدابير كثيرة كان النظام يلجأ اليها حين يريد قمع الحركة المطلبية..
لقد فرض ربيع الثورة نفسه في مملكة الاستبداد حتى على الأمراء أنفسهم الذين راحوا يتحدثون عنه تارة بعنوان التمجيد حتى قال خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، بأن الربيع بدأ في المملكة قبل 82 عاماً، موهماً جمهوره بأن المملكة سبّاقة في التغيير والاصلاح ولكن ليس وفق شروط الربيع الثوري الديمقراطي، ولذلك لم يلبث أن شنّ هجوماً على الربيع الحالي في نسخته الحالي وكتب فيه قصيدة بعنوان (هبوب) اشتملت على هجاء للربيع العربي، واعتبر ان ما يجري هو لخدمة الدولة الصهيونية وتحقيقاً لفكرة الفوضى الخلاّقة..
على أية حال، فإن قصيدة خالد الفيصل لم تلامس الاستبداد السياسي في مملكة ال سعود، والذي يتطلب تغييراً شاملاً وجوهرياً، وإن تحميل الآخر، مسؤولية مايجري ليس سوى المحاولة المكرورة واليائسة للهروب..وقد سبقه أخوه الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة الأسبق والسفير السابق في لندن وواشنطن، الذي نفى وجود ربيع عربي، وقال بأن من السابق لأوانه الحكم على ما يجري في الشرق الأوسط بأنه ربيع (فقد يكون صيفاً أو شتاءً أو زمهريراً).
ومهما كانت التوصيفات لما يجري، فإن مملكة آل سعود تواجه حركة مطلبية شعبية متصاعدة، لايمكن إيقافها، بل تفيد المؤشرات بأن ما تشهده هذه البقعة شديدة الحساسية والحيوية بالنسبة للإقتصاد العالمي ينذر بتحولات غير قابلة للسيطرة في حال تمسّكت العائلة المالكة بموقف التجاهل لمطالب الشعب التي باتت قنوات التواصل الاجتماعي (تويتر) و(فيسبوك) الأكفأ في نقلها بأمانة فائقة.
الصحف السعودية هي الأخرى لم تعد قادرة على تجاهل ما يجري، بحيث بات طيف من الكتّاب المحليين ينخرطون في نقاشات جدية وواسعة حول موضوعات ذات مصلة بمطالب الناس وهمومهم اليومية الاقتصادية والسياسية..فقضايا مثل الحريات والانتخابات والمشاركة السياسية وحقوق المرأة، وتدخّل رجال الدين والمطاوعة في خصوصيات المواطنين، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وشرعية السلطة، باتت عناوين حاضرة في الكتابات الصحفية اليومية..

nad-ali 29-01-2013 10:58 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar-re.jpg

الجزء الأول:
البحرين: التقرير الاستيراتيجي 2013

يقدم مركز البحرين للدراسات في لندن في هذا الإصدار: البحرين.. التقرير الاستيراتيجي 2013، قراءة تحليلية معمقة لصورة جانبية من الحالة البحرينية في العام 2012، وآفاقها في العامين 2013 و 2014.

وينشر المركز التقرير بنسخة عربية، وأخرى إنجليزية تضم أغلب عناصر التقرير.

التقرير ليس إرشيفا، ولا يحيط بكامل المشهد، وإلا كان حجمه مضاعفا لمرات، وإنما ينتقي معطيات ومفاصل، ويقاربها حدثا وتحليلا وأفقا.

وإجمالا، يحاول التقرير الإجابة على جملة من الأسئلة تتعلق بواقع الحال واستشراف الآتي، ومن بينها: من هم الفاعلون في المشهد؟ ما هي مواقعهم ؟ ما أبرز خطواتهم أو افعالهم خلال العام المنصرم؟ ما نوع السياسيات التي يسلكها الفاعلون؟ هل هي سياسات واضحة أو غير متوقعة أم أنها سياسات ثابتة ضئلية التغيير؟ إلى اي حد يمكن لهذه السياسات أن تواجه منافسين أو مخاطر عملية؟ ما هي المبادرات التي قدمها الفاعلون في سياق عملهم؟ هل أثمرت السياسات المتبعة عن نتائج ما؟ ما هي؟ ما أهم الإشكاليات والتحديات التي تواجه الفاعلين؟ وما هو أفق المستقبل القريب والمستقبل البعيد لهذه السياسات والنتائج؟

يحتوي التقرير على سبع أوراق موزعة على خمسة فصول، ساهم فيها خمسة من الباحثين المعروفين بكتابتهم الموضوعية والمعمقة.

في الفصل الأول، يكتب الباحث البحريني عباس المرشد عن القوى السياسية، معتبرا أن "سيطرة صيغة الانقسام بين أطراف المعارضة، أثر سلبا على إنجاز التحول الديمقراطي، إذ تولدت حالة من الشرعية المنقوصة لدى أطراف المعارضة والمولاة، بما أفقدها صفة الشمول والاستيعاب لكافة مكونات المجتمع. ونتيجة لهذا الوضع المنقسم، توفرت مساحة فراغ بمقدور النظام الهروب إليه كلما ضاق عليه أفق الحلول والتسويات، بل إن بقاء الانقسام السياسي أيا كانت مسبباته أعطى النظام فرصة لأن يسوق نفسه على أنه متعالٍ على الخلافات والانقسامات السياسية”.

وفي مقاربته للحراك الميداني، يلاحظ المرشد أن "التظاهر في العاصمة كان ولا يزال بمثابة خط التماس بين المعارضة والنظام، وأن الأكثر نفوذا وهيمنة هو من يحكم سيطرته على العاصمة، ما يجعل من سياسات النظام تتشدد بطريقة متطرفة في حصارها للفعاليات الاحتجاجية التي تقام في المنامة، وفي الوقت نفسه فإن هذا الوضع الاستراتيجي يجعل من فعاليات المعارضة خارج محيط العاصمة بمثابة الوضع المسموح به ضمن حدود اللعبة السياسية، ومع ذلك فإن بعض تلك الفعاليات تصيب النظام بأكثر من حالة هسيترية يفقد معها قواعد الاشتباك السياسي.

في الفصل الثاني: مشكلات مزمنة، يكتب الباحث البحريني نادر المتروك عن أزمة الإعلام الذي يعيش خصاما على الحقيقة، ويقرر أن “المواد الإعلاميّة أصبحت مرجعاً لمقاربة الأوضاع العامة التي عاشتها البلاد تباعاً منذ تفجّر الانتفاضة. وقد عمل الإعلام الرّسمي على ترسيخ الصّورة النّمطيّة المعهودة، فقدّم دوراً "رسميّاً" خالصاً، ونأى عن إعطاء المساحات المرضيّة للآراء الأخرى. وتحوّل الجهاز الإعلامي الحكومي إلى أداة "مؤثرة" في تشجيع قمع الاحتجاجات السّياسيّة القائمة”.

ويعتقد المتروك أن "توزُّع العمل الإعلامي بين الأهالي والإعلاميين المجهولين؛ نقطة قوّة أمّنت استمراريّة الإعلام المُعارض وحماه من الاستهداف القاتل. إلاّ أنّ تشتّت الجهود، وغياب التّنسيق الإستراتيجي، ضيّع على الإعلام المعارض الفرص المناسبة لتحقيق الأهداف الإعلاميّة في الأوقات المناسبة".

وفي مسألة الإسكان، يرى المتروك أن “الصّراعُ الحاد بشأن أزمة الإسكان يتداخل على أهم محورين في المناجزة السيّاسيّة القائمة في البحرين اليوم. الأوّل، محور الأرض، والثّاني محور السّكان. وقد عمِد نظام الحكم إلى السّيطرة على منافذ القوّة على الأرض، فتحكّم في حدود الانتشار، وطريق التملّك. من جانبٍ آخر، اشتغل الحكم على الطبيعية السّكانيّة، وأنشأ فئات مختلطة من السّكان، وهو ما يوفّر حجماً مؤثراً في التأثير على إدارة أزمة الإسكان من جهة، والحيلولة دون الانتقال إلى الاستحقاقات المعيشيّة الأكبر من جهةٍ أخرى".

وفي البعد الاقتصادي (الفصل الثالث)، يتساءل النائب البحريني السابق والمحلل الاقتصادي الدكتور جاسم حسين عما إذا كان المارشال الخليجي "سيكون بديلا عن الإصلاح السياسي والاقتصادي، بسبب وجود رغبة للاستفادة من الأموال الخليجية لمعالجة بعض الملفات الساخنة غير السياسية، خصوصا تلك المتعلقة بتوفير مستوى من الرفاهية للمواطنين. بمعنى آخر يخشى أن يكون المارشال الخليجي بديلا عن تنفيذ إصلاحات ديمقراطية جوهرية. ومرد ذلك استغلال حاجة البعض للحصول على مسكن لائق، ووظيفة توفر العيش الكريم له ولأفراد أسرته، لكن على حساب المطالبات الديمقراطية".

وفي موضوع المديونية العامة، يلاحظ جاسم حسين "تكرار ظاهرة رفع سقف الدين العام المسموح به بصورة مستمرة في غضون عدة سنوات فقط من مليار دينار إلى مليارين ومن ثم إلى 3.5 مليار دينار في العام 2011، فيما حجم السقف الجديد للدين في العام 2012 فيبلغ 5 مليار دينار".

ويعتقد حسين أنه "في ظل غياب مؤسسات دستورية قادرة على لجم شهية القطاع العام للصرف يخشى بخروج المديونية العامة عن نطاق السيطرة مع كل سلبيات ذلك على الحالة الاقتصادية للبلاد ومعيشة ومستقبل الناس".

ويعالج الباحث السعودي الدكتور حمزة الحسن، في الفصل الرابع، الموقف الخليجي والعربي من أزمة البحرين، ويسجل أن "مواقف الدول العربية عامة والإقليمية كتركيا وإيران اتسمت بطابع الجمود طيلة العام 2012، ولربما كان هذا سبباً أساسياً في الجمود السياسي الذي تشهده القضية البحرينية. فبالرغم من انقسام الموقف تجاه الثورة البحرينية، فإن تحولاً في السياسات والمواقف لم يحدث. ولم يسجل للدول العربية والخليجية والإقليمية أية مبادرة جادّة للتوصل إلى حلّ سياسي بين النظام البحريني والمعارضة، ما ينبئ عن حقيقة أن الموضوع البحريني بالنسبة لأغلبية هذه الدول إما مؤجلا وتسبقه في الأهمية ملفات أخرى اكثر أهمية وحساسية (كالملف السوري)؛ أو أنه موضوع يتعمّد لاعبون أساسيون تجاهله أملاً في موت الثورة البحرينية ببطء أو بسبب الإهمال، أو على أمل أن يؤدي الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط الى بروز ظرف مناسب يساهم في تقليص حجم التنازل من قبل نظام الحكم في البحرين للمعارضة".

ويستشرف الصحافي البحريني عباس بوصفوان السنياريوهات المحتملة للتسوية في 2014 في الفصل الخامس من التقرير، على النحو التالي: 1. سيناريو إزاحة الملك يصطدم بتشتت المعارضة وضعف ولي العهد، 2. اعتبار المعارضة وزير الديوان ملكا يواري خيار إزاحته ويزيد من فرص الإطاحة برئيس الوزراء، 3. فرص التوافق الدستوري منعدمة مادام الملك يرى المس بالدستور مسا بشخصه، 4. سيناريو الإصلاح الحكومي من طرف واحد المكلف من دون مردود، 5. سيناريو إنجاز "أسلو" بحريني جديد الذي قد يقصم ظهر الحراك الشعبي ويؤثر سلبا على جمعية "الوفاق".

ويرى بوصفوان أن الوصول إلى تسوية ما أمراً وارداً، بالنظر إلى حدوث ذلك في 1923، 1973، و2001، والمشاركة في انتخابات 2006 و2010، مرجحا أن تكون التسوية هشة أو مؤقتة (أوسلو بحريني جديد)، عوضا عن توافق مجمع عليه وطنيا. بمعنى أنه يصعب أن تكون التسوية المرتقبة دائمة/ تاريخية، وفرص أن لا يتم الوصول إلى تسوية أقرب من الوصول إلى تسوية تاريخية. ولا يساعد ذلك إلا على القول بأن الأرض البحرينية ستظل مسرحا للتوتر لن يحل إلا بتسوية "رصينة" وتاريخية وتقوم على التوافق الوطني.

يتبع...

nad-ali 29-01-2013 10:59 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

الجزء الثاني:

الفصل الأول: البعد السياسي والميداني.. أزمة الولاء والتوافق الوطني

http://bcsl.org.uk/images/4.jpg

1-القوىالسياسية.. موالاة تائهة.. ومعارضة“حقوقية“

أولا: الموالاة وإشكالية الولاء للدولة

لم يكن من الواضح خلال العام المنصرم قدرة القوى السياسية الموالية للنظام على خلق ولاء سياسي للدولة مقابل الولاء الشخصي للعائلة المالكة، بما خلق لدى القاعدة الشعبية المصنفة مذهبيا (اهل السنة) إشكاليات عميقة حول الانتماء والولاء لم تحسم، فهناك الانتماء الخليجي -وبالأخص السعودي- مقابل الانتماء للدولة بحدودها المعروفة، وهناك الانتماء الوطني مقابل الانتماء الديني/المذهبي، وهناك الولاء للنظام السياسي مقابل الولاء للوطن.

لقد حاولت هذه القوى استعادة موقعها السياسي والبحث لها عن مكانة داخل المسار السياسي البحريني وطرحت وثيقة الفاتح كنوع من المسايرة لوثيقة المنامة، التي قدمت فيها المعارضة رؤيتها للبحرين الديمقراطية. إلا أن وثيقة الفاتح لم تجد صدى لا داخل هذه القوى ولا عند النظام أو الأطراف المعنية بالأزمة السياسية في البحرين، ما يعد فشلا في تحقيق وظيفتها السياسية وتحولها لعناصر مذخرة يبقيها النظام وقت ما يحتاجها في صراعه مع القوى المعارضة أو في مباحثاته مع الأطراف الدولية والإقليمية.

من ناحية التعبئة الشعبية فقد كشفت الفترة المتأخرة من العام الماضي انحسار قدرة القوى الموالية على الحشد والتعبئة سواء في المواضيع والقضايا التي شكلت عصبية جماهيرتيها أو في البناء الهيكلي لبعض تلك القوى.

وقد صرح الدكتور عبد اللطيف المحمود لإحدى الصحف المحلية عن عجز تجمع الوحدة الوطنية في إقامة تجمعات جماهيرية لنقص الكوادر البشرية وضعف الميزانية الاقتصادية لإقامة مثل هذه التجمعات.

كما أبرزت المؤتمرات السنوية لهذه القوى ومنها تجمع الوحدة الوطنية تضاؤل الحضور وصعوبة تحقيق النصاب القانوني لعقد تلك المؤتمرات، وهو وضع تكرس بعد حالات الخروج والانشقاق على الوحدات الناظمة لهذه القوى كما في حالة جمعية المنبر الإسلامي (إخوان مسلمين)، وجمعية الأصالة (سلفيين)، حيث استقال العديد من أعضائها للدخول في تجمع الوحدة الوطنية وثم انشقوا عن التجمع مؤسسين شباب تجمع الفاتح الذي تلاشت قوته بعد ذلك أيضا.

لقد استفادت هذه القوى الموالية من دعم النظام لها سياسيا واقتصاديا كما استفادت من غياب النظام الديمقراطي الحقيقي وهو ما ترك المجال مفتوحا لأعضاء هذه القوى لأن تنطبق عليهم خصائص قانون الحظوة والاقتراب من مركز السلطة والحصول على المنافع الاجتماعية والمهنية، خصوصا في الوظائف العليا داخل المؤسسات الحكومية وخلق وظائف عليا جديدة لهم. مقابل هذا الصعود ( الشخصي) تعرضت القوى الموالية لهبوط في أدائها السياسي تمثل في عدة مظاهر:

أولا: فقدانها عصبية التجميع الشعبي عبر حشرها بداية في تجمع الوحدة الوطنية ومن ثم تعرض التجمع لخطر التفتت.

ثانيا: انعدام رؤيتها السياسية المستقلة عن رؤية النظام وأجندته وقد عكس تقرير المؤتمر الأول لتجمع الوحدة الوطنية هذا الواقع عبر تفسيره للمسار السياسي الذي اتخدته القوى الموالية منذ 14 فبراير 2011 وأفضى لأن تستخدم هذه القوى من قبل النظام بشكل صريح وعلني.

ثالثا: انسداد فرص تفاعلها الجماهيري دون الحماية والدعم الحكومي لها.

رابعا: انشغالها بمناكفة ومعارضة القوى السياسية المعارضة والمزايدة على النظام في إنزال أشد العقوبات بالقيادات السياسية المعتقلة والطليقة.



ثانيا: الجمعيات المعارضة: طغيان البعد الحقوق

تضم المعارضة الرسمية ثمان جمعيات سياسية تشكل جمعية الوفاق وجمعية العمل الديمقراطي من الناحية السياسية عمودها الفقري. بطبيعة الحال لم تخلق الجمعيات السياسية حراك 14 فبراير وكانت حذرة في تعاطيها مع دعوة يوم الغضب باستثناء جمعية العمل الديمقراطي التي كان لها موقف مؤيد بشكل علني وواضح لتلك الدعوة، إلا هذه الجمعيات انخرطت في الحراك بعد اشتداده وسخرت كافة كوادرها للانخراط في فعاليات الثورة ولكن على طيقتها الخاصة.

يقوم مشروع الجمعيات السياسية على مبدأ الإصلاح الديمقراطي الجذري وهي تعني بذلك المطالبة بالانتقال من الملكية الدستورية المطلقة إلى الملكية الدستورية المقيدة حيث يمكن تداول السلطة وانتخاب الحكومة بدل تعينها من قبل الملك.

اعتمدت الجمعيات السياسية استراتيجية سلمية الحراك الميداني، وإدانة العنف مهما كان مصدره كأفضل الخيارات المتاحة في ظل تعقيد الوضع الداخلي وشراسة الأجهزة الأمنية وقوتها المتعاظمة.

مع الإعلان عن تشكيل لجنة تقصى الحقائق المستقلة وتحت ضغوط بعض السفارات الكبرى وافقت الجمعيات السياسية على الدخول في جلسات حوار التوافق الوطني، إلا أن جمعية الوفاق انسحبت في الأيام الأولى رافضة مخرجات الحوار، وكذا رفضته الجمعيات السياسية المعارضة، بما في ذلك المنبر التقدمي.

رغم وجود خلافات عديدة بين الجمعيات السياسية المعارضة في المنحى الايديولوجي، وخلافات أعمق في صيغ المعالجة السياسية كالاختلاف في شكل الحكومة المنتخبة والاحتماء بالمرجعيات الدينية؛ إلا انها استطاعت أن تؤصل خلافاتها السياسية في وثيقة سياسية سميت "بوثيقة المنامة" كإطار سياسي يجمع القوى السياسية المعارضة. وقد دعت الجمعيات السياسية الموقعة على وثيقة المنامة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية للتوقيع على الوثيقة إلا ان الاستجابة لم تكن بالمستوى المتوقع.

مع ذلك فقد تجاهل النظام والقوى الموالية وثيقة المنامة معتبرين أنها رؤية سياسية خاصة لقوى المعارضة، وليست أرضية حوار وطني الذي يجب أن يبدأ دون شروط ودون متطلبات سياسية. تطور الموقف السياسي للحوار لدى الجمعيات السياسية المعارضة بتطور المعطيات السياسية المتغيرة، وتناغم خطابها مع خطابات الحوار بلا شروط، بعد أن كانت تسوق للمبادئ السبعة لولي العهد ووثيقة المنامة وتقرير اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق، ولم تلق هذه التحولات قبولا لدى أطراف الحكم بل إن النظام مارس هجمات أمنية وتسعفا في التضييق على عمل الجمعيات السياسية المعارضة لدفعها للجلوس على طاولة حوار شكلي ودون جدول أعمال زمني أو أرضية واضحة.

وقد استغل النظام حاجة الدول الكبرى كالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا إلى إنهاء ملف القضية البحرينية، والتفرغ لملف إيران النووي والقضية السورية، من أجل ممارسة ضغوط أكبر على قوى المعارضة لقبول تسويات سياسية لا تصل لحد انتخاب الحكومة وتأجيل ذلك لمرحلة قادمة. وكان من الطبيعي أن تسقط مثل هذه التسويات نظرا لعدم توافر مكافئ لها لدى شارع المعارضة ونظرا لدرجتها المتدنية مقارنة مع السقف الادني من المطالب الديمقراطية.

ما يجدر ذكره أن المعارضة الرسمية ظلت تؤكد تمسكها بالحوار غير المشروط، ورفضها للعنف كوسيلة من وسائل الضغط السياسي، وقد أدى تأكيدها على ما يسميه البعض السلمية إلى تعرضها لبعض النقد الاجتماعي خصوصا فيما يتعلق بإدانتها لأعمال احتجاجية مضادة لعنف السلطة والأجهزة الأمنية واحتوائها فتوى اسحقوه الصادر من المرجع الشيخ آية الله عيسى قاسم.

لقد ظلت قوى المعارضة الرسمية ثابتة في مواقعها السياسية ولم تلجأ للتصعيد السياسي. وقد أدى إلى تحويل قضية المطالبة بالديمقراطية إلى قضية حقوقية تؤكد على أحقيتها تقارير اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق وتقرير مجلس حقوق الإنسان في جنيف وغيرها من التقارير الحقوقية، وبالتالي فإن الجمعيات السياسية المعارضة لم تفلح تماما في جعل القضية السياسية على قائمة الموضوعات والأولويات الخاصة بقضية البحرين.



ثالثا: إئتلاف شباب 14 فبراير : المطرقة الثقيلة

خارج إطر النظام السياسي السلطوي وخارج القوى السياسية الرسمية تقف القوى السياسية المعارضة والمطالبة بإسقاط النظام وحق تقرير المصير بدلا من الإصلاح السياسي والمملكة الدستورية.

ويعتبر إئتلاف شباب 14 فبراير كأبرز هذه القوى حيث يقود عمليات مواجهات ميدانية بشكل يومي، وبات يتملك قوة بشرية موزعة جغرافياً على العديد من مناطق البحرين بما فيها جزيرة المحرق، يؤمن لإتئلاف تعدد في القيادات الميدانية، كما يعتمد على تنسيق بين المنضوين في الحركة والمتعاطفين معه في القرى والمدن، سواء من حيث الشعارات التي يتم رفعها، أو من حيث نوع تكتيكات المواجهة مع قوات الأمن.

من الناحية السياسية يرى الإئتلاف أن النظام القائم فقد شرعيته منذ 17 مارس 2011، ولم يعد هناك فسحة لأن تكون هناك جولة تصالح أو حوار مع النظام ورموزه، وبالتالي فإن الاستمرار في المواجهة والتصعيد الميداني والسياسي هي الوسائل والآليات التي يهتم بها الإئتلاف في حركيته ونضاله اليومي. منذ يوليو 2011 طرح الإئتلاف شعار تقرير المصير كشعار سياسي قد يعتبر جسرا بين أطياف المعارضة المنقسمة حول المطالب الكلية بين مملكة دستورية وما بين جمهورية شعبية، رغم أن للإئتلاف رؤية سياسية ضمنها في وثيقة ثورة اللؤلؤة تقوم على فكرة إسقاط النظام كأساس لأي حل سياسي منصف. ونظرا لطبيعة عمله الميداني فقد نفذ الإئتلاف العديد من الفعاليات عنونها بعنوان مساندة ومؤيدة للقيادات السياسية المسجونة أو لقضايا سياسية محل إجماع كافة القوى السياسية المعارضة. وهو بذلك يؤطر عمله بما يشبه المطرقة التي يجب عليها تكسير أروقة النظام وتفكيك سلطويته. من جانبه ظل النظام يتجاهل وجود الإئتلاف ويحمل تبعاته على عاتق جمعية الوفاق ومرجعيتها الدينية، وهذا يتأكد من خلو لوائح الإتهام التي قدمت للنيابة العامة والتي يتجاوز عددها الخمسة آلاف صحيفة اتهام من تهمة الانضمام لإئتلاف 14 فبراير واستبدالها بتهم خلايا صغيرة منفصلة ووجهت إليهم تهم التفجيرات أو استهداف دورايات الأجهزة الأمنية أو قطع الطرق.



رابعا: التوافق الوطني مفتاح الحل

سيطرة صيغة الانقسام بين القوى السياسية على أغلب مفاصل المشهد السياسي بما أثر سلبا على إنجاز التحول الديمقراطي المطلوب رغم وجود أرضية صالحة لتحقيق الانتقال، بيد أن الرهان على كسب الجولة بحصيلة صفرية كان سيد مواقف القوى السياسية المعارضة والموالية، وبسبب الانقسام السياسي على أسس طائفية تولدت حالة من الشرعية المنقوصة لدى كل الأطراف بما أفقدها صفة الشمول والاستيعاب لكافة مكونات المجتمع. ونتيجة لهذا الوضع المنقسم والمتصارع بين القوى السياسية، توفرت مساحة فراغ بمقدور النظام الهروب إليه كلما ضاقت عليه أفق الحلول والتسويات، بل إن بقاء الانقسام السياسي أيا كانت مسبباته أعطى النظام فرصة لأن يسوق نفسه على أنه متعالي على الخلافات والانقسامات السياسية، وأنه بصدد الانتظار لحين وصول القوى السياسية لتفاهمات متفق عليها وبتعبير اللغة الرسمية، فإن تحقيق الاجماع أو التوافق الوطني على جملة المطالب السياسية وصيغة الانتقال الديمقراطي هي ورقة ومفتاح الحل للأزمة المتفاقمة منذ 14 فبراير.

.. يتبع

nad-ali 05-02-2013 09:42 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

الجزء الثالث:

2-الحراك الميداني.. تحديات ليست قانونية

http://bcsl.org.uk/images/4.jpg

رغم سيطرة النظام في البحرين على منطقة دوار اللؤلؤة، وهدم نصبه التذكاري وتحويل منطقة محيط الدوار لمنطقة عسكرية مغلقة، وقيام قوات مشتركة من الحرس الوطني ووزارة الداخلية بمنع اقتراب أي مواطن منها، إلا أن الحراك السياسي والحراك الميداني (الثورة الشبابية) التي انطلقت في 14 فبراير 2011 لا يزالان يهمينان على كافة مفاصل المشهد السياسي. هذا الاستمرار المثير للدهشة ساهم في تكوين حركة مراجعات حول مسألة الديمقراطية والتنمية في منطقة الخليج العربي، بعد أن انكشفت حقيقة التنمية النفطية، وأنها لم تكن سوى تكريس للأوضاع التقليدية والمركزية السياسية والاستئثار بالسلطة. كما شكلت احتجاجات البحرين محورا مهما في صيغة العالم العربي بعد الربيع العربي، فقد كشفت طبيعة الاحتجاجات ومطالبها وردّة الفعل التي قوبلت بها من قبل أنظمة الخليج العربي عن بداية تشكل غطاء حماية للأنظمة السياسية، من قبل الأطراف الدولية الفاعلة في الخليج من جهة وبداية للإنحلال السياسي في الأنظمة الملكية من جهة أخرى.



أولا: التمايزات بين المعارضة

اتسم الحراك الميداني منذ إعلان رفع حالة السلامة الوطنية (الطوارئ)- مطلع يونيو 2011- بالفاعلية والحيوية آخذا بعدا متنوعا في الأشكال الاحتجاجية. فقد باشرت الجمعيات السياسية أنشطتها السياسية بعد تجميدها خلال فترة الطوارئ، في حين كثفت التنظيمات الشبابية ممثلة في إئتلاف 14 فبراير من وتيرة حراكها، مستفيدة من دعم ومساندة الحقوقيين والفاعلين السياسيين في الخارج والداخل.

تنوُع الحراك الميداني أرفد القضية المركزية حيوية متواصلة، وحضوراً واسعاً على الصعيد المحلي، كما اسهم هذا الحراك في إسباغ التعددية على قوى المعارضة وخلق تمايزات فيما بينها، خصوصا في الجزء المتعلق بالتصعيد الميداني والموقف من المواجهات الأمنية المعبر عنه بالعنف والعنف المضاد.

وبصورة عامة فقد اتسم الحراك الميداني خلال هذا العام بصفتين هما الجماهيرية والمواجهة أو ما يعرف بين الاوساط الشعبية بالصمود.

فقد حافظت الجماهير على التواجد بكثافة في جميع فعاليات قوى المعارضة التي حملت عناوين مختلفة، مؤكدة على الاستمرار في الحراك الميداني وعلى المطالب الديمقراطية، ومواجهة السلطة سياسيا وحقوقيا وإعلاميا. ورغم حالات القمع والتصدي العنيف للحراك الميداني السلمي من قبل ألجهاز الأمني المهمين على شكل وجوهر النظام فقد ظلت المسيرات اليومية مستمرة وبفعالية عالية وهو ما أكسبها سمة مدهشة في القدرة على التكييف مع أنماط جديدة من القمع والملاحقات الأمنية



ثانيا: إشكالية الاعتصامات المرخصة



المظهر الذي شكل تطورا لافتاً هو سماح الحكومة باعتصامات مؤقتة للجمعيات السياسية المعارضة (الوفاق وشريكاتها)، في ساحة الحرية بقرية المقشع بداية فبراير 2012 ، حيث نظمت الجمعيات عدة اعتصامات مستمرة لأكثر من ثلاثة أيام ماعدا المبيت في الساحة نفسها، و شارك فيها العديد من النشطاء من بينهم الحقوقي الدولي نبيل رجب عبر مسيرة سلمية قادها إلى مقر الاعتصام وتكرر اختيار الجمعيات السياسية لساحة المقشع مرات عديدة، من بينهم الاعتصام الذي أقيم في في يونيو 2012 تحت عنوان التعذيب جريمة ضد الانسانية.



واجه هذا النوع من الحراك إشكالتين: أحدهما الرهان على قدرة مثل هذه الاعتصامات في خلق أجواء تحشيدية كالتي كانت تعقد في دوار اللؤلؤة بين فبراير ومارس 2011.

والاشكالية الاخرى: افتقاد هذه الاعتصامات تجاوز سلطة المنع والتحكم من قبل وزارة الداخلية؛ التي منعت أكثر من مرة إقامة اعتصامات خاصة للجمعيات السياسية. وإشكاليات قانون التجمعات وهو ما يجعل من الجمعيات السياسية ترتهن في حراكها لقانون ترفضه اساسا، وتحاول الخروج عليه، إلا أنها في النهاية كانت تجبر على الانصياع إليه وتكييف الاعتصام بحسب أوامر وزارة الداخلية. كما حدث في الاعتصام المقرر في يوليو 2012 والتوجه بالاعتصام إلى قرية جبلة حبشي القريبة من قرية المشقع، وآخر كان مقرراً في سبتمر 2012، حيث قامت وزارة الداخلية بمنع الاعتصام واعتقال الكوادر المنظمة لعقده ومن ثم الافراج عنهم لاحقاً.

الجمعيات السياسية بحسب قناعتها ترى بأن الجماهير تريد أن تعتصم وتمارس حقها في التظاهر، ولكنها في الوقت نفسه تبحث عن سياجات أمان في حراكها، وهذا ما يوفره قانون التجمعيات في مواده الإيجابية التي تحاول الجمعيات السياسية استثمارها، لكنها تواجه تحديا حقيقيا في المواد القامعة لحرية التظاهر والتجمع والرغبة الذاتية التي تتيح للأجهزة الأمنية التلاعب في منع وترخيص هذه المسيرات والتجمعات.

فتحت عنوان الأماكن الحساسة رفضت وزارة الداخلية إقامة اعتصام الجمعيات السياسية في خليج توبلي المقرر عقده الأربعاء 9 مايو 2012، تحت شعار "لا عودة إلا بالديمقراطية"، وقد أصدرت الجمعيات بياناً قالت فيه ان قوات الأمن منعت بالقوة تجمعا جماهيريا دعت له قوى المعارضة البحرينية في منطقة خليج توبلي بالعاصمة المنامة، مشيرة إلى أن «قوات الأمن طوقت كل المداخل والمنافذ المؤدية لمنطقة الاعتصام منذ وقت مبكر وكثفت تواجدها الأمني في محيط المنطقة وفي طرقاتها الرئيسية والفرعية لمنع وصول المواطنين»، وتابعت «رغم تقديم الاخطار وتوفر المتطلبات لاقامة الاعتصام في المنطقة فإن الجهات الأمنية قالت ان الاعتصام ممنوع دون أن تبدي أسباباً موضوعية للمنع، ونشرت قواتها في محيط المنطقة.

مع وذلك، فقد شكلت التظاهرات المرخصة فرصة كبيرة، ليس فقط لإبراز استمرار الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية، وإنما أيضا أن حجم هذا الحراك ضخم بمقاييس البحرين حين تسير مظاهرات تفوق حجمها مئة وخمسين ألف متظاهر، إضافة إلى استمرار ادعاء الجمعيات بأن هذه الحشود تؤيد المسار السياسي للجمعيات المعارضة.

وقد جاءت مسيرة 9 مارس 2012 كأبرز حراك ميداني من حيث عدد المشاركين الذين قدر عددهم بأكثر من 200 ألف، ومن حيث مشاركة كافة الأطياف السياسية والاجتماعية المعارضة في رسالة مباشرة على توصيف ملك البحرين بأن المعارضة الحالية هي شرذمة يمكن التعامل معها بكل سهولة وأن مطالبهم لا تلقى تعاطفا وقبولا من الشعب، فجاءت مسيرة 9 مارس لتؤكد على وجود خط متفق عليه يخالف توصيف الملك وأن ما اشار إليه بالشرذمة يمثلون نصف الشعب، وهذا ما جعل من الديوان الملكي يصدر بيانا بعد انتهاء المسيرة يصفها بالعمل الحضاري في محاولة لتمليع صورة النظام الذي فشل في تنظيم مسيرة تأييد من قبل تجمع الوحدة الوطنية في المحرق، حيث لم يتجاوز حضور تلك المسيرة سوى بضع مئات.



ثالثا: العاصمة المحاصرة

ظلت العاصمة عصية على الجمعيات السياسية، ولم تستطيع عبر تفاهماتها مع وزارة الداخلية وممثلي نظام الحكم في الحصول على ترخيص لتنظيم مسيرات جماهيرية فيها، وقد حدثت عدة مواجهات أمنية في أكثر من مرة ( 13 يونيو/ 29 يونيو/19 يوليو 2012) أطلقتها الجمعيات السياسية لتحدي المنع في العاصمة، حيث لم تستطيع الجمعيات من تنظيم مسيراتها في العاصمة بفعل قيام قوات الأجهزة الأمنية بفرض حصار أمني على منطقة المنامة ومنع التوافد عليها ومن ثم ملاحقة التجمعات الصغيرة التي تحاول الانطلاق.

وقد اتسمت الدعوات الثلاث بقلة المشاركين فيها، إلا أن دعوة التظاهر في العاصمة في 7 سبتمبر 2012 وتصدي الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان في التحشيد لها، ونزوله ميدانيا أكسب تلك المسيرة قوة وحيوية.

صنفت المسيرة على أنها من أقوى المسيرات وأكثرها إيلاما للنظام، وذلك من خلال ردة الفعل الحكومية وإيعازها للتجار والجهات الموالية لإصدار بيانات استنكار ورفض للتظاهر في المنامة.

وكان الواضح في حراك الجمعيات السياسية ناحية المنامة أنه خيار تلجأ إليه عند محاصرتها ومنعها من تنظيم مسيراتها المتعادة، وكأنها رسالة للنظام أن المنع والتعسف في قانون التجمعات يقابله تحدي في كسر الهدنة غير المعلنة بخصوص التظاهر في منطقة المنامة وفي الحي التجاري في العاصمة.

إزاء الدعوات القليلة من قبل الجمعيات السياسية للتظاهر في المنامة العاصمة، كان الناشط الحقوقي نبيل رجب يدعو بإستمرار عبر ما أطلق عليه بمسيرات "صمود" إلى التظاهر في المنامة، وكان يقودها بنفسه وقد نظم رجب أكثر من ست مسيرات في شهري فبراير ومارس 2012 في مساء كل خميس، بعنوان مسيرة "صمود" في المنامة، تنتهي بصدامات أمنية ومواجهات بين المتظاهرين وقوات الأجهزة الأمنية.

كما دعا إئتلاف شباب 14 فبراير إلى التظاهر في العاصمة المنامة، مؤكدا على أنها قلب الثورة وخاصرة النظام وكان يشارك في هذه المسيرات المئات من مؤيدي الإئتلاف.

وفي الواقع، فإن التظاهر في العاصمة كان ولا يزال بمثابة خط التماس بين المعارضة والنظام، وأن الأكثر نفوذا وهيمنة هو من يحكم سيطرته على العاصمة، ما يجعل من سياسات النظام تتشدد بطريقة متطرفة في حصارها للفعاليات الاحتجاجية التي تقام في المنامة، وفي الوقت نفسه فإن هذا الوضع الاستراتيجي يجعل من فعاليات المعارضة خارج محيط العاصمة بمثابة الوضع المسموح به ضمن حدود اللعبة السياسية، ومع ذلك فإن بعض تلك الفعاليات تصيب النظام بأكثر من حالة هسيترية يفقد معها قواعد الاشتباك السياسي.



رابعا: إشكالية المواجهة مع الأجهزة الأمنية

شهد الحراك الميداني جدلا سياسيا حول الأدوات المستخدمة والطريقة التي يجب أن يتحرك من خلالها، ففي الوقت الذي تصر فيه الجمعيات السياسية على تجنب المواجهات مع الأجهزة الأمنية وتحبذ المسيرات المخطر عنها والموافق عليها من قبل وزارة الداخلية، تضطر الفئات الشبابية في مواجهتها اليومية مع القوات الأمنية للتصادم، ما يقتضي أن تفعّل أدوات ما بات يعرف "الدفاع المقدس"، وهو مصطلح محلي يشير لاستخدام المالتوف وإغلاق الطرق بالإطارات، كنوع من أنواع الحماية للمتظاهرين والمحتجين، والذي قد يشمل الهجوم على قوات الأمن المشكلة من عناصر أجنبية (مرتزقة).

لقد خلق هذا التباين في أدوات الحراك إصطفافا سياسيا وإصطفافا ميدانيا بين القوى السياسية المعارضة، وبين هذه القوى وقوى الموالاة والحكم من جهة ثانية. فقد اعتبرت الجمعيات السياسية نفسها مسئولة عن ترشيد الحراك الميداني وتشجيعه على نبذ استخدام المالتوف، وبرزت هذه الحملة في تصريحات قادة الجمعيات السياسية، وفي حراكها فترة منعها من القيام بالمسيرات والتظاهر، حيث قام أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ومساعده خليل المرزوق بعقد لقاءات مفتوحة في المناطق والقرى، واحتوت أغلب تلك اللقاءات على تشجيع نبذ ما تمسيه عنفا مضادا لعنف السلطة وقد أصدرت الجمعيات عدة بينات سياسية قالت فيها أنها ضد كل أشكال العنف ومن أي جهة.

وفي الواقع أتت هذه الدعوات متسقة سياسيا مع منطق الجمعيات السياسية، لكن ذلك لم يكن بعيدا عن مجريات لقاءات التفاهم التي أجريت بين السلطة والجمعيات السياسية، أو التعاطي مع دعوات الحوار حيث برزت شروط جديدة منها إدانة العنف بكل أشكاله، والتي قد يكون في ضوئها صنفت المواجهات اليومية على أنها عنف أيضا مع أن الجمعيات المعارضة تدين العنف دائما، كما لا يجب فصل ذلك عن ضغوط ممثلي بعض الدول الكبرى حيث تصر على ان تعلن الجمعيات السياسية موقفها من مواجهة قوات الشرطة والتصدي لهم.

من ناحية أخرى، عكس الحراك الميداني لتيارات الممانعة وبالأخص إئتلاف شباب 14 فبراير عن قدرة الإئتلاف على تحريك الساحة ميدانيا كما يريد، وهي قدرة يمكن ملاحظتها مباشرة في فعاليات تقرير المصير التي تقام في مناطق مختلفة وتشهد مواجهات أمنية فريدة من نوعها وترتيبات أمنية ولوجستية خاصة بالمناطق حيث تقوم التنظيمات الشبابية بتجهيز مشافي ميدانية ودعم وحماية المشاركين من قمع وملاحقة قوات الأجهزة الأمنية.



خامسا: فعاليات تقرير المصير

في 23 اكتوبر 2011 ، أصدر إئتلاف 14 فبراير بيانا أعلن فيه استئناف فعاليات تقرير المصير، عبر شعلة تقرير المصير كفعالية ميدانية تجوب المناطق والقرى، وبحضور عوائل الشهداء والمعتقلين، حيث قدم الائتلاف فعاليات حق تقرير المصير كمطلب سياسي وكشعار مرحلي يجمع الفئات الثورية وقد خصص الإئتلاف لجان شعبية ( سترة، المنامة، الدير، كرزكان، بلاد القديم، العكر والنويدرات، الدراز وبني جمرة. عالي وبوري..) تتوزع في الكثير من أنحاء قرى ومدن البحرين، وتعمل على خلق أزمات للسلطة ولها طرقها في الأحتجاج ومواصلة الحراك الميداني.

وشهدت هذه الفعاليات حضورا وترتيبات تدل على قوة التنظيم والتواصل بين المجاميع الثورية في أوضاع شديدة السرية وعالية الخطورة، ويخصص لكل فعالية مستشفى ميداني وتجهيزات خاصة لمعالجة الإصابات التي تحدثها قوات الأاجهزة الامنية عند تصديها لفعاليات تقرير المصير.



سادسا: الحراك المضاد

قاد تجمع الوحدة الوطنية الموالي للنظام مظاهرات تحت مسمي مظاهرات الولاء للقيادة مضادة للمظاهرات الأصلية، وأنشأت صفحات إلكترونية مضادة لصفحات ثورية على "الفيس بوك". ولعبت الآلة الإعلامية المرئية والمقروءة هي الأخري دورا رئيسيا في إنشاء حراك مضاد للحراك السياسي، بالتركيز على فكرة طائفية الحراك وعنفه وارتباطه بإيران من جهة ومحاولة تضخيم الأحداث السياسية في البلدان الأخرى من جهة أخرى. هكذا، تبدو الثورات المضادة في الخليج أكثر ضراوة من الثورات المضادة التي تشهدها دول الثورات العربية (مصر وتونس)، وفي الوقت الذي لا تزال فيه قوي الثورات الحقيقية هزيلة ومنزوية في هامش المشهد الإعلامي، تبدو الثورات المضادة طاغية ومسيطرة، ولديها وسائل القوة والتعبير اللازمة لإجهاض الثورات الأصلية. إن قوي الثورة المضادة متمترسة في قلب النظام، وتتمثل في المؤسسات الدينية التي أقامت تحالفا حديديا مع السلطة، وتستقطب الأنصار، وتغدق الحوافز، وتتمثل أيضا في أجهزة إعلام قوية لديها القدرة علي التستر علي المشهد الداخلي الحقيقي، وتصدير مشهد مغاير، ولديها أيضا القدرة علي استيراد مشاهد قلق إقليمية، والصمت علي مشاهد القلق الداخلي(1)



سابعا: تحديات الحراك الميداني

رغم كثافة الحراك الميداني اليومي والاسبوعي فقد واجه هذا التحرك مجموعة من التحديات أبرزها:

أولا: تدخل الأجهزة الأمنية وفق قانون التجمعات لمنع بعض الفاعليات أو تحديد أماكنها، فقد ظل حظر التظاهر في العاصمة المنامة ساريا منذ فرضه في 16 مارس 2011، ولم تستطع القوى السياسية الرسمية من خرق هذا المنع سوى في حالات ممانعة نادرة كما في دعوة جمعية الوفاق للتظاهر في العاصمة المنامة بقيادة الأمين العام الشيخ علي سلمان في بداية سبتمبر 2012.

كما منعت السلطات الأمنية الجمعيات السياسية من إقامة أي تجمع أو مسيرة بعد تحدي الشيخ علي سلمان لقائد الجيش المشير خليفة بن احمد، في كلمة افتتاح المؤتمر السادس لجمعية الوفاق في مارس 2012 حيث قال سلمان: "قال المشير إن عدتم عدنا وعندنا 200 بالمئة قوة، لتعلم يا أيها المشير إن في هذا الشعب قوة ومصادر قوة لم نستخدم حتى خمسين بالمائة منها، تعلم أنت ويعلم غيرك أننا أبناء رسول الله وأهل البيت، وهذه الذرية وأبناء خيار الصحابة و التابعين، وتعلم أن تربيتنا مركزها الآخرة، وتعلم أن مجرد كلمتين بفتوى شرعية، يقدم أبناء هذا الشعب عشرات الآلاف على كفوفهم لا تبقي ولا تذر...مهما استخدمتم من وسائل بطش ستؤول إلى الفشل، ولو جاء كل قوات المنطقة من أجل منعنا عجزت وستعجز. الدنيا تغيرت لا يمكن إرجاع عقارب التاريخ للخلف، ولم يعد بالإمكان أن ينهي القمع هذه المطالب ، لن تكونوا بقوة صدام ولا ببطش صدام حسين ، ولكن كل هذه التجارب التي قدمها الله لكم قادت إلى أنه لم يعد بالامكان أن تكسر شعبا واعيا، مصرا على نيل حقوقه بالقوة، ولن تستيطع أيها النظام أن تقوم بمناورات سياسية تقسم فيها المعارضة او تشققها، فعقل المعارضة وتجربتها أكبر من قدرتك والآعيبك فأترك ذلك".

بعد كلمة زعيم الوفاق تلك، ظل المنع قائما لأكثر من شهرين ثم تم السماح للجمعيات السياسية باستئناف حراكها الميداني.

ثانيا: تحول المسيرات والتظاهرات اليومية في المناطق إلى مواجهات أمنية فور انطلاقها بما أدى إلى تقليل عدد المشاركين فيها وحصر ذلك بالفئات الشبابية والنسوية المتوسطة في العمر.

ثالثا: انحسار التفاعل الإعلامي من قبل القنوات الإعلامية مع الحراك الميداني لحساب قضايا أخرى، مثل القضية السورية والقضية المصرية.

رابعا: التضارب والتعارض في فعاليات الحراك الميداني بين إئتلاف شباب 14 فبراير وفعاليات الجمعيات السياسية، وهو تعارض يؤدي بطبيعة الحال لفرز الجماهير وتصنيفها في بعض اللحظات المفصلية، وقد شهدت أيام الجمع الكثير من هذا النوع من التضارب على الأقل في البعد الزمني فضلا عن البعد الوظيفي للحراك نفسه.

خامسا: استنزاف الحراك الميداني اليومي للعديد من الكوادر عبر الحملات الأمنية المقننة من جهة وإحداث إصابات خطيرة في صفوف الشباب المتظاهرين في المناطق من جهة اخرى.



أصدرت الجمعيات السياسية في البحرين "جمعية العمل الوطني الديمقراطي-وعد، وجمعية الوفاق الوطني الاسلامية، وجمعية المنبر التقدمي، وجمعية التجمع الوطني الوحدوي وجمعية التجمع القومي وجمعية الاخاء الوطني" اعلان مبادئ اللاعنف.

إعلان مبادئ اللاعنف:


هذا الإعلان يمثل مبادئنا التي نؤمن بها، وقد التزمنا بها منذ تأسيس جمعياتنا وأكدنا عليها بعد 14 فبراير 2011، ونعيد التأكيد عليها، باعتبار ان السلمية هي النهج الاستراتيجي في عملنا السياسي سلوكا وممارسة لتحقيق مطالب شعبنا من خلال مشاركته الحقيقية في صياغة قراره السياسي ورسم مستقبل بلادنا في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي. وان دعواتنا المتكررة للتسامح والتعددية والتنوع نابعة من قناعاتنا الراسخة والصادقة بانها الطريق الأمثل لتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء شعبنا بمكوناته المختلفة.
إن الحراك السياسي والمجتمعي في البحرين له تاريخ عريق يمتد لقرابة قرن من الزمان، وشهد هذا التاريخ لقوى وشخصيات وطنية قديما وحديثا ناضلت وتناضل من أجل حقوق الشعب المشروعة، وحراك اليوم هو امتداد لحراك الأمس، ويتكامل معه في منطلقاته وأهدافه، وإنطلاقا من الحق الأصيل والحرية الكاملة المكفولة إنسانيا ودوليا ووفق المبادئ الدستورية المتعارف عليها، في تحقيق المطالب المشروعة السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر انتهاج الحراك السلمي الحضاريوالتمسك بالوحدة الوطنية اللتين درجت عليهما نضالات شعبنا، وبواسطتهما حققت الاستقلال السياسي وأنتجت أول دستور وبرلمان للبلاد، نطلق نحن الموقعون على هذا الاعلان، مبادئ نؤمن ونلتزم بها، ونحفز الآخرين على االاخذ بها لتكون الإطار الجامع لجميع قوى المجتمع ومكوناته مهما بلغت درجة خلافاتهم في الرؤى والمواقف، ليبقى الإطار الوطني الجامع هو الانتماء الوطني النابع من القيم السماوية والإنسانية التي لا تتجزأ ولا تتعارض ولا تصادر.

ومن هذا المنطلق،
وإذ نشير للقرار A/RES/61/271 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 حزيران/يونيه 2007 بخصوص اليوم الدولي للاعنف
وإلى قرارات الجمعية العامة 53/243 ألف وباء المؤرخين 13 أيلول/سبتمبر 1999، ‏اللذين يتضمنان إعلان ثقافة السلام وبرنامج العمل بشــأن ثقافــة الســلام، و 55/282 ‏المؤرخ 7 أيلول/سبتمبر 2001 بشأن اليوم الدولي للسلام، و 61/45 المؤرخ 4 كانون ‏الأول/ديسمبر 2006 بشأن العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم، ‏‏2001-2010، والقرارات الأخرى ذات الصلة،‏
واضعين في إعتبارناأن اللاعنف، والتسامح، والاحترام الكامل لجميع حقوق ‏الإنسان، والحريات الأساسية للجميع، والديمقراطية، والتنمية، والتفاهم المتبادل، واحترام ‏التنوع، أمور مترابطة ويعزز ويكمل بعضها بعضا،‏
ومؤكدين أن العنف لا يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق مطالب مشروعة أو يستخدم لمنع تحقيق مطالب مشروعة.
ومؤمنين أن الكرامة والحرية والأمن والعدالة والمساواة والتعددية والتنوع والشراكة في الدولة الديمقراطية الحديثة هي متطلبات ضرورية للأفراد والمجتعات لايجوز سلبها من الأفراد والمجتمعات تحت أي ظرف أو مبرر.
ومعتمدين أن من حق الأفراد والمجتمعات اتخاذ كافة الوسائل السلمية من حرية تعبير وتجمع وتنظيم للمطالبة بهذه الحقوق الأساسية، ولا يجوز لأحد معارضة ذلك فضلا عن منعهم خصوصا بالقوة.

وواضعين في اعتبارنا أننانحن اليوم بأمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى، وبعمل وطني جماعي من كافة الأطراف ومن كل المستويات لترسيخ ثقافة اللاعنف وانتهاج أسلوب الحوار والقبول بالرأي الآخر والتعددية في الآراء
وعليه نطرح مبادئنا في إعلان مبادئ اللاعنف ونحث الآخرين لتبنيها:
1- أن نحترم الحقوق الأساسية للأفراد والقوى المجتمعية، وأن ندافع عنها.
2- أن نلتزم بمبادئ حقوق الآنسان والديموقراطية والتعددية
3- أن لا ننتهج في سلوكنا أي من أساليب العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات الديموقراطية
4-أن ندين العنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه.
5- آن ندافع عن حق المواطنين في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وفقا للمواثيق العالمية المعتمدة، وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
6- أن نكرس وندعوا في آدبياتنا وخطابنا وبرامجنا الي ثقافة اللاعنف وانتهاج السبل السلمية والحضارية.

الجمعيات السياسية الموقعة
·جمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد
·جمعية الوفاق الوطني الإسلامية
·جمعية التجمع الوطني الوحدوي
·جمعية المنبر التقدمي
·جمعية الإخاء الوطني
·جمعية التجمع القومي الديمقراطي



واشنطن ترحب بإعلان المعارضة البحرينية «وثيقة اللاعنف»

واشنطن - وزارة الخارجية الأميركية
أعلن بيان صحافي صادر عن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 ترحيبه بـ «وثيقة اللاعنف» التي أصدرتها المعارضة البحرينية. وجاء في البيان: «نرحب بإعلان مبادئ اللاعنف الصادر عن ست من الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين في 7 نوفمبر 2012. إن الالتزام العلني باللاعنف يُعتبر خطوة مهمة نحو بناء الثقة، ونحن نثني على الجمعيات السياسية بإعلان التزامها بمسار سياسي يرفض العنف من أجل تحقيق أهدافهم. إننا نحث الحكومة البحرينية والجمعيات السياسية الست للدخول في عملية سياسية جادة وعملية لإيجاد سبل تفسح المجال لاستئناف المظاهرات السلمية في أقرب وقت ممكن.
لقد طالبنا مراراً وتكراراً حكومة البحرين وجميع عناصر المجتمع البحريني باتخاذ خطوات ملموسة لخلق مناخ ملائم لحوار وطني جاد يستجيب لتطلعات جميع البحرينيين. ونحن نحث جميع الأطراف على المساهمة في تعزيز مناخ المصالحة.
ما زلنا نشعر بالقلق العميق إزاء استمرار الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في البحرين، وكذلك بسبب زيادة الهجمات العشوائية العنيفة والمتزايدة على المدنيين وقوات الأمن البحرينية».

http://www.alwasatnews.com/3718/news...l#.UKIypI77XaY


nad-ali 05-02-2013 09:44 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

الجزء الرابع:

الفصل الثاني : الإعلام والإسكان.. تعبير عن أزمة أعمق


http://bcsl.org.uk/images/nader.jpg
نادر المتروك

3- الإعلام.. الخصام على الحقيقة

أولاً: الإعلام الرسّمي.. تأمين الموالاة ومصَادر التشّويش

1-هيئة شؤون الإعلام

لا تختلف السّياسة الإعلامية الرسمية في الفترة بين أكتوبر 2011- سبتمبر 2012 عن الفترات السّابقة. تعتبر هيئة شؤون الإعلام الجهة الحكوميّة المختصّة بالإعلام الرّسمي، وهي تتولّى الإشراف على جميع وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها، وقد تشكّلت بمرسوم ملكي اعتباراً من 8 يوليو 2010م، بعد فصْلها عن وزارة الثقافة، وإنشاء الهيئة برئاسة الشّيخ فوّاز بن محمد بن خليفة آل خليفة. بحسب أدبيّات الهيئة المنشورة في موقعها الإلكتروني؛ فإنّها تضع في أولوياتها جملةً من الأهداف العامة، من بينها تحقيق "المصلحة العليا للوطن، والمحافظة على وحدة المجتمع"، انطلاقاً من محدِّدات معياريّة تتبنّاها الهيئة، وهي "خدمة مسيرة الإصلاح، والتطوّر السّياسي والدّيمقراطي، والتّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وحماية حقوق الإنسان وحرّياته الأساسيّة"(1).

تتصدّر الهيئة قائمة الفاعلين في إعلام الحكومة، وقد اكتسبت قوّةً مضافةً بمجيء شخصيّة محسوبة على المتشدّدين في العائلة الحاكمة. تتكشف صلابة الشّيخ فوّاز من إدارته السّابقة للوسط الرّياضي – حيث كان رئيس المؤسّسة العامة للشّباب والرّياضة - فقد كان معروفاً بسلوكه الحاد والنّهاني في التّعاطي مع إدارات الأندية والإعلام الرّياضي. من خلال متابعة الإطلالات والبيانات الصّادرة عن الهيئة، يظهر الشّيخ فوّاز بوصفه مؤثّراً أساسيّاً في إمساك الرّواية الرّسميّة، ومنحها ما تحتاجه من إسنادٍ وحِجج.

1-بانوراما هيئة الإعلام



أشاد الشّيخ فوّاز (2 سبتمبر 2012) بكلمة ملك البحرين التي دعت للارتقاء بالرّسالة الإعلاميّة. تطرّق الملك في كلمته إلى رغبة الحكومة في "تحسين أوضاع الصّحفيين معيشيّاً وإسكانيّاً ومهنيّاً واحترافيّاً"، واعتبر رئيس الهيئة الخطاب الملكي ضامناً لتوفير "أفضل السّبل للتّعبير عن الرأي بحرّية وأمان واستقلاليّة"(12.

في 14 أغسطس 2012م، وعد رئيس الهيئة بإصدار "قانون عصري ومستنير" للصّحافة، مع إشراك جمعية الصّحافة البحرينيّة في ذلك. وقد حرص على مدى الفترة التي يرصدها هذا التقرير؛ على الإشادة بالكتّاب والإعلاميين الذين ارتبطت أسماؤهم بالإثارة الإعلاميّة، ومناوأة المعارضين، والكتابات المؤيّدة لسياسة العنف الرّسمي ضدّ المحتجّين.

أجرت مجلّة "المجلّة" السّعوديّة ( 3 يوليو 2012) حواراً مع الشّيخ فوّاز تتجلّى فيه أهم ملامح السّياسة الإعلاميّة "المتحايلة" التي تطبع هيئة الإعلام ومؤسّساتها. كرّر رئيس هيئة الإعلام ذات المضامين المثيرة التي اشتغل عليها الإعلامُ التّحريضي والكتاباتُ الصّحافيّة التي أفرزتها مرحلة السّلامة الوطنيّة، حيث وصّف أحداث فبراير ومارس 2011 بأنّها "مؤامرة إرهابيّة لقلب نظام الحكم"، وأعاد تثبيت اتهامات لم يجزم بها القضاء التّابع للدّولة، مستخدماً لغة إطلاقيّة معتادة بحديثه عن "احتلال مستشفى حكومي"، و"تشكيل تحالف لإقامة جمهوريّة طائفيّة على النّمط الإيراني".

في نهاية شهر سبتمبر من عام 2011م، نشرت الهيئة بياناً "هاماً" أشارت فيه إلى قيامها بتوثيق "انتهاكات" الكادر الطّبي البحريني، وقامت ب"تسجيل اعترافاتهم التي تكشف حجم المؤامرة التي قاموا بها". صدر هذا البيان في إطار إبراز الهيئة لدورها في "إظهار الحقائق"، و"صدّ المؤامرة الانقلابيّة" التي تعرّضت لها البلاد، بحسب اللّغة التي ستكون لازمة غير منقطعة في بيانات الهيئة وتصريحات رئيسها الشّيخ فوّاز. يمثّل هذا البيان تأكيداً على شهادات قدّمها ضحايا في السّجون، ذكروا أن موظفين في الهيئة قاموا بتصويرهم وهم يدلون باعترافاتٍ أُنتزعت منهم تحت التّعذيب، وبينهم المخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة.

على هذا المنوال، سيرحّب رئيس هيئة الإعلام بتقرير تقصّي الحقائق (23 نوفمبر 2011م)، ولكنّه يُسجّل بمعيّة هذا التّرحيب أنّ "الهيئة كانت مهمّتها في الفترة الماضية نقْل الحقائق على أرض الواقع، وتوصيلها للرأي العام الخليجي". يأتي ذلك في سياق سياسة أخرى اعتمدها الإعلام الرّسمي، وتقوم على اجتزاء المواقف الصّادرة. بعد نشْر تقرير بسيوني، أذاعت وكالة الأنباء الرسمية (بنا) بياناً اكتفى بما ذكره التقرير من عدم وجود أدلة على "خطاب مفعم بالكراهية" في الإعلام الحكومي، وتحاشى الإشارة إلى ما ذكره التقرير نفسه من نقودٍ حول برامج التلفزيون، وتبعيّة الإعلام المطلقة للسّلطة.

2- وزيرة الدولة لشؤون الإعلام: سميرة رجب

شكّلت الوزيرة سميرة رجب عنصراً فاعلاً في تمرير السّياسة الإعلاميّة للسّلطة. كانت وُجهة مفضّلة للإدلاءات المثيرة، ووجهاً مطلوباً من جانب السّلطة، وهي خيارها الأكثر دفْعاً في الإطلالات الإعلاميّة الخارجيّة. تنطوي رجب على قيمة إيجابيّة للسّلطة، كونها تنحدر من عائلة شيعيّة عريقة، كما أنّها تملك سجلاً قديماً في تكريس الإطار التبريري الذي سوّقه الإعلام الرّسمي في قمع الاحتجاجات الشّعبيّة، وخصوصاً الحديث عن المدّ الإيراني في المنطقة وارتهان المعارضة بالأجندة الخارجيّة.

في مؤتمر صحافي بتاريخ 18 أغسطس 2012م(3) وافقت رجب الحكومة على الإجراءات المتخذة ضدّ النّاشط الحقوقي نبيل رجب، وأكّدت على سلامة الموقف القانوني للسّلطة، وأن الناشط رجب مُنح كافة حقوقه بوصفه متّهماً بالتّحريض والتجمهر "غير القانوني". ومن اللافت أنّ الوزيرة كرّرت في المؤتمر المذكور أهم العناوين التي تتبنّاها السّلطة ضد نشطاء حقوق الإنسان، الذين تراهم يمارسون "عملاً سياسيّاً". وامتعضت من موقف المنظمات الدّولية تجاه الحقوقي رجب، وشدّدت على أن هذه المنظّمات "لديها ترسّبات من اعتمادها على الإعلام المُضلِّل" التّابع لمن أسمتهم بالمخرّبين الذين يواصلون "الكذب وإيصال الافتراءات إلى الإعلام في الخارج".

كان تعيين رجب في منصبها الوزاري (أبريل 2012م) تتويجاً لظهوراتها الإعلاميّة المتكرّرة، والتي نافحت فيها بصرامةٍ متواصلة عن الموقف الرّسمي تجاه الأحداث الجارية، ومن غير اكتراث بما حولها من اعتراضات أو نقودٍ معاكسة. وقد اكتسبت، تبعاً لذلك، احتراماً كبيراً في أوساط الموالين للسّلطة، ونظروا إليها باعتبارها نموذجاً "للشّيعي" الحر الذي يستحقّ الاحتفاء والتّكريم.

3- تلفزيون البحرين

واكب تلفزيون البحرين السّياسة الرّسميّة التي اتبعتها السّلطات في التّعاطي مع الأحداث والاحتجاجات، وقدّم مواد إعلاميّة اعتادت على "تلويث سمعة المحتجين"، و"الحديث بطريقة مُهينة"، كما سجّل تقرير بسيوني(4)، والذي خلُص إلى أمرٍ وصفه بالـ"جليّ" مفاده أن "وسائل الإعلام البحرينيّة كانت مُنحازة إلى حكومة البحرين"(5).

من أبرز البرامج التلفزيونيّة التي ارتبطت بهذه الأوصاف، برنامج "الرّاصد"(6)، و"حوار مفتوح" (سعيد الحمد)، و"كلمة أخيرة" (سوسن الشّاعر)(7). تخصّص الأوّل في بثّ حلقات ذات طابع أمني، وباستخدام التّشهير المبرمج، وقام بعرض حلقات متسلسلة تناولت قطّاعات مهنيّة متعدّدة بغرض التّحريض عليها، واتهام منسوبيها بالمشاركة في التظاهرات السّياسيّة، وقد اعتقل العديد جرّاء هذه الحلقات مباشرةً. انطلق البرنامج فوْر دخول قوّات درع الجزيرة في 17 مارس 2011م، واستمر حتّى نهاية شهر أبريل من العام الماضي.

مثّل سعيد الحمد أكثر النماذج الممتلئة بعمليات التّشهير ضد المعارضين. سبّب حرجاً للمسؤولين في التلفزيون الذين اضطّروا إلى إيقاف برنامجه مع مجيء لجنة بسيوني. استمرّ الحمد في تقديم برنامجه من خلال قنوات أخرى معروفة بالتّحريض الطّائفي. أسّس الحمد للغة التّحقير الإعلامي، واعتمد على معلومات أمنيّة واستخباراتية لمزاولة المهمّة. لا يختلف الأمر مع سوسن الشّاعر التي ترفض أيّ تقارب مع المعارضين، وخصّصت برنامجها التلفزيوني وكتابتها الصّحافيّة لاتهام المعارضة والطّعن فيها، ولم تتردّد في لصق تهمة الخيانة بها والتّحريض المباشر ضدّها. وكان لافتاً أنّها استضافت في حلقة أخيرة من برنامجها سعيد الحمد، في خطوةٍ بدت احتفاءاً بطريقته في التشويه الإعلامي.

4- الصّحف والمطبوعات المحلّية

تصدر في البحرين سبع صحف يوميّة، كلّها تمثّل الموقف الرّسمي، عدا صحيفة الوسط. تحرص الصّحف على التطابق شبه التّام مع السّياسة الإعلاميّة الرّسميّة. قدّمت صحيفة "الوطن"، على وجه الخصوص، نهجاً صحافياً منبوذاً في العمل المهني، وذلك بإمعانها في مناهضة المعارضين، ونشرها أخبارا وتقاريرا تحطّ من سمعة المناوئين للحكومة وتشويه مطالبهم المرفوعة، وباللّجوء عادةً إلى النّبش الطائفي. فقدت الصحف الرسمية المعايير المعتادة في التحرير الخبري، وطغى عليها الخطاب التّحريضي. يختصر هذا الاندفاع غير المسبوق للصّحافة المحلّية؛ الهجوم المنظّم ضدّ شيخ عيسى قاسم ومخاطبته بنعوت تحقيريّة.

5- قناة العربيّة (محمد العرب)

ارتبط مراسل قناة العربية (السّعوديّة) محمّد العرب – العراقي، الفلسطيني الأصل، المتجنّس بالجنسية البحرينيّة حديثاً– بالجهاز الأمني مباشرةً وبشكل علني. أعدّ تقاريره بما يتوافق مع سياسة القناة السّعوديّة، ومن خلال تنسيق دائم ومفتوح مع جهاز المخابرات البحريني. لم يكتفِ العرب بنقل الأحداث من خلال الرّواية الرّسميّة، فقد سعى لإضافة "اجتهادات إعلاميّة" انطوت على فبركات مفضوحة والتّشهير وإهانة المعارضين، وقد سجّل تقرير بسيوني ذلك(8). من خلال رصد السّلوك الإعلامي للعرب، وما ينشره في القناة وموقعها الإلكتروني؛ يتضح أن الهدف الأبرز لديه هو تبرئة السّلطات من الاستخدام المفرط للقوّة وإضفاء صفات ملائكيّة على رجال الأمن من ناحية، وإلصاق تهم الإرهاب والعنف والعمالة بالمتظاهرين من ناحيةٍ أخرى(9).

6- الإعلام الإلكتروني

استغرق الموالون للنّظام في بثّ الكراهية والتحريض على العنف من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. لم يُسجّل الإعلام الإلكتروني الرسمي حضوراً مؤثراً على مشهد الأحداث، باستثناء اهتمام الموالين. اعتمدت السّلطة الدّعم غير المعلن للمواقع والحسابات الإلكترونيّة المتخصّصة في تجريح المعارضين واستهدافهم، وقد نشطت هذه المواقع في فترة السّلامة الوطنيّة. في ذلك الوقت، شهد موقع "منتديات مملكة البحرين" تصعيداً طائفيّاً حامياً، وتجاوب مع عمليات التّشهير والتّطهير التي بلغت أوجها آنذاك. من بين الأدوار المؤثرة على هذا الصّعيد، برز حساب "حارقهم" في تويتر، الذي انطبع بالكراهية والتّحريض على العنف، كما قال تقرير بسيوني(10). تشير المعطيات إلى أنّ الحساب المذكور مرتبط بجهات نافذة في هيئة الإعلام ووزارة الدّاخليّة، ومن اللافت أنّ مسؤولين في الهيئة يتابعون "حارقهم" ويقوم بعضهم بإعادة نشْر تغريداته (11).



ثانيا: السياساتالمتبّعة

من خلال رصْد البيانات والمواقف الإعلاميّة للهيئة ولوسائل الإعلام الخاضعة لها؛ يتضح أنّ الجهاز الإعلامي الحكومي؛ أبدى حرصاً مفهوماً على إدخال أدبيّاتٍ خطابيّة جديدة، تتركّز على حرّية الإعلام والصّحافة، والمواكبة "الدّعائيّة" للتّوصيات التي خرجت بها لجنة تقصّي الحقائق (لجنة بسيوني) ومؤتمر التوافق الوطني. ولكن لم تشهد الممارسة الإعلاميّة الرّسميّة تغييرات إيجابيّة ملموسة، وعوّلت الهيئة على إستراتيجيّة مزدوجة، فهي تؤكّد على عناوين برّاقة في مجال الشّفافيّة والموضوعيّة والانفتاح، ولكنها تتولّى تنفيذ سياسات إعلاميّة تتناقض مع جوهر هذه العناوين.

عوّل الإعلام الحكومي على إغراق المشهد بالإدّعاءات والاتهامات، وتوظيف مختلف وسائل الإعلام لتوسيع نطاق هذه الاتهامات، وإبرازها بوصفها حقائق نهائيّة، وغير قابلة للدّحض والنّفي. واعتبر الإعلام الآخر ضالاً ومضلاً. بدورها، استمرّت الصّحف في تبليغ الموقف الحكومي، وظلّت مقفلة في وجه المعارضة أو الكتابات الناقدة للسّلطة. خلافاً للبيانات الرّسميّة، فإنّ الصحف الرّسميّة لم تشهد حراكاً متنوّعاً للآراء والمواقف، وكان الجامع المشترك بينها هو الالتحاق بالرّواية الرّسمية والتّطبيل عليها.



ثالثاً : النتائج

كان الفاعلون في الإعلام الحكومي والمؤيّد للسّلطة مؤثّرين على مستوى تحقيق الهدف الإعلامي الدّاخلي (الأنصار المفترضين)، فقد استطاع النّمط الإعلامي الموسّع ضمان إبقاء الموالين في الصّف الحكومي، وأمّن المبرّرات المؤيّدة لاتهام المعارضين بالتّخوين والعمالة للأجنبي، وقد أثمر ذلك –تدريجيّاً- (وبسرعةٍ) في تصليب الجدار الطّائفي. رغم أن الاستثناءات محدودة، فإنّ موالين مفترضين للسّلطة لم يبدوا تسليماً مفتوحاً للإعلام الحكومي، وارتفع صوتٌ يسخر من بعض المواد الإعلاميّة التي تنشرها الحكومة بغرض التّحريض وتعليب الاتهامات.



رابعاً: التّحدّيات والسّيناريوهات

خسر الإعلام الرّسمي مصداقيته المهنيّة بدرجاتٍ كبيرة. قدّم دوراً كبيراً في التّعتيم، وصناعة الشّائعات، والتّوجيه المضاد للرّأي العام. لم تُحقّق هيئة الإعلام شيئاً من أهدافها المنصوصة، وكان أداؤها على النّقيض. بناءاً على الأداء الذي استمرّ حتّى إعداد التّقرير، فإنّ التّلفزيون الحكومي ارتبط مباشرةً بالخطط الأمنيّة التي تتبعها السّلطة، وتولّى المعدّون والمقدّمون مهمّة محدّدة، تتلخّص في مباركة السّلطات، وإلحاق الأذى بالمعارضين.

من غير المتوقّع أنّ يتخلّى الجهاز الإعلامي الحكومي عن هذا المنهاج، إلا في حال إجراء تغيّر في السّياسة الرّسميّة وإصلاح الوضع السّياسي برمّته، وهو قرارٌ لا يبدو في الأفق القريب.



ثانياً: الإعلام المُعارِض.. الإزعاج وإبطال الاتهامات

عانى الإعلام "المستقل" والصّحافيين غير التّابعين للسّلطة؛ محنة كبيرة بعد إعلان السّلامة الوطنيّة(12). استمرّ ذلك في المرحلة التي سبقت وتلقت مجيء المحقّق بسيوني وإصدار التّقرير. رغم ذلك، فرضَ الاحتجاج المعارض مستوياتٍ جديدة من الإعلام الُمناهض للسّلطة، وكان لافتاً أنّ فئة "المعارضين الإعلاميين" جرّبت المهمّة الإعلاميّة بمقادير واضحة من الاحتراف والمهنيّة بالمقارنة من الأداء الإعلامي للحكومة وموالاتها.

حضور صحافيين محترفين في أوساط المعارضة البحرينيّة؛ وفّر أجواء محفّزة على تحقيق الجودة والإبداع. التقى ذلك باشتراطات الصّدقيّة والنّقل الميداني المباشر، وهي مواصفات تميّز بها إعلام المعارضة، وهو ما هيّأ سُبلاً وافرة لمناجزة الإعلام الحكومي، رغم فارق الإمكانات الماديّة.



1- قناة اللؤلؤة

تُعرّف القناة نفسها بأنها قناة بحرينيّة مستقلة، تبثّ من العاصمة البريطانيّة لندن. بدأ بثّها الفضائي في يوليو 2011م. تختص القناة بنقل الشأن البحريني، وتحرص على تقديم تغطية قريبة من الوقائع الجارية على الأرض وهو ما جعلها تتعرّض للتشويش من قِبل السّلطات البحرينيّة. خطابها الإعلامي يتجاوب مع المطالب الدّيمقراطيّة التي ينادي بها المواطنون، مع محافظة ملحوظة على المواصفات المهنيّة.

2- قنوات عربيّة وأجنبيّة

مع انطلاق احتجاجات 14 فبراير 2011م، حظيت الأحداث في البحرين بتغطيات موسّعة من جانب المحطّات الأجنبيّة والعربيّة، وقد أُعدّت تقارير خاصة من الدّاخل، نال بعضها جوائز دوليّة مرموقة(13). تتميّز الوثائقيّات المُعدّة حول البحرين بطرحها المتوازن، وعدم تبنّيها المطلق للموقف الرّسمي، وسلّطت الضّوء على طبيعة الأحداث الجارية، ومنحت مساحة لشرح وجهة نظر المعارضين. بعض القنوات العربيّة تبنّت مطالب المحتجّين، وخصّصت تغطيات يوميّة حول البحرين، ومنها قناة "العالم" التي انحازت بوضوح إلى الموقف الشّعبي، وأحدثت ثغرة في احتكار الصّورة، وقد شنّت عليها السّلطات حملات دعائيّة، وطالبت بإيقاف بثّها الفضائي وطردها من اتحاد العرب التلفزيوني. في السّياق نفسه، تُقدِّم قناة "المسار" إطلالة يوميّة لمتابعة التطوّرات السّياسيّة والميدانيّة في البحرين، وبلغةٍ إعلاميّة قريبة من الحراك الثّوري هناك. تعرض القناة للوقائع اليوميّة الجارية من داخل البحرين، مع الحرص على نقل الوتيرة المتصاعدة من الغضب الشّعبي جرّاء تزايد قمع السّلطة، إضافة إلى إجراء حواراتٍ مع المعارضين البحرينيين من السّياسيين والإعلاميين.

3- صحيفة الوسط

تُصنّف "الوسط" باعتبارها الصّحيفة الوحيدة غير الرّسمية من بين الصّحف اليوميّة التي تصدر من داخل البحرين. منذ بدء الاحتجاجات، اتخذت الصّحيفة موقفاً واضحاً في دعم المطالب الديمقراطيّة التي رفعها المحتجّون، ولكنها نأت عن المطابقة مع الحراك الثّوري الذي تفجّر مع تطوّر الأحداث. نتيجة ذلك، كانت الصحيفة والعاملون فيها محلّ استهداف من السّلطة والموالين. تعرّضت مكاتبها ومطبعتها للهجوم في منتصف مارس 2011، وأوقفت هيئة الإعلام صدورها في 2 أبريل من العام نفسه بعد أن بثّ التلفزيون الحكومي حلقة خاصة ضدّ الصّحيفة ورئيس تحريرها، منصور الجمري، أُتهمت فيه بنشر أخبار كاذبة. أجبر الجمري على التنحّي شرطاً لمعاودة ظهور الصّحيفة، وفُرض عبيدلي العبيدلي بديلاً عنه. رغم أنّ ذلك لم يستمر طويلاً، إلا أنّ هذه التجربة أعطت الوسط والجمري، فيما بعد، قدرةً مضاعفة في التأثير على الرأي العام.

4- مرآة البحرين

ظهرت صحيفة "مرآة البحرين" http://www.bahrainmirror.org/ في مايو 2011م، وهي واحدة من أهم تطوّرات الإعلام الإلكتروني المعارض. استطاعت في فترة وجيزة أن تأخذ موقعها المؤثر والمتميّز ضمن شبكات الإعلام غير الرّسمي التي ظهرت بعد ثورة 14 فبراير. انزعاج النّظام من الصّحيفة كان مؤشّراً على نجاحها غير المتوقّع بالنسبة للكثيرين. اللّقطة الهامة في الاستهداف الذي وُجّه للصّحيفة، كان في الاعتراف بتفوّقها على الجهاز الإعلامي الحكومي، كما عبّر الصحافي عقيل سوار في لقاء بتلفزيون البحرين.

تتميّز "مرآة البحرين" بأنها جمعت بين الصّحافة المحترفة، ووظائف الإعلام الجديد. يمكن القول بأنها الخلاصة الأكثر نضجاً للإعلام المعارض حتّى الآن. لم تخلُ من الأخطاء أو تحيّزات النشأة الأولى. ويُسجّل أنها قدّمت أكثر من اعتذار حين تورّطت في الأخطاء غير المقصودة. من الواضح أنها استفادت من أخطائها بسرعة، والأهم من ذلك أنها تعلّمت الدّرس الإلكتروني بذكاء عندما تخلّت عن الإدّعاءات المفرطة، وأخذت بعين الاعتبار الوقائع المستجدة وغير الثابتة. حدّثت (آب ديت) قرون استشعارها بشكل متواصل. مع مرور الوقت، تخلّت عن الرقابة المسبقة، وتعاملت بمرونة مع اختلاف أسقف المعارضة، وكان منهجها الإعلامي يقوم على المتابعة الصّحافيّة للأحداث والفاعلين، بمعزل عن سياستها الإعلاميّة.

5- المواقع الإلكترونيّة

يوتيوب :تمثّل مواقع التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة للمعارضين في البحرين. مبكّراً، استفاد المحتجّون من هذه المواقع في تبليغ أهدافهم ومطالبهم. الإلمام بطبيعة الإعلام الرّسمي، وطريقة إنتاج المعلومة، يسّر للأهالي توظيف الأدوات الإلكترونيّة في صناعة إعلامهم المعارض والبديل. لا تهتم المواد الإعلامية المنشورة في الفضاء الإلكتروني بإثبات "الكذبة الرّسميّة" فحسب، ولكن أيضاً القيام بأدوار أخرى.

في "يوتيوب" اهتم المعارضون بتقديم الأحداث مباشرةً. كان نقل الصّورة الحيّة والكاملة جزءاً من المهام الحرجة التي مارسها الإعلاميّون الإلكترونيون، وتسبّب في إبطال السّياسات الدّعائيّة للإعلام الحكومي. تتمّ المقارعة بأسلوب السّخرية تارة(14)، وبجديّة مهنيّة تارة أخرى. يستهدف هذا الإعلام إفشال الإعلام الحكومي، وإظهار الغايات المبرمجة، وتحصين الرّأي العام من آثارها النفسيّة والتوظيفات السّياسية المضادة. اشتغل المعارضون على توفير مواد إعلاميّة تعمل في كلّ هذه الاتجاهات، ونجحوا في تحقيق أهدافهم، برغم غياب التخطيط الممنهج وعدم الالتزام الكامل بأصول اللّعبة الإعلاميّة.

استهدفت قوات الأمن المصوّرين الميدانيين، وتكشف الأفلام المنشورة أن فرقاً أمنيّة خاصة تتولّى رصْد حاملي الكاميرات أثناء التظاهرات، وتتعمّد إصابتهم مباشرةً(15). لم يفوّت الإعلاميون المتظاهرون هذا الاستهداف، فتمّ توثيق عشرات الأفلام التي تُظهِر القوات الأمنيّة وهي تُطلق النّار على الكاميرا والإعلاميين الميدانيين، ولم يسلم مراسلون محترفون من الأذى، وكان ذلك شكلاً من المواجهة الحامية بين كاميرا الأجهزة الأمنيّة وكاميرا المتظاهرين.

تويتر: وجد تويتر ولادته الحقيقيّة مع بدء الاحتجاجات في فبراير 2011. أحرز تقدّماً على موقع فيسبوك في الإعلام المعارض. تحوّل الأوّل إلى فضاء حيوي، وهو متقدِّم في كلّ السّاحات ويتواجد في أكثر الميادين سخونةً. في تويتر يخوض المتظاهرون ومؤيّدو الثورة أوسعَ عمليات التغطية الإعلاميّة. يتبادلون الأخبار العاجلة، ويعلّقون على مستجدات الأحداث. منه تنطلق حملات التّضامن وتنسيق فعّاليات الاحتجاج الدّيمقراطي. وهو المكان المفضَّل لإبداء الآراء المختلفة ومناجزة رموز النّظام والمسؤولين والموالين. مثّل ذلك أبرز وجوه الإعلام الجديد وأسرعها فاعليّةً في البحرين، وقد علّق ناشط حقوقي مصري (جمال عيد) بأن "تويتر يتكلّم بحريني"(16)، وهو ما تؤكّده بعض الأرقام التي تتحدّث عن حضور البحرينيين المتقدِّم في "تويتر".

يجمع تويتر ميزات الإعلام الجديد، ما يمنح دوره الإعلامي مثاليّةً أكثر وشموليّة أكبر. عمِدت السّلطة إلى التّشويش على الإعلام التويتري المعارض من خلال تجنيد ما يُعرف ب"الترولز". أشاع هؤلاء أجواء مناوئة للمعارضين في تويتر، وحاولوا تنظيم حملات لغلق الحسابات، وإغراقها بالشتائم والقاموس التخويني المعروف. لكنها لم تفلح في مهمّتها، واستطاع المعارضون الاستمرار في التربّع على عرش تويتر. مؤخراً، لجأت السّلطة إلى استهداف هذا الإعلام من خلال محاكمة ناشطين في تويتر بتهمة الإساءة إلى الملك. وكان الحقوقي نبيل رجب قد حوكم بسبب تغريداته أيضاً.

المدوّنات والمنتديّات: تراجع حضور المدوّنات البحرينيّة في المشهد الإعلامي المعارض. إضافة إلى الأسباب الأمنيّة، فإنّ المدوّنين وجدوا في وسائل الاتصال الجديدة فسحةً أوسع للانتشار والتأثير. برغم التراجع المحدود، إلا أن المنتديات الإلكترونيّة حافظت على نشاطها، وخصوصيتها في إتاحة التحاور التفاعلي، وبينها موقع "بحرين أون لاين". بشكل عام، استمرّت هذه المواقع في مهمّتها المفترضة، بوصفها قنوات إعلاميّة غير معنيّة بالالتزامات والمواثيق الجارية بين السياسيين والفاعلين في المشهد الواقعي. رسّخت هذه القنوات الإلكترونيّة سيرتها المعهودة في التّحريض على الخروج على كلّ الاتفاقات والتّوصلات النّهائيّة.

6- رابطة الصّحافة البحرينيّة

تأسّست الرّابطة في لندن، في يوليو 2011م، علي أيدي صحافيين وإعلاميين بحرينيين خرجوا من البلاد بعد اجتياح قوّات درع الجزيرة وإخلاء دوّار اللؤلؤة. تأسيس الرّابطة شكّل ردّاً على احتكار التّمثيل الذي تدّعيه جمعية الصّحافيين المدعومة من الحكومة. وهي بهذا المعنى تعتبر حدثاً إعلاميّاً هاماً. أصدرت الرّابطة بيانات وتقارير غير مرهونة للسياسة الرّسمية، ومنها تقرير بمناسبة اليوم العالمي للصّحافة، وتقريرها السّنوي لعام 2011م الذي رصدَ الانتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيون غير التّابعين للإعلام الحكومي. قدّمت تقارير الرّابطة مادة توثيقيّة موسّعة تكشف الخروقات والمعوقات الكبيرة التي تعترض العمل الصّحافي الحر داخل البلاد، وبادرت لتقديم توصياتها لأجل إنعاش حرية الصحافة وحماية الإعلاميين من الاستهداف والقتل.

7- الظهور الإعلامي والصّحافي

ظهر المعارضون في الصّحف غير البحرينيّة والقنوات الخارجيّة بكتاباتهم ومقالاتهم وتحليلاتهم. قدّم هؤلاء الرأي الآخر، وفنّدوا وجهة النّظر الحكوميّة، كما حرصوا على عرض المطالب الدّيمقراطيّة التي ينادي بها المتظاهرون. إضافة إلى ظهور السياسيين والنشطاء، فقد كان للكتّاب والإعلاميين حضورهم الخاص، خصوصاً في الكتابات الصّحافيّة التي قدّمت صورةً مختلفة عن الصّورة المنشورة في الصّحف الرّسميّة. قدّمت صحيفة "الأخبار" اللّبنانيّة تعاوناً مفتوحاً في هذا المجال، وأسهم فيها كتّاب وصحافيون بحرينيون في إعداد تقارير وملفات مؤثرة، مثل ملفها الخاص باختيار البحرين عاصمة للثقافة العربيّة، والتي عرض وجهة نظر ناقدة للسّلطة السياسية والثقافيّة في البلاد(17).



ثالثاً:السّياسات المتّبعة:

اهتمّ الإعلامُ المعارض بتقديم الصّورة المُغيّبة من الأحداث. كان معنيّاً بأن يكوِّن إعلاماً بديلاً متعدِّد الوظائف. تطلّب ذلك الدّخول في مختلف مجالات الإعلام واستثمارها. نشط المعارضون في مواقع التّواصل الاجتماعي، وطوّروا الإمكانات الإلكترونيّة لتأسيس إعلام إلكتروني محترف، إضافة إلى التّواجد المؤثر في الوسط الصّحافي العربي والأجنبي. لم يقتصر التنوّع على وسائل الإعلام، فقد تنوّع الأنماط الإعلاميّة، تبعاً للمهام المطلوبة.

نجحت هذه السّياسة في إيصال الصّوت الآخر، والصّورة الأخرى، وهو ما أزعج الحكومة، ولجأت إلى مضاعفة حملاتها الدّعائيّة المضادة في الدّاخل والخارج، وقامت هيئة الإعلام برفع دعاوي ضدّ صحف أجنبيّة (الاندبندت) والرّد على أخرى (الإيكونومست).



رابعاً: النّتائج:

رغم الطّوق الإعلامي الدّاخلي، وسياسة الحكومة في بناء شبكة علاقات عامة واسعة في الخارج، ولكن المعارضين حقّقوا قوّة إعلاميّة ملموسة. اعترفت وزيرة شؤون الإعلام، سميرة رجب، بما أسمته بالقصور الإعلامي للحكومة، ورأت أنّ المعارضة تتميّز بنشاط إعلامي "قوي" و"غير طبيعي". (برنامج "الصورة الكاملة"، قناة أون تي في، بتاريخ 7 أكتوبر 2012م).

مع الممارسة المتواصلة في تغطية الأحداث، تحوّل المعارضون والمتظاهرون إلى إعلاميين يتقنون فنّ التوثيق. حقّق ذلك غلبة مؤكّدة ضد الإعلام الحكومي الذي عوّل على قوّة الانتشار في تطبيع رواياته للأحداث. النتيجة الحاسمة هي أنّ التوثيق الإعلامي لا يتطلّب إمكانات ماديّة وفنيّة ضخمة، ويكفي الحضور في السّاحات أو رصْد الحدث الجاري للحصول على التفوّق المطلوب.

بسبب عدم الحرفيّة الكافية، وعدم التفرّغ، فإنّ بعض إدّعاءات الإعلام الحكومي لم تجد ردوداً شافية في الإعلام الأهلي. اكتفى المعارضون بإنتاج مواد إعلاميّة ذات طابع ساخر أو ترويجي للردّ على اتهامات تتعلّق بطائفيّة الحركة الاحتجاجيّة أو ارتباطاتها الدّينيّة بالخارج. بسبب الضّخ الإعلامي الحكومي، لم يفلح الإعلام الأهلي المعارض في اكتساب شرائح جديدة أو واسعة من الوسط السّني المحلّي والخليجي والعربي. بدا الإعلام المعارض، في الغالب، غير جادٍ في تقديم المزيد من الإقناع، مكتفيّاً بإعلام المظلوميّة وتوثيق الانتهاكات.



خامساُ: لتّحدّيات والسيناريوهات:

تحمل الفترة التي يرصدها التقرير، خلاصة الآثار الحاسمة التي عاشتها المملكة بعد الانتفاضة الشّعبية في فبراير 2011م، ومثّل الإعلام صورةً ناظرة وعاكسة لتلك الآثار، وأصبحت المواد الإعلاميّة مرجعاً لمقاربة الأوضاع العامة التي عاشتها البلاد تباعاً منذ تفجّر الانتفاضة. رسّخ الإعلام الرّسمي، خلال هذه الفترة، الصّورة النّمطيّة المعهودة، فقدّم دوراً "رسميّاً" خالصاً، ونأى عن إعطاء المساحات المرضيّة للآراء الأخرى. تحوّل الجهار الإعلامي الحكومي إلى أداة "مؤثرة" في تشجيع قمع الاحتجاجات السّياسيّة القائمة، ووفّر الأجواء المناسبة لتوتير الرأي العام، وإثارة الضغائن بين المواطنين. وبنحوٍ دقيق، فقد تولّى الإعلام الحكومي تهيئة المبرّرات المحتملة لسياسة القمع العنيف الذي واجهت به السّلطات حركة الاحتجاج، وتمّ ذلك عبر سلسلة من البرامج والمواد الإعلاميّة المليئة بالتّحريض ضدّ كلّ ما له صلة بالبيئة الاحتجاجيّة.

لم يستطع الإعلام "غير الحكومي" والإعلام المعارض مجاراة إعلام الحكومة، بسبب نقص الدّعم المادي المناسب، ولكنه قدّم قدرة محسوبة في إظهار الرأي الآخر، ونقض روايات السّلطة، وهو ما أسهم بشكل مباشر في إجهاض استثمار الحكومة لنجاحها الأمني.

يُنتظر من الإعلام الأهلي تحديد أهدافه بوضوح، والخروج من ردود الأفعال. الانشغال بالاتهامات يفضي إلى الرّضوخ لأجندة إعلاميّة محدودة. ليس ثمّة حاجة إلى مركزيّة إعلاميّة موحّدة بالنسبة للمعارضة، فقد كان توزُّع العمل الإعلامي بين الأهالي والإعلاميين المجهولين؛ نقطة قوّة أمّنت استمراريّة الإعلام المُعارض وحماه من الاستهداف القاتل. إلاّ أنّ تشتّت الجهود، وغياب التّنسيق الإستراتيجي، ضيّع على الإعلام المعارض الفرص المناسبة لتحقيق الأهداف الإعلاميّة في الأوقات المناسبة.



سادساً: خاتمة

لا إعلام حرّاً في ظلّ نظامٍ غير ديمقراطي، والحديث خلاف ذلك هو ضرْبٌ من التّرويج الدّعائي أو محاولة إثبات المستحيل. هذا الحكم لا يمكن المغالبة عليه في بلدٍ خليجي يشهدُ، منذ 14 فبراير 2011م، سلسلة غير متوقّفة من الاحتجاجات السّياسيّة، تخلّلتها أحداث دامية، تذكر التقارير الدّوليّة بأنها مثّلت تجاوزاً لحقوق الإنسان، وأظهرت قدراً هائلاً من "الاضطهاد السّياسي" بحسب مفوضيّة حقوق الإنسان، بيلاي، الأمر الذي انتهى بالبلاد إلى أن تكون "مقبرة" للإنسان وحقوقه، وفق التّوصيف الذي اعتادت على استخذامه جمعيّة "الوفاق"، كبرى جمعيات المعارضة في الدّاخل.

المكارثيّة صفة مستحقّة في الأداء الإعلامي للحكومة. المعارضون بنوا إعلاماً مُوزَّعاً يُقدِّم الكثير من المظلوميّة والمناوأة والتوثيق، والقليل غير الكافي من المناظرة الملائمة في إقناع الرأي العام المعاصر.

_________________________________

1- الموقع الإلكتروني لهيئة شؤون الإعلام http://www.iaa.bh/ar/aroverview.aspx

2- في حوار مع صحيفة الأيام البحرينيّة، نُشر بتاريخ 23 أكتوبر 2012م، ذكر رئيس هيئة شؤون الإعلام بأنّ "الإعلام البحريني يعيش عصره الذّهبي بفضل انحياز (الملك) للحرّيّات الإعلاميّة وحقوق الصّحفيين (...)". وأكّد ترحيب الحكومة بحقّ النّقد، ولكنه اشترط أن يكون ذلك "في ظلّ المشروع الإصلاحي للملك"، وهي شارطة يُراد بها التّسليم بالسياسة الرّسميّة المعمول بها. http://www.iaa.bh/ar/arnews-details.aspx?id=362

3- وكالة أنباء البحرين "بنا" http://www.bna.bh/portal/en/news/521349

4- جاء في تقرير لجنة تقصّي الحقائق - النّسخة العربيّة – (قُدّم بتاريخ 23 نوفبمر 2011م) بأنّ تلفزيون البحرين أساء استخدام هذا المنبر الإعلامي وشارك في سلوكٍ، ربّما، يكون انطوى على التّشهير. ص 506، فقرة 1630.

5- تقرير لجنة تقصّي الحقائق، النّسخة العربيّة، ص 508، فقرة رقم 1640

6- انظر نتائج بحث "برنامج الراصد" في موقع يوتيوب. ومن بين الذين قدّموا البرنامج الإعلامي محمد الشّروقي، الذي خرج من تلفزيون البحرين ليلتحق بقنوات أخرى متخصّصة بالتّأجيج الطائفي. في حسابه عبر تويتر @malshurouki، يتبنّى الشروقي القاموس التخويني ضد المعارضة، ويمارس لغة تحقيريّة ضدّ رموزها السياسيين والدّينيين، ويكاد يتطابق أداؤه "الإعلامي" مع مجموعة "حارقهم".

7- من اللّافت أنّ تلفزيون البحرين، وعلى موقع الهيئة، يُعرِّف برنامج "كلمة أخيرة" على هذا النّحو: "تقدم الإعلامية المخضرمة سوسن الشاعر عمودها الصحفي اليومي في قالبٍ تلفزيوني يضم حوارات على طاولة مستديرة. حيث يستضيف البرنامج الإسبوعي مجموعة من المختصين في الشأن العام ليطرح عليهم القضايا المحلية و الإقليمية و يحاورهم فيها". ومن المعروف أن العمود اليومي للشّاعر يُنشر في صحيفة "الوطن" البحرينيّة، والتي تُصنّف باعتبارها من صحف التّحريض الطّائفي. والصّحيفة إحدى ثمار ما يُسمّى بتقرير "البندر"، وهو تقرير أصدره المستشار الحكومي المنشقّ صلاح البندر، وضمّ تفصيلاً لمخطّط القوى المتشدّدة في السّلطة لإثارة الفوضى في البلاد.

8- تقرير تقصّي الحقائق، ص 507، فقرة رقم 1635

9- انظر مثلاً تقريره الأخير حول قرية العكر البحرينيّة، أثناء حصارها من قبل الشّرطة، حيث أعدّ تقريره بغرض تكذيب الحصار، وتأكيد رواية السّلطات. قارن: تقرير العرب حول "العكر" http://www.youtube.com/watch?v=90PBe...eature=related. وتقرير آخر ينقل شهادات من أهالي العكر أثناء الحصار http://www.youtube.com/watch?v=Z97jm...eature=related . وكذلك تقريره "الأمني" بشأن ما يُعرف بنفق قرية عذاري البحرينيّة، والإيهام بوجود مخازن للأسلحة لدى المتظاهرين. وقد أرسلته السّلطات البحرينيّة إلى جنيف لحضور اجتماعات حقوق الإنسان في سبتمبر 2012، وقد تولّى مهمّة محدّدة وهي إثارة الوفد الأهلي ومشاغبته، وتعرّض للطّرد نتيجة ذلك.

10- تقرير تقصّي الحقائق، فقرة رقم 162

11- بتاريخ 23 أكتوبر 2012م قام يوسف محمد، مدير إدارة المطبوعات والنّشر في هيئة شؤون الإعلام، بإعادة نشر تغريدة لحساب مجموعة "حارقهم". الحساب لايزال يعمل حتّى تاريخ إعداد هذا التقرير، وينشر تغريدات بنفس المحتوى الطائفي، ويحرّض على العنف والكراهية. وقد كشف تقرير نُشر بتاريخ 26 أكتوبر 2012م على موقع "الفاتح نيوز" هوية الشّخصية التي تدير هذه المجموعة، وهو محمد بن سلمان آل خليفة http://alfatehnews.wordpress.com/

12- انظر: تقرير لجنة التقصي، الفصل العاشر. و: تقارير رابطة الصّحافة البحرينية، ومراسلون بلا حدود مثلا.

13- فاز وثائقي قناة "الجزيرة" الإنكليزيّة (البحرين.. صرخة في الظلام) بجوائز متنوّعة، منها جائزة «جورج بولك» الدولية. كاد يفجّر الفيلم أزمة بين البحرين وقطر، فقد وصفه وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بـ«المكيف»، وأضاف عبر حسابه على تويتر:"من الواضح أنّ في قطر مَن لا يريد خيراً للبحرين. وما الفيلم المكيّف في «الجزيرة» الإنكليزية سوى خير مثال على العداء غير المفهوم". وردّ سفير قطر لدى البحرين الشيخ عبد الله آل ثاني في حسابه بتويتر: "يستغل العاطفة ليزيد في نشر سمومه، فلا يتورع في ذلك حين يذكر أن هناك من يضمر السوء في قطر. (...) أحترم البحرين ملكاً وحكومة وولي العهد وشعباً غالياً على قلبي عشت معه لإحدى عشرة سنة (...) تعلمت الكثير فيه وله كل احترامي. أما من يتطاول على قطر ورموزها، فسأردّ بتوضيح الحقائق باحترام، ولن يعنيني السفهاء». وقد اشتعلت في الصحافة القطرية والبحرينية هذه المناوشة، حتّى هدأت فجأة.

14- عرض تلفزيون البحرين في نوفمبر 2011م، من خلال برنامج سوسن الشاعر، شريطاً ادّعى أنه يُظهر متظاهرين يمارسون التخريب. http://www.youtube.com/watch?v=q0kgALZCOno ونظراً لكونه مليئاً بالثغرات، فقد ردّ عليه معارضون بأسلوب ساخر http://www.youtube.com/watch?v=q0kgALZCOno

15- قُتِل الشّاب أحمد إسماعيل في مارس 2012م أثناء تصويره لإحدى التظاهرات في منطقة سلماباد. والشهيد إسماعيل ناشط إعلامي اختصّ بتغطية المسيرات والتظاهرات بكاميرته الخاصة. http://www.youtube.com/watch?v=v6y1lq7a6qw

16- مقال قاسم حسين، صحيفة الوسط البحرينيّة، العدد 3508 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ http://www.alwasatnews.com/3508/news/read/656011/1.html

17- صحيفة الأخبار اللّبنانيّة، ع 1632، 11 فبراير 2012م، ص 10-11، ملف بعنوان "المنامة عاصمة المكارثيّة العربية 2012". وقد نشرت مجلّة الآداب اللبنانية ملفاً بعنوان "انتفاضة البحرين" في عدد صيف 2012م ساهم فيه كتّاب بحرينيون.

يتبع..

nad-ali 05-02-2013 09:45 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

الجزء الخامس:

4-أزمة الإسكان..بل أزمتا الأرض والسكّان

http://bcsl.org.uk/images/nader.jpg
نادر المتروك

يتّفقُ البحرينيون جميعاً على الحديث عن أزمة سكن في بلادهم. تشيع في الإعلام وكتابات الصّحافة أوصافٌ تعتبر السكن "أزمة الأزمات"، و"القنبلة الموقوتة". هذه الأزمة من الملفّات التي تلقى إجماعاً بين فئات المجتمع البحريني، ولا يختلف حولها المعارضون عن الموالاة. ارتبطت هذه الأزمة بالأزمات الأخرى، وهي عادةً ما تكون موضوعاً سياسيّاً بالنسبة للسّلطة السّياسيّة في البحرين، خصوصاً حينما تعجّ البلاد بالأزمات المتراكمة. حين لجأت السّلطة إلى حلّ التجربة البرلمانيّة الأولى، عام 1975م، صرّح رئيس الوزراء، خليفة بن سلمان، بأنّ أزمة الإسكان ستكون إحدى أهم أولوياته في المرحلة المقبلة، مؤكّداً على إنهاء هذه الأزمة بسرعة. تكرّرت هذه التّصريحات الرّسميّة مع كلّ انعطاف سياسي تمرّ به البلاد، وصولاً إلى الرّابع عشر من فبراير 2011م، وحتّى كتابة هذا التّقرير.

اولاً:واقع الحال

بحسب طبيعة المشكلة الإسكانيّة؛ كان من الطّبيعي أن تتراكم طلبات الإسكان على مرّ السّنين. الحصيلة المتوافرة تفوق 52 ألف طلب إسكاني، مرشّح للزّيادة كلّ يوم. مؤخراً، لجأت الجهة الحكوميّة، وزارة الإسكان، إلى إلزام المراجعين بحجز مسبق للمواعيد، وهو ما يُشير إلى ضغوط متزايدة في مراجعات المواطنين (بما فيهم المجنّسين).

ومن الملاحظ أنّ هذه المشكلة لم تُواجَه بالنّكران من جانب الحكومة، فالأخيرةُ اعتادت على تسجيل وعود دائمة بحلّ المشكلة، وبطرقٍ مختلفة. عبّرت الدّولة عن هذه الوعودة بجملةٍ من الشّعارات البرّاقة. اتضح، عبر السّنوات، أنّ المسألة كانت هروباً من الحلّ، أو انشغالاً بأزماتٍ أخرى تعصف بالبلاد، لاسيما الأزمة السّياسيّة التي أخذت مجرى أكثر صداميّة مع احتجاجات 14 فبراير 2011م.

"بيت لكلّ مواطن"، هو اختصار للشّعارات التي ضخّتها الدّولة كلّ مرة. بعد اندلاع انتفاضة فبراير، لم يكن مستغرباً أن الحكومة لجأت بسرعة إلى تحسين مواقفها وصورتها من أزمة الإسكان. ابتدأ ذلك، وبنحوٍ دراماتيكي، مع الإتيان بالوزير السّابق مجيد العلوي على رأس وزارة الإسكان (فراير 2011). كان من الواضح أنّ الحكومة قدّمت حجماً متقدّماً من الوعود، ففي 27 فبراير 2011م وضع العلوي تشخيصاً مجملاً للمشكلة القائمة، مؤكّداً على أنّ هناك ما "يكفي من الموازنة والخطط ومن الأفكار لحلحلة الملف الإسكاني"، مبشّراً الجميع بتفاؤلٍ مُبكّر، فحواه "بأننا سنتقدّم خطوات كبيرة في طريق معالجة الأزمة الإسكانية بشكل جذري، من خلال تعاون الجميع(1).

بمواكبة مع الظروف العصيبة التي أحاطت الإتيان به، تقدّم الوزير العلوي سريعاً في إطلاق الحلول، وأعلن عن "خطّة عاجلة" لحلّ ملف الإسكان، تتضمّن "بناء 50 ألف وحدة سكنية خلال ثلاث سنوات".

لم يُقدَّر للعلوي أن يُنجز مهمّته، أو اختباره الأصعب، حيث علق عمله في الحكومة مع دخول قوّات درع الجزيرة في منتصف مارس 2011، واستخدام القوّة لإنهاء اعتصام دوّار اللؤلؤة، وأدى ذلك إلى تعيين وزير جديد.

باستثناء فترة السّلامة الوطنيّة (نهاية مايو 2011) كان موضوع الإسكان حديثاً متّفقاً عليه بين جميع الأطراف، وفي كلّ الأوقات. ليس ثمّة معارضة أو موالاة في هذا المجال، فالجميع يتحدّث عن "أزمة" حقيقيّة قائمة، كما يتّفق الجميع على تحميل الحكومة المسؤولية المباشرة على استمرار المشكلة، كما يقول النّائبان حسن الدّوسري، وعدنان المالكي(2). ولكن الموقف لا يذهب بعيداً بالنسبة للموالين، حيث يُكرّس الموالون انتقاداتهم للجهات التنفيذيّة في الحكومة، من غير سحبها إلى رئيس الحكومة، والذي يتّفق الموالون على اعتباره صادقاً في وعوده، مع وجود توجّه عام لمناشدة "القيادة العليا" لحلّ المشكلة، والإيحاء الدّائم بأنّ المشكلة تكمن في المعوّقات البيروقراطيّة، والتّزايد الطّبيعي في طلبات الإسكان.

لم يتغيّر الموقف الحكومي جرّاء ذلك. استمرّ وزراء الإسكان في ترديد العبارة "الإمكانيّة"، وأنّ الوزارة تضع خططاً إستراتيجيّة لحلّ المشكلة، مع إدخال طرفٍ آخر في المعادلة، متمثّلاً في القطاع الخاص، والذي مارس بدوره قدْراً من إلقاء المسؤوليّة على الحكومة، حيث وجّه بعض رجال الأعمال الأنظار إلى مشكلة ارتفاع سعر الأراضي وكلفة البناء، وطبيعة القروض البنكيّة غير الميسّرة(3). وقد أبرزت بعض الجهات الأهليّة المعنيّة بالإسكان، اهتماماً متزايداً في حلحلة الأزمة الإسكانيّة، وقدّمت جمعية العقاريين في 8 أكتوبر 2011م رؤيتها لحلّ الأزمة. هذا الاهتمام في إشراك القطاع في حلّ الطلبات الإسكانيّة دفعت به، على نحوٍ خاص، غرفةُ تجارة وصناعة البحرين في 17 سبتمبر 2012 أثناء اجتماع لجنة القطاع العقاري في الغرفة(4).

من جهتها، تؤكّد المعارضة على المضاعفات الخطيرة لأزمة الإسكان، وتذهب إلى أنّ الأزمة ترتبط بإهمال الدّولة لحلّها بطريقة جذريّة منذ البداية. بحسب المعارضة، فإن تراكم الطّلبات الإسكانيّة (قروض، شراء أرض، وحدات سكنيّة مؤقتة ودائمة) يرتبط هيكليّاً بأزمة الدّولة نفسها، والتي تعاني من الفساد وسوء الإدارة(5).

وفي هذا الإطار، يُثير سياسيّون وحقوقيّون مسائل تتعلّق بالأراضي، والاستملاك الخاص، ودفان السّواحل من قِبل أشخاص متنفّذين ومن أبناء العائلة الخليفيّة خاصةً، وكذلك مسألة التّجنيس والفساد المالي الذي تتطرّق إلى بعض جوانبة تقارير الرقابة المالية التي تصدرها الدّولة.

كلّ تلك العوامل أدّت إلى أن يكون أكثر من 500 كم من مجموع أرض البحرين (البالغة 700 كم) في قبضة عدد محدود من الملاّك، في حين يتنافس على البقيّة كلّ من الدّولة والمستثمرين وعامة المواطنين. يزيد من المخاوف، أنّ عملية توزيع الأراضي وتخطيطها تتمّ خلف الأستار، ويخفى على المعنيين بالقطّاع العقاري الجهات التي تتولّى هذه العمليّة.

دخول المستثمر الخليجي ضاعف من حدّة الأزمة السّكانيّة، حيث يُعاني المواطن البحريني من محدوديّة الدّخل، في حين يتمتع الخليجي بقوّة شرائيّة تمنحه القدرة الواسعة على الاستثمار في الأراضي، وهو ما يعني زيادة سعر الأراضي، وبالتّالي مضاعفة أزمة السكن بالنسبة للمواطنين.



ثانياً: السّياسات المتّبعة

مجمل السّياسات التي اتّبعتها الحكومة لمعالجة أزمة الإسكان، تنحصر في حدود التّعاطي معها بوصفها إفرازاً لأزماتٍ أخرى، أو مرتبطة بها، وليست أزمة لها أبعادها الخاصة، بما يعني ضرورة التّخطيط الإستراتيجي لها، وبمعزل عن الظّروف المحيطة.

لهذا السّبب، لم تنجح الحكومة في إنهاء الأزمة، بل إن سياساتها المتعثّرة أو المؤقّتة تسبّبت في خلق تراكمات إضافيّة كما سنلاحظ. سعت الحكومة إلى استملاك الأراضي، لإقامة المزيد من المشاريع الإسكانيّة، إلاّ أنّ ذلك لم يكن كافياً، ولأسبابٍ تتعلّق بمشاكل جوهريّة تتعلّق بصعوبة الوضع المعيشي، ومحدوديّة الدّخل، وعدم كفاية التمويل البنكي والقروض الممنوحة، فضلاً عن ارتفاع كلفة البناء بشكلٍ عام.

تتحدّث الحكومة، باستمرار، عن إستراتيجيّة لحلّ الأزمة، إلا أنّ بقاء الأزمة وتفاقهما يشير إلى غياب إستراتيجيّة حقيقيّة معمول بها كما تمّت الإشارة. ومن المريب، من بعض الجهات، الحديث عن تجاوز الأزمة لقدرة الدّولة وإمكاناتها، لاسيما في ظلّ إلحاح القطاع الخاص على تمكينه من الإسهام في حلّ المشكلة الإسكانيّة. ليس فقط الإهمال هو السّبب في تراكم الأزمة، وبالتّالي احتشاد الطّلبات الإسكانيّة وصعوبة تلبيتها جميعاً في الوقت المناسب، فالرؤية الإستراتيجية تغيب تماماً، خصوصاً في ظلّ المشاكل الجوهريّة المتعلّقة بإدارة الدّولة عموماً، وتسيير أمورها العامة وفق سياسات التّمييز والفساد المالي والمحسوبيّات.

انحصرت السياسات الحكوميّة على التحرّك في إطار "الأرض"، ومن غير مواكبة كافية للمحاور الأخرى المرتبطة بخصوصيّة الأوضاع الاجتماعيّة للبلد، والتشكيلات المركّبة للسّكان، والأبعاد المرتبطة بالتمويل والمساعدات البنكيّة. على هذا النّحو، كانت سياسة البناء العمودي ونظام الشقق محلّ إعراض واعتراض غير قليل من جانب أصحاب الطّلبات الإسكانيّة. وبسبب نقص مساحات الأرض، وضغط الطّلبات (فاقمتها سياسة التّجنيس) لم ينفع التوجّه إلى البيوت الذكيّة في الحدّ من تفاقم الأزمة، ويتّصل ذلك بشكل محوري بتمركز الكثافة السّكانيّة في مناطق معيّنة من البلاد (شمال البحرين ووسطها)، حيث تنتشر أراض شاسعة في المناطق الجنوبيّة غير واردة في التخطيط الإسكاني العام، وانحصار المشاريع الإسكانيّة فيها بفئات معيّنة، وخصوصاً العاملين في السّلك العسكري والمرتبطين بالعائلة الحاكمة. إضافة إلى ذلك، فإنّ هناك مجموعة من الجزر المناسبة(6) لإقامة مشاريع الإسكان عليها، ولكنها مستبعدة نهائيّاً لكونها خاضعة لسيطرة كبار شخصيّات عائلة آل خليفة، ويتم التّعامل معها بوصفها مناطق مسكوت عنها عادةً بفعل نظام الهيمنة والاستبداد السّائد في البلاد.



ثالثا: النتّائج

عدم وجود مخطّط هيكلي واضح ومعلن للأراضي في البحرين؛ تسبّب في تعويم كلّ الحلول الموضوعة لحلّ أزمة الإسكان. على هذا النّحو؛ كان استمرار التبرّم، وعدم تطويق امتداد المشكلة، والطّفرة في الطّلبات، وممانعة الأهالي ورفضهم لأنظمة الإسكان غير الملائمة مع الطبيعة الاجتماعيّة للمواطنين، والذين يجدون صعوبة في التّجانس مع فئة المجنّسين المُراد زرْعهم عنوةً داخل النّسيج الاجتماعي وشبْكهم في علاقاتٍ جديدة تسمح للنّظام باستثمارهم سياسيّاً وطائفيّاً. أخفقت كلّ الحلول التي اعتمدتها الحكومة في حلّ مشكلة الإسكان، وفي المقابل، فإنّها لم تغيّر جذريّاً في سياساتها.

في ظلّ ذلك، كان توجيه الحلول نحو "الأرض"، سبباً في بروز مشاكل أخرى، وكانت بمثابة النتائج المدمّرة لغياب السياسة الحكيمة، أو لسيطرة الفساد على إدارة الأزمة. برز على هذا الصّعيد ما يُعرف بالدّفان، أو ردم البحر، من أجل توفير الأرض المطلوبة للإسكان أو للاستثمارات الأخرى. وخلال السّنوات العشر الماضية، تمّ "ردم أكثر من 60 كم من بحر (البحرين)، أي ما يوازي 10% من مساحة يابسة البحرين الأصليّة"(7). جرّاء ذلك، غاب البحر بوصفه معلماً أساسيّاً في حياة البحرينيين، وكان الدّفان فرصةً ذهبيّة لكبار المتنفّذين الذين لم يهتمّوا بالمسألة الإسكانيّة للمواطنين، وكان اهتمامهم محصوراً في إقامة مدن جديدة تُرضي كبار الملاّك والموظفين الأجانب والشّخصيات القريبة من الحكم.

غير مستبعد ما يذهب إليه باحثون من أن طبيعة السياسة العقاريّة المتّبعة في البحرين سوف تؤدي إلى ما يُشبه "اقتلاع الجذور"، وإحداث أكبر خلل في التركيب السّكاني للمواطنين، وذلك إرضاءاً لجشع التّجار المحلّيين والوافدين والمتنفّذين (وهي عبارة تتضمّن عادةً الفاسدين من العائلة الحاكمة)(8). وسيكون لذلك مضاعفات على حقوق المواطنين، وإعادة رسم الخارطة السّياسية، وبما يُتيح للنّظام السّياسي توسيع نطاق الهيمنة والإخضاع السّياسي والتّحكم في الإفرازات السّكانيّة وتوجّهاتها. وهي جوانب سيتم التطرّق إليها في الملف الخاص بالتّجنيس في البحرين.



رابعا: التحّديّات والسيّناريوهات

يتداخل في مسألة الإسكان الصّراعُ الحاد على أهم محورين في المناجزة السيّاسيّة القائمة في البحرين اليوم. الأوّل، محور الأرض، والثّاني محور السّكان. عمِد نظام الحكم إلى السّيطرة على منافذ القوّة على الأرض، فتحكّم في حدود الانتشار، وطريق التملّك. من جانبٍ آخر، اشتغل الحكم على الطبيعية السّكانيّة، وأنشأ فئات مختلطة من السّكان، وهو ما يوفّر حجماً مؤثراً في التأثير على إدارة أزمة الإسكان من جهة، والحيلولة دون الانتقال إلى الاستحقاقات المعيشيّة الأكبر من جهةٍ أخرى.

التّحدي البالغ سيكون في إفراز دولة متوافق عليها تكون مؤتمنة لوضع خارطة تخطيطيّة تفصيليّة للبلاد، وإنجاز سياسة مناسبة لتخطيط المدن والمشروعات الإسكانيّة، وبالتّوازي مع مراجعة شاملة لمسألة التّجنيس، والتي أفرزت جملة من التّحديات أمام المجتمع البحريني من جهة، وإمكانات الدّولة الخدميّة من جهة أخرى، ومن المؤكّد أنّ التّغاضي عن هذه المسألة لن يُفضي إلى حلولٍ جادة لأزمة الإسكان، ولأزمة الوطن في المحصّلة. ولاشكّ أنّ النّظام الحالي في البحرين غير مؤهّل حتّى الآن للإقدام على خطوات عمليّة في أمْرَي الأرض والسّكان، ومن المتوقّع أنّ القائمين على الحُكم سيواصلون الأداء السّابق، والقائم على ضخّ الوعود، وتطبيق السّياسات الإسكانيّة غير المتكاملة، بما يعني ذلك فرْض الأمر الواقع على الجميع.

_____________________________

1- وكالة أنباء البحرين (بنا) بنا 0746 جمت 27/02/2011

2- صحيفة "الوطن"، تاريخ 29 أغسطس 2012م؛ يقول النّائب الدوسري: " إن ما يعانيه البحرينيون في قضايا الإسكان ليست مشكلة بل أزمة، وأنها اليوم وبفعل عدم وجود استراتيجيات حقيقية لدى الوزارة، وصلت الأزمة إلى العمق وتجذرت، وحين تتحول المشكلة إلى أزمة حقيقية". ويقول المالكي “حين أتحدث معكم عن قضية الإسكان، فإني أتحدث معكم عن قضية شعب بأكمله، فكم من وزير تم تبديله بسبب ضعف أدائه أو لأسباب أخرى، وكلهم لم يكونوا يملكون خططاً واضحة وصريحة في تنفيذ المشاريع، ما يؤدي بالتالي إلى تأخيرها”.

3-رجل الأعمال عبدالله الكبيسي.

4-صحيفة الوطن - العدد 2473 الأثنين 17 سبتمبر 2012

5-انظر رؤية جميعة الوفاق الوطني الإسلاميّة للأزمة الإسكانيّة، موقع الوفاق الإلكتروني www.alwefaq.org

6-تضمّ البحرين حالياً ما يصل إلى 36 جزيرة، وليس مُتاحاً الاستفادة العامة من أكثرها. وتعدّ المنامة (البحرين) وسترة والمحرّق أكبر هذه الجزر من حيث المساحة، وهي مأهولة بالسّكان. ومن مجموع مساحة البحرين، فإنّ المنطقة المعمورة تساوي 330 كم فقط.

7-عمر الشّهابي، المدينة والدفان في الخليج العربي، موقع مركز الخليج لسياسات التّنمية.

8-عمر الشهابي، "اقتلاع الجذور.. المشاريع العقارية وتفاقم الخلل السكاني في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة"، مركز دراسات الوحدة العربيّة, ط 2012.

يتبع..

nad-ali 05-02-2013 09:48 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...0/BCSL-T-1.png

http://bcsl.org.uk/images/bhs2013bgar.jpg

الجزء السادس:

الفصل الثالث: الاقتصاد.. التداعيات والربح

http://bcsl.org.uk/images/jassimhussain.jpg

د.جاسم حسين

5- المارشال الخليجي: بديل الإصلاح السياسي والاقتصادي

أكثر ما يخشى من مشروع (المارشال الخليجي) المعني بتقديم منح مالية لكل من البحرين وعمان هو أن يكون بديلا عن تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة. ففيما يخص البحرين وهو موضوع بحثنا يتداول وراء الكواليس حديث مرده وجود رغبة للاستفادة من الأموال الخليجية بدأ بالعون المالي من الكويت لمعالجة بعض الملفات الساخنة غير السياسية، خصوصا تلك المتعلقة بتوفير مستوى من الرفاهية للمواطنين. وتشمل هذه الملفات- والتي تركز على المسائل المعيشية- أموراً مثل: الإسكان وتطوير البنية التحتية (كالكهرباء) وتطوير شبكة الطرق وتطوير مرافق صحية ومنشآت تعليمية في مختلف ربوع المملكة.

بمعنى آخر يخشى أن يكون المارشال الخليجي بديلا عن تنفيذ إصلاحات ديمقراطية جوهرية. ومرد ذلك استغلال حاجة البعض للحصول على مسكن لائق فضلا عن وظيفة توفر العيش الكريم له ولأفراد أسرته لكن على حسابالمطالبات الديمقراطية.

أولا: مال سياسي

بالعودة للوراء وافق مجلس التعاون الخليجي في العام 2011 بتقديم مبلغ قدره 10 مليار دولار لكل من مملكة البحرين وسلطنة عمان على حده، بغية مساعدة البلدين العضوين في المنظومة الخليجية بالتكيف مع أسباب وتداعيات اندلاع احتجاجات سياسية في الربع الأول من 2011. وكانت البحرين أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تشهد مظاهرات شعبية في أعقاب الربيع العربي بهدف تحقيق مطالب ديمقراطية، وشراكة في صنع القرارات والخيارات ومعالجة التحديات التي تواجه البلاد فضلا عن القضاء على كافة أشكال التمييز بين المواطنين وضمان تكافؤ الفرص.

وفهم من القرار أو التوجه كونه غير ملزم قيام الدول الأربع الأخرى وهي الغنية نسبيا وتحديدا السعودية والإمارات وقطر والكويت تحمل العبء المالي بالتساوي أي 2.5 مليار دولار من أصل 10 مليار دولار. عموما ليس متى وهل سوف تقدم الدول الثلاث الأخرى في تقديم العون المادي للبحرين وهل سوف يتم التعبير عن الدعم بشكل نقد أم بآلية أخرى.



ثانياً: الكويت في المقدمة

حقيقة القول لم يكن مفاجئا أخذ الكويت زمام المبادرة الخليجية بتقديم العون المالي للبحرين، بالنظر للروابط التاريخية بين البلدين الشقيقين على كافة المستويات الرسمية منها والشعبية. بل تشتهر الكويت بتقديم مساعدات دورية للبحرين تنصب كلها في خدمة التنمية مع التركيز على حقل التعليم وعلى الخصوص إنشاء مدارس نموذجية فضلا عن تطوير القطاع الصحي مثل بناء مراكز صحية.

وكانت الحكومة الكويتية قد وافقت في شهر يونيه على تخصيص هذا المبلغ للبحرين انطلاقا من ميزانية السنة المالية 13-2012. تبدأ السنة المالية في الكويت في شهر أبريل وتنتهي في مارس وبالتالي تم تخصيص المبلغ من العام الجاري. كما أنه لم يكن من المتوقع وقوف السلطة التشريعية حجر عثرة أمام الإقرار النهائي للمخصصات المالية للبحرين نظرا للعلاقة الطيبة التي تربط البلدين.

وتماشيا مع التوجه الخليجي المتفق عليه سوف يتم توزيع مبلغ 2.5 مليار دولار على مدى 10 سنوات بقيمة 250 مليون دولار سنويا. ويعد هذا الأمر صحيحا لأن المطلوب صرف الأموال على مشاريع تنموية بعد إخضاعها لدراسات مستفيضة، إضافة للتأكد من قدرة الأسواق المحلية على استيعاب الأموال والأنشطة وبالتالي ضمان وجود طاقة استيعابية.

كما تشتهر هكذا مساعدة بضمان وجود نوع من استدامة دخول أموال جديدة في الاقتصاد البحريني لفترة مطولة نسبيا. وهذا يذكرنا بمقولة (قليل دائم خير من كثير من منقطع). في المقابل من شأن دخول أموال ضخمة وبسرعة التسبب بالتضخم، وهي حالة غير مرغوب فيها في كل حال من الأحوال. بل هناك شبه اتفاق بين الاقتصاديين بأن التضخم عدو جوهري لأي اقتصاد لأنه ينال من القدرة الشرائية للناس.



ثالثاً: مشاريع متنوعة

تتضمن تفاصيل المرحلة الأولى من مبلغ الدعم الكويتي أي 250 مليون دولار الصرف على البنية التحتية مثل تطوير شبكة الطرق التابعة لمشروعين إسكانيين فضلا عن شوارع أخرى وتوسعة محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي وتمويل جانب من شبكة نقل الكهرباء. أيضا سوف يتم تخصيص جانب من الأموال لمشاريع تطوير البنية التحتية بمدينة سلمان الصناعية شمال العاصمة فضلا عن إنشاء مجمع الإعاقة وإنشاء مجمع للخدمات الاجتماعية وبالتالي أمور مهمة وحساسة.

بالتمعن في مخصصات أول دفعة سوف يتم توظيف جانب من الدعم لإنشاء 6600 وحدة سكنية في شمال وغرب العاصمة المنامة، وبالتالي المساهمة في حل موضوع شائك في البحرين. يشار إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين بحرينيين يعتمدون على مشاريع خدمات إسكانية حكومية لحل مشكلة السكن بسبب الواقع المعيشي للمواطنين والمتمثل بمحدودية الدخل. حيث يعد شراء أو بناء منزل القرار الأكثر كلفة للناس بصورة عامة ولا يمكن مقارنة ذلك مع شراء سيارة على سبيل المثال.

لكن الملفت بأن السواد الأعظم من المنازل المراد تشييدها تقع في محافظة المحرق وليس محافظتي الشمالية والعاصمة. وتحديدا سوف يتم تمويل بناء 4500 وحدة سكنية شرق الحد مقابل 2100 وحدة سكنية في الجزيرة رقم 14 بالمدينة الشمالية. مصدر الذهول هو أن الأزمة الإسكانية متفاقمة بشكل أساسي في المحافظة الشمالية والتي بدورها تحتضن أكبر نسبة تجمع للمواطنين بين المحافظات الخمس للمملكة. لكن ما يبعث على الاطمئنان هو تخصيص 45 في المائة من نفقات المرحلة الأولى للدعم المالي الكويتي للمشاريع الإسكانية.

وبخصوص الشوارع المراد تطويرها في إطار 250 مليون دولار فهناك الطريق المؤدى للمدينة الشمالية، الطريق الغربي، الطريق الساحلي، تطوير شارع الشيخ جابر الأحمد الصباح (أي الأمير السابق لدولة الكويت).

كما تشمل المشاريع جانب من المرحلة الرابعة من توسعة محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي، تمويل جانب من مشروع تطوير شبكة نقل الكهرباء جهد 400 كيلو فولت وتمويل جانب من مشروع تطوير شبكة نقل الكهرباء جهد 220 كيلو فولت.

وبخصوص قطاع الكهرباء تبين لنا بعد البحث والتمحيص بأن الكلفة الإجمالية عبارة عن 800 مليون دولار حيث قررت الكويت تحمل 250 مليون دولار من المجموع. ويفهم من هذا الأمر توقع قيام الدول الثلاث الأخرى (السعودية والإمارات وقطر) بتحمل باقي الأموال لكن الصورة ليست واضحة بخصوص الدعم المالي الخليجي عير الكويتي.

ويتوقع تخصيص مبلغ أكبر من الدعم المالي الكويتي لمشروع الكهرباء ربما في 2013 و 2014 حيث من المقرر الانتهاء منه في غضون ثلاث سنوات. بمعنى آخر سوف يتم تخصيص أكبر من الدعم المالي الكويتي لقطاع الكهرباء مستقبلا. ومن شأن تطوير قطاع الكهرباء المساهمة شبه القضاء على أزمة انقطاع الكهرباء من جهة وتعزيز توافر الطاقة لأغراض السكن والصناعة وغيرها من الأمور الحيوية. وربما يفهم من إسناد حقيبة الكهرباء للوزير د.عبدالحسين ميرزا إلى رغبة الحكومة بالاستفادة من خبراته للإشراف على هذا القطاع المهم بالنسبة للمشاريع التنموية بشكل عام. وحتى الأمس القريب كان الوزير ميرزا يتولى حقائب وزارية أخرى مثل النفط.

أيضا تقرر تخصيص مبلغ وقدره 23 مليون دولار من الدعم الكويتي بهدف إنشاء مجمع عصري للإعاقة في منطقة عالي، يشمل على كافة وسائل الترفيه والتعليم. ومن المنتظر الانتهاء من المشروع النوعي في غضون سنتين.

من جهة أخرى من شأن تطوير مدينة سلمان الصناعية المساهمة في حل معضلة أخرى وهي توفير فرص عمل مناسبة للمواطنين. يعتبر القطاع الصناعي حيويا أنه يتمتع بقدرة توفير عدد ضخم من الوظائف وهي من المسائل المهمة في البلاد. يتميز الشعب البحريني بوجود رغبة لدى قطاع واسع من الشعب للعمل في المجال الصناعي كما هو الحال مع صناعة الألمنيوم فضلا عن القطاع النفطي.

اللافت في هذا الصدد قيام الجانبين بالتوقيع على اتفاقية إطارية لم يتم الإعلان عن تفاصيلها بشكل كامل. لكن اشتهر وهو أمر معقول ضرورة حصول موافقة كويتية بل وإشراف كويتي على كافة تفاصيل المشاريع التنموية المقررة لضمان عودة الأموال بالنفع المباشر على المواطنين مثل الإسكان والبنية التحتية والصحة والتعليم ورعاية الشبابوغيرها من الأمور المتعددة.



رابعا: تعزيز الاقتصاد أم تعزيز الحل الأمني

يعد مبلغ الدعم المالي الخليجي -أي 10 مليار دولار- ضخما نسبيا قياسا بالواقع الاقتصادي للبحرين. الشواهد والأدلة على ذلك كثيرة حيث لا يزيد حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين عن 26 مليار دولار استنادا لمبدأ الأسعار الجارية، وأقل من ذلك عند احتساب الأرقام ضمن مفهوم الأسعار الثابتة، أي بعد إبعاد هامش ارتفاع أسعار النفط. كما تقل قيمة النفقات المخصصة للسنة المالية 2012 عن 9 مليار دولار تذهب غالبيتها للنفقات الجارية مثل الرواتب بدل المشاريع التنموية.

كما من شأن النفقات المرتبطة بالدعم المالي الخليجي المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي في البحرين، وهي مسألة ذات أهمية بالنظر للنتائج غير المرضية للعام 2011. فحسب مجلس التنمية الاقتصادية وهي الجهة المخولة برسم السياسيات الاقتصادية فقد تم تسجيل نمو فعلي أي بعد تحييد عامل التضخم قدره 2.2 في المائة فقط في 2011. بالمقارنة وحسب المصدر نفسه تم تحقيق نمو اقتصادي قدره 4 في المائة في 2010. في المقابل قدر صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.8 في المائة في 2011 وبالتالي أقل من التقديرات الرسمية. وحسب الصندوق حقق الاقتصاد البحريني نموا قدره 4.1 في المائة في 2010 (الرجاء ملاحظة بحث آخر حول تراجع الأهمية النسبية لمجلس التنمية الاقتصادية في أعقاب الحراك الديمقراطي في البلاد).

كما من شأن المنحة المالية الكويتية وضع حد لتنامي ظاهرة المديونية العامة والتي تقدر بنحو 11.6 مليار دولار أي 44 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي (الرجاء ملاحظة بحث آخر حول المديونية العامة).

عموما يتوقع أن يساهم المبلغ الدعم المالي الخليجي في تعزيز النشاط الاقتصادي بشكل عام، عبر ما يعرف بمتغير (مضاعف الدخل) حيث يتحول كل دينار إلى أكثر من دينار في الاقتصاد عن طريق تبادل الأيدي. كما سوف يستفيد القطاع الخاص من الدعم الخليجي بناء على مبدأ (الخير يعم). والمقصود هنا عبارة عن تحول عمليات شراء لمختلف أنواع المنتجات والخدمات عند إنشاء مدارس ومراكز وتطوير طرق. كما من شأنه تعزيز إنتاج الكهرباء ضمان وصول الخدمة لمن يحتاجها وخصوصا بالنسبة لقطاعي الصناعة والتجارة.

مهما يكن من أمر يشكل إقرار الكويت بتقديم مبلغ مالي ضخم نسبيا للبحرين في إطار ما يعرف بمشروع (المارشال الخليجي) نقلة نوعية في عملية التكامل الاقتصادي في المنظومة الخليجية حيث تقوم البلدان الغنية بمساعدة تلك الفقيرة نسبيا. حقيقة القول يعتبر الاقتصاد السعودي الأكبر من نوعه على مستوى العالم العربي. كما يعد دخل الفرد في قطر الأعلى من نوعه على الإطلاق دونما منافس يذكر.

بيد أنه في الوقت الذي لا بد من الترحيب بالدعم المالي الخليجي لا بد من التأكيد على مسألة جوهرية وهي أن لا يكون الدعم بديلا عن حل المعضلات السياسية التي تواجه البحرين حيث ليس بالمقدور الخلط بين الأمرين.

nad-ali 05-02-2013 09:50 PM

طهران تنعى «المشروع القطري»: الرياض تغيّر الاتجاه... وواشنطن تلهث للتفاوض

إيلي شلهوب ..



اعتاد صديق القول إن الفرق بين العقل الإيراني وباقي العقول كالفرق بين نظامي تشغيل ماكينتوش وويندوز. الرموز مختلفة، كذلك آليات القراءة، وبالطبع النتائج. فرق لا يمكن أن يتلمسه إلا متابع دقيق لمقاربة المسؤولين الإيرانيين لما يجري في الداخل والخارج. مقاربة، برهنت بعد 34 عاماً على الثورة، أنها فعّالة. فهل تصيب هذه المرة أيضاً؟




تتسارع التطورات في المنطقة في أكثر من اتجاه. جو بايدن يعرض مفاوضات مباشرة على طهران. معاذ الخطيب يستعد لزيارتها. تعيين مقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس الوزراء في السعودية. حزب النور السلفي في مصر ينقلب على الإخوان، في خطوة تؤدي إلى تصدعه، ولا يوقف تمرده هذا... وكل ذلك في خضمّ الغارة الإسرائيلية على سوريا، وقبل أسابيع من اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آذار المقبل.


حراك يبدو للوهلة الأولى متعدد المسارات ولا رابط بينها. لكنها في عيون المعنيين في طهران تأتي في سياق واحدة جامع لا يمكن فهم أيّ مما يجري في المنطقة من دونه. مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في إيران تختصره بجملة واحدة: هزيمة المشروع القطري في المنطقة التي تتجه نحو تسوية في قمة الكبار.


مشروع قطري في المنطقة؟ يأتي الجواب بسيطاً ومختصراً: المقصود محاولة قطر بناء دائرة نفوذ للإخوان المسلمين تمتد من تركيا إلى المغرب في مقابل المشروع الإيراني. هزيمة لعل أبرز الدلائل حولها، على ما تصفه المصادر، بأنه «تراجع أميركي سعودي منظم»، من مؤشراته دعوة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لطهران إلى مفاوضات مباشرة، والصدام السعودي القطري في أكثر من محور. «ألم تلاحظ أن كل النقد يتوجه منذ مدة إلى تركيا وقطر، ويجري تحييد السعودية».

«واشنطن ومعها تل أبيب والرياض تريد أن تنسحب من الجبهة الداعمة للإخوان المسلمين».

الحديث هنا يجري عن أكثر من ملف. في سوريا، قناة تفاوض سعودية سورية عبر الأردن. تقارب انعكس ميدانياً في توجه لواء التوحيد المدعوم من السعودية، الذي يحاصر غالبية القرى الشيعية والمسيحية في الشمال السوري، إلى قريتي نبّل والزهراء الشيعيتين موزعاً السلاح والأموال تحت عنوان: ما عدنا نريد أن نقاتل الشيعة، بل جبهة النصرة (المدعومة من قطر). هذا ما تؤكده مصادر سورية وثيقة الاطلاع كشفت أيضاً عن أن «صفقة إطلاق الرهائن الإيرانيين في سوريا، تضمنت إطلاق معتقلين سعوديين من السجون السورية جاء الأمير السعودي عبد العزيز بن عبد الله إلى دمشق وأخذهم بنفسه». ولا يمكن نسيان عودة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى اللجنة الرباعية المعنية بالأزمة السورية بعد مقاطعة طويلة.


في مصر، السلفيون، وفي مقدمتهم حزب النور السلفي (المدعوم من السعودية)، يحيدون أنفسهم عن «الإخوان» (المدعومين من قطر) في خطوة أدت إلى تصدعات في صفوفهم. «وحدها جماعة حازم أبو اسماعيل بقيت متحالفة مع الإخوان. قيادات حزب النور أخذت مسافة، في مقدمهم منظر السلفيين في مصر (الداعية) محمد حسان الذي بدا أكثر قرباً من جبهة الإنقاذ». ويفسر البعض ما يجري لمحمد مرسي بأنه تعبير عن توجه أميركي مدعوم من حلفاء واشنطن في المنطقة بإضعاف مصر، عبر ترك رئيسها منهمكاً بالشؤون الداخلية من دون أن تكون له القدرة على التفكير في الخارج، وخاصة إسرائيل.


لكن المؤشر الأبرز، في عيون المعنيين في طهران، كان تعيين مقرن بن عبد العزيز في منصبه الجديد، لافتين إلى أن هذا الأخير هو «منظّر التقارب السعودي ـــ السوري، الذي ترجم في إحدى المراحل في معادلة سين ــ سين». بنظر هؤلاء، «أعطت القيادة السعودية بندر بن سلطان الفرصة»، عبر تكليفه قيادة جهاز الاستخبارات. «جربناك ولم تفعل شيئاً»، الجملة التي يقدر الإيرانيون أن تكون قد هُمس بها في أذن بندر. يستعيدون عبارة نقلها لهم مسؤول خليجي رفيع المستوى: «الأميركيون ضاقوا ذرعاً بـ(رجب طيب) أردوغان»، في إشارة إلى رئيس وزراء تركيا. وبناءً عليه، يرى هؤلاء أن السعودية بدأت تأخذ زمام المبادرة شيئاً فشيئاً من أيدي قطر.

ننتقل الآن إلى عرض بايدن. يضحك محدثوك عندما تسأل عما يجري. يكشفون عن أن إيران تلقت على مدى الأشهر الماضية أكثر من عرض أميركي، عبر وسطاء بينهم أوستراليا وإيطاليا وألمانيا. المشترك بين كل هذه العروض كان النووي: قبول طهران بوقف التخصيب بنسبة 20 في المئة، في مقابل اعتراف دولي بها دولة نووية. الاختلاف بين الرسائل كان يتعلق بتقسيم دوائر النفوذ في المنطقة: كلها تعطي إيران حقها في ممارسة نفوذها على الخليج كله. لكن مرة يعرض أن تسحب إيران يدها من الملف السوري في مقابل أن تصبح جزءاً من الحل، ومرة تُشترَط أمور يفهم منها وقف طهران تمددها باتجاه البحر الأحمر ومصر وباتجاه المتوسط. وإن شملت كلها تأكيدات لـ«مفاوضات مفتوحة إلى حين التوصل إلى اتفاق».
في مقابل هذه العروض، يجزم المعنيون بأن «الوقت ليس وقت تفاوض. لن يحصل شيء قبل تحصين عرين الأسد»، في إشارة إلى الرئيس السوري. بدا ذلك من خلال رد علي أكبر صالحي: ندرس الاقتراح.

الموكلون الملف السوري في طهران يكشفون عن أن الرئيس الأسد «فوض إلى طهران خطياً التفاوض نيابة عن دمشق مع من تريد في سبيل إيجاد حل في سوريا»، مشيرين إلى أن «كل أطياف القوس المعارض السوري، من سلمي ومسلح، إلى معاذ الخطيب، كلهم اتصلوا بنا. أدركوا أن اتفاق بوتين أوباما على حلول تفاوضية أصبح من المسلمات. لا يريدون أن يقضوا بين الأرجل». ويضيفون: «نعدّ لطاولة مفاوضات نفضلها في دمشق. لكن المعارضة السورية تريدها في الخارج».


معلومة تفتح الباب أمام سؤالين: ماذا يفعل سعيد جليلي في دمشق؟ «يضع الأسد بصورة المباحثات الدولية والعروض الغربية للتفاوض. وفي الوقت نفسه، يضع خبرات إيران وقدراتها في تصرف دمشق إن كان القرار الرد على الغارة الإسرائيلية». ولماذا يضع الأسد كل أوراقه بيد طهران؟ «لأنه يثق بالإيرانيين أكثر مما يثق بالروس. روسيا تقاتل من أجل أمنها القومي. تقاتل في دمشق لحماية أسوار موسكو. قتالها دفاعي. أما إيران، فهي تقاتل من أجل القدس. عقيدتها العسكرية تختصر بمقولة أنه بقتالها على أبواب تل أبيب تكون تدافع عن جميع العواصم العربية والإسلامية. قتالها تقدمي».


وماذا عن الغارة الإسرائيلية؟ وعن الرد المزعوم؟ ضحكة. «لنتفق أولاً على أن ما فعله الإسرائيلي أشبه بلعب كلمات متقاطعة في المرحلة الانتقالية الأميركية في المنطقة. غارة ضربت هدفاً ساقطاً عسكرياً. لم يكن أمامه هدف متاح. موقع أخلي منذ أشهر. وثانياً، أنها أظهرت للعالم كله أن كل ما كنا نقوله منذ عامين صحيح. أن الإسرائيلي هو المدير الحقيقي للعمليات في سوريا والباقي أدوات. لا ثورة ولا ربيع ولا من يحزنون. وثالثاً، أن (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو، بضربته تلك، يكون قد حرر واشنطن من ضغوطه لتصعيد المعركة، تحت عنوان أن الغارة لم تحقق شيئاً، وفي الوقت نفسه أرضى شهيته للحرب». حسناً، لكن أين الرد؟ «لننتهِ أولاً من التوظيف السياسي للغارة. الأتراك سقطت لهم طائرة ولم يردوا. لا يعني أنهم سكتوا. وظفوا الضربة في مكان آخر. إيران قتل لها علماء وحصل داخلها عمليات تفجيرات، ولم تعلن الحرب. الأمور ليست دائماً أسود أو أبيض». للفائدة، «سقطت طالبان في أفغانستان، وصدام حسين في العراق، من دون طلقة واحدة». ألن يفسر عدم الرد ضعفاً؟ «أولاً، لم يقل أحد إنه لن يكون هناك رد. ثانياً، الإسرائيلي أكثر ذكاءً ليعتقد بضعف. هو يعلم أن قواعد الاشتباك معه في مكان آخر، وطبيعتها مختلفة عن ألعاب الصغار التي يلعبها».





http://www.al-akhbar.com/node/176839


kumait 06-02-2013 03:49 PM

ايران تحتفل بذكرى ثورتها وعينها على الخارج
 
ايران تحتفل بذكرى ثورتها وعينها على الخارج
د. سعيد الشهابي

الانجاز السياسي لهثمنه الاقتصادي الباهظ في الدول الناهضة، هذه واحدة من حقائق الثورة الاسلاميةالايرانية التي يحتفل قادتها وشعبها هذه الايام بمرور 34 عاما على انتصارها. وليسمن الصعب ادراك حقيقة اخرى ذات صلة، مفادها ان من جذور الاختلاف بين الفرقاءالايرانيين (وآخر تجلياته ما جرى مؤخرا من تبادل الاتهامات بين الرئيس احمدي نجاد،ورئيس مجلس الشورى الاسلامي، علي لاريجاني) الموقف ازاء طرفي هذه المعادلة.

فأيهما الاهم: الانجاز السياسي على الصعيد الدولي الذي يجعل الدولة مهابة، ام الرفاه الاقتصادي مع غياب الاستقلال والمكانة السياسية؟

زعماء ثورة ايران التي اطلقهاالامام الخميني واسقطت اكبر عروش الاستبداد والتبعية للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، يرون في استقلال ايران وانفصالها من التبعية للغرب اهمية استراتيجية مرتبطة بهوية الثورة التي تنتمي لعقيدة وايديولوجية متباينتين مع الاسس التي يقوم عليها النظام السياسي العالمي الذي تمخض بعد الحرب الثانية. ولتحقيق ذلك، وفق رؤية هذا الفريق الذي يقود الثورة ويمسك بمفاصل الدولة، تقتضي الضرورة تحمل تبعات تلك الاستراتيجية ومن بينها الصعوبات الاقتصادية والحصار والمقاطعة. بينما يذهب معارضو تلك السياسة الى ان على ايران انتهاج سياسات اخرى مختلفة تساهم في تبريد البؤرالساخنة كالملف النووي ومشروع الاسلام السياسي وتغيير الموقف ازاء 'اسرائيل' ودعم المقاومة الاسلامية ضدها، والتوقف عن تطوير المشاريع التصنيعية التي انتجت الصواريخ ودفعت ايران لغزو الفضاء. بين هذين المذهبين، يتواصل التوتر الظاهر احيانا والخفي اغلب الاحيان. وقد تحول ذلك الى ما يشبه القطيعة بين التيارين اللذين خاضا حروبا اعلامية وسياسية ضد بعضهما. ومع شيخوخة رموز التيارين، استطاع تيار ولاية الفقيه تهميش مناوئيه، معتمدا على اجهزة سياسية وامنية ودينية. وبرغم ذلك يتواصل السجال السياسي على اشده، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بعد بضعة شهور.

من يزورايران هذه الايام يرى بلدا متحركا على صعدان شتى. وفي اجواء ذكرى الثورة يسعى قادتها لاعادة اجوائها للحياة العامة، املا في ربط الجيل الحالي بتلك الثورة وزعاماتها خصوصا قائدها الامام الخميني. ولكنهم يواجهون تحديات تتصاعد تدريجيا خصوصا مع الاصرار الغربي على استهداف الجمهورية الاسلامية على كافة الصعدان،واستمرار الاختلافات بين الاجنحة المتنافسة للوصول الى السلطة وتحديد وجهة الثورة. وتزامنت الاحتفالات هذا العام مع ذكرى مولد النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام، فنظمت ايران مؤتمرا عالميا حول الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب، حضره المئات من الرموز الدينية من كافة اقطار العالم. الرسالة كانت واضحة: ان محاولات تفتيت الامة وفق خطوط التباين العرقي والمذهبي امر مرفوض يجب مواجهته من قبل علماء الامة ومفكريها، وان نهضة امة العرب والمسلمين لن تتحقق الا بالوحدة والتفاهم والتحاوروتقارب وجهات النظر، وليس بالاحتراب والاستهداف. ايران تعلم، من خلال التجربة والممارسة، ان مشاريع التغيير في العالمين العربي والاسلامي مستهدفة، وان ذلك الاستهداف بدأ عندما قامت ثورة ايران واستطاعت تعبئة الجماهير ضد نظام الشاه الذي سقط في مثل هذه الايام قبل 34 عاما.

وتعرف الجمهورية الاسلامية ايضا ان قوى الثورة المضادة استطاعت آنذاك اقامة جدران عازلة بين النظام السياسي الاسلامي في ايرانوالشعوب العربية، واطلقت اتهامات طالما كررها السياسيون ووسائل الاعلام الغربي، بانايران تعتزم 'تصدير الثورة' وانها تروج لـ 'الاسلام السياسي'. او 'الخمينية'. بهذه التهم تم التعامل معها بقدر كبير من الحذر والشك، فشنت ضدها الحرب، وفرض عليهاالحصار، واستهدفت اعلاميا بحرب بلا هوادة. والحقيقة ان مشروع التغيير الثوري تأجل كثيرا، ولكنه لم يتوقف تماما، فخلال الثمانينات والتسعينات انتعشت الحركات الاسلامية واصبح ما يسمى 'الاسلام السياسي' ظاهرة اوصلت العديد من الحركات الىالحكم او مواقع متقدمة في الحراكات السياسية في بلدانها. وبعد ثلاثين عاما انتهت حقبة العمل السياسي كوسيلة للوصول الى الحكم، بعد ان اتضح ان التغيير من داخل تلك الانظمة اصبح سرابا لا يمتلك القدرة على التحول الى واقع. وجاءت ثورات الربيع العربي لتدفع بالمشروع التغييري الى الامام. ولكن الامر تكرر مجددا، فاستهدفت الثورات بقسوة، تارة بالقوة العسكرية، واخرى بالقمع الامني، وثالثة بخداع الجماهير بان القوى التي طالما عرفت بدورها ضد حرية الشعوب اصبحت تدعم الثورات. ايران من جانبها حققت انتصارا معنويا كبيرا واعتبرت تلك الثورات امتدادا لثورتها، وتحدثمسؤولوها ووسائل اعلامها عن 'صحوة اسلامية' انطلقت في اجواء التغيير التي صاحبت ثورتها في 1979.

هموم ايران اليوم تختلف عما عانت منه خلال الحرب العراقية الايرانية وما بعدها. وثمة دوائر اربع تقلق الجمهورية الاسلامية وتضغط على مسؤوليها. اولها الانتخابات الرئاسية المقبلة في غضون شهور ثلاثة. فبرغم انتظام تلك الانتخابات التي تجرى كل اربع سنوات، تخشى طهران من تكرر ماجرى في الانتخابات السابقة التي اعادت احمدي نجاد الى الحكم واعقبت ذلك موجة من الاضطرابات والاحتجاجات من المجموعات التي تعتبر نفسها اصلاحية. وتخشى ان تتكرر تلك الاضطرابات مجددا خصوصا مع توسع الفجوة بين تياري المحافظين والاصلاحيين. ووفقا للمعلومات المتوفرة فقد اتخدت السلطات اجراءات جديدة لمنع الاضطرابات، مستفيدة منتجربتها السابقة، ومن انقسام تلك المجموعات التي استطاعت اختراقها وتحييد بعض عناصرها.

واظهر النظام قدراته الامنية والعسكرية من خلال حوادث عدة اثبتت بها فاعلية قدراتها في هذين المجالين. ففي فبراير 2010 تمكنت اجهزة الاستخبارات والامن الايرانية من القبض على عبد الملك ريغي المسؤول عن عدد من التفجيرات في ايرانوأهمها قتل حوالي 15 من قيادات الحرس الثوري في مدينة زاهدان وذلك في فبراير 2007. واعتبرت تلك الحادثة من اكثر العمليات تعقيدا اذ استطاعت السلطات متابعة ريغي الذي كان يتنقل بين باكستان ودبي، وعندما استقل طائرة لتنقله الى احدى البلدان الأسيوية استطاعت السلطات الايرانية انزال طائرته بأحد مطاراتها، ومن ثم محاكمته واعدامه. وتمكنت لاحقا من اعتقال اعضاء مجموعته ومحاكمتهم بالسجن او الاعدام. وعلى الجانب الآخر وجهت ايران ضربة قوية للولايات المتحدة عندما تمكنت من انزال ثلاث طائرات امريكية تطير بدون طيار، الاولى من نوع 'شبح' والأخريان من نوع 'درون'. وهذا النوع من الطائرات اصبح السلاح الاول في الاستراتيجية الامريكية الجديدة لمواصلة ما تسميه 'الحرب ضد الارهاب' بديلا للتدخل العسكري المباشر. وقد اندهش الامريكيون من قدرةالايرانيين على الاستيلاء على اهم سلاح في هذه الحرب بدون جهد يذكر، وانزال الطائرات بدون تحطم. هذه التطورات جعلت ايران في عيون مناوئيها دولة قوية قادرة على الدفاع عن نفسها امام التحديات.

ولكن يبقى الملف النووي واحدا من اكثر القضايا ضغطا على ايران وعلى الدول الغربية التي تتحداها ازاء هذا المشروع وتسعى لمنعها من امتلاك دورة تصنيع نووية كاملة. وسيظل هذا التوتر في العلاقات والتشكيك في النوايا مستمرا. الايرانيون يعلمون ان الضغط انما هو بسبب السياسة الايرانية تجاه الكيان الاسرائيلي ورفض طهران الاعتراف بالكيان الاسرائيلي. والواضح ان ايران نجحت في استمالة كل من روسيا والصين الى جانبها في العديد من القضايا الجوهرية خصوصا الملف النووي والقضية السورية.

وتسعى الجمهورية الاسلامية للتقارب مع مصر الثورة، ولذلك اقترح الايرانيون ان تعقد المفاوضات المقبلة بين ايران ودول 5+ 1 في مصر في اشارةالى تحسن العلاقات بين البلدين. كما انه اشارة للغربيين بان لايران امتدادات عربية واسلامية اكبر مما يتصورونه. واذا صدق تقرير صحيفة 'التايمز' البريطانية الشهرالماضي بان الحاج قاسم سليماني، مسؤول لواء 'القدس' بالحرس الثوري قد زار مصر في ديسمبر وتباحث مع جماعة الاخوان المسلمين بشأن تأسيس ذراع امني لها، فان التعاون بين النظامين قد قطع خطوات كبيرة الى الامام.

ايران تصر على مواصلة التخصيب وفق نصوص معاهدة منع انتشار السلاح النووي، الامر الذي دفع جو بايدن، نائب الرئيس الامريكي لاطلاق تصريحات مثيرة ضد ايران خلال لقائه الاسبوع الماضي مع المستشارة الالمانية، انجيلا ميركيل، مهددا بان دور الدبلوماسية لن يستمرالى الابد. ولكنه فياليوم التالي عاد ومد غصن الزيتون باتجاه طهران، آملا ان يؤدي ذلك الى حوار جاد بين البلدين. هذه التصريحات تعكس التوتر الامريكي الناجم في بعض جوانبه من الشعور بعدم جدوى الحصار الاقتصادي في التأثير على الموقف الايراني ازاء تخصيب اليورانيوم. هذالا يعني عدم وجود نتائج سلبية لتلك المقاطعة. فمنذ ان بدأت بشكل جاد واستهدفت المؤسسات الاقتصادية والمصارف، تراجع مستوى العملة الايرانية بمقدار النصف، الامرالذي ادى الى ارتفاع باهظ في الاسعار. وبلغ الامر ان اصبحت ايران غير قادرة على استيراد الدواء. وعندما كشفت وزيرة التعليم السابقة، عدم وجود ادوية كافية لدى الحكومة اضطرت للاستقالة من منصبها، نظرا لحساسية القضية واصرار الايرانيين على التظاهر بعدم فاعلية ذلك الحصار. ومن يتحدث للاطباء الايرانيين يسمع منهم قصصا مأساوية حول وفاة اطفال ورجال مرضى نتيجة عدم توفر الدواء المناسب. صحيح انالحصارلا يشمل الدواء، ولكن الشركات الغربية ترفض التعامل التجاري مع ايران خشية من قيام حكوماتها بمعاقبتها. ومن نتائج هذا الحصار ارتفاع الاسعار بمعدلات متسارعةوتراجع النمو الاقتصادي نتيجة عدم القدرة على الاستيراد.

وثمة قلق في اوساط الحكم الايراني من احتمال تأثير الغلاء المعيشي على مجريات الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما قد ينجم عن ذلك من تحديات امنية للنظام المركزي. فالتراجع الاقتصادي ينعكس عادة بشكل سلبي على الثورات الحديثة العهد، ويحاصر الانظمة، ويصرف انظارالناس عن قضاياهم المعيشية الخاصة. فبعد ان تمكنت القيادة الايرانية من احتواءالموقف في سوريا، أصبحت اكثر اصرارا على استقلال قرارها وعدم الرضوخ للضغوط الامريكية. لقد كان للسياسة الايرانية دورها في منع سقوط بشار الاسد، الامر الذي لايخلو من دلالات استراتيجية. فكأن طهران تقول: نحن لا نتخلى عن اصدقائنا عند الشدة. بينما تخلى الامريكيون عن انظمة طالما تحالفوا ودافعوا عنها. وهكذا فبعد ثلث قرن اصبحت الجمهورية الاسلامية قادرةعلى التأثير على مسار دول المنطقة، بل تحديده في بعض الاحيان.

ايران اليوم تختلف عما كانت عليه سابقا. فقد اصبحت اكثر اطمئنان المشروع 'الاسلام السياسي' الذي قامت ثورتها من اجله، وأقدر على مواجهة التحديات الخارجية، وأوسع تأثيرا على مسارات السياسة في منطقة مضطربة على كافة الصعدان. انهاتسعى لبلورة مشروع استقلال سياسي وثقافي يشمل بقية الدول العربية والاسلامية، خصوصا بعد ثورات الربيع العربي التي تتحدى، في جوهرها وهويتها، النفوذ الغربي في المنطقة وتقاوم الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين. ومع ان ايران، كغيرها من الدول التي ترفع شعار الديمقراطية، تسعى للموازنة بين المبادىء والمصالح، فان تجربة العقود الثلاثة الماضية تؤكد ان الجمهورية الاسلامية استطاعت تحقيق توازن دقيق بينهما، واصبحت دولة ذات نفوذ يتسع تدريجيا. انها اكثر دولة تفاعلت مع ثورة مصر بشكل ايجابي، وانحازت بشكل مبدئي الى جانب الثوار، كما ان مواقفها ازاء ثورات تونس وليبيا واليمن والبحرين. وموقفها من سوريا ينطلق من حرصها على قطع ايدي القوى التي تسعى باستمرارلاستهداف قوى التحرر وانظمة الاستقلال. انها تسعى لتفعيل مبادرة عربية او اسلامية تهدف لانقاذ سوريا من اوضاعها الحالية والوصول بها الى بر آمن، بعيدا عن العنف والارهاب والاستبداد.

ومن هنا تشعر القيادة الايرانية انها اكثر حضورا في الميدان الاقليمي مما كانت عليه طوال الثلاثين عاما الماضية. وقد حققت مكاسب كثيرة للمشروع الاسلامي، بالاضافة لما اقامته من علاقات مع دول العالم بدون انقطاع. انها تشعرانها في وضع صعب، ولكن المهمة ليست مستحيلة في ظل منظومة سياسية فاعلة تأسست علىقواعد الاستقلال وانهاء التبعية. بين الامل والقلق تواصل ثورة ايران طريقها الوعرآملة ان تحتوي التهديدات الغربية والسياسات المعادية للمشروع السياسي الاسلامي. مع ذلك ستبقى التحديات الداخلية واحدة من التحديات الكبرى التي تواجهها دولة الثورة،كما اظهرت حادثة مجلس الشورى قبل يومين. مرشد الثورة، آية الله السيد علي خامنئي،يقود سفينة ايران وسط محيط لجي، ولكي يحميها من الغرق او الضياع، فانه سيجد نفسها امام تحديات الداخل والخارج على حد السواء. انها فترة عصيبة في تاريخ الثورة، والعالم ينتظر ما ستتمخض عنه التطورات الداخلية الايرانية، المرتبطة هي الاخرى بالتدافع الاقليمي في 'ربيع الثورات' والتهديدات الدولية المنبعثة من الكيانالاسرائيلي وداعميه في الغرب.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

nad-ali 11-02-2013 08:51 PM

http://www.alquds.co.uk/alquds.jpg

هندسة العالم الجديد بعيون ايرانية!

http://www.alquds.co.uk/today/10qpt697.jpg
محمد صادق الحسيني

لا مفاوضات لا صلح لا استسلام وكل من يريد ذلك مع واشنطن اما ساذج او مغرض وكلاهما في الجوهر واحد لا سيما في وقت تهافت الامبراطوريين وافتضاح خداعهم!
وايران لن تكون ورقة امريكا الرابحة في معادلة المفاوضات تحت الضغط واستمرار العقوبات مهما كانت العروض مغرية!
هذا هو تقدير الموقف لدى الناس والقيادة في طهران الثورة والاسلام وكل من اتقن فن التفاوض وديبلوماسية حياكة السجاد ولكل من له قلب بصيراوالقى السمع وهو شهيد !
هكذا تبدو ايران في عيدها الرابع والثلاثين للثورة وهي تشد الرحال مرة الى المناورات ومرة الى المفاوضات وفي كل الاحوال قاطعة الاف الاميال طولا وعرضا مرة على اليابسة واخرى في البحار وثالثة الى الفضاء وعزمها الراسخ دوما يشير ان لا تراجع الى الوراء!
يحدثك اهلها دوما باجيالهم الاربعة عن سر استودعه الله في هذا الكون لم يتغير منذ عهد ادم من ادركه وعمل به ربح وفاز فوزا عظيما ومن جحده خسر خسرانا مبينا!
اربعة وثلاثون عاما بالتمام والكمال مضت والشعب الايراني العظيم صامد شامخ مرفوع الهامة وعالي الجبين كجبل دماوند العظيم رغم تزاحم عوادي الدهر عليه كما لم تتزاحم على امة من قبل!
برمح انطلق من قوسه في القرن السابع الميلادي ليستقر في قلب كلب حراسة اكبر امبراطورية في القرن العشرين اي ملك ملوك ايران الشاه ابتدأت حكاية هذه الثورة الفريدة من نوعها بامتياز!
رجل ثمانيني جلس على سجادة صلاته لا يملك من سلاح العصر وقتها الا الدعاء وارادة الانحياز للفقراء والمستضعفين وقول الحق في وجه سلطان جائر تمكن بقدرة قادر قدير من تفكيك عرش الطاووس وتقطيع اوصال امبراطوريته المادية العظمى ليهلكه ويستبدل به قوما اخرين!
جنوده الذين نصروه وظلوا مصممين على الا يخذلوه ما هم الا فتية امنوا بربهم وقالوا ربنا الله ثم استقاموا وعقدوا العزم على مبايعة الولي الفقيه في البأساء والضراء وبذل الغالي والنفيس من اجل اقامة سلطة العدل فدانت لهم الدنيا كما لم تدن لاحد من قبل!
لم تكن ايران قبل هذا التحول الكبير شيئا مذكورا ولم يكن لها موقع لا في سجل دول الرفاهية ولا رتب العلوم ولا سلم الاقوياء النافذين ولا في جغرافية المدنية او العسكر ولا في دنيا المبتكرين او المبدعين!
وحده منطق النور مقابل منطق النار منطق الاعتراف بالربوبية لله مقابل العبودية للمستكبرين وحده منطق ان تكون مظلوما خير من ان تكون ظالما هو من جعل الدم ينتصر على السيف ولو بعد حين!
انها معادلة التوازن السلبي تجاه القوى العظمى ' انها المعادلة المعجزة التي جعلت ذلك الشيخ العجوز ينتصر على جبروت الطاغوت المدعوم من القوتين العظميين انذاك اي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا ما جعلته يرفع شعار العصر الذي لم يعرف الهزيمة لا في النظرية ولا في التطبيق شعار لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية!
اليوم ورغم مرور السنين وتغير الحال والاحوال تستمر التجربة هي هي وتخط مسارها المتجدد على يد خليفته المجدد وهو يواجه المتغيرات بكل حيوية واقتدار متحديا الكبار في زمن تكالب الاغيار!
انه القائد الكبير السيد علي الخامنئي الخليفة المنتخب والامام المنتسب وصاحب القدرة على مقارعة عتاة الحروب بالسيف والقلم وهو القائل بان امر عملياتنا اليوم هو ان واجهوا التهديد بالتهديد والعين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم !
انه هو من امر رجاله وطالبهم بالرد بكل ما اوتوا من قوة في البر والبحر والفضاء وان لا تفاوض مع من يحمل السكين على رقابهم او يملي عليهم التفاوض والحوار المباشر الا بعد ان يضع السلاح جانبا ويذعن بمعادلة التكافؤ وعندها لكل حادث حديث!
انه هو صاحب القرار القائل بان ما يواجه ايران اليوم انما هو حرب ارادات وصراع مقولات ومعتقدات وانه من صبر ظفر ومن تعجل خسر وان ' مداراة العدو ' في الديبلوماسية والحوار ليس ضعفا والمروءة مع الصديق لا تعني بالضرورة اشعال حرب في غير موعدها!
وكما في ايران فهي الحال ايضا في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا فان من سيبقى وينتصر هو الشعب ومن سيخرج ملطخا بالعار فهو من تسول له نفسه ان باستطاعته سرقة ثورات الشعوب!
هكذا تعتقد ايران القيادة وهكذا يعتقد جمهور الناس في ايران وهم متأكدون بان ما هو طاف على السطح ليس سوى زبد وما سيمكث في الارض هو الذي سيغير مجرى التاريخ وهو في الاعماق كامن وهو من سيفاجئ عتاة الفتنة والحروب في اللحظة المناسبة وما ذلك على الله بعزيز!
انه الصبر الاستراتيجي الذي سيجني ثماره يوم تعد الفراخ في اخر الخريف كما يقول المثل الايراني الشهير!
ايران اليوم شوكة في حلق معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وهي تنازعهم الدور والمقام والوزن وتصارع قوى الشر الكبرى على حافة الهاوية في منعطف هو الاخطر في تاريخ البشرية تعاد فيه اعادة صياغة هندسة العالم الجيوسياسية بامتياز!
ايران اليوم استطاعت بالصبر والتحمل والاناة وطول البال والاستقامة والمثابرة رغم العواصف ان تتحول الى الرقم الاصعب في معادلة فك رموز الاحادية الامبراطورية الامريكية ' تلك الامبراطورية التي يتوقع الكثيرون بانها ستهزم على يد هذا المارد الاسلامي في المنازلة الكبرى التي يتوقعها الكثيرون على بوابات بيت المقدس واكناف بيت المقدس!

nad-ali 11-02-2013 08:52 PM

http://kassioun.org/templates/img/logo.jpg

الضعف الأمريكي بات جلياً

http://kassioun.org/user_files/news/photo/27848.jpg

يزداد التخبط والتناقض في تصريحات كبار المتحدثين في البيت الأبيض، حول طبيعة السياسة الأمريكية المطلوبة تجاه الملف السوري. ففي وقت سابق أقر وزير الدفاع السابق ليون بانيتا وقائد القوات المسلحة الأمريكية الجنرال مارتن دمبسي الخميس بأنهما ساندا خطة هيلاري كلينتون والمدير السابق لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) ديفيد بترايوس اللذين إقترحا في تموز/يوليو تقديم أسلحة وتدريب معارضين سوريين. وخطة هيلاري كلينتون التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز في 2 شباط/فبراير رفضها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
إن التخبط في مراكز القرار لايزداد وحسب بل يفرض على كبار الساسة الأمريكيين- لضرورة استعادة أي توازن- التراجع عن الكثير من تصريحات وأفعال أسلافهم، وهو مانجده في أول حديث لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي الجديد، حيث وعد بمبادرة «دبلوماسية» لمحاولة وقف النزاع في سورية، في أول مؤتمر صحافي له كوزير للخارجية، وأكد: « نجري الآن تقييماً للوضع في سورية، ونفكر ما هي الخطوات، إن كان ذلك ممكناً، الدبلوماسية بشكلٍ خاص، التي يمكن اتخاذها من أجل خفض ذاك العنف والتعامل مع ذاك الوضع المعقد والخطير».
ويأتي تصريحه بعد أن دافع البيت الأبيض عن موقفه المعارض لتسليح المعارضة السورية، ورفضه خطة بهذا المعنى أيدتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
ولم يشأ كيري الدخول في هذا الجدل قائلاً: إنه لم يكن على علم بالقرارات التي اتخذت قبل تولي منصبه، مؤكداً أنه يخطط للمضي قدماً. وأوضح «إنها حكومة جديدة وولاية ثانية للرئيس، وأنا وزير الخارجية الجديد وسنمضي قدماً إنطلاقاً من هنا».
إن هذه الوقائع تؤكد رؤية جريدة قاسيون حول تعمق الأزمة الرأسمالية الكبرى وتوسعها والتي أدت إلى تغييرات استراتيجية هامة في الميزان الدولي، ونجد اليوم أن التراجع الأمريكي المستمر بشكل دراماتيكي، يكثف عمق الأزمة التي تمر بها المنظومة الرأسمالية، فبعد التراجعات الكبرى في معدلات النمو والتي أوصلت الاقتصاد الأمريكي و الأوروبي إلى حد الركود، بدأت انعكاسات هذا الواقع جلية في مواقف الساسة الأمريكيين والأوروبيين على حدّ سواء.

nad-ali 11-02-2013 08:53 PM

http://www.al-akhbar.com/sites/defau...theme_logo.gif

موسكو ترى «بصيص نور»: النظرة اختلفت في واشــنطن



الأميركيون أيقنوا أنهم لا يستطيعون فرض أجندتهم على بلدان الشرق الأوسط. اللعبة خرجت عن السيطرة. مسؤول روسي رفيع المستوى يؤكد مرونة موقف واشنطن حيال سوريا

نزار عبود

نيويورك | بات الأميركيون يرون أنّ الوضع السوري يهدّد بتفجير صراع لا ينتهي. صراع لا يخرج منه رابح، وخسارتهم قد تفوق كل تصوّر، ولا سيّما أن لديهم في المنطقة منابع الطاقة والقواعد العسكرية المتقدمة، من ضمنها إسرائيل. وعليه، بحسب مسؤول روسيّ رفيع المستوى، لقد نظروا إلى مدّ يد رئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب للحوار بشكل مختلف عن الدول الإقليمية، التي تواصل عسكرة سوريا ولم تسقط الرهان على إسقاط الحكم فيها.

المسؤول الروسي متابع بدقة للوضع السوري، وقد تحدث عن بصيص نور في عتمة الأزمة. وإن كان يعرب عن أسفه من الشروط الصعبة التي وضعها رئيس الائتلاف السوري المعارض، إلا أنه شبّه موقف الخطيب بـ«الخطوة الشجاعة» التي أقدم عليها الرئيس المصري أنور السادات بذهابه إلى القدس المحتلة. قال إن الوضع «في غاية الخطورة، ويقتضي الشجاعة» لأن الفشل يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما فيها نشوب حرب لا تنتهي. المسؤول الروسي انتقد دولاً إقليمية وأخرى خارجية تزعم حيادها وسلميتها، «لكنها تعمل على عرقلة الحوار بدلاً من تشجيعه».

وكشف المسؤول عن ثلاثة اجتماعات تمت مع الولايات المتحدة والأخضر الإبراهيمي بهدف حلّ الأزمة السورية، ضمت نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الموفد العربي والدولي والأخضر الإبراهيمي، ومساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، وليس عن اجتماعين كما ورد في الإعلام. ورأى أنها اجتماعات مهمة للغاية كونها تعبّر عن خشية الأطراف، ولا سيما الأميركيين من تدهور الأمور وانزلاقها نحو الأسوأ. وأضاف «إذا تمتع الخطيب بشجاعة ودخل إلى الحوار متجاهلاً الانتقادات التي ترد من هنا وهناك، فإنّ أطرافاً أخرى في المعارضة ستنضم إليها أيضاً».

الروس ينتظرون من الطرفين التنازل والتلاقي في منتصف الطريق. لكن المعارضة مقسمة وخياراتها ليست داخلية تماماً حسب رأيه، فيما الحكومة السورية تضع شروطها قبل الحوار، كما فعل الخطيب.

المسؤول لفت إلى أنّ موسكو غير راضية عن مقاربة الإبراهيمي بشأن إعادة تفسير مضمون وثيقة جنيف، إذ طلب الأخير أن ينصّ الشق المتعلق بالحكومة الانتقالية على صلاحيات كاملة ضمن قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.

في موازاة ذلك، لا يرى القيادي الروسي أنّ عقد قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما مفيد لحلّ الأزمة في سوريا «لأن القوى المتصارعة ليست تحت سيطرة موسكو أو واشنطن. كما رفض القول إنّ النظام هو من حوّل التظاهرات السلمية إلى حرب أهلية مسلحة. وأوضح «في البداية، كانت هناك تظاهرات سلمية ومن خلفها عمل عناصر على تخريب البلاد. شنوا هجمات مسلحة على مبان حكومية. عندها ضغطنا وطلبنا من الحكومة إجراء حوار مع المعارضة وتغيير الدستور. وفعلوا، لكن ليس بما يكفي لتبديد مخاوف المعارضة». وأضاف إنّه «في المرحلة اللاحقة، تراجع الحراك السلمي إلى الخلف، وتقدم المسلحون إلى الواجهة».

المسلحون في سوريا ليسوا جميعاً من السوريين، وهذا حسب رأي المسؤول الروسي دليل قاطع على تورط إقليمي ودولي في النزاع. واستشهد بأنّ هناك ما يزيد على خمسين ألف مسلح أجنبي يعملون على الأراضي السورية، بينهم 15 ألفاً من مقاتلين على ارتباط بتنظيم «القاعدة». وأشار إلى أنّ هذه الأرقام ليست من مصادر روسية، بل من مصادر نشرت في الصحافة الألمانية مؤخراً.

ويؤكد المصدر نفسه أنّ روسيا لا تسيطر على الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويخشى أن تنجح محاولات المجموعات المسلحة للسيطرة على بعضها. وإنّ حدث ذلك فإنه لا يستبعد بتاتاً أن يلجأوا إلى استخدامها من أجل استدراج تدخل عسكري أجنبي لدعمهم، بحجة أنّ الجيش السوري أقدم على استخدام هذه الأسلحة. لذلك فإن روسيا «لا تستطيع أن تكفل شيئاً. فقط تستطيع التحدث إلى الحكومة السورية وشرح المخاطر المحتملة، وهذا أقصى ما يمكن فعله»، فوق أرض تشهد صراعاً مسلحاً إلى أقصى الحدود والمواقع تتغير بين الجانبين. وماذا عن تسليح روسيا للحكومة؟ يجيب: «سوريا دولة لديها الكثير من الأعداء من كلّ جانب، وهي تحتاج إلى وسائل دفاعية، وروسيا تزوّدها بموجب عقود بنظم دفاعية وحسب».

وكشف المسؤول عن أنّ السلاح بات منتشراً في المنطقة بأكملها، بحيث لا تستطيع أيّ دولة الادعاء بأنها تسيطر عليه. وأشار إلى ذكر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، رون بروزور، مرتين في مجلس الأمن الدولي وصول أسلحة ليبية إلى قطاع غزة مصدرها قطر. وكشف أنّ مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس أثارت، أيضاً، قضية شحنة قطرية وصلت إلى ليبيا، «رغم حظر بيع السلاح الدولي إلى ليبيا بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي». وكان وزن الشحنة، التي تضمّ صواريخ مضادة للطائرات 20 ألف طن، وهذه الكمية تكفي لإحداث تغيير نظام في دولة، برأي المسؤول. وهذا ما حصل في مالي وما قد يحصل في دول أخرى مجاورة، إذ إنّ «القطريين نشروا السلاح من ليبيا في كل اتجاه».

والمقلق حسب رأيه، أنّه عندما تثير روسيا هذا الموضوع في مجلس الأمن الدولي وخارجه تواجه بالتقليل من شأنه. وشدّد على ضرورة أن تشمل معاهدة تجارة السلاح، التي يعمل على إنجازها، مراقبة الشحنات غير الرسمية من هذا النوع. ونفى علمه بشحنة فرنسية من الصواريخ بيعت إلى ليبيا بقيمة تصل إلى مئة مليون يورو في صفقة تمتّ بالرغم من عدم رفع حظر السلاح عن ليبيا حتى الآن.

كما تحدّث المسؤول عن دور الحكومة السورية، عبر الهلال الأحمر السوري، في إيصال المعونات الإنسانية إلى المدنيين. وقال إنّ فتح طرق مساعدات خارج إطار السيادة السورية غير مقبول، لأنّ الحكومة تخشى نقل السلاح إلى المعارضة مع المواد الإنسانية. وهذا الموضوع أثير مع الأطراف الغربية، ولا سيّما مع فرنسا، وتمّ التوصل إلى تفاهم حوله بحيث لم يعد وارداً في بيان صحافي، كان مجلس الأمن الدولي سيصدره. لكن عرقلة البيان استمرت من قبل الأميركيين.

روسيا تخاف التغيرات الحاصلة في المنطقة، ولا سيّما سيطرة الأحزاب الإسلامية على الحكم بأجندات ملتبسة، بعضها يدعم «القاعدة» علناً. ولم يستبعد أن يكون الثوار الشيشان يعملون في سوريا، نافياً علمه القاطع بذلك. وإذا تأكد الأمر، فإنه سيكون مقلقاً للغاية، حسب رأيه.

kumait 11-02-2013 10:05 PM

قادة مصر الجدد: ثورة الخميني فتح مبين... وأيران ستكون مقبرة للغزاة
 
http://thirdpower.org/image.php?xx=1...edia/Refaa.jpg
الصورة للسيد محمد رفاعة الطهطاوي : رئيس ديوان الرئاسة

قادة مصر الجدد: ثورة الخميني فتح مبين...
وأيران ستكون مقبرة للغزاة

أشاد رئيس ديوان الرئاسة المصريةالسفير محمد رفاعة الطهطاوي في كلمة اتسمت بالعاطفة بايران وبرئيسها «الكبير» محمود أحمدي نجاد، كما اعتبر أن «دخول ايران الإسلام كان فتحا كبيرا كما كانت الثورة الإسلامية الخمينية فتحا مبينا أنهت عصور الاستعمار والاستبداد».

وفي لقاء داخل مسكن سفير إيران ورئيس بعثة رعاية المصالح في القاهرة قبيل انطلاق حفل لمناسبة العيد الوطني، بحضو أحمدي نجاد، قال الطهطاوي: «إيران مثل مصر لم تعتد على أحد ولا تاريخ استعماريًّا لهما وأرضهما مقبرة لكل غاز للمنطقة، وزيارة الرئيس أحمدي نجاد للقاهرة ستكون إيذانا بعهد جديد».

وأضاف: «زيارة الرئيس الكبير أحمدي نجاد إلى مصر تذكرنا بالدم الذييراق في سورية. ونرى أن الرئيس وإخوانه مطالبون بالعمل على سرعة وقف هذا النزيفوالمحافظة على سورية ووحدة أراضيها».

وتابع: «نرى أنه إذا اجتمع المسلمون والعرب، خصوصا الدول الكبيرة فيالمنطقة مثل مصر وإيران والسعودية وتركيا، فإنها تستطيع أن تتوصل إلى حل لهذه الأزمة». ثم عاد وأكد أن العلاقات المصرية مع إيران قديمة، وأنها مثل السجادالإيراني «يأخذ وقتا في صناعته لكنها تنتج بصورة جيدة».

من ناحيته، قال نائب مرشد جماعة «الإخوان المسلمون» محمود عزت، «إناللقاء شهد تطرق الرئيس الإيراني إلى الأمور التي تصلح البلدين، وقلنا له إن هناك جهودا بذلت لتمهيد الطريق من طهران للقاهرة، وهناك جهودا أخرى لابد أن تبذلها حتىيمتد الطريق إلى دمشق وبغداد لأنهما أحوج الأمة لهذه الجهود».

أما رئيس «حزب الوسط» أبوالعلا ماضي، فأكد للرئيس الإيراني خلال اللقاء «على وجوب 3 خطوات لابد أن يقوم بها النظام الإيراني لكي تعود العلاقات،أولى هذه الخطوات هي تطمين دول الخليج بأنه ليس هناك أطماع إيرانية في الخليج وحلالمسألة الشخصية في العراق ووقف سيل نزيف الدماء في سورية، وهذه الخطوات في يدالنظام الإيراني، وإذا قام بها النظام فإن العلاقات المصرية ـ الإيرانية والعلاقات العربية ـ الإيرانية ستعود في شكل طبيعي».

وفيما له صلة قال وزير الخارجية محمد عمرو، «إن استقبال مصر للرئيسالإيراني أحمدي نجاد كان في إطار عضوية بلاده في منظمة التعاون الإسلامي الذي استضافة مصر قمتها الـ 12 في القاهرة».

وأضاف انه «تم توجيه الدعوة إلى أحمدي نجاد كرئيس لدولة عضو في المنظمة»، لافتا إلى أن «أي رئيس يقبل دعوة مصر لحضور قمة تجرى على أراضيها سيقابل بنفس الترحاب والكرم».

وعن اعتراض إيران على إدانة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قالعمرو، «إن مثل هذه القمم لا تتخذ فيها القرارات في شكل انفرادي لأي عضو، وما ينتجمن بيانات أو قرارات يتم بالتوافق، وبالتالي، فليس شرطا أن تنتج القرارات موافقة لجميع آراء أي دولة».

الرئيس الإيراني التقى وجمع من السياسيين المصريين، وهو اللقاءالذي تجاوزت مدته الساعة ونصف الساعة، وحضره محمود عزت ومحمد رفاعة الطهطاوي ومحافظالجيزة علي عبدالرحمن وأبوالعلا ماضي ونائبه عصام سلطان والقيادي في الحزب محمدمحسوب ورئيس «حزب غد الثورة» أيمن نور ورامي لكح والمستشار محمود الخضيري وكمال الهلباوي ومجدي أحمد حسين والبدري فرغلي وعدد من شيوخ الأزهر، كما حضره لمدة دقائق رئيس «حزب المؤتمر» عمرو موسى، الذي قال، إنه حضر بصفة شخصية لتحية الرئيس الإيراني الذي تربطه به علاقة قديمة. كما حضر القيادي في حركة «حماس» موسى أبومرزوق .

تقرير أستخباري أسرائيلي : الاستخبارات الاسرائيلية
تتوقع فشلاً مجلجلاً في حالة الحرب مع سورية وحزب الله
ترجمة واعداد مركز شتات الاستخباري والقوة الثالثة

قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق في الجيش الإسرائيلي، الجنرال عاموس يدلين، في دراسةٍ جديدةٍ أعدها لمركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، والذي يترأسه، قال إنه يتحتم على القيادة العسكرية العليا في الجيش أنْ تأخذ بعين الاعتبار لدى التحضير لعملية عسكرية ضد حزب الله أن جميع الأسلحة الموجودة في سورية وإيران، إنْ كانت تقليدية أوْ غير تقليدية قد وصلت إلى حزب الله.

ولفت إلى أن عمليات نقل الأسلحة المتطورة والمتقدمة، والتي من شأنها أنْ تكون بالنسبة لإسرائيل مُخلة بالتوازن الإستراتيجي، ستستمر من سورية وإيران إلى حزب الله في لبنان، وأن هذه المشكلة كانت وما زالت وستبقى من أخطر التحديات التي يُوجهها المستويين السياسي والأمني في تل أبيب، مشددًا على أن خطر التصعيد مع حزب الله وسورية سيتعاظم من عملية إلى أخرى، على حد تعبيره.

ورأى الجنرال يدلين أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على القافلة التي كانت تحمل صواريخ سورية من طراز SA-17، بحسب المصادر الأجنبية، يطرح العديد من القضايا المهمة من الناحية المبدئية بالنسبة لرؤية الأمن القومي الإسرائيلي، ومن ناحية ثانية:

يُثير التساؤل حول التقديرات الإسرائيلية المتعلقة في ما يحدث بلبنان وبسورية في هذا الوقت بالذات. من الناحية المبدئية، قال الجنرال يدلين، إنه توجد معضلة تتمحور في كيفية وماهية وتوقيت شن العملية العسكرية عندما يتشكل تهديدًا حقيقيًا على المصالح الأمنية الحساسة للدولة العبرية، زاعما أن بلاده قامت بالهجوم الثلاثي ضد مصر في العام 1956 بعد التوقيع على الاتفاق بين تشيكوسلوفاكيا ومصر، وهاجمت الجيش المصري في ما تُسمى إسرائيليًا بحرب الأيام الستة في العام 1967، كما أنها عملت بسرعة في العام 1981 لتدمير المفاعل النووي العراقي، وفي العام 2007، بحسب المصادر الأجنبية، ضد المنشأة النووية في دير الزور السورية، كما أن إسرائيل قامت بمهاجمة قوافل أسلحة كانت في طريقها إلى مصر من السودان، ونفذت عمليات اغتيال ممركز ضد قادة التنظيمات "الإرهابية".

عملية عسكرية

وساق قائلاً إن السؤال المطروح اليوم وبقوةٍ هو: هل يتحتم على إسرائيل أنْ تُبادر إلى عملية عسكرية في ظل تعاظم قوة الأعداء، وفي ظل تشكل تهديدات مفترضة وأنْ تكون الضربة قاصمة، ويُجيب يدلين على هذا السؤال بالقول:

إنه يوجد توجهين مختلفتين لمعالجة هذه القضايا:

الأولى تقول إنه من غير الممكن أنْ تُعالج إسرائيل جميع التهديدات، وذلك إذا تم الأخذ بالحسبان أن العلاج الموضعي، على حد وصفه، قد يتطور إلى حرب، وأيضا يدفع بالعدو إلى زيادة جاهزيته لمحاربة جيش الاحتلال، مشيرا إلى أن الهدف الإسرائيلي هو التوصل إلى فترات هدوء أمنية طويلة، وبالتالي لن يكون صحيحا العمل ضد التعاظم العسكري لأن ذلك سيؤدي إلى تقصير فترة الهدوء، وبالتالي على إسرائيل بناء قوة ردع يتم استعمالها فقط عندما تتعرض لهجوم عسكري، وهذه الرؤية، لفت يدلين، هي التي تبناها القادة في تل أبيب، الذين عارضوا الهجوم على المفاعل العراقي وعارضوا العملية العسكرية خلال الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار (مايو) من العام 2000، وكذلك بعد حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006.

الهجوم

أما الرؤية الثانية ، بحسب الجنرال الإسرائيلي، فإنها تعتمد على الهجوم، والتي يقول مؤيدوها إن تجاهل التهديدات المستقبلية من شأنه أنْ يُكلف اسرائيل ثمنا باهظا للغاية، وحتى التهديد على وجودها، وبالتالي يجب العمل العسكري حتى ولو كلف الأمر التصعيد والوصول إلى حرب شاملة، على حد قوله.

وساق قائلاً إنه في العقد الأخير خاضت إسرائيل ثلاث مواجهات مع حماس (2008 و2012 ومع حزب الله عام 2006) ولم يكن هدفها تدمير حماس أوْ إحراز الانتصار الساحق ضد حزب الله، ذلك أنه برأيه، قامت إسرائيل بهذه العمليات بهدف الحصول على هدوء على الجبهتين الشمالية والجنوبية وتقوية الردع الإسرائيلي، ولكن مع ذلك، أضاف، في المواجهات الثلاث كان واضحًا أن هناك حاجة ماسة لمعالجة تعاظم قوة حزب الله وحماس العسكرية بعد التوصل إلى التهدئة.

أربعة شروط

وزاد أنه في الحالتين المذكورتين فشلت إسرائيل فشلاً مجلجلاً، ذلك أن حزب الله لم يلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وحماس من ناحيتها لم تلتزم بالقرار 1885 ولم تأبه بالتعهدات الأمريكية لإسرائيل، كما أنه في عملية (عامود السحاب) أواخر العام 2012 لم يكن هناك منظومة إسرائيلية لمعالجة التعاظم العسكري لحركة حماس، وبالتالي فإن هذه المشكلة بقيت مطروحة على جدول أعمال صناع القرار في تل أبيب.

وبرأيه يدلين هناك أربعة شروط لتحقيق هذا الهدف: قدرة مخابراتية لوقف التعاظم العسكري، وبدون هذه القدرة لا مجال لفعل أي شيء.

الأولى: تعاظم القوة العسكرية للأعداء (... المقصود سوريا وحزب الل وايران والمقاومة الفلسطينية )

الثانية:، لا جدوى بعملية عسكرية إذا لم تكن قائمة على الأخلاقيات، ولكن إذا توصل صناع القرار إلى وضع بأن تعاظم القوة العسكرية للأعداء تشمل أيضًا الأسلحة غير التقليدية، فلا مجال إلا القيام بعملية عسكرية لتدميرها،

أما القضية الثالثة : فتتعلق بالثمن مقابل الإنجاز، فهناك مخاطر من العملية نفسها، وفي مركزها رد فعل العدو، الكشف عن مصادر المخابرات، التصعيد إلى حرب شاملة، وبالمقابل يجب فحص المخاطر التي قد تنتج إزاء عدم الخروج إلى عملية عسكرية،

أما القضية الرابعة فتتعلق برد فعل الدول العظمى على العملية العسكرية الإسرائيلية وتداعياتها على بقع أخرى في العالم.

الأسلحة المتطورة

وعرض يدلين في دراسته سيناريوهات تتعلق بالهجوم الإسرائيلي على الأسلحة المتطورة التي وصلت إلى حزب الله، بحسب المصادر الأجنبية، يقول يدلين إن الهجوم الأخير في سورية أكد بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل بأن المخابرات الإسرائيلية كانت تملك معلومات دقيقة جدا عن الموقع، ، لم يستبعد البتة أن تقوم سورية وحزب الله بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في العالم دون أنْ تأخذا على عاتقهما مسؤولية التنفيذ، كذلك فإن حزب الله لا يملك الشرعية للرد لأن العملية تمت على الأراضي السورية، على حد قوله.

وفي نفس السياق وفي تعقيب لمركز شتات الاستخباري

جاء فية بين الرادع والمردوع ... بلغ مستوى الخطاب الحربي بين إسرائيل وسورية مؤخراً مستوى لم يبلغه منذ عقود عدة، فتصاعدت نبرة المواقف وأطلقت التهديدات والتهديدات المضادة، التي كان أبرزها إعلان دمشق، على لسان وزير خارجيتها وليد المعلّم، أن أي حرب قد تشنها إسرائيل ضدها، أو ضد لبنان، سوف تقوم سورية بضرب إسرائيل، وبالتالي سوف تؤدي إلى حرب شاملة. وقال مركز شتات الاستخباري لقد أظهرت حرب تموز حجم الفعالية العسكرية لصواريخ أرض- أرض بمختلف أنواعها التي أطلقها حزب الله على إسرائيل، ما منح الترسانة الصاروخية السورية بعدا نوعيا جديدا ومؤثرا، بات على إسرائيل أن تحسب حسابه في أي مواجهة مقبلة مع دمشق، لأنه يعني في الحد الأدنى أنه بمقدور سورية، وحتى لو تعرضت لتدمير واسع من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، أن تطلق آلاف الصواريخ المتوسطة والبعيدة يوميا (11 ألف صاروخ بحسب التقدير الإسرائيلي) تطال كامل الأراضي الإسرائيلية.

وفي رصد لمركز شتات

ووفقا لنشرة جيش الدفاع الإسرائيلي العبرية ، نشرت صواريخ باتريوت اعتراضية والقبة الحديدية في الجليل الأسفل، وهي المنطقة التي تغطي المدن الرئيسية شمال تل ابيب: العفولة، الناصرة، Yoqn'am والخضيرة. و خارج حيفا والجليل الأعلى من المناطق أقرب إلى الحدود السورية واللبنانية. وجاء بالنشرة أن بالقصف الصاروخي السوري نحو مليوني من الإسرائيليين يمكن أن يكونوا في خطر من هجوم صاروخي. قادم ويعني ان الموضوع يدخل في الاطار الامني لمعاني وجود دولة اسرائيل".

وفي تخمين لمركز شتات

ان اسرائيل باختراقها بنود اتفاق الهدنة مع سوريا، تريد إيجاد حالة من الاستنزاف بين الجانبين لإقناع الأطراف الدولية بحتمية قدوم قوات دولية للفصل بين الجانبين، وبذلك تضمن إسرائيل هدوء منطقة لا تريدها أن تنفجر في لحظة مستقبلية معينة تهدد أمنها الجيوسياسي، لان هناك ما هو اكبر من ذلك؛ المحيط الإقليمي وعلى رأسه سوريا.

بعد العملية:.

فان اسرائيل ستدفع الثمن عن التحرشات في المستقبل القريب فان جولة القتال قد نقلت الى اسرائيل عبر رسالة... سوريا قادرة على تحدي اسرائيل بتحديات لا تستطيع مواجهتها ...من غير ان تصيب الصواريخ المدن الاسرائيلية بالفعل، وستعرف وسيتأكد لها في حينة انه توجد ميزة استراتيجية كبيرة في القدرة على تهديد واحراج العمق الاسرائيلي ولن تكون سوريا بالزاوية وهي تمتلك " الصولجان السحري"؛وكما جاء في معهد ابحاث الأمن القومي الاسرائيلي ان الحديث الان بعد عملية جمرايا اصبح الردع غير مستقر لاسرائيل ...اما عن سوريا فيوجد توجد بضعة عوامل ستكون حاسمة للحفاظ عليه في المستقبل القريب:

و قد يضعف الردع الاسرائيلي سريعا. والوضع قادم لضعضعة الوضع الراهن مع اسرائيل. وسيسقط الحديث عن حسابات الردع الاسرائيلي؟ ، بشكل يلائم تحديات الاشهر القريبة، أي ان هذه الاشهر ستكون مقررة وهي حبلى بالمفاجئات.

ويرى مركز شتات في حالة الحرب سيتحول جزء من الجيش السوري الى تشكيلات فدائية من المجموعات المختارة الخاصة وهي قادرة بالخبرة المخزونة على الانتشار حتى باطراف العمق الاسرائيلي وهذا سياتي في سياق المشاغلة الطويلة وسيكون هنالك دعم لوجستي في اكثر من منطقة وهذا سيكون تحرشا محرجا بجغرافيتها الامنية...

وفي تقدير موقف لمركز شتات الاستخباري اذا تلاشى بُعد الردع الاسرائيلي بسب الصواريخ ...السورية فان اسرائيل لن تنفعها منظومة انقاذ الحياة الى جانب الملاجيء الخاصة والعامة في ادارة حياة طواريء تحت كثافة النيران ولن ينفع ذكاء التحصين الوهمي في جانب الحماية المادية لمنشآت عسكرية ومدنية حيوية فالضربات ستشمل الخدمات الحيوية ايضا. وبسبب كثافة النيران وسيكون أداء قيادة الجبهة الداخلية خامل وكسول ولا سيما استعمال منظومة الاعلام للسكان التي ستكون غير ناجعة ومؤزوومة مع المكاتب الحكومية المختلفة والسلطات المحلية التي انشأت مع جهات الانقاذ – شرطة اسرائيل واطفاء الحرائق ونجمة داود الحمراء جانب انهيار المنعة الاجتماعية في ظروف الحرب والقصف وستعمل اسرائيل بالارتجال والتلفيق بعد انهاك القدرات التفكيرية والتقنية والعسكرية والمدنية الموجودة فالصواريخ السورية في اللحظة الحرجة هي الصولجان السحري القادم الى نقطة الاشباع.

وستكون مشكلة القيادة الاسرائيلية الغير قادرة على العمل في تقدير للامور في هذه الظروف أو تلك. فقد تحملت دولة اسرائيل هجمات على السكان المدنيين في الماضي ايضا – ومع ذلك يشعر قادة اسرائيل بأنهم لا يملكون مقدارا من الحرية ليقرروا هل يهاجمون العدو أم لا، ومتى وكيف

nad-ali 18-02-2013 10:33 PM

https://twimg0-a.akamaihd.net/profil...ar20111208.png

من سيكون الملك القادم للمملكة العربية السعودية؟ سايمون هندرسون

https://encrypted-tbn2.gstatic.com/i...kuNgdEHTzS8rQA

تتزايد التكهنات بشأن من سيحكم المملكة العربية السعودية في المستقبل بعد مفاجأة تعيين الأمير مُقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في 1 شباط/فبراير. ويُنظر منذ فترة طويلة إلى من يتقلد هذا المنصب على أنه يسصبح "ولي العهد المُنتظر". وهذه الخطوة غير المتوقعة تسلط الضوء على السياسات والإجراءات المُعقدة التي تحيط بالخلافة السعودية.

الخلفية

الأمير مُقرن هو أصغر من بقي من أبناء الراحل بن سعود (المعروف كذلك بالملك عبد العزيز) مؤسس المملكة العربية السعودية. وهو الآن الشخص الثالث الأكثر نفوذاً في المملكة، بعد الملك عبد الله (الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الوزراء) وولي العهد الأمير سلمان (نائب رئيس مجلس الوزراء). وهذان الرجلان يعانيان من المرض، ولكن: عبد الله (البالغ من العمر 90 عاماً) نادراً ما يُرى واقفاً منتصباً بالإضافة إلى ضعف سعة انتباهه، أما سلمان (البالغ من العمر 77 عاماً) فهو مصاب بالخرف، وإذا قارناهما بمُقرن (البالغ من العمر 70 عاماً) يبدو أن الرجل بصحة جيدة.

إن تعيين مُقرن قد أصاب المحللين بالحيرة نظراً لأنه كان قد أُقصي من منصبه كرئيس لـ "إدارة الاستخبارات العامة السعودية" في شهر تموز/يوليو الماضي. ورغم عدم إبداء أي سبب وراء ذلك القرار، كان يُفترض أنه يفتقر للحماسة اللازمة لتقويض نظام الأسد المؤيد لإيران في سوريا، في حين تُنازع الرياض منافستها الخليجية "قطر" من أجل بسط النفوذ والسيطرة على المقاتلين الجهاديين. وقد يكون هذا افتراض خاطئ.

وعلاوة على ذلك، يأتي هذا التغيير بعد ثلاثة أشهر فقط من ترقية ابن أخ مٌقرن، الأمير محمد بن نايف، لمنصب وزير الداخلية الهام (يعادل منصب وزير الأمن القومي الأمريكي) فيما بدا وكأنه تجهيز لمحمد كملك محتمل في المستقبل. وفي الواقع، تقابل محمد أثناء زيارته لواشنطن الشهر الماضي مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض وهي ميزة لا تُمنح عادة لمسؤولين أجانب من نفس درجته، ولهذا فُهم هذا الأمر على نطاق واسع بأنه يمنح موافقة الولايات المتحدة على تطلعاته الملكية.

خلافة معقدة

في الماضي، كان خط الخلافة السعودية يسير من أخ إلى أخ بين أبناء بن سعود وذلك بخلاف طريقة من أب إلى ابن المتبعة في معظم الملكيات الأخرى. وكان المؤهل الأكبر هو الأقدمية في السن، ومع ذلك فقد حدث أن نُحي بعض الأمراء جانباً نظراً لنقص الكفاءة أو عدم الرغبة في تولي الحكم. فكان من تبعات هذا النظام قِصر الأمد في عهود معظم الملوك منذ عهد بن سعود نظراً لاستمرار تقدم أبنائه في السن وأنهم غالباً ما كانوا يعانون من الأمراض حين يعتلون العرش. وقد دعا الكثيرون في الماضي إلى أنه ينبغي تسليم التاج إلى الجيل التالي، أحفاد بن سعود -- ومن ثم حدث ما حدث من إثارة بعد ترقية محمد الفجائية إلى منصب وزير الداخلية. ولكن لم تستطع العائلة الملكية قط أن تتفق على وقت حدوث هذا التحول وأي الخطوط التي ينبغي اختيارها.

كما أن هناك مبدأ مفترض آخر للخلافة يعترض وضع مُقرن الجديد ألا وهو: أن والدة الملك لا بد وأن تكون من قبيلة سعودية. وقد كانت والدة مُقرن يمنية، بل من غير الواضح إن كان بن سعود قد تزوجها.

وفي الواقع، إن ترتيبات بن سعود الداخلية منذ العشرينات وحتى الأربعينات هي أساسية لفهم السياسات الحالية للخلافة. وعند وفاته عام 1953، كان قد أنجب أربعة وأربعين ولداً، خمسة وثلاثون منهم كانوا على قيد الحياة عند وفاته. وقد نجح في ذلك بزواجه من اثنين وعشرين إمرأة، رغم أنه وفقاً للعرف الإسلامي لم يجمع قط بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد (أنظر إلى الكتاب باللغة الانكليزية "بعد الملك فهد: الخلافة في المملكة العربية السعودية"، تأليف كاتب هذا المقال).

ويؤكد بعض المؤرخين -- وجميع المسؤولين السعوديين -- على أن هذه الزيجات والذرية التي جاءت منها كانت أساسية لتوحيد القبائل وترسيخ دعائم المملكة الوليدة. أما الواقع فهو أكثر اتزاناً من ذلك: فقد رصد أحد الأعمال البحثية الجيدة ("بيت آل سعود" تأليف ديفيد هولدن وريتشارد جونز) أنه بالإضافة إلى الأربع زوجات كان لابن سعود في حقيقة الأمر أربع خلائل مفضلات وأربع جوار مفضلات "حتى يُكمل فريقه الداخلي المعتاد". ويحتمل أن تكون والدة مُقرن المعروفة عادة باسم "بركة اليمانية" من الفئات الأخيرة.

اعتبر ابن سعود مُقرناً ابناً شرعياً له على وجه صريح، والسؤال الذي سيُطرح في المرحلة اللاحقة هو موقف الإخوة غير الأشقاء لمقرن (والبالغ عددهم حالياً خمسة عشر أخاً بعد وفاة حاكم منطقة الرياض، الأمير سطام، في 12 شباط/فبراير) والعديد من أبناء إخوته الذين قد يرون أنفسهم أرفع نسباً. وإلى جانب السن، هناك معايير أخرى للجلوس على كرسي الملك وهي الخبرة والفطنة والشعبية والاتزان العقلي ووضعية الأخوال (التي تشير إلى ما إذا كانت والدة الواحد منهم عبدة أو خليلة، إقرأ المقالة باللغة النكليزية "بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية").

الفصائل الملكية الحالية

ليس هناك سجل بأنه يوجد لمُقرن إخوة -- وهو في هذا مساو للملك عبد الله -- مما قد يُفسر حقيقة الرباط الواضح القائم بين الرجلين. لقد كانت التحالفات الأخوية ذات أهمية في السياسات الملكية، فعلى مدى عقود، ظل ما يسمون "السديريون السبعة" وهم الإخوة الأشقاء: فهد، سلطان، عبد الرحمن، نايف، تركي، سلمان، أحمد -- جميعهم أبناء حصة السديري -- شريحة حاسمة. ورغم وفاة الملك فهد وولي العهد سلطان ونايف الذي أضعف كتلتهم، يستمر ولي العهد سلمان في قيادة الفصيل رغم إصابته بالخرف مدعوماً بأبنائه وأبناء إخوته السديريون.

إن تقييم القوة المشتركة لأبناء الإخوة هؤلاء يمثل تحدياته الخاصة. فأخ محمد الأكبر سعود بن نايف عُين مؤخراً حاكماً على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط ولكنه في الوقت نفسه حل محل ابن أخ آخر من السديريين وهو محمد بن فهد. أضف إلى ذلك أن أحد أبناء سلمان قد عُين حاكماً على مقاطعة المدينة. ومن الواضح أن أبناء الإخوة السديريون يتمتعون بالخبرة والقدرة ليبقوا قوة هامة في سياسات القصر.

غموض قانوني

لا توضح القوانين السعودية والبيانات الرسمية الكيفية التي سيتطور فيها الوضع الحالي. حيث ينص النظام الأساسي للحكم لسنة 1992 فقط على أن "الحكم ينتقل إلى أبناء الملك المؤسس وأبناء أبنائه". والمؤهل الأساسي هو "الأصلح منهم" ولا يزال هذا المعيار الغامض مجهول المعالم.

في عام 2006، أنشأ الملك عبد الله "هيئة البيعة السعودية" [المكونة من أمراء] لتساعد في قيادة الخلافة المستقبلية. ولكن نطاق دورها غامض: فلم تشارك هذه الهيئة في اختيار ولاة العهد الجدد الذين أعقبوا سلطان (المتوفى سنة 2011) أو نايف (الذي توفي العام الماضي). وفي كلتا الحالتين، اختار عبد الله من يخلفونهم ولم يتعدى دور الهيئة سوى المصادقة على ذلك. ولا يشتمل قانون هيئة البيعة على آلية خلافة الملك وولي العهد في حال عدم قدرتهما على القيام بواجباتهما لأسباب صحية -- ويمكن القول بأن المملكة تقترب من هذه النقطة.

ومن الناحية القانونية، إن منصب مُقرن الجديد كنائب ثاني لرئيس الوزراء قائم فقط لتهيئة رجل آخر ليترأس اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ؛ لذلك كان هذا المنصب شاغراً في بعض الأوقات. ووفقاً لقانون مجلس الوزراء، تُعقد هذه الاجتماعات "برئاسة الملك الذي هو رئيس الوزراء أو من قبل أحد نواب رئيس الوزراء". لذا فمن المقدر للنائب الثاني لرئيس الوزراء أن يصبح ولي العهد بالاتفاق -- وليس بالقانون.

وتظل مسألة الاستعانة بأي مما ذكر أعلاه من الوثائق أو الهيئات القانونية في تحديد من هم ملوك وولاة عهد المملكة العربية السعودية في المستقبل ضرباً من التخمينات. وليس هناك شيء يمنع الملك من إلغاء "هيئة البيعة" واتخاذ إجراءات بديلة. وفي غضون ذلك، تُتداول سيناريوهات متعددة للخلافة في أرجاء المملكة والعالم العربي. منها أن مُقرن هو من سيكون الملك وسوف يُعين متعب بن عبد الله ولي عهد له -- ومن ثم يُقصي بذلك المنافسين السديريين. وعلى الرغم من أن المنافسات التي تدور داخل بيت آل سعود كانت تنتهي عادة داخل أسوار القصر، إلا أن هناك تكهنات تزداد بكثرة مفادها أن بقية العالم قد يلحظ المناورات القادمة.

سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى .

kumait 23-02-2013 07:55 PM

تداعيات الإستراتيجيات الإقليمية على الداخل الأذربيجاني
 
http://studies.aljazeera.net/Resourc...8142734_20.jpg
تقع أذربيجان على تخوم الشرق والغرب، أو بين العالمين السُّني والشيعي، وبين العالمين الإسلامي والمسيحي،
وتتصف بوضع داخلي معقد قد يمزق المجتمع الأذربيجاني في بعض الاحتمالات، بين القيم العلمانية والإسلامية (الجزيرة)

تداعيات الإستراتيجيات الإقليمية على الداخل الأذربيجاني (1)
د. رسلان قوربانوف

تهدف هذه الدراسة إلى قراءة الوضع الأذربيجاني الداخلي وما يحمله من تعدد عرقي وطائفي في ظل حكم علماني صارم، وما يمكن أن ينعكس عليه من تداعيات سياسية من قبل دول الجوار، لاسيما وأن هذه الأخيرة تعتمد إستراتيجيات إقليمية متعارضة ومتنافسة في الغالب وتقع أذربيجان بموقعها الجغرافي والجيوسياسي في وسطها أحيانًا.

وتحقيقًا لهذه الغاية ولأسباب تتعلق بالنشر، تم تقسيم الدراسة إلى قسمين: أحدهما يتعلق بالوضع الأذربيجاني الداخلي وما يختزنه من تنوع يصل أحيانًا حد التناقض بفعل سياسات السلطة الحاكمة، وآخر يرصد علاقات أذربيجان بدول الجوار وما تشهده من اتفاق واختلاف، وما تخلفه من تداعيات على الكيان الأذربيجاني.

القسم الأول:الداخل الأذربيجاني، سلطة حديدية ونسيج هش

تحتل أذربيجان في السياسة العالمية موقعًا فريدًا من نوعه بسبب موقعها الجغرافي على تخوم الشرق والغرب، أو بين العالمين السُّني والشيعي، وبين العالمين الإسلامي والمسيحي، وكذلك بسبب فرادة مكانتها ودورها في السياسة العالمية الذي يؤكده تنافس كبار اللاعبين السياسيين في العالم الحديث للتأثير عليها، كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران وتركيا والعالم العربي وإسرائيل.

وهناك عديد من الأمور التي تعوق تنفيذ إستراتيجيات أذربيجان السياسية الداخلية والخارجية أو تخلق توترات داخل البلاد أو في محيطها، منها وضع أذربيجان الداخلي المعقد للغاية الذي يمزق المجتمع الأذربيجاني بين القيم العلمانية والإسلامية، بين الإسلام السني والشيعي، بين الاستبداد والمعارضة الوليدة، بين القومية الأذربيجانية وقومية الأقليات العرقية.

علاوة على ذلك، يبدي كثير من الخبراء قلقا من إمكانية انتقال ما يوصف بموجة "الربيع العربي الثورية" إلى بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، وأولها أذربيجان؛ حيث إن الجمهوريات السوفيتية السابقة مرت بعدة مراحل من التحول الليبرالي والديمقراطي، ومن المتوقع أن تُتوَّج بمرحلة نهائية مستوحاة من الربيع العربي. أما المرحلة الأولى فقد كانت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وأدت إلى استقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وتمثلت "المرحلة الثانية بموجة الثورات الملونة في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، مثل: جورجيا (2003) وأوكرانيا (2004) وقيرغيزستان (2005)؛ حيث أزاحت المعارضة القيادات السوفيتية السابقة وتولت السلطة. والآن، يتوقع بعض الخبراء أن المرحلة الثالثة من التحول الليبرالي يمكن أن تمر بها بعض بلدان الاتحاد السوفيتي السابق مع الموجة الثورية القادمة من العالم العربي. وأول دولة مدونة في هذه القائمة هي أذربيجان.

الوضع الداخلي في أذربيجان

في حديثه عن دور أذربيجان في الشؤون العالمية، كتب سيرغي ماركيدونوف، وهو زميل زائر في المركز الأميركي للدراسات الإستراتيجية والدولية ما يلي "تحظى أذربيجان باهتمام دولي أكبر بسبب مواردها من النفط والغاز والأهمية المتزايدة لمنطقة بحر قزوين عمومًا كمصدر بديل للطاقة في السوق الأوروبية. وبما أن أذربيجان تقع عند تقاطع مصالح عددٍ من البلدان، فهذا يتطلب أن تكون سياستها الخارجية دقيقة ومرنة. فأذربيجان حلقة وصل مهمة في منطقة بحر قزوين بين جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، وتحتل مكانةً مهمة في السياسة الخارجية للبلدان المجاورة".

كما يستشهدبقول المحلل السياسي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي الذي وصف أذربيجان بأنها «سدادة الفلين في جرّة تحتوي على ثروات حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى. تستطيع أذربيجان المستقلة، والناطقة بالتركية، أن تمنع روسيا من ممارسة احتكار الوصول إلى المنطقة، وبالتالي تستطيع أن تحرم روسيا من ممارسة نفوذ سياسي حاسم في سياسات الدول الجديدة في آسيا الوسطى".

تشكّل أذربيجان، في الواقع، جزءًا مهمًا لا يتجزأ من سلسلة الحزام الطوراني أو التركي الذي يمتد من منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية) إلى بحر مرمرة. ويبلغ عدد سكان هذا الحزام نحو 150 مليون نسمة، ويُعد عاملاً إستراتيجيًا في أوراسيا. يقول المفكر السياسي الروسي حيدر جمال: إن "أذربيجان بمثابة مفصل بين الشرق والغرب في السلسلة الطورانية. وهذا الحزام، بسبب موارده الثقافية وموقعه، قد يؤثر في الشرق الأوسط وشمال القوقاز وآسيا الصغرى وآسيا الوسطى في آن واحد".

إن قيام دولة أذربيجان المعاصرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يَخْلِف بالمعنى السياسي جمهورية أذربيجان الديمقراطية التي أُعلنت في 28 مايو/أيار 1918 قبل تأسيس السلطة السوفيتية فيها.

يُذكِّرنا سيرغي ماركيدونو أنه قد مضت إحدى وعشرون سنة حتى الآن على "استعادة" الدولة الأذربيجانية، وهذا يدل على فعاليتها وقابليتها للحياة. وقد أثبتت أذربيجان بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، والتي تلعب دورًا كبيرًا في جنوب القوقاز والشرق الأوسط، أنها ليست لاعبًا جيوسياسيًا ضعيفًا أو عالةً على غيرها. علاوةً على ذلك، هي الدولة الوحيدة في رابطة الدول المستقلة التي تنتهج سياسة خارجية متنوعة ناجحة. يتابع ماركيدونو، "اتباعًا لمبدأ (ليس لدينا أصدقاء ولا أعداء، ولكن مصالح فقط) أجبرت باكو معظم الدول القوية على السعي إلى مصادقة هذه الدولة الصغيرة. فرغم الصعوبات الجسام، عرفت أذربيجان كيف تحافظ على علاقاتها مع كبار اللاعبين الدوليين. فبخلاف تبليسي، أصبحت باكو (واحدًا منّا) في نظر مختلف عواصم القوى العالمية.

النظام السياسي

تقول أذربيجان عن نفسها رسميًا إنها دولةُ قانونٍ ديمقراطيةٌ ذات حكم جمهوري. لكنها في واقع الأمر دولة ذات نظام استبدادي وتحتل المرتبة 140، وفقًا لمؤشر الديمقراطية في العالم لعام 2011 الذي أعدته وحدة المعلومات الاقتصادية.

رأس الدولة هو رئيس الجمهورية وهو المنصب الذي استُحدِث سنة 1991، وينتخب بالاقتراع السري لولاية دستورية مدتها 5 سنوات، على ألا تزيد على ولايتين. في عام 2009، وبعد عام من انتخاب الرئيس الحالي إلهام علييف لولاية ثانية في أذربيجان، أدى استفتاء حول تعديل الدستور إلى إلغاء تحديد فترة الرئاسة بولايتين، وهذا منح إلهام علييف الحق في الترشح للرئاسة عددًا غير محدود من المرات.

تتألف الهيئة التشريعية العليا، أو البرلمان الذي يُسمى المجلس المِلّي، من 125 عضوًا ويُنتخب لمدة 5 سنوات. يُنتخَب البرلمان على أساس الأغلبية والنظم الانتخابية النسبية، وأعلى هيئة تنفيذية هي مجلس الوزراء الذي يعينه رئيس الجمهورية ويوافق عليه المجلس المِلّي.

تتكون أذربيجان من 59 منطقة، ومن جمهوريتين تتمتعان بالحكم الذاتي، هما ناخيتشيفان وناغورنو كرباخ. ولكن ناغورنو كرباخ لا تخضع لسلطة باكو منذ ما يقرب من 20 عامًا، وتعتبرها السلطات الأذربيجانية محتلةً من الانفصاليين الأرمن.

بخلاف بلدان السوق الأوروبية المشتركة ذات الأحزاب القوية المتعددة، لا توجد في أذربيجان إلا أعداد كبيرة من الأحزاب الضعيفة التي يهيمن عليها الحزب الحاكم، ولا توجد عمليًا في البلاد منافسة حزبية حقيقية. لهذا السبب ليست المواقف الأيديولوجية للأحزاب هي من تلعب الدور الأكبر في الحياة السياسية في أذربيجان، بل الأشخاص الذين يقودونها. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أنه يمكن اعتبار أن المرحلة الأولى من تشكيل الأحزاب السياسية في أذربيجان قد انتهت.

حزب أذربيجان الجديدة هو الحزب السياسي الحاكم الموالي للرئيس في أذربيجان، ورئيس الحزب هو رئيس البلاد إلهام علييف. يبلغ عدد المنتسبين للحزب، وفقًا للبيانات الرسمية، نحو 600 ألف عضو، وهو يلعب دورًا مهيمنًا في الحياة السياسية للبلاد. يحظى حزب أذربيجان الجديدة بالأغلبية المطلقة في المجلس الملي، وصار ركيزة سياسية صلبة وموثوقة للنظام الحالي. يهيمن على الحزب ممثلو منطقة ناخيتشيفان، وهمُّهم الأكبر هو البقاء في السلطة وخلق الظروف الاقتصادية والسياسية المواتية للقيادة السياسية. أما التوجُّه الأيديولوجي فهو أقرب إلى الليبرالية الديمقراطية؛ أو على الأقل، هذا ما يعلنه الحزب رسميًا.

أكبر أحزاب أذربيجان هو حزب المساواة، وهو أقدمها، وجبهة أذربيجان الشعبية وحزب أذربيجان الليبرالي وحزب أذربيجان الشيوعي، وحزب أذربيجان الإسلامي المحظور لكنه قائمٌ بصورة غير قانونية وهو لا يُخفي تعاطفه مع إيران.

السلطة والمعارضة

طبيعة النخبة السياسية ليست حزبية بل عشائرية، وينتمي رئيس أذربيجان، إلهام علييف ووالده حيدر علييف، رئيس أذربيجان السابق إلى عشيرة ناخيتشيفان وهي من عشائر الأكراد، وقد أحاط الرئيسان نفسيهما بشخصيات كردية. منهم، بحسب المحلل آرثر بهيرو، رَوْنق عبد الله ييف المدير العام لشركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان، وعبد الباري غزال رئيس شركة شمس أذربيجان وهي أكبر شركة متعددة التخصصات في أذربيجان، وحاجِبالا أبوطالبو رئيس بلدية باكو، وبايليار أيوبو مدير الأمن الشخصي لعلييف، وعارف علي شانو مدير الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون وغيرهم.

عملت السلطات الأذربيجانية في السنوات الأخيرة، على إعادة توطين الأكراد في مناطق أخرى غير مناطقهم الأصلية وبأعداد كبيرة، ومؤخرا تم نقل حوالي 60 ألف كردي ما أثار ردة فعل عنيفة في الجمهورية. ويرى الخبراء أن الهدف من إعادة توطين الأكراد هو رغبة الرئيس علييف بتعزيز سلطته بقوة إضافية.

لهذا يقول المحلل الأرمني هرانت مَلِكْشاه نَظاريان: إن رئيس أذربيجان ذا الأصول الكردية يريد بهذه الطريقة تعزيز نفوذه في المناطق المأهولة بالسكان الأذريين في الجمهورية. ولذلك تنتظر العشائر السياسية الأخرى، التي أزاحها آل علييف من السلطة، اللحظة المناسبة للانتقام.

شهدت العاصمة الأذربيجانية باكو في العام الماضي أكبر مظاهرات خلال السنوات الست الماضية، على سبيل المثال، حشد ائتلاف المعارضة الجديد، المُسمّى الحركة المدنية من أجل الديمقراطية (المجلس العمومي) في إبريل/نيسان الماضي، عشرة آلاف شخص لحضور اجتماع المعارضة في باكو.

وطالب أعضاء هذه الحركة أن تُجري السلطات انتخاباتٍ برلمانية غير عادية، وتطلق سراح المعتقلين السياسيين، وتضع حدًا للفساد، وتحل مشكلة منطقة ناغورنو كرباخ الأذربيجانية التي أعلنت استقلالها عن باكو عام 1991. وقد ردد المجتمعون شعارات مثل: "يسقط نظام علييف!" و"الحرية للسجناء، والسجن للمختلسين!".

ورأى علي كريملي، زعيم حزب الجبهة الشعبية المعارض، أن هذ الاجتماع "هو أول اجتماع تسمح به السلطات رسميًا خلال السنوات السبع الماضية. وخلال كل هذه السنوات حاول النظام خنق المعارضة لكنه فشل رغم حظر الاجتماعات وقتل الصحفيين". ووعد أن المعارضة ستحشد 100 ألف شخص للاجتماع القادم.

إن المجتمع الأذربيجاني قابل للانفجار في أية لحظة نتيجة الجور الذي لحق بالناس جَرّاء السياسات الحكومية البيروقراطية التي صارت أكثر وضوحًا في مارس/آذار الماضي؛ ففي قوبا، وهي من المناطق الشمالية في أذربيجان التي تسكنها العرقية اللِزْجية غير الأذرية، نظّم السكان المحليون مسيرات جماهيرية ضد مزاعم فساد اقترفه أحد المسؤولين في المنطقة، مما أجبر الحكومة على إرسال الجيش ووحدات إضافية من الشرطة.

خلال تلك الاضطرابات، احتشد أكثر من عشرة آلاف شخص في شوارع قوبا. ثم حاول جزء كبير من المتظاهرين اقتحام بيت مدير المنطقة والمباني الإدارية الأخرى. وبعد سلسلة من الحرائق المفتعلة والقتل، بدأت الشرطة في استخدام الغاز المسيل للدموع واعتقال قادة المتظاهرين. ولم ينصرف المتظاهرون إلا بعد إعفاء مدير منطقة قوبا من منصبه والإفراج عن جميع المعتقلين.

المجموعات العلمانية والدينية والعرقية

أذربيجان دولة علمانية تعلن التزامها بالمبادئ الديمقراطية، ويقول المتخصص في الشؤون الأذربيجانية بيرم بالدجي في هذا الشأن: إن طبيعة المجتمع الأذربيجاني العلماني الحديث سهّلت غزو روسيا للجزء الشمالي من أذربيجان في أوائل القرن التاسع عشر، بينما ظل جزءها الجنوبي تابعًا لإيران.

لم يكن يفصل أذربيجان الروسية عن أذربيجان الإيرانية إلا نهر الأراكس، لكنهما كانا عالمين مختلفين تمامًا؛ حيث راحت أذربيجان الشمالية الروسية تتخذ طابعًا علمانيًا سريعًا، وفي العهد السوفيتي قُمِع الإسلام في أذربيجان قمعًا شديدًا.

ثم عاد الدين إلى الحياة العامة بعد أن نالت أذربيجان استقلالها عام 1991. ومع أن السلطات الأذربيجانية تضمن للمؤمنين حرية نسبية، إلا أن الدولة تُحكم قبضتها على الدين، كما ترفض الأصولية الإسلامية رفضًا قاطعًا؛ ففي عام 1995، على سبيل المثال، مُنِع الحزب الإسلامي في أذربيجان من التسجيل للمرة الثانية. وفي مايو/أيار 1996، ألقي القبض على قادته، وفي عام 1997 أُدين هؤلاء بالتعاون مع المخابرات الإيرانية الخاصة.

وقد اشتكى عاكف غيدرلي من الحزب الإسلامي المحظور قائلاً: إن الحكومة الأذربيجانية تعزز تعاونها مع إسرائيل، وتمول بناء المعابد اليهودية الجديدة، لكنها في الوقت نفسه تُغلق المساجد، وتحظر ارتداء الحجاب في المدارس. وذكر موقع شبكة OnIslam.net أنه في العام الماضي أمرت الحكومة جميع موظفي الدولة بإزالة كافة الرموز ذات الصلة بالإسلام -مثل الآيات القرآنية- من مكاتبهم. ولكن يؤكد النشطاء أن أهم دليل على حملة الحكومة ضد الدين الإسلامي هو حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية والكليات والمدارس والجامعات الحكومية. وكان هذا الإجراء قد أغضب العديد من المسلمين الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجًا على ذلك.

ينتمي أكثر من نصف سكان أذربيجان إلى المذهب الشيعي. وبحسب بالدجي فإن أذربيجان أصبحت ذات أغلبية شيعية في القرن السادس عشر بعد أن جعل الشاه إسماعيل الصفوي المذهب الشيعي دين الدولة في إيران.

لكن علينا ألا نبالغ في "نقاء" إيمان الأذربيجانيين؛ فنتيجة للصراع منذ قرون بين إيران الشيعية والسلطنة العثمانية السنية على منطقة القوقاز، أصبحت المنطقة غير متجانسة إلى أبعد الحدود من ناحية الدين؛ فرغم عهود الصراع من أجل الهيمنة، ظل المذهبان السني والشيعي في الواقع يتعايشان في هذه المنطقة، وظلت الغالبية السنية، تاريخيًا، تستوطن شمال أذربيجان كما نعرفها اليوم.

يمثل الشيعة نحو 60-65 في المئة من مسلمي أذربيجان، بينما يمثل السُّنة ما بين 35-40?. ومع ذلك، توسِّع الهيئات الحكومية الأذربيجانية عمدًا نفوذ الشيعة في البلاد. على سبيل المثال، يقول الخبير الداغستاني رسلان جِريـف: إن السلطات الأذربيجانية تُحابي الأوساط والمنظمات الشيعية بشتى الوسائل في حين تقيد نشاط الأوساط والمنظمات السنية. ومن ذلك أن مساجد السنة أُغلقت في البلاد قبل عدة سنوات، وسمى بعض الخبراء تلك الأحداث بـ"حملة القمع الشاملة على المساجد السنية" في أذربيجان. وعلى سبيل المثال أيضًا، جرى إغلاق مسجد أبي بكر في صيف عام 2008، وهو من أكبر المساجد، بزعم أنه "مسجد للوهابية" وفقًا للمسؤولين والشرطة. كما أُغلق مسجد الشهداء التركي في أوائل عام 2009 بدعوى "إعادة البناء" وفقًا للرواية الرسمية، ثم تلاه إغلاق مسجد آخر في مدينة غيانجا، إلا أن محاولة إغلاق مسجد الإلهيات قد أُوقِفت بعد تدخل السفارة التركية.

علاوة على ذلك، لا تكلّ السلطات من استهداف تحفة المركز التاريخي لمدينة باكو القديمة -مسجد أهل السنّة المعروف باسم مسجد لِزجي- الذي بُني في القرن الثاني عشر، والذي أضافته منظمة اليونسكو سنة 2000 إلى قائمة التراث الثقافي العالمي.

ويترافق هذا مع حملة قمعٍ متزايدة للشرطة على النشطاء المسلمين في المناطق الشمالية من أذربيجان التي يقطنها السكان الداغستانيون السُّنة (اللِّزجيون والآـار والتساحور)، وقد أفاض الخبراء خلال مؤتمر يونيو/حزيران في موسكو حول حقوق الشعب اللِّزْجي والآ?ـاري، في الحديث عن الوجود المكثف للجيش في المناطق السنية في أذربيجان.

يتحدث الخبير الداغستاني علي خان عمرانو عن عمليات دورية تقوم بها أجهزة المخابرات الأذربيجانية في المناطق الشمالية من البلاد التي يقطنها السنة، وعن اعتقال المسلمين السنة بتهمة حمل السلاح والتخطيط لهجمات إرهابية. وبحسب قوله، تُمارَس أشد أنواع القمع ضد الأوساط السنية الموالية لداغستان؛ حيث يتهمهم قادة الشيعة في هيئة المسلمين الروحية الرسمية باتباع "الإسلام الوهابي"، وتنظيم جماعات سرية متطرفة، والإعداد لهجمات إرهابية ضد السلطات . وعلى هذه الخلفية، يزداد الانتقاد لسياسة باكو تجاه الأقليات العرقية والدينية صرامةً. والحقيقة هي أن البلاد ليست موطنًا فقط للأكثرية الأذربيجانية الناطقة بالتركية بل أيضًا للأقليات العرقية الأخرى من أهل البلاد: مثل الطاليش الناطقين بالفارسية في المنطقة المتاخمة لإيران، والشعب الداغستاني مثل اللِّزجيين والآفـار والتساحور، وغيرهم في الجزء الشمالي من البلاد.

وتتعرض الإدارة الأذربيجانية للنقد واللوم لانتهاجها سياسةً مغرضةً تهدف إلى ابتلاع الأقليات العرقية، وحظر استخدام اللغات الأصلية في الإدارات الحكومية، وتزوير تاريخ الأقليات العرقية، والتضييق عليها في إنشاء منظمات ووسائل إعلام وطنية، واعتقال النشطاء الوطنيين وقتلهم، وهلم جرّا.

kumait 23-02-2013 08:01 PM

تداعيات الإستراتيجيات الإقليمية على الداخل الأذربيجاني (2)
 


تداعيات الإستراتيجيات الإقليمية على الداخل الأذربيجاني (2)

تناول القسم الأول من الدراسة الوضع الأذربيجاني الداخلي وما يحمله من تعدد عرقي وطائفي في ظل حكم علماني صارم.
ويليه هذا القسم وهو الثاني والأخير منه، ويبحث "علاقة أذربيجان بمحيطها الإقليمي وتداعياته".

علاقة أذربيجان بمحيطها الإقليمي وتداعياته

يبحث التقرير في علاقة أذربيجان بدول الجوار وما تشهده من اتفاق واختلاف، وما قد تخلّفه من تداعيات محتملة على الكيان الأذربيجاني الذي يقع في خضم إستراتيجيات إقليمية متعارضة ومتنافسة في غالب الأحيان.

روسيا ومحاولة الاحتفاظ بالنفوذ

يعود الفضل لروسيا في ظهور أذربيجان جمهوريةً مستقلة ذات اسم عصري وحدود ومكانة؛ فعلى مدى مئتي السنة الماضية، كان لروسيا أكبر الأثر في طبيعة المجتمع الأذربيجاني. ولا تزال موسكو ترغب في إبقاء أذربيجان ضمن دائرة نفوذها. يرى سيرغي ماركيدونوف الباحث المتخصص في شؤون القوقاز والأمن الاقليمي أن موسكو وباكو تختلفان أساسًا في نظرتهما إلى "اللعبة الكبيرة" في جنوب القوقاز، ولكن تُبدي أذربيجان التزامَها ببناء علاقات جوار متينة مع روسيا، وهي تحتاج إلى حضور هذه الأخيرة الفعلي (وليس فقط الرسمي) في شمال القوقاز. بالمقابل، ترغب موسكو في الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع أذربيجان ومساعدتها في التنمية المستدامة. كما أن العامل الأذربيجاني يلعب دورًا في سياسة روسيا الداخلية واقتصادها. فوفقًا لتقديرات رسلان غِنْبيرغ، مدير معهد الاقتصاد في أكاديمية العلوم الروسية، تتراوح قيمة التحويلات الخاصة المحولة من روسيا إلى أذربيجان ما بين 1,8 إلى 2,4 مليار دولار سنويًا.

يقول ماركيدونوف: إن تقدير روسيا العالي لأذربيجان يرجع إلى حد كبير إلى كون الأخيرة منعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 موجة الثورات "الملونة" في رابطة الدول المستقلة. لكن على عكس أرمينيا، لم تصل جمهورية أذربيجان المستقلة مستوى عاليًا من التعاون مع روسيا، وخاصة في المجالين العسكري والسياسي. وعلى عكس أرمينيا أيضًا، ليست أذربيجان عضوًا في الجماعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

أصبحت أذربيجان عضوًا في منظمة جوام (جورجيا وأوكرانيا وأذربيجان ومولدوفا) التي توصف أحيانًا بعدائها لرابطة الدول المستقلة وبأنها الثقل الموازن للنفوذ الروسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة. لكن موسكو وباكو، وفقًا لتقديرات ماركيدونوف، لهما مواقف متضاربة حول التحالف الإستراتيجي بين روسيا وأرمينيا، وهذا التحالف هو الذي حدا بأذربيجان للانضمام إلى جوام بدلاً من منظمة معاهدة الأمن الجماعي؛ فباكو ترى أن الوجود العسكري الروسي في أرمينيا (وخاصةً بعد سحب القوات الروسية من جورجيا ونشرها في أرمينيا) سببٌ لاحتمال تصعيد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.

كما أن باكو ترى أن سياسة روسيا التي تحابي أرمينيا بشكل مفرِط ولا تعرف التنوع في جنوب القوقاز هي أكبر خطأ ترتكبه موسكو في المنطقة. أما أكبر خطأ ارتكبته أذربيجان بالنسبة لروسيا فهو اتصالاتها السياسية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي مع الانفصاليين الشيشان. على هذه الخلفية، راحت أذربيجان "تنتهج سياسة غير ودية تجاه أقرب جار لها"؛ فعلى سبيل المثال، رفعت باكو في الآونة الأخيرة سعر تأجير محطة رادار قابالا الروسية في شمالي أذربيجان من 7 ملايين إلى 300 مليون دولار سنويًا. عدَّت موسكو هذا القرار الذي خيّب أمل الكرملين دلالةً على رغبة باكو في عدم تأجير محطة الرادار، وعلاوةً على ذلك تراقب موسكو باهتمام بالغ سياسة أذربيجان تجاه الأقليات العرقية، وخاصةً الشعب الداغستاني.

في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، أعدت وسائل الإعلام الأذربيجانية سلسلة من المواد التي تصب في مصلحة تدهور العلاقات بين باكو وموسكو؛ حيث زعمت هذه الوسائل أن الكرملين يعتزم استخدام الأذربيجانيين الروس والأقليات العرقية في أذربيجان ضد السلطات الرسمية في أذربيجان.

ويرى المحلل السياسي الأذربيجاني وفاء غولو زاده علاقة مباشرة بين النشاط المتزايد للأقليات العرقية في أذربيجان والاستخبارات الروسية الخاصة؛ حيث يقول حرفيًا: "من الواضح أن الكثيرين في باكو يخشون أن تجرّب روسيا في أذربيجان ذات السيناريو الذي نجح نسبيًا في جورجيا، أي أنها ستدعم تمرد الأقليات العرقية ضد الحكومة في البلاد".

لكن الوضع في حالة أذربيجان أكثر تعقيدا من جورجيا، فأذربيجان لديها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وعلى سلوكها يعتمد الكثير في المنطقة. ومن ناحية أخرى يقول غولو زاده: "أذربيجان دولة ضعيفة للغاية بالمقارنة مع روسيا، وتستطيع الأخيرة أن تفعل ما تشاء، وبما أن أرمينيا مستعمرة روسية، فإن أذربيجان تقف عاجزة إزاء أرمينيا". وهو يرى أن روسيا لم تستطع حتى الآن أن تتقبل استقلال أذربيجان، لذا فهي تحاول بكل الوسائل أن تستعيد مصداقيتها هنا.

الخلاف مع أرمينيا والعسكرة

تعود جذور التوترات بين أذربيجان وأرمينيا الحديثتين إلى أعماق التاريخ. وحين انهار الاتحاد السوفيتي، تمردت الأغلبية الأرمنية في إقليم ناغورنو كراباخ -الذي يتمتع بحكم ذاتي في أذربيجان- على باكو، وأعلنت الاستقلال. دعمت أرمينيا الانفصاليين الأرمن في ناغورنو كرباخ، وقدمت موسكو مساعدات هائلة لأرمينيا. هُزِمت باكو في بداية الحرب مع الانفصاليين، وانتقلت بعض مناطق أذربيجان المجاورة لإقليم ناغورنو كرباخ إلى سيطرة الأرمن. لذلك فإن المشكلة رقم واحد بالنسبة إلى جمهورية أذربيجان المستقلة هي وحدة أراضيها. ومن سمات التطورات الداخلية والخارجية في أذربيجان منذ بداية تسعينيات القرن العشرين فقدان ناغورنو كرباخ.

أصبحت الهزيمة العسكرية وفقدان السيادة على هذا الإقليم من العوامل التي لها أثر كبير في هوية الأذربيجانيين؛ حيث صارت صورة الدولة الخاضعة "للعدوان العسكري" الآتي من بلد مجاور من الثوابت الأيديولوجية في أذربيجان. إن خطاب أذربيجان العسكري والخوف من الأرمن المزروع زرعًا يقودان هذا البلد إلى طريق مسدود وإلى مواجهة عسكرية وشيكة مع أرمينيا.

في هذه الظروف تتسلط الأضواء على المشكلات الداخلية لأن النجاحات العسكرية لأرمن ناغورنو كرباخ قد تؤدي إلى انتفاضة الشعوب الأصلية في أذربيجان ضد باكو. لذلك، منذ فقدان ناغورنو كرباخ وأذربيجان تبني قوتها العسكرية. والدليل على ذلك هو ازدياد الإنفاق العسكري للبلاد على نحو غير مسبوق. يقول المحلل العسكري الروسي ?ـلاديمير موخين: إن إجمالي إنفاق أذربيجان العسكري ارتفع خلال سنة واحدة (2010 إلى 2011) من 1,59 مليار دولار (3,95% من إجمالي الناتج المحلي) إلى 3,1 مليار دولار (6,2? من إجمالي الناتج المحلي) .

تركيا وشِقاق الأشقاء

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، اختارت أذربيجان تركيا شريكًا إستراتيجيًا لها. ويمكننا تلخيص العلاقات بين هذين البلدين على مرِّ الزمن بشعار "شعب واحد في بلدين"، وهو الشعار المفضل لدى قادة كل من تركيا وأذربيجان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وبالفعل يتكلم الناس في تركيا وأذربيجان لغة واحدة، ولهم تاريخ واحد وثقافة واحدة.

خلال النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كرباخ (1991-1994)، قدمت أنقرة العون لباكو وأغلقت الحدود مع أرمينيا عام 1993، لكن لم يكن هناك تدخل عسكري تركي واسع النطاق في أرمينيا. وفي بدايات العقد الأول من القرن الحالي، عملت تركيا لصالح أذربيجان في منظمة حلف شمال الأطلسي، ودعمت باكو في نزاعاتها مع طهران على بحر قزوين. حاولت كل من تركيا وأذربيجان على مدى سنوات أن تقدم علاقاتهما لجميع البلدان الأخرى على أنها تحالف إستراتيجي، وبموجب هذا التحالف هناك أساس متين من التعاون الاقتصادي الواسع بين البلدين.

تقول وسائل الإعلام الإقليمية: إنه خلال 10 سنوات ارتفع العائد التجاري والاقتصادي لكلا البلدين من 1 إلى 3,5 مليارات دولار، وسيرتفع إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2015. وهناك مشروع طموح جدًا يتحقق الآن في مجال الطاقة، وهو خط غاز الأناضول. ولكن الأساس الاقتصادي وحده لا يكفي. ومن الواضح أن هذين البلدين الشقيقين لم يستطيعا ولمدة طويلة أن يتفقا على قضايا أساسية جدًّا، وهذا ما يُعرقل رفع علاقاتهما إلى مستوى إستراتيجي جديد.

يقول آرتيم إركنيان: إن الدولتين لم تتمكنا حتى الآن من الاتفاق على إلغاء نظام التأشيرات. ومع أن أنقرة منذ فترة طويلة مستعدة لإلغاء تأشيرات الدخول، إلا أن باكو تؤجل البت في هذه المسألة. ما تخشاه باكو هو أن إلغاء التأشيرات سيسمح لأنقرة بالتدخل أكثر في السياسة الداخلية لأذربيجان، كما تخشى أيضًا أن شفافية الحدود ستؤدي إلى مزيد من تدفق السكان من أذربيجان. وقد غضبت باكو من محاولة أنقرة لإصلاح علاقاتها مع أرمينيا في إطار الإستراتيجية التركية "صِفْر مشكلات مع الجيران"، واعتبرت التقارب بين أنقرة ويِريـفـان بمثابة خيانة.

ومن الجدير ملاحظته أن وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في تركيا أدى إلى فتور حماسة باكو العلمانية لتطوير علاقاتها مع أنقرة، ورأى قادة أذربيجان العلمانيون في التعاون مع إدارة أردوغان الإسلامية تهديدًا بأسلمة أذربيجان. وهناك خلافات عميقة بين أنقرة وباكو بشأن العلاقات مع إسرائيل، وتتعدد الأسباب الكامنة وراء ذلك، بدءًا من دعم أنقرة لفلسطين وحادثة "أسطول الحرية" وانتهاءً باستدعاء السفير التركي من تل أبيب. من ناحية أخرى، تتطور العلاقات الأذربيجانية-الإسرائيلية بوتيرة متسارعة.

إيران القريبة البعيدة

ما يربط أذربيجان وإيران، بل ما يفصل بينهما أيضًا، هو الإرث الأذربيجاني العرقي والديني الواحد. قبل 1828، كانت كل من إيران وأذربيجان جزءًا لا يتجزأ من إمبراطورية صفوية واحدة، ومع استيلاء روسيا على الأراضي الشمالية من تلك الإمبراطورية اندمج جزء من شيعة إيران الأذربيجانيين في الدولة الروسية، وشكّلوا أساس جمهورية أذربيجان المستقبلية. في الوقت نفسه، ظل الجزء الأكبر من الأراضي الأذربيجانية في إيران.

وتضم إيران اليوم منطقتين أذربيجانيتين كبيرتين: أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية، ويُقدّر عددُ السكان الأذربيجانيين في إيران بما بين 25-30 مليون نسمة، مع أن جمهورية أذربيجان نفسها لا يبلغ عدد سكانها سوى نحو 8 ملايين نسمة . وكان إسماعيل، شاه إيران، الذي جعل المذهب الشيعي دين الدولة في الإمبراطورية كلها، أذريًا مثل معظم السلالات الحاكمة في إيران قبل وصول سلالة بهلوي إلى السلطة. واليوم ينحدر عدد كبير من نخبة إيران السياسية، بمن فيهم زعيم إيران الروحي علي خامنئي، من أصل أذري. وتعاني العلاقات الأذربيجانية-الإيرانية من تدهور وبوتيرة متزايدة، والأسباب وراء ذلك عديدة.

يقول المحلل الروسي إيغور پانكراتِنكو: إن السلطات الأذربيجانية تخشى طموحات إيران الاستعمارية، بينما تنظر إيران إلى جارتها الشمالية بعين الريبة مخافة أن تكون سببًا في إثارة الأفكار والحركات الانفصالية بين سكانها الأذربيجانيين البالغ عددهم عدة ملايين؛ ولذلك حاولت كل من موسكو وباكو في العهد السوفيتي وبعده مرارًا أن تلعب بورقة فصل الأراضي الأذربيجانية عن إيران.

وتعتبر باكو نفوذ إيران الشيعي تهديدًا للنمط الغربي السياسي والاجتماعي الذي تريده لأذربيجان. لذلك، يكاد يُحظر توزيع كل المطبوعات الإسلامية القادمة من إيران في أذربيجان. أضف إلى ذلك أن رد الفعل الإيراني على الصراع في ناغورنو كرباخ جاء بمثابة صدمةٍ للنخبة الحاكمة في أذربيجان؛ حيث رفضت إيران دعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا، بل دعت كلا البلدين لتسوية نزاعهما من خلال المفاوضات.

وجاءت المرحلة التالية من تباعد البلدين عندما أدركت طهران إمكانية أن تصبح أذربيجان منطلقًا لعملية عسكرية ضد إيران. وشهد العام الفائت سلسلة من الأحداث الصاخبة بين باكو وطهران؛ حيث كشفت المخابرات الأذربيجانية ما وصفته بمؤامرة "للإرهابيين الإيرانيين" ضد كبار المسؤولين الأذربيجانيين. وما أجبر طهران أخيرًا على استدعاء سفيرها، محمد باهر بهرامي، من باكو هو إهانة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خلال تظاهرة في باكو احتجاجًا على "سياسة إيران المعادية لأذربيجان".

كل هذه العوامل أبعدت النخبة السياسية في أذربيجان عن إيران وحرضتها على البدء في تعاون وثيق مع إسرائيل من أجل ضمان أمنها، وقد بدأت سياسة باكو المناهضة لإيران بالفعل تؤتي ثمارها.

وقد باتت تصريحات باكو أكثر علانية وعدوانية، فقد اشتكى مؤخرًا فاضل مصطفى، النائب في المجلس المِلّي (برلمان أذربيجان)، للصحفيين من "انتهاك حقوق ملايين الأذربيجانيين" في إيران، واصفًا النظام في إيران بأنه "دموي". ومما جاء في البيان الأخير للجبهة الشعبية المتحدة في أذربيجان الموجه للأذربيجانيين وغيرهم من شعوب إيران "إن حكام إيران الذين يتمسحون بمُسوح الإسلام ينتهجون في الواقع سياسة تخدم قوى الظلام. ونظرًا للرقابة الداخلية الصارمة في أذربيجان، لا شك أن هؤلاء الساسة يعبّرون عن موقف باكو الرسمي.

أميركا وأوروبا: مقاربات مختلفة

على النقيض من النهج الإيراني المعادي للغرب، دأبت السلطات في أذربيجان منذ أيام الاستقلال الأولى على التقارب مع القوى الغربية. وقد تبنّت أذربيجان نظام التفضيل في المعاملة بالنسبة إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2001، حصلت أذربيجان على العضوية في مجلس أوروبا.

يقول سيرغي ماركيدونوف: إنه بسبب علاقات أذربيجان الطيبة مع الولايات المتحدة (التي كانت مواليةً لأرمينيا في تسعينيات القرن العشرين)، لم تُدرَج أذربيجان في القائمة السوداء للدول "غير الديمقراطية" على الرغم من استبداد قيادتها. ويضيف قائلاً: إن الصداقة بين أذربيجان والولايات المتحدة مكَّنت باكو من حلّ المهمة الحساسة لنقل السلطة في البلاد من الأب إلى الابن.

وعشية إحدى زيارات إلهام علييف إلى الولايات المتحدة، وصفت واشنطن أذربيجان بأنها "حليفها الإسلامي"، علمًا بأن هذا اللقب كان قد مُنِح من قبلُ لتركيا. يستطرد ماركيدونوف: "بينما تتعاطف الولايات المتحدة مع المعارضة المناهضة لعلييف، إلا أنها لا تبالغ في تقدير نفوذ هذه الأخيرة؛ ففي نوفـمبر/تشرين الثاني 2005 صرّح السيناتور الأميركي البارز ريتشرَد لوغار عشية انتخابات المجلس الملي في أذربيجان بأنه لا يُتوقَّع حدوث "ثورات برتقالية" في أذربيجان.

يقول غلين هوارد، وهو خبير في شؤون القوقاز وآسيا الوسطى: إن موارد أذربيجان النفطية الهائلة جعلت واشنطن تتغاضى عن بعض سياسات أذربيجان الداخلية. أما الاتحاد الأوروبي فهو شريك أذربيجان الذي لا يُعوَّل عليه كثيرًا. فقد انتقدت المنظمات الأوروبية العمليات السياسية في البلاد، مشيرةً إلى العديد من انتهاكات المسؤولين من كل المستويات للقوانين وتجاوز السلطات.

ومع ذلك فقد أُدرِجت أذربيجان أيضًا، كما جورجيا وأرمينيا الأكثر ديمقراطية، في سياسة الجوار الأوروبي. وقد شدّد قادة أذربيجان على الحاجة إلى التكامل الوثيق مع الاتحاد الأوروبي في جميع المجالات؛ ففي عام 1999 صرّح وزير الدفاع الأذربيجاني سَفَر أبييف بأن بلاده ترى نفسها "جزءًا مكونًا من أوروبا الجديدة" . لكن أذربيجان حققت تقدمًا أكبر بكثير في تعاونها الاقتصادي مع الدول الأوروبية كأفراد؛ فحلفاء أميركا الأكثر موثوقية، وعلى رأسهم بولندا، ينادون بتعاون أوثق مع باكو.

العالم العربي وغياب التفاهم المتبادل

يتحدث السياسيون والمحللون الأذربيجانيون رسميًا عن ضرورة تطوير العلاقات مع الدول العربية، وقد قال وزير خارجية أذربيجان إلمار ماميدياروف: "إن أذربيجان عضو في منظمة التعاون الإسلامي، وبالتالي فهي مهتمة بتوسيع تعاونها مع الدول العربية. وقد أيّد مجلس وزراء الخارجية العرب ترشُّح أذربيجان في انتخابات الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي للفترة 2012-2013، وأعلنت وزارة الخارجية الأذربيجانية "أن هذا القرار مؤشر على المستوى العالي الذي بلغه تطور العلاقات بين أذربيجان والعالم العربي".

لكن نظرًا للعلمانية الشديدة التي تتسم بها النخبة الحاكمة والمجتمع الأذربيجاني، يظل الانجذاب للعالم العربي في البلاد ضعيفًا للغاية، كما أن الأذربيجانيين لا تربطهم بالعرب أية رابطة لغوية كما هي الحال مع الأتراك، أو قربٌ جغرافي كما هي الحال مع إيران، ولا تحالف عسكري وسياسي كما هي الحال مع إسرائيل. علاوةً على ذلك، لا يسهم التطور السريع لعلاقات أذربيجان مع اسرائيل ولا تعامل نخبة باكو المكثف مع تل أبيب في تطوير العلاقات بين القيادة الأذربيجانية والعالم العربي. كذلك انزعج الأذربيجانيون من تعاون الدول العربية مع أرمينيا وتعزيز علاقاتها معها "في تجاهل تام لمصالح أذربيجان". أما أرمينيا فهي دائبةٌ في فتح بعثات دبلوماسية جديدة لها في الدول العربية؛ لذلك قال وزير الخارجية الأرمني إدوارد نالبانديان: إن تعزيز العلاقات مع العالم العربي وتوسيعها من أولويات السياسة الخارجية لأرمينيا.

بصراحة، يتمتع الأرمن في الدول العربية - في أغلب الأحيان- بموقع أقوى من موقع الأذربيجانيين. على سبيل المثال، في لبنان وسوريا هناك جاليات أرمنية كبيرة، وهي ذات تأثير كبير في الحياة الاقتصادية لهذين البلدين. وقد قال قبل بضع سنوات المحلل عارف يونوسوف من معهد السلام والديمقراطية الأذربيجاني: "يكاد العالم العربي أن يكون في صف أرمينيا" .

ولا يمكن أن ينسى الأذربيجانيون كيف رفض الرئيس السوري بشار الأسد، خلال زيارة قام بها مؤخرًا إلى أذربيجان، أن يزور "زقاق الشهداء"، وهو المكان الذي دُفن فيه الجنود الأذربيجانيون الذين قُتلوا في الصراع مع أرمينيا على إقليم ناغورنو كرباخ.

إسرائيل وتجنيد النظام الأذربيجاني

يشير الخبراء إلى التنامي السريع في العلاقات الأذربيجانية-الإسرائيلية على أعتاب هجوم إسرائيلي محتمل على إيران. وما تجدر الإشارة إليه أيضًا هو التصريح الوارد في وثيقة ويكيليكس 2009، على لسان نائب السفير الأميركي في باكو دونالد لو "لقد قال رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف: إن علاقات بلاده مع إسرائيل تشبه جبل الجليد: تسعة أعشاره غائبة عن الأنظار".

بلغ حجم التجارة بين إسرائيل وأذربيجان عام 2010 ما يزيد على 2 مليار دولار، وهو ضعف عائدات التجارة بين أنقرة وباكو في الفترة نفسها. كتب المحلل الدولي آرييه غوت: "لدى إسرائيل وأذربيجان أسس اقتصادية وسياسية قوية للتعاون القائم على أساس الجسر الإنساني المهم جدًا: الجالية اليهودية في أذربيجان والجالية اليهودية الأذربيجانية في إسرائيل". اليوم، تأتي 45% من واردات إسرائيل من الطاقة من أذربيجان، وقد تحدث بنيامين بن إليعازر، وزير البنى التحتية الوطنية في إسرائيل، عن إطلاق برنامج طويل الأجل، يدوم 20-30 سنة، لتزويد إسرائيل بالغاز الأذربيجاني.

ولدى تل أبيب عدة أسباب لإقامة علاقات وثيقة مع باكو، أولاً: يعتقد المحللون أن علاقات إسرائيل مع أذربيجان هي جزء من الجهود التي تبذلها الدولة اليهودية لتحسين صورتها؛ يقول إلهان شين أوغلو، مدير مركز أطلس للأبحاث السياسية الذي مقره باكو: "إن إسرائيل بحاجة إلى علاقات ودية مع دولة مسلمة"، وأن اسرائيل أيضًا تدعم أذربيجان في قضية ناغورنو كرباخ.

وخلال زيارته إلى أذربيجان، دعا أفـيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، باكو لتكون بمثابة جسر بين إسرائيل والعالم العربي، ووسيطًا في الصراع العربي الإسرائيلي.

لكن الخبير الروسي إيغور پانكراتِنكو يرى أن أمام باكو عدة عقبات في طريق تحقيق الهيمنة الإقليمية، مثل: روسيا، وإيران، والوضع في ناغورنو كرباخ، وموقف الولايات المتحدة الفاتر من أية محاولة لحل عسكري للنزاع على ناغورنو كرباخ. وبحسب قوله، تتطابق مصالح باكو في الحد من هذه العوامل مع مصالح إسرائيل تمامًا. لذلك فإن إسرائيل ترى أن الحل العسكري للنزاع على ناغورنو كرباخ سيؤدي حتمًا إلى تفاقم الوضع الروسي في المنطقة، لأنه سيخلق مشكلات كبيرة في جوار حدودها.

وبالتالي، فإن ذلك سيُضعِف اهتمام موسكو بشؤون الشرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يكون خطر نشوب نزاع في ناغورنو كرباخ بمثابة ذريعة إضافية لمطالبة موسكو بالحد من تعاونها مع إيران. ولهذا الهدف أزالت إسرائيل عمليًا كل العقبات أمام أذربيجان للحصول على التسليح الإسرائيلي، وهو ما لا تستطيع باكو أن تحصل عليه لا من الولايات المتحدة ولا من أوروبا بسبب القيود القانونية، ولا من المورِّدين السوفيت السابقين، مثل: أوكرانيا أو روسيا البيضاء. ولكي تدعم إسرائيل طموحات أذربيجان لتولي الزعامة في المنطقة، فهي لا تكل من استخدام قدرات الضغط لديها في الولايات المتحدة؛ يقول المحلل آرييه غوت: "يقدّم ممثلو الجالية اليهودية المساعدة اللائقة لإطلاع الأسرة الدولية على حقيقة الأمور في أذربيجان، كما يساعدون في تطوير العلاقات الدولية مع أذربيجان" .

ويقول إيليا بيرتمَن من مركز بيغين-السادات الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية: إن اللوبي اليهودي في واشنطن يعمل في الواقع على إبطال سياسة اللوبي الأرمني المناوئة لأذربيجان والتي ترمي إلى الحد من المساعدات الأميركية إلى باكو. يقول بيرتمَن: "ونتيجة لنشاط اللوبي اليهودي في أميركا، ألغت وزارة الخارجية الحظر على مبيعات الأسلحة إلى أذربيجان المعمول به منذ عام 1993، كما خصصت الحكومة الأميركية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي منحة قدرها 4,4 مليون دولار لشراء معدات عسكرية". ولكنْ هناك هدف آخر يوحّد أذربيجان وإسرائيل غير ردع روسيا وأرمينيا، ألا وهو التهديد الإيراني؛ وقد أشار الديبلوماسي الأميركي روبرت غارـيرِك إلى ذلك بقوله: "إن كلا البلدين ينظران إلى إيران باعتبارها تهديدًا حقيقيًا لوجوده".

ويقول المحلل الروسي إيغور پانكراتِنكو: إنه لهذه الأسباب مجتمعةً تحرص إسرائيل على التقرب من النخبة الحاكمة في أذربيجان: أحدث الأسلحة، وقوة اللوبي اليهودي في أميركا، ودعم المسعى الأذربيجاني للهيمنة الإقليمية في مقابل الكفاح المشترك ضد "الخطر الإيراني". فبفضل المدفعية الصاروخية الإسرائيلية، والأسلحة الصغيرة، ومدافع الهاون، وأنظمة الاتصالات، والطائرات بلا طيار، يستطيع الجيش الأذربيجاني أن يزيد من قدراته على مواجهة أي صراع محتمل مع أرمينيا وقوة إيران المتصاعدة. وقد بدأت أذربيجان فعلاً باستخدام كل هذه الترسانة التي في متناول يدها؛ ففي أواخر عام 2012، ذكرت قناة الصحافة التليفزيونية الإيرانية أن أذربيجان تستخدم طائرات إسرائيلية خفيفة للغاية بلا طيار مثل أوروبتَر وهيرمِس 450 لحراسة الحدود مع إيران وناغورنو كرباخ.

ونقلت القناة عن خبراء إيرانيين قولهم: إن هذه الطائرات بلا طيار يمكن ربطها بأقمار الاستخبارات الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية في ديسمبر/كانون الأول 2012 أن إسرائيل تنوي استخدام طائرات بلا طيار من طراز إيتان متمركزة في أذربيجان لاعتراض الصواريخ الإيرانية المنطلقة على إسرائيل.

التحديات

تعاني أذربيجان اليوم كثيرًا من صراعات داخلية لم تُحَلّ بين الحكومة والمعارضة، وبين العلمانيين والمتدينين في المجتمع، بين الشيعة والسنة، بين الأقليات العرقية والنخبة الحاكمة في أذربيجان. بالإضافة إلى ذلك، تتنافس على أذربيجان القوى المجاورة لها بغية تنفيذ إستراتيجيات متباينة تمامًا؛ لهذا السبب تتنامى فيها اتجاهات متناقضة تمامًا، مثل تزايد العداء تجاه طهران، وزيادة اعتماد أجهزتها الأمنية على الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة.كما أن المشكلات آنفة الذكر تزيد من وتيرة التوتر والتطرف بين المعارضة والأقليات العرقية والدينية في المجتمع الأذربيجاني. وعلى هذه الخلفية، بدأ عدد متزايد من الخبراء والسياسيين يتحدثون عن إمكانية تصدير الثورات العربية إلى أذربيجان. ومع قدرة الأذربيجانيين المتسارعة على الوصول إلى الإنترنت ومصادر المعلومات البديلة، وشبكات التواصل الاجتماعي، صار لدى أذربيجان المستقلة تقاليد لا يُستهان بها من المعارضة السياسية والمنظمات العامة والسياسية القوية.

لكي نفهم الوضع داخل المجتمع الأذربيجاني علينا أن ننظر إلى متانة النظام السياسي الأذربيجاني، والنزعة الشرقية لدى الشعب الأذربيجاني لعبادة السلطة، والإرث السياسي السوفيتي وما له من أثر هائل باقٍ لا يزال يخيم على المجتمع الأذربيجاني. لهذا السبب لا يمكن للمرء أن يجزم بالمطلق حول إمكانية استنساخ أي سيناريوهات ثورية في أذربيجان، ولا أن يتحدث عن زلزال سياسي في المجتمع الأذربيجاني إلا في حالة انهيار الأنظمة السياسية في البلدان المجاورة.

وعلى باكو أن تجعل في قائمة أولوياتها مراقبة الوضع في إيران التي يشكّل الأذريون فيها أكثر من ثلاثة أضعاف سكان أذربيجان. ويتوقع بعض الخبراء ظهور "هلال شيعي"، أي تحالفٍ سياسي من الحركات والأحزاب السياسية الشيعية ذات التوجه الإيراني، وتتعزز فرص هذا الاحتمال في ضوء المزاج العام وزيادة شهية الاحتجاج داخل الأوساط الشيعية في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، وفي ضوء تنامي نفوذ الشيعة في إيران والعراق ولبنان.

ومما تجدر الإشارة إليه مرة أخرى هو أن المسؤولين في باكو سيجدون أنفسهم في مواجهة وضع خطر بسبب الصحوة الدينية المتسارعة في المجتمع الأذربيجاني. يلجأ نظام علييف في أذربيجان اليوم إلى حل مشكلة تزايد النشاط الإسلامي من خلال دعم التوسع الشيعي في المناطق السنية من البلاد وطرد أهل السنة المتشددين إلى جمهورية داغستان الروسية المجاورة. وإذا تعسكرت المجتمعات السنية في المناطق الشمالية من أذربيجان أو توغلت الجماعات القوقازية الشمالية المسلحة في أراضي أذربيجان، عندئذٍ سيجد النظام الحاكم في باكو نفسه في ورطة رهيبة أقطابها مسلحو السُّنة المتشددون في الشمال، والتحالف الشيعي في الجنوب، وواقعٌ يستعصي على التوفيق داخل البلد.
____________________________________________
د. رسلان قوربانوف - باحث في معهد الدراسات الشرقية لأكاديمية العلوم الروسية
ترجم النص عن الإنجليزية د. موسى الحالول

kumait 23-02-2013 08:22 PM

مجموعات العنف غير التقليدية.. البلاك بلوك والألتراس نموذجا
 

مجموعات العنف غير التقليدية.. البلاك بلوك والألتراس نموذجا
د. عبدالفتاح ماضي

تمهيد

برغم أن كل الثورات تشهد أعمال عنف بدرجات متفاوتة، إلا أن نطاق العنف في مصر اتسع مع اقتراب الثورة من عامها الثالث، ومع دخول مجموعات شبابية إلى المشهد السياسي مستخدمة طرقا غير تقليدية من العنف ضد مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية. وتحاول هذه الورقة التعرف على هذه المجموعات، وعلى الأخص منها مجموعات "الألتراس" و"البلاك بلوك"، من خلال الإجابة عن عدة أسئلة، هي:

ما البيئة التي نشأت فيها هذه المجموعات؟
وما طبيعة هذه المجموعات؟ وكيف نشأت؟ وما أهدافها؟
وما السمات العامة لهذه المجموعات؟ وما الآثار المتوقعة منها؟
وأخيرا كيفية التعامل معها؟

خلفية الأحداث في مصر

استطاع الشباب، عن طريق الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي وبطرق تعبئة وحشد غير تقليدية، إشعال الثورة في مصر وإسقاط واحدة من أعتى الدكتاتوريات في العالم، رافعين شعارات الثورة (العيش، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية). لكن الشباب لم يتفقوا على بديل واضح للنظام الذي أسهموا بقوة في إسقاطه، ولم يشكلوا تكتلا يمثلهم أو يعبر عن مطالبهم.

لقد تطلع الشباب إلى رؤية تغيير حقيقي ينعكس على أحوال الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما نادوا بالثأر لدماء شهداء الثورة ومصابيها، وانتظروا محاكمات سريعة وعادلة لرموز النظام السابق. وبدون الخوض في تفاصيل المرحلة الانتقالية، فإن ما أود التركيز عليه هو أن تطلعات الشباب هذه وقضايا الثورة الحقيقية لم تكن محل اهتمام المجلس العسكري ولا القوى السياسية، الحاكمة والمعارضة، طوال العامين الماضيين. وبدلا من مناقشة كيفية بناء نظام سياسي تتحقق من خلاله شعارات الثورة، انزلقت هذه القوى إلى قضايا فرعية، ليست بأهمية تلبية مطالب الجماهير وبناء نظام ديمقراطي بديل.

أعاقت ممارسات القوى التقليدية مسار الثورة، ولم ما يكفي من الجهد لتحويل قيم الثورة وأهدافها إلى واقع ملموس، مما أدى إلى إطالة الحالة الثورية وتجدد طاقة الشباب الثورية.ومع استمرار حالة الاستقطاب بين الرئيس وجماعته والمعارضة وأنصارها، وفي ظل حالة الاحتقان التي صاحبت محاكمة المتهمين بمجزرة بورسعيد، طفت على السطح أعمال عنف مختلفة راحت ترفع شعارات تبدأ من القصاص وتنتهي بالمطالبة بإسقاط الرئيس.

وهناك مجموعتان رئيسيتان في هذا المجال، هما تنظيمات "الألتراس" التي بدأت كتنظيمات رياضية إلا أنها سُيست وصارت لاعبًا مؤثرًا منذ بداية الثورة، ومجموعات "البلاك بلوك" التي ظهرت في أعقاب أحداث "قصر الاتحادية".

النشأة والأهداف

دخلت هذه المجموعات إلى المشهد السياسي كرد فعل على ارتباك مسار الانتقال، وضعف حكم القانون ومؤسسات الدولة، وانكسار جهاز الشرطة، حيث صار العنف، عند الكثيرين، هو الأسلوب الوحيد للحماية ورد العدوان. كما أن شباب هذه المجموعات يربطون تحركاتهم العنيفة بظهور "فتاوى دينية" تستبيح دم المعارضين، وبتجاهل السلطة للأفكار التي أعلنها البعض لإنشاء "ميليشيات" تابعة لناشطين إسلاميين.

أولا: الألتراس

تستخدم كلمة الألترا (ultra) لوصف مناصري قضية معينة على نحو يجاوز ولاء أصحاب القضية الأصليين لها، وقد انتقلت الكلمة لوصف مشجعي الأندية الرياضية بأوروبا في ظل سياق اتسم بعزوف الشباب عن الآليات التقليدية للسياسة كالأحزاب والنقابات، بجانب صعود السياسات الرأسمالية وأزمة الحداثة بالمجتمعات الغربية. واتسمت جماعات الألتراس الرياضية عن غيرها بولائها غير المشروط لنواديها، وباستقلاليتها المالية والتنظيمية، عن مجالس إدارات النوادي وروابط التشجيع التقليدية، واعتمادها على التبرعات الذاتية للأعضاء، الذين تتراوح أعمارهم عادة ما بين (16-25 سنة)، ومعظمهم من الذكور القادمين من كافة طبقات المجتمع وخاصة الطلاب.

وتتباين هذه المجموعات في تنظيماتها الداخلية بين التنظيم المحكم بهرمية وقواعد محددة ورسوم عضوية، وبين التنظيم غير الرسمي والقواعد غير المكتوبة. وهناك علاقات تواصل وتعاون بين بعض المجموعات عبر الدول الأوروبية . ولكل مجموعة مكان وسلوكيات معينة للتشجيع الدائم والمستمر بغض النظر عن النتيجة، وبرغم أن بعضها يصف نفسه بأنه غير عنيف، إلا أن الممارسات الفعلية غالبا ما تشهد شعارات أو عبارات أو أناشيد عنصرية أو اشتباكات عنيفة أو الهجوم على الممتلكات.

وبشكل عام، ظلت مجموعات الألتراس غير مُسيسة، ولا تتبنى أيديولوجيات محددة، ولا يرتبط أعضاؤها بأحزاب سياسية، غير أن بعض مجموعات الألتراس في دول كإيطاليا وبولندا وأكرانيا لها ميول يمينية متشددة. أما العامل المشترك بين هذه المجموعات فهو عداؤها الدائم لأجهزة الأمن التي تحاول دوما أن تسيطر على هذه المجموعات، وأيضا عداؤها الدائم لأجهزة الإعلام التي ارتبطت في أذهان الألتراس بأنها الحليف الطبيعي لأقطاب صناعة لعبة الكرة وسيطرة العقلية الرأسمالية عليها.

وانتقلت فكرة الألتراس إلى عدد من الدول العربية، ووصلت مصر عام 2007 لتظل مجموعات غير مُسيسة، ومعادية للأمن والإعلام على خلفية رياضية بحتة، وترفض تحول الكرة إلى صناعة يستفيد منها الكبار على حساب الجمهور. ومع اندلاع الثورة، وانكسار حاجز الخوف، شاركت مجموعات الألتراس في الأيام الأولى للثورة، وانصب اهتمامها على حماية الميدان وأسر الشهداء والمصابين، وفي الضغط أثناء محاكمات الرئيس السابق. كما شاركت بمليونية 9 سبتمبر/أيلول2011 التي انتهت باقتحام السفارة الإسرائيلية.

ومنذ مجزرة ملعب بورسعيد، التي راح ضحيتها 74 شخصا، تصاعد النشاط السياسي للألتراس، وخاصة ألتراس النادي الأهلي، إذ راح أفراده ينظمون احتجاجات دورية للمطالبة بالقصاص. وبدءًا من 19 يناير/كانون الثاني 2013 كان الألتراس في مقدمة الصفوف ضد قوات الشرطة استعدادًا للحكم في مذبحة بورسعيد في 26 من نفس الشهر، وسُيرت عدة مظاهرات بمحافظات مختلفة، كما لجأ لطرق عنف غير تقليدية كقطع الطرق وتعطيل المترو والتهديد بالانتقام. ولأن الأحكام جاءت مشددة، فقد شهدت البلاد نوعين من نشاطات الألتراس، ففي القاهرة، احتفل ألتراس الأهلي بالأحكام باعتبارها خطوة أولى للقصاص، معلنا انتظاره لبقية الأحكام على قيادات الداخلية يوم 9 مارس/آذار القادم. أما في بورسعيد، فقد قام ألتراس النادي المصري بمحاصرة سجن بورسعيد لتهريب المتهمين، ثم اندلعت احتجاجات شعبية عارمة ضد مقار الشرطة والمباني الحكومية تنديدا بالأحكام ومطالبةً بإسقاط الرئيس. وامتدت الاحتجاجات لعدة أيام وانتهت بأكثر من خمسين قتيلا وسيطرة الجيش على مدن القناة الثلاث.

وللألتراس عدة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، منها صفحة تضم ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون عضو تسمي (UltrasAhlawy-UA07)، بها عبارات عدائية للشرطة والمجلس العسكري، وأخرى تتوعد بالقصاص وهناك عبارات تنتقد بشدة التيارات السياسية الباحثة عن الشهرة، لكن لا تتبنى هذه الصفحات أي نقد لرئيس الجمهورية أو الإخوان. وعلى صفحة (Ultras Devils) جاءت العبارة التالية يوم 27 يناير/كانون الثاني الماضي: "26 يناير مجرد بداية "مقبولة".. 9 مارس إما استمرار و"اكتمال" العدالة، وإما الفوضى ودم بـدم، لن نقبل بمعاقبة بريء أو براءة ظالم أو قاتل أو فاسد" . وهناك صفحة أخرى تسمى"جيش الألتراس"، حددت لنفسها عدة أهداف، منها التضحية من أجل الثورة والقصاص من قتلة الشهداء، والتصدي لأي عمل إجرامي ضد الثوار، ومساندة المسيرات.

وهناك صفحة لألتراس النادي المصري على الفيس بوك هي (Ultras Green Eagle-Uge)، قامت بتنسيق تحركات أفرادها قبل النطق بالحكم، ودعت إلى الاحتجاج بطرق مختلفة كمحاصرة ميناء بورسعيد. وبعد النطق بالحكم اعتبرت الصفحة أن الأحكام جائرة، وأنها جاءت ترضية لألتراس الأهلي ولتهدئة الأمور بكافة المحافظات والتضحية ببورسعيد. وحمّلت الصفحة الرئيس والإخوان مسؤولية هذه الأحداث، وانتقدت عدم تدخل الجيش لحماية الأهالي (28 يناير/كانون الثاني 2013). كما تنشر الصفحة أسماء الشهداء وبعض مقاطع الفيديو التي تُظهر اعتداء أفراد الشرطة على المتظاهرين وتعذيب الأطفال.

ثانيا: البلاك بلوك

نشأت مجموعات البلاك بلوك (Black Bloc) كتكتيك في التظاهرات، حيث يرتدي أفرادها الملابس السوداء، ويخفون وجوههم بأقنعة سوداء لستر هوياتهم وإظهار أنفسهم ككتلة واحدة متضامنة. وارتبطت هذه المجموعات بحركات الاحتجاج اليسارية والفوضوية والحركات الراديكالية بشكل عام، وتعود جذورها إلى نهاية الستينيات بشيكاغو فيما عرف بأيام الغضب أثناء الحرب الفيتنامية، ثم في الثمانينيات بألمانيا ضمن الحركات المناهضة للسياسة النووية وسياسات أخرى. ونُسب لهذه المجموعات الكثير من أعمال الشغب والحرائق والتظاهر بدون تصريح وإتلاف ممتلكات الشركات متعددة الجنسية. ثم جذبت اهتمام العالم في المظاهرات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية أثناء مؤتمر بمدينة سياتل الأميركية عام 1999 عندما تم إتلاف عدة محال تجارية تابعة لشركات متعددة الجنسيات.

وفي مطلع العام الثالث للثورة، ظهرت بمصر مجموعات صغيرة تُطلق على نفسها ذات الاسم وتتبنى نفس الأساليب غير التقليدية في الاحتجاج. وقد أنشأ هؤلاء عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أهمها صفحة الكتلة السوداء- مصر(Black Bloc Egypt) التي ظلت تعمل حتى 10 فبراير/شباط الجاري ثم أغلقت.

ويعرف ناشطو هذه المجموعة أنفسهم بالقول "نحن نسل من دماء الشهداء"، الذين سقطوا في الثورة، ويرون أنفسهم بأنهم "التطور الطبيعي لغياب القصاص". ويؤكدون على أن "الثورات لا تصنع من ماء الورود، الثورات تصنع من الدماء"، ويرفعون شعارات مثل: "إذا انعدم العدل فانتظر الفوضى"، "نحن فوضى تمنع الفوضى".

وقالت المجموعة في بيان مصور لها: إن هدفها هو "السعي لتحرير الإنسان، وهدم الفساد، وإسقاط الطغاة في كل زمان ومكان"، و"إسقاط نظام الإخوان المسلمين" و"ذراعه العسكري". ونفت أي علاقة لها بالكنيسة، مؤكدة على أنها تقف فقط ضد الإخوان المسلمين و"أي جماعة تستغل الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة" . لكن المجموعة أكدت على عدم تعرض أفرادها لرجال الشرطة والجيش، لكنها حذرتهم بأنهم "لن يتهاونوا في الرد على وزارة الداخلية إذا ما واجهتهم، لدى محاولتهم إسقاط الفاشية". كما نفت أي علاقة مع حمدين صباحي أو جبهة الإنقاذ، معلنة رفضها لمعظم قراراتها لأنها "ضعيفة ولا تحقق طموحات الثورة" . ويرى أفراد المجموعة أن سبب وجودهم هو الهجوم الذي شنته ما يسمونها "ميليشيا الإخوان" على معتصمي "الاتحادية" مطلع ديسمبر/كانون الأول 2012، وظهور ما عُرف إعلاميًا "بميليشيا حازمون" التي اشتبكت مع المتظاهرين أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية وحاصرت مدينة الإنتاج الإعلامي.

وهكذا، فإنه، وعلى خلاف مجموعات الألتراس، التي لا تنتقد جماعة الإخوان، فإن البلاك بلوك تعادي بوضوح الرئيس والإخوان. وقد نسبت لهم الصحف الهجمات التي تعرضت لها مقار الإخوان وبعض المباني الحكومية والمحاكم وإيقاف حركة المرور والمترو في عدة مدن مصرية، بجانب احتجازهم طاقم الجزيرة لأنها "قناة تعمل لصالح النظام الحالي، وتروج للإخوان المسلمين" حسب اعتقادهم.

ويبدو أن الأعداد المنتمية لهذه المجموعات محدودة حتى الآن، ففي استفتاء أجرته صفحة (Black Bloc Egypt) بعنوان "استفتاء نريد القصاص والحل:" بتاريخ 4 فبراير/ شباط 2013 ظهرت بعض النتائج بمشاركات لم تتجاوز المئات، أهمها: 188 "الكفاح المسلح والفوضى"، 148 "السلمية وتأمين المظاهرات من الاعتداء"، 36 "السلمية + انقلاب من ضباط الجيش الشرفاء فقط". ويؤكد الكثير من الناشطين والصحفيين بالإسكندرية أن وجوه المنتمين للتنظيم بالإسكندرية غير مألوفة لهم، ولم يكن أي فرد منهم ينتمي إلى أحزاب أو حركات ثورية أخرى. وذلك عكس ما نُسب إلى قائد إحدى المجموعات بالإسكندرية في تصريحات صحفية، من أن معظمهم كان ينتمي لحركات سياسية، لكنهم انفصلوا عنها لتكوين البلاك بلوك.

والخطير هنا هو أن هذه المجموعات لا تترد في استخدام العنف للوصول إلى أهدافها. فبرغم نفيها العمل المسلح إلا أن صفحاتها على "فيسبوك" تحتوي فيديوهات تُظهر طرق عمل المولوتوف المتطور (6/2/2013)، وكيفية صنع قنبلة دخان (6/2/2013)، كما أظهرت بعض الفيديوهات مسيرات لأعضائها بالأسلحة البيضاء. وفي صفحاتهم تقرأ: "نعلن نحن مجموعة البلاك بلوك عن القصاص بأيدينا ولا ننتظر من القانون شيء.. فقط الكفاح المسلح هو الحل.. كما نعلن عن الاغتيالات لرموز النظام قريبا." وكذا: "سلّحوا الثورة.. حق إللي ماتوا مش هيجي بالهتاف والمسيرات والاعتصامات. كما نقلت عنهم الصحف أنه "إذا تطور الأمر وازداد "إرهاب" الجماعات الإسلامية، فلن يكون أمامهم خيار سوى اللجوء لاستخدام السلاح.

ويدافع أفراد المجموعة عن أنفسهم بالقول بأنهم مستهدفون من الداخلية، بينما هم قاموا بحماية المتحف المصري يوم 26 يناير/كانون الثاني، ومتحف المجوهرات الملكية المجاور لمسكن محافظ الإسكندرية الذي تمت محاصرته . وبرغم نفي المجموعة علاقتها بأي متحدث يظهر في وسائل الإعلام، وتأكيدها على أنه لا أحد يتحدث باسمها، إلا أنه نُقل عنهم أنهم اختاروا، بعد ذلك، أن يتعاملوا مع الإعلام بسبب وصفهم بالبلطجية في بعض القنوات الإعلامية وإظهارهم كتنظيم فوضوي.

وقد اعتبرت النيابة العامة هذه المجموعة "جماعة إرهابية"، وأصدرت بيانا أعلنت فيه أن المجموعة جزء من "مخطط إسرائيلي يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية"، كما كلف النائب العام هيئة الأمن القومي وقطاع الأمن الوطني، بجمع كافة المعلومات عن المجموعة ومصادر تمويلها وأهدافها ومدى صحة ما نسب لهم بالمواقع الإلكترونية .

السمات العامة

برغم حداثة هذه المجموعات وقلة المعلومات المتوفرة عنها، فإنه يمكن استنادا إلى ما تقدم رصد عدد من السمات العامة:

أولها: أن العماد الرئيس لهذه المجموعات يتكون من الشباب في العقدين الثاني والثالث من العمر، والكثير منهم من طلاب المدارس الثانوية والمعاهد والجامعات. وهذه المجموعات غير منظمة تنظيما هرميا تقليديا، وإنما يعتمد أفرادها على التواصل الأفقي والشبكي. وليس من المعروف حتى الآن ما إذا كانت هناك أطراف ما تستخدم هؤلاء، ولا من يمولهم.

ثانيا: إن ثقافة أعضاء هذه المجموعات مستمدة، غالبا، من وسائط إعلامية وفضائية ومعلوماتية حديثة، وهي ثقافة محدودة بشكل عام. كما أنه ليس لدى الكثيرين منهم ثقة كبيرة في الأطر القديمة بما في ذلك الهُوية الوطنية، ويعانون بالتالي من أزمة هُوية وانتماء، وهذا نتاج طبيعي لعولمة الثقافة وغزو الفضائيات الأجنبية وضعف البدائل الثقافية القائمة . وليس أدل على ذلك من أن أساليبهم في مواجهة خصومهم منقولة بالكامل من تجارب خارجية (الألتراس والبلاك بلوك). الشباب يبحث، في الواقع، عن هُوية مفقودة منذ عقود، وإذا لم تنجح الثورة في إقناعهم بأن هناك أملا في صياغة هُوية وطنية جامعة، وإذا لم تتجاوز القوى التقليدية خلافاتها السياسية، وإذا لم تستمع هذه القوى للشباب، فستستمر الحالة الثورية، بل وقد تتطور هذه المجموعات إلى حركات أكثر تنظيما وعنفا وخطورة على هُوية البلاد ووحدتها.

ثالثا: ليس لهذه المجموعات لون أيديولوجي محدد، وما يجمع كل مجموعة فكرة بسيطة هي "القصاص أو الدم" أو "القصاص أو الفوضى". وهذا في حد ذاته مصدر للقوة، إذ لا يشغل أفراد هذه المجموعات الخلافات التاريخية والاختلافات الإيديولوجية السائدة بين القوى التقليدية، ولا حسم القضايا الخلافية الكبرى.

رابعا: تعاني هذه المجموعات من تناقضات فكرية وسلوكية، فالكثير من أفرادها أقرب إلى الاتجاهات اليسارية، لكنهم لا يترددون في استخدام منتجات الحضارة الغربية، وخاصة في مجال التكنولوجيا والاتصالات وأنماط السلوك الجمعي. ولكنهم لا يخلطون القضايا الداخلية بالقضايا الخارجية على مستوى الخطاب السياسي، وذلك فيما عدا بعض المواقف المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية والأميركية. كما تختلف هذه المجموعات عن الحركات اليسارية التقليدية، فهذه الأخيرة لم تكن أبدا عنيفة في مصر، وتركزت مطالبها حول مطالب سياسية واجتماعية.

خامسا: يشعر أفراد هذه المجموعات بعدم الثقة في النخب والمؤسسات القائمة، ويرفضون -بعد انكسار حاجز الخوف- الخضوع لأية جهة، ويتصورون أن بإمكانهم تغيير أي شيء. إن لدى الكثير منهم إحساس قوي بعدم الأمان، ويجدون ذواتهم في تحدي كل ما هو قائم.

سادسا: الأخطر هو فقدان الشباب، كمعظم النخب السياسية، التركيز على الموضوع الأساس الذي كان يجب أن يكون موضع الاهتمام في أعقاب ثورة ضد الاستبداد، وهو النظام الديمقراطي بمفاهيمه ومؤسساته وضماناته المتعارف عليها. لقد فُقِدَ هذا الموضوع وسط موضوعات أخرى ليست بأهمية بناء النظام البديل الذي (متى تم التوافق عليه بشكل صحيح)، فإنه سيساعد على منع تكرار ممارسات النظام السابق ويفتح الطريق أمام ظهور حكومات منتخبة وقادرة على التصدي للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية. وكان من الواجب التفكير مليا في كيفية تطوير هذا النظام الديمقراطي ليلبي طموحات الشباب ويترجم آمالهم في تغيير بنية وطبيعة السلطة وإيجاد مؤسسات أكثر تمثيلا وفعالية.

وفي واقع الأمر، أعتقد أن فرصة وضع دستور جديد في مصر قد أُهدرت منذ اليوم الأول لتأسيس الجمعية التأسيسية، عندما اعتمدت الأوزان الحزبية في تشكيلها، وعندما لم يُمثل الشباب والمجتمع فيها بشكل حقيقي. لقد كانت الثورة فرصة ذهبية لتمثيل الوطن بأكمله في جمعية تأسيسية تضع دستورا حديثا يضمن إقامة نمط جديد لعلاقات القوة والسلطة، يقوم على تمثيل حقيقي للمجتمع ومشاركة حقيقية في الحكم، ويُحوّل قيم الثورة إلى واقع ملموس يصل إلى كل مؤسسات وفئات وهياكل المجتمع. ولم يواكب الدستور التغيير الذي حدث بالألفية الثالثة، على مستوى تطور الديمقراطية ذاتها وظهور أشكال جديدة للمشاركة والتمثيل.

التعامل مع مجموعات الألتراس والبلاك بلوك

ليس من اليسير الآن التوقع بشأن مستقبل هذه المجموعات، فقد يتحول بعضها إلى جماعات ضغط تختفي بتحقيق مطالبها، وقد تتطور مجموعات أخرى إلى تنظيمات عنف منظمة، كما قد يتم اختراق بعض المجموعات من قبل أطراف داخلية وخارجية بهدف إجهاض الثورة. وفي جميع الأحوال يمثل استخدام العنف خطرا شديدا على مستقبل البلاد والثورة معا.

ولهذا يمكن اقتراح بعض الأفكار للتعامل مع هذه الظاهرة.

فأولا،يجب على القوى السياسية، الحاكمة والمعارضة، عدم الاستهانة بأعداد هؤلاء الشباب أو بمواقفهم وأفعالهم، ولا النظر إليهم باعتبارهم فصيلا واحدا. هناك بالطبع فئات قد تكون مأجورة تعمل كأداة للثورة المضادة، وأخرى ترفع السلاح وتهدم مؤسسات الدولة، وهذه لا يصلح معها إلا سحب أي غطاء سياسي عنها ومواجهتها دون تجاوز القانون. أما ما عدا هؤلاء، كشباب الألتراس وشباب الائتلافات الثورية السلمية وغيرهم، فلا يجب تجاهلهم، فالشباب نجحوا فيما فشلت فيه النخب التقليدية، واستطاعوا إسقاط أعتى المستبدين. وهم، في اعتقادي، قادرون على قلب الطاولة من جديد في بضع سنين أو شهور، إذا أحسوا من جديد بالتهميش، وإذا لم يروا تغييرا حقيقيا في بنية السلطة وهياكلها. لقد انكسر حاجز الخوف لديهم ومازالت أدوات التعبئة الإلكترونية والشعبية في أيديهم، ونجاحهم القريب يقدم لهم قوة دفع قوية لتكرار المحاولة.

وثانيا،لن تصلح الحلول الأمنية، فجهاز الأمن لم يتم إصلاحه إصلاحا جذريا، وهو غير قادر على مواجهة موجات ثورية مستمرة بهذا الشكل. والشباب الثائر غير قابل للاحتواء أمنيا، كما أن مطالبهم قوبلت على مدى عامين بتجاهل تام مما أفسح المجال للحركات العنيفة. وكذلك من الخطورة تصور إمكانية وجود حلول عسكرية، فالجيش غير راغب، وغير قادر، على السيطرة المباشرة في ظل ثورة شعبية اللهم إلا إذا لجأ إلى النمط السوري، وهذا مستبعد بسبب التجربة السابقة للمجلس العسكري، ووطنية المؤسسة العسكرية.

ثالثا: لا مفر من إيجاد آليات للحوار والاستماع بجدية وعمق إلى الشباب والتعرف على رؤاهم، وخلق مساحات للحوار فيما بينهم أيضا. ويجب طرح القضايا الجوهرية بدلا من الانزلاق إلى قضايا فرعية يمكن معالجتها لاحقا. وأتصور هنا وجود قضيتين محوريتين للحوار: الأولى حول أسس النظام الديمقراطي المنشود، وآليات وسبل تفعيل مشاركة الشباب في كافة القطاعات السياسية والتنموية والاجتماعية، وحول كيفية إقامة هذا النظام والتوافق حوله والحفاظ عليه. أما القضية الثانية، فهي أنه في ضوء ضعف الانتماء لدى قطاعات كبيرة من الشباب، وامتداد حالة الاستقطاب إلى بعضهم، فلابد من التوافق على مبادئ وأسس هُوية وطنية جامعة، تجمع المصريين وترتب أولوياتهم وتوحد جهودهم، إلى جانب ترسيخ منظومة قيمية واجتماعية جديدة تُعلي من شأن المشاركة وأهمية التفكير في المستقبل وتجاوز كافة العقبات.

رابعا: هناك، داخل هذه المجموعات وخارجها، شباب غاضبون يعبرون عن غضبهم في مجتمع حَرَمَهم من أبسط متطلبات الحياة منذ عقود. هؤلاء قد يكونون نواة لغضبة حشود أخرى من المهمشين الذين لم تتحسن أوضاعهم بعد الثورة، ويشهدون كل يوم معارك سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ومن الملاحظ أن البلاك بلوك ستسعى إلى دفع هؤلاء إلى التظاهر، وهو ما أشار إليه أدمن واحدة من صفحات البلاك بلوك من أن الفقراء بالمناطق الشعبية، أو ما أسماهم "الحرافيش" هم من سيسقطون النظام الحالي . إن أوضاع هؤلاء لابد أن تكون على رأس أولوياتنا، ففي بلد فيه 18 بالمائة من الأسر تعيش في غرفة واحدة، وبه أكثر من 1200 منطقة عشوائية (يعيش فيها أكثر من 12 مليون نسمة) حسب مصادر مختلفة،يجب أن تكون هناك وزارة (أو مجلس أعلى) للمهمشين والعشوائيات حتى يتم القضاء تدريجيا على هذه المشكلة ويتحول هؤلاء الناس من محرومين إلى مواطنين.

وأخيرا، يجب إدراك أن غياب الحل السياسي الشامل القائم على التفاهم والمصالحة والمشاركة وتجنب المصالح الضيقة هو السبب الأول لتفشي العنف بجميع أشكاله، وغياب هذا الحل اليوم سيوصل البلاد إلى حالة من الاحتراب الأهلي المسلح لن تخرج منه قبل سنوات.
______________________________________
د. عبدالفتاح ماضي - أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة الإسكندرية

kumait 23-02-2013 08:42 PM

"ثورة الغاز الصخري" هل تحقق استقلال أميركا من سيطرة الشرق الأوسط
 

"ثورة الغاز الصخري" هل تحقق استقلال أميركا من سيطرة الشرق الأوسط

منذ إعلان استقلالها عن التاج البريطاني في العام 1776، ومن خلال شتى الأساليب، سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، تكنولوجية وحتى العسكرية حاولت الولايات المتحدة الأميركية جاهدة ضمان أمن إمداداتها من مصادر الطاقة اللازمة لإدارة عجلة اقتصادها وحماية أمنها القومي، فكان في البداية الفحم، ثم حلت المصادر التقليدية للنفط والغاز، وأخيرا جاء النفط والغاز الصخري.

لقد تعرضت الولايات المتحدة على مدى تاريخها إلى أزمات اقتصادية حادة كان من بين أشدها وطأة أزمة عام 1973 حين قررت الدول العربية النفطية وقف تصدير النفط الخام للغرب فكان ذلك الحظر النفطي سببا عظيما دفعها إلى التفكير بجدية في متطلبات ضمان عدم تكرار الحظر وتفادي تأثيراته عليها. ويؤكد كثيرون أن الولايات المتحدة خاضت حروبا واشتركت في نزاعات مسلحة خلال العقود الثلاثة الماضية لضمان مصادرها من الطاقة وديمومة موقعها الاقتصادي القيادي العالمي. كما أنفقت الإدارات الأميركية المتلاحقة والشركات مئات المليارات من الدولارات لتطوير التقنيات وإنجاز البحوث والدراسات المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج المائية)، إضافة إلى تعزيز استخدام الوقود الحيوي. ومن جانب آخر، عكفت الشركات النفطية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات إلى تطوير وسائل وتقنيات التنقيب عن النفط والغاز واستخراج مخزوناتها لضمان الحصول على أكبر إنتاج لأطول فترة زمنية ممكنة. واستمرت الولايات المتحدة في استيراد أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز، كما شجعت شركاتها للاستثمار في الرمال النفطية "رمال القار" إلى جانب الاستثمار في مشروعات لاستغلال "النفط الثقيل" وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في القارة القطبية.

وواصلت الولايات المتحدة حرصها على ضمان استمرار إستراتيجيتها في مجال الطاقة حتى تفجرت "ثورة الغاز الصخري" قبل سنوات قليلة، هذه الثورة التي لا تقل أهمية في تاريخها الاقتصادي عن ثورة استقلالها عن بريطانيا، وقد تؤدي إلى تحقيق استقلالها عن دول الشرق الأوسط النفطية. لقد قلبت ثورة الغاز الصخري كافة الموازين وخالفت كل التوقعات السابقة بالنسبة إلى مصادر الطاقة. وبرزت خلال السنوات الأربع الماضية ريادة الشركات الأميركية في طرق تحديد مكامن الغاز الصخري والتنقيب عنه واستخراجه، وستبقى على مدى سنوات طويلة قادمة قائدة العالم في هذا المجال التقني المتطور.

لقد دفعت ثورة الغاز الصخري الولايات المتحدة للتخلي "عمليا" عن كثير من ثوابتها البيئية ومطالباتها بتفادي التغييرات المناخية والحد من انبعاث الكربون، فبعد أن كانت تروج للغاز الطبيعي بأنه أفضل للبيئة، تحولت لترويج "الغاز الصخري" و"النفط الصخري" رغم أن أساليب استخراجهما يمكن أن تكون ملوثة للبيئة. وتؤكد الولايات المتحدة أن هدفها هو العمل على زيادة المعروض وتفادي شحة الإنتاج والمخزون، مما دفعها إلى الإعلان عن توقعات بزيادة كبيرة في إنتاجها من النفط والغاز خلال العقدين القادمين بما يمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة بل ويخلق القدرة لديها على تحقيق صادرات أكبر من الغاز، مما يؤكد -إن تحققت تلك التوقعات- أنها ستتحول إلى مصدر صاف للغاز بحلول العام 2016.

وأكدت إدارة المعلومات الأميركية أن استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة كان في العام 2007 يمثل 29% من حاجاتها الكلية للطاقة. في حين مثلت كميات استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة في العام 2011 نسبة 19% من حاجتها. كما توقعت أن يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال على الطلب المحلي في العام 2020. لقد كان قطاع الطاقة الأميركي في العام 2008 يعاني من ركود عظيم، ولكن ثورة الغاز الصخري حققت مكاسب للاقتصاد الأميركي، حيث تم استثمار المليارات من الدولارات إلى جانب خلق الآلاف من فرص العمل وتطوير إمكانات الابتكار والإبداع. ويتوقع أن تحوّل هذه الثورة التي حصلت في مجال مصادر الطاقة منشآت وموانئ أميركية ضخمة أقيمت لاستيراد الغاز الطبيعي إلى منشآت لتصدير الغاز الأميركي. كما بدأت هجرة معاكسة للوظائف في مجال النفط والغاز من الصين إلى الولايات المتحدة، ما يؤشر إلى بدء إعادة تشكيل قطاع وصناعة الطاقة الأميركي ويؤكد مبدأ توفير مصادر الثروة إلى جانب تكاليف استخراج مقبولة تجاريا لتحقيق مستويات عالية من المصادر غير التقليدية من النفط والغاز. ولقد ارتفعت تقديرات احتياطيات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي بنسبة 35% عما كانت عليه قبل سنتين فقط. وفي العام 2010 ارتفعت تقديرات مخزونات الغاز الصخري خمسة أضعاف عما كانت عليه في العام 2006. ويمثل الغاز الصخري حاليا 23% من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة.

استخراج الغاز الصخري

الغاز الصخري هو غاز طبيعي يستخرج بطرق دقيقة ومعقدة، ويتم استخدام تقنيات حديثة ومتطورة جدا لاستخراج الغاز الطبيعي غير التقليدي من طبقات الصخور الزيتية (السجيل الصخري) تتضمن تقنيات الحفر الأفقي وتشقيق الصخور بالسوائل. وتمتاز هذه التقنيات بالدقة والكفاءة العالية مما أدى إلى خفض تكاليف الإنتاج إلى درجة تدفع البعض للاعتقاد -رغم عدم وجود أرقام موثقة- أن تكاليف مشروعات استخراج الغاز الصخري تكون أحيانا أقل من تكاليف مشاريع استخراج الغاز الطبيعي التقليدي. ويتم استخدام الضغط العالي للمياه المخلوطة برمال ومواد كيمياوية لتشقيق وتكسير الصخور الغنية بالغاز في أعماق تتجاوز الكيلومتر. وتؤكد تقارير تتعلق بعمليات استخراج الغاز الصخري من خلال عملية التشقيق الهيدروليكي أن ذلك يحتاج إلى حوالي خمسة ملايين غالون من الماء لكل بئر، إضافة إلى ضرورة التخلص من المياه المستخدمة حيث تواجه الشركات مشكلات تتعلق بالمياه المستخدمة في استخراج الغاز الصخري وأساليب التخلص منها أو معالجتها.

"الغاز الصخري" في أروقة السياسة الأميركية

لقد تحولت مسألة الغاز الصخري إلى قضية إستراتيجية في طروحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة وكان ذلك واضحا ضمن حملات المتنافسين في الانتخابات الأميركية الأخيرة حين أكد المرشح الجمهوري ميت رومني قائلا: إن فزت بالانتخابات فسأطبق سياسات تهدف إلى خفض اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الروسية". وهو بذلك يعني توفير الغاز الأميركي لسد حاجة أوروبا.

أما الرئيس باراك أوباما الديمقراطي فقال"إن الولايات المتحدة تستطيع تطوير إمدادات للغاز الطبيعي لمائة سنة قادمة، وهي احتياطيات قابعة تحت أقدامنا تستطيع خفض إمداداتنا من النفط بمقدار النصف بحلول 2020 وخلق أكثر من 600 ألف وظيفة في قطاع الغاز وحده". وفي حديث خص به مجلة التايم الأميركية قال الرئيس أوباما: "إن جهودنا فيما يتعلق بالغاز الطبيعي والنفط ستتيح لنا حرية أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نود أن نراه". وذلك يدفع للاعتقاد بأن العلاقات الأميركية العربية التي كانت تحكمها مصالح النفط بالدرجة الأولى ستتغير في المستقبل من سياسة الحاجة الأميركية إلى النفط إلى سياسة المنافسة في تصديره، مما سيعيد ترتيب تلك العلاقات على أسس جديدة. وأكد تقرير أعدته أعلى هيئة استشارية أميركية للشؤون الاستخبارية الإستراتيجية أن بلوغ الولايات المتحدة مرحلة تلبية حاجاتها من الطاقة ذاتيا سيجعل الإنتاج الأميركي يساهم في إضعاف قدرة منظمة أوبك على التحكم بأسواق النفط. كما ستؤدي زيادة الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة من النفط والغاز إلى خفض وارداتها من المزودين الحاليين وهم: كندا، المكسيك، دول في أميركا اللاتينية، المملكة العربية السعودية، ودول في غرب أفريقيا مما سيضطرهم للبحث عن أسواق بديلة. ومن خلال متابعة تصريحات المراقبين والمختصين يمكن رصد آراء مختلفة فقد أكد راندي ولفل الرئيس التنفيذي لشركة نوفا كيميكالز، أن اكتشافات ما يعرف بالغاز الصخري ستحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة.

لكن سيرغي كومليف -رئيس قسم عقود التصدير والتسعير في شركة غاز بروم الروسية- يعتقد أن الولايات المتحدة لن تستطيع تصدير الغاز بكميات وفيرة تفي بمتطلبات الغاز الأوروبية، وأن الأسعار المتدنية للغاز في الولايات المتحدة لن تدوم طويلا. أما جيمس ديمر نائب رئيس باس غلوبل، وهي مؤسسة استشارية، فإنه يعتقد أن استخراج الغاز يكلف حاليا أكثر من السعر الذي يباع به في الأسواق، ويتوقع توقف الاستثمارات في قطاع الغاز الصخري في نهاية الأمر وبالتالي ارتفاع سعر الغاز مجددا. أما جاك غيرارد رئيس معهد البترول الأميركي فأكد أن الولايات المتحدة "تمر بنقطة تحول عظيمة في تاريخها وستعيد من خلالها تنظيم محاور الطاقة نحو الغرب ونحو سيطرتها".

إنتاج أميركا من النفط والغاز

كشفت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الحكومية في أحدث تقرير لها أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة قفز متخطيا مستوى سبعة ملايين برميل يوميا للمرة الأولى منذ مارس/آذار 1993. أما إدارة معلومات الطاقة فإنها توقعت في أحدث تقرير لها أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة سيرتفع نحو 25% في العامين القادمين وسيقفز العام القادم لأعلى متوسط سنوي منذ 1988. وبشأن توقعات الطاقة في المدى القريب أكدت إدارة المعلومات أن إنتاج الولايات المتحدة سيرتفع في العام الجاري إلى 7.3 ملايين برميل يوميا، وسيزيد إلى 7.9 ملايين برميل يوميا في العام 2014، وتشكل الزيادة الإجمالية 23.4% من الإنتاج في العام 2012.

وتأتي أرقام النمو المذهلة للإنتاج الأميركي بفضل تحرير احتياطيات "النفط المحكمة" واستخدام عمليات التشقيق الهيدروليكية وتقنيات الحفر الأفقي.. فالنفط الصخري يتواجد في صخور رسوبية تحتوي على النفط ويمكن اعتباره بديلا للنفط الخام حيث يمكن تكريره إلى غازولين، كيروسين ووقود طائرات ووقود الديزل. وتتركز مكامن النفط الصخري في الولايات المتحدة في مناطق شمال داكوتا وفي ولاية تكساس كما تم تحديد مخزونات منه في ولايات أخرى. ومن الجدير الإشارة إلى أن مناطق ومكامن النفط التقليدية في الولايات المتحدة متفرقة وبعيدة عن مراكز وجود محطات التكرير ما يجعل إيصالها إلى الأسواق صعبا حاليا وذلك الذي جعل أسعار خام غرب تكساس تقل كثيرا عن أسعار خام برنت ما دفع الولايات المتحدة لبذل محاولاتها للتغلب على ذلك بإنشاء خطوط وشبكات نقل للنفط.

وما يتعلق بصادرات الغاز فرغم وجود قرار أميركي بمنع تصدير النفط الخام والذي تسبب في الحد من إنتاج النفط في الولايات المتحدة فإن صادرات الغاز الأميركية لا تحتاج إلى موافقات من وزارة الطاقة إلا في حالة التصدير لبعض الدول القليلة. ولقد وافقت وزارة الطاقة على زيادة كميات تصدير الغاز الأميركي، ولكن المشكلة تكمن في أن الأسواق الأوروبية تشتري الغاز الأميركي بأسعار أعلى بكثير من أسعار بيعه في السوق المحلي الأميركي، ما يجعل الأسواق المحلية عرضة لتأثيرات أسعار التصدير.

تنافس روسي أميركي أسترالي

من المؤكد أن التكنولوجيا المتطورة ستحدث تغيرات كبيرة في أسواق الغاز في العالم، بعد النجاح الذي حققته في تغيير سوق الولايات المتحدة. وستنتقل آثارها من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين وأستراليا وسائر الدول التي تتوفر لديها مخزونات من الغاز الصخري. ويتوقع البعض حاليا حدوث ما كان غير محتمل في الماضي، وهو أن تكتفي الولايات المتحدة ذاتيا، وأن تكون روسيا أول الخاسرين. ولا يخفي البعض شكوكهم بأن موسكو تمول بصورة سرية حملة مضادة للسياسات الإستراتيجية الغربية المتعلقة بالغاز. وتقول فيونا هل المختصة بالشؤون الروسية بمعهد بروكنغز الاستشاري الأميركي "إن عهد سيطرة روسيا على أسواق الغاز الأوروبية قد ولى".

وقال تقرير صدر عن كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفرد الصيف الماضي "إن مستقبل الولايات المتحدة وروسيا والصين وقدرة كل منها على التأثير في العالم مرهون بصورة أساسية بالتطورات المتعلقة بالغاز". ويذكر أن روسيا اعتادت على بيع كميات كبيرة من الغاز لأوروبا والدول الأخرى بسعر يصل إلى نحو عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في وقت يتم فيه بيع نفس الكمية حاليا في أسواق الولايات المتحدة بنحو ثلاثة دولارات. وقد استرعى هذا الفرق اهتمام شركات الطاقة والسياسيين على حد سواء، وبدأت الحكومات الأوروبية تضع إستراتيجية لخفض إمدادات الغاز الروسية. أما أستراليا وعلى صعيد إنتاج الغاز الطبيعي فهي تستثمر في سبعة مشاريع (ثلاثة مشاريع بهدف التصدير) من بين أكبر 10 مشاريع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في العالم وتبلغ قيمة الاستثمارات (أسترالية وأجنبية) 183 مليار دولار أميركي في مشاريع للغاز منذ 2007.

ويتوقع اتساع رقعة الحاجة للغاز الطبيعي المسال بسرعة في حين تشهد الدول النامية ازدهارا اقتصاديا وتستخدم الغاز لإنتاج الطاقة الكهربائية. ويتوقع بعض المحللين أن تتفوق أستراليا على قطر التي تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم، بحلول العام 2020 لكنها ستواجه منافسة شديدة من الولايات المتحدة ومن بعض الدول الأفريقية المنتجة للغاز الطبيعي. ورغم أن البعض يجادل بأن "الغاز الطبيعي أصبح أفضل خيار للاقتصادات الناشئة بسبب تنوعه وانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة مع الموارد الأخرى" ولكن السؤال الأهم هل ذلك يشمل "الغاز الصخري" أيضا؟

"الغاز الصخري" في أوروبا

لقد أدى ارتفاع إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل أسواق الغاز العالمية كما شجع عددا من الدول كالصين وأستراليا والأرجنتين على تطوير احتياطياتها من الغاز الصخري. ويعتبر إنتاج الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة حاليا محدودا، جدا ولا يتوقع أن يتم استخراج كميات تجارية منه قبل حلول العام 2020. وفي أوروبا تم تحديد مواقع احتياطيات الغاز الصخري كما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا ورومانيا وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة. وبدأت الدول الأوروبية المنتجة للغاز الطبيعي تقييما جديا لخياراتها بشأن إنتاجها وصادراتها.

وكانت عمليات استخراج الغاز الصخري قد منعت سابقا في بولندا وفرنسا وايرلندا وفي أجزاء من ألمانيا. وتقود بريطانيا حاليا الاستثمارات في مجال الغاز الصخري تليها ألمانيا، فرنسا، إسبانيا ومن ثم بولندا. ويحذر مختصون من أن عملية استخراج الغاز الصخري تتسبب في مخاطر بيئية وصحية من خلال تلويث المياه الجوفية وتلويث الهواء إضافة إلى إمكانية خلق أوضاع جيولوجية تتسبب في حدوث هزات أرضية إلى جانب التسبب في التأثيرات المناخية. ويشكك البعض بمدى توافق التقنيات الجديدة لاستخراج الغاز الصخري مع الضوابط البيئية المطبقة والعمول بها ما أثار رفضا شعبيا في بعض الدول لمشروعات استثمار الغاز الصخري فيها.

من الرفض إلى القبول

في العام 2011 قال وزير الطاقة البريطاني كريس هون: "يجب فطام الاقتصاد البريطاني عن النفط والبحث عن بدائل"، وطالب بتنمية مصادر الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة. أما رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فأعلن في وقتها "خطة الكربون" لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. ورفضت الحكومة البريطانية الاستمرار في مشروعات التنقيب عن "الغاز الحجري" بعد أن تسببت في حدوث هزات أرضية خفيفة وادعاءات بتلوث المياه الجوفية وقررت إيقافها. ولكن الحكومة الائتلافية فجرت مفاجأة قبل نهاية العام 2012 حين وافقت على إقامة مشروعات لاستخراج الغاز الصخري. وتواجه عمليات استخراج الغاز الصخري في بريطانيا معضلة الكثافة السكانية العالية ما يصعب العمليات التي تحتاج إلى حفر آبار عديدة حتى لو تم ذلك باستخدام عمليات الحفر الأفقي. كما تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه التي قد لا تتوفر باستمرار. وتقدر دائرة المسح الجيولوجي مخزونات الغاز الصخري في بريطانيا بأكثر من 5.2 تريليون قدم مكعب (150 مليار متر مكعب) وذلك يمثل 50% أكثر من مخزونات الغاز التقليدية.. ولكن ليس معروفا الكميات التي يمكن استخراجها فعليا. ورغم وجود احتياطيات من الغاز الصخري إلا أن المراقبين لا يتوقعون تراجع أسعار الغاز في بريطانيا بشكل مشابه لما شهدته الولايات المتحدة. أما في أوكرانيا فتنشط شركات عالمية في عمليات التنقيب عن الغاز الصخري بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي ويتوفر لدى أوكرانيا رابع أكبر مخزون من الغاز الصخري في أوروبا بعد بولندا وفرنسا والنرويج.

مستقبل "النفط والغاز الصخري"

لقد ساهمت "ثورة النفط والغاز الحجري" في تفنيد نظرية "ذروة إنتاج النفط والغاز" التي كانت تثير قلق الدول المنتجة والمستهلكة في العالم على حد سواء، من خلال اعتقاد البعض أن إنتاج النفط والغاز قد وصل ذروته، وأن تراجع المخزونات والاحتياطيات أمر لا مفر منه بل إنه قد بدأ فعليا. وجاءت زيادة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز الحجري على حساب تطوير وإقامة مشروعات الطاقة المستدامة حيث تراجعت وتيرة الاندفاع الأميركي والغربي نحو تنمية مصادر "الطاقة النظيفة". كما تسببت ثورة الغاز الحجري في تراجع اندفاع الشركات للتنقيب عن مكامن النفط والغاز في القارة القطبية وتسببت ذات الثورة أيضا في تراجع الاستثمارات في مشروعات الوقود الحيوي.

ويؤكد خبراء أن "ثورة النفط والغاز الصخري" تضع ضغوطا على الأسعار. وشهد مؤتمر النفط والمال الذي عقد مؤخرا في لندن جدالا واسعا حول التوقعات المتعلقة بمستقبل النفط والغاز الصخري. وقال كريستوف دو مارجري رئيس مجلس إدارة شركة توتال "إننا نواجه ثورة من أميركا الشمالية". أما مايك دالي -أحد مسؤولي شركة بي بي النفطية البريطانية فقال: إن شركات النفط تنفق حاليا تسعين مليار دولار سنويا على عمليات التنقيب، بالمقارنة مع عشرين مليار دولار قبل خمس سنوات، بينما يذهب أكثر من نصف الإنفاق الحالي على إيجاد مصادر غير تقليدية للطاقة مثل النفط والغاز الصخري. أما الأمين العام لمنظمة أوبك عبد الله البدري فإنه يرى أن إنتاج "الغاز الصخري" لن يحظى بمساهمة كبيرة في سوق الطاقة، وحذر من أن توقعات وكالة الطاقة بأن تصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة في العالم ستؤدي إلى هبوط الاستثمارات في الدول المنتجة الأخرى.

وطبقا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول الصناعية الرئيسية في العالم فإن الطلب في العالم على الغاز سيزداد بنسبة 50% في عام 2035، وستتم تلبية نصف الزيادة من مصادر الغاز غير التقليدية خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا والصين.

شكوك بشأن ديمومة "الغاز الصخري" الأميركي

رغم أن استثمار "الغاز الصخري" في الولايات المتحدة ساهم في إعادة رسم خارطة قطاع الطاقة في العالم إلا أنه قد يواجه مشكلات تتسبب في تراجعه في المستقبل ومنها:

· أولا: استمرار الأسعار المنخفضة لبيع الغاز في الولايات المتحدة مما يدفع الشركات لخفض عدد الآبار المخصصة لاستخراج الغاز الصخري، وتؤكد إحصائية نشرت في مايو/أيار 2012 أن عدد الآبار العاملة انخفض بنسبة 30% عما كان عليه قبل عام من ذلك التاريخ، وهذا يدفع للاعتقاد بعدم استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة لسنوات طويلة.
· ثانيا: تصاعد الشكوك بشأن التأثيرات البيئية لعمليات استخراج الغاز الصخري والتي تتوضح من خلال زيادة الاعتراضات الشعبية عبر حملات رفض تقوم بها منظمات أميركية غير حكومية تطالب فيها بوقف عمليات استخراج الغاز الحجري وإجبار الشركات على الإعلان عن التفاصيل والمكونات الكيمياوية للمواد المستخدمة فيها والتي تهدد بتلويث البيئة، وذلك يشير إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن التزاماتها المتعلقة بالتغييرات المناخية وتفادي ظاهرة الاحتباس الحراري.
· ثالثا: أسواق الغاز الصخري الأميركية التي في مقدمتها الأسواق الأوروبية والتي تمتاز بأسعار مرتفعة تدفع المنتج الأميركي لتفضيل التصدير على البيع في الأسواق المحلية الأميركية (السعر يصل أحيانا إلى 4 أضعاف).
· رابعا: قد يتسبب الغاز الصخري في خفض اعتماد الولايات المتحدة على نفط وغاز الشرق الأوسط ما سيؤدي إلى تراجع المصالح الأميركية في المنطقة وهذا ما يعترض عليه كثيرون من السياسيين والاقتصاديين الأميركيين.
· خامسا: هنالك دعوات من الصناعيين الأميركيين تطالب الإدارة الأميركية بوقف تصدير الغاز من أجل سد حاجة الطلب المحلي والمحافظة على أسعار منخفضة. ولكن المختصين يؤكدون أن الأسواق وليست الحكومة من لديها السلطة على إقرار جهة وسوق بيع الغاز الأميركي.

"ثورة الغاز الصخري" هل تعرض أسواق الطاقة في الشرق الأوسط لانخفاض الطلب؟

لقد أطلقت وكالة الطاقة الدولية تسمية "العصر الذهبي للغاز" على الفترة الحالية التي جاءت معها دلائل على ارتفاع إنتاج الغاز غير التقليدي (الصخري) في الولايات المتحدة وتوقعات بمخزونات كبيرة منه في دول أخرى. ورغم أن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الرئيسة لصناعة الطاقة في العالم ولكن في ظل استمرار ركود الاقتصاد العالمي صار البعض يتوقع تراجع نشاطه حتى يعود للنمو مجددا، وذلك يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط عرضة لتراجع الطلب وبالتالي تأثر إنتاجها ما يدفعها لإعادة النظر في برامجها وخططها الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.

وكمثال على ذلك التأثير وإمكانية تفاديه قررت الجزائر وهي رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، تطوير مصادر الغاز الصخري فيها. وأكدت مصادر جزائرية أن احتياطيات الغاز الصخري تصل إلى ستمائة تريليون قدم مكعب (17 تريليون متر مكعب) أي نحو أربعة أضعاف احتياطياتها الحالية المعلنة من الغاز. وقد وقعت شركة النفط والغاز الجزائرية (سوناطراك) اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مصادر الغاز الصخري.. ويناقش البرلمان الجزائري قانونا جديدا للطاقة يشجع عمليات البحث عن مصادر أخرى للغاز والنفط (النفط والغاز الصخري).

أما قطر التي تعتبر في مقدمة منتجي الغاز في الشرق الأوسط والعالم والتي تشترك بأكبر مكمن للغاز الطبيعي مع إيران فإنها تعول على إقامة مشروعات مشتركة وكذلك المساهمة في مشروعات دولية تتضمن شبكات لنقل الغاز الطبيعي عبر دول الشرق الأوسط إلى جنوب أوروبا وتوسيع أسواق الغاز الطبيعي مع زيادة الطلب في ظل توقعات بخروج الاقتصاد العالمي من الركود. ويبقى الغاز الأميركي قليل التأثير عليها بالنظر لاختلاف أسواقهما وموقعها الجغرافي الذي يدفع إلى تفضيل إنتاجها في دول جنوب وشرق آسيا حاليا ودول جنوب وشرق أوروبا مستقبلا.

أما السعودية وهي أكبر بلد مصدر للنفط في العالم فتسعى لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه لتلبية طلب محلي متسارع على الكهرباء ولتغذية صناعة البتروكيماويات ذات الأهمية الإستراتيجية. وتشهد السعودية جهودا مبرمجة لتطوير إنتاجها من النفط والغاز حيث قررت تطوير حقل مدين للغاز الطبيعي في البحر الأحمر خلال العام الجاري (اكتشف في الثمانينيات لكن لم يجر تطويره). وسيبدأ الإنتاج خلال فترة قصيرة لإمداد محطات الكهرباء بالغاز بدلا من الديزل إضافة إلى تزويد مناطق صناعية بالكهرباء والغاز.. كما تعمل السعودية على الاستثمار في إقامة محطات لتكرير النفط الخام لسد حاجة الطلب المحلي ولضمان أسواق أوسع لتصدير نفطها الخام مستقبلا.

أما الكويت التي بدأت باستيراد الغاز الطبيعي في العام 2009 لتلبية الطلب المتزايد، وتدرس حاليا استيراد الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتها لتشغيل محطات الكهرباء وتحلية المياه فإنها تخطط لمضاعفة إنتاجها من الغاز أربعة أضعاف تقريبا ليصل إلى أربعة مليارات قدم مكعبة يوميا بحلول العام 2030.

وأما إيران التي عملت على تطوير صناعة الغازفإنها تتعرض لعقوبات دولية أثرت بشكل ملحوظ على قطاع النفط والغاز فيها مما يزيد صعوبات تسويق إنتاجها خاصة وأن أغلب الدول المتعاملة معها قد التزمت بالعقوبات الدولية وتمكنت من إيجاد مصادر بديلة.

إستراتيجية لمواجهة التحديات

استنادا لدراسة حديثة فإن النفط يمثل 40% من مصادر الطاقة في العالم، يليه الغاز ويمثل 25%، أما الفحم فيمثل 15%، وتمثل مصادر الطاقة النووية 8%، أما مصادر الطاقة المتجددة فتمثل 7.5%. وسيشهد العالم تراجعا ملموسا في استخدام مصادر الطاقة النووية بعد أن قررت اليابان وألمانيا وسويسرا الاستغناء نهائيا عن المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة بعد كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان قبل عامين. وأعلنت اليابان أنها ستتوقف عن استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء بعد العام 2020 ما يجعلها أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم وثالث أكبر مستورد للنفط.

وتنبئ التوقعات بزيادة الطلب على مصادر الطاقة في العام 2015 وفي مقدمتها زيادة كبيرة في الطلب الصيني بمقدار الثلث) وزيادة أكبر في الطلب الهندي (3 أضعاف) وكذلك الطلب الآسيوي عموما، وذلك يشير إلى الحاجة لتطوير مشروعات النفط والغاز في الدول العربية المنتجة للنفط والغاز لتحقيق زيادة قدراتها التنافسية وتوفير أسواق لإنتاجها ما يمكنها من ضمان مصادر مالية هي الأهم في ميزانياتها وخططها التنموية، وذلك يحتم إقرار برامج وسياسات إستراتيجية تأخذ بالاعتبار تنوع الأسواق وتعدد العوامل المؤثرة فيها خلال السنوات العشرين القادمة على أقل تقدير ويتحقق ذلك من خلال:

· توجيه الاستثمارات لتطوير مشروعات النفط والغاز الحالية والجديدة إضافة إلى الاستثمار في الأساليب التكنولوجية المتقدمة بما يضمن أكبر إنتاج بأقل كلفة، هنا لابد من التأكيد على أن كلفة الاستخراج في الدول العربية المنتجة للنفط تعتبر الأقل بين كل دول العالم وهذا عامل مهم يلعب دورا كبيرا في ضمان التأثير على الأسواق.
· الاستثمار في مشروعات البنى الارتكازية وشبكات نقل النفط والغاز، وطرق النقل والمواصلات لربط مناطق التنقيب المجدية لتيسير إيصال الإنتاج إلى الأسواق العالمية.
· تشجيع الاستثمار في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز وبالتالي ضمان وجود أسواق لبيع الإنتاج.
· عقد اتفاقات مع شركات عالمية لتطوير مكامن نفط وغاز في مناطق أخرى من العالم ما يساهم في خلق مصالح وسياسات إنتاجية وتسويقية مشتركة.
· المساهمة في شراء شركات إنتاجية في مختلف دول العالم (كما هو عرض شركة غازبروم الروسية قبل أيام لشراء أكبر شركة يونانية حكومية لاستخراج الغاز) ما يعزز دور الدول المنتجة حاليا ومستقبلا.
· المساهمة في إقامة شبكات نقل نفط وغاز دولية مما يدفع للتنسيق مع الدول المنتجة الأخرى لضمان توفر الأسواق.
· إقامة محطات لتكرير النفط الخام لسد الحاجة المحلية للمنتجات المكررة وتقليل استيرادها.
· المساهمة في إنشاء محطات تكرير في الدول المستهلكة لضمان الحاجة للنفط والغاز.
· العمل على تعزيز التنسيق ووحدة المواقف بين الدول المنتجة من داخل وخارج أوبك من جهة والدول المستهلكة من جهة أخرى، كما كان التنسيق واضحا وناجحا في تحييد العامل الجيوسياسي المؤثر على أسعار النفط نتيجة تراجع إنتاج النفط الإيراني.
· دعم المنظمات والمؤسسات البيئية الدولية التي تعمل على تحقيق التزام صناعة النفط والغاز بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتلبية شروطها في مجال البيئة والمحافظة عليها.

وأخيرا لابد من التأكيد على أن الولايات المتحدة الأميركية حتى لو تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز (وهذا ليس مؤكدا) فإن اقتصادها سيبقى تابعا وعرضة للتأثر بأداء الاقتصادات الأخرى كالصين واليابان والهند وروسيا والدول الناشئة الأخرى وحاجاتها لمصادر الطاقة من النفط والغاز ما يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز تحتفظ بدورها وتأثيرها ليست كدول منتجة لمصادر الطاقة فقط ولكن لكونها أسواقا لا يمكن الاستغناء عنها أبدا.
_________________________________________
د.مصطفى البزركان - مستشار في شؤون النفط والغاز

kumait 25-02-2013 07:56 PM

التعصب يعرّض أوروبا للخطر!
 
التعصب يعرّض أوروبا للخطر!
أوبن ديموكراسي وبنجامين ورد - الترجمة

ربما من الأفضل أن ننظر إلى تلك الحوادث باعتبارها معزولة أو غير متداخلة أو ناجمة عن أحداث محلية. لكنّ الحقيقة أكثر مرارة: يبدو أن مشاعر الكراهية والتعصب تزداد ترسخاً في أوروبا....تظهر ملامح التعصب في أوروبا عبر دعم الأحزاب المتطرفة وأعمال العنف والتمييز ضد الأقليات والوافدين. بدل معالجة المشكلة من أساسها، غالباً ما يستخف قادة أوروبا بالمشكلة أو يلومون الضحايا. لكن لا بد من اتخاذ خطوات مكثّفة لوقف العنف والتمييز وتقليص النفوذ المدمّر الذي تمارسه الأحزاب العنصرية، لكن من دون الحد من حرية التعبير والتجمع....في عدد من الدول الأوروبية، تشكل الأحزاب المتعصّبة التي تطبق سياسات عنصرية ومعادية لتوافد المهاجرين والأقليات جزءاً من المشهد السياسي. تتفاوت البرامج التي تطرحها تلك الأحزاب، إذ يتناسب بعضها مع أجندة الأحزاب اليمينية المتشددة التقليدية. لكنها تعرّف عن نفسها في أغلب الأحيان عبر التشديد على معارضتها القوية لجماعات معينة، مثل المسلمين والوافدين (لا سيما بين الجماعات في أوروبا الغربية) ومجموعات «روما» (في شرق أوروبا).*****دخل حزب «الفجر الذهبي» النازي الجديد إلى البرلمان اليوناني في شهر يونيو بعد أن حصد 7% من تصويت الشعب. في فرنسا، حصدت «الجبهة الوطنية» 18% تقريباً من الأصوات في أبريل 2012 خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وفي هولندا، تسبّب «حزب الحرية» بانهيار الحكومة في أبريل 2012 بعد أن سحب دعمه للائتلاف الحاكم (مع أنه خسر تفوّقه في الانتخابات في شهر سبتمبر). حتى الفترة الأخيرة، كانت الأحزاب المتطرفة جزءاً من الحكومات الائتلافية في إيطاليا وسويسرا، وفي النمسا سابقاً. حصدت أحزاب مماثلة مكاسب مهمة في الدنمارك والسويد وفنلندا وحققت النجاح في انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2009 في هنغاريا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى.

تشير دراسة من إعداد معهد «تشاتام هاوس» في عام 2011 إلى أن دعم تلك الأحزاب هو نزعة قديمة وهو يسبق التراجع الاقتصادي في معظم الحالات. صحيح أن بعض الدول الأوروبية تشهد نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة منذ فترة طويلة، لكن تذكر دراسة من إعداد «الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية» في عام 2012 أن الأحزاب المتطرفة حققت نجاحاً متزايداً في العقد الأخير داخل البلدان التي كانت تحظى فيها تقليدياً بدعم ضئيل في الانتخابات....لا ينحصر الخطاب السياسي المتعصب ضمن الأحزاب المتطرفة. بل يستعمل السياسيون الأوروبيون البارزون عموماً لغة تحريضية أو مشفّرة للتحدث عن الأقليات التي لا تحظى بتأييد شعبي واسع. هم يبررون ذلك الخطاب على اعتبار أن الامتناع عن مناقشة مسائل مثل توافد المهاجرين يولّد مساحة سياسية للأحزاب المتطرفة. لكن بدل إبطال نفوذ الأحزاب المتطرفة، يكون هذا النوع من الخطابات التي يتبناها وزراء الحكومات وكبار السياسيين الآخرين كفيلاً بتشريع آرائها، ما يوجّه رسالة إلى الناخبين مفادها أن مظاهر كره الأجانب ومعاداة المسلمين أو مجموعات «روما» هي أمور مقبولة بدل أن تكون مواقف مخجلة.*****سمع فريق عمل منظمة «هيومن رايتس ووتش» نائباً يونانياً من حزب بارز وهو يصف الوافدين بـ»الصراصير» خلال جلسة استماع حول أعمال العنف ضد الوافدين أمام اللجنة البرلمانية اليونانية في شهر نوفمبر...قال سيلفيو برلسكوني حين كان رئيس الوزراء الإيطالي في يناير 2010 إن «تخفيض عدد الأجانب في إيطاليا يعني تراجع عدد الأشخاص الذين ينخرطون في صفوف المجرمين». في عام 2010، برر وزير الداخلية الفرنسي حينها تفكيك مجموعات «روما»، مؤكداً على أنها مصدر «الاتجار غير المشروع، واستغلال الأطفال ودفعهم للتسول، والدعارة، أو الانحراف»، بينما أدلى وزير الخارجية الروماني بتصريحات علنية تشير إلى أن مجموعات «روما» قابلة وراثياً لارتكاب الجرائم. في السنة نفسها، ألقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطاباً مهماً لإخبار الوافدين في ألمانيا بما يلي: «نحن مرتبطون بالقيم المسيحية. كلّ من يرفضها لا مكان له هنا» (مع أنها عدّلت لهجتها في عام 2012 واعتبرت أن المسلمين جزء من ألمانيا)...مثلما يعكس أبرز السياسيين أحياناً الآراء المتعصبة التي ترتبط بالأحزاب المتطرفة عموماً، تشير بعض الأدلة إلى أن تلك الآراء تحظى بإجماع واسع ولا تنحصر في إطار الناخبين الذين يصوتون للأحزاب المتطرفة فقط. وفق بيانات الاقتراع في «مؤسسة فريدريش إيبرت» في عام 2010، تبين أن نصف المشاركين في الانتخابات في ثماني دول من الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) يتقاسمون الرأي القائل إن عدد الوافدين أصبح مفرطاً في بلدانهم، وقد استنتج أكثر من 40% منهم الأمر نفسه في ما يخص المسلمين تحديداً.

تنتشر مظاهر معاداة السامية ومجموعات «روما» على نطاق واسع أيضاً. في هنغاريا، قال 68% من المشاركين في استطلاعات الرأي في ديسمبر 2012 إنهم لن يسمحوا لأولادهم بمصادقة أطفال ينتمون إلى مجموعات «روما». كانت أعداد الذين يعارضون أي صداقة بين أولادهم والأولاد الأفارقة واليهود أدنى بقليل (58% و46% على التوالي)، لكن تبقى النسبة مقلقة جداً كونها تشير إلى انتشار الأحكام المسبقة ضد مجموعات «روما» والوافدين والسامية. سجلت السلطات الألمانية والسويدية والبريطانية أعداداً كبيرة من الحوادث المعادية للسامية في عام 2010 وفق أحدث البيانات المتوافرة.

أسباب واعتداءات
ما هو سبب هذا التعصب؟

تشير الأبحاث الأكاديمية إلى أن المخاوف من فقدان الهوية الثقافية والأعمال الإرهابية والجرائم والمنافسة على الموارد الاقتصادية يمكن أن تفسر جزءاً من ما يحدث. قد لا تكون العوامل الاقتصادية المحرك الرئيسي للمشكلة، لكن لن تساعد الأزمة الاقتصادية والمالية في أوروبا وسياسة التقشف الناجمة عنها في تحسين الوضع. يمكن تقييم العواقب عبر ملاحظة تراكم الضغوط وانحصار الفرص المتاحة....في إيطاليا، وثّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» اعتداءات لم يتم التحقق منها وتنم عن العنصرية وكره الأجانب ضد الوافدين الأفارقة ومجموعات «روما» والإيطاليين من أصل أجنبي، بما في ذلك عنف العصابات. كذلك، وثّقت أبحاثنا مظاهر عنف العصابات ضد مخيمات تعود إلى مجموعات «روما» في نابولي وأعمال شغب دامت ثلاثة أيام ضد العمّال الأفارقة الموسميين في كالابريا. تعرّض رجل إيطالي أصله من بوركينا فاسو للضرب حتى الموت في أحد شوارع ميلانو في عام 2009 بعد عملية سرقة صغيرة لأحد المقاهي. في عام 2010، تعرض رجل إيطالي للضرب في بلدة خارج روما، فسُكب عليه البنزين وأُضرمت النار فيه. وفي نهاية عام 2011، فتح رجل النار على باعة متجولين أفارقة في فلورنسا، ما أسفر عن مقتل شخصين وجرح ثلاثة آخرين...

في اليونان، وجدت أبحاث «هيومن رايتس ووتش» أن فشل السلطات في الرد بالشكل المناسب على الاعتداءات المقصودة ضد الوافدين يفكك نسيج المجتمع. كذلك، وثّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أكثر من 50 اعتداءً خطيراً، وقد استهدف اثنان منها نساء حوامل. تعرّض رجل صومالي كان يطلب اللجوء إلى البلد ويعمل كمترجم لصالح منظمة «هيومن رايتس ووتش» للضرب على يد خمسة رجال في أثينا في شهر يونيو، فكسروا يده. ثم تعرض للاعتداء مجدداً في شهر يناير على يد ستة أشخاص ضربوه وركلوه فسببوا له الأذى في أنفه وظهره.

إحصاءات وأرقام

وفق دراسة حديثة من إعداد «وكالة الحقوق الأساسية» في الاتحاد الأوروبي، يعتبر واحد من أصل أربعة أشخاص منتمين إلى مجموعات «روما» (في الجمهورية التشيكية واليونان وبولندا)، أو صوماليين (في فنلندا والدنمارك)، أو أفارقة (في مالطا وإيرلندا)، أنهم اختبروا أعمال عنف ناجمة عن مشاعر الكره أو تعرضوا لمضايقات جدية خلال الأشهر الاثني عشر السابقة....لكن ترفض السلطات الوطنية بشكل متكرر الاعتراف بأن جرائم الكره هي المشكلة الفعلية. حين أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرنا عن أعمال العنف الناجمة عن كره الأجانب في إيطاليا، أصر مسؤول إيطالي خلال أحد الاجتماعات على أن «الإيطاليين ليسوا عنصريين بطبيعتهم». كذلك، قوبل تقريرنا عن جرائم الكره ضد الوافدين في اليونان بالرد الآتي: «اليونان لديها تاريخ من حسن الضيافة»....غالباً ما تشير الحكومات إلى تراجع عدد جرائم الكره المسجلة ضمن إحصاءاتها الرسمية. وتشير التقارير السنوية عن جرائم الكره في «مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان» التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى تراجع عدد جرائم الكره التي تسجّلها الشرطة أو التي تخضع للمحاكمة في بلدان عدة، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لكن تمتنع الحكومات عن الاعتراف بالفشل المتكرر في جمع بيانات مماثلة والخطأ الشائع بتصنيف الاعتداءات العنصرية مع الجرائم العادية وتردد الضحايا في الإبلاغ عن الاعتداءات ضدهم.

أقليات واستخفاف

إن النزعة إلى الاستخفاف بالمشكلة تشبه طريقة التعامل مع الجماعات اليمينية المتطرفة. في استطلاع حديث لوكالة «يوروبول» شمل 30 قوة شرطة أوروبية، أعلنت 29 قوة عن تراجع تهديد العنف اليميني (ألمانيا كانت الاستثناء). وأكدت الشرطة في خمس دول من الاتحاد الأوروبي، منها اليونان، على عدم وجود أي جماعات يمينية متطرفة ناشطة محلياً.,,لا شك أن أعمال العنف الناجمة عن الكره هي جزء صغير من المشكلة. بالنسبة إلى شريحة واسعة من الأقليات والوافدين، يبقى التمييز في السكن والتعليم والعمل أمراً واقعاً في حياتهم.,,,,,,تشير الأبحاث إلى أن المسلمين وأعضاء مجموعات «روما» يختبرون عدائية دائمة وتمييزاً مستمراً في أنحاء المنطقة. ويواجه الوافدون الأفارقة وغيرهم، فضلاً عن المواطنين الأوروبيين من أصل خارجي، تمييزاً فاضحاً حتى من جانب الشرطة. ينعكس ذلك في البيانات الشاملة التي جمعتها «وكالة الحقوق الأساسية» في عام 2009، وفي عدد من الأحكام التي أصدرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وفي التقارير الوافرة التي تعدّها المنظمات غير الحكومية في أنحاء أوروبا.......الوضع مقلق تحديداً بالنسبة إلى مجموعات «روما»، أكبر أقلية إثنية في أوروبا. يعترف الاتحاد الأوروبي بأن استمرار التمييز والتهميش يستدعي التدخل، وقد طور استراتيجية ووفر التمويل اللازم لتحقيق تلك الغاية. لكن عملياً، تبقى مجموعات «روما» كبش المحرقة في أغلب الحالات إذ يُتَّهم عناصرها دوماً بارتكاب الجرائم والتسبب بالمشاكل الاجتماعية.

يواجه الوافدون المنتمون إلى مجموعات «روما» من شرق أوروبا الإجلاء القسري والطرد في فرنسا وإيطاليا. عند التوجه شرقاً، في هنغاريا ورومانيا وبلغاريا والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا، يبدو الوضع أسوأ، إذ يبقى التقدم لإنهاء الإجلاء القسري ومظاهر التمييز في أماكن السكن والمدارس ضئيلاً (هذه المشكلة قائمة في اليونان أيضاً)، وذلك على رغم توفير مئات ملايين اليورو من الاتحاد الأوروبي لتمويل هذا الملف وفرض قواعد مُلزِمة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان......إن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية تخون القيم التي تريد أوروبا تمثيلها. هي تسبب أيضاً هدراً ضخماً للإمكانات البشرية، إذ يوجد ملايين الأشخاص الذين يستطيعون المساهمة في ازدهار أوروبا ولكنهم لا يستفيدون من خدمات التعليم والوظائف التي يحتاجون إليها لإثبات مهاراتهم.....لتقليص التعصب وعوارضه لا بد من إبداء رد متعدد الوجوه في الاتحاد الأوروبي، على المستويات الوطنية والمحلية.........أول ما يجب أن يفعله القادة على جميع المستويات هو الاعتراف بأن أوروبا لم تعد ودية ومضيافة بالقدر نفسه وأنها تسيء إلى صورتها ونسيجها الاجتماعي من خلال إنكار المشكلة. يجب أن تكون معالجة أعمال العنف الناجمة عن الكره على رأس الأولويات. ويجب أن تمرر كل حكومة قوانين صارمة وفاعلة تتطلب الاعتراف بحصول جرائم الكره وجمع البيانات والأدلة لمحاكمة المعتدين بفاعلية. ثم يجب أن يستعين القادة والمشرّعون بضباط شرطة ونيابة عامة ومحاكم تتمتع بما يلزم من الأدوات والتدريب والدعم السياسي لمقاضاة كل من يرتكب جرائم الكره...يجب أن يحرص المسؤولون أيضاً على تمكين الوافدين غير الشرعيين الذين يكونون الأكثر عرضة لأعمال العنف من طلب المساعدة من السلطات دون الخوف من الاعتقال أو الترحيل. وجدت أبحاث «هيومن رايتس ووتش» في اليونان أنّ الخوف من الاعتقال كان العائق الأساسي الذي يحول دون التبليغ عن الاعتداءات وأنّ بعض ضباط الشرطة هددوا الضحايا بالترحيل إذا أصروا على تقديم الشكاوى.

يجب أن تفرض الدول الأوروبية أيضاً تدابير عامة لمحاربة التمييز ضد الأقليات والوافدين، مع الحرص على ألا تميّز سياساتها بين الناس في القانون والممارسة. ويجب أن تفعّل التشريعات ضد التمييز عبر إنشاء هيئات ومحاكم تحصل على تمويل كافٍ لمكافحة التمييز، وأن تلتزم بشكل كامل وسريع بقواعد التمييز المطبقة في المحاكم المحلية والأوروبية. مع أن هذا الموضوع لا يزال مثيراً للجدل في بعض أجزاء أوروبا، يجب أن تجمع الحكومات الإحصاءات المصنّفة وفق الانتماء العرقي والإثني والديني للمساعدة على فهم حجم المشكلة والسماح باقتراح الحلول عبر سياسات مستهدَفة.....لكنّ حظر الأحزاب المتطرفة لن يغير على الأرجح عقلية مناصريها. بل إنه يدفع الأحزاب إلى العمل سراً ويجازف بحرمان كل من يدعمها من فرصة المشاركة في النظام السياسي. إذا فشلت الجهود الرامية إلى حظر أي حزب متطرف، قد ينتهي الأمر بتقويتها (ينتشر هذا القلق بين الأشخاص الذين يعارضون جهود حظر «الحزب الديمقراطي الوطني» في ألمانيا). ترتبط بعض الأحزاب المتطرفة في أوروبا بأعمال العنف أصلاً ويمكن أن يؤدي إقصاؤها من عالم السياسة الديمقراطية إلى رواج أعمال العنف باعتبارها أداة سياسية لأن القادة قد يتحدثون عن غياب مزعوم للخيارات السلمية البديلة.

يُفترض أن تعمل أبرز الأحزاب على سحب الدعم السياسي من تلك الأطراف من دون نسخ سياساتها أو تبني خطابها. تقدم دراسة جديدة من معهد الأبحاث Counterpoint، بعنوان «استعادة الراديكاليين المترددين»، سلسلة من الاقتراحات التي تشمل معالجة مخاوف الناخبين الأكبر سناً والناخبات لأن هذه الفئات تصوّت بشكل متزايد لصالح الأحزاب المتطرفة، ومعالجة العوامل المحلية التي تعزز دعم الأحزاب المتطرفة، والاستثمار في التعليم والخدمات لمحاربة التطرف، والاستعداد لخوض محادثات صعبة عن توافد المهاجرين ودمجهم بطريقة تعزز التسامح. تؤدي مؤسسات الاتحاد الأوروبي دوراً محورياً أيضاً في هذا المجال. لدى الاتحاد الأوروبي قوانين جيدة عموماً، منها قوانين لمنع التمييز ومحاربة العنصرية وكره الأجانب عبر نظام العدالة الجنائية. لكن يجب أن يكون الاتحاد مستعداً لمحاسبة الدول الأعضاء إذا لم تكافح التعصب وعوارضها السيئة. لا تزال جهود المراقبة والإبلاغ عن الحالات في «وكالة الحقوق الأساسية» للاتحاد الأوروبي مهمة. إن صلاحيات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي هي أساسية أيضاً، لا سيما في مجال مكافحة التمييز.

معالجة الكراهية

لا بد من معالجة خطاب الكره أيضاً. إذا كانت أوروبا جدية بشأن كبح التعصب ووقف دعم الأحزاب المتطرفة، فيجب أن يتوقف القادة السياسيون عن استعمال اللغة التحريضية والمشفرة وأن يدينوا بشدة كل من يعبّر عن آراء مماثلة.برزت بعض الأفكار المُلهِمة لمحاربة خطاب الكره في أوروبا خلال مؤتمر بودابست في نوفمبر 2012، بما في ذلك نشر الوعي، وإلقاء الخطابات المضادة، وفرض التنظيمات الإعلامية الذاتية، وتعديل الخطاب على الإنترنت. سيُطلق مجلس أوروبا حملة واسعة في شهر مارس تستهدف الشباب لمكافحة خطاب الكره على الإنترنت....يجب محاربة خطاب الكره الذي يحرّض على العنف عبر نظام العدالة الجنائية. لكن يترافق الإفراط في استعمال نظام العدالة الجنائية مع مخاطر كبرى على حرية التعبير. تحتاج أوروبا إلى تقديم نموذج إيجابي أمام بقية دول العالم بدل أن تدافع عن نماذج تتكل على سوء استعمال السلطة ولغة التجريم التي تسيء إلى الدولة أو الجهات النافذة.....

يبرز خطر أساسي عند المبالغة في ردود الأفعال تجاه الخطاب السائد على الإنترنت وفي وسائل الإعلام الاجتماعية. بريطانيا هي خير مثال على ذلك. حصلت سلسلة من المحاكمات في بريطانيا ضد اعتداءات تشمل تعليقات عنصرية يتم نشرها على الإنترنت. في شهر أكتوبر، حُكم على شاب يبلغ 19 عاماً بالسجن مدة 12 أسبوعاً في مركز للأحداث الجانحين بعد أن كتب تعليقات، بعضها جنسي، عن فتاتين مفقودتين قيل إنهما قُتلتا. في الشهر نفسه، حُكم على رجل في العشرين من عمره بـ240 ساعة من الخدمة الاجتماعية بعد أن كتب تعليقات عن جنود مقتولين على صفحة الفيسبوك الخاصة به....إن سجن الناس لأنهم عبّروا عن رأيهم ينتهك الحقوق عموماً، لا سيما في الحالات التي تفتقر إلى الأدلة على التحريض وتشغل الشرطة والجهات القضائية التي يُفضَّل أن تركز على معاقبة كل من يرتكب أعمال العنف أو يحرّض عليها. كما أنه يوجه رسالة خاطئة إلى قادة الدول الأخرى الذين يريدون فرض الرقابة على الأحاديث على الإنترنت، بما يتناقض مع موقف الحكومة البريطانية التي تجاهر بأنها بطلة حرية التعبير على الإنترنت......

تتحدث بعض الأوساط في أوروبا أحياناً عن الحاجة إلى حماية حرية الأديان لتبرير فرض الضوابط على حرية التعبير. تواجه اليونان عدداً من التحقيقات الجنائية المستمرة بموجب قانون التجديف المحلي لعام 1951، وتستهدف إحدى القضايا إنتاجاً مسرحياً في أثينا كان قد أعاقه المتطرفون الذين اعترضوا على اعتبار يسوع مثلياً. في بولندا، أعطت المحكمة العليا الضوء الأخضر في شهر أكتوبر الماضي لمحاكمة مغني ميتال بتهمة إهانة الدين بعد أن مزق الكتاب المقدس على المسرح.

لا بد من حماية حقوق الأقليات الدينية في أوروبا، بما في ذلك حرية ممارسة شعائرها الدينية في المجالس الخاصة والعامة. لكن تنتهك قوانين التجديف التي تحمي الديانات أو تجرّم أبسط الإهانات حرية التعبير. لهذا السبب، تدعو «خطة عمل الرباط لمنع التحريض» (عملية تقودها الأمم المتحدة لتوضيح النطاق المناسب لمنع التحريض بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان) إلى إلغاء أي قوانين مماثلة. أعلنت الحكومة الهولندية في شهر نوفمبر أنها ستلغي قانون التجديف. ويجب أن تحذو حذوها الدول الأوروبية الأخرى التي لا تزال تحتفظ بقوانين التجديف في دساتيرها.

على رغم النفوذ السلبي الذي تمارسه الأحزاب السياسية المتطرفة، لا سيما تلك التي يرتبط أعضاؤها بأعمال العنف، يجب أن تقاوم الحكومات الأوروبية النزعة إلى حظرها. وافقت الحكومات في 16 ولاية من ألمانيا على دعم اقتراح حظر «الحزب الديمقراطي الوطني». وفي الآونة الأخيرة، اقترحت «اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب» ضرورة أن تفكر اليونان بحظر حزب «الفجر الذهبي». لكن تحمل هذه المقاربة مخاطر كبرى وهي تثير الشكوك حول الحق بالمشاركة السياسية وحرية التجمع إذا تورط قادة أي حزب سياسي أو أعضاء آخرون فيه في سلوك إجرامي، لا بد من محاكمتهم فضلاً عن سحب الحصانة البرلمانية منهم عند الاقتضاء. المجال مفتوح أيضاً للتفكير بفرض عقوبات أو ضوابط على الأحزاب السياسية التي تطلق خطابات أو نشاطات غير دستورية. يجب أن يدين السياسيون البارزون بكل وضوح عبارات الكره والعدائية والانقسام من جانب الأحزاب المتطرفة.

رقابة المفوضية الأوروبية

لا بد من تقوية كلمات وأفعال وأنظمة الرقابة في المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي لكبح التعصب. من المتوقع أن تدقق المفوضية هذه السنة بالوضع القائم لتحديد ما إذا كانت الدول الأعضاء تلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي في ما يخص محاربة العنصرية عن طريق المحاكم. إنها فرصة جيدة للتعمق بأداء الدول ومعرفة ما إذا كانت تبذل ما يكفي من الجهود لمعالجة جرائم الكره.****يجب أن تلتزم المفوضية بتوصيات التقرير السنوي الذي صدر في شهر ديسمبر عن البرلمان الأوروبي حول الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي من أجل تطبيق الإجراءات القانونية عند حصول أي انتهاك وإطلاق تحذير أولي وحصر آلية انتهاك حقوق الإنسان ضمن حدودها الخاصة. يجب أن توسع المفوضية أيضاً نطاق تقريرها السنوي المقرَّر حول الأنظمة القضائية للدول الأعضاء كي تحترم الحقوق الأساسية.****على صعيد آخر، يجب أن يكون البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي مستعدَّين لكسر حاجز الصمت الذي يجعلهما يترددان في تسمية الدول الأعضاء الفردية المتورطة في الانتهاكات. ويجب أن يستفيد المجلس بشكل أفضل من فرعه المعني بالحقوق الأساسية داخل الاتحاد الأوروبي من أجل التدقيق بالمخاوف الجوهرية على حقوق الإنسان في الدول الأعضاء، بما في ذلك العنف العنصري وكره الأجانب.****أدلى مارتن نيمولر بتصريح شهير عن ألمانيا النازية: «جاءوا في البداية بحثاً عن الشيوعيين لكني لم أعترض لأنني لم أكن شيوعياً...». ثم استنتج أنهم «قدموا من أجلي ولم يتبقَ أحد ليعبّر عن رأيي». صحيح أن أوروبا اليوم تختلف بشدة عن ما كانت عليه في الثلاثينات، لكن يذكّرنا هذا التصريح بالسبب الذي يجعل من مكافحة التعصب أمراً ضرورياً. ما لم تُعالَج هذه المشكلة، سيؤدي التعصب والكره إلى تآكل القيم الأوروبية واستنزاف مجتمعاتنا. إن معالجة المشكلة عبر طرق تصون الحقوق هي حاجة ملحّة.

nad-ali 25-02-2013 09:20 PM

http://www.alquds.co.uk/alquds.jpg

رجال الخليج الملثمون


د. مضاوي الرشيد

حول اعتماد دول الخليج على المرتزقة المستوردة لحفظ الامن الداخلي الى سر مفضوح فعند بعض المواجهات بين اجهزة الانظمة والناشطين قد يسقط شرطي باكستاني او آخر عربي كما حدث في البحرين منذ فترة قصيرة.

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...8HFlMZtRzGSfOO

وتتهم معارضات في هذه الدول الانظمة باستعمال المتعاقدين مع الاجهزة الامنية لقمع الحراك الشعبي في الشارع وقد حصل ذلك في الكويت عندما اتهم مسلم البراك حكومة الكويت باستيراد 3000 شرطي ورجل امن من الاردن لقمع مسيرات الكويت ناهيك عن عقود مع شركة بلاك ووتر ابرمتها الامارات لتدريب وتجهيز نفسها لمكافحة ما يسمى بالشغب اما السعودية لم تلجأ الى المواربة حينما استقدمت قوة متعددة الجنسيات في التسعينات لدرء عدوان خارجي عراقي مرتقب وكانت هذه الخطوة العلنية عاملا يثبت عدم جاهزية هذه الدول لتثبيت امن حدودها من عدوان خارجي. لكن نكاد نجزم ان كل الدول الخليجية لا تواجه معضلة امن خارجي بل ان معضلتها اليوم هي منبثقة من الامن الداخلي. ومهما كبرت الانظمة الخليجية ونفخت بالخطر الايراني والتهديد الذي يمثله مشروع ايران النووي او قنبلتها المزعومة الا ان المرحلة الحالية الحرجة قد قلصت هذا الخطر وتحولت انظار واعلام هذه الانظمة الى خطر آخر تحت مسمى تهديد مد الاخوان المسلمين وتغلغله في المجتمعات الخليجية ومؤسساته التعليمية والدينية والخيرية وبعد انتقال الصدام مع الانظمة من الصراع المسلح الذي مثله تنظيم القاعدة على مدى عقد كامل الى صراع سلمي استلهم ابجدياته من الحراك العربي المتمثل بالمظاهرات السلمية وجدت هذه الانظمة نفسها في مواجهة غير متوقعة فخطابات التحذير من الخلايا النائمة او حتى المؤامرات الانقلابية قد لا يجدي في هذه المرحلة التي قلبت معايير واستراتيجيات التغيير من العنف المسلح الى الاحتجاج السلمي في الشارع. فخرجت المظاهرات اولا في البحرين ثم الكويت والسعودية لتجد الانظمة نفسها وجها لوجه مع كتلة بشرية تجمع اطيافا متنوعة من الناشطين وان حاولت الانظمة اسقاط الخطاب الطائفي على مثل هذه الكتل كما حصل في البحرين وشرق السعودية الا ان محاولة تقزيم وتحجيم هذا الحراك تحت مصطلح الطائفية لا يزال غير قادر على احتواء الحراك والمطالب التي هي بدورها جاءت مختلفة ومتنوعة بين بلد وآخر. فمن اسقاط الانظمة الى اصلاحها او حتى شعارات اطلاق مساجين الرأي والمطالبة بحكومات منتخبة وجدت الانظمة الخليجية نفسها مع حراك جديد خاصة في السعودية حيث سقطت ثنائية العنف او مهادنة النظام وتحولت الى استراتيجية تركز على المطالبة بحقوق محدودة كما هو حال الاحتجاجات التي تشهدها السعودية في عمقها وليس على طرفها الشرقي فقط حينما خرجت النساء في مظاهرات ولو محدودة للمطالبة بمحاكمات عادلة لمساجين الرأي والذي يتهمهم النظام بتهم مبهمة تتراوح بين مناصرة القاعدة والتعدي على ولاة الامر او تعطيل التنمية.

https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...iqTpcAjvlaQ8jg

وان كان الحراك السلمي قديما في مجتمعات مثل البحرين والكويت الا انه لم يتبلور الا بشكل محدود في السعودية خلال الخمسينات والستينات وقد تم القضاء عليه بسرعة لفتوته وانحساره في حركة عمالية لم تستطع اختراق المجتمع فبقيت محدودة في محيطها النفطي وظل المجتمع معزولا عنها غير متجاوب مع مطالبها ولذلك لم تتحول بدايات الحراك العمالي الى حركة شعبية. واستعمل النظام حينها استراتيجيتين لوأد هذا الحراك العمالي أولها القمع المباشر والسجن والنفي لرموز الحركة العمالية ومن ثم تجريم الاتحادات العمالية وثانيها استراتيجية تحجيم مشاركة المجتمع في العمل عن طريق استيراد اليد العاملة الاجنبية العربية والآسيوية فيضمن بذلك تسيير الاقتصاد بمعزل عن كوادر عريضة لها جذور في المجتمع والاستعاضة عنها بيد عاملة تفتقد للحقوق وتعتمد على عقود عمل آنية تتجدد حسب الضرورة فساهمت بذلك في تحييد المجتمع عن تلك المهن التي قد تتبلور حقوقها في تجمعات عمالية او مهنية. فقسمت اليد العاملة الى محلية تتمركز في القطاع العام وتحت سيطرة النظام ويد عاملة مستوردة ذات وضع آني طارئ.

وقد بدأ هذا النمط يتغلغل في مشاريع خصخصة الامن الداخلي حيث يناط بتنفيذه والحفاظ عليه كوادر مستوردة ليس لها جذور اجتماعية في البيئة التي تحاول السيطرة عليها ومن هنا جاءت العقود الامنية التي لا تقتصر على استيراد الاسلحة في سوق عالمية مفتوحة بل استيراد الخبرات التدريبية وحتى البشرية لتنزل الى الشارع عند الضرورة فتقمع كما تشاء دون ان تكون مرتبطة بهذا المجتمع او ذاك عن طريق اواصر قربى او لحمة اجتماعية وتكون هذه الشرائح المستوردة جاهزة لتنفيذ الاوامر مقابل الاجر المدفوع لها. واعتمدت الانظمة على الفائض العسكري الذي ترعرع في البلدان العربية تحت مظلة حكم عسكري واستوردت الانظمة من هذه الدول العربية الكوادر اما المرتبطة بأنظمتها او المطرودة منه واتجهت الى السوق العالمية الامنية لتشتري المرتزقة وقد انتجت مثل هذه البيئات المعولمة خبرات امنية تسوق نفسها في هذه السوق من جنوب افريقيا الى اوروبا الشرقية مرورا بباكستان والتي جمعتها سياسة قديمة بأنظمة مثل النظام السعودي فصدرت باكستان ليس فقط اليد العاملة بل ايضا الرجل المعسكر والذي يبيع خبراته تحت مظلة عقود امنية تبرمها حكومته مع الحكومات الخليجية المحلية وقد لقي احدهم حتفه مؤخرا في البحرين. ويمكن اعتبار المنظومة الخليجية للامن الداخلي الحالية امتدادا لمنظومة سابقة كان على اساسها الامير او الشيخ او الملك يعتمد في امنه على حلقة صغيرة من العبيد الذين يدينون له بالولاء المطلق ويستعمل جيش حضري وقبلي لحفظ الامن بمفهومه الواسع من امن المدن الى امن الحدود وبعد تعثر هذه المنظومة نتيجة مصادمات او مواجهات مع السلطة في مراحل تاريخية سابقة وصلت الانظمة الى قناعة ان الامن موضوع خطير لا يمكن ان يسلم الى تكتلات قبلية معروفة قد تنافس السلطة او تقوض مصلحتها المحدودة فأبقت على هؤلاء بصورة شكلية استعراضية وسلمت الملف الامني لاشخاص قد لا يتمتعون بتلك العلاقات او الطموحات الكبيرة فخلقت لهم ادوارا في شرطة المرور او السوق وابعدتهم عن المفصل المركزي في امن الدولة ما عدا اجهزة المخابرات التي تعمل في دولة الظل المتمثلة بشبكة امنية واسعة متغلغلة في الخفاء تدير ملفات الاعتقال والتجسس وغيره من اساليب خفية. وفي الشارع الخليجي خاصة بعد التحول التاريخي الى اساليب الحراك السلمي كان لا بد من مواجهة الحراك البشري بكتلة بشرية اخرى مطعمة بالمرتزقة المستوردة الملثمة التي تقف على مسافة قصيرة من المتظاهر في مصادمات اصبحت يومية في مناطق كالسعودية والبحرين والكويت. ومن اهم ملامح رجل الامن الملثم ان لا ملامح له مجازيا وواقعيا حيث يخفي لثامه هويته محلية كانت او مستوردة ويتحرر من حزازيات القتل وتبعياته في مجتمعات لا تزال غارقة في اعتمادها على العلاقات الشخصية والتعارف الاجتماعي والتواصل الاسري.

فالملثم المستورد والمحلي بترسانته المنقولة وادوات قمعه المعروفة من خراطيم الغاز وقنابله المستوردة ناهيك عن الذخيرة الحية والقنابل اليدوية ووسائل نقله العصرية اصبح ظاهرة ملازمة للتحول الحاصل على الارض من التهويل بالخطر الخارجي الى واقعية حراك سلمي متكرر يأبى ان يتراجع. ونستطيع ان نجزم ان ظاهرة رجل الامن الملثم تتلازم مع انطلاقة هذا الحراك المكثف الذي لم تشهده بعض الدول الخليجية في العقود الماضية بهذا الشكل رغم وجوده سابقا في مناطق معروفة. وكلما شككت الانظمة بولاء المجتمعات كلما ازداد اعتمادها على اللثام الحديث ووسائل القتل والقمع الجديدة في محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة التي فرضت نفسها في شوارع مدن عامرة تتباهى بالعمران العصري وساحات اثقلتها يد السلطة وصورها المتناثرة على الجدران والمباني والمؤسسات. فوجود المجتمع والكتل البشرية في هذه الساحات والشوارع لاهداف غير التنقل والتسوق المنشود والمتوفر غيّر المعادلة التي حاولت السعودية وغيرها من الدول الخليجية فرضها وهي تقتضي الى تحويل المجتمع من المواطنة الى الاستهلاك واليوم نجد اطيافا كبيرة وعريضة لم تقتنع بالاستهلاك كبديل للمواطنة والحقوق ولذلك قد خرجت الى الشارع طلبا لمنظومة جديدة تحل محل تلك القديمة المشبوهة بالفساد والاحتكار والانتقائية والتي اثقلت هذه المجتمعات التي ظلت غير مقتنعة بتحييدها الى الابد وانهكت اقتصادها بل استنزفته تحت شعارات التنمية والاستقرار وفشلت في توفير اهم حق يطلبه المجتمع وهو حق العمل المصادر والمعتبر كهبة مقابل الولاء المطلق. في ظل هذه التحولات التاريخية التي تشهدها منطقة الخليج سيظل رجل الامن الملثم المستورد والمحلي سمة ملازمة تلجأ اليها الانظمة غير المتصالحة مع مطالب شعوبها والتي آثرت خصخصة الامن الداخلي على مستويات متباينة تهدف من جديد الى تحييد المجتمع لتبقى هي المسيطرة على ثرواته وسيادته ومستقبله.

‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

kumait 25-02-2013 09:58 PM

الأمراء الحاكمون: (أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون)
 
http://www.alhejazi.net/images/124_7_500.jpg
جيل ثالث انتهت صلاحيته
http://www.alhejazi.net/images/124_8_500.jpg
أمواتٌ غير أحياء!

وفاة أمير الرياض سطام والتغيير عبر (ملك الموت)!
الأمراء الحاكمون: (أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون)
عبدالحميد قدس

كان أمراً متوقعاً أن تكرّ سبحة الموت فتتخطف أبناء مؤسس الدولة عبدالعزيز آل سعود، بحيث أن الفارق بين وفاة أمير وأخيه تتقلّص الى أشهر قليلة بعد أن كان يُحسب بالسنوات.

عدد الأخوة كبير، وتواريخ ميلادهم متقاربة، وبالتالي فإن أعمارهم متقاربة أيضاً. وفي حين أن الأعمار بيد الله، فإن سنته في الموت ماضية على الجميع. اكثر من 36 ولداً كانوا أبناء مؤسس الدولة. أولهم (وهو تركي) ولد في الكويت عام 1900؛ وآخرهم حمود الذي ولد في الرياض عام 1947. تركي توفي عام 1919 بالحمى الأسبانية، وحمود توفي عام 1994؛ وما بين ولادة الإثنين اقتربت الأعوام أكثر فأكثر، ولنشهد وفاة العديد من الأمراء في السنوات القليلة الأخيرة مثل: سلطان ونايف وحديثاً سطام، امير الرياض الذي توفي في 12 من هذا الشهر (فبراير).

لماذا لم يفكر الأمراء في مسألة استقرار حكمهم من جهة ترتيب شؤون الخلافة، قبل أن يحشروا في أرذل العمر، ويضطروا الى تغييرات متتابعة تنهك الدولة واستقرارها؟ ثم مَن بقي حيّاً من الأمراء الـ 36؟

المتوفون حسب التاريخ (20 من 36 أميراً وملكاً):

1/ تركي (1900-1919)؛ كانت وفاته بسبب الوباء الذي فتك بآلاف من البشر.
2/ منصور (1918-1951)؛ من أحب ابناء ابن سعود الى نفسه، وهو أول وزير دفاع منذ تأسيس الوزارة عام 1944، كان مرشحاً للحكم، وتصارع مع أخويه فيصل وسعود عليه في حياة أبيه. اشتهر بالقسوة وقد سجل دبلوماسيون اجانب جوانب من فتكه وبطشه وسحله لمواطنين.
3/ ثامر (1937-1953)؛ أمه نوف الشعلانية بنت زعيم قبيلة الرولة، انتحر في ميامي بامريكا، حيث صبّ الزيت على ملابسه وأشعل في نفسه النار في يونيو 1953.
4/ الملك سعود (1902-1968)؛ ولد ليلة احتلال الرياض، وتوفي في المنفى باليونان في نوفمبر 1969 بعد عزله عام 1964.
5/ الملك فيصل (1906-1975)؛ كان ملكاً ووزير خارجية ورئيس مجلس وزراء. قُتل على يد ابن اخيه فيصل بن مساعد انتقاماً لمقتل أخيه خالد بن مساعد. قيل ان السي آي أيه دبرت مقتله بالتعاون مع فهد.
6/ الملك خالد (1913-1982)؛ كان شخصية ضعيفة، ومنذ توليه الملك عام 1975 كان مجرد اسم، وكان فهد يدير البلد بالنيابة.
7/ ناصر (1913-1984)؛ أول من تولى امارة الرياض في 1947، واشتهر بالفجور الى حدّ ان والده اضطر الى جلده علناً.
8/ عبدالمحسن (1925-1985)؛ وزير داخلية سابق في عهد الملك سعود؛ ثم خرج معترضاً ضمن قائمة (الأمراء الأحرار)، وقد أغراه فيصل بالعودة، وكافأه بأن ولاّه أمارة المدينة المنورة وبقي في منصبه حتى وفاته. كانت سمعته سيئة، كما كان متجاهراً بالتحلّل، وقد وقعت بينه وبين المشايخ مشاجرات!
9/ محمد (1910-1988)؛ لقبه أبوه بـ (ابو الشرين)، فقد كان شرساً، قاتلاً كما سطرت ذلك الكتب للنساء والأطفال، عيّنه ابوه أميراً للمدينة فور احتلالها في ديسمبر 1925. أيضاً كان متجاهراً بالسكر والفسق، وجلده أبوه امام الملأ، كما يذكر وزير العراق المفوض في السعودية امين المميز في مذكراته. ومحمد شقيق الملك خالد، وقد تنازل له بأن يكون ملكاً، لأنه يعلم بانه ليس رجل دولة. محمد كان كبير العائلة وكانت كلمته مسموعة، وله دور في مقتل الأميرة التي تزوجت أحد ابناء العامة، وفضح الأمر في (فيلم موت أميرة).
10/ سعد (1915-1993)؛ لم يتولّ مناصب رسمية.
11/ حمود (1947-1994)؛ لم يهتم بالموضوع السياسي وكان منشغلاً بأعماله التجارية.
12/ مشاري (1932-2000)؛ وهو الذي قتل نائب القنصل البريطاني في جدة سيريل اوسمان بالرصاص في نوفمبر 1951، وكان في حالة سكر، وبسبب شجار بسيط وقع بينهما. قيل ان القنصل رفض تناول الخمر معه، فقتله! كما دون ذلك مؤرخون. الملك اعطى زوجة المتوفى (دورثي) عشرين الف جنيه كفدية وارتحلت الى جنوب افريقيا. اما مشاري فقد اختفى الى ان هدأ والده، ولم يعاقب. ولكن ـ ربما بسبب تلك الحادثة ـ قضي على آماله السياسية ان كان لديه تطلع بشأنها.
13/ ماجد (1938-2003)؛ تولى وزارة الشؤون البلدية والقروية ثم عيّن أميراً لمكة حتى وفاته. كان يعتبر نفسه مختلفاً عن آل سعود، وكان متواضعاً محبوباً من النخبة الحجازية، ومكروهاً من الجناح السديري. لكن أداءه الإداري لم يكن متميزاً، وكان السديريون يتعمدون إفشاله بتخفيض مخصصات أمارة مكة، ما أوقع تلك المنطقة في مشاكل الى اليوم.
14/ الملك فهد (1923-2005)؛ عين ابتداءً وزيراً للمعارف ـ التعليم بين عامي 1953-1960، وان كان لم ينه حتى شهادة السادس الإبتدائي! وكان يدير الوزارة وكيله عبدالوهاب عبدالواسع. ثم اصبح في 1962 وزيراً للداخلية بعد ان اصطف مع فيصل ضد سعود؛ ليصبح ولي عهد خالد، ثم ملكاً غير متوج عام 1982. في 1996 اصيب بجلطة في الدماغ اقعدته وأقعدت البلد وجمدت الحياة فيها حتى وفاته عام 2005.
15/ عبدالمجيد (1941-2007)؛ عُين أميراً لمنطقة تبوك حتى 1987 لينقل بعدها الى امارة منطقة المدينة، ثم الى أمارة مكة بدعم من الملك عبدالله الذي رأى فيه دعماً لجناحه مقابل السديريين. لكن القدر لم يمهله فقد أًصيب بالسرطان وارتحل الى امريكا للعلاج، ثم عاد ومات. لم يشهد له انه كان متميزاً في الإدارة، وقد اتهم بالنهب والفساد شأنه شأن أفراد عائلته الآخرين.
16/ فواز (1934-2008)؛ كان من الأمراء الأحرار!، وعاد فعيّنه فيصل أميراً لمكّة، وقد اشتهر بالفسوق والمجون، وكُتبت عنه كتب توضح مسلكه من قبل غربيين، وقد هاجمه جهيمان من المسجد الحرام علناً، وبعد اسبوعين من وقوع حادثة احتلال الحرم أُقيل من منصبه في ديسمبر 1979 لتهدئة الرأي العام.
17/ سلطان (1931-2011)؛ تولى في عهد أبيه رئاسة الحرس الملكي، ثم عيّن كأول وزير للزراعة عام 1953؛ فوزيراً للمواصلات عام 1955 حتى عام 1960، ليصبح بعدها وزيراً للدفاع عام 1962 حتى وفاته، اضافة الى توليه ولاية العهد بعد وفاة الملك فهد. كان مقرباً من فيصل وأبناء فيصل، وكان أكثر من اشتهر بالفساد والنهب واطلق عليه (الوهّاب النّهاب)، وكان كثير الكلام، واطلق عليه فيصل لقب (أبو الكلام)! لم يكن الملك خالد يثق به ورآه مخادعاً معتدياً على المحارم.
18/ نايف (1934-2012)؛ كان اميراً للرياض برهة من الزمن؛ ثم وكيلاً لوزارة الداخلية في عهد شقيقه فهد، ليصبح وزيراً كاملاً عام 1975 بعد مقتل فيصل، وليصبح ايضاً ولياً للعهد بعد وفاة شقيقه سلطان. عرف عنه الشدّة والقسوة وقتل الخصوم وتعذيبهم، كما عرف عنه تملّقه وتقرّبه من المشايخ الوهابيين ليكونوا في صفّه، فأطلقوا عليه (حامي السنّة)! أسس مركزاً باسمه باسم (السنّة النبوية) امعاناً في التضليل وترضية للمشايخ الذين أحبوه لقمعه خصومهم الأيديولوجيين ومنافسيهم من الليبراليين والإصلاحيين والشيعة. اشتهر عنه قوله في منتصف الثمانينيات: (المرأة لن تقود السيارة ما دمتُ حيّاً)!
19/ هذلول (1942-2012)؛ لم يشغل منصباً سياسياً، وانقطع الى أعماله التجارية.
20/ سطام (1940-2013). وهو شقيق ماجد، كان نائباً لسلمان في أمارة الرياض، وبعد تعيين سلمان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، اصبح سطام تلقائياً اميراً للرياض. ولم يعمّر في منصبه إلا أشهراً قليلة.

الأحياء حسب ترتيب السنّ (16 أميراً بينهم ملك):

1/ بندر (1921- 92 سنة)؛ لم يتول مناصب رسمية، وابنه امير لمنطقة القصيم.
2/ مساعد (1923- 90 سنة)؛ لم يتول منصباً رسمياً، واتهم بالجنون كونه تزوج من شمرية، اي من قبيلة حكام نجد السابقين، وقد قتل ابنه خالد بأمر من فهد وزير الداخلية عام 1964، ولكن ابنه الآخر فيصل قتل الملك فيصل لاحقاً في مارس 1975، ثم تم إعدامه.
3/ الملك عبدالله (1924- 89 سنة)؛ تولى رئاسة الحرس الوطني منذ 1963، وقد أقنعه عبدالعزيز التويجري بأن يقبل المنصب ويعود الى المملكة، وكان معترضاً ومقيماً في بيروت، وذلك لأن المنصب يمكن ان يكبر به ويحفظ له موقعه في السلطة. وهذا ما حدث. لم يتخل عبدالله عن الحرس الوطني إلا بعد ان اصبح ملكاً ليحول رئاسته الى ابنه متعب. عبدالله كان ولياً للعهد منذ 1982، وكان السديريون يتمنون ازاحته ولكن محمد ابو الشرين أوقفهم، فلم يستطيعوا إزاحته. وتشاء ارادة الله ان يتوفى أقطاب الجناح السديري قبله (فهد وسلطان ونايف)! ما منحه فرصة لتعديل مسار الحكم، وتعيين عدد من أبنائه في مناصب كبيرة وفق ما يشتهي في غياب كبار الامراء وعجزهم. الملك يعتبر عاجزاً عن أداء مهماته، ولكنه متلكيء في نقل السلطة الى الجيل الثالث.
4/ مشعل (1925- 88 سنة)؛ شقيق منصور، واصبح وزيراً للدفاع بعد وفاة شقيقه (1951-1957)، ثم تولى امارة مكة برهة من الزمن. يعتبر من لصوص الأراضي الكبار (ملك الشبوك)، وكان قد تنازل لسلطان بولاية العهد مقابل مليارات الدولارات ومساحات شاسعة من الأراضي. وهو يرأس هيئة البيعة حالياً، مع ان الهيئة لا قيمة له ولا مكانة ولا تأثير حقيقي في تحديد مسار الخلافة.
5/ متعب (1928- 85 سنة)؛ تولى وزارة الإسكان عام 1975، ثم وزيراً للبلديات، واعترض على تعيين نايف نائباً ثانياً ـ اي ولياً للعهد مستقبلاً ـ فرفض الحضور الى جلسات مجلس الوزراء. تولى ابنه منصور الوزارة وراثة من أبيه.
6/ طلال (1931- 82 سنة)؛ هو ابن مناير، زوجة ابن سعود المحببة، وكان يسميها (البقرة الحمراء) كونها جارية. تولى وزارة المواصلات عام 1954، اعترض على الملك سعود عام 1958 ودعم فيصلاً، ثم انقلب على هذا الأخير فاستعاد سعود صلاحياته عام 1960 واصبح طلال وزيراً للمالية بين 1960-1961، ثم استقال وقاد مجموعة الأمراء الأحرار التي تطالب بالإصلاح وكان معه (فواز، وبدر، وعبدالمحسن، وسعد بن فهد) ومنذئذ لم يتسلم منصباً، ونُظر اليه معادياً من قبل الجناح السديري.
7/عبدالرحمن (1931- 82 سنة)؛ من السديريين السبعة، تولى نيابة وزارة الدفاع والطيران بين عامي 1979-2012 اي حتى إقالته العام الماضي حين تم تعيين شقيقه سلمان وزيراً للدفاع. ايضاً يعتبر من لصوص الأراضي الكبار، وهو جاهل بالسياسة والإدارة، ولكنه غاضب على إزاحته من منصبه، ورأى لنفسه الحق بأن يكون الملك القادم (حسب السنّ).
8/ بدر (1932- 81 سنة)؛ تولى وزارة المواصلات بين 1960-1961 قبل ان يلتحق بطلال الى المنفى؛ ثم عاد وشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني، قبل أن يبعده الملك عبدالله ويعين ابنه متعب.
9/ تركي الثاني (1932- 81 سنة)؛ ولاه فيصل نيابة وزارة الدفاع والطيران عام 1969 وبقي فيها الى 1979، حين غضب عليه إخوته لزواجه من هند الفاسي، فاستقال او اقيل وارتحل الى مصر وبقي فيها الى عام 2010، حيث توفيت الزوجة وعاد تركي مع اولاده.
10/ نواف (1933- 80 سنة)؛ عين وزيراً للمالية لبرهة بعد رحيل طلال معارضاً عام 1961؛ وفي 2001 عين رئيساً للإستخبارات خلفاً لتركي الفيصل؛ واستمر في منصبه حتى 2005، ليعين مكانه الأمير مقرن ـ النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء حالياً.
11/ ولي العهد سلمان (1936- 77 سنة)؛ تولى امارة الرياض من 1954 الى نوفمبر 2011 (عدا فترات قصيرة). وهو يمتلك كل اسرار العائلة ومشاكلها ما أعطاه قوة غير مسبوقة، حيث كان يبتزّ الجميع. في 2011 عين وزيراً للدفاع بعد وفاة سلطان، وبعد أشهر عينه الملك ولياً للعهد بعد وفاة شقيقه نايف، وذلك خارج اطار هيئة البيعة. وسلمان يمتلك الحصة الأكبر في الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، ويتولى ابناؤه العديد من المناصب. عرف عنه خشونته حتى على أبنائه، الذين توفي بعضهم بسبب الإدمان (فهد نائب امير الشرقية السابق؛ وأحمد رئيس الشركة مثلاً) كما أنه متهم بقتل أحد أبنائه ـ غير الشرعيين.
12/ ممدوح (1939- 74 سنة)؛ عيّن عام 1986 اميراً لتبوك؛ ولما وجد فهد أن ضبط طموحاته صار صعباً، خدعه بأن اقنعه بالتنازل ليتولى منصب رئيس (مركز الدراسات الاستراتيجية) والذي تحتاجه البلاد! صدق ممدوح الأمر، وتمت الإقالة من الإمارة والتعيين في المركز الذي لم ير النور الى اليوم، ولا توجد له حتى طاولة وليس مكتباً!
13/ عبدالإله (1939- 74 سنة)؛ عين اميراً للقصيم عام 1980 وحتى عام 1992، وفي 1999 عين اميراً لمنطقة الجوف، ليقال منها بعد ثلاث سنوات ويعين كمستشار للملك، ولازال! بمعنى أن منصب الإستشارية مجرد من أية صلاحيات.
14/ مشهور (1942- 71 سنة)؛ لم يتول مناصب ومنشغل في أعماله التجارية.
15/ أحمد (1942- 71 سنة)؛ من السديريين السبعة، عينه فيصل وكيلاً لإمارة مكة، وفي 1975 عيّن نائباً لنايف في وزارة الداخلية، وبقي في المنصب حتى يونيو الماضي 2012، حيث تمت ترقيته ليصبح وزيراً للداخلية ولكن لأقل من خمسة أشهر (تم اعفاؤه في 5/12/2012). وكان متوقعاً ان يكون احمد ولي عهد شقيقه سلمان، لكن تبين ان توزيره في الداخلية اصطدم مع الرجل الأساس والقوي فيها محمد بن نايف الذي كان يديرها كاملة في عهد والده، واراد أحمد ان يسحب الصلاحيات من ابن اخيه، وحدث صراع قوي فضّل معه الملك إزاحة أحمد، لصالح ابن الأخ محمد بن نايف، المرغوب أمريكياً جداً.

16/ مقرن، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (1945- 68 سنة)؛ خدم كطيار في القوات الجوية ثم أصبح آمراً فيها، وفي 1980 تم تعيينه أميراً لحائل لمدة 19 عاماً، لينقل الى امارة المدينة في اواخر 1999، وليمضي فيها ست سنوات حتى تعيينه عام 2005 رئيساً للإستخبارات العامة خلفاً لنواف. وفي يوليو 2012 اطيح به من جهاز الإستخبارات لصالح بندر بن سلطان، وليتولى هو منصباً استشارياً اسمياً. لكن السماء منحته ما لم يتوقعه، ففي الأول من هذا الشهر فبراير تم تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، أي أنه سيكون ـ ما لم يحدث أمر غير متوقع ـ الملك القادم بعد سلمان. والأعمار بيد الله!

ملاحظات عامة

الأولى ـ أن القيادة السعودية هرمة جداً، فمن بين الأحياء من أبناء عبدالعزيز، وعددهم 16 أميراً، هناك 10 منهم تجاوزوا سن الثمانين وبينهم الملك الذي يقترب من التسعين عاماً (بعضهم تجاوز التسعين كمساعد وبندر). ايضاً هناك 5 من 16 تجاوزوا السبعين عاماً، وبعضهم اقترب من الثمانين حتى (مثل ولي العهد سلمان). ولا يبقى سوى أمير واحد هو مقرن والذي لم يتخط عمره سقف السبعين (68 عاماً)؛ مع انه بالتقويم الهجري ـ المعتمد في السعودية ـ وصل الى السبعين عاماً (مقرن من مواليد 7/11/1364هـ، ونحن الآن في شهر 4 من عام 1434هـ).

وبناء على هذا، فإن هذه القيادة المعمّرة، اذا اعتبرنا ان الحكم ينتقل من الأخ لأخيه، فإن تعيين أصغر ابناء ابن سعود لا يغير من شيخوخة القيادة التي هي متحكمة الآن بالسلطة، وإن حُصرت في الملك وولي عهده. لا تستطيع السعودية ان تمضي في طريق التعافي بمثل هذه القيادة.

الثانية ـ مثلما اقتربت تواريخ الولادة لأبناء ابن سعود، فإن تواريخ وفاتهم ـ والأعمار بيد الله ـ ستكون متقاربة، ذلك أن الأغلبية الساحقة من أبناء عبدالعزيز (15 من 16) هم فوق السبعين، وبعضهم تجاوز التسعين. ما يشير الى موت متسارع، لا يفصل الواحد عن الآخر إلا قليلاً، اي أشهر فحسب. هذه الفاصلة التي تصغر مع الزمن، تسبب الإرباك لأي حكم، خاصة مع وجود عدد هائل من الحفدة (ابناء الجيل الثالث) الذين أصابت الكثير منهم الشيخوخة أيضاً، وبعضهم أكبر من أعمامه سنّاً.

وهنا تكمن الملاحظة:

بين عام 1919 وحتى عام 1960، توفي ثلاثة إخوة، في 41 عاماً، بمعدل يزيد عن 13 سنة كفارق بين المتوفين.
بين 1961 وحتى 1980 توفي إثنان في عشرين سنة، أي أن الفارق تقلّص الى 10 سنوات.
وبين 1981 وعام 2000 توفي سبعة إخوة، في عشرين سنة، بفارق تقريبي يصل الى أقل من ثلاث سنوات.
وبين 2001 وحتى الآن 2013، توفي ثمانية أخوة، في 12 سنة وشهرين، بفارق يتقلص الى سنة ونصف بين كل وفاة (معدلاً).

ماذا يعني هذا؟

إنه يعني ضرورة التجديد لمسألة الوراثة، بل حتميته، فالتأخير لا يزيد الأمور إلاّ سوءً، واقتراب الموت من الطبقة العليا، بدون ترتيب الخلافة الى الجيل الثالث، ولا ترتيب أمور الجيل الثالث نفسه فيجعلهم متوائمين متفقين، بسبب غياب النظام والمرجعية التي تحكم عملية الخلافة.. يعني تفجير الوضع برمته بعد غياب الملك وولي عهده سلمان.

لا ننس هنا عجزة الجيل الثالث أيضاً ـ المبتلين بالأمراض والعاهات ـ مثل:

ـ خالد الفيصل، من مواليد 1941، وهو امير مكة الآن، ويبلغ من العمر 72 عاماً.
ـ سعود الفيصل، من مواليد عام 1940، وهو وزير الخارجية منذ 1975، ويبلغ من العمر 73 عاماً.
ـ تركي الفيصل، وهو اصغر ابناء الملك فيصل، وهو من مواليد 1945، اي انه في عمر عمّه مقرن، 68 عاماً.
ـ خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع، ومالك جريدة الحياة، وهو من مواليد 1949 ويبلغ من العمر 64 عاماً.
ـ محمد بن فهد، الذي تولى امارة المنطقة الشرقية لثمان وعشرين سنة (من يناير 1985 وحتى يناير 2013)، وهو من مواليد 1950 ويبلغ من العمر 63 عاماً.
ـ بندر بن سلطان، رئيس الإستخبارات العامة، سفير السعودية في واشنطن سابقاً. وهو من مواليد 1949، ويبلغ من العمر 64 عاماً.

هذه عيّنات أسماء بلغت من الكبر عتيّاً، وهي تحسب على جيل (جديد) او (جيل ثالث)..
هؤلاء يفترض أن لا يتولوا مناصب جديدة، ان اريد تجديد شباب الدولة!!

بوفاة أمير الرياض (سطام)، يتزايد صراع الأمراء لخلافته، من جيلي الأبناء والحفدة، ولكن الأزمة الحقيقة ـ اضافة الى أزمة الخلافة ـ هي أزمة (شرعية النظام). فحتى لو تمّ الوصول الى حلول جذرية او مؤقتة لمسألة وراثة العرش، فإن هناك شعباً بدأ بفتح عينيه على واقع السلطة المهلهل، وعلى واقع الفساد المستشري في العائلة المالكة، وهو يطالب بالتجديد والإصلاح، وإلا فالتغيير الشامل. السؤال كيف سيتعامل الأمراء مع هذه المطالب الشعبية المتصاعدة وغير المسبوقة تاريخياً؟

kumait 01-03-2013 04:12 PM

اسرائيل والربيع الكردي
 
اسرائيل والربيع الكردي
صحف عبرية
2013-02-28

أحدثت الهزة التي تعصف بالشرق الاوسط في أعقاب الربيع العربي تغييرات جغرافية سياسية بعيدة الاثر في منطقتنا. فمن جهة، أدت هذه الى بعض التردي في الميزان الاستراتيجي لاسرائيل، وعمقت هشاشة الاتفاقات التي وقعت مع مصر، الفلسطينيين والاردن. ومن جهة اخرى، فتحت امامها فرصا جديدة، هي تحصيل حاصل لضعف الدول القومية والانهيار المحتمل لاحدى الوحدات السياسية المصطنعة التي صممت بعد الحرب العالمية الاولى.

احد الامثلة البارزة على الدولة القومية في سياق الانهيار هي العراق. فمنذ قيامه لم ينجح العراق في بلورة هوية قومية عراقية شاملة، تجسر الهوة بين القومية العربية والقومية الكردية التي تطلعت الى تقرير المصير. وبدأت التطلعات الكردية تتحقق مع قيام 'اقليم كردستان'، بعد حرب الخليج في 1991، الخطوة التي تسارعت في أعقاب الاجتياح الامريكي للعراق في 2003 والانسحاب منه في 2011. وخلق ضعف الحكم المركزي في بغداد وآثار الربيع العربي وضعا توجد فيه اليوم دولة كردية بحكم الامر الواقع تؤدي مهامها بشكل مستقل في ظل دفع ضريبة لفظية لوحدة العراق الاقليمية. لقد فهم الاكراد بان الاعلان عن اقامة دولة سيجعلهم فقط يصطدمون بدول مجاورة وسيمس بتطلعاتهم على المدى البعيد. ولهذا فقد امتنعوا عن مثل هذه الخطوة الرسمية.

في باقي الدول الثلاثة التي يتواجد فيها الاكراد ايضا، والذين يبلغ عددهم معا اكثر من 30 مليون نسمة، يحدث اليوم 'ربيع كردي' موازٍ لـ 'الربيع العربي'. فالاحداث في سوريا استغلت من الاكراد الذين يسكنون في شمالي الدولة لاقامة حكم ذاتي في منطقتهم الكردية. هذا الحكم الذاتي يعزز علاقاته مع الحكم الذاتي في كردستان العراقية، ويخلق معها تواصلا اقليميا ايضا. وأدت هذه الخطوات بالتوازي الى تشديد ضغوط الاكراد الاتراك لاقامة حكم ذاتي كردي في تركيا، وكذا الاكراد في ايران لا يصمتون.

ويحث الربيع الكردي سياقات التحول الديمقراطي بسرعة اكبر مما في الانظمة الجديدة في المنطقة التي تعتمد على الاسلام السياسي. وتغير هذه التطورات الخريطة الجغرافية السياسية كما عرفناها حتى الان والسؤال المركزي هو كيف ينبغي لاسرائيل أن تستعد حيالها.

على اسرائيل ان تنظر في النقاط التالية:

هل يوجد مجال 'للخروج من العلبة' ومحاولة اقامة علاقات مع القوة الصاعدة في المنطقة، اي الاكراد؟
هل الاكراد أنفسهم معنيون بمثل هذه العلاقة؟
أي تأثير كفيل بان يكون للعلاقات مع الاكراد على علاقات اسرائيل تركيا؟

كيان كردي مستقر ومتين في العراق كفيل بان يشكل ذخرا استراتيجيا صرفا لاسرائيل، ولا سيما عندما يرتبط مثل هذا الكيان بحبله السري بالاكراد في سوريا، في تركيا وفي ايران، ويخلق حضورا عرقيا ذا مغزى يتمتع بتواصل اقليمي. فالاكراد يرون في اسرائيل نموذجا قدوة، وعلى المستوى الشعبي يوجد عطف تجاه اليهود وتجاه اسرائيل، بسبب ما يعتبر شراكة في المصير بين الشعبين اللذين ترفض الدول المحيطة بهما حقهم في دولة خاصة بهم. وأعلن زعماء الاقليم الكردي في العراق غير مرة بان لا مانع من اقامة علاقات مع اسرائيل حين يجد الحكم المركزي من السليم عمل ذلك. وخلف الكواليس يلمحون ايضا بانهم مستعدون لاقامة كل علاقات مع اسرائيل التي تعتبر حليفا طبيعيا في محيط معادٍ للاكراد. ومع ذلك، ففي الاقليم الكردي في العراق توجد مخاوف كبرى من ردود فعل العالم العربي، ولا سيما ايران على اقامة علاقات مع اسرائيل.

الفكرة السائدة في اسرائيل هي أن العلاقات مع الاكراد ستمس بشدة بالعلاقات مع أنقرة. مثل هذا الفهم يتجاهل التغييرات التي وقعت في علاقات تركيا والاكراد وعلاقات تركيا واسرائيل. فقد تحولت تركيا نفسها الى شريان الحياة المركزي، وربما المؤسسة بالفعل لكردستان العراقية. كما أن أنقرة تعمل بكد على حل المشكلة الكردية الداخلية. وعليه فلم يعد هناك مجال للخوف من العلاقات مع الاكراد. فعلاقات تركيا اسرائيل على اي حال توجد في درك أسفل غير مسبوق ولا يبدو في الافق تغيير بعيد الاثر.

فالدعم الذي تعطيه أنقره لحماس، والتي هي منظمة ارهابية بكل معنى الكلمة، والتهجمات التي لا تنتهي على اسرائيل والمس بها في كل محفل دولي يستدعي تأسيس بنية علاقات جديدة تقوم على أساس التماثل والتبادلية. واذا ما وعندما يكون تحسين في العلاقات بيننا وبين تركيا، فان على اسرائيل أن تبقي لنفسها حرية اقامة علاقات مع الاكراد مثلما تقيم تركيا علاقات وثيقة مع الفلسطينيين بل وتظهر كسيدة لحماس.

مرغوب فيه جدا محاولة تحسين العلاقات مع تركيا ولكن يجب الفهم بان التغييرات الواسعة التي حصلت في تركيا تجعل الامر صعبا جدا. فليس الاكراد هم الذين سيشكلون العائق امام تحسين العلاقات واسرائيل يمكنها أن تنزع عنها هذا القيد الذي نبع من الرغبة في الحفاظ على شبكة علاقات سليمة مع الاتراك.

يجدر باسرائيل أن تتبنى سياسة نشطة ترى في الكيان الكردي في شمال العراق وفرعه في سوريا حليفا. وتبني مثل هذه السياسة معناه المساعدة الانسانية، الاقتصادية والسياسية. وبالنسبة للاكراد في تركيا، لا ينبغي لاسرائيل أن تظهر كمن ينبش في الشؤون الداخلية لتركيا ومن جهة اخرى عليها أن تبلور موقفا اخلاقيا بالنسبة للموضوع الكردي. كما أنه لا مانع لان تحث اسرائيل العلاقات مع الاكراد في ايران، الذين يوجدون في مواجهة مع النظام الاسلامي. وللمساعدة الاسرائيلة في مرحلة مبكرة كهذه كفيل بان تكون أهمية في المدى البعيد، وكل ذلك بالطبع على فرض انه يوجد اهتمام كردي لمثل هذه المساعدة. في نظرنا يعد هذا جهدا اسرائيليا جديرا.

عوفرة بنجو وعوديد عيران
' البروفيسورة بنجو هي باحثة في مركز ديان في جامعة تل أبيب؛
د. عيران باحث في مركز بحوث الامن القومي جامعة تل أبيب.
هآرتس 28/2013

kumait 01-03-2013 04:32 PM

الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية وتأثيراته السياسية في المنطقة
 
http://studies.aljazeera.net/Resourc...34564734_8.jpg
الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمقر الوزارة بواشنطن (الفرنسية)

الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية وتأثيراته السياسية في المنطقة
عبد الرحمن محمد حسين

أثارت قضية الاعتراف الدبلوماسي الأمريكي بالنظام الصومالي الجديد الذي يرأسه حسن شيخ محمود الكثير من التساؤلات حول أهميته وتأثيراته السياسية محليا وإقليميا ودوليا.

ظهرت كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية مع الرئيس حسن شيخ محمود في مؤتمر صحفي يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2013 عقداه معا في وزارة الخارجية الأمريكية، أعلنت فيه الإدارة الأمريكية استرجاع العلاقات الدبلوماسية مع الصومال بعد انقطاع دام أكثر من 22 عاما. وفي عام 1991م حين سقطت الحكومة المركزية الصومالية سحبت أمريكا بعثتها الدبلوماسية من الصومال، ولم تكن الإدارة الأمريكية تتعامل منذ ذلك مع الحكومات الانتقالية المتعاقبة بطريقة رسمية، وإنما كانت تتعامل معها بالطرق الأمنية أي عبر مؤسساتها الأمنية بفروعها المختفة على ما يخدم مصالحها القومية الاستراتيجية في الصومال وفي محيطها الإقليمي.

وقد أثير بعض الأسئلة المهمة حول هذا الاعتراف الأمريكي للنظام. وتحاول هذه الورقة أن تسلط الضوء على ذلك وتأثيراته المحلية والإقليمية من خلال تحليله عبر المحاور التالية:

بدايات العلاقات الصومالية الأمريكية.. التحالف الإستراتيجي

اعترفت أمريكا رسميا بالصومال في أول يوم من استقلاله 1يوليو 1960، وذلك بإرسال تهنئة من الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان، ورفعت أمريكا قنصليتها في مقديشو الي مستوى السفارة وكان على رأسها القائم بالأعمال: أندروغ ليينج.

ومنذ ذلك الوقت شهدت العلاقات الصومالية الأمريكية تجاذبات وتوترات كثيرة، كان السبب الرئيسي وراءها رغبةَ الدولة الصومالية الوليدة في تحرير بقية الأراضي الصومالية، والتي ما فتئت تحت الاستعمار (الإثيوبي، الفرنسي، والبريطاني-الكيني). وكانت أمريكا قد وقعت معاهدة عسكرية مع إثيوبيا في عام 1953 لمدة 25عاما قابلة للتجديد، مقابل حصولها على تسهيلات عسكرية في ميناء (كاجينوا) بارتريا.

عندما استقل الصومال وجدت الدولة نفسها في حاجة ماسة إلى قوة تستند اليها، وخاصة أنه كانت في نية القادة الصوماليين استعادة الأراضي الصومالية التي ما زالت مستعمَرة. ولذلك توجه رئيس الوزراء الصومالي عبد الرشيد علي شرماركي إلى أمريكا في عام 1963، وقابل الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وبعد مناقشات ومداولات طويلة عرضت الإدارة الأمريكية على الحكومة الصومالية بأنها تقوم بتسليح خمسة آلاف جندي من الجيش الصومالي وذلك بشرط ألا تُستخدم ضد كينيا وإثيوبيا، مما كان يعني بصورة مباشرة الاعتراض على المطالبة على بقية الأراضي الصومالية من قبل الحكومة الأمريكية. وكانت لأمريكا بعض المشروعات التنموية في الصومال مثل مشروع جوبا للتطوير الزراعي ومشاريع تنقيب البترول، كما أنها كانت تنوي إقامة قواعد عسكرية، إلا أن الطرح الأمريكي لم يكن مقنعا للحكومة الصومالية، ولذلك توجهت الي الاتحاد السوفييتي الذي وعد ببناء جيش صومالي قوامه عشرون ألف جنديا خلال عشرين سنة. ووقعت معاهدة تعاون بين البلدين في هذا الشأن في عام 1963.

وكانت الاستراتيجية الأمريكية في القرن الإفريقي تعتمد في ذلك الوقت على:

· إبعاد الاتحاد السوفييتي من السيطرة على باب المندب الاستراتيجي.
· حماية استمرار تدفق البترول إلى أمريكا والدول الأوروبية.

وفي عام 1977 اختلف الصومال والاتحاد السوفييتي في مسألة الحرب مع الجارة إثيوبيا لتحرير منطقة الصومال الغربي التي تحتلها. ووقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب إثيوبيا ضد الصومال، ولم يكن أمام الصومال إلا الرجوع إلى دائرة التأثير الأمريكي، وكان هذا خطأ استراتيجيا وسوء تقدير من قبل القيادة الصومالية في ذلك الوقت للحسابات السياسية والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الصومالي لأمريكا في عام 1963، حيث اتضح للقيادة السياسية الصومالية من خلال تلك الزيارة، الموقف الأمريكي الرسمي من هذه المسألة، وتجاوبت أمريكا مع المطالب الصومالية ولكن بشروط كان من ضمنها: انسحاب الجيش الصومالي من الأراضي التي حررها من إثيوبيا والتي كانت تفوق 90% من منطقة الصومال الغربي، منح قاعدة بربرة الاستراتيجية لأمريكا بعد طرد الاتحاد السوفييتي منها، وأن يكون الدعم فقط للأغراض الدفاعية لا الهجومية. وعلى هذا الأساس عقدت اتفاقية الدفاع المشترك بين الحكومتين الصومالية والأمريكية، والتي بسببها حصلت أمريكا علي كل التسهيلات البرية والبحرية والجوية في موانئ ومطارات الصومال، وأنشأت قواعد أمريكية في أماكن كان يستخدمها الجيش السوفييتي في كل من بربرة وكيسمايو، وكانت تعد هذه التسهيلات بدون مقابل بالنسبة لأمريكا.

واستمر هذا التعاون -أو هذا الاستخدام- بين الدولتين حتي أثار الرأي العام الأمريكي موضوع انتهاكات حقوق الانسان في الصومال أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وتحت ضغط الكونغرس الأمريكي أنهت إدارة بوش الأب المساعدات العسكرية للصومال في عام 1988. وأثناء احتدام القتال في مقديشو يناير/ كانون الثاني عام 1991 أخلت أمريكا سفارتها وأجلت جميع رعاياها من الصومال، مما يعني توقف العلاقات الدبلوماسية مع الصومال بشكل عملي كما أوقفت أمريكا التعامل مع الأنظمة الصومالية التي جاءت بعد ذلك علي أنهم الممثلون الشرعيون للصومال وشعبه.

أمريكا لم تغب طويلا عن الساحة الصومالية، فقد قادت أكبر عملية عسكرية إنسانية في التاريخ تحت اسم (عملية إعادة الأمل) في 9 ديسمبر/ كانون الأول عام 1992م، وذلك بقرار من الأمم المتحدة والتي هدفت إلى القضاء علي المجاعة في الصومال، وقد نجحت هذه المهمة في بداية الأمر إلا أن التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية وعدم وضوح المهام القيادية بين القوات الأممية أدت إلى نشوب حرب بين القوات الدولية بقيادة أمريكا وقوات الجنرال محمد فارح عيديد مما أدى إلى مقتل آلاف الصوماليين ومئات من القوات الأممية والأمريكية، كان من ضمنها 18 جنديا أمريكيا والمئات من الصوماليين قتلوا في يوم واحد، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1993، وفي هذا اليوم تم سحل جثة أحد الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشو في مشهد أثار الرأي العام الأمريكي الذي ضغط على حكومته، مما أدى إلى إعلان الإدارة الأمريكية بقيادة كلينتون سحب قواتها من الصومال، وتفويض مهمة حفظ السلام في الصومال الي الأمم المتحدة. وكان لهذا الانسحاب تأثيراته السلبية الواضحة على العلاقات الصومالية الأمريكية فيما بعد والتي اتسمت بالشكوك وعدم الثقة المتبادلة ليس فقط على المستوى السياسي بل على المستوى الشعبي أيضا. ولذلك فوضت أمريكا مسألة التدخل –سواء كان سياسيا أو عسكريا- في الشئون الصومالية إلى حلفائها الإقليميين: مثل دول منظمة إيغاد، وعلى رأسها إثيوبيا وكينيا وحصرت دورها الإدارة من وراء الكواليس، وتوجيه حلفاها الإقليميين أمنيا وسياسيا.

من نهاية التسعينيات القرن الماضي إلى الآن.. الصومال والإرهاب

في عام 2000م تم انشاء أول حكومة انتقالية صومالية في جيبوتي بعد اجتماع مصالحة دام أكثر من ستة أشهر، وتم انتخاب عبد القاسم صلاد حسن رئيسا لهذه الحكومة، وقد رحبت أمريكا بالنظام الجديد واعتبرته خطوة إلى الأمام، إلا أنها لم تعترف بالنظام كحكومة شرعية للصومال. مما أعطى إشارة واضحة إلى الدول المجاورة بعدم التعامل مع الحكومة الوليدة والاستمرار في دعم حلفائهم من زعماء الحرب في الصومال. وتزامن إنشاء هذه الحكومة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وتحدث بوش عن الدول أو الأماكن التي تتخفى فيها القاعدة، وأصبح الصومال بعد أفغانستان على رأس الدول التي يمكن أن تجد القاعدة فيه ملاذا آمنا وذلك لعدم وجود حكومة تسيطر على البلاد، وأصبح في قائمة الأولويات الأمريكية في محاربة الإرهاب، كما أن التفجيرات الذي حدثت في 1998 والتي استهدفت السفارات الأمريكية في نيروبي/كينيا ودار السلام/تنزانيا ألقت بظلالها على الصومال حيث ذُكِر أن المنفذين فروا إلى الصومال حيث لا حكومة تتعقبهم.

وفي خلال الاثنتا عشرة سنة الماضية 2001-2012, كان ملف محاربة الإرهاب يسيطر على العلاقات الصومالية الأمريكية، وبما أن الوضع في الصومال لم يكن واضحا بما فيه الكفاية لدى الإدارة الأمريكية، فإن إثيوبيا وزعماء الحرب المتحالفين معها في الصومال قد استغلوا الوضع لصالحهم، ولأن أمريكا لم تكن تنوي التدخل المباشر في الصومال قامت بدعم زعماء الحرب في الصومال، وشجعتهم على تأسيس تحالف جديد سمي (تحالف إعادة السلام ومحاربة الإرهاب) والذي ضم 11 من زعماء الحرب في مقديشو. وكان هدفه القضاء على الإسلاميين الذين نما نفوذهم في الصومال وخاصة في العاصمة مقديشو عبر المحاكم الإسلامية. وكانت أمريكا تدعم هذا التحالف شهريا بمبلغ مائة وخمسين ألف دولار وذلك لجمع معلومات عن ثلاثة أفراد من تنظيم القاعدة يشتبه في أن لهم صلة بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام، حسب رأي الحكومة الأمريكية. وقد طلب التحالف –مستغلا الدعم الأمريكي- من المحاكم الإسلامية تسليم الإرهابيين. وأعلن التحالف الحرب على المحاكم الإسلامية في 18 فبراير/ شباط 2006 أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة تحالف زعماء الحرب، حيث خرج آخر واحد منهم من العاصمة في 11 يوليو/ تموز 2006، وسيطرة الإسلاميين على أغلبية المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال، ومحاصرة الحكومة الصومالية الانتقالية في مقرها المؤقت في مدينة بيداوة جنوب غرب العاصمة.

وبعد هزيمة تحالف زعماء الحرب، لم يبق أمام الحكومة الأمريكية خيار آخر غير التدخل المباشر أو الحرب بالوكالة لهزيمة الإسلاميين في الصومال، واتخذت الخيار الثاني حيث استخدمت القوات الإثيوبية وذلك تحت ذريعة حماية الحكومة الشرعية برئاسة عبد الله يوسف، كما ادَّعت إثيوبيا أن أمنها في خطر. وبقرار الامم المتحدة رقم 1725(6 ديسيمبر/ كانون الأول 2006) سمح لدول الاتحاد الإفريقي إرسال قوات إفريقية عرفت باسم "أميصوم" (AMISOM) لحماية الحكومة الصومالية. ولكن إثيوبيا أرسلت عشرات الآلاف من جنودها خارج قرار مجلس الأمن بإيعاز من أمريكا ومدعية كذلك بأن الحكومة الشرعية في الصومال طلبت منها كتابيا هذا التدخل، واستطاعت إثيوبيا الاطاحة بالإسلاميين وإحضار حكومة عبد الله يوسف إلى مقديشو لأول مرة. اندلعت حرب عصابات بين الصوماليين والقوات الإثيوبية أثقلت كاهل القوات الإثيوبية انتهت بانسحاب القوات الإثيوبية بمفاوضات سلام بين الحكومة الانتقالية وتحالف اعادة تحرير الصومال بقيادة الشيخ شريف، حفظا لماء وجه إثيوبيا التي انهزمت قواتها في الصومال. وبعد مفاوضات دامت ثمانية أشهر، تم الاتفاق على توسيع البرلمان وادماج أعضاء تحالف إعادة تحرير الصومال برئاسة الشيخ شريف في البرلمان وانتخابه رئيسا للبلاد. وبهذا نجحت أمريكا بتقسيم الإسلاميين إلى معتدلين يمكن التعامل معهم بقيادة الشيخ شريف، ومتشددين مما فتح جولة جديدة من الحرب بين الإسلاميين فيما بينهم.

وفي الفترة التي ترأس الشيخ شريف البلاد 2009-2012، لم يحدث تغيير يذكر في العلاقات الصومالية الأمريكية، حيث واصلت أمريكا تركيزها على موضوع مكافحة الإرهاب والتعامل مع الحكومة الصومالية على هذا المنظور الأمني فقط. ولذلك انحصر دورها بشكل شبه كلي على دعم قوات البعثة الإفريقية في الصومال (AMISOM) لمحاربة حركة الشباب المجاهدين، ولم يرقى دعمها للجيش الصومالي إلى المستوى المطلوب في فترة شيخ شريف وذلك بعدم ثقتها في كفاءة حكومته في جوانب مختلفة.

أربعة أسباب وراء الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية

لم يكن الاعتراف الأمريكي وليد اللحظة، ففي خلال الاثنا عشر سنة الماضية التي تعاقبت فيها على الصومال ثلاثة أنظمة انتقالية، كان الوجود والاهتمام الأمريكي ينمو، ففي بداية الأمر كانت الشئون الصومالية تدار عبر السفارة الأمريكية في نيروبي، ثم عينت الإدارة الأمريكية مبعوثا للشئون الصومالية، كما كانت هناك تطورات إيجابية وإن كانت قليلة وبطيئة، سواء كانت سياسية وعسكرية وبناء مؤسسات الدولة خلال الحكومات الانتقالية المتعاقبة. وقد توجت هذه الانجازات القليلة بإجازة دستور جديد لأول مرة بالصومال منذ الحرب الأهلية، وانتخاب برلمان جديد انتخب بدوره كلا من رئيسي مجلس الشعب ورئيس جمهورية الصومالية الفدرالية. والجديد في الأمر أن هذا تم داخل الصومال لأول مرة لمدة تزيد على 42 سنة، وتحت اشراف الحكومة الصومالية.

والأمر الثاني: هو تحسن الوضع الأمني وتقهقر حركة الشباب المجاهدين أمام ضربات القوات الصومالية والأميصوم وإخلائها كبري المدن الصومالية الاستراتيجية، وتزامن هذا التقهقر مع التطورات السياسية السابقة.

ثالثا: ونتيجة لهذه التطورات الإيجابية، تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بالشأن الصومالي، وكان لتركيا القدح المعلى في الاهتمام حيث قام رئيس وزرائها (السيد رجب طيب أردوغان) زيارة تاريخية إلى الصومال أعلن في خلالها أن تركيا جاءت لمساعدة الصوماليين ولن ترجع. وفتحت تركيا سفارتها في مقديشو كما بدأت بإنشاء مشاريع صحية، وتعليمية، وخدمية. وعلى إثر هذه الزيارة، بدأت الخطوط التركية رحلاتها بين اسطنبول ومقديشو، وبذلك أصبحت أول شركة طيران عالمية تكسر العزلة المفروضة على مقديشو منذ 22 سنة. وهذا الاهتمام التركي لاقى ترحيبا كبيرا من الشعب الصومالي في الداخل والخارج، كما شكلت هذه الخطوات من قبل تركيا تحديا واضحا للدول الغربية التي كانت دائما تتذرع بعدم الأمن في مقديشو لعدم دعمها، وكان الفعل التركي يثبت عكس ذلك حيث إن الأتراك يمارسون أعمالهم الإنسانية والتنموية في مقديشو بصفة عادية ولم يتعرضوا إلى أي أذي، مما جعل الدول الغربية تتسابق الآن في طلب قطع أراضي لتشييد سفارات جديدة أو ترميم سفاراتها القديمة في الصومال: مثل أمريكا، وبريطانيا، وايطاليا، والاتحاد الأوروبي، والنرويج، مما جعل لزاما على أمريكا أن تتخذ مثل هذه الخطوة قبل فوات الأوان.

رابعا: بروز قيادات صومالية جديدة ذات خلفيات مدنية، بمن فيهم الرئيس: حسن شيخ الذي كان الرئيس المؤسس لواحدة من أرقي الجامعات الصومالية (جامعة سيمد)، ووضع هذا المجتمع الدولي أمام التزام أخلاقي بدعم هذه الحكومة الديمقراطية الوليدة ذات الخلفية المدنية.

وأخيرا الأطماع الأمريكية القديمة في الموارد الطبيعية في الصومال، المعدنية منها والبترولية.

أهمية الاعتراف وتأثيراته السياسية

يأتي هذا الاعتراف الأمريكي في توقيت مهم للحكومة الصومالية التي تحاول إعادة الأمن والاستقرار إلى البلد، ولكي تتمكن من هذا فإنها تحتاج إلى عدة عوامل مهمة منها الاعتراف الدبلوماسي من الدول ذات الوزن الثقيل في المسرح الدولي مثل أمريكا، والذي يقضي بدوره على أن هذه الحكومة هي الجهة الشرعية الوحيدة للشعب الصومالي التي يجب التعامل معها.

والواضح أن تأثيرات هذا الاعتراف لا تقتصر فقط على الناحية المعنوية بل تتعداها إلى غير ذلك:

التأثيرات المحلية

سيعطي هذا الاعتراف الحكومة الصومالية فرصة التلقي المباشر للدعم الأمريكي الحكومي وغير الحكومي لإعادة بناء المؤسسات الحكومية الصومالية، كما أنه يعطي الحكومة فرصة الاقتراض من المؤسسات الدولية: مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهذه القروض مهمة جدا بالنسبة للحكومة الصومالية، حيث كان من أهم أسباب فشل الحكومات الصومالية المتعاقبة، عدم قدرتها على تسيير أبسط يومياتها المالية ناهيك عن العجز عن التنمية لعدم كفاية الدخل القومي.

تراجع خطورة تفكك الوطن (اقليم بونتلاند وجمهورية أرض الصومال)

كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع هذين الإقليمين والحكومات الانتقالية السابقة على حد سواء، إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أعلنت بصفة رسمية في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته مع الرئيس الصومالي في واشنطن 17 يناير/ كانون الثاني 2013، أن سياسة التعامل المزدوج مع الصومال قد انتهت. وأن أمريكا تتعامل من اليوم مع حكومة صومالية ذات سيادة كاملة على أراضيها، مما يعني أن محاولات أرض الصومال في الانفصال ونيل الاعتراف من المجتمع الدولي أصبحت أبعد مما كانت عليه من قبل أو على الأقل لا يمكن أن تأتي إلا بتراضي الطرفين في مقديشو وهرجيسا، واحتمال اعترافها أحاديا من قبل بعض الدول أصبح بعيد المنال بعد هذا الإعلان الأمريكي الصريح. كما أن بونتلاند ستفقد كثيرا من قوة استحواذها السياسي التي كات تتمتع بها أمام الحكومات الانتقالية السابقة في ظل غياب إقليم شمال الصومال (جمهورية أرض الصومال) من المسرح السياسي الصومالي في العقدين الأخيرين. كما أن المهتمين بالإقليم اقتصاديا لا يمكن أن يتجاهلوا موقف الحكومة الفيدرالية.

تأثيرات الاعتراف على المجموعات المناهضة

ومما لا شك فيه أن أمريكا كانت في حالة حرب بالوكالة في الصومال منذ 2007، مثلتها قوات البعثة الإفريقية (أميصوم) والقوات الصومالية من جهة والقاعدة التي تمثلها حركة الشباب المجاهدين من الجهة الثانية. وقد كانت أمريكا تدعم الحكومة الصومالية بمؤن الجيش وبعض العتاد عبر الأميصوم، ولكن هذا الاعتراف ربما يغير من كيفية الدعم الأمريكي للصومال. أما من ناحية الشباب المجاهدين، فإن هذا الاعتراف لا يغير من موقفهم شيئا من الناحية المبدئية، ومن الناحية الميدانية فيبدوا أنهم استعدوا لحرب عصابات طويلة الأمد.

تأثيرات الاعتراف الإقليمية والدولية

لا شك في أن دول المنطقة ستحاول على الأقل إرضاء لأمريكا على أن تتعامل مع الحكومة الصومالية كممثل شرعي ووحيد للشعب الصومالي. كما يعطي الاعتراف قوة دبلوماسية للحكومة الصومالية أمام دول الجوار، وسوف تتراجع هيمنة أو تأثيرات دول الجوار على القرار الصومالي الداخلي والخارجي، مما يؤدي إلى عودة الصومال إلى حظيرة المجتمع الدولي. وبالنسبة لأمريكا فأنها ستحصل على موطئ قدم في السواحل الصومالية مقابل هذا الاعتراف، كما أن شركاتها البترولية قد تعود أيضا إلى التنقيب عن النفط والغاز في الصومال.

الخلاصة

إن هذا الاعتراف الأمريكي بحكومة الصومال هو اعتراف دبلوماسي للنظام الجديد فقط لا أكثر، ولكي تستفيد منه الحكومة الصومالية الجديدة، لا بد لها ان تضع في الحسبان النقاط الاتية:

· ستظل الإدارة الأمريكية تتعامل مع الملف الصومالي على أنه ملف أمني من الدرجة الأولى، وليس من السهل إخراجه من هذه الدائرة إلا في حال التخلص من الإرهاب والتطرف في الصومال حسب المفهوم الأمريكي. ولا يلوح في الأفق أن هذا الإنجاز قريب التحقق.
· لا بد من الحكومة أن تترجم هذا الاعتراف في الواقع الأمر إلى انجازات أمنية وسياسية واقتصادية، تعود بالنفع على المواطن الصومالي العادي، وهذا وحده يمكن أن يكون كفيلا على نجاح الحكومة محليا ودوليا.
· استخدام هذا الاعتراف كعنصر جذب للحكومات الإقليمية لإعادة لحمة البلد ووحدته لا كعنصر ابتزاز للأقاليم المستقرة واستخدامه كأسلوب ضغط دبلوماسي.

ومما لا شك فيه أن هذا الاعتراف يتطلب كثيرا من الجهد والوقت من الحكومة الصومالية حتي يعطي أكله على أرض الواقع، صوماليا، وإقليميا، ودوليا. إن استثمار هذه الفرصة على الطريقة المثلى للبلد أمنيا، وسياسيا، واقتصاديا، يشكل أكبر تحد أمام الحكومة الصومالية الحالية فهل ستنجح في هذا التحدي؟ الوقت وحده هو الكفيل للإجابة عن هذا التساؤل، فلنتركه له.
__________________________
عبد الرحمن محمد حسين - باحث، ومحاضر في جامعة سيمد في مقديشو

kumait 01-03-2013 05:05 PM

أميركا والتوجه الإستراتيجي شرقا.. الفرص والتحديات
 
أميركا والتوجه الإستراتيجي شرقا.. الفرص والتحديات

توطئة

أثار إعلان الرئيس أوباما عن نية إدارته التركيز على البعد الآسيوي خلال الولاية الثانية كثيرا من التساؤلات حول دوافع تلك التوجهات المستحدثة، وطبيعتها، ومدى تأثيرها على اهتمام الولايات المتحدة بمناطق العالم الأخرى وبصفة خاصة الشرق الأوسط. وغني عن البيان أن هذا التوجه قد سبب قدرا من التوجس لدى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. وفى هذه الورقة نتناول باختصار شرحا لأسباب ونتائج هذه السياسة على مقدرات التفاعل الدولي عموما وعلى المنطقة العربية على وجه الخصوص.

أولاً: المعنى والمضمون

بصفة عامة، يقصد بالتوجه الآسيوي تركيز الولايات المتحدة على العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بدول القارة الآسيوية وأستراليا. وترجع إرهاصات هذا التوجه إلى عام 2010، فبعد أشهر قليلة من انسحاب القوات الأميركية من العراق صرح الرئيس أوباما في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 خلال حفل عشاء رسمي في البرلمان الأسترالي بأن "الولايات المتحدة ستلعب دورا أكبر وذا أمد طويل في تشكيل هذه المنطقة ومستقبلها". وقد صرح مستشار الأمن القومي توماس دونيلون بأن سياسة أوباما الآسيوية لا تعني التركيز على شؤون القارة الآسيوية فحسب، بل أيضا إعادة توزيع أولويات السياسة الأميركية داخل القارة، نحو تركيز أكبر على جنوب وشرق آسيا.

وبمعنى آخر إعادة توزيع أولويات السياسة الخارجية الأميركية في مناحيها الدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية على دول شرق وجنوب شرق آسيا بعيدا عن الاهتمام البالغ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على وسط وغرب آسيا (أفغانستان والعراق).

ولغير المتبحر في تاريخ العلاقات الدولية للولايات المتحدة قد يبدو هذا المنحى ابتداعا في السياسة الخارجية الأميركية، لكن في واقع الأمر، فإن الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة يعود إلى السنوات الأولى لخروج الولايات المتحدة من سياسة العزلة والتي استمرت لنهاية القرن التاسع عشر.

وكانت الحرب الأسبانية-الأميركية عام 1898 والتي أكدت بمقتضاها الولايات المتحدة نفوذها المتفرد في الأميركتين بداية لتغلغل الولايات المتحدة في القارة الآسيوية. فبنهاية الحرب، أرغمت الولايات المتحدة التاج الأسباني ليس فقط على تسليم كوبا وبورتوريكو بل أيضا جزر الفلبين التي احتلتها الولايات المتحدة حتى 1946. وزاد الاهتمام الأميركي بالقارة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. وخاضت الولايات المتحدة حربين ممتدتين في كوريا وفيتنام. وفرض الثمن الباهظ الذي دفعته الولايات المتحدة والنتائج المخيبة للآمال إعادة توزيع أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدا عن شرق القارة الآسيوية، وهو التقليد الذي استمر بدرجات متفاوتة حتى سنوات قليلة مضت. وبدأ الاهتمام بشرق وجنوب آسيا يعود إلى واجهة السياسة الأميركية في التسعينات مع الرئيس بيل كلينتون.

وعلى ذلك، فالتوجه الآسيوي يمثل عودا على بدأ للسياسة الخارجية الأميركية. ويشتمل هذا التوجه وفق ما صرح به أركان إدارة الرئيس أوباما على أبعاد ثلاثة: دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية. فالبعد الأول يتمثل في اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوي من خلال زيارات لكبار المسؤولين الأميركيين بمن فيهم الرئيس ووزيري الخارجية والدفاع لمختلف دول المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البعد الدبلوماسي يركز على تدعيم العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء التاريخيين للولايات المتحدة، وبصفة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية. كما تسعي الولايات المتحدة للعب دور أكبر في المنظمات الإقليمية في المنطقة. وقد ظهر هذا التوجه جليا خلال عام 2011 من خلال عدة مبادرات دبلوماسية رفيعة المستوى. وقد شمل ذلك استضافة الولايات المتحدة قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، وإعلان واشنطون عن نشر قوات مشاة البحرية في شمال أستراليا، وحضور الرئيس أوباما لأول مرة قمة دول شرق آسيا.

ومن الواضح أن هذه المبادرات تهدف إلى توصيل رسالة للرأي العام في الولايات المتحدة وآسيا على حد سواء بحجم وعمق الاهتمام الأميركي بالقارة. وكانت وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون أول وزراء الخارجية الأميركية التي تقوم بزيارة كل دول منظمة أمم جنوب شرق آسيا خلال ولايتها. وقد قامت الولايات المتحدة بترميم علاقاتها مع بورما (مينمار)، بل وقام الرئيس أوباما بزيارة العاصمة رانجون بعد أسبوعين فقط من إعادة انتخابه ليكون أول رئيس أميركي يقوم بزيارتها. وأعلن أوباما قبيل أيام من زيارته أن الولايات المتحدة سوف تخصص نحو 170 مليون دولار لمشروعات تنموية في مينمار خلال العامين القادمين. وقام أوباما بزيارة كل من تايلاند وكمبوديا خلال جولاته الآسيوية.

واقتصاديا، ينصرف هذا التوجه إلى تعميق التعاون التجاري مع دول المنطقة، والسعي لإنشاء منطقة للتجارة الحرة تحت مسمى "الشراكة عبر المحيط الهادئ" كإستراتيجية لإدماج الاقتصاد في تحالفات التجارة البينية في المنطقة.

أما عسكريا، فقد عملت أميركا على زيادة تواجدها العسكري في المنطقة، وتسعي الولايات المتحدة إلى إعادة توزيع أسطولها الحربي لتركيز جانب أكبر من المدمرات والغواصات وحاملات الطائرات في المحيط الهادئ، فبينما تنقسم هذه القوات مناصفة حاليا بين المحيطين الهادئ والأطلنطي، فإن إعادة التوزيع ستعني تركيز 60% من الأسطول في منطقة المحيط الهادئ في غضون الأعوام القليلة القادمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وزارة الدفاع الأميركية زادت من عدد المناورات المشتركة مع دول المنطقة، وأكثرت من زيارات سفن الأسطول الأميركي للموانئ الآسيوية، فعلى سبيل المثال، في الربيع الفائت أجرى الأسطول الأميركي مناورات واسعة مع الفلبين التي تعاني من منازعات حدودية مع الصين في بحر الصين الجنوبي. كما دعمت الولايات المتحدة صلاتها العسكرية بفيتنام والتي تعاني أيضا من نزاعات حدودية مع الصين. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قامت الولايات المتحدة بتدعيم تواجدها العسكري في قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبية ونشر مشاة البحرية الأميركية في غرب أستراليا. كما زادت الولايات المتحدة من التعاون في مجالات التصنيع العسكري وتبادل التكنولوجيا مع الهند. وكل ذلك جزء لا يتجزأ من مبدأ عسكري جديد للبنتاغون هو "المعركة الجو- بحرية" والذى ينصب على تكامل القوات البحرية والجوية بهدف ردع الصين أو أي عدو محتمل عن إعاقة العمليات العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ.

ثانيا: الأسباب والدوافع

يمكن القول بوجود مجموعة من الدوافع الاقتصادية والإستراتيجية لهذا المنحى في السياسة الخارجية الأميركية. فآسيا تعد قارة المستقبل، ويتوقع الخبراء أن تستحوذ على نحو 50% من النمو الاقتصادي الدولي خارج الولايات المتحدة. ولا شك أن للأزمة الاقتصادية أثرها في توجه الولايات المتحدة للتركيز على القارة الآسيوية. فالصين وبقية النمور الآسيوية قد حافظت على معدلات معتبرة للنمو الاقتصادي في مرحلة الكساد العالمي. وتمثل هذه الدول وغيرها في القارة فرصا تصديرية للشركات الأميركية. كما أن النمو الاقتصادي للهند يثير شهية دوائر المال والأعمال في الولايات المتحدة. فالهند اليوم تحتل المرتبة التاسعة في زمرة الاقتصاديات العشر الأضخم في العالم وهى مرشحة لتخطي إيطاليا في غضون عامين فقط. هذا النمو المتسارع في ثاني أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان يعنى إضافة عشرات الملايين للطبقة الوسطى التي قد تمثل طوق النجاة للشركات الأميركية التي تعانى من اشتداد حده التنافس داخليا وخارجيا.

وفى 2010 فاق مجموع صادرات الولايات المتحدة لآسيا مجمل صادراتها لأوروبا لأول مرة في التاريخ. وتشير إحصاءات التجارة الخارجية الأميركية إلى وجود 9 دول آسيوية ضمن قائمة الدول الخمس وعشرين الأولى من حيث التبادل التجاري مع الولايات المتحدة. وإذا ما استبعدنا الجارين كندا والمكسيك فإن الدول الآسيوية تحتل المراكز الأول والثاني والخامس في قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.

قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية عام 2011

الترتيب.........الدولة...............................الحجم الكلي (بليون دولار)

1............... كندا................................... 596
2............... الصين................................503
3.............. المكسيك..............................461
4............... اليابان................................195
5.............. ألمانيا.................................148
6.............. المملكة المتحدة....................107
7.............. كوريا الجنوبية.................... 100
8.............. البرازيل.............................. 75
9.............. فرنسا................................. 68
10........... تايوان................................. 67
11......... هولندا................................... 66
12.......... السعودية.............................. 61
13.......... الهند................................... 58
14.......... فنزويلا................................ 56
15......... سنغافورة.............................. 50
16......... إيطاليا.................................. 50
17......... سويسرا............................... 49
18......... بلجيكا.................................. 47
19......... أيرلندا.................................. 47
20.........روسيا.................................. . 43
21....... هونج كونج............................. 41
22....... ماليزيا................................... 40
23....... نيجيريا.................................. 39
24....... أستراليا................................. 38
25....... كولومبيا................................ 37

إجمالي الدول الخمس وعشرين...................3041.8
إجمالي التجارة الأميركية......................... 3688.3
النسبة المئوية للدول الخمس وعشرين........ 82.5%

أما من الناحية الإستراتيجية، فإن التنافس مع الصين يبدو جليا في خلفية هذا التوجه. وبسبب انغماس الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان فإن الصين قد تمكنت من تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في القارة. وقد أثارت سياسات بكين في بحري الصين الشرقي والجنوبي قلق حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وبصفة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية. وفى غياب دور أميركي بارز يعادل النفوذ الصيني، فإن الكثير من دول المنطقة ربما لا تجد مناصا من التسليم بواقع هيمنة الصين على إقليم شرق آسيا. وقد أثار هذا التوجه قدرا من الاستياء في الأوساط الصينية التي تعتبر أن الامتداد الأميركي في القارة يهدف إلى حرمان الصين من التوسع في مجالها الحيوي اللصيق وأنه نسخة معدلة لسياسة الاحتواء التي انتهجتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي خلال فترة الحرب الباردة. وبالإضافة إلى ذلك، فيبدو أن الولايات المتحدة قلقة من تنامي التعاون بين الدول الآسيوية واحتمال أن يؤدى ذلك إلى قيام كيان اقتصادي آسيوي عملاق تستبعد منه الولايات المتحدة. فالحكومة الأميركية تشعر بالقلق مثلا مما يعرف بآسيان+3.

فمنظمة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا بآسيان قد لجأت منذ الأزمة النقدية الآسيوية عام 1997 إلى تعميق التعاون مع كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية. ولا تخفي هذه الدول رغبتها في إنشاء منظمة شرق آسيا، على غرار منظمة التعاون الأوروبي التي كانت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي. جهود التكامل هذه تظهر رغبة الدول الآسيوية الحثيثة في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة. بل بدأ بعض السياسيين يرفعون شعارات سياسية "آسيا أولاً" التي تستبعد بالضرورة الدول غير الآسيوية وفى مقدمتها الولايات المتحدة. كما يلعب العامل الشخصي دوره في تعزيز التوجه الآسيوي للولايات المتحدة، فالرئيس باراك أوباما هو أول رئيس "آسيوي" للولايات المتحدة. فقد ولد في هاواي وهي أقرب الولايات لقارة آسيا، كما قضى أوباما جانبا من سنين النشأة الأولي في إندونيسيا. وبالطبع فقد كانت لهذه التجارب الذاتية تأثيرها في توجهات السياسة الخارجية. وبالإضافة لذلك، فقد أراد أوباما أن يأخذ الولايات المتحدة بعيدا عن تركيز سلفه الرئيس جورج بوش على منطقتي وسط وغرب آسيا.

ثالثا: الأثر على منطقة الشرق الأوسط

إن التوجه الإستراتيجي للولايات المتحدة شرقا يجيء على حساب اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها العالم العربي. وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تفسر تراجع التركيز الأميركي على المنطقة العربية. فالقضية الفلسطينية، وهى القضية المحورية في المنطقة، تبدو عصية على الحل، على الأقل في الأمد المنظور. فانقسام البيت الفلسطيني بين منظمة التحرير وحماس يثبت الادعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك يمكنه التفاوض باسم الشعب الفلسطيني. كما يبدو أن الرئيس أوباما ليس على استعداد لدفع الثمن السياسي المطلوب للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو. ويشير المحللون السياسيون في واشنطون إلى تأزم العلاقة بين واشنطون وتل أبيب نتيجة الخلاف بين أوباما ونتنياهو حول عملية السلام، هذا الخلاف الذي يعود إلى البدايات الأولى لجلوس الرئيس الأميركي في المكتب البيضاوي. وتشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني 2013 إلى إمكانية بقاء اليمين الإسرائيلي في الحكم لأعوام عدة. كما يبدو أن هناك قدرا من الإنهاك وفقدان الرغبة الأميركية في الانخراط في المنطقة.

ولم يعد البترول بمثابة الحافز الذي لا يمكن مقاومته لدفع الولايات المتحدة للاهتمام بالمنطقة. فإنتاج النفط الأميركي قد بلغ معدلات قياسية في 2012 ومرشح لمزيد من الارتفاع هذا العام. وقد مكنت تكنولوجيا الاستخراج المستحدثة شركات النفط الأميركية من زيادة الإنتاج بنحو 779000 برميل في اليوم قياسا على معدلات عام 2011. ووصل الإنتاج إلى معدل 6.4 مليون برميل في اليوم. وقد مكنت الزيادات المتوالية في الإنتاج مصحوبة بتراجع الاستهلاك المحلى الولايات المتحدة من تخفيض اعتمادها على استيراد النفط وبخاصة من الشرق الأوسط. ويشير الشكل التالي إلى تراجع أهمية النفط العربي في منظومة الطاقة الأميركية. فالواردات الأميركية من منطقة الخليج العربي لا تشكل أكثر من 16% من إجمالي الواردات. وهى أقل من واردات الولايات المتحدة من الجارتين المكسيك وفنزويلا.




خاتمة

على الرغم من كون معظم الخبراء الاقتصاديين والعسكريين الأميركيين لا يخفون تأييدهم لاهتمام الولايات المتحدة بالقارة الآسيوية في القرن الحادي والعشرين، فان هناك أصوات تحذر من كون هذه السياسة ستؤدى لدفع الصين لتبني سياسات عدائية ضد ما قد يسهل تسويقه باعتباره محاولة لتحجيم أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذا التوجه بما قد يخلقه من صراع مفتوح مع الصين ليس في مصلحة الولايات المتحدة حاليا أو في المستقبل. وفى الواقع فقد ردت الصين بتحدي مصالح الولايات المتحدة خارج منطقة شرق آسيا. ففي الوقت الذي صوتت الصين في مجلس الأمن الدولي بين عامي 2006-2010 لصالح فرض عقوبات على إيران فإن بكين هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بفرض عقوبات على صادرات إيران من النفط. وأكثر من ذلك عندما اتفقت الولايات المتحدة واليابان والدول الأوربية على فرض هذه العقوبات خارج إطار مجلس الأمن، قامت بكين بإبرام صفقات جديدة لشراء النفط الإيراني. وانحازت الصين للموقف الروسي المعارض لتوجه الولايات المتحدة بفرض عقوبات على دمشق. ويبدو أن إدارة أوباما على وعي بمخاطر هذا التوجه، ولهذا حرص كبار المسؤولين الأميركيين على التأكيد أن التوجه الآسيوي ليس موجها ضد بكين. وبالرغم من ذلك، فإنه من الواضح أن هناك ثمنا ينبغي على الولايات المتحدة دفعه لتبني مثل هذه السياسة الآسيوية، وليس مستبعدا أن تعيد إدارة أوباما ذاتها أو الإدارة اللاحقة النظر في هذه السياسة كلفةً ومضمونا في ضوء التغيرات في النظام الدولي عموما والتطورات في شرق وجنوب آسيا على وجه الخصوص. ولكن يظل التوجه الآسيوي أحد تغيرات السياسة الدولية الجديرة بالاهتمام والمتابعة في الأمدين القصير والمتوسط.
______________________________________
محمود حمد - أستاذ مساعد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعتي القاهرة (مصر) ودراك (الولايات المتحدة)

kumait 01-03-2013 05:29 PM

http://studies.aljazeera.net/Resourc...47548734_8.jpg
تقدر طوكيو أن الإنفاق العسكري الصيني تضاعف ثلاثين مرة ما جعل نظرية "الخطر الصيني" يتصدر اهتماماتها.
وتتخوف الصين من نجاح الحكومة اليابانية الجديدة في مساعيها لتغيير الدستور السلمي للبلاد فتعيد تسليح نفسها وتصبح قوة عسكرية عظمى

الملفات الساخنة في العلاقات اليابانية الصينية
عبد الرحمن المنصوري

شهدت العلاقات الصينية-اليابانية تغيرات عميقة منذ تطبيع العلاقات بينهما سنة 1972 برعاية أميركية. وقد تعرضت هذه العلاقات لهزات كثيرة مع بداية القرن الحادي والعشرين. وأدى تجدد النزاع على جزر سنكاكو/دياويو الواقعة في بحر الصين الشرقي إلى صعود الخلافات بين البلدين إلى الواجهة. وبالرغم من التوتر الكبير الذي يطبع العلاقات بين البلدين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، فإن العلاقات الاقتصادية بينهما ما زالت متينة، بعد ارتفاع الحجم التجاري والزيادة الكبيرة في الاستثمارات بين البلدين.

أما على الصعيد العسكري فيسود مناخ من عدم الثقة بين الجارين؛ ذلك أن اليابان تعبّر باستمرار عن مخاوفها من عمليات التحديث الواسعة التي تجريها الصين الشعبية على جيشها ومستويات الإنفاق العسكري العالية. في حين تتوجس الصين من احتمال تخلي اليابان عن توجهاتها السلمية التي اتبعتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتُعيد تسليح نفسها من جديد.

في أسس العلاقات بين البلدين: ترابط اقتصادي وتنافس عسكري

علاقات اقتصادية وتجارية مترابطة

اتبعت الصين منذ أواخر القرن الماضي إستراتيجية آسيوية تعتمد على التعاون الاقتصادي والابتعاد عن التنافس الإستراتيجي والمواجهة مع جيرانها. وكان الهدف من ذلك هو الحفاظ على مناخ إقليمي ودولي سلمي ومستقر يسمح لها بالتركيز على مشاكلها الداخلية ومواصلة نموها الاقتصادي، ويسمح أيضًا بتدفق رؤوس الأموال والسلع بينها وبين شركائها. وهكذا خلقت الصين مجالاً اقتصاديًا تقوم فيه بالدور المحوري، وكنتيجة لذلك تطورت العلاقة الاقتصادية بين الصين واليابان بشكل كبير خلال العقد الماضي. وبحلول سنة 2007، أصبحت الصين أكبر شريك اقتصادي لليابان، وفي سنة 2011 بلغ الحجم التجاري بينهما حوالي 345 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من التجارة الخارجية للصين، و21% من الحجم التجاري الكلي لليابان، ويزيد حجم الاستثمارات اليابانية في الصين عن 12 مليار دولار سنة 2011، أي ما يعادل 11% من الاستثمارات اليابانية في الخارج، ليصل حجم الاستثمارات اليابانية المتراكمة في الصين منذ 1996 إلى 83 مليار دولار.

ويدل هذا على أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين أصبحت متداخلة ومتينة جدًا. وهكذا أصبح البلدان يعتمدان على بعضهما في الاستيراد والتصدير والاستثمار وخلق الفرص التنموية. وتستورد الصين المنتجات نصف المصنعة والآليات والمعدات عالية التكنولوجيا التي تُعتبر حيوية لقطاعها الصناعي وتمكنها من تصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية خصوصًا أوروبا والولايات المتحدة. ونقلت الشركات اليابانية الصناعات التي تعتمد على اليد العاملة بكثرة إلى الصين لتجعل منها قاعدة صناعية للشركات اليابانية، وقد ساعدها ذلك كثيرًا في الحفاظ على تنافسيتها على المستوى العالمي. ويعمل ما يزيد عن 23,000 شركة يابانية في الصين وتوفر ما يزيد عن 10 ملايين فرصة عمل. وتعتبر الصادرات إلى الصين مهمة بالنسبة لليابان التي عانت من مشاكل اقتصادية كثيرة في العقدين الأخيرين؛ حيث توفر السوق الصينية، التي ستصبح أكبر سوق استهلاكية في العالم في غضون سنوات، سوقًا كبيرة جدًا للمنتجات اليابانية.

التنافس العسكري والمعضلة الأمنية بين البلدين

إذا كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين قد بلغت مستويات عليا من الترابط والتداخل، فإن السمات الأساسية للعلاقات بينهما على الصعيد العسكري هي التنافس وعدم الثقة وتشكيك كل طرف في نوايا الطرف الآخر، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود إرث من التوتر بين البلدين ناتج عن الماضي الاستعماري للإمبراطورية اليابانية الذي شمل معظم شرق آسيا.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تسابق الصينُ الزمنَ لتطوير قدراتها العسكرية وخصوصا البحرية منها. وكان الهدف الأساسي المعلن من طرف الأوساط الرسمية الصينية هو حماية أمنها ووحدتها الترابية ومصالحها الحيوية وخطوطها البحرية وخطوط إمدادات الطاقة. وبعد حوالي عقدين من التحديث والتطوير أصبحت الصين أكبر قوة بحرية في آسيا، وتتوفر على ثلاثة أساطيل، هي: أساطيل البحر الشمالي والبحر الجنوبي والبحر الشرقي. وتملك الصين 27 مدمرة و51 فرقاطة و27 سفينة إنزال كبيرة و54 أخرى صغيرة، وأكثر من 200 قارب سريع. كما تملك الصين أسطولاً من الغواصات هو الأكبر في آسيا ويتكون من 8 إلى 10 غواصات تعمل بالطاقة النووية و48 تعمل بالديزل. وشملت عمليات التطوير أسلحة أخرى، مثل الصورايخ العابرة للقارات، والصورايخ المضادة للسفن وللغواصات، وأنظمة الاستطلاع البحري، وصورايخ أرض-جو، وطائرات من دون طيار. وتعمل الصين أيضًا على تطوير صناعاتها العسكرية الداخلية؛ حيث أدخلت الصين للخدمة طائرات متطورة محلية الصنع من نوع جي10 ابتداء من 2006، لتتبعها بعد ذلك بنوع جي31 الشبح. وحققت الصين تقدمًا كبيرًا في الصناعات الفضائية بتطويرها لأقمار اصطناعية عسكرية تُستعمل للاتصالات والمراقبة والملاحة. كما طورت الصين صواريخ محلية مضادة للأقمار الاصطناعية ASAT. وفي سنة 2011 بدأت الصين في تجريب أول حاملة طائرات لها. وجاءت الورقة البيضاء للدفاع التي نُشرت في 2011 لتؤكد أن "القوة الوطنية الشاملة للصين قد دخلت مرحلة جديدة"، وأن الجيش الصيني حقّق تقدمًا كبيرًا بفعل عمليات التحديث الأخيرة. غير أن الصين تردد باستمرار أنها ملتزمة بنهج سياسة عسكرية دفاعية هدفها الأساسي حماية "صعودها السلمي" إلى مصاف القوى العظمى.

أدت هذه التطورات إلى إثارة الكثير من المخاوف لدى الجار الياباني الذي بدأ يتساءل عن نوايا الصين التي بنت إستراتيجيتها الآسيوية على أساس "التنمية السلمية"، لكنها تعمل على بناء قدراتها العسكرية بالتوازي مع ذلك؛ مما جعل نظرية "الخطر الصيني" تكتسب أهمية عند صنّاع القرار في اليابان، وترَسَّخت لديهم قناعة بأن الإنفاق العسكري الصيني سيتزايد مع نمو قوتها الاقتصادية. وعبّرت اليابان أيضًا عن مخاوفها من الإنفاق العسكري الصيني الذي ارتفع بشكل لافت في السنوات الأخيرة. وتقدّر اليابان أن الإنفاق العسكري الصيني تضاعف ثلاثين مرة خلال الأربع والعشرين سنة الماضية، وتجاوز في سنة 2011 حاجز المائة مليار دولار لأول مرة. وإذا استمر الإنفاق العسكري الصيني على هذه الوتيرة فإنه سيتجاوز نظيره الأميركي بحلول 2035.

ولمواجهة ما تعتبره تهديدًا صينيًا وتهديدات أمنية أخرى بدأت اليابان تعيد التفكير في دور قواتها العسكرية؛ فبعد التجربة الصاروخية التي قامت بها كوريا الشمالية عام 1998، بدأت اليابان في تطوير نظام الدفاع الصاروخي البالستي DMB بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي مارس/آذار من 2006، اختبرت اليابان بنجاح صاروخًا بحريًا اعتراضيًا متطورًا من نوع SM-3، وبالرغم من أن اليابان أعلنت أن هدفها هو التصدي للصواريخ الكورية الشمالية فإن هذه الأسلحة يمكن أن تحد من القدرة الصاروخية للصين. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أرسلت اليابان، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، عددًا من أفراد الجيش الياباني (قوات الدفاع الذاتي) إلى أفغانستان والعراق، وبالرغم من أن دور هذه القوات لم يكن قتاليًا، إلا أن العديد من المراقبين رأوا فيه تغيرًا رمزيًا في العقيدة العسكرية اليابانية. وفي سنة 2009 أرسلت اليابان مدمرتين للمشاركة في محاربة القرصنة في خليج عدن، كما خففت اليابان مؤخرًا من الحظر الذي تفرضه على صادراتها العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك فإن البحرية اليابانية ستتزود بمعدات قتالية مهمة أهمها طائرات الدورية البحرية من نوع "كاوازاكي بي-1"، وحاملة هيليكوبتر من نوع22DDH ، ومدمرة مضادة للغواصات، وتحديث أنظمة قيادة وسيطرة واتصالات وحاسبات واستخبارات ومراقبة واستطلاع C4ISR. هذه التطورات أثارت مخاوف الصين، لكن ما يخيفها أكثر -وهي مخاوف يتقاسمها العديد من دول الجوار مع الصين- هو أن تنجح الحكومة اليابانية الجديدة في مساعيها لتغيير الدستور السلمي ثم تستغل بعد ذلك قدراتها الصناعية والتكنولوجيا المتطورة جدًا لتعيد تسليح نفسها وتصبح قوة عسكرية عظمى.

تعتبر اليابان أن توجهاتها نحو تعزيز قدراتها العسكرية أمر طبيعي وأنه تأخر كثيرًا، في حين ترى الصين أن تحديث قواتها العسكرية وتطويرها وزيادة نفقاتها العسكرية، أمر طبيعي أيضًا، لأنها تحتاج قوة عسكرية مناسبة لقوتها الاقتصادية. ومع إصرار كل طرف على المضي قدمًا في تطوير قدراته العسكرية باعتباره أمرًا طبيعيًا، أصبح البلدان يواجهان معضلة أمنية حقيقية تزيد من تعقيد علاقاتهما العسكرية؛ فكل إجراء تتخذه الصين لتعزيز قدراتها الدفاعية يزيد من درجة التهديدات الأمنية المحدقة باليابان والعكس صحيح.

الملفات الساخنة بين البلدين

منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت العلاقة بين الصين واليابان تشهد بين الفينة والأخرى توترًا حول القضايا العالقة بينهما. ويتلخص أهم هذه القضايا في:

أ- النزاع حول جزر سنكاكو/ دياويو

تقع هذه الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، وهي عبارة عن ثماني جزر صخرية غير مأهولة تسميها اليابان "سنكاكو" وتُعرف في الصين باسم "دياويو". يتراوح الاحتياطي النفطي في هذا البحر بين 60 و100 مليون برميل من النفط، في حين يوجد احتياطي مهم من الغاز الطبيعي يتراوح بين 1 و2 تريليون قدم مكعب، حسب تقديرات إدارة المعلومات حول الطاقة (EIA) التابعة للحكومة الأميركية، بينما تقول المصادر الصينية بأن الاحتياطي النفطي يتراوح بين 70 و160 مليون برميل، ويحوي هذا البحر أيضًا ثروات معدنية مهمة مثل الأحجار المرجانية الثمينة والزركون والذهب والتيتانيوم والبلاتين. بالإضافة إلى وجود هذه الثروات الطبيعية فإن للجزر قيمة إستراتيجية للبلدين معًا بفعل موقعها الإستراتيجي؛ فالسيادة على هذه الجزر ستسمح لليابان أو الصين بالمطالبة باستغلال 40,000 كيلومتر مربع من المياه المحيطة بها باعتبارها منطقة اقتصادية خالصة، كما يمكن استغلال الجزر عسكريًا؛ فالصين تخشى أن تقيم اليابان نظم استطلاع جوية وبحرية تضع الخطوط البحرية والجوية في المنطقة وفي مناطق صينية مثل "وينزهو" و"نينغ بو" تحت المراقبة المباشرة لليابانيين، ويرى الصينيون في هذا تهديدًا أمنيًا وعسكريًا خطيرًا.

http://studies.aljazeera.net/Resourc...35377734_2.jpg
جزر "دياو يو داو" حسب الاسم الصيني وجزر "سنكا كو" كما تسميها اليابان، أحد أهم الملفات الساخنة بين البلدين (رويترز-أرشيف)

الجزر تابعة فعليًا للإدارة اليابانية، لكن الصين تطالب بها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. وتقول الصين إن الجزر تقع تحت سيادتها بناء على الحقائق التاريخية؛ فالجزر كانت تابعة للصين منذ القدم، وظهرت على الخرائط كجزء من الأراضي الصينية ابتداء من عهد أسرة "مينغ" 1368-1644، كما توجد كتب تتحدث عن تبعية هذه الجزر للصين يعود تاريخها إلى 1424، أي ما يزيد عن أربعة قرون من التاريخ الذي اكتشفت فيه اليابان هذه الجزر (1884). وبعد انتصار اليابان في الحرب الصينية اليابانية الأولى سنة 1895، تنازلت الصين حينها عن سيادة هذه الجزر بالإضافة إلى جزيرة تايوان لصالح اليابان بموجب اتفاقية "شيمونوسكي". وبعد هزيمة اليابان تمت إعادة هذه الجزر إلى الصين وفقًا لإعلان القاهرة سنة 1945، وفي 1951 ألحقت الولايات المتحدة سنكاكو/دياويو بالإدارة المدنية التي أقامتها في جزيرة "أوكيناوا" بموجب اتفاقية سان فرانسيسكو، وفي سنة 1972 سلّمت الولايات المتحدة "أوكيناوا "والجزر الملحقة بها إلى اليابان بالرغم من اعتراض كل من تايوان والصين.

من جهة أخرى، تحاجج اليابان بأنها صاحبة السيادة بناء على حقائق تاريخية أيضًا؛ فالجزر –حسب وجهة نظر اليابان- جزء لا يتجزأ من جزر "نانسي" "شوتو" اليابانية، وأصبحت، ابتداء من سنة 1884، جزءًا من أراضيها بعد المسح الذي أجرته مقاطعة "أوكيناوا". وتضيف اليابان: إنه لا توجد أية آثار تدل على تبعيتها لمملكة أسرة "تشينغ" الصينية، وتنفي أن تكون جزر سنكاكو/دياويو تابعة لجزيرة تايوان أو جزر "بيسكادوريس" التي تنازلت عنها الصين لصالح اليابان سنة 1895؛ فالحكومتان الصينية والتايوانية طالبتا بهذه الجزر بعد أن أظهرت دراسة أجرتها الأمم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي احتمال توفر المنطقة على إمكانيات مهمة من الطاقة.

تتعدد الأسباب التي أدت إلى إثارة النزاع حول الجزر، وتتلخص أهمها في: التغيرات الهيكلية التي تشهدها المنطقة وتغير ميزان القوى بين البلدين لصالح الصين، وتنامي نزعات التعصب القومي والمشاعر الوطنية في البلدين، وعودة اليمين المحافظ في اليابان، واكتساب الصين لمزيد من الثقة بفعل عقود من النمو الاقتصادي الكبير.

أصبح النزاع حول هذه الجزر الصغيرة، في السنوات الأخيرة، المصدر الرئيسي للتوتر في العلاقة بين الصين واليابان، وساءت العلاقة بشكل كبير بين البلدين بعد قرار الحكومة اليابانية القاضي بشراء ثلاثة من الجزر الخمسة وتأميمها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. ويبدو أن التصعيد سيبقى سيد الموقف بعد وصول "شينزو آبي" للحكم، خصوصًا وأن حزبه -الحزب الليبرالي الديمقراطي- تعهد خلال حملته الانتخابية بتعزيز القدرات العسكرية اليابانية لمواجهة المواقف العدائية للصين في بحر الصين الشرقي، وتطوير عمليات الصيد في جزر سينكاكو/دياويو. هذا بالإضافة إلى أن البلدين أغلقا باب التفاوض وينفيان وجود نزاع حول الجزر ويتمسك كل طرف بحقه السيادي دون تقديم أي تنازل أو محاولة لإيجاد أرضية مشتركة للحوار.

ب- الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية

بالإضافة إلى الجزر، يختلف البلدان حول قضيتين بحريتين:

· القضية الأولى تتمحور حول ترسيم وامتداد الحدود البحرية لكل بلد داخل بحر الصين الشرقي، وقد نتج النزاع عن تباين في تأويلات البلدين لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. فقد اقترحت اليابان ترسيم الخط البحري بين البلدين استنادًا على المادة 57 من قانون البحار التي تنص على أن المنطقة الاقتصادية الخالصة لبلد ما لا تتجاوز 200 ميل بحري]، وبما أن عرض البحر بين البلدين لا يتجاوز 400 ميل بحري، فإن اليابان رسمت من جانب واحد خطًا حدوديًا على مسافة متساوية من ساحلي البلدين، وهو ما رفضته الصين. هذه الأخيرة طالبت بترسيم حدودها وفقًا للمادة 76 فقرة 5 أي على أساس مبدأ "الامتداد الطبيعي لجرفها القاري" وهو ما سيسمح للصين باستغلال منطقة ممتدة على مسافة 350 ميل بحري؛ وهي المسافة التي يمتد عليها جرفها القاري. وفي سنة 2008، توصل البلدان، بعد 12 جولة من المحادثات، إلى اتفاق يقضي بتطوير مشترك لمنطقة بحرية تمتد على جانبي الخط الذي رسمته اليابان وتضم حقل الغاز والنفط "لونغ جينغ" أو "أسونارو" وفقًا للتسمية اليابانية، ومشاركة اليابان في تطوير الحقل الغازي "تشون شياو"/"شيراكابا"، لكن هذا التعاون لم يحقق أي تقدم يُذكر. وفي 2009، بدأت الصين في تطوير حقل "تيان ويتين"/"كاشي"، من جانب واحد باعتباره يدخل ضمن الحدود البحرية للصين؛ مما أثار احتجاج اليابان. وفي سنة 2010، توقفت المحادثات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بعد الأزمة السياسية التي تسبب بها اصطدام قارب صيد صيني بسفينة لخفر السواحل اليابانية بمحيط جزيرة سنكاكو/دياويو، لتعود الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية إلى نقطة الصفر.

· أما القضية الثانية فتتعلق بـ "أوكينو توريشيما"، وهي شعاب مرجانية تقع على مسافة 1100 ميل شرقي طوكيو. ولا تدعي الصين سيادتها على هذه الشعاب، لكنها ترفض استعمالها من طرف اليابان للمطالبة بمنطقة اقتصادية خالصة في غرب المحيط الهادي لأن الصين تعتبرها مجرد صخرة وليست جزيرة.

ج- الاختلافات في الكيفية التي يرى بها كل طرف الماضي الاستعماري لليابان

الخلاف حول الجرائم التي ارتكبتها اليابان إبان حروبها السابقة يشكّل نقطة سوداء بين البلدين ودفع بعلاقاتهما نحو التوتر في غير ما مرة؛ ففي الفترة الممتدة بين 2001 و2006، ساءت العلاقة بين البلدين بسبب صعود الخلافات حول التاريخ الاستعماري لليابان إلى الواجهة. وأثارت الزيارات المتكررة التي قام بها رئيس الوزراء "كيوزومي" لضريح "ياسوكوني" -الذي يضم رفات العديد من مجرمي الحرب العالمية الثانية- ردود فعل صينية غاضبة على المستويين الشعبي والرسمي وساءت العلاقة بين البلدين بشكل كبير. ورأت الصين أن الزيارات تدل على عودة اليمين الياباني إلى الحياة السياسية حينها. وفي نفس الفترة تأزمت العلاقة بين البلدين بسبب نشر كتب مدرسية، ارتأت الصين أنها تحوي الكثير من المغالطات اليابانية المتعمدة لتزوير الحقائق التاريخية. فقد ذكرت الكتب المدرسية في إطار حديثها عن مجزرة "نانكينغ" التي حدثت سنة 1937 أن "العديد من الأشخاص قد قُتِلوا"، في حين تتحدث كتب التاريخ عن مجزرة بشعة ذهب ضحيتها 300,000 صيني.

وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، شهدت الصين احتجاجات كبيرة شملت مدنًا عدة واستهدف المتظاهرون العديد من الشركات اليابانية، بسبب حلول ذكرى حادث "موكدن" (18سبتمبر/أيلول 1931)، أسبوعًا واحدًا فقط بعد شراء الحكومة اليابانية لثلاثة من الجزر المتنازع عليها. وقد طفت قضية زيارة ضريح "ياسوكوني" إلى السطح مرة أخرى؛ حيث ذكرت تقارير صينية أن "شينزو آبي" عبّر لوسائل إعلام محلية عن أسفه الشديد لعدم زيارته الضريح خلال فترة حكمه السابقة. وفي حالة قيام "آبي" بالزيارة فإن العلاقات الثنائية ستعرف تدهورًا أشد.

وترفض أغلبية كبيرة من الطبقة السياسية اليابانية الانتقادات التي توجهها الصين لليابان، تتهم فيها هذه الأخيرة بأنها لم تعتذر بصورة صحيحة عن جرائمها التي ارتكبتها في الصين؛ فهذه الأخيرة تؤكد أن الاعتذار يتناقض مع الزيارات التي قام بها المسؤولون اليابانيون لضريح "ياسوكوني" والكتب المدرسية التي تنفي جرائم الحرب اليابانية. في حين تؤكد اليابان أنها اعتذرت بطريقة لائقة وأنها تعبت من كثرة الاعتذار، وأن الهدف الرئيسي من إثارة هذا الموضوع من طرف الصين هو الدفع باليابان من دورها الريادي إلى وضعية ثانوية في إطار الصراع حول الزعامة في منطقة شرق آسيا. وهكذا يستمر الماضي الاستعماري في مطاردة اليابان وإثارة التوتر مع الصين ودول الجوار الأخرى ما لم تُصَفّ اليابان كل الملفات العالقة منذ الحرب العالمية الثانية.

تداعيات النزاع على الجزر

كانت الصين -ولا تزال- تؤكد من خلال إستراتيجيتها الإقليمية أنها تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي بشكل سلمي وذلك للتخفيف من مخاوف جيرانها بخصوص نوايا الصين المستقبلية. فإذا اختارت الصين اتخاذ موقف متصلب من النزاع أو محاولة حسم النزاع عسكريًا فإنها ستثير مخاوف الدول التي تتنازع السيادة مع الصين على مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي والدول الأخرى مثل الهند التي لها مشاكل حدودية مع الصين. كما أن الحل العسكري قد يجر الولايات المتحدة إلى براثن النزاع؛ فالولايات المتحدة أكدت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خلال مؤتمر صحفي عُقد عقب انتهاء لقائها مع وزير خارجية اليابان "فوميو كاشيدا" في 18 يناير/كانون الثاني2013، أن الجزر المتنازع عليها تقع تحت السلطة الإدارية لليابان وبالتالي فهي تدخل في إطار الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان.

من جهتها تحاول اليابان، في السنوات الأخيرة، إعادة التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة وعلاقاتها مع الجوار الآسيوي من جهة أخرى، عبر التركيز على بناء تجمع شرق آسيا East Asian Community؛ ففي سنة 2008، قدّم الحزب الديمقراطي الياباني "رؤية أوكيناوا" التي دعت إلى نقل القاعدة الأميركية خارج "أوكيناوا" أو حتى خارج اليابان. وعندما وصل الحزب إلى الحكم بقيادة "يوكيو هاتوياما" سنة 2009، رفض تجديد فترة عمل السفن الحربية اليابانية في المحيط الهندي ضمن الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان، وصرّحت الحكومة ضمنيًا بأن نشر جنود يابانيين بالخارج لن يكون بناء على طلب أميركي، بل وفقًا للمصالح الوطنية، غير أن النزاع مع الصين غيّر توجهات اليابان وألقى بها مرة أخرى في أحضان الولايات المتحدة، ومنحها فرصة بناء العلاقات الأمنية مع اليابان-بعد التصدعات التي عرفها التحالف بين اليابان والولايات المتحدة عقب انتهاء الحرب الباردة- وتحويلها إلى حليف إستراتيجي لمواجهة الصعود الصيني.

لقد دفع النزاع حول هذه الجزر اليابان إلى تغيير جذري في إستراتيجية الدفاع الوطني؛ فبعد تراجع دور اليابان عالميًا بفعل سنوات من التباطؤ الاقتصادي وتخوفها من تأثير الأزمة المالية في أميركا على الدور الأمني الذي تلعبه أميركا في منطقة شرق آسيا، بدأت اليابان في بناء قدراتها العسكرية بشكل تدريجي، وتطوير علاقاتها الأمنية والعسكرية مع دول مثل الهند وأستراليا، وبناء علاقات عسكرية مع الدول التي تشارك اليابان مخاوفها تجاه الصين. وتدخل في هذا الإطار إستراتيجية "الماسة الديمقراطية الأمنية" التي تحاول اليابان عبرها احتواء الصين. فقد عبّر "آبي" بصراحة شديدة عن رفضه لتحول بحر الصين الشرقي إلى بحيرة صينية ورغبته في إنشاء "عقد أمني ديمقراطي"، يضم اليابان والهند وأستراليا وولاية هاواي الأميركية، من أجل حماية حرية الإبحار عبر المحيطين الهندي والهادي كما خففت الحكومة اليابانية من الحظر التي تفرضه على تصدير الأسلحة إلى الخارج منذ 1967، مما سيسمح لصناعاتها الدفاعية بتطوير مشاريع مشتركة مع الدول الأجنبية. وتخطت اليابان، في السنة الماضية، عتبة مهمة في إطار تحول إستراتيجيتها الدفاعية عندما قدمت معونات عسكرية بقيمة مليوني دولار لكل من كمبوديا وتيمور الشرقية، وهذه أول مساعدات عسكرية تقدمها اليابان للخارج منذ الحرب العالمية الثانية. وتحاول الحكومة الجديدة مراجعة دستور البلاد السلمي الذي يُعمل به منذ 1947 وإدخال تعديلات عليه تسمح لها بالمشاركة بلعب دور أمني أكبر على المستوى الدولي، وبالتالي مواجهة القوة الصينية المتنامية بشكل سريع.

وفي ظل استمرار التوتر، تأثرت العلاقات الاقتصادية المتميزة بين ثاني وثالث أكبر اقتصادين عالميين؛ فقد انخفضت مبيعات السيارات اليابانية في الصين بشكل حاد في الأسابيع الأولى بعد اندلاع التوتر في 11 سبتمبر/أيلول من العام الماضي وأغلقت العديد من الشركات اليابانية مصانعها في الصين، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول تواصل انخفاض الصادرات اليابانية إلى الصين للشهر الخامس على التوالي ليبلغ الانخفاض 11,6%، وتعرضت صادرات السيارات إلى انخفاض هو الأكبر منذ 11 سنة، وفي حالة اندلاع حرب تجارية شاملة بين البلدين لن يكون هناك طرف رابح؛ فالعلاقات التجارية بين البلدين جد مترابطة ومحاولة فسخها قد تتسبب في جر الاقتصاد العالمي الهش إلى الهاوية.

خاتمة

يمثل بحر الصين الشرقي منطقة إستراتيجية حيوية، ليس للصين واليابان فقط بل للولايات المتحدة وكوريا أيضًا، ويبدو أن الأسباب الداخلية (مرحلة انتقال السلطة من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس في الصين، وعودة "شينزو آبي" إلى هرم السلطة اليابانية بأجندة متشددة تجاه الصين) إضافة إلى أسباب جيوإستراتيجية (الأهمية الإستراتيجية لبحر الصين الشرقي مع تغير مركز الثقل الاقتصادي العالمي إلى شرق آسيا، وتحويل الولايات المتحدة لتركيزها إلى منطقة آسيا-الباسيفيك، ووجود موارد طبيعية متنوعة وهائلة في هذا البحر)، تدفع كل طرف إلى التشبث بمواقفه والامتناع عن تقديم أية تنازلات؛ مما يؤشّر على أن فرص تسوية الخلاف قليلة وأن الخلاف سيستمر بين البلدين لمدة طويلة، غير أن تشابك المصالح الاقتصادية بين البلدين وأهمية المنطقة للولايات المتحدة قد يحول دون تحول النزاع بين اليابان والصين إلى مواجهة مسلحة، ولو في المنظور القريب على الأقل.
___________________________________________
عبد الرحمن المنصوري - باحث في الشؤون الأسيوية

kumait 02-03-2013 05:11 PM

القواعد العسكرية الأميركية وتطويق إيران
 

القواعد العسكرية الأميركية وتطويق إيران
بقلم : د. هيثم مزاحم 25 أيلول 2012

تتمتع القوات الأميركية من سلاح جو وبحرية ومشاة البحرية بوجود في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة إلى الجنوب من إيران، وتركيا وإسرائيل إلى الغرب، وتركمانستان وقيرغيزستان في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للولايات المتحدة شراكات وثيقة عسكرية مع جورجيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، حيث تشارك القوات الأميركية في مهمات تدريبية، تستخدم فيها المرافق المحلية في نقل الإمدادات عبر بحر قزوين نحو أفغانستان.

بيروت/البديع ـ تحتفظ القوات الأميركية بنحو 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 130 دولة من دول العالم، تتنوّع مهامها المعلنة من القيام بالواجبات العسكرية المباشرة أو أعمال الدعم والإسناد اللوجستي أو القيام بعمليات "حفظ السلام" تحت مظلة الأمم المتحدة. وخلال العقدين الأخيرين، كسبت القوّات لأميركية قواعدَ عسكريّة أكثر من أيّ وقت مضى في التاريخ.

يقول تشالمرز جونسون، أبرز مؤرّخ عسكري أميركي، في هذا الصّدد: "إنّ جيشنا ينشر أكثر من نصف مليون جندي وجاسوس وتقني ومعلم وموظّفين ومتعاقدين مدنيّين في أمم (أو دول) أخرى، من أجل الهيمنة على محيطات العالم وبحارِه، فقد أنشأنا نحو ثلاث عشرة قوّة بحريّة على متن حاملات الطّائرات التي تحمل أسماء تلخّص إرثنا الحربي.. ندير العديد من القواعد السرّية خارج أراضينا لمراقبة ما تقوم به شعوب العالم، بمن فيهم مواطنونا، وما يقولونه وما يرسلونه بالفاكس أو البريد الالكتروني إلى بعضهم البعض. الحرب على الإرهاب ليست أكثر من شعار.. فالولايات المتّحدة ترفعه كي تخفيَ طموحها الإمبريالي. لكن الحرب على الإرهاب هي في أفضل حالاتها جزءٌ صغير من الأسباب التي تقف وراء كل تخطيطنا العسكري. فالسّبب الحقيقي لبناء هذه الحلقة من القواعد الأميركية على مدار خطّ الاستواء هو لتوسيع إمبراطوريّتنا وتعزيز هيمنتنا العسكريّة على العالم".

أما الباحث العراقي الكردي عثمان علي فيقول في كتابه "مستقبل العلاقات الأميركية ــ الكردية: هل تصبح كردستان مستعمرة أميركية؟" الصادر عام 2009: "إنّ وسائل الإعلام تنقل لنا فقط قصصاً عن هذه الإمبراطوريّة الأميركية كتلك التي تتحدّث عن تحرير الجنود الأميركيّين للنّساء الأفغانيّات من الأصوليّة الإسلاميّة، ومساعدتهم لضحايا الكوارث الطبيعيّة في الفلبين، أو حماية البوسنيّين والكوسوفيّين أو الأكراد العراقيّين من التّطهير العرقي، ولكن ليس الأمر نفسه بالنسبة إلى الرّوانديّين والأكراد الأتراك والفلسطينيّين الذين يتعرّضون لنفس التّطهير العرقي من حلفاء أميركا".

ويذهب الباحث عثمان علي إلى أنّه استناداً إلى أداء الحكومات الأميركيّة في الكثير من البلدان التي تمّ غزوها، فإن الولايات المتّحدة لن تتخلّى عن أيّ منها من دون الحصول على موطئ قدم دائم فيها. ويذكر مثالاً على ذلك خليج غوانتانامو في كوبا بعد الانتصار في الحرب الأميركية ــ الإسبانية في العام 1898، وكذلك مثاليْ ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية، والفلبين بعد الغزو الأميركي، وكوريا بعد الحرب الكورية، والخليج [الفارسي] بعد حرب عام 1991. ففي كلّ واحدة من هذه المناطق كان ينجم عن الانتصار العسكري الأميركي، إنشاء قواعد أميركية عسكريّة دائمة ذات أهداف بعيدة المدى.

وكتب الخبير الياباني ماساماتشي س. آينوي يقول: "الجيش الأميركي هو مؤسّسة عالميّة مرنة، تتكوّن من طبقة من المنظّمات المحليّة والقوميّة والفوق قوميّة.. فهو يحافظ على قواعد في تسعة وخمسين بلداً على الأقلّ وله قدرةٌ ضخمة على دخول الحياة المحليّة والـتأثير فيها وحتّى تشكيلها في العديد من زوايا العالم..".

من جهته، عبّر المؤرّخ العسكري الأميركي تشالمرز جونسون عن مخاوفَ مماثلة من دوافع القواعد الأميركية في الخارج، مؤكّداً أنه مهْما كان السّبب الأصلي لدخول الولايات المتّحدة إلى بلاد ما وإقامة قاعدة عسكريّة فيها، فإنها تبقى فيها لأسباب إمبرياليّة استعمارية تتعلّق بالهيمنة الإقليميّة أو الدّولية، ومنع وصول المنافسين إلى مناطقَ معيّنة، وفتح الطريق للشّركات الأميركية، والحفاظ على الأمن والاستقرار أو المصداقيّة كقوّة عسكريّة، وقوّة الاستمرار.

وفي عرضه لواقع تجارب القواعد الأميركيّة في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، يذكر الباحث عثمان علي أمثلةً عن المفاسد الناتجة عن هذه القواعد، بدءاً من التلوّث البيئي النّاجم عن وجود طائرات ضخمة (بي 52) وأسلحة معيّنة، إلى ظاهرة الفساد والعلاقات الجنسيّة غير الشّرعية والتي تسفر عن حمل فتيات كثيرات وإنجابهنّ لأطفال غير شرعيّين وترك الجنود الآباء لأطفالهم وإنكارهم لهم. وفضلاً عن ظاهرتيْ الاغتصاب ونشر الجنود الأميركيين للمخدّرات، ثمّة ظاهرة سلبيّة أخرى هي كذب الادّعاء الأميركي بأنّ هذه القواعد ستعزّز الديمقراطية في الدّول المضيفة. ففي هذه النّماذج الثلاثة، اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، كانت الولايات المتحدة وقوّاتها العسكريّة تدعم الحكومات الديكتاتورية في هذه الدول (حكومة جزيرة أوكيناوا الدكتاتورية في اليابان، حكومة ماركوس في الفلبين، وتعميق الانقسام بين الكوريّتين في كوريا الجنوبية).

الوجود الأميركي في الشرق الأوسط

نشرت وكالة الصحافة الفرنسية(فرانس برس) قبل أيام تقريراً عن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط قالت فيه إن القوات العسكرية الأميركية الخاضعة للقيادة المركزية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، قد أعادت انتشارها منذ الانسحاب من العراق نهاية العام 2011، في ظل توترات متزايدة مع الجمهورية الإسلامية في ايران بسبب الخلاف حول برنامجها النووي.

وذكرت الوكالة أن الأميركيين يملكون 180 ألف جندي في المنطقة الخاضعة للقيادة المركزية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بينهم 71 الفاً في أفغانستان و20 الفاً على متن بوارج حربية، وذلك بحسب وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون). وتنقسم هذه القوات الأميركية إلى قوات بحرية وجوية وبرية. وتتجسد القوات البحرية في حاملات الطائرات والأساطيل المتواجدة في مياه الخليج [الفارسي] وبحر العرب والبحر الأبيض المتوسط.

وحالياً تبحر حاملة الطائرات الأميركية "يو اس اس ايزنهاور" في المنطقة، وهي حلت في شمال بحر العرب مكان حاملة الطائرات "يو اس اس ابراهام لينكولن" التي عادت الى الولايات المتحدة مطلع آب/اغسطس الماضي(2012)، على أن تلتحق بها قريباً حاملة طائرات أخرى هي "يو اس اس جون ستينيس". ويرافق حاملة الطائرات "يو اس اس ايزنهاور" طراد ومدمرة بصواريخ مسيّرة عن بعد.

وتنقل "يو.اس.اس بونس"، سفينة النقل البرمائية التي تحوّلت الى حاملة مروحيات، طاقماً معززاً من كاسحات الألغام مهمته الحرص على بقاء مضيق هرمز، مفتوحاً، في مواجهة التهديدات الإيرانية بإغلاقه في حال أي صدام عسكري. وقد تضاعف عدد كاسحات الألغام منذ حزيران/يونيو 2012 لتبلغ ثماني كاسحات.

أما القوات الجوية، فقد نشر الجيش الأميركي عدداً غير محدد من الطائرات المقاتلة من طراز "اف-"22 في قاعدة الظفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة المقابلة لإيران. وتعتبر هذه الطائرات "الشبح" التي لم تنشر بعد خارج الولايات المتحدة الأكثر حداثة في الترسانة الجوية الأميركية، وهي قادرة على بلوغ سرعات تفوق سرعة الصوت.

كذلك نشرت الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف ـ 15 سي" أقدم منها، في قواعد المنطقة على ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز". وتحمل كل حاملة طائرات ستين طائرة.

أما القواعد الأميركية في الدول الخليجية فهي على الشكل التالي:

الكويت

في الكويت ينتشر نحو 15 ألف جندي في غريفجان في الكويت، كما تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها أيضا من قاعدة علي السالم الجوية في الكويت. وقد طلب الجيش الأميركي من الكويت إذناً لنشر ثلاثة آلاف رجل إضافي بعد انسحابه من العراق لكن لم يتبين بعد اذا حصل عليها. وفي الكويت توجد الفرقة الثالثة من المشاة الأميركية "المجوقلة" في "معسكر الدوحة"، بمعدات متنوعة ـ دبابات وعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر وأكثر من 80 طائرة مقاتلة ووحدات من القوات الخاصة سريعة الانتشار.

البحرين

أما في البحرين، فإن الأسطول الخامس الأميركي يتخذ من المنامة مقره العام ويسيطر على منطقة تشمل قناة السويس والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج [الفارسي]. ويخدم في هذا المقر الأميركي في المنامة 4200 جندي أميركي، ويضم حاملة طائرات أميركية وعدداً من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة إلى قاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزوّد بالوقود المتمركزة في قاعدة الشيخ عيسى الجوية.

الامارات

وفي الإمارات العربية المتحدة، تنشر الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف ـ 22" في قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي التي تستعمل أيضاً لمهمات إمدادات ومراقبة واستطلاع، بحسب الخبراء. وفي القاعدة مستودعات متعددة لأغراض الدعم اللوجيستي، إضافة إلى ميناءين مهمين يطلان على المياه العميقة، الأمر الذي يبرز أهميتهما بالنسبة للسفن العسكرية الكبيرة. كما يشكل ميناء جبل علي في دبي محطة للسفن والبارجات الأميركية للتزوّد بالوقود والغذاء والاستراحة.

قطر

وفي قطر هناك قاعدة "العديد" قرب الدوحة، وبنيت خصيصاً في نهاية التسعينيات من القرن العشرين لإيواء القوات الجوية الأميركية في حال حصول نزاع مع إيران وتستعمل في عمليات جوية وإمدادات ويمكنها إيواء 130 طائرة وعشرة آلاف رجل. وتشتمل قاعدة العديد الجوية على مدرج للطائرات يعد من أطول الممرات في العالم وهو قادر على لاستقبال أكثر من 100 طائرة على الأرض. وتعتبر هذه القاعدة مقراً للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري وكميات كافية من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة، ما جعل بعض العسكريين يصنفونها أكبر مخزن إستراتيجي للأسلحة الأميركية في المنطقة.

أما قاعدة السيلية فقد استخدمت في الحرب على أفغانستان حيث بلغ عدد القوات المتواجدة بها حوال 10,000 جندي، وكانت المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق عام 2003. تتميز بوجود مخازن للأسلحة الأميركية هي الأكبر من نوعها. ويبلغ عدد الجنود الأميركيين المتواجدين بصورة دائمة في القاعدة نحو3000 جندي. تبلغ مساحة القاعدة 1.6 مليون قدم مربع او نحو 37 فداناً من المساحة المخصصة للتخزين، وفيها طرق تصل طولها الى أكثر من عشرة كيلومترات، وتضم منشآت ومراكز القيادة وثكنات الجنود ومستلزمات المعيشة لهم.

عمان

أما سلطنة عُمان فقد سمحت للولايات المتحدة باستعمال قواعدها منذ عام 1980 بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، وتحركت المقاتلات الأميركية "بي ـ1" من تلك القواعد خلال الحرب الأميركية على حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وفي هذه القواعد يخزن الجيش الأميركي أيضاً عتاداً. وتستمد سلطنة عُمان أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة من حيث موقعها كمركز متعدد المهام لخدمات دعم الجسر الجوي، وقامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة جوية فيها، تتمركز في ها قاذفات طراز (B1) وطائرات التزوّد بالوقود.

السعودية

كانت السعودية تستضيف أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأميركية الإقليمية المهمة، داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض، وبواقع 5000 جندي تابعين للجيش وسلاح الجو الأميركي، وأكثر من 80 مقاتلة أميركية، وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة حظر الطيران الذي كان مفروضا على شمال العراق وجنوبه إبان فترة العقوبات الدولية على العراق خلال حكم صدام حسين. كما كانت القاعدة تعمل مركزاً للتنسيق بين عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات الأميركية في المنطقة. لكن، منذ أواسط العام 2003، إنتقل نحو 4500 جندي أميركي إلى دولة قطر المجاورة، وبقي في السعودية نحو 500 جندي أميركي فقط ظلوا متمركزين فيما يعرف بـ"قرية الإسكان"، وأنهت أميركا وجودها العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض.

المغرب

حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على موافقة المغرب على استخدام قواتها المسلحة لعدد من قواعد ومنشآت هذا البلدالعسكرية. فالمعاهدة الموقعة مع مراكش في أيار عام 1982 سمحت لواشنطن بنقل قوات الانتشار السريع عبر هذا البلد والقيام بتزويد الطائرات الأميركية بالوقود واستخدام القواعد والمنشآت المحلية لإجراء التدريبات والمناورات. وتملك الولايات المتحدة نقطة اتصال للقوات البحرية في "سيدي يحيا" (80 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة الرباط) لخدمة الصواريخ المضادة للسفن في منطقة المحيط الأطلسي والبحر الابيض المتوسط. والى جانب ذلك، فإن الامريكيين يملكون مراكز تدريب عسكرية في قينيطرا وبوكاديلي. وأعلنت الحكومة المغربية رسمياً أن القواعد الثلاثة المذكورة تعتبر قواعد “تدريب” للقوات المغربية المسلحة.

جيبوتي

أما في جيبوتي، فمنذ بداية سنة 2002 بدأت القوات الأميركية تتمركز في قاعدة "ليمونيه"، وقد بلغ عددها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تقدر عددها بـ1900 جندي.

سائر القواعد في آسيا

أما القواعد الأمريكية الموجودة في وسط آسيا فهي كثيرة أبرزها قواعد: باغرام، قندهار، وخوست، لورا، مزار شريف، وبولي في أفغانستان. والقواعد الأخرى الموجودة في تركيا(أضنة) وقبرص وفلسطين المحتلة وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان وجورجيا، فضلاً عن قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهادي بالمشاركة مع القوات البريطانية، والقواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وفي أفريقيا وأوروبا.

السفارة الأميركية في العراق.. قاعدة عسكرية؟

قبل الانسحاب الأميركي في نهاية عام 2011، كان في العراق عدد كبير من القواعد العسكرية الأميركية قدّرها بعض الخبراء العسكريين بنحو 75 قاعدة، كان معظمها يعود للمواقع العسكرية العراقية التابعة للنظام السابق التي احتلتها القوات الأميركية أثناء عملية الغزو. كما كانت القوات الأميركية تستخدم أربعة مطارات في العراق وهي مطار بغداد الدولي، والطليل في جنوب العراق قرب الناصرية، ومهبط للطائرات في غرب العراق قرب الحدود الأردنية ويسمى H1 ومطار باشور في شمال العراق في إقليم كردستان.

ووصل عدد القوات الأميركية في العراق قبل الانسحاب في نهاية 2011 إلى أكثر من 140 الف عسكري، كان يدعمهم عدد كبير من القطع البحرية المرابطة في الخليج [الفارسي] ودول الجوار. أعلنت الولايات المتحدة عن سحب قواتها من العراق بحلول نهاية 2011، لكنها أبقت على 17 ألف بين موظف وعسكري ومتعاقد أميركيين في سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، وهي أكبر سفارة في العالم، وكان يفترض أن يصل عدد موظفيها الكلي الى عشرين الفاً في العام 2012 حسب ما جاء في تصريح للمتحدث الرسمي باسم السفارة الأميركية في بغداد ديفيد رانز، حيث ذكر أن الكونغرس الأميركي يدرس مقترح لزيادة عدد العاملين في السفارة الى 20 ألف موظف بحلول العام 2012، وأن السبب الرئيسي لوجود هذا العدد الكبير من الموظفين سيكون لقيامهم بعدد من برامج التطوير والتدريب للكوادر العراقية المدنية منها والعسكرية.

هذا العدد أعادني بالذكرى إلى أيار/مايو من العام 2003 بعد نحو شهرين من غزو العراق، حيث كنت في تغطية صحافية في مقر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في مدينة أرلنغتون(ولاية فرجينيا)، على بعد كيلومترات من العاصمة واشنطن، حيث حضرت مؤتمراً صحافياً لوزير الدفاع أنذاك دونالد رامسفيلد، ثم أجريت مقابلة مع متحدث باسم البنتاغون"، وهو ضابط في الجيش الأميركي. بعد المقابلة، رافقني المتحدث بجولة سريعة في بعض أروقة الوزارة، ومقر البنتاغون كالبيت الأبيض والكثير من الوزارات والمؤسسات الأميركية مفتوحة للزوار والسيّاح ينظمون إليها جولات سياحية، خلال الجولة القصيرة، سألت المتحدث الأميركي عن: عدد الموظفين في هذا المبنى الضخم؟ فأجابني: أنه نحو 24 ألف موظف بين عسكري ومدني. فاجأني الرقم كونه يعادل عديد جيش دولة صغيرة في العالم العربي أو يفوقه، أي ضعف الجيش البحريني ونحو ثلاثة أضعاف الجيش القطري.

بعد التفكير بالأمر، وجدت الرقم منطقياً بالنسبة للدولة التي تعتبر نفسها الأعظم في العالم، والتي يضم جيشها نحو مليون ونصف المليون عسكري في الخدمة ونحو 850 ألف عسكري إحتياطي. فإدارة هذا العدد الضخم من العسكريين، يتطلب عدداً كبيراً من الموظفين والضباط والإداريين، فضلاً عن المهام التي يقوم فيها "البنتاغون" من الإدارة والتخطيط والتنسيق والإعلام والعلاقات العامة والرصد والتجسس والأبحاث والدعم اللوجستي للقوات الأميركية المنتشرة في جميع القارات والمحيطات والبحار.

لكن التفكير بعدد موظفي السفارة الأميركية في العراق الذي يقترب كثيراً من عدد موظفي البنتاغون يظهر أن هذه السفارة هي "بنتاغون مصغّر" أو أكبر قاعدة أميركية في المنطقة.

يقول السفير الهندي السابق في العراق رانجيت سينغ إنه برغم انسحاب القوات الأميركية المعلن من العراق، إلا أن واشنطن قد أعدّت للسيطرة على احتياطيات البلاد من النفط في أي وقت. فبعدما أنفقت الولايات المتحدة ثلاثة تريليونات دولار في العراق، فلا يمكنها على الإطلاق التخلي عن احتياطيات النفط الوفيرة ذات الجودة العالية جداً. ويشير أنه لمواجهة التطورات السلبية سيكون للولايات المتحدة نحو 20 ألف عسكري في سفارتها في بغداد، كما سيكون في كل قنصلية من القنصليات الثلاث في البصرة، وكركوك وإقليم كردستان ألف عسكري.

ورأى السفير الهندي السابق أن القوات الأميركية بعد انسحابها سوف لن تذهب بعيداً عن العراق وسيتم إعادة نشر بعضها في دولة الكويت المجاورة، بحيث يمكن للأميركيين دائماً العودة لأنه سيتم الإبقاء على القواعد العسكرية سليمة، مع بقاء 20 ألف موظف وعسكري في السفارة الموظفين. وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد جعلت العراق من دون سلاح جوي ما يعني أن الأجواء العراقية ستبقى تحت السيطرة الأميركية، ما يعني أنها تسيطر على هذه الأجواء وتمنع الآخرين من دخولها.

القواعد الأميركية وتطويق إيران

في تقرير للصحافي "بن بيفن" نشر في موقع الجزيرة بالإنجليزية في الأول من أيار/مايو 2012، إعتبر التقرير أن القواعد العسكرية الأميركية لا تزال تشكل طوّقاً إستراتيجياً على إيران، على الرغم من أن الانسحاب الأميركي من العراق في نهاية عام 2011 قد غيّر نوعاً ما في التوازن الإقليمي لصالح إيران.

وأوضح التقرير أنه بينما تقلّص القوات الأميركية وجودها في أجزاء كثيرة من العالم بسبب التخفيضات في الموازنة، حيث بدأت الخفض التدريجي لقواتها من أفغانستان إلى أن ينتهي الانحساب الكامل بحلول عام 2014، فإن الوجود الدولي لهذه القوات لا يزال واسعاً. فمن أصل 1.4 مليون عسكري هم في الخدمة الفعلية، نشرت الولايات المتحدة 350 ألفاً من قواتها العسكرية في ما لا يقل عن 130 دول أجنبية في جميع أنحاء العالم، إذ يوجد أكثر من 750 قاعدة دولية، بعضها تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ولكن الكثير منها تقع في مناطق القتال في الشرق الأوسط أو بالقرب منها، إضافة إلى المتعاقدين من القطاع الخاص والجنود الاحتياط والموظفين المدنيين الذين يعملون في وزارة الدفاع الأميركية.

ويشير التقرير إلى أن المنشآت العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تعمل على إبقاء العين على إيران. يقول مهران كامرافا، مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون - كلية الشؤون الدولية في قطر: كانت هناك ثلاثة أسباب لسعي الولايات المتحدة لتأمين وجود عسكري لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط قبل حرب الخليج الفارسي الأولى، وهي "تأمين مصادر النفط، وضمان أمن دولة إسرائيل، ومكافحة التهديدات للمصالح الأميركية. وفي وقت لاحق، أصبح الوجود العسكري المباشر لا على شكل إملاءات، ولكن كمظلة أمنية وبقرارات سياسة واعية من جانب دول الخليج الفارسي العربية".

ويضيف كامرافا: "لذا، فإن هذه القواعد ليست بالضرورة بسبب إيران، ولكن لا يحتاج لأن تكون عالم صواريخ كي تدرك أن إيران مطوّقة عسكرياً".

قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كانت معظم القوات العسكرية الأميركية في الخارج تتمركز في أوروبا وشرق آسيا. ولكن ارتفع عدد عمليات الانتشار في الشرق الأوسط بشكل كبير خلال الحملات العسكرية الأميركية اللاحقة في أفغانستان والعراق.

وفي عام 2002، قال الاميرال كريغ كويغلي، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) في تامبا، فلوريدا: "هناك قيمة كبيرة في مواصلة بناء المطارات في مجموعة متنوعة من المواقع في محيط أفغانستان، لأنه مع مرور الوقت، يمكن أن تقوم بمجموعة متنوّعة من الوظائف، مثل العمليات القتالية، والإخلاء الطبي وتقديم المساعدات الإنسانية".

ووفقاً للأرقام الجديدة الواردة من القيادة المركزية الأميركية لقناة الجزيرة في 30 نيسان أبريل 2011، فإن هناك نحو 125 ألف جندي أميركي على مقربة من إيران، 90 الفاً في أفغانستان وحولها، ونحو عشرين ألفاً منتشرين في عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، وبين 15- 20 ألفاً موّزعين على السفن البحرية الأميركية في المنطقة.

وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد أعلن حينها أن الولايات المتحدة سوف يكون لها 40 ألف عسكري في الخليج [الفارسي] بعد الانسحاب من العراق. لكن العدد الدقيق لهذه القوات وموقعها ومهمتها يكاد يكون من المستحيل تحديدها. وفي منتصف أيلول سبتمبر 2012، أكد بانيتا أن الجيش الأميركي ليست لديه أية خطط لتعزيز قواته في الشرق الأوسط برغم الاحتجاجات العنيفة التي استهدفت البعثات الدبلوماسية الأميركية في عدد من الدول العربية، بسبب الفيلم المسيء للرسول محمد(ص). وقال بانيتا: "لدينا وجود كبير في المنطقة".

وقال أوسكار سيارا، ضابط الشؤون العامة في القيادة المركزية الأميركية، في رسالة البريد الالكتروني لقناة الجزيرة: "نحن مضطرون لاحترام الرغبات المعلنة من مختلف البلدان المضيفة، الذين طلبوا أن لا نعترف بتفاصيل أي وجود أميركي على أراضيها السيادية"، بسبب حساسية هذه الدول الشريكة.

إذاً، تتمتع القوات الأميركية من سلاح جو وبحرية ومشاة البحرية بوجود في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة إلى الجنوب من إيران، وتركيا وإسرائيل إلى الغرب، وتركمانستان وقيرغيزستان في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للولايات المتحدة شراكات وثيقة عسكرية مع جورجيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، حيث تشارك القوات الأميركية في مهمات تدريبية، تستخدم فيها المرافق المحلية في نقل الإمدادات عبر بحر قزوين نحو أفغانستان.

أصبحت دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان عندما أغلقت باكستان طرق إمداد حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، أكثر أهمية لشحن البضائع إلى منطقة الصراع في الجنوب. كما بدأت الولايات المتحدة بشكل مباشر تتنافس مع روسيا والصين على النفوذ الإقليمي.

وفي حين شهد عام 2012 بوضوح الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، وخاصة زيادة في حجم القوة القتالية الاحتياطية في الكويت، إلا أن تحركات هذه القوات تحاط بالسرية التامة. يقول مسؤولون أميركيون إن الهدف من زيادة القوات في الخليج [الفارسي] كي تكون بمثابة "رد فعل سريع وقوة طوارئ"، وليس مقدمة لحرب.

كما أعلنت البحرية الأميركية في صيف 2012 عن إطلاق "القاعدة العائمة الأم" يرجّح أن يتم نشرها في منطقة الخليج [الفارسي]. ومن المقرر تحويلها إلى سفينة حربية "يو اس اس بونس" لاستخدامها من قبل القوات البحرية في مهمات مكافحة القرصنة وعملية احتواء إيران. وبينما تتحرك حاملات الطائرات بانتظام في جميع أنحاء الخليج [الفارسي]، فإن هذه السفينة العائمة الجديدة ستكون قادرة على البقاء في المكان نفسه لأسابيع عدة.

وهناك بارجتان حربيتان حاملتا طائرات تعملان في الأسطول الخامس الأمريكي، حاملة الطائرات "إنتربرايز (CVN 65)" التي تعمل في بحر العرب، لدعم عملية "الحرية الدائمة" في أفغانستان، وحاملة الطائرات "ابراهام لينكولن (CVN 72)" التي تجري عمليات الأمن البحري في الخليج [الفارسي]. وهناك نحو 16 الف عسكري في عرض البحر على متن سفن البحرية الأميركية.

فرنسا لديها هي الأخرى حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، "شارل دي غول"، الذي أفادت التقارير بأنها توجهت إلى الخليج في فبراير شباط الماضي. وكانت فرنسا قد أقامت في عام 2009 محطة بحرية جوية في أبو ظبي.
وعلى الرغم من أن المنشآت الأميركية في تركيا، وإسرائيل، وجيبوتي، ودييغو غارسيا ليست ضمن نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأميركية، لكن يمكن أن تستخدم أيضاً في حالة وجود أي صدام مع إيران.

وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، أفادت أنباء عن نية أميركية لتحريك حاملة طائرات إضافية من ميناء نورفولك العسكري في ولاية فيرجينيا باتجاه الخليج [الفارسي] لتصبح الثالثة من نوعها والثانية التي تتوجه الى المنطقة في أقل من ثلاثة أشهر، بعد حاملة الطائرات "ابراهام لينكولن" في ابريل الماضي. وذكرت المصادر أن حاملات الطائرات الثلاث، تحمل كل واحدة منها أكثر من 60 طائرة مقاتلة، إضافة الى عشرات السفن المرافقة من مدمرات وفرقاطات وكاسحات ألغام، مما جعل بعض المراقبين يتوقعون أنه استعداد أميركي لحرب ضد إيران.

قائد "القوات الجو – فضائية" في الحرس الثوري الإيراني العميد أمير حاجي زادة قد حذر قبل يومين أنه اذا اندلعت حرب في المنطقة فربما تتطور الى حرب عالمية ثالثة وأن بلاده ستستهدف القواعد الاميركية في الدول المحيطة بها. وهدد بأن بلاده تعتبر القواعد الأميركية في المنطقة "جزءاً من الأراضي الأميركية وليست أراضي قطرية أو بحرينية او أفغانية وعند وقوع أية حرب سندك جميع تلك القواعد". وأضاف: "إننا نری أمیرکا والكیان الصهیوني في خانة واحدة ولا یمكن أن نتصور بأن کیان العدو سيخوض مثل هذه الحرب دون إسناد أميركي.. في حال بروز مثل هذه الظروف فستقع حوادث لا يمكن السيطرة عليها وادارتها ومن الممكن ان تتحول هذه الحرب الى حرب عالمية ثالثة".

nad-ali 06-03-2013 02:23 PM


أعلن نائب رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز
بعد معاناة مع داء السرطان.

وتشافيز من مواليد العام 1954، صار رئيسا لفنزويلا في 2 شباط عام 1999، كما أعيد انتخابه عام 2006.

وعُرف بحكومته ذات السلطة الديمقراطية الاشتراكية واشتهر لمناداته بتكامل أميركا اللاتينية السياسي والاقتصادي مع معاداته للإمبريالية وانتقاده الحاد لأنصار العولمة من الليبراليين الحديثين وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.



http://www.jurnaljazira.com/news_view_8281.html

kumait 11-03-2013 02:32 AM

أمريكا واستراتيجية الخطوة الضبابية
 
أمريكا واستراتيجية الخطوة الضبابية
عبد المنعم الحيدري

منذ ان وضع بريجنسكي نظريته الجيو ستراتيجية في المجال الحيوي تحت عنوان النظرية الماكندرية الجديدة وسحبها من اوراسيا باتجاه الوطن العربي وتحديدا في المنطقة الحيوية والاستراتيجية المحصورة في منطقة الخليج وذلك لكونها تتمتع بمزايا تؤهلها ان تكون هي الساحة التي لا يمكن للدول العظمى ان تستغني عنها مما جعلها ان تكون محط صراع لبسط النفوذ لتلك الدول حتى هذه الساعة.

منطقتنا العربية وعلى الرغم من اهميتها الاستراتيجية في نظر اللاعب السياسي الاميركي الا انها هي اليوم اكثر المناطق سخونة في العالم وذلك بسبب (الربيع العربي) الذي حدث في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق والبحرين والسعودية والكويت وقد بات واضحا للمراقبين والباحثين في الشأن السياسي الازدواجية التي تتعامل بها واشنطن مع هذه الدول ، لكن ما يلفت النظر هنا هو الخطوات الضبابية التي تقوم بها اميركا اتجاه (الربيع العربي)، خصوصا في مسألة دعم الحركات الاسلامية من اجل الامساك بالسلطة في كل من مصر وليبيا وتونس وحينما تمكنت هذه الحركات التي كانت بالأمس في نظر واشنطن هي (مشبوهة) الى حد ما والقسم الاخر مصنفا لديها ( ارهابيا)، بدأت اميركا وكأنها تتراجع عن توفير الدعم لهم وكأن مثلها كمثل من يقوم بإنقاذ شخصا من على شاخص ثم يتخلى عنه في نصف الطريق فيتركه فلا هو قادر على العودة الى نقطة الانطلاق التي بدأ منها ولا هو قادر على مواصلة الطريق ومن البديهي ان يكون هذا السلوك السياسي من قبل دولة عظمى مثل اميركا تمتاز بالمؤسساتية لابد ان يكون سلوكا مدروسا وليس اعتباطيا .

ومن هنا يأتي السؤال التالي وهو لماذا هذه الإستراتيجية الضبابية من قبل واشنطن اتجاه المنطقة عموما والحركات الإسلامية خصوصا؟. هنا وقبل الذهاب الى الإجابة على السؤال لابد من معرفة الأساس التي تقوم عليها سياسة واشنطن الخارجية وماهية السلوك الذي تتبعه ضد دول العالم الثالث.

هناك ثلاث أنماط للسلوك السياسي الخارجي تتبعه دول العوالم الثلاث (الرأسمالي والاشتراكي والعالم الثالث).

1. دول العالم الثالث او المتخلف كما يحلو لبعض الغربيين تسميته وهو يقوم على اساس التحرر من الهيمنة والاستعمار.
2. الدول الاشتراكية وهي قائمة على اساس دعم حركات التحرر في العالم.
3. الرأسمالية تقوم على أساس الهيمنة والاحتكار لمقدرات الشعوب في كل دول العالم لأنها لا تهتم الا بتحقيق مصالحها على حاب مصالح الدول الاخرى التي تريدها ان تكون تابعة لها. وأميركا هي اليوم قائدة الرأسمالية في العالم وهي التي سبب المصائب في عالمنا الثالث.

ومن هنا نستطيع ان نحدد السلوك السياسي الخارجي الذي تتبعه واشنطن حيال منطقتنا فهي تسعى لتحقيق هدفين الاول: ان تكون كل ثروات المنطقة بيدها وهي التي تتحكم بها.

والثاني: هي ان تكون اواق تلك دول محتكرة لبضائعها.

ونعود هنا لنضع للاجابة على السؤال الذي طرحناه وهو لماذا تتبع واشنطن هذه السياسة حيال الحركات والاحزاب الاسلامية في بلدان (الربيع العربي) وهو يكون على شكل نقاط كالتالي:

اولا: بعد ان استهلكت الحركات والاحزاب القومية التي انطلقت في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين رصيدها في الشارع العربي شعرت اميركا ان المد الاسلامي الذي عاش مقموعا لعدة عقود من السنين بات هو الذي يسيطر على الشارع وان واشنطن على يقين من انه لا يمكن ترويض الاسلاميين لا بل اكثر من ذلك انها ترى (لا عهد لهم) ومن هنا يأتي الخطر وبالتالي فهي اوصلتهم الى نصف الطريق ثم بدأت تتخلى عنهم من اجل ان يرتد الشارع عليهم على اساس انهم غير قادرين على ادارة الدولة. وهذا ما يحصل في تلك الدول الثلاث التي يسيطر عليها الاسلاميون.

ثانيا : ان اعطاء الضوء الاخضر للحركات الاسلامية في استلام السلطة في تلك الدول الثلاث هو جاء وفق لاتفاقات ابرمت وراء الكواليس مع اقتناع واشنطن قناعة تامة بأن هؤلاء غير قادرين على النجاح وذلك بسبب الفكر السياسي الذي يقوم عليه حكم الدولة في نظر اولئك الاسلاميين مما يفقد الثقة بينهما وبالتالي فأن ما اسست له واشنطن مع الاسلاميين في تلك الدول هو يدخل ضمن التكتيك الذي يهدف الى تحقيق غايات سريعة تخدم الاستراتيجية التي تعتمدها اميركا اتجاه المنطقة من اجل استعادة السيطرة عليها من جديد من خلال استمالت الحركات القومية والليبرالية التي تسعى الى الحكم في تلك البلاد.

ثالثا : ان اميركا تمر بأزمة اقتصادية وان ارباك الوضع في المنطقة وفقدان الاستقرار والأمن يعود عليها بالمردودات الايجابية وبالتالي فأن كل ما تقوم به اميركا هو يصب في صالحها ويحقق لها الأهداف المرسومة.

رابعا : ان الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد اعتقادا كليا ان أطروحة هننغتون ( تصادم الحضارات) ، والتي يقول فيها ان الحرب القادمة سوف تكون بين الرأسمالية والتحالف الإسلامي الكونفوشيوسي وهي واقعة لا محالة ومن هنا تسعى واشنطن لخلخلة الإسلاميين بضربة استباقية سياسية وليس عسكرية من اجل ان لا تقع الحرب في المستقبل القادم ، وان وقعت فهي سوف تتصدى الى عدو قد فقد قواه وغير جاهز للمعركة. اما الإسلاميين فهم كما يبدو إمام خيارين لا ثالث لهما الأول : وهو الانخراط بمشروع أميركا والقبول بالتبعية لها وهذا خلاف الفكر السياسي الذي قامت عليه تلك الحركات وبالتالي يتسبب ذلك بمصادرة الإرث التاريخي النضالي لها وفقدان قاعدتها الجماهيرية وبالتالي فأنها سوف تتحسر على خندق المعارضة الذي غادرته الى خندق السلطة وتكون كبائعة اللبن التي لم تحظى بالخادم ولا باللبن.

او تكون قد أدركت وعرفت ووعت الى ما تخطط له واشنطن لها وبالتالي تكون قد استعدت ووضعت خطط وإستراتيجيات لصد وإفشال ما تخطط له واشنطن. ولا يكون ذلك الا بعد ان تعلن تلك الدول التي هيمنة على الحكم بوقوفها إلى جانب الخط المقاوم لان شرفها يكمن في ذلك وتكون قد حافظت على تاريخها النضالي و قواعدها الشعبية وبذات الوقت تحافظ على السلطة التي وصلت أليها.

kumait 11-03-2013 03:03 AM

شبه جزيرة البلقان: بوابة لعودة روسيا إلى الساحة الدولية
 
http://studies.aljazeera.net/Resourc...58517734_8.jpg
شبه جزيرة البلقان: بوابة لعودة روسيا إلى الساحة الدولية
كريم الماجري

كان البلقان -ولا يزال- يمثل منطقة مصالح حيوية وإستراتيجية مهمة لصنّاع القرار في الاتحاد السوفيتي قديمًا وروسيا حاليًا؛ فشبه الجزيرة البلقانية يقع جغرافيًا على الحدود الجنوبية الغربية لروسيا ويشكّل امتدادًا طبيعيًا لعمقها الإستراتيجي، وهو يفتح على مياه البحار الدافئة (البحر الأبيض المتوسط، البحر الأدرياتيكي، بحر إيجة) التي طالما كان لروسيا رغبة حقيقية في بلوغها، كما كانت رغبتها واضحة دائمًا في محاولاتها السيطرة على مضيق الدردنيل.

المحاولات الروسية لاستعادة موطئ قدم راسخة لها في جنوب شرق أوروبا تجدّدت مع استعادة بوتين لسدّة الرئاسة، وشعور الكرملين بأن واشنطن وبروكسل قد اقتربتا من فرض حصار خانق على روسيا، في مسعى لتحييد دورها وتحجيمه، ليس فقط في منطقة البلقان بل أيضًا في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى بشكل عام. وتعتمد موسكو في استرجاع مكانتها وتعزيز دورها على عدة عوامل قد تكون مساعدة لها في تحقيق مشروعها الإستراتيجي المتجدّد.

الأهداف الإستراتيجية الروسية في البلقان

يرتكز التأثير السياسي الروسي الأبرز في منطقة البلقان، وبالأخص في جزئه الجنوبي، على ثلاثة أسس رئيسة:

1. تأكيد دورها الحاسم بصفتها بلدًا دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي، يمتلك حق الفيتو الذي يسمح لموسكو بالاعتراض على أي قرار دولي تتخذه المجموعة الدولية يكون متعارضًا مع إستراتيجية الكرملين ومصالحه، أو مصالح حلفائه في المنطقة. وقد رفعت موسكو الفيتو فعلاً عام 2007 أمام مشروع الاعتراف بسيادة واستقلال كوسوفو وسدّت الطريق أمام سعي الاتحاد الأوروبي وأميركا وعدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتبني قرار الاستقلال، وهو ما أبقى أمر هذا البلد، على المستوى السياسي وحتى على مستوى الشرعية القانونية الدولية، مسألة غير منتهية حتى اليوم.

2. أما الأساس الثاني الذي يرتكز عليه الكرملين للعب دور مؤثر في البلقان فيتمثل في العاملين العرقي والديني، وما يستتبعهما من روابط تاريخية وثقافية تشكّل بدورها جانبًا مهمًا في سياسة روسيا في منطقة البلقان، فموسكو كانت دومًا حريصة على لعب دور أبوي تجاه البلدان البلقانية السلافية التي تدين بالأرثوذكسية، وهي: رومانيا وبلغاريا وصربيا ومقدونيا واليونان، بالرغم من انضمام بعضها إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، كما ترعى موسكو الأقليات الأرثوذكسية المتواجدة في باقي الدول. وتظل صربيا الدولة التي تعوّل عليها موسكو أكثر من غيرها في مساعدتها على تأكيد دورها في المنطقة، خاصة وأن صانعي القرار في بلغراد مستعدون للعب أدوار أساسية في منع صربيا من الولوج إلى نادي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبقائها وفية إلى الشقيقة الكبرى روسيا.

3. موضع القوة الأكثر وضوحًا لروسيا في شبه الجزيرة البلقانية يبقى متمثلاً في التأثير الاقتصادي القوي، فهي المصدر الأول والأبرز للطاقة في المنطقة، كما أن روسيا شريك قوي بامتياز فيما يُعرف بمسار الخصخصة غير الشفاف الذي تنتهجه عدّة دول بلقانية لكبريات شركاتها الوطنية من خلال طرحها في مزادات دولية لخصخصة رؤوس أموال تلك الشركات.

روسيا تشعر بأن دورها آخذ في الانحسار في منطقة البلقان بعد انتهاء الحرب الباردة، وأن نفوذ أميركا المتزايد في المنطقة ضيّق عليها الحصار أكثر وسمح لواشنطن بتأكيد حضورها القوي عبر توسيع رقعة حلف الناتو، ويذهب عدد من الإستراتيجيين الروس إلى القول بأن توسيع رقعة حضور الناتو والتواجد الأميركي القوي في المنطقة يعكسان بوضوح إستراتيجية واشنطن لتحجيم أي دور روسي محتمل, ويرون أن هذا الصراع الأميركي-الروسي غير المعلن في جنوب شرق أوروبا مرتبط بالصراع الأشمل في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وهو ما دفع موسكو إلى بذل محاولات جديدة لاستعادة دورها المؤثر على الساحة الدولية, ويبدو من وجهة نظر روسيا أن تلك العودة إلى التأثير قد تكون أيسر إذا ما كانت من بوابة غرب جزيرة البلقان, خاصة وأن حزامًا من البلدان التي التحقت بعضوية حلف الناتو إثر انهيار الاتحاد السوفيتي يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، يمنع روسيا من الوصول إلى البحر الأدرياتيكي، حتى وإن لجأت إلى استعمال قوتها العسكرية في سبيل تحقيق ذلك. يظل أمل روسيا في اختراق كل تلك الحواجز مرتبطًا بقدرتها على لعب أوراق الضغط التي تمتلكها وتوظيف عناصر التأثير الثلاثة المُشار إليها في الفقرة أعلاه.

الطاقة: مدخل روسي للتأثير في المنطقة

أبرز مشاريع الطاقة التي تستهدف المنطقة وأضخمها على الإطلاق يظل المشروع الروسي العملاق المتمثل في ما يسمى بـ"يوجني توك" أو الخط الجنوبي لإمدادات الغاز الذي يمرّ عبر عدد من دول البلقان، والذي من المقرر أن يُمدّ كامل أوروبا بالطاقة التي تحتاجها. هذا المشروع لن يكون هدفًا نهائيًا في حد ذاته، فهو من دون شك له تأثير واضح على أمن المنطقة من حيث الطاقة، لكنه في عيون صانع القرار في الكرملين آلية لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى.

فموسكو تعتقد أن أوروبا تحمل تناقضات بين مكوناتها وترى أن ضعفها بيّن على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد بدا ذلك في عجزها المتواصل عن تأكيد فعالية دورها في ملفات عديدة في المنطقة ومنها المسألة البوسنية وقضية كوسوفو، كما أبانت دول الاتحاد الأوروبي عن عجز في حماية اقتصادات بلدانها الأعضاء من الانهيار ولم يكن لها مواقف سياسية واقتصادية موحدة حول أهم قضايا المنطقة. إلا أن ما يهم موسكو أكثر هو عدم تفعيل معارضة الاتحاد الأوروبي لمشروع روسيا "يوجني توك"، رغم أن بروكسل تدعم مشروع "نابوكو" للطاقة البترولية والغازية الذي ينطلق من أذربيجان ليمر عبر تركيا ويصل إلى أوروبا.

كما تعوّل موسكو بقوة على انفراط عقد الاتحاد الأوروبي وتقلص قوة حلف الناتو، وبالتالي تراجع دور أميركا وتأثيرها في منطقة أوروبا بشكل عام. وفي هذا السياق الإستراتيجي العام، فإن منطقة شبه جزيرة البلقان قد لا تكون مركز اهتمام الكرملين الأول، وإنما سيكون هدفها الأساسي بعيد المدى هو العودة القوية إلى التأثير المباشر والفاعل في منطقة أوروبا كمركز وليس فقط البلقان كطرف، فشبه الجزيرة البلقانية يُراد له أن يكون بشكل فعلي ومباشر، منطقة حيوية تمكّن روسيا من لعب أدوار أكبر وأكثر تأثيرًا في ما يُعتبر حديقة خلفية لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

"مكانك راوح" في بلدان البلقان الأضعف

تحتوي الإستراتيجية الروسية الكبرى في استغلال البلقان لعودتها إلى الساحة الدولية على عدة مكونات تكتيكية، منها بالأساس عزم الرئيس الروسي القوي فلاديمير بوتين، على إبقاء عدد من القضايا الحارقة في دول ما كان يُعرف بيوغسلافيا السابقة على ما هي عليه من حالة المراوحة في المكان نفسه، وربما يسعى كذلك إلى مزيد تعقيدها، وللكرملين فرص عديدة للعب هذه الأدوار سواء فيما يتعلق بوضع كوسوفو وخاصة المنطقة الشمالية منه، أو بالوضع الداخلي المعقد في مقدونيا ومحاولة منعها من تحقيق شروط اللحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكذلك لموسكو مجال واسع للعب أدوار أخرى في كل من صربيا ذاتها وجمهورية الجبل الأسود، أما الدور الروسي الأبرز فيتجلى في دعم الكرملين المشبوه لمشروع "ريبوبليكا صربسكا" بقيادة رئيس وزرائها المثير للجدل، ميلوراد دوديك، وتهديده المتواصل بانفصال الكيان البوسني عن دولة البوسنة والهرسك، وهو ما يهدّد أمن المنطقة بأسرها ولا يزيل مخاوف جدية من إعادتها إلى المربع الأول الذي كانت عليه عام 1991 عند انطلاق أحداث حرب البلقان الأخيرة، وفي ذلك بالتأكيد تهديد أمني وسياسي أكبر سيجرّ أوروبا بأسرها إلى حالة من عدم الاستقرار والخوف من أن تصل شرارة أتون حرب بلقانية جديدة إلى قلب أوروبا، إذا ما قُدّر لها أن تندلع في المنطقة الرخوة من خاصرة القارة العجوز.

يمكن لروسيا أيضًا أن تلعب على العامل الإثني في دول البلقان لخلق فوضى جديدة تسمح لها بلعب أدوار متقدمة كوسيط لحلها، أو قد تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في تسليح بعض أطرافها ودعمه لوجستيًا واستخباراتيًا وعسكريًا، وقد فعلت ذلك خلال الحرب البلقانية الأخيرة، أو أن تقوم بدعم بعض الحكومات التي ترتضيها اقتصاديًا وسياسيًا وكسبها إلى جانبها في دعم موقعها على الساحة الدولية، أو على الأقل ضمان حيادها عند الحاجة.

إن الحفاظ على حالة الفوضى التي يعيشها أغلب دول البلقان يعني لروسيا إظهار حلف الناتو بمظهر الفاشل في تهدئة الأوضاع واستعادة الأمن في المنطقة، وبالتالي التشكيك في فكرة ضرورة حضور قوات الحلف في المنطقة، ومن ورائها واشنطن، كحلّ أوحد لمعالجة أوجاع البلقان بعد رميها بالفشل الذريع في مهامها من أجل إحلال الأمن والاستقرار في أي من مناطق أوروبا.

إن بقاء دول البلقان غير مكتملة الملامح كدول مستقرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، وفاقدة لمؤسسات ثابتة وسياسات واضحة، لن يقودها إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولن يساعدها بالتالي على التخلص من فساد الطبقة السياسية المتورطة في زعزعة الاستقرار الداخلي لعدد من دول البلقان مثل صربيا والجبل الأسود ومقدونيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك.

فعدم استقرار هذه البلدان البلقانية وضعف باقي دول المنطقة الأخرى الاقتصادي والسياسي يؤثر بالضرورة على اكتمال المشروع الأوروبي وتعثره وربما تفككه لاحقًا، وهو ما تراهن عليه موسكو بل وتعمل على تهيئة الأسباب المؤدية إليه، خاصة وأن هناك عدة مؤشرات تشير إلى ذلك، أهمها انقسام دول الاتحاد الأوروبي حول الاعتراف باستقلال كوسوفو، أو موقف الاتحاد غير الواضح والبطيء بشأن ضم بعض البلدان البلقانية إلى الاتحاد، وفي مقدمتها دولة البوسنة والهرسك.

البوسنة والهرسك: الحلقة الأضعف

لا شك أن وضع دولة البوسنة والهرسك اليوم يجعلها الحلقة الأضعف بين دول البلقان المستقلة عن يوغسلافيا السابقة، إذا ما استثنينا كوسوفو، وهي بالتالي، كما يقدّر ذلك عدد من الإستراتيجيين والمحللين السياسيين، قد تكون البوابة الأيسر لتدخل روسي أكبر في المنطقة خاصة وأن انتخابات البوسنة الأخيرة قد صعدت بمن يُحسبون من أتباع موسكو إلى سدة الحكم أو دعّمت مواقفهم، فبناء على ما أفرزته انتخابات أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2012، وبناء أيضًا على التشكيل الحكومي الجديد الذي أفرزته معادلة الساحة السياسية الجديدة في البوسنة، يمكن القول بأن ملامح محور ينطلق عموديًا من موسكو ليمر عبر بلغراد، الحليف الطبيعي لروسيا، ثم "بانيا لوكا" عاصمة ريبوبليكا صربسكا وانخراط رئيس حكومتها الكامل في المشروع الروسي، وصولاً إلى سراييفو التي تغيرت ملامح تركيبتها الحكومية، ملامح هذا المحور إذن قد استكملت تشكلها بعد أن كانت مجرد تخمينات في دوائر استخباراتية غربية(*)، وذلك بوصول رجل الأعمال المثير للجدل ورئيس حزب (من أجل مستقبل أفضل للبوسنة)، فخر الدين رادونتشيتش، إلى سدة وزارة الداخلية واحتفاظ زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، زلاتكو لاغومدجيا، بوزارة الخارجية.

في هذا السيناريو، الذي شهد ائتلاف الحزبين المشار إليهما أعلاه واستبعاد أكبر الأحزاب البوسنية القومية وهو جبهة العمل الديمقراطي من التشكيل الحكومي؛ فإن الأجواء صارت مهيأة لتنفيذ مخطط يهدف إلى وضع كل العراقيل الممكنة أمام انضمام البوسنة والهرسك إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وإبقاء الأوضاع في البلد على ما هي عليه؛ ومن ثمّ توجيه الاتهام إلى مؤسسات الحلف بالعجز عن توفير الأمن والسلم في البوسنة والهرسك، وبالتالي إظهاره في مظهر المنظمة التي لا يمكنها لعب الأدوار الأساسية في رسم معالم مستقبل أضعف دول المنطقة وأكثرها عرضة للاختراق. ما يجعل هذا السيناريو ممكن التنفيذ هو حالة الترهل التي عليها مؤسسات دولة البوسنة والهرسك، ووضعها الحالي كمرشح للالتحاق بحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وهذا ما يمكن أن يتيح الفرصة لنفاذ عناصر موالية للحزبين المذكورين سابقًا إلى المؤسسات الغربية: حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، عبر فرق المفاوضين والفنيين المعنيين بعمليات الإصلاح وغيرهم من الموظفين السامين.

تهديد لأمن أميركا وحلف الناتو في شقه الجنوبي

هذا المحور الذي يمتد من موسكو له طرفان مباشران يربطانه مباشرة بـ "بودغوريتسا" عاصمة دولة الجبل الأسود من جهة، ويرتبط أيضًا بطهران من جهة ثانية، وهي الحليف المدلل لروسيا، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل إن هناك عددًا آخر من السيناريوهات لاختراقات مشابهة تنطلق من موسكو لتشمل دولاً ومناطق أو جماعات أخرى في البلقان.

هذا التغلغل الروسي الذي يجد له متعاونين في الداخل البلقاني والبوسني على وجد التحديد، عن طريق رادونتشيتش ولاغومدجيا، سيساعد في عمليات تحويل الأموال الروسية غير المراقبة والمتأتية من مصادر غير نظيفة لتمويل مشاريع مشبوهة داخل البوسنة والهرسك، وستحظى أي هذه المشاريع بالمباركة السياسية لأعوان موسكو من السياسيين والأمنيين الموالين لها ولمشروعها التوسعي في المنطقة تحقيقًا لأهداف استعادة السيطرة على مقدّرات البلدان البلقانية واستبعاد الغربيين عن التأثير من خلال تعطيل انضمام البوسنة والهرسك إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

تحاول روسيا بقيادة بوتين وبكل الوسائل المتاحة لها العودة من بوابة البلقان لاستعادة دورها على الساحة السياسية الدولية، وقد اختارت هذا الوقت الذي تمر فيه أوروبا الغربية بأوقات صعبة مع تنامي المشكلة الاقتصادية وما أفرزته من أسئلة حول مدى متانة الاتحاد الأوروبي وقدرته على الصمود والحفاظ على الدول الأعضاء فيه، وحمايتها من الهزات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة على غرار ما تشهده اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، أو أيضًا على توحيد مواقفه من القضايا المهمة مثل قضية دعم التدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي من عدمه، كما أن الولايات المتحدة الأميركية قد صرفت جانبًا مهمًا من تركيزها إلى قارة آسيا باعتبارها وجهتها الإستراتيجية الأهم في المرحلة القادمة كما ورد في عدة تقارير وتصريحات صادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية.

تخلٍ غربي عن البلقان، وروسيا تملأ الفراغ

في هذا الوقت الذي تنشغل فيه القوى العظمى بملفات أخرى، يبقى الملف البلقاني غير ذي أهمية أو أولوية في سياسات بروكسل وواشنطن، وهو ما جعل روسيا بوتين ترى في الأمر فرصة سانحة تمامًا لتجديد محاولاتها في استعادة دورها وتوسعة تأثيرها في المنطقة الأضعف في القارة الأوروبية، وهي منطقة البلقان.

المكون الرئيسي لهذه الإستراتيجية الروسية، يتمثل في مشروع أنبوب الغاز المسمى "يوجني توك" أو الخط الجنوبي لإمدادات الغاز، والذي تسعى موسكو من خلاله إلى تأكيد ارتباط أجزاء من القارة الأوروبية وجعلها أكثر قربًا واعتمادًا على روسيا. هذا ما يجعل البلقان يمثل المنطقة الرئيسية التي تحظى باهتمام الكرملين كنقطة عبور ومدخل لاختراق آمن للمنطقة الأوروبية عن طريق مدّ أنبوب الغاز "يوجني توك". وقد شهدت الأشهر الثلاث الأخيرة من العام الماضي 2012 إبرام جملة من الاتفاقيات الثنائية بين موسكو وعدد من العواصم البلقانية التي أبدت موافقتها على أن تكون أراضيها ممرًا لهذا الأنبوب الضخم. كما عُقد اجتماع موسع في موسكو وجّه فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوة إلى رؤساء الوزراء ووزراء الطاقة في البلدان الشريكة في هذا المشروع وهي إلى حدّ الآن: صربيا والمجر وسلوفينيا، ومؤخرًا التحقت بلغاريا بمجموعة الدول البلقانية الشريكة في مشروع الطاقة هذا والذي سيمرّ جزء مهم من إمداداته عبر أعماق البحر الأسود.

فالحديث اليوم عن أن خيار اللحاق بالمشروع الأوروبي الغربي للبلقان هو البديل الأوحد قد بات مشكوكًا فيه، على الأقل من وجهة نظر روسيا، وقد ظهر ذلك بقوّة خلال الدعوات التي وجّهها عدد من رجال السياسة الروس، كان أبرزهم سفير روسيا لدى صربيا، ألكسندر كونوزين، في ندوة عُقدت في بلغراد أوائل العام الماضي تحت عنوان: روسيا والبلقان: تاريخ واحد وآفاق مشتركة.

تتلخص الرؤية الروسية، كما جاءت على لسان السفير كونوزين، في أن "لحاق دول منطقة البلقان بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يُخفي مخاطر كبيرة على شعوب المنطقة، ومقولة الوحدة الأوروبية تحمل في طياتها أكذوبة كبرى كشفها تخلّي مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن الدول الأعضاء التي عاشت أزمة مالية واجتماعية خانقة. إن البلقان يتعرّض إلى عملية قسرية لتسريع مسار التاريخ فيه، وفي ذلك خطر داهم على أمنه واستقراره، وروسيا لن تتخلّى عن أصدقائها وحلفائها في المنطقة ولن تتركهم لقدر يُراد أن يُفرض عليهم من الدوائر الغربية المتنفذة. سنوثق علاقاتنا مع بلغراد أكثر ونقدّم للشعب الصربي مساعدات حقيقية كما فعلنا ذلك دائمًا، وسنبقى أشقاء أوفياء لهم ولن نخونهم مثلما فعل معهم الغرب وقصف مدنهم ودمّر بنية البلاد التحتية... إن روسيا هي الدولة الوحيد التي ساندت صربيا في مجلس الأمن، وهي مستعدّة لبذل المزيد من الجهد للوقوف إلى جانب صربيا...".

فالبلقان في المنظور الروسي لا يزال يمرّ بتغييرات عميقة لم تنته بعد، وما مسألة كوسوفو ومشكلات البوسنة والهرسك وأحداث مقدونيا والهزات الكبرى التي تعيشها بلغاريا، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بشكل حاسم في خيارات القيادات الصربية وتوجهاتها المستقبلية، إلا دليلاً على أن البلقان يقع على الحدود ما بين أحداث مضت ولا تزال آثارها تتفاعل على الساحة، وبين سياسات حالية وأخرى تُصاغ للمستقبل. وهذا ما يجعل البلقان يمثل المنطقة الرئيسية التي تحظى باهتمام الكرملين كنقطة عبور ومدخل لاختراق آمن للمنطقة الأوروبية.

__________________________
كريم الماجري - باحث متخصص في الشأن البلقاني
هامش
(*) يذهب إلى هذا التحليل عدد من المختصين الأمنيين والعسكريين من أبرزهم يانوز بوغايسكي، أستاذ الدراسات الإستراتيجية بمعهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية في واشنطن.
كما ساندت هذا التحليل، ماغاريتا أسانوفا، المختصة في العلاقات الدولية في مؤسسة جيمس تاون للدراسات الأورو-آسيوية.

kumait 16-03-2013 04:03 AM

حرب المعادن النفيسة في التلفزيون الفرنسي
 
حرب المعادن النفيسة في التلفزيون الفرنسي
قيس قاسم

ثمة حرب سرية كانت تجري بين الصين وبقية الدول الصناعية للهيمنة على مصادر استخراج المعادن النفيسة لم يعلن عنها إلا قبل سنوات قليلة حين اقتحمت وحدة من شرطة خفر السواحل اليابانية سفينة صيد صينية، جنحت عن طريق الخطأ إلى داخل مياهها الإقليمية، واعتقلت طاقمها ما اعتبرته بكين إهانة قومية لها، فقررت معاقبة طوكيو من خلال الامتناع عن بيعها بعض المعادن النفيسة التي تدخل في صناعة معظم المنتجات الإلكترونية، مثل الهواتف والكومبيوتر وشاشات التلفزيون، ما يشكل كارثة حقيقية وتهديداً بانهيار جزء كبير من مدخولها القومي.

صحا الغرب الصناعي على وقع أصوات المدافع التي أطلقتها الصين ضد اليابان وأدرك متأخراً أن كفة الحرب على المعادن باتت تميل لمصلحة العملاق الآسيوي بعد امتلاكه أكثر من 90 في المئة من حاجة السوق العالمية للمعادن النادرة مثل اليروبيوم والسماريوم وغيرهما، وأن عليه عمل المستحيل من أجل استعادة مكانته ومواقعه السابقة التي خسرها.

اتبعت الصين للانتصار في حربها استراتيجية دقيقة تربط بين السيطرة على سوق المعادن النادرة والاستثمار السياسي لها، ومن أجل ذلك بدأت الاعتماد أولاً على مخزونات مناجمها الوطنية وبيعها إلى الخارج بأسعار رخيصة ثم السعي إلى نقل تكنولوجيا صنيعها من الولايات المتحدة الأميركية الرائدة في هذا المجال ومن بعد البحث عن مصادر خارجية تؤمن سيطرتها الكاملة. اليوم، وربما بعد فوات الأوان، يدرك السياسيون والاقتصاديون الأميركيون ما خطط له الصينيون قبل أكثر من عشرين عاماً، وأعلنه المصلح الاقتصادي الصيني دنغ شياو بينغ: «الشرق عنده النفط ونحن عندنا المعادن».

ومن مراجعتهم التقويمية الجديدة فهموا مغزى شراء الصين مصنع «مغناكوينتش» لإنتاج المغناطيس المستخدم في صناعة أكثر المحركات والأسلحة الإلكترونية. كانوا يريدون معرفة أسرار تشغيل المصنع وحصلوا عليها بالفعل، وحين نقلوا كل ما يحتاجون إليه صاروا يبيعون المعادن في الأسواق الأميركية وغيرها بأسعار أرخص من المحلية فاضطرت المصانع للتوقف وسرحت عمالها. اعتبر الأميركيون أن «حرب المعامل» بدأت عام 1995. السنة التي دخل فيها الصينيون أسواقهم واشتروا مصانعهم ونقلوا عنهم الخبرات التي يحتاجونها، من دون تنبههم لخطورتها، ولم يكن قرار مقاطعة الصين الاقتصادية لليابان عام 2008 سوى إعلان حالة حرب، تجسدت بعد مدة بوضوح حين طالبت الصين العالم الغربي بإقرار معاهدة توزيع حصص إنتاج وبيع المعادن النادرة والتي مثلت تحدياً وتهديداً مباشراً لمصالحها. فالمحاصصة تعني زيادة أسعار ما تنتجه الدول الصناعية من المعادن النفيسة في حين ستبقى الأرخص داخل الصين وبهذا سيكون أي تنافس في مصلحتها.

يُبيّن البرنامج التلفزيوني الفرنسي «حرب المعادن النفيسة» استحالة التنافس الحر في ظل اتباع الصين سياسة تتجاوز بها ضوابط الرقابة الصناعية وتتجاهل بتعمد متطلبات حماية البيئة. فكل ما يهمها هو كسب حرب اقتصادية اعتبرتها الأهم في تاريخها الحديث، وقد تعلمت اللعب على قوانين السوق لا وفقها، وراهنت كثيراً على الدعاية وإغراء أصحاب المصالح الاقتصادية الغربية لإضعاف الضغوط التي تمارسها دولهم ضدها. وفي تسجيل البرنامج لوقائع مؤتمر «باوتو» يتضح مقدار الخداع المتبادل بين الشركات الغربية والصينية وكيف قبلت شركات فرنسية كبيرة بحصص من عمليات تطوير بعض المشاريع المشتركة في منطقة دالاهاي الأكثر تضرراً بعمليات التنقيب عن المعادن النفيسة.

أرض السرطان

غدت المناطق المحيطة بالمناجم مرتعاً للتلوث ومصدراً لأمراض خطرة تصيب الناس المقيمين بقربها إلى درجة أطلقوا عليها «أرض السرطان». والتلوث شمل دولاً أخرى مثل سنغافورة التي تحولت إلى «مقبرة» لنفايات المعادن تصدرها لها الصين وتقوم شركات محلية بدفنها داخل الأرض بكل ما حملت من مواد مشعة خطرة.

وحمى البحث عن المعادن النادرة تجاوزت أرض الصين إلى دول مثل كندا وأستراليا وبعض دول أميركا الجنوبية، بل وتجاوز كوكب الأرض كله وفق ما نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن مشروع شركة «مون اكسبريس» للبحث عن المعادن النادرة على سطح القمر، ومثله لدى الروس، أيضاً. وإذا كانت هذه المشاريع أقرب إلى الخيال فاليابانيون لن يستسلموا في حربهم مع الصين، ولكسبها أعلنوا نهاية العام الفائت توصل أبحاثهم إلى وجود معادن نفيسة في أعماق المحيط الهادئ وكمياتها المتوقعة تزيد 800 مرة عما موجود منها في باطن الأرض، ما يغري شركاتهم بالإسراع في التنقيب واستثمارها قبل غيرهم، فالحرب أُعلنت ولا بد من كسبها أو على الأقل استرجاع ما فُقد من مواقع مهمة خلالها.


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 10:59 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024