المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النصوص القرآنية والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة


فطرس11
04-06-2007, 08:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين... وبعد

كثير ما يتردد على الموالين الشيعه من الأخوه السنه سؤال مفاده
ماهي ادلتكم على الأمامه من القران والسنه؟؟

وإنشالله هذا بحث عن الأمامة يبين لأي شخص يشكك في الأمامه , ويوضح له الحقيقه:


النصوص القرآنية والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة





أولا ، رؤية نقدية لمرويات أهل السنة في هذا الموضوع ، ثانيا قراءة عقلية للنص القرآني والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة .



على طريق الإمامة في الصميم لم تكن قضية الإمامة تحظى بقدر كبير من الاهتمام في صفوف الحركات الإسلامية المعاصرة في العالم الإسلامي ، بيد أن

قيام الثورة الإسلامية في إيران ، بقيادة آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني ( رحمه الله ) ، قد ألقى عدة أحجار في البحيرة الراكدة ، وفرض على

الكثير من العلماء والمفكرين وأصحاب القلم إعادة التفكير والنظر في مسلمات الأمس القريب ، في حين اختار بعضهم موقف المعاداة لكل ما جهلوا ، وصدق الله العلي العظيم ، حيث يقول : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) ( يونس / 39 ) .

وهناك من قام بإعمال فكره وعقله في النصوص وفي الواقع ، بهدف الحصول على الحقيقة بغض النظر عن الاستنتاج النهائي ، وبغض النظر عن قوى الواقع

التي تمارس بشكل عملي الأسلوب الذي تتحدث عنه الآية القرآنية المباركة وتذمه ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ( الزخرف / 22 ) . تمارس تلك القوى ذلك من دون أن تعلنه باللسان .

على أن قضية ( الإمامة ) ، وإن تعددت الدراسات حولها وكثرت إلا أن غالبية ما كتب لم يكن ليكتب في إطار عقلي ، بل إن السائد أن كل طرف يأتي بما يؤيد

وجهة نظره من الروايات ، ويتحدث عن أسانيدها ورواتها ووثاقتهم ، الأمر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لأن ما يتناقض مع العقل هو

المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية ، من دون ما حاجة لسرد أسماء الرواة والمحدثين ، وما يتفق مع العقل ينبغي قوله والتسليم به ، لأن أحكام

الدين وشرائعه تتكامل ولا تتناقض ، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض أدلة المسائل الفردية على الأدلة الكلية ، الجامعة .

فإذا كان الله تبارك وتعالى : ( إن الله يأمر بالعدل ) ( النحل / 90 ) ، فلا يعقل أن يأمر بطاعة ( فاقد العقل ) ، وإلا لأمر سبحانه بالشئ وضده ( العدل - الجور ) . وهذا محال على الله سبحانه وتعالى .

وإلى جانب إيماننا بذلك ، فإننا نؤمن بالتكامل في الشريعة الإسلامية الغراء ، بمعنى أن قواعد الإسلام العظيم مرتبة بعضها على بعض ، فالقرآن الكريم تحدث عدة مرات عن قاعدة ( الإصطفاء ) ، وأنها محصورة في الذرية والآل ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين ) ( آل عمران / 33 ) .

ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هؤلاء المصطفين الأبرار مسؤولية

هداية البشر ، وتعريفها بالحق ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير * ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ( فاطر / 31 - 32 ) .

وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها أمة من الأمم ، فلماذا تشذ الأمة الإسلامية ؟ ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ( الأحقاف / 9 ) .

وأخيرا : هناك قضية حجية السنة ( 1 ) ؟ فالمعارضون لمدرسة أهل البيت ( ع ) ، حينما تضيق بهم السبل يلجأون إلى حجة في غاية الغرابة ، وهي الدفع بعدم

ورود إمامة أهل البيت ( ع ) وخلافتهم للنبي ( ص ) في القرآن الكريم ، وهو ما لا سبيل إلى القبول بمناقشته ونحن نعلم أن حجية السنة المتواترة تماما كحجية

الكتاب ، فصاحب السنة هو ملتقي الوحي من رب السماوات والأرض ولعنة الله على من كذب على رسول الله ( ص ) ، وليموه على الناس دينهم ، وهذا الكذب

هو الذي أدى إلى إلقاء بعض الظلال على حجية السنة المطهرة ، وهي أوامر الله ونواهيه التي جاء بها النبي المعصوم محمد ( ص ) ، والتشكيك في حجية السنة لا يختلف في شئ عن التشكيك في حجية القرآن .


* ( هامش ) *
( 1 ) يعرف علماء أصول الفقه الحجة بأنها : ( كل شئ يكشف عن شئ آخر ، ويحكي عنه على وجه يكون مثبتا له ) . أما السنة فهي ( قول المعصوم أو فعله أو تقريره ) . للتوسع أنظر : أحمد البهادلي : مفتاح الوصول إلى علم الأصول ، 2 / 31 . ( * )



نقول أيضا : إن انتقال النبي محمد ( ص ) إلى الرفيق الأعلى عام ( 11 ه‍ / 632 م ) كان من المفترض أن يصاحبه انتقال السلطة والنظرية إلى يد أمينة قادرة على التعبير عن الأمرين وجعل السلطة والقوة في خدمة النظرية وليس

العكس أن تكون النظرية في خدمة السلطة فتتشكل النظرية وفقا لقدرات أصحاب السلطة الذهنية والعقلية ولمدى أمانتهم في التطبيق ،

ومن هنا كان عهد النبي الأكرم لعلي سلام الله علية يوم غدير خم بقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ( 1 ) ،
وقوله يوم سار النبي ( ص ) إلى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ( 2 )


* ( هامش ) *
( 1 ) هذا الحديث يعرف بحديث الغدير ، وقد روي في صحاح أهل السنة بألفاظ متقاربة ، ومعنى واحد ، أنظر : سنن الترمذي 2 / 298 . مطبعة بولاق - مصر 1292 ه‍ .
سنن ابن ماجة ص 12 . مطبعة الفاروقي - دهلي ( غير مؤرخ ) .
مستدرك الصحيحين 3 / 1098 و 533 . مطبعة حيدر آباد - الدكن 1324 ه‍ .
مسند أحمد بن حنبل 1 / 48 ، المطبعة الميمنية - مصر 1313 ه‍
الخصائص للنسائي ص 22 و 40 مطبعة التقدم العلمية - مصر 1348 ه‍
الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص 93 . طباعة الفتوح الأدبية 1331 ه‍ .
( 2 ) روي هذا الحديث في : - صحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق ، باب غزوة تبوك ) 3 / 1359 ، حديث = ( * )



ولكن الذي حدث كان غير ذلك ، فالخلافة النبوية انتقلت إلى من انتقلت إليه برأي بعض المسلمين وليس بالنص ، وأولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم في استيعاب

النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظرية ، وإن أمسكوا بالسلطة في أيديهم ، وكانت ثمرة الخلفاء الثلاثة الأول أن انتقال السلطة إلى الإمام علي ( ع )

لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا إلى ( إمام منصوب من الله عز وجل ) ما أسهم في تفلت خيوط القوة من بين يديه ووصولها غنيمة باردة إلى بني أمية بقيادة ابن ( آكلة الأكباد ) ( 1 ) ، وهو انتقال رسخ الوضع الآتي :

1 - سلطة لم تستمد قوتها من شرعية إلهية ، وإنما من الغضب والعدوان ، وهو ما عبر عنه معاوية في خطاب تسلم السلطة ( إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجوا ،


* ( هامش ) *
= 3503 ، المطبعة الخيرية . مصر 1320 ه‍ . - صحيح مسلم ( كتاب فضائل الصحابة ) 5 / 23 حديث 2404 . طباعة بولاق 1290 ه‍ -
مسند ابن حنبل 1 / 722 حديث 1466 . المطبعة الميمنية / مصر 1413 ه‍ .
( 1 ) آكلة الأكباد هي هند بنت عتبة ، أم معاوية بنت أبي سفيان سميت بآكلة الأكباد لأنها بقرت بطن ( حمزة ) عم النبي وأخرجت كبده ولاكته ، وذلك في معركة ( أحد ) التي دارت بين المسلمين ومشركي قريش بقيادة أبي سفيان ، فجرح الرسول فيها ، وقتل عمه حمزة ، وذلك سنة 3 ه‍ / 625 م . ( * )



ولا لتزكوا ، إنكم تفعلون ذلك ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ) ( 1 ) .

2 - نظرية يفترض أنها ( الإسلام ) ، ولكنه من الناحية الواقعية ( الإسلام الأسير ) في أيدي أقوام جعلوا إحدى شعائر صلاة الجمعة لعن أمير المؤمنين علي ( ع ) على المنابر ، وهذه مسألة متواترة ناهيك عن باقي موبقاتهم وجرائمهم .

في ظل هذا الواقع السلطوي ، والنظرية الإسلامية التي تتلقى الطعنات صباح مساء من أصحاب السلطة ، صيغت نظريات السلطة ، ووردت الروايات ودونت

الكتب ، فكتب الصحاح التي يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبي الأكرم ( ص ) ، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتورة

عن مواضعها على الرغم من صحتها ، وتلك النصوص المكذوبة على رسول الله ( ص ) ، وتلك النصوص المنتقاة لبعض الأشخاص أصحاب المواقف المتمشية مع أهواء كل النظم الحاكمة إلى يومنا هذا .

والأهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التي تركت


* ( هامش ) *
( 1 ) أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبين ص 77 : ط . الأعلمي ، بيروت - لبنان ( 1408 ه‍ / 1987 م ) . وابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 4 / 16 ، ط . دار الهدى الوطنية ، بيروت - لبنان ( غير مؤرخ ) ( * )



فارغة ولم يدرون شئ بشأنها في كتب ( الأحاديث ) واقتصر تدوينها على كتب التاريخ ، ولذا فإننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها ، سعيا لإيضاح الحقيقة ، والانتصار للحق .

حدود الإمامة يقول الإمام علي ( ع ) : ( لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن ) ( 1 ) .

يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( فأما طريق وجوب الإمامة ما هي ، فإن مشايخنا البصريين رحمهم الله يقولون طريق وجوبها الشرع ، وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين : إن العقل يدل على وجوب الرئاسة ، وهو قول الإمامية .

إلا أن الوجه الذي منه يوجب أصحابنا الرئاسة غير الوجه الذي توجب منه الإمامية الرئاسة ، وذاك أن أصحابنا يوجبون الرئاسة على المكلفين من حيث أن

في الرئاسة مصالح دنيوية ودفع مضار دنيوية ، والإمامية يوجبون الرئاسة من حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية ) .

وأيا كان طريق وجوب الإمامة أو الإمرة فالحقيقة أنها واجبة


* ( هامش ) *
( 1 ) كاظم محمدي / محمد دشتي : المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة ، خطبة ( 40 ) ص 24 . دار الأضواء - بيروت ( 1406 ه‍ / 1986 م ) . ( * )



ولكن هناك تباين حول الوجه الذي يوجب الإمامة ، هل هو قاصر أو مرتكز على حفظ المصالح الدنيوية ، أم أن المسألة أعمق وأشمل من وأنها كما يرى المسلمون الإمامية لطف من الله وبعد للمكلفين عن ممارسة القبائح العقلية ( 1 )

وفي اعتقادنا أن طبيعة الرئاسة أو الإمرة وهل هي معنية أساسا بحفظ المصالح الدنيوية أم أنها ينبغي أن تكون أكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينية ، هذه الطبيعة تفاوتت بتفاوت الأمة موضع الرئاسة وطبيعة الرسالة التي تحملها هذه الأمة ، وبالتالي فإن مهام الرئاسة في الأمة الإسلامية لا يمكن أن تتشابه مع مهام الرئاسة في الأمة الأمريكية مثلا ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ( ص / 28 ) .

ومن هنا فإننا نرى أن طبيعة رئاسة الأمة الإسلامية تكتسي وتعنون بالعناوين المدونة في كتاب الله وفي سنة رسول الله ( ص ) نفسها ، وأن المواصفات المطلوبة في إمامة الأمة الإسلامية هي القدوة على حمل هذه الأعباء ، وأن أي خلل في قدرات القيادة المسلمة على أداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساؤلات حول أهلية هذه القيادة وأحقيتها لهذا الدور ، ودونكم بعض الأمثلة من كتاب الله :


* ( هامش ) *
( 1 ) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ، 4 / 16 . م . س . ( * )



( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) ( النحل / 90 ) .

( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ( ص / 26 ) .

( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ( التوبة / 29 ) .

( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ( الحجر / 9 ) .

إن إقامة العدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنهي عن الفواحش ، وتطهير الأرض من الشرك ، والظلم ، والبغي ومقاتلة دول البغي والشرك ، وحفظ حرمات المسلمين وقبل هذا كله حفظ كيان الدين نصا وروحا ، هي مهام

من صميم الواجبات الإسلامية الدينية ، بل وهي ، ومن دون أدنى شك ، امتداد لمهام النبوة التي لا تزيد عن هذا إلا بالتبليغ ، وتلقي الوحي من رب السماوات . . . ونضيف إلى هذه الواجبات الشرعية واجبا في غاية الأهمية ، وهو الحفاظ على

وحدة المسلمين من التفكك أيا كان المسوغ ، أو المسمى ، ذلك قوله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما

وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) ( الشورى / 13 ) .

( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) ( الأنعام / 135 ) ،

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ( آل عمران / 103 ) .

فكيف إذا يقال أن اختلافهم رحمة ؟ ،
أو أنه لا يوجد مذهب صحيح أو غير متفق عليه ؟
أو أن كل المذاهب الفقهية على تناقضها وتباينها هي مذاهب صحيحة واجبة الاتباع ؟

إننا إذا تأملنا في كلمات الإمام علي ( ع ) وهو يذم اختلاف العلماء في الفتيا فيقول : ( ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه . ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله .

ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله - سبحانه - بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا ، وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول ( ص ) عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ( الأنعام / 38 ) . وفيه تبيان لكل شئ وذكر أن الكتاب

يصدق بعضه بعضا ، وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ( النساء / 82 ) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلا به ( 1 )

إن كلمات أمير أمير المؤمنين علي ( ع ) تحصر أسباب تعدد اجتهادات العلماء في المدارس الفقهية في عدة افتراضات ليس من بينها أن اختلافهم وتشتتهم رحمة ، كما يروي بعض الرواة عن رسول الله ( ص ) ، فهذه الأسباب الافتراضية لا تخرج عن عدة احتمالات :

أولها . . أن الله تبارك وتعالى أمر الناس بالاتفاق فعصوا . وهذا أصح الاحتمالات .


* ( هامش ) *
( 1 ) توضيح قول المسلمين الشيعة بأن الإمامة لطف من الله إن الإنسان مخلوق غريب الأطوار ، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة ، وبواعث الخير من جهة أخرى ، ولقد خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشد إلى الصلاح ومواطن الخير ، ولصعوبة أن يهتدي الإنسان بنفسه لجميع طرق الخير والصلاح كان من لطف الله إرسال الأنبياء ( ع ) لهداية البشر ، ولأن محمدا ( ص ) هو خاتم الأنبياء كان لا بد من استمرار هذا الخط بإمامة علي وذريته ( عليهم السلام ) .

أنظر : عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر ، ص 72 وما بعدها . ط دار الإرشاد الإسلامي - بيروت 1409 ه‍ / 1988 م . ( * )



ثانيها . . أن الله سبحانه أمرهم بالاختلاف فأطاعوه . وهذا فرض مستحيل .

ثالثها أن الدين جاء من عند الله ناقصا ، وأن الناس أكملوه بآرائهم . وهذا أيضا فرض مستحيل .

أما الفرض الرابع والأخير . . أن الرسول الأكرم ( ص ) قد قصر في إبلاغ ما أوحي إليه من ربه . وهذا أيضا فرض مستحيل ، فلا يبقى أمامنا إلا الفرض الأول وهو الصحيح ، فالله تبارك وتعالى أمر المسلمين بالاتفاق ، فعصي أمر الله

وشذ بعض الناس عن طاعة ربهم ومولاهم ، ولا بأس أن نقرر بداية أن المخالفة لأمر الله بدأت من قضية الإمامة وهي الأصل ، وامتدت لتشمل فروع الدين ، حتى وصلت الأمة إلى هذه الحالة المزرية التي نعيشها الآن .
__________________
يا من خلق الحُب فسواه .. يا من أهواه اذا أهوا
لو كان لقلبي أن يسهو .. سقط القلب بحبك سهوا
يا من ضاعت فيه سفني .. و برى بحر حنيني رهوا
من كسر المركب و اعتلق .. القلب بشيءٍ الا فهوَ

هل تتركني يا ترى ..
و الكون حوَته يداك ..
في الأعين يجري سناك ..

عميت عينٌ .. لا تراك ..

فطرس11
04-06-2007, 08:33 AM
الإمامة ضرورة قرآنية




الإمامة ضرورة قرآنية جاء الحديث عن الإمامة ، في القرآن الكريم ، في غير موضع ، ومنها : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( البقرة / 124 ) .

( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) ( الفرقان / 74 ) .

( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ) ( الإسراء / 71 ) .

( فقالوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) ( التوبة / 12 ) .

( وجعلناهم أئمة يهتدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) ( الأنبياء / 73 ) .

( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( القصص / 5 ) .

( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) ( السجدة / 24 ) .

إن الآيات السابقة تدلنا على عدة مفاهيم قرآنية :

أولا . . وجود نوعين من الإمامة ، إمامة الحق وإمامة الضلالة .

ثانيا . . أن أئمة الحق مختارون من عند الله ( وجعلنا منهم أئمة ) ، ( قال إني جاعلك للناس إماما ) .

ثالثا . . أن أئمة الحق يهدون ويحكون بأمر الله ، لا بأهوائهم ولا باجتهادهم ولا بفهم يصيب ويخطئ ( يهدون بأمرنا ) .

رابعا . . أن الناس يحشرون يوم القيامة تبعا لأئمتهم إما إلى الجنة ، أو إلى النار ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) .

قاعدة الاصطفاء الإلهي لقد خضعت الرسالات السماوية لعدة قوانين ربانية ، سواء في ما يتعلق بشخصية الرسل ( ع ) أو في ما يتعلق بمسار الدعوة وقبول الأمم لها أو رفضها ، أو التاريخ الطبيعي للأمة بعد الاستجابة لرسل الله وصدق الله العظيم ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ( الأحقاف / 9 ) ،

( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ) ( الأسير / 77 ) ،

وقوله ( ص ) : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ) وإحدى أهم هذه القواعد هي قاعدة الاصطفاء أو الاجتباء - إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم آل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) ( آل عمران / 33 - 34 ) ،

( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) ( ص / 47 ) ،

( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) ( الأنعام / 87 ) ،

( سلام على إل ياسين ) ( الصافات / 130 ) ،

( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) ( هود / 73 ) إن هذه القاعدة تعني أن شخصيات الرسل أو الأئمة ، كما أسلفنا ، إنما هي شخصيات معدة ومنتقاة سلفا والناس في عالم الذر ، وأن

هذه النطف الطاهر قد انتقلت من رحم مؤمنة طاهرة إلى رحم مؤمنة طاهرة ، من دون أن تمر على أرحام المشركين أو أصلابهم ، ولم يحدث أن اصطفى رب العزة واحدا من عامة الناس للقيام بهذه المهمة .

أو أنها قد انتقلت من يد نبي إلى أحد من صحابته ، وإنما هي تجري في إطار الذرية والآل ، ( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) ( الحديد / 26 ) ،

( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) ( النساء / 54 ) .

إننا لسنا في حاجة إلى أن نؤكد عمومية القواعد السابقة وانطباقها على محمد وآل محمد .

وحسبنا صيغة الصلاة الإبراهيمية التي نقولها في كل صلاة : ( اللهم صل على محمد وآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .

إننا نؤكد على ثبات حقيقتين تنطلقان من قاعدة الاصطفاء . .

الحقيقة الأولى : أن اختيار الرسل والأئمة عليهم الصلاة والسلام محصور في ذرية الرسل والأنبياء ( ذرية بعضها من بعض ) ( آل عمران / 34 ) ، وأن مخالفة هذه القاعدة بالادعاء بأن هذا الاختيار يمتد إلى عموم أصحاب أي نبي ، أو إلى عامة أمته ، هو تعسف لا يقوم علية أي دليل .

الحقيقة الثانية : أن هذا الاصطفاء قد انتقل إلى النبي محمد وأل بيته عليهم الصلاة وأتم السلام تطابقا مع قوله تعالى : ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ) ( الإسراء / 77 ) ، فالنبي محمد وآله في الدرجة الرفيعة من آل إبراهيم ، وقد خصهم ربنا عز وجل بالمدح في غير موضع من القرآن الكريم ، ولنضرب بعض الأمثلة على هذا . .

1 - آية التطهير قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( الأحزاب / 33 ) .

أورد ابن كثير في تفسيره برواية الإمام أحمد عن أم سلمة ذكرت : ( أن النبي ( ص ) كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة ( 1 ) فيها خزيرة ( 2 ) فدخلت عليه بها . فقال ( ص ) لها : ادعي زوجك وابنيك . فقالت : فجاء علي وحسن وحسين رضي الله عنهم فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من الخزيرة ، وهو على منامة له وكان تحته ( ص ) كساء خيبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( إنما


* ( هامش ) *
( 1 ) البرمة : القدر من الحجر .
( 2 ) يقول ابن منظور في شرح معنى الخزيرة مادة ( خزر ) : ( اللحم الغاب يؤخذ فيقطع صغارا في القدر ، ثم يطبخ بالماء الكثير والملح ، فإذا أميت طبخا ذر عليه الدقيق فعصد به ، ثم أدم بأي أدام شئ ) ( * )



يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، قالت رضي الله عنها : فأخذ ( ص ) فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فأوى بها إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقال ( ص ) ( إنك إلى خير إنك إلى خير ) ( 1 )

وقد أورد بن كثير ، في كتابه ( تفسير القرآن العظيم ) ست عشرة رواية بهذا المعنى أو نحوه في تفسير هذه الآية بما يقطع بصحة هذا التأويل ، ونزول الآية في آل بيت النبوة ( ع ) خاصة من دون غيرهم ، وهذا يقطع بصحة ما نعتقده من أن منزلة آل محمد كمنزلة آل إبراهيم سواء في فضلهم أم في دورهم ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) ( النساء / 54 ) .


2 - آية المودة في القربى قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ( الشورى / 23 ) ،

أخرج ابن كثير في تفسيره عن البخاري وغيرة عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال : ( معنى ذلك أن تودوني


* ( هامش ) *
( 1 ) الإمام أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي : تفسير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم ، 3 / 5 85 دار الفكر - بيروت 1414 ه‍ / 1994 م . ( * )



في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم ) ( 1 )

وقال السدي عن أبي الديلم قال : ( لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا على درج دمشق ، قام رجل منم أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة . فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن ؟ . قال : نعم . قال : أقرأت ال‍ ( حم ) ؟ . قال قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم ) ؟ قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم ) ( 2 ) .

إننا ، وعند هذه النقطة من البحث بحاجة إلى أن نتوقف لمراجعة التصور الإجمالي لقضية الإمامة قبل أن ننتقل إلى مرحلة التحديد والقطع باستنتاجات محدودة . .

أولا . . إن قضية الإمامة ، على خطورتها القصوى ، لم تعالج بصورة متجردة ، وإنما عولجت في إطار محاولة إخضاع النصوص للواقع السياسي المفروض على الأمة المسلمة ، وخاصة وأن هذه القضية تمس شرعية النظم السياسية التي حكمت المسلمين في الصميم ، وإن أي محاولة لاستنطاق النص بصورة واضحة كانت تمثل جريمة ( محاولة قلب نظام الحكم ) ، وهو ما كان يسمى آنئذ


* ( هامش ) *
( 1 ) الإمام أبي الفداء ابن كثير الدمشقي تفسير القرآن العظيم 4 / 136 .
( 2 ) ابن كثير ، تفسير القرآن الكريم ، 4 / 137 . م س . ( * )



شق عصا الطاعة ومفارقة الجماعة ، خاصة وأن حكم الأمس كانوا أحرص ما يكونون على إلقاء غلالة رقيقة من الانتساب إلى الإسلام

ثانيا . . ( الاسقاط العمدي ) لبعض النصوص كهذه التي وردت عن الإمام الحسين ( ع ) أثناء مواجهة جبابرة بني أمية ، أو تلك الواردة عن الإمام الحسن

( ع ) تفتح باب التساؤل عن المصلحة الكامنة وراء هذا ، فلا يمكن أن يتعلل أصحاب السنن بعلة ضعف الأسانيد مثلا ، فلا يعقل أن حادثا جليلا بهذا الشكل مر

على الأمة مرور الكرام من دون أن تسجل فيه خطبة من خطب الإمام الحسين أو استناد منه إلى كتاب الله وسنة رسوله في هذه المواقف المصرية الفارقة بين الحق والباطل .

ثالثا . . الإثبات المنحاز لبعض النصوص ، فعلى فرض صحتها فإنها لا ترقى إلى مستوى النص الشرعي الملزم لجمهور المسلمين ، وخير شاهد إثبات بيعة عبد الله بن عمر لعبد الملك بن مروان أو إنكاره لخروج أهل المدينة من صحابة رسول الله ( ص ) من المهاجرين والأنصار على يزيد السكير ، ووصفه لهم بالغدر والخيانة .

رابعا . . إفتقار النصوص المطروحة للتناسق والوضوح ، يقطع بأن هناك حلقة مفقودة لا بد من البحث عنها وإثباتها .

خامسا . . إنقطاع العلاقة بين بعض النصوص المطروحة وبين التصور القرآني لدور الأمة الإسلامية ، وخاصة ذلك التناقض الغريب بين محاولة إسباغ الشرعية

على سلاطين الجور الغاصبين للخلافة وبين طبيعة الرسالة الإسلامية وحرصها على إقامة العدل ومحاربة الاستكبار ونصرة المستضعفين ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( القصص / 5 ) .

سادسا . . افتقاد الترابط بين بعض النصوص المطروحة في كتب السنة وقانون الاصطفاء الإلهي كما ذكرنا في الصفحات السابقة من هذا الكتيب .
__________________
يا من خلق الحُب فسواه .. يا من أهواه اذا أهوا
لو كان لقلبي أن يسهو .. سقط القلب بحبك سهوا
يا من ضاعت فيه سفني .. و برى بحر حنيني رهوا
من كسر المركب و اعتلق .. القلب بشيءٍ الا فهوَ

هل تتركني يا ترى ..
و الكون حوَته يداك ..
في الأعين يجري سناك ..

عميت عينٌ .. لا تراك ..

فطرس11
04-06-2007, 08:35 AM
قضية الإمامة في كتب السنة




قلنا ، من قبل ، إننا سنقدم ما نعتقد أنه الصورة الحقيقية لقضية الإمامة . ولكي نتمكن من تقديم هذا التصور ، كان علينا ألا نقيد أنفسنا بما أورده أصحاب السنن في فصل الإمامة ، وألا نتقيد بمصدر واحد ، وإنما علينا أن نفتش في مصادر السنة المختلفة المتاحة لدينا .

وقلنا أيضا إننا سنلتزم بالقواعد القرآنية المحكمة التي لا يأتيها الباطل ، وخاصة قاعدة الاصطفاء الإلهي وأن حمل أمانة الدين والدنيا محصور في ذرية الأنبياء والهم لا غيرهم ، إلا إذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام ، ولا نظن أن رواية مكذوبة منسوبة إلى الرسول الأكرم تصلح لأن ترد صريح القرآن .

وهناك أيضا ملاحظة هامة ، وهي أننا لن نتعرض لأسانيد الأحاديث ، ورجالها ، ورواتها ، فمعظم الأحاديث التي سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت وأصبحت أسانيدها مقطوع بصحتها .

كما لن نحرص على استقصاء كميع الروايات المتعلقة بالمسألة فإن هذا الأمر يطول ، وإنما سنركز على هدد قليل من الروايات التي ذكرتها

كتب أهل السنة وصحاحهم ، تقودنا إلى ما نريد .

1 - حديث الغدير . أخرج أصحاب السنن ، واللفظة لابن المغازلي عن زيد بن أرقم قال : ( أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين

مكة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله ( ص ) في يوم شديد الحر وإن منا لمن يضع رداء ه على

رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء حتى انتهينا إلى رسول الله ( ص ) ، فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال : الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به

ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .

أما بعد ، أيها الناس فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف عمر من قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة وإني قد أسرعت في العشرين ، ألا

وإني أوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فهل بلغتكم فماذا أنتم قائلون ؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله

قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خير ما جازى نبيا عن أمته . فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمدا عبده

ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وتؤمنون بالكتاب كله ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أشهد أن صدقتكم وصدقتموني ألا وإني فرطكم وأنكم تبعي توشكون أن تردوا

علي الحوض فأسألكم حتى تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما . فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ما

الثقلان ؟ فقال ( ص ) : الأكبر منهما كتاب الله تعالى سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا ، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب

دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي

وعدوهما لي عدو ، ألا وإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتدين بأهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط . ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال : من

كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قالها ثلاثا ) ( 1 )


* ( هامش ) *
( 1 ) للتوسع في مصادر حديث الغدير ، أنظر : - سنن الترمذي : 2 / 298 دار إحياء التراث العربي - بيروت ( غير مؤرخ ) . - سنن ابن ماجة : 1 / 43 حديث رقم 116 . تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر - بيروت . - المستدرك على الصحيحين 3 / 109 ، 533 دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍ . - مسند أحمد بن حنبل : 4 / 270 دار الفكر - بيروت . ( * )



2 - خطبة حجة الوداع روى الترمذي ، في الباب ( 32 ) ، تحت عنوان ( مناقب أهل بيت النبي ( ص ) ، حديث رقم ( 3786 ) ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ( رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : أيها الناس إني تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تظلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) ( 1 ) .

وفي حديث رقم ( 3788 ) للترمذي أيضا عن زيد بن أرقم قال : ( قال رسول الله ( ص ) : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض . وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلوني فيهما ) ( 2 ) .

3 - حديث المنزلة روى البخاري وغيره من أصحاب السنن عن رسول الله ( ص ) ، أنه قال لعلي بن أبي طالب : ( أنت مني بمنزلة هارون


* ( هامش ) *
( 1 ) أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي : الجامع الصحيح ، 5 / 621 . دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه‍ / 1987 م .
( 2 ) المصدر نفسه ، 5 / 622 . ( * )



من موسى غبر أنه لا نبي بعدي ( 1 ) .

4 - حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها روى ابن المغازلي الشافعي عن جابر بن عبد الله قال : ( أخذ النبي ( ص ) بعض علي فقال : هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره ، مخذول من خذله . ثم مد بها صوته فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ) .

وأخرجه الحاكم بهذا السند في مستدرك على الصحيحين : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ) .

كما روى ابن المغازلي الشافعي عن جرير عن علي قال : ( قال رسول الله ( ص ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ) ( 2 )


* ( هامش ) *
( 1 ) روي هذا الحديث بهذا المعنى ، وبألفاظ مختلفة في المصادر التالية : - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، 7 / 453 ط . دار الكتب العلمية - بيروت - كنز العمال للمتقي الهندي ، 6 / 395 . - مسند أحمد بن حنبل ، 1 / 170 و / 369 دار الفكر - بيروت - صحيح مسلم ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، 5 / 23 حديث رقم 2404 . - صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، باب غزوة تبوك ، حديث رقم 3503 .
( 2 ) أنظر : الجامع الصحيح للترمذي ، 5 / 596 حديث رقم 3723 . دار الكتب = ( * )



5 - حديث براءة روى ابن كثير ، في تفسيره : ( تفسير القرآن العظيم ) ، عن الإمام أحمد عن أنس بن مالك : ( أن رسول الله ( ص ) بعثه ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال : لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعثها مع علي بن أبي طالب ) ( 1 ) .

ورواه الترمذي في التفسير ، وقال عبد الله بن حنبل عن علي : ( لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي ( ص ) ، دعا أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال : أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم . فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبكر إلى النبي ( ص ) فقال : يا رسول الله نزل في شئ ؟ فقال : لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من منك ) .

وروى عبد الله أيضا عن علي : ( أن رسول الله ( ص ) قال لي : لا بد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت . فقال : فإن كان ولا بد فسأذهب بها أنا . قال : إنطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك . قال : ثم وضع يده على فيه ) . وروى ابن كثير أيضا عن إسرائيل عن زيد بن يثيغ : ( لما رجع أبو بكر قال : نزل في


* ( هامش ) *
= العلمية - بيروت 1408 ه‍ / 1987 م . - المستدرك على الصحيحين النيسابوري 3 / 137 حديث رقم 4637 و 4637 و 4638 - دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍ .
( 1 ) ابن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم ، 2 / 496 م . س ( * )



شئ ؟ . قال ولكن أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي ) وروى أيضا : ( لما نزلت براءة قال رسول الله ( ص ) : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ) ( 1 ) .

( إن الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت يا رب بينه لي ، فقال : إسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومنم أبغضه أبغضني . فبشره

بذلك . فجاء علي فبشرته . فقال : يا رسول الله أنا عبد الله ، وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي . قال : قلت : اللهم أجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان ، فقال الله : قد فعلت به ذلك ، ثم إنه رفع إلي أنه

سيخصه من البلاء بشئ لم يخص به أحدا من أصحابي . فقلت : يا رب أخي وصاحبي . فقال : إن هذا شئ قد سبق أنه مبتلى به ) ( 2 )

6 - أحاديث أخرى حديث . . ( من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقضيبة من الياقوتة التي خلقها الله تعالى بيده ، ثم قال لها : كوني


* ( هامش ) *
( 1 ) ابن كثير : م . س . طباعة دار الكتب العلمية بيروت ( غير مؤرخ ) .
( 2 ) أبو نعيم الأصفهاني في حلبة الأولياء 1 / 86 . ( * )



فكانت ، فليتمسك بولاء علي بن أبي طالب ) . رواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني ( 1 )

ورواه أحمد بن حنبل في المسند . حديث . . ( والذي نفسي بيده ، لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة )

رواه أحمد في المسند . حديث . . قال رسول الله ( ص ) : ( يا أنس اسكب لي وضوءا ، ثم قام فصلى ركعتين وثم قال : يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .

قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته ، إذ جاء علي فقال ( ص ) : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي . فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه . قال علي : يا رسول الله لقد رأيتك

تصنع شيئا ما صنعت بي من قبل ؟ قال : وما يمنعني وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي )

حديث . . ( من سوره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنه عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهما وعلما ، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي )


* ( هامش ) *
( 1 ) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 66 . ط . دار الكتب العلمية - بيروت ( غير مؤرخ ) . ( * )

__________________
يا من خلق الحُب فسواه .. يا من أهواه اذا أهوا
لو كان لقلبي أن يسهو .. سقط القلب بحبك سهوا
يا من ضاعت فيه سفني .. و برى بحر حنيني رهوا
من كسر المركب و اعتلق .. القلب بشيءٍ الا فهوَ

هل تتركني يا ترى ..
و الكون حوَته يداك ..
في الأعين يجري سناك ..

عميت عينٌ .. لا تراك ..

فطرس11
04-06-2007, 08:38 AM
مناقشة الأحاديث السابقة




حديث الغدير . . أشهر من أن يعرف ، رواه معظم أصحاب السنن إن لم نقل كلهم وصححوه ، ولقد ذكرنا في الصفحات السابقة موارد ذكر هذا الحديث في صحاح أهل السنة .

وواقعة ( غدير خم ) معروفة الزمان والمكان ، حديث أثناء عودة المسلمين من حج بيت الله الحرام فيما عرف بحجة الوداع قبيل موت رسول الله ( ص ) بقليل ، أي في العام العاشر للهجرة الموافق 631 ميلادي .

فإذا كانت الحجة عرفت بأنها حجة الوداع فكلمات رسول الله ( ص ) كانت وصية الوداع من رسول وصفة القرآن : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( التوبة / 128 ) ، إنها كلمات

تحمل أقصى درجة من الأهمية والخطورة بالنسبة لمصير الأمة ومستقبلها ، هذه الوصية كانت بأمر الله سبحانه وتعالى وقد جاء في أسباب النزول للنيسابوري وغيره من المفسرين أن قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك

وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ( المائدة / 67 ) ، أنها نزلت يوم غدير خم ، وأن

هذا التبليغ كان أمرا حيويا متمما ومكملا للرسالة الإسلامية ككل وإلا لما قال القرآن ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) . ما هذا الجزء الذي يكمل الكل فيجعله تاما ؟ .

توضيح كلمات الخطبة هذه المعاني فتقول ( ألا . إني أوشك أن أفارقكم وإني مسؤول ) . إذن فالرسالة في غاية الأهمية ، إنها المسؤولية أمام الله عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما ؟ أول الثقلين أو الثقل الأكبر هو كتاب الله ، إذن القضية

قضية منهج وليست قضية عاطفة ، إنه نبي يوشك أن يفارق أمته فيوصيهم لا بالأولاد كما يفعل عوام الناس ، ولا بتنمية ناله ، ولكن يوصيهم بالحفاظ على المنهج ، بل ويحدد لهم وسيلة الحفاظ على هذا المنهج ، إن هذا لا يكون إلا

بمتابعة الثقلين : الكتاب والعترة ، اتباع منهج ، وقيادة ، لا على سبيل العاطفة أو المودة فحسب .

فناصر الكتاب وأهل البيت ناصر الرسول ، وخاذل الكتاب والعترة خاذل للرسول ، إنها وصية مركزة ومحدودة تحدد المنهج ، وهو الكتاب أو النص وتحدد القيادة وهي قيادة أهل البيت الأقدر على فهم النص وتطبيقه ، ومطابقة السلوك مع المنهج

، فكيف إذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام ؟ وإذا اضطروا لإثبات الفهم لجؤوا إلى تمييع الأفهام فيقولون : ( ولا ننكر الوصاة بهم ) وهل كان رسول الله ( ص ) في حاجة إلى أن يجمع المسلمين

في هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب ؟ ، لا نظن هذا . ثم يلجأ الرسول الأكرم ( ص ) إلى مزيد من التحديد حينما يطرح ولاية أمير المؤمنين ( ع ) بصورة واضحة ومحدودة فيقول : ( من كنت وليه فهذا وليه ) ( 1 ) .

يقول بعض الباحثين : إن هذا الكلام لا يعني ولاية الأمر أو قيادة الأمة وإنما يعني النصرة والمحبة ، وهذا كلام عجيب ، فماذا كانت تعني ولاية رسول الله للأمة ؟ .

ألم تكن ولاية التشريع والقيادة ( من كنت مولاة فهذا مولاه ( 2 ) ، إنها ولاية من ولاية ، إنها من نفس الجنس والنوع والمعنى ، وليس هناك أي دليل أو قرينة لغوية تفصل بين الولايتين ، بل على العكس إنها قضية الامتداد تطرح في وقتها الملائم ( إني أوشك أن أفارقكم - من كنت مولاه فعلي مولاه ) .

بقي أن نقول إن هناك معنى عظيما في هذا الحديث ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) ، هذا المعنى هو أن هذه القيادة وإن غيبت ، فإنها لا تغيب بل وستبقى حاصرة في دين المسلمين ، إنها حاضرة حضور الكتاب في دنيا الناس حتى آخر الدنيا ، ثم إن هذه القيادة تحتفظ بصوابية


* ( هامش ) *
( 1 ) المصدر السابق ، 1 / 63 - 64 .
( 2 ) أنظر مصادر هذه الأحاديث من كتب وصحاح أهل السنة في الصفحات السابقة . ( * )



الكتاب الكريم نفسها ، إذ العترة عدل الكتاب ورفيقته في الطريق الحق ، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال .

ومن عجيب أن رواية الترمذي عن خطبة رسول الله ( ص ) في حجة الوداع ، وهي رواية تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصية نفسيهما ( تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، لقد كان رسول الله ( ص ) حريصا على أن يكرر الوصية نفسها في مسافة زمنية متقاربة .

وفي وسط أكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت في حجة الوداع ، ثم كان حديثه في ( غدير الجحفة ) تفصيلا وتأكيدا لوصيته يوم عرفة ، ثم إنها فوق كل هذا وصية مودع وصية ( رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( التوبة / 128 ) .

أما ( حديث المنزلة ) وقد قاله رسول الله ( ص ) ، قبيل مغادرته المدينة إلى غزوة تبوك في رجب من العام التاسع للهجرة ، 630 ميلادي ، وتبوك موضع في شمالي جزيرة العرب ، ولما انطلق النبي ( ص ) إلى الغزو ، استخلف عليا

( ع ) على المدينة فكانت هذه الكلمات : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ) ، فماذا كانت منزلة هارون من موسى ؟ فلنقرأ القرآن : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا

تتبع سبيل المفسدين ) ( الأعراف / 142 ) . إذا لقد كانت منزلة هارون من موسى هي منزلة الخلافة على الأمة ( اخلفني في قومي ) .

ثم نص القرآن على واجبات الخلافة ( وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) .

وهل كان اختيار رسول الله ( ص ) للإمام علي ( ع ) لحمل آيات البراءة مجرد مصادفة خاصة ، وأنه ( ص ) كان قد أرسل غيره حاملا للرسالة ثم نزعها منه وأعطاها للإمام ؟ ،

لقد كانت رسالة البراءة كما يلي : ( أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله ( ص ) فهو إلى مدته ) .

إن هذه المهمة التي أرسل فيها أمير المؤمنين علي ( ع ) هي من مهمات ( القيادة العليا ) بالتعبير السياسي الحديث مهمة إبرام المعاهدات أو نقضها ، مهمة وضع

سيادة الدولة الإسلامية في إطارها النهائي ، ومن ثم كان اختيار الإمام علي لهذه المهمة متلائما مع دوره المقبل في قيادة الأمة الإسلامية في المرحلة المقبلة ، وإنه

في هذه اللحظة كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح ( النائب الأول ) ، وهذا المعنى واضح في كلمات الرسول ( ص ) : ( لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي ) أما حديث السفينة فهو يحمل المعنى نفسه الوارد في حديث

الثقلين ، إنه يرتبط بين النجاة وبين التمسك بمنهج أهل البيت ( ع ) وولايتهم : ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ) ، وهل كان ركوب سفينة نوح متاحا للمؤمنين والكفار أم أنه كان متاحا للمؤمنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين ؟ .

إنها كانت هدية الله لمن آمنوا وصدقوا ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل * وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم )

( هود / 40 - 41 ) ، إنها سفينة النجاة تسير بأمر الله مجراها ومرساها لا بأهواء الناس ولا بضحالة علمهم ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) ( هود / 42 ) ، ثم هي بعد ذلك الوسيلة الوحيدة للنجاة من مهالك الدنيا والآخرة .

ويبقى ، بعد هذا ، حديث مدينة العلم ، هذا الحديث الذي شبه فيه الرسول ( ص ) علمه بالمدينة التي لا تؤتى إلا من بابها ، وبابها هو أمير المؤمنين علي ( ع ) ، ولطالما استعصى علي فهم قوله تعالى : ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) ( البقرة / 189 ) ،

هل نزلت هذه الآية لتعالج مشكلة تسلق أسوار البيوت فحسب ؟ ، ربما ، ولكني لا أظن أن مثل هذه الظاهرة تكفي وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الآية على أية قضية أخرى . إن المدلول

الأخطر والأهم هو تنظيم الهيئة الاجتماعية ، ووضع القيادة العلمية للأمة في موضعها الصحيح ، وهو موضع الباب ، وعلى كل من يريد الدخول أن يمر عبر

الطريق الطبيعي وهو الباب ، فإذا لم يكن للمدرسة أسوار وأصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب ، فإن هذا عين الفوضى الاجتماعية والعلمية والأخلاقية ، ثم

وجدت ضالتي في كلمات الإمام علي ( ع ) : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ) ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر ص ( 57 ) من هذا البحث . ( * )






كتاب : الطريق إلى مذهب أهل البيت
المستبصر : الدكتور أحمد راسم النفيس

__________________
يا من خلق الحُب فسواه .. يا من أهواه اذا أهوا
لو كان لقلبي أن يسهو .. سقط القلب بحبك سهوا
يا من ضاعت فيه سفني .. و برى بحر حنيني رهوا
من كسر المركب و اعتلق .. القلب بشيءٍ الا فهوَ

هل تتركني يا ترى ..
و الكون حوَته يداك ..
في الأعين يجري سناك ..

عميت عينٌ .. لا تراك ..

هذا البحث للأخ العزيز ابو قاسم مشكورآ على هذا العمل

منقول للأهميه

فطرس11
14-06-2007, 01:54 PM
اللهم صلي على محمد وأل محمد


يرفع