المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نقيم عزاء سيد الشهداء (ع) ؟


عاشق الحسن
29-01-2008, 11:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

حاولنا فى هذا الموسم ان نقدم للاخوة ملفا متكاملا جامعا بين : اداب حضور المجالس ، الى ومضات حسينية ، الى مقابلة عاشورائية .. ارجو من الله تعالى ان يفتح علينا ابواب رحمته فى مثل هذا الشهر الذى يجدد فيه الموالون عهدهم بسيد الشهداء (ع) وركبه من الشهداء والصالحين

عشرون وصية لحضور مجالس الحسين عليه السلام

إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لا بد لها من فقهٍ ظاهري وباطني .. وواضح أن حضور مجالس عزاء سيد الشهداء (ع) يمثل إقامة لشعيرة من شعائر الدين الحنيف .. إذ لولا دمه الطاهر ، لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه .. وهي من مصاديق إحياء الأمر الذي دعا الإمام الصادق (ع) لمن أحياه قائلا:
( رحم الله من أحيا أمرنا )..

ولا شك ان الحركة العاشورائية التى قام بها الحسين (ع) وصحبه من ابرز محطات التاريخ بحيث يمكن القول بانها الثالثة بعد خلقة آدم من حيث اصل اقامة المشروع الالهى المتمثل بجعل الخليفة فى الارض وبعد بعثة المصطفى (ص) من حيث تاسيس الرسالبة الخاتمة الى يوم القيامة وكانت الثالثة حركة الحسين (ع) من حيث تجديد هذه الرسالة و تخليصها مما علق بها طوال نصف قرن من غياب صاحب الرسالة بحيث اصبح على راس هرم المسلمين ( وهو اعلى قمة فى هيكلية الامة الخاتمة ) شخصية تعد فى اسفل القائمة خارج نطاق هيكل الامة الا وهو يزيد الذى نجل ونكرم الاسلام والانسانية ان يكون هو احد افرادها .. ومن هذا المنطلق ، أحببنا التنويه على ملاحظات مهمة في هذا المجال وذلك لان عطاء هذه المواسم كعطاء الشمس ، فهي واحدة في أصل العطاء ، ومتعددة في أثارها الخارجية ، بحسب القابليات ، واختلاف درجات المستقبلين لهذا العطاء .. واليكم بعض ما انعم الله تعالى علينا من الملاحظات فى هذا المجال:

(1) لا بد لاصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة لله تعالى فان الناقد كما نعلم بصير ، بعيدين عن كل صور الشرك الخفي ، ومما لا شك فيه ان البركات التى ذكرت من خلال النصوص الكثيرة مترتبة على مثل هذه النية الخالصة، وعلامة ذلك عدم الاهتمام بعدد الحضور واطرائهم وما يعود الى مثل هذه العوالم التى قد تستهوى عامة الخلق ، فالأجر مرتبط بما يقوم به هو ، لا بما يقوم به الآخرون .. فما عليك إلا أن تفتح بابك ، وتنشر بساطك ، كما ذكر الصادق (ع) في باب المعاملة .
(2) ان مجالس ذكر الحسين (ع) إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى ، فإنه انما اكتسب الخلود ، بتحقيقه اعلى صور العبودية لرب العالمين ، وهي الفداء بالنفس ، واية نفس ؟! .. وعليه فلا بد من توقير تلك المجالس بالدخول فيها بالتسمية والطهور، واستحضارها كجامعة من اعرق الجامعات الاسلامية الشعبية ، والتي تضم في قاعاتها المتعددة ( من اكواخ البوادى الى افخم الابنية ) مختلف الطبقات الاجتماعية ، وهذا ايضا من اسباب التفوق العلمي في القاعدة الشعبية للموالين نسبة الى غيرهم ، وذلك لتعرضهم لهذا الاشعاع النوري منذ نعومة اظفارهم .
(3) لا بد من الاستعداد النفسي قبل دخول المجلس ، فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى كثيرا ، والصلوات على النبي وآله الطاهرين ، والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الالهية في ذلك المكان ، إذ ما من شك ان لله تعالى في أيام دهرنا نفحات ، بحسب الازمنة والامكنة ، ولا شك ان مجلس ذكر الامام الشهيد في مضان نزول انواع الرحمة الالهية التي لا يمكن ان نحصل عليها في غير تلك المجالس ، ولا يفوتنا ان ننوه الى ان الامام الرضا (ع) وعدنا بذلك من خلال قوله (ع) : فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام.
(4) إذا كان المجلس مقاما في بيت من بيوت الله تعالى ، فلا ننسى تحية المسجد بركعتين مع توجه ، بالاضافة الى مراعاة جميع آداب المساجد المعروفة في الفقه ، وخاصة الالتزام بالحجاب الشرعي للنساء ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء في الطريق العام ، فإن موجبات حبط الاجر موجودة دائمة ، ولا ينبغي التعويل على قداسة الجو للتفريط ببعض الواجبات الواضحة فقها واخلاقا ، ولطالما فوتنا على انفسنا المكاسب الكبيرة بعد تحققها وذلك بالتفريط فى التحرز من موانع القبول .
(5) ليكن الهدف من استماع الخطب ، هو استخلاص النقاط العملية التي يمكن ان تغير مسيرة الفرد في الحياة ، وعليه فانظر إلى ما يقال ، ولا تنظر الى من يقول ، وعلى المستمع ان يفترض نفسه انه هو المعني بالخطاب الذي يتوجه للعموم ، ولا ينبغي نسيان هذه الحقيقة المتكررة فى حياتنا وهى أن الله تعالى قد يجري معلومة ضرورية للفرد على لسان متكلم غير قاصد لما يقول ، ولكن الله تعالى يجعل في ذلك خطابا لمن يريد ان يوقظه من غفلة من الغفلات القاتلة.
(6) لنحاول أن نعيش بانفسنا الاجواء التي يمكن ان تثير عندنا الدمعة ، فان من اقرب المجالس الى القبول ما كان فى الخلوات كجوف الليل ومن دون اثارة خارجية ، ليعيش العبد مرارة ما جرى يوم الطف تلك المرارة التى آلمت قلوب جميع الصديقين حتى الذين سمعوا بماساة سيد الشهداء (ع) قبل ان يولد ، وذلك باستذكار ما جرى في واقعة الطف ، من دون الاعتماد على ما يذكره الخطيب فحسب .. ومن المعلوم ايضا ان التوفيق في هذا المجال مرتبط بمطالعة اجمالية لمجمل هذه السيرة العطرة بما فيها الجانب الماساوى، وذلك من المصادر المعتبرة .
(7) اذا لم نوفق للبكاء ، فلنحاول أن نتباكى ، ونتظاهر بمظهر الحزن والتلهف على ما دهى سيد الشهداء (ع) مع عدم الاعتناء بالجالسين حولك ، فإن من تلبيس ابليس ان يمنعنا من ذلك بدعوى الرياء .. وليس من الادب ان يعامل المستمع ساعة النعي كساعة الوعظ حتى في طريقة الاستماع .. ولا يخفى على المتأمل ان رقة القلب حصيلة تفاعلات سابقة ، فالذي لا يمتلك منهجا تربويا لنفسه في حياته ، من الطبيعي ان يعيش حالة الذهول الفكري اضافة االى الجفاف العاطفي .
(8) اذا استمرت قسوة القلب طوال الموسم ، فلنبحث عن العوامل الموجبة لهذا الخذلان ، فقد ورد عن علي (ع) أنه قال : ( ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ) .. وخاصة اذا استمرت هذه الحالة فترة من الزمن ، فإنها مشعرة بعلاقة متوترة مع الغيب ، إذ كيف لا يتألم الانسان لما جرى على من يحب ، إن كان هنالك حب في البين ؟!.. ولا شك ان الذى يعيش هذا الجفاف المحزن فى وقت احوج ما يكون فيه العبد الى الرقة العاطفية عليه ان يلتجئ للاستغفار الحقيقى والذى اثره ترك المعصية ، وكم من الجميل ان ينتهى موسم الولاية بخاتمة توحيدية بمعنى الانابة الى الله تعالى ، وهذا بدوره مما سيجعل للمواسم العزائية وقعا فى نفوس الذين قد لا يتفاعلون مع هذه المشاعر فى بادئ النظر .
(9) لنستغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة ، وحاول أن يكون لك جو من الدعاء الخاص ، غير مكتف بما دعا به الخطيب ، فالملاحظ ان الدعاء بعد المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى ان الناس لا ينظرون الى هذه الفقرة نظرة جد واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال امر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من الالتفات والحال انه من الممكن ان يحقق العبد حاجاته الكبرى بعد الدموع التى جرت على احب الخلق الى الله تعالى فى زمانه.
(10) لنحاول أن نبحث عن التنوع في مجالس العزاء ، إذ لكل مجلس هيئته الخاصة ، ولكل خطيب تأثيره الخاص .. وعلى المستمع ان يبحث عن المجلس الذي يثير فيه العبرة والاعتبار ، تاركا كل الجهات الباطلة الاخرى : كارضاء اصحاب المجالس ، او التعصب لجهات معينة ، او الميل القلبي الذي لا مبرر له سوى الارتياح الذاتي لا الرسالي .. ونعتقد ان نزول البركات المادية والمعنوية مرتبط بنسبة طردية مع هذه النوايا التى لا يعلمها الا الله تعالى .
(11) لنحاول أن نفرغ انفسنا أيام عاشوراء من جهة : العمل والدراسة والتجارة وذلك اقامة للحداد على سبط النبي (ص) الذى كان يؤذيه بكاؤه وهو صغير ، وذلك لئلا يكون يومنا في يوم عاشوراء كباقي الايام مشتغلين بأمور الدنيا ، تاركين مشاطرة صاحب الامر (ع) في مصيبته التي يبكى عليها بدل الدموع دما .. والامر يعطي ثماره عندما يكون ذلك مقترنا بشيء من المجاهدة في هذا المجال فان افضل الاعمال احمزها اى اشقها على النفس .
(12) اذا كنت في بلد خال من مجالس الحسين (ع) فاستعن بالمسموعات والمرئيات والمواقع الهادفة ، لئلا تحرم بركات الموسم ، بل ان احياء الذكر في اماكن غير متعارفة له اثره الخاص .. وهذه من المجربات التي لا تخلف لاثرها ، إذ ان الذكر في الخلوات ، يخلو من كل شوائب الجلوات ، ومن هنا كان العمل اقرب للقبول من غيره وخاصة اذا اقترن ذلك بترويج لتلك الاهداف السامية فى قلوب الذين يجهلون هذه المعارف فان الناس لو عرفوا محاسن سيرتهم لاتبعوهم.
(13) ان من الامور الراجحة – سواء داخل البيت او خارجه - أن يعيش الاجواء المثيرة للعواطف ، بالاستماع الى ما أمكن من محاضرات ، ومجالس عزاء ، وقراءة الكتب المتعلقة بالسيرة والمقتل.. وكم من الجدير ان يحول المؤمن هذه الايام الى اسبوع شحن فكري وعاطفي ، في مختلف المجالات ، حتى العبادية منها.. فإن احياء هذه الذكرى مقدمة لاحياء الدين ، بكل حدوده وثغوره ، ومن الراجح ايضا ان لا يقتصر الامر على مجرد الشحن العاطفى بمعزل عن الشحن الفكرى ، فان من اهداف هذه الحركة المباركة هو تحريك العباد الى المنهج الربانى الذى كادت تضيع معالمه عندما اقصى الظالمون الامام عن الامة .
(14) إن علامة قبول العزاء : وعظاً ، واستماعاً ، وبكاءً ، وإبكاءً هو الخروج بالتوبة الصادقة بعد الموسم ، إقلاعاً عن الذنوب ، وتشديداً للمراقبة فان الذى كان يعطى الحسين (ع) هويته المتميزة هو الذكر الالهى فى كل مراحل حركته المباركة بما فى ذلك ساعة عروجه الى الملكوت الاعلى .. والملاحظة - مع الاسف الشديد - ان الانسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم ، وذلك بمجرد الخروج منه.. وهذا الامر يتكرر في كل عام مما يعظم لصاحبه الحسرة يوم القيامة .. فالامر بمثابة انسان ورد الغدير ، ولم يغترف منه الا لعطش ساعته ، من دون ان يتزود لسفره البعيد ، في القاحل من الارض .
(15) حاول أن تصطحب اهلك وأولادك واصدقائك لمجالس الحسين (ع) فإنها مضان التحول الجوهري حتى للنفوس العاصية ، ولا شك أنه يترك أثراً لا شعورياً في نفوس الاحداث.. وذلك لان للمعصوم (ع)عنايته واشرافه بعد وفاته ، كما ان الامر كذلك في حياته ، فاذا كان الشهيد حيا مرزوقا فكيف بامام الشهداء ؟!.. ومن المعلوم ان الفرق بين المعصوم الحي والمستشهد ، كالفارق بين الراكب والراجل ، إذ انه بانتقاله من هذه النشأة الدنيا ترجل عن بدنه الشريف .. فهل تجد فرقا بينهما ؟!
(16) يغلب على بعض المستمعين - مع الأسف - جو الاسترسال واللغو بعد انتهاء المجلس مباشرة ، وفي ذلك خسارة كبرى لما اكتسبه اثناء المجلس ، فحاول أن تغادر المجلس إن كنت تخشى من الوقوع في الباطل .. ومن المعروف في هذا المجال ، أن الادبار الاختياري بعد الاقبال العبادي مع رب العالمين أو في مجالس اهل البيت (ع) ، من موجبات العقوبة الالهية .. وقد ورد انه ما ضرب عبد بعقوبة اشد من قساوة القلب.. وهذا ايضا يفسر بعض صور الادبار الشديد ، بعد الاقبال الشديد ، وذلك لعدم قيام العبد برعاية آداب الاقبال ، كما هو حقه.
(17) إن البعض يحضر المجلس طلباً لحاجة من الحوائج ، فيدخل في باب المعاملة مع رب العالمين ، والحال أن الهدف الاساسي من هذه المجالس هو التذكير بالله تعالى ، وبما اراده امراً ونهياً وهى الاهداف التى قدم الامام نفسه من اجل تحقيقها ، فشعارنا ( تبكيك عيني لا لأجل مثوبة .... لكنما عيني لاجلك باكية ) .. و ما قيمة بعض الحوائج المادية الفانية في مقابل النظرة الالهية للعبد التي تقلب كيانه رأسا على عقب .
(18) إن من يقدم له العزاء في هذه المواسم بالدرجة الاولى هو بقية الماضين منهم ، ألا وهو صاحب الامر(ع) ، فحاول استحضار درجة الالم الذي يعتصر قلبه الشريف ، وذلك بانه الخبير بما جرى على جده الحسين (ع) في واقعة الطف ، إذ أن ما وصل الينا – رغم فداحته – لا يمثل الا القليل بالنسبة الى ما جرى على آل الله تعالى ومن هنا يعد امامنا المهدى (ع) من البكائين ولك ان تتصور حال من يندب جده الشهيد فى هذه القرون المتطاولة .
(19) إن البعض ينظر الى ما جرى في واقعة الطف و كأنه ملف فتح ليختم والحال اننا مأمورون بالتأسي بالنبي الاكرم واله علسهم السلام ، ومنهم سيد الشهداء (ع) : رفضا للظلم ، وذكرا لله تعالى على كل حال ، وفناء في العقيدة ، واستقامة في جهاد الاعداء ، وبصيرة في فهم حدود الشريعة ، فان ضريبة تمنى الكون معهم من اجل نصرتهم هو السعى العملى للتشبه بهم فى الحدود المتاحة الممكنة فى اى موقع من مواقع الجهاد فى الحياة .
(20) إن من الملفت حقا تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف .. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الاسدي ، ومنهم الطفل الرضيع ، ومنهم الشاب في ريعانة شبابه كالقاسم والاكبر ، ومنهم العبد الاسود كجون ، ومنهم النساء اللواتى شاركن في قسم من المعركة ، وما بعد المعركة كعقيلة الهاشميين زينب الكبرى (ع).. اليس في ذلك درس للجميع وان التكليف لا يختص بفئة دون فئة اخرى ، وان الله تعالى يريد من كل واحد منا ان يكون رافعا للواء التوحيد اينما كان ؟!

منقوووول

عاشق الحسن
29-01-2008, 11:43 AM
ان من المناسب ونحن فى شهر غلبة الدم على السيف ان نتلمس معالم هذا الدرب المضمخ بالشهاده عسى ان نكون صادقين فى دعوى تمنى الكون معهم لنفوز معهم مع الفائزين .. واننى فضلت طريقة الومضات بدلا من المقال المسترسل ليقف كل قارئ على ما شاء على ضفاف نهر الحسيت (ع) والذى لا زال جاريا فى قلوب محبيه الى جانب الحرارة التى لا تنطفأ ابدا ؟

1- ان من المهم جدا ان نعيد تقييم انفسنا من جديد ، عندما يمر علينا موسم عبادى : كشهر رمضان ومحرم ، لنرى ما هى العطاءات التى خرجنا منها ؟.. وهل انها كانت متناسبة مع قوة عطاء الموسم؟.. وهل اننا حافظنا على تلك العطاءات ؟.. وما هو الاستثمار الافضل لها بعد انتهاء الموسم ؟.. فان الكثير يعيش حالة الارتياح لما كان فيه ، من دون ان يكون قلقا لما سيكون عليه !! .. والشيطان - كما اعتدنا عليه - حريص على مصادرة مكتسبات المؤمن فى اول منعطف فى حياته .. فهل نحن حذرون من ذلك ؟

2- ان حركة الحسين (ع) كانت اسلوب حياة فى التعامل مع النفس والآخرين ، فانه اراد ان يعلمنا درس العبودية فى كل مراحل حركته المباركة .. فنراه يخرج من جانب البيت الالهى الآمن ، عندما يرى رضا ربه فى ذلك .. ونراه يعرض عياله للاسر والسبى ، عندما يرى بان الله تعالى شاء ان يراهن سبايا .. ويعرض نفسه لاقصى صور الهتك والتعذيب ، عندما يرى بان الله تعالى شاء ان يراه قتيلا .. وقد لخصت اخته زينب كل هذه الدروس عندما اعلنت بتحد صارخ لطاغية زمانها : ( ما رأيت إلا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفَلَج ( أي الظفر ) يومئذ ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة ! ).

3- ان مبدا الحوار والتفاهم بالخطاب، هو الاسلوب المتعارف فى تبليغ رسالات الانبياء (ع) وهو ما يمثله قوله تعالى : { وان من امة الا خلا فيها نذير } ، ولكن يصل الامر فى فساد المتسلط على رقاب الامة ، الى درجة لا يكون الانذار والبلاغ كافيا لردع الباطل الاكبر: وهو فساد من اذا فسد، فسدت الامة به - اذ الناس على دين ملوكهم - فيلزم القيام بحركة ما وراء البيان والبلاغ ، الا وهو القيام بحركة غير متعارفة من بذل الدم ، لتستفيق الامة من اعماقها ، على فساد ذات الحاكم ، بعدما غفلت الامة عن فساد اعمال الحاكم!! .. ومن هنا انهار الحكم الاموى بسنوات قصيرة من مقتل الحسين (ع) ، بل اعتبرت ثورته هي ام الثورات التى انبثقت فى صفوف الامة ، التى لم تعهد مثل ذلك قبل مقتل الشهيد (ع) .

4- اننا لاحظنا فى هذا العام وفى كل عام : مدى انتشار مجالس اقامة ذكر الحسين (ع) بما احيت فينا الامال ، بانه لا زال هناك قلب نابض فى جسم هذه الامة ، ذلك القلب الذى يستمد دمه من الدماء الزكية فى وادى الطف !!.. كل ذلك ببركة ذكرى معصوم من خط الولاية والامامة ، فكيف اذا حضر شخص المعصوم الاخير من تلك السلسة المباركة ؟! .. ولنتصور مدى احتفاء القلوب المتعطشة للعدالة ، فى شرق الارض وغربها ، بعدما يئست من كل الاطروحات المدعية اسعاد البشرية ؟

5- ان من دروس كربلاء هو : الجمع بين العفاف فى منتهى درجاته ، وبين الذب عن الدين بما اوتى الفرد من قوة .. فهذه زينب (ع) التى لم ير فى الخدر والحياء مثلها ، وكان على (ع) يحاول اخفاء خيالها عن غير المحارم ، عندما كان يطفئ السراج او يخفته - عند زيارتها لقبر جدها رسول الله (ص) - ولكنها مع ذلك كانت اللسان الناطق باسم الشريعة ، فى محضر امام زمانها السجاد (ع) .. ومن هنا صح ان يقال : كما ان الاسلام محمدى الوجود حسينى البقاء ، فان حركة الاصلاح كانت : حسينية الحدوث، زينبية البقاء !!

6- هناك شبه كبير بين معاملة الله تعالى لخليله ابراهيم وبين ذبيحه الحسين ( عليهما السلام ) وذلك فى ان الله تعالى جعل افئدة من الناس تهوي اليهم ، فان ما نلاحظه من اقبال الناس على ذكر الحسين (ع) واقامة عزائه لمن المذهل من الامور!! .. فكما انه نرى حتى بعض غير الملتزمين طوال العام تهفو نفوسهم الى حج البيت فكذلك نلاحظ هذا الفريق نفسه يبدون ولاء لا يتناسب مع طبيعة مرحلتهم ، بما نعلم ان هناك تصرفا الهيا فى القلوب ، وكأن هذه الحركة فى موسمى الحج ومحرم ، استجابة لدعوة ابراهيم .. ولا ريب ان ملاك هوى القلوب لآل محمد (ص) فى وادى الشهادة فى سبيل الله تعالى ، يشابه مع ملاك هوى القلوب لآل ابراهيم (ع) فى واد غير ذى زرع !!.

7- ان ما عشناه فى ايام محرم - وان كانت من النعم الالهية حيث اذاقنا حرارة محبة الحسين (ع) التي جعلها النبي (ص) من علامات الايمان - ولكنه فى الوقت نفسه اتمام للحجة علينا جميعا ، فان المؤاخذه الالهية بعد النفحات القدسية ، اسرع الى العبد مما لو كان محروما منها .. فان الممنون عليه ليس كالمحروم ، والعالم ليس كالجاهل !! .. اوهل يكفى ان نخرج من الموسم بالدموع والآهات ، من دون ان نرى تغييرا مهما فى مسيرة الحياة تحقيقا لاهداف الشريعة ؟!..

8- ان من دروس عاشوراء المهمة هو الحذر من سوء العاقبة ، فان البعض ممن شارك فى كربلاء – كما نقل - كان من اصحاب علي (ع) ولكن بلغ سوء العاقبة بهم الى ان شركوا في قتل امام زمانهم !!.. وهؤلاء كثيرون طوال التاريخ ممن صدر اللعن فى حقهم من قبل ائمة الهدى ، والذين كانوا يوما فى فى ركابهم !!.. فلا بد من ان يراعى كل فرد منا هذه البذور الخفية للانحرافات العظمى فى الحياة - وخاصة في حقل العقائد - فان من سمات آخر الزمان هو المسخ الفكرى الذى نعتقد ان من اسبابه : المعاصى الكبيرة ، معاشرة المنحرفين ، اكل السحت ، طلب الدنيا بالدين ، الاستماع الى زخرف القول الذي يلقيه الشيطان لاوليائه، كما ذكر القرآن قائلا : { وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم }.

9- يظن البعض أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية ، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها ، وهذا خطأ جسيم .. فكما أن تاريخ المواجهات لم تمت - طوال التاريخ - بين الأنبياء وأعدائهم ، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب ، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة ، لان منهجه ( منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي ) لا زال حياً ماثلاً للجميع .. فمتى مات الباطل ، لتموت المواجهة معه ؟..

10- إن الحسين (ع) في زمان أخيه الحسن (ع) كان رمزاً لطاعة إمام زمانه ، رغم انه يشترك مع أخيه في وصف السيادة لأهل الجنة ، ولهذا نراه يتعامل مع أخيه الإمام معاملة المأموم .. وهذا درس في زماننا المعاصر ، وهو أن نعيش حالة الطاعة المطلقة لبقية الماضين من سلسلة الائمة الاثني عشر .. وثمرتها في زمان الغيبة ، هو الرجوع إلى المجتهد : الصائن لنفسه ، والمطيع لمولاه ، والمخالف لهواه ، كما ورد في الحديث الشريف.

11- أن مأساة الحسين (ع) بدءً من خروجه من المدينة ، الى عودة سباياه الى المدينة مرة اخرى ، وما بينهما من الاحداث الجسام ، رغم تعدد الوانها المأساوية ، إلا أنها مصطبغة بلون واحد ، وهو العنصر المميز لكل حركته ، الا وهي العبودية المطلقة لله رب العالمين ، وهي تتجلى تارة : في مناجاته مع رب العالمين في مقتله .. وتارة في صلاة اخته زينب (ع) في جوف ليلة الحادي عشر من محرم .. وتارة في مناجاة السجاد (ع) مع ربه والاغلال الجامعة في عنقه الشريف! .

12- من معالم الثورة الحسينية ، حرص سبايا الحسين (ع) تبليغ رسالته في شتى الظروف القاسية ، وذلك بمنطق المنتصر ، وان كان مغلوباً ظاهرا.. فهذه زينب (ع) يصفها الراوي : ما رأيت خفرة ( أي شديدة الحياء ) بأنطق منها.. فإنها جمعت بين : كمال الالتزام بما تمليه الشريعة على الانثى عند حديثها مع الرجال ، وبين بيان المنهج الفكري الذي ينبغي أن ترجع اليه الامة ، والتي من اجلها ضحى اخوها الحسين (ع) بنفسه.

13- ان الطبع البشري يميل الى تخليد الذكر ، وبقاء الاثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل الى ذلك ، إلا بالارتباط بمبدأ الخلود ، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ، ربطه بأسباب الدوام والخلود ، كما ورد فيما اوحاه الله تعالى الى نبي من انبيائه : ( اذا اطعت رضيت ، واذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ) وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع).. ففي كل سنة تمر علينا ذكراه ، وكأنها ذكرى جديدة ، وسيبقى الامر كذلك ، الى ظهور الدولة الكريمة لولده المهدي (ع) الذي يثأر لخط الظلم الذي بدأ بقتل هابيل ، واستمر طوال التاريخ مرورا بكربلا ، الى اليوم الاخير لما قبل الظهور.

14- لئن كانت العشرة الاخيرة من شهر رمضان ، محطة تركيز على العلاقة الخاصة مع رب العالمين ، من الزاوية الفردية للعبادة .. فان العشرة الاولى من شهر محرم الحرام ، تمثل محطة تركيز ايضا على تلك العلاقة من الزاوية الاجتماعية للعبادة ، تاسيا بسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين ، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة ، مجسدا بذلك شعار احياء الخلق ، لانهم عباد الله .. واحب الخلق الى الله انفعهم لعياله .

16- ان من اعظم وظائف المحبين في هذه الايام ، هو تجسيد الحب - لا من خلال مظاهر العزاء فحسب - بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب .. اذ الحب ليس الا التجانس بين المحب والمحبوب ، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة ، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات .. وان اعظم قربان يقرب الى الله تعالى في هذه الايام ، هو نفي إنية النفس الأمارة : اجتثاثا لملكة خبيثة ، اواقلاعا عن منكر نعكف عليه .

17- ان البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الانبياء والاوصياء في تاثرهم بمصيبة الحسين (ع) .. إذ لم يتحقق على وجه الارض منذ ان خلق آدم ، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في : النفس والعيال حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع) .. ومن المعلوم ان هذه الظلامة قائمة ، لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع) ، فإن مرور الليالي والايام ، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذى اقشعرت له اظلة العرش قبل اركان الارض .. ولا ننسى ان صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين ، هو الذي وطاته الخيل بحوافرها ، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن !

18- إذا أردنا أن نصف ما جرى في كربلاء بعبارة موجزة ، فإن من خير ما يقال في هذا المجال : أن الذين حضروا تلك الواقعة لم تبق لهم ذوات حاكمة في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى .. وهذا هو مقام الفناء في الله ، الذي طالما طرحه القوم نظرية في عالم التصور ، إلا أنها تحققت على صعيد كربلاء في فتية صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه.

19- إن الذين ضحوا بارواحهم للاسلام مع الحسين (ع) كانت من شرائح مختلفة .. فمنهم من هو قديم العهد في الوفاء لرب العالمين كحبيب بن مظاهر ، ومنهم من هو جديد العهد بالهداية كالحر بن يزيد ، ولكن العاقبة كانت واحدة ألا وهي الاستقرار في مقعد الصدق عند مليك مقتدر ، مما يدفع أحدنا لعدم اليأس مهما غرق في بحر المعاصي ، فإن الأمور بخواتيمها.

20- إن دور الإمام في قيادة الأمة يتجلى من خلال واقعة الطف أيضاً .. فإن النفوس الصالحة من أصحابه الميامين لم تكن لتصل إلى ملكة الرشد والكمال الفعلي إلا من خلال رعايته وتربيته الروحية والعقائدية .. وهكذا لو ثنيت الوسادة للمعصوم (ع) في الأمة ، لحوّل الطاقات الكامنة فيها إلى ملكات فعلية ، تتجلى في التضحية والإيثار في سبيل المبدأ .. ومن هنا يشتد أسفنا لما وقع من الظلامة على أوصياء النبي (ص) بتنحيتهم عن هرم الهداية والارشاد بشتى صور الظلم .

21- هنالك صور من التضحية والفداء ، يقف الإنسان أمامهـا مدهوشاً ، فهذا وهب بن عبد الله يقاتل مع الحسين (ع) ثم يسأل أمه : يا أماه أرضيت ؟!.. فتقول : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (ع) ، ثم ذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه ، فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه ، فشرخها وقتلها وهي أول امرأة قتلت في معسكر الحسين (ع).

22- تأمل في الولاء المذهل لولي الأمر ، حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة التي يذهل فيها العبد عن كل شيء.. فهذا حبيب بن مظاهر يدنو من مسلم بن عوسجة ليسمعه يقول بصوت خفي: أوصيك بهذا !.. وأشار إلى الحسين (ع) ، فقاتل دونه حتى تموت. فقال له حبيب : لانعمنّك عيناً ، ثم مات رضوان الله تعالى عليه.

23- وهذا أبو ثمامه الصيداوي يقول للحسين (ع) : أحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فقال الحسين (ع) : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، فصلى الحسين (ع) بهم صلاة الخوف .. وكان سعيد بن عبد الله الحنفي أمام الحسين (ع) يقوم بين يديه كلما أخذ الإمام (ع) يمينا وشمالاً في صلاته ، ويتلقى سهام الأعداء فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف.

24- وهذا جون مولى أبي ذر يقول للحسين : يا بن رسول الله!.. أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس عليّ بالجنة ، فتطيب ريحي ويشرف حسبي ، ويبيّض وجهي !.. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .

25- خرج شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمه: اخرج يا بني !.. وقاتل بين يدي ابن رسول الله .. فخرج فقال الحسين : هذا شاب قُتـل أبوه ، ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك.. وقاتل حتى قُـتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (ع) ، فحملت أمه رأسه ، وقالت: أحسنت يا بني!.. يا سرور قلبي ويا قرة عيني

عاشق الحسن
29-01-2008, 11:43 AM
تم اجراء هذه المقابلة مع سماحة الشيخ حبيب الكاظمى مع مجلة عاشوراء ، واليكم نص المقابلة :

السؤال : ان الدروس المستفادة من سيرة الحسين (ع) بل من ثورته لها ابعاد مختلفه فما هي عينات من هذه الدروس التي لانحيط بكل جوانبها ؟

الجواب : ان الدروس المستفادة من العاشوراء الحسينى ، هي بنفسها الدروس المستفادة من الإسلام المحمدى ، وهى التى تجلت في مواقف الحسين (ع) طوال حياته المباركة فمن هذه الدروس :

1- درس الانقياد لولي أمر زمانه ، فهو رغم انه امام للخلق وريحانة رسول الله ، وسيد شباب اهل الجنه .. كل ذلك في درجة مساوية لاخيه الحسن (ع)الا انه كان يرعي التقدير الرباني الذي جعل الحسين (ع) ماموما لاخيه الحسن (ع) ايام حياته المباركة فلم يتقدم عليه بقول او فعل ، حتى في تلك المحنه التي جعلت الامام يصالح خصمه معاوية .. ومن هنا يعلم ان الانقياد والاستسلام لراس الهرم الذي يتم تعيينه من السماء من اولى سمات العبد الذي يرد ان يثبت عبوديته بين يدي ربه .. وما وقعت المآسى فى الامة الا من خلال التنكب لهذه الحاكمية المطلقة !.

2- درس الجمع بين الحركة الخالقية والمخلوقية ، بمعنى ان الامام (ع) الذي يعيش في صلب الحركة الاجتماعية ، وفي تعامل وثيق مع الخلق الى درجة الخروج على طاغية عصره ، بكل ما استلزمه هذا الخروج من بذل للنفس والنفيس وتعريض للاهل والعيال لصنوف الاذى والتعذيب ، الا انه يسجل لنا ارقى المشاعر العاطفيه في تعامله مع ربه ، فهو الذي يناجي ربه بمناجاة قل مثيلها في تراث الانسانية عندما وقف بارض عرفه وعيناه تذرفان كافواه القرب ، وهو الذي لم يترك هذه المناجاة وهو بارض نينوى يذرف اخر قطرات دمه في سبيل الله تعالى وهو يستغيث بربه باروع صور الالتجاء حيث يؤكد في الساعات الاخيرة من حياته على مبدأ التوحيد وانه لامعبود له سوى ربه .. والفخر كل الفخر ان يجمع العبد بين الحركتين ، فلا يطغى واحدة على حساب آخر ، فلا يذهله العمل مع الناس عن احساسه بالمعية الدائمية مع المولى ، كما لا يبعده الانس مع خالقه عن حمل هموم الناس والتفاعل مع آلامهم فان الخلق عيال الله تعالى واحب الخلق الى الله تعالى انفعهم لعياله .

3- درس الابدية والخلود فان الله تعالى لم يقيد نفسه بعالم الاسباب وان قيد عباده بذلك ، اذ له الحق متى شاء ان يخرم الاسباب ويسوقها في اتجاه معاكس لمقتضاها كما كان الامر كذلك لخليله ابراهيم (ع) حيث سببت النار سببا معاكسا للطبيعه النارية فان جاعل الاثر هو رافعه متى شاء ، ومن الواضح انه لا يُسال عما يفعل وهم يُسالون .. وعليه فمن يريد ان يدخل عالم الابدية والخلود بمعنى البحث عن امتداد له بعد الموت ، فعليه ان يربط الفاني من نشاطه بالباقي في عطائه ، فهو الباقي بذاته اصالة والمبقي لغيره تبعا .. ومن هنا صارت الواقعة فى يوم الطف و التي لم تستمر الا ساعات من يوم واحد وفي ارض قتالية محدودة ، واذا بها اصبحت كالواقعة التي ليست لوقعتها كاذبة في حيات الامم التي لاتدين حتى بدين الاسلام لان الحسين (ع) اراد ان يثبت للانسانية ان حياة الانسان بتحقيق لوازم الانسانية فاذا منع منه الانسان انتفى جدوى البقاء اذ الله تعالى اراد ان يجعل فى الارض خليفة فاذا انتفت القدرة على ممارسة الخلافة كما ارادها صاحبها فلا فلسفة للحياة فى الارض !!.. وما هذه الحركية التي تتسم بها مدرسة اهل البيت (ع) الا فرع من تلك الحركة التي بدات كي لاتنتهي، الا عندما يستلم الامام المهدي (ع) راية جده التى سقطت يوم الطفوف، ليرفعها خفاقة في ارجاء المعمورة ، ولا عجب ان ينادى يوم خروجه ليجعل من اوليات اهداف خروجه المبارك المطالبة بذلك الدم الزاكى الذى لم يثار ولا يثار له ربّه الا فى عصر ظهوره (ع) حيث ينادى : الا يا اهل العالم ان جدى الحسين قتلوه عطشانا !.. الا يا اهل العالم ان جدى الحسين سحقوه عدوانا !.. الا يا اهل العالم ان جدى الحسين تركوه عريانا !.

4- درس الاستقامة والثبات فى سبيل المبادئ والاهداف ومن هنا شيبت المصطفى (ص) اية من سورة هود وهى اية { فاستقم كما امرت } ، ومن المعلوم ان الذى يريدون ان يحققوا الاهداف الكبرى فى الحياة فانه لا بد من جعل الهمة على مستوى تلك الاهداف ، اذ على قدر اهل العزم تاتى العزائم .. والذى لا يريد من الدنيا الا الاستمتاع بالاجوفين اى بشهوة البطن والفرج فانه من الطبيعى ان يتحول الى ما يصفه على (ع) : بالبهيمة المربوطة همها علفها ، او المرسلة شغلها تقممها!!..


السؤال : لاشك ان عملية النقد اجدى من المدح في دفع الحركة الى الامام فهل هنالك من تعليقات او اقتراحات في مجال تطوير العزاء الحسيني ؟

االجواب : ان من اهم المؤاخذات التي نسجلها على مظاهر العزاء في البلاد التي تفوح منها اريج الولاية هي :

1- عدم مراعاة بعض الحدود الشرعية في التعامل بين الجنسين ، فموكب العزاء الذي ينبغي ان ننظر اليه بعنوان الموكبية للعزاء والمذكرية لعزاء سيد الشهداء (ع) ننظر اليه في بعض الحالات كأي مهرجان من المهرجانات التي يتعارف اقامتها في البلدان ، وان كان هذا المظهر العزائي لا نجد له مثيلا في أي امة من الامم بهذا الزخم وبهذه القوة .. وعليه فان الامر لابد ان يخرج من طابع التفرج الى التفريج عما يدور من مشاعر ولائية ، ومن طابع النظرة الساهية الى النظرة المتأملة للشعارات التي اطلقها الحسين (ع) واصحابه يوم الطف من خلال ما كان يرتجزه احدهم عندما يلاقي خصمه ، ليلخص محاضرة بسعة الحياة ، من خلال بيت واحد في ارجوزة خالدة ، كما لخص العباس (ع) ولاءه الرسالي لاخيه من خلال قوله (والله ان قطعتموا يميني ... اني احامي ابدا عن ديني ).

2- التركيز على جانب الماساة مع اهمال او عدم اعطاء جانب السيرة العملية المستوحاة من حركة الشهادة حقها ، فان الحسين (ع) عبرة بمعنى الاعتبار والتاسي قبل ان يكون عبرة بمعنى البكاء والندبة ، كما ان القرآن عندما يذكر جده المصطفى (ص) فانه يقدمه للامة كمشروع يمكن ان يحتذى به فى شتى ابعاد الحياة .. ولئن كانت العَبرة مركزة في ايام معدودات من الشهر، فان مجال العِبرة مفتوحة طوال العام، بل الى ساعة لقاء الله تعالى .. ومن هنا يعظم دور الرساليين في هذا الموسم ، ليمنهجوا الناس على هذا المنهج الذي لو رُوج له - كما يراد له - لعم الخير كل طبقات الامة .

3- عدم ايجاد الصلة بين شهر محرم وصفر و باقي فصول السنة ، وكأننا مطالبون بتكليف زائد في هذين الشهرين دون شهور العام ، والحال انهما محطة الى جانب محطة شهر رمضان المبارك لتقويم وتقييم المسيرة طوال شهور السنة .. فمن لم يخرج من هذين الشهرين بتغيير جوهري في سلوكه فانه لم يصل الى ملكوت الموسم والذي خفي عن الكثيرين ، فاننا نعتقد انه كما كان للحسين (ع) تجليات فى نفوس اصحابه جعلهم يتسابقون الى الشهادة بشيئ من المزاح فى بعض الحالات ، فان هذه العناية لم تنقطع حتى فى هذا العصر .. اوليس الشهيد مرزوق من عند الله تعالى ؟ّ.. اوليس من مصاديق الرزق ، الالتفات الشهودى والتفضلى للمتوجهين الى ارواح الشهداء وخاصة اذا كانت تلك الروح هى الروح المطمئنة لسيدهم ؟!.

4- عدم تطوير اللغة الأدبية للمراثي الحسينية بحيث تثير كل الطبقات في كل الامصار ، فالملاحظ ان البعض ينشد قصيدة بالعامية لايفهمها الجمهور الذى لا يتفاعل معها ، وكانه يراد اللحن الرثائي مجردا عن المضمون المؤثر في إثارة العاطفة ، والحال ان اللفظ جعل جسرا لاثارة المداليل فى الباطن والا تحول الامر الى مجرد اصوات ايقاعية من دون تاثير واقعى .

5- الخروج في بعض الحالات عن الجادة الشرعية في طريقة العزاء ، بحيث تذكر بعض الجزئيات المفجعة ولكن بلحن غير لائق بتلك المضامين .. و الشاهد على ذلك عدم التفاعل البكائي حين الاستماع لانشغال المستمع بالطور الذي قد يقرب من بعض الالحان التي قد تقرب من دائرة الحرام . وغنى عن القول بان الله تعالى لا يطاع من حيث يعصى !

6- ربط بعض مظاهر هذه الحركة المقدسة المضمخة بدماء الاطهرين ، ببعض صور المتاع الدنيوي ، وهذا مما لايرضى به الشارع قطعا ، حيث يدخل الامر حينئذ في دائرة التعامل السوقي ويتحول معالم ترويج هذا الجهاد المقدس ، الى اداة لكسب المال والوجاهة ، سواء في مجال الوعظ ، او الكتابة ، او انشاد الشعر او غير ذلك .. اذ تعظم حسرة العبد يوم القيامة حينما يرى كيف انه استبدل الذهب الباقى بالخزف الفانى !

7- عدم مراعاة النوايا الخالصة في اقامة الشعائر وخاصة انها جالبة للوجاهة الاجتماعية .. ومن هنا قد يتحرك البعض لجعل اقبال الناس على الله تعالى جسرا للدعوة الى الذات ، بدلا من التوجيه الى المعاني السامية المكتنزة فى النهضة الحسينية ، ومن المعلوم ان الله تعالى لايبارك الا فيما كان خالصا لوجهه الكريم ، مصداقا لقاعدة انما يتقبل الله من المتقين .

8- ضرورة استغلال المراكز الحسينية كالمأتم وغيرها من اجل التوعية العامة الشاملة ، وخاصة في غير مواسم العزاء ، وخاصة مع انتشار مثل هذه المراكز فى اقصى القرى النائية فى البلاد مما يجعلها اشبة شيئ بفروع صغيرة لجامعة كبرى .. ولا ينبغى ان ننسى انه قد سجل فى التأريخ ان اصحاب الحسين (ع) كان لهم دوي كدوي النحل ليلة العاشر : تلاوة للقران ، ومناجاة للرحمن .. فلماذا لاتكون هذه المراكز مصدر اشعاع في هذا المجال ، ترويجا لكل معالم الشريعة بما فيها القرآن الكريم والفقه والعقائد وسيرة الاطهرين (ع) و لو تحولت هذه المآتم - الى جانب اقامة العزاء - الى معاهد لتثقيف روادها لربينا جيلا من الداعين الى الله تعالى والسائرين فى ركب الحسين (ع) بكل ما للكلمة من معنى .

9- عدم بلوغ المجالس النسائية المرحلة المطلوبه في مجال التوعية لنصف كيان المجتمع ، وخاصة في مايتعلق بالثقافه المرتبطة بالنساء ، وذلك لوجود النقص الكبير في الكادر النسائي الذي يمكنه ان يربط بين جانب العزاء و باقى فروع المعرفة لرفع الضحالة التى لا تنكر فى عامة المجالس النسائية .. وغنى عن القول ان طبيعة هذه المجالس غير مفتوحة للمبلغين من الرجال ، وعليه فاذا لم تتصدى الكفوءات من المؤمنات فى هذا المجال بقيت المشكلة بحالها .

10- استغلال بساطة وبرائة بعض النفوس من اجل استعبادها واسنتزافها ماديا ، وذلك ببعض الدعاوي الغريبة التي لم يقم عليها دليل ، كادعاء الشهود والمنامات وبعض صور توهم الكرامة وغير ذلك مما لا يورث اليقين ، وخاصة عندما يكون المدعي على مسوى لايعتد به من الايمان والتقوى ، وهذا بدوره يوجب زعزعة الايمان بالعقائد الحقة عند قياسها بمثل تلك الدعاوى الزائفة .. واننا فى الوقت نفسه لا ننكر بان الله تعالى يظهر كرامة اوليائه بين وقت وآخر لحكمة بالغة ولكن لا على نحو ما يدعيه بعض البسطاء او الادعياء !.

11- عدم الاهتمام بالشبيبة المؤمنه في مجال ربطهم بابطال الطف ، وخاصة مع ما نشاهده من مواكبة جمع من الشباب لامام زمانهم حيث بذلوا مهجهم فى نصرة الحسين (ع) كالقاسم والاكبرواولاد زينب الكبرى عليهم السلام جميعا .. وهذه ذريعه مباركة فى تحفيز الشباب وربطهم بالمبادئ التى ساروا عليها وقد لخصها على الاكبر بقوله : لا نبالى وقعنا على الموت او وقع الموت علينا .

12- السعي لنقل معالم هذه الحركة المباركة اقامة للعزاء وتنويرا للاذهان للمعاهد الثقافيه كالجامعات وغيرها .. اذ من الممكن ان لايانس البعض ببعض المظاهر، فلماذا لا نقتحم ميادين المجتمع المتنوعه لبذر بذور هذه الشعائر في تلك النفوس التي لو نبتت فيها هذه البراعم المباركة لقضت على الكثير من الباطل في نفوسهم ، وخاصة مع ملاحظة الجاذبية التى شبيهه بالاعجاز فى نفوس المعتقدين بشيئ من خط الامامة .. فليس من الطبيعى ابدا ان يتفاعل الانسان بحادثة فى عمق التاريخ وكانها بنت يومها بحيث ينسى الانسان مصائبة القريبة عندما يهل هلال الشهر الحرام !

13- الاهتمام بجانب الافراح الى جانب العزاء ، فان المؤمنين خلقوا من فاضل طينتهم ولازمة ذلك الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم .. ولا بد من ابتكار الصور المختلفة لايجاد حالة البهجة والسرور فى النفوس بعيدا عن الدخول في اجواء مشابهة للمجالس التى قد تنتابها بعض ما يوجب الخفة ويسلب الوقار الذى ينبغى ان يكون عليه مجالس اهل البيت (ع) .

سؤال : هل من الممكن ان تذكر لنا شيئا عن اداب الزيارة المؤثرة فى تغيير وجهة الحياة ؟

الجواب : عندما نراجع احاديث الزيارة وفضلها في تراث اهل البيت (ع) تنتاب الانسان حالة من الذهول لعظيم الاجر المترتب على اتيان مشاهدهم ، ولا شك ان هنلك حكمة بالغة من وراء هذا الحث .. والذي نعتقده ان الامرلا يقتصر على مجرد شد الرحال الى هذه المواطن لنجوب البلاد من اجل القاء نظرة حسية مجردة عن استلهام المعانى الرسالية المتناسبة مع اهداف تلك الزيارات .. فالقران الكريم يامر بـ ( سيروا ) مقدمة لـ ( اعتبروا ) .. فالمطلوب ان نحقق سياحة انفسية بموازاة هذه السياحة الافاقية .. وعليه فمن يريد ان يحقق الزيارة الموجبة لحصول الاهداف الكبرى في هذا المجال فعليه ان يستشعر المعاني التالية :

1- الاحساس بحياة المزور ، بمعنى جعل الزيارة متوجهة لتلك الحقيقة الكبرى التي لا يعتريها الفناء والتى رحلت من هذه الدنيا الى نشأة اعظم ، واوسع ، واكثر قربا من المليك المتعال ، فان الفناء لايعتري نفوس عامة الخلق فكيف بقادتهم ؟!.. ومن المعلوم انه كلما اشتدت المعرفة الباطنية لهذه الحقيقة ، كلما زاد التادب فى مشاهدهم من جهة ، واشتدت قوة التفاعل مع مضامين الزيارة من جهة اخرى .

2- ان ثمرة الحب الصادق الذي يراد اظهاره من خلال الزيارة ، هو الاتباع الصادق مصداقا لقوله تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فان الحب حاله وجدانية تربط المتحابين ، وهي فرع التناسخ الباطنى فيما بينهما ، وهذا بدوره يستلزم التسانخ العملي في ساحة الحياة ، اذ ان المحب الصادق لابد وان يتشبه بالمحبوب في شتى الابعاد ، والا كان عدوا لمن يدعى حبه فى مقام العمل .. ومن هنا جاز ان يصف الرب عبده بالكذب والخداع ، عندما يدعي العبودية والاستعانة في فاتحة صلاته !.. ولنقس على ذلك باقى صور الادعاء .

السؤال : هل من توصية اخيرة لتحسين اداء المهتمين باحياء واقعه الطف ؟

السؤال : اننا في نفس الوقت الذي ندعو المؤمنين الملتفين حول راية الامام الشهيد سواء في مجال الفكر او المشاعر ، بجانب حفظ الشعائر التي تربت عليها الاجيال الموالية طوال التاريخ ، والتي هي بلاشك مطابقة لعمومات الكتاب والسنه الداعية الى : التذكير بايام الله تعالى ، وتعظيم الشعائر ، والدعوة الى سبيل الله ، والعمل مودة ذوي القربى ، وغير ذلك من النصوص النبوية والولائية الصريحة في رجحان بل لزوم احياء ذكر أبي الاحرار (ع) فاننا - في الوقت نفسه - ندعوا الى ابتكار الاساليب الحديثة في هذا المجال .. فان الطرق المؤثرة لنقل الفكرة والمشاعر تختلف من جيل الى جيل ،لان ادواة التاثير تتناسب مع طبيعة كل جيل تبا لتطور المستوى الفكري والعاطفي لديهم .

فان هذه الحقيقة لاتنكر - كمثال على تبدل اساليب التعبير واذواق المعبرين - وهى ان بعض النصوص الادبية التي كانت مستاغه في اوائل القرن الحاضر لم تعد مقبوله في هذا العصر، مما يدل على تبدل الامزجة الفنية والثقافية لكل جيل بحسب المؤثرات الدخيلة فى نفسيته ، ولكن لابد ان نحترز في الوقت نفسه من عدم تخفيف اللون العاطفي للعطاء الفكري بدعوى عقلنة العاطفة ، بل اننا مدعوون الى عرض الفكرة بكامل حدودها ومعالمها الصحيحة في طبق عاطفي مثير ، لتستقر موادها في العقل والقلب معا ، واذا تم ذلك فانه لايمكن لاية قوة من القوى من زحزحة الفرد عن مسلكه في الحياة.

وغني عن القول ان الحسين (ع) استغل لغة البرهان تارة في خطبه قبل ورود ارض الشهادة وفي يوم الشهادة ، كقوله : ( ان لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون يوم المعاد فكونوا احرار في دنياكم ) حيث جعل الامام (ع) اكثر من خيار في بيان موجبات تقييد الانسان بالمباديء ، كما استغل لغة العاطفة كعرضه رضيعه على القوم اثارة لاوليات الغريزة الانسانية الداعية الى الرفق بمن لا تكليف له .
ان من يحاول ان يقوم بعملية نغييرية فى مجتمعه من دون الطيران بجناحي الفكرة الصائبة والعاطفة الهادفة فهو كمن يطير بلا جناح او بجناح واح