المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس المنطق (5) مباحث الألفاظ


نور الزهراء
05-05-2007, 01:01 AM
مباحث الألفاظ

الحاجة إلى مباحث الألفاظ:لا شك ان المنطقي لا يتعلق غرضه الأصلي إلاّ بنفس المعاني، ولكنه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ توصلاً إلى المعاني، لأنه من الواضح أن التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالباً إلاّ بتوسط لغة من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط فلا يتم التفاهم بها. فاحتاج المنطقي إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهة عامة، ومن غير اختصاص بلغة من اللغات، أتماما للتفاهم، ليزن كلامه وكلام غيره بمقياس صحيح.
وقلنا: (من جهة عامة)، لأن المنطق علم لا يختص بأهل لغة خاصة، وإن كان قد يحتاج إلى البحث عما يختص باللغة التي يستعملها المنطقي فيما قل: كالبحث عن دلالة لام التعريف - في لغة العرب - على الاستغراق، وعن كان وأخواتها في انها من الأدوات والحروف، وعن أدوات العموم والسلب... وما إلى ذلك. ولكنه قد يستغني عن إدخالها في المنطق اعتماداً على علوم اللغة.

هذه حاجته من أجل التفاهم مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى() إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه، هي أعظم وأشد من حاجته الأولى، بل لعلها هي السبب الحقيقي لإدخال هذه الأبحاث في المنطق.

ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع، ثم نذكر وجه حاجة الانسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد، فنقول.
(التمهيد)

ان للأشياء أربعة وجودات: وجودان حقيقيان ووجودان اعتباريان جعليان:
الأول - (الوجود الخارجي)، كوجودك ووجود الأشياء التي حولك ونحوها، من أفراد الانسان والحيوان والشجر والحجر والشمس والقمر والنجوم، إلى غير ذلك من الوجودات الخارجية التي لا حصر لها.
الثاني - (الوجود الذهني)، وهو علمنا بالأشياء الخارجية وغيرها من المفاهيم. وقد قلنا سابقاً: ان للإنسان قوة تنطبع فيها صور الأشياء. وهذه القوة تسمى الذهن. والانطباع فيها يسمى الوجود
الذهني الذي هو العلم.

وهذان الوجودان هما الوجودان الحقيقيان. لأنهما ليسا بوضع واضع ولا باعتبار معتبر.
الثالث - (الوجود اللفظي). بيانه: ان الانسان لما كان اجتماعياً بالطبع ومضطراً للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه، فانه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير. والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها، ليحس بها الغير بإحدى الحواس فيدركها. ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيراً من العناء، على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني، إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية أو لأنها لا يمكن إحضارها.

فألهم الله تعالى الانسان طريقة سهلة سريعة في التفهيم، بأن منحه قوة على الكلام والنطق بتقاطيع الحروف ليؤلف منها الألفاظ. وبمرور الزمن دعت الانسان الحاجة - وهي أم الاختراع - إلى أن يضع لكل معنى يعرفه ويحتاج إلى التفاهم عنه لفظاً خاصاً. ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.

ولأجل أن تثبت في ذهنك أيها الطالب هذه العبارة أكررها لك: (ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها). فتأملها جيداً، واعرف ان هذا الإحضار إنما يتمكن الإنسان منه بسبب قوة ارتباط اللفظ بالمعنى وعلاقته به في الذهن. وهذا الارتباط القوي ينشأ من العلم بالوضع وكثرة الاستعمال. فإذا حصل هذا الارتباط القوي لدى الذهن يصبح اللفظ عنده كأنه المعنى والمعنى كأنه اللفظ أي يصبحان عنده كشيء واحد، فإذا أحضر المتكلم اللفظ فكأنما أحضر المعنى بنفسه للسامع، فلا يكون فرق لديه بين أن يحضر خارجاً نفس المعنى وبين أن يحضر لفظه الموضوع له، فان السامع في كلا الحالين ينتقل ذهنه إلى المعنى. ولذا قد ينتقل السامع إلى المعنى ويغفل عن اللفظ وخواصه كأنه لم يسمعه مع أنه لم ينتقل إليه إلا بتوسط سماع اللفظ.

و زبده المخض أن هذا الارتباط يجعل اللفظ والمعنى كشيء واحد، فإذا وجد اللفظ فكأنما وجد المعنى. فلذا نقول: «وجود اللفظ وجود المعنى». ولكنه وجود لفظي للمعنى، أي ان الموجود حقيقة هو اللفظ لا غير، وينسب وجوده إلى المعنى مجازاً، بسبب هذا الارتباط الناشئ من الوضع. والشاهد على هذا الارتباط والاتحاد انتقال القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ وبالعكس: فإن اسم المحبوب من أعذب الألفاظ عند المحب، وإن كان في نفسه لفظاً وحشياً ينفر منه السمع واللسان. واسم العدو من أسمج الألفاظ وإن كان في نفسه لفظا ًمستملحاً. وكلما زاد هذا الارتباط زاد الانتقال، ولذا نرى اختلاف القبح في الألفاظ المعبر بها عن المعاني القبيحة، نحو التعابير عن عورة الانسان، فكثير الاستعمال أقبح من قليله. والكناية أقل قبحاً. بل قد لا يكون فيها قبح كما كنى القرآن الكريم بالفروج.وكذا رصانة التعبير وعذوبته يعطي جمالاً في المعنى لا نجده في التعبير الركيك الجافي، فيضفي جمال اللفظ على المعنى جمالاً وعذوبة.
الرابع - (الوجود الكتبي). شرحه: ان الألفاظ وحدها لا تكفي للقيام بحاجات الانسان كلها، لأنها تختص بالمشافهين. أما الغائبون والذين سيوجدون، فلابد لهم من وسيلة أخرى لتفهيمهم، فالتجأ الانسان أن يصنع النقوش الخطية لإحضار ألفاظه الدالة على المعاني، بدلاً من النطق بها، فكان الخط وجوداً للفظ. وقد سبق أن قلنا: أن اللفظ وجود للمعنى، فلذا نقول: «ان وجود الخط وجود للفظ ووجود للمعنى تبعاً». ولكنه وجود كتبي للفظ والمعنى، أي أن الموجود حقيقة هو الكتابة لا غير، وينسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع، كما ينسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.

إذن الكتابة تحضر الألفاظ، والألفاظ تحضر المعاني في الذهن، والمعاني الذهنية تدل على الموجودات الخارجية.

فاتضح ان الوجود اللفظي والكتبي (وجودان مجازيان اعتباريان للمعنى) بسبب الوضع والاستعمال.
النتيجة:

لقد سمعت هذا البيان المطول - وغرضنا أن نفهم منه الوجود اللفظي، وقد فهمنا ان اللفظ والمعنى لأجل قوة الارتباط بينهما كالشيء الواحد، فإذا أحضرت اللفظ بالنطق فكأنما أحضرت المعنى بنفسه.
ومن هنا نفهم كيف يؤثر هذا الارتباط على تفكير الانسان بينه وبين نفسه، ألا ترى نفسك عندما تحضر أي معنى كان في ذهنك لابد أن تحضر معه لفظه أيضاً، بل أكثر من ذلك تكون انتقالاتك الذهنية من معنى إلى معنى بتوسط إحضارك لألفاظها في الذهن: فانا نجد أنه لا ينفك غالباً تفكيرنا في أي أمر كان عن تخيل الألفاظ وتصورها كأنما نتحدث إلى نفوسنا ونناجيها بالألفاظ التي نتخيلها، فنرتب الألفاظ في أذهاننا، وعلى طبقها نرتب المعاني وتفصيلاتها، كما لو كنا نتكلم مع غيرنا.
قال الحكيم العظيم الشيخ الطوسي في شرح الإشارات: «الانتقالات الذهنية قد تكون بألفاظ ذهنية، وذلك لرسوخ العلاقة المذكورة - يشير إلى علاقة اللفظ بالمعنى - في الأذهان».
فإذا أخطأ المفكر في الألفاظ الذهنية أو تغيرت عليه أحوالها يؤثر ذلك على أفكاره وانتقالاته الذهنية، للسبب المتقدم.

فمن الضروري لترتيب الأفكار الصحيحة لطالب العلوم أن يحسن معرفة أحوال الألفاظ من وجهة عامة، وكان لزاماً على المنطقي أن يبحث عنها مقدمة لعلم المنطق واستعانة بها على تنظيم أفكاره الصحيحة.

مودتي ..

عاشقة النجف
08-05-2007, 10:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حبيبتي الغاليه نور الزهراء
الف شكر لكِ على الاختيار الموفق
درس مهم وجميل
بوركتِ