المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام علي ( عليه السلام ) في رأي معاوية بن أبي سفيان مصادر سنية


الشيخ عباس محمد
09-01-2018, 08:25 PM
الإمام علي ( عليه السلام ) في رأي معاوية بن أبي سفيان
1 - معاوية يعترف : علي حلاّل المشكلات .
قال العلاّمة الحافظ المناوي الشافعي : إنّ معاوية كان يرسل أناساً يسأل علياً ( عليه السلام ) عن المشكلات ـ سواء معضلاته أو معضلات غيره ـ فكان علي ( عليه السلام ) يجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوك ! ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أَما يكفينا أن احتاجنا وسألنا ؟ ) (1) .
2 - معاوية يعترف : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يغر علياً ( عليه السلام ) بالعلم غراً .
أخرج الإمام أحمد بن حنبل ، وآخرون من حفّاظ أهل السُنة ومفسّريهم ، بإسنادهم عن قيس بن أبي حازم ـ وهو من ثقات الرواة عند أهل السنة ـ أنّه قال : إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسالة . فقال : اسأل عنها علياً فهو أعلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، جوابك فيها أحب إليّ من جواب علي ، قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يغره بالعلم غراً ، ولقد قال له : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ـ ويلجأ إلى علي في حل مسائله ـ ثمّ قال معاوية للرجل : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان (2) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيض القدير 4 : 356 ح 5593 ( علي عيبة علمي ) عن شرح الحمزية .
( 2 ) فضائل الصحابة 2 : 675 ح 1153 ، مناقب أمير المؤمنين لأحمد بن حنبل : 197 ح 275 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 34 ح 52 ، ذخائر العقبى : 79، الرياض النضرة 3
وروى عنه ابن حجر : ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ، ولقد شهدته إذا أشكل عليه شيء قال : هاهنا علي ، قم لا أقام الله رجليك (1) .
3 - معاوية يعترف : علي مع الحق . ..
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر ، وآخرون من أعلام الحديث والتاريخ من أهل السُنة ، بإسنادهم قالوا : حجّ معاوية بن أبي سفيان فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال : يا بن عباس ، إنّك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا . .. وقرعه ابن عباس بجواب فحار منه معاوية ، فتركه وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق ، أنت الذي لم تعرف حقنا ، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا ، فقال سعد : فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) . فقال معاوية : لتأتيني على هذا ببيّنة ، فقال : سعد : هذه أمّ سلمة تشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقاموا جميعاً فدخلوا على أمّ سلمة فقالوا : يا أمّ المؤمنين ، إنّ الأكاذيب قد كثرت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا سعد يذكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم نسمعه ، إنّه قال ـ لعلي ـ : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
162 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 170 - 171 ، فرائد السمطين 1 : 371 باب ( 68 ) ح 302 ، جواهر العقدين : القسم الثاني : 205 ، الصواعق المحرقة : 179 واكتفى ابن حجر في كتابه هذا بذكر حديث المنزلة فقط ، نظم درر السمطين : 134 ، فيض القدير 3 : 46 ح 2705 ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) .
( 1 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 : 70.
فقالت أمّ سلمة : في بيتي هذا ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) .
فقال معاوية لسعد : يا أبا إسحاق ، ما كان ألوم الآن ـ أي أنّك يا سعد ألوم الناس عندي ـ إذ سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجلست عن علي ( عليه السلام ) ، لو سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) حتى أموت (1) .
وروى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لمّا حجّ معاوية وطاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي ( عليه السلام ) ، وشرع في سبه (2) . فزحف سعد ، ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ، ثمّ شرعت في سب علي ( عليه السلام ) ، والله ، لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي ( عليه السلام ) ، أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن أكون صهراً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّ لي من الوُلد ما لعلي ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له يوم خيبر : ( لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبه اللهُ ورسوله ، ويحب اللهَ ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه ) ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ( أَلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ ) أحب إلي من أن يكون لي
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ مدينة دمشق 20 : 360 ترجمة سعد بن أبي وقاص ، المناقب للسروي 3 : 62 أخرجه عن كتاب اعتقاد أهل السنة لعبد العزيز الأشهي الشافعي ، مجمع الزوائد 7 : 235 عن مسند البزار ، أرجح المطالب : 600 عن ابن مردويه ، إحقاق الحق 5 : 631 أخرجه عن مفتاح النجاة للبدخشي : 66.
( 2 ) روى ابن حجر في فتح الباري 7 : 60 لمّا طلب معاوية من سعد أن يسب علياً قال سعد : لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته أبداً. .. ( المعرّب )
ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله ، لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض .
وزاد المسعودي فقال : وجدت في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار : أنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط أَلأم منك الآن ، فهلاّ نصرته ؟ ولِمَ قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه ، لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) ما عشت (1) .
أقول : وقد استجاب الله دعاء المؤمنين : اللهم اشغل الظالمين بالظالمين ، ليأمن الناس من شرهم ، واستنادهم إلى الحكمة القائلة : الفضل ما شهدت به الأعداء ، التي تكشف عن بيان حقيقة علو رتبة صاحبها ، فترى أنّ معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص ـ كلاهما ظَلم علياً ( عليه السلام ) حقه ـ يتنازعان في علي ( عليه السلام ) ، وكل منهما يحتج على الآخر ، ويخطّئه بذكر فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) .
وأمّا معاوية وإن كان هو الآخر قد سمع هذه المناقب العلوية ، مثل حديث المنزلة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما روي في أكثر من عشر مصادر عن معاوية ، إلاّ أنّه أنكر في هذه الرواية ؛ تقريعاً لسعد بن أبي وقاص حيث قال له : فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت .
ويجدر بنا أن نبارك لمعاوية ، هذا الاعتراف بأهمية حديث المنزلة ، وحديث أنت مع الحق ، وتحقيره لسعد بن أبي وقاص ، بأنّه أحقر وأشأم إنسان ؛ ذلك بسبب تخلّفه عن بيعة علي ( عليه السلام ) ونصرته .
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مروج الذهب 3 : 14 في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، تذكرة الخواص 18 - 19 رواه بالإجمال .
ولا يخفى أنّ معاوية هو أحقر وأشأم من سعد ؛ لأنّه لو لم يكن قد سمع بحديث أنت مع الحق وحديث المنزلة ، قبل سماعه من أمّ المؤمنين أمّ سلمة زوج الرسول ، التي يعتمد على روايتها الشيعة والسنة ، لكانت المسالة هيّنةً ، ولكنّه قد سمع وتغاضى عنه ، وهو في الحين نفسه سنّ سُنته السيئة ( لعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وسبه على المنابر وفي صلاة الجمع ) التي دامت سبعين سنة ، بحيث لمّا أمر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ، بالكف عن شتم علي ( عليه السلام ) على المنابر فقط ، صاح به الناس الذين تأسّوا بمعاوية وقالوا : تركت السُنة وغيّرتها (1) .
فعلى هذا ، فلو كان لحديث ( أنت مع الحق ) و ( المنزلة ) هذه الدرجة من الأهمية ، بحيث يتمنّى معاوية أنّه لو كان قد سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أن يخدم علياً ( عليه السلام ) مدى حياته ، إذن ، فلا ريب أنّ مخالفة علي ( عليه السلام ) والانحراف عنه تعتبر إنكاراً للحق ، فكيف إذاً آلت هذه المخالفة إلى ، محاربته ، وقتال أصحابه وسبه ، والأمر بلعنه ( عليه السلام ) ، الذي سنّه معاوية ، فهل هو شيء غير الكفر ومخالفة الإسلام والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
أخرج العلاّمة الجويني بسنده قال : اجتمع الطرماح الطائي ، وهشام المرادي ، ومحمد بن عبد الله الحميري ـ وهم من أشهر شعراء العرب ـ عند معاوية ، فأخرج ـ معاوية ـ بدرة ووضعها بين يديه فقال : يا شعراء العرب ، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولا تقولوا إلاّ الحق ، فأنا نفي عن صخر بن حرب ـ أي أنّي لست ابن صخر ـ إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) : فقام الطرماح فتكلم في علي ( عليه السلام ) ووقع فيه !! فقال له معاوية : اجلس فقد علم الله نيتك ورأى مكانك .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 13 : 220 - 222.
ثمّ قام هشام المرادي فقال ووقع فيه . فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك قد علم الله نيتكما ورأى مكانكما . ثمّ قال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري - وكان خاصاً به ، وهذا الحميري هو جد السيد المرتضى لأمّه ـ : تكلم ولا تقل إلاّ الحق في علي ( عليه السلام ) . ثمّ قال : يا معاوية ، قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة ، إلاّ قائل الحق في علي ( عليه السلام ) ؟ قال معاوية : نعم ، أنا نفي من صخر بن حرب ، إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) . فقام محمد بن عبد الله فتكلم فقال :

بـحق مـحمّد قـولوا بحقٍ
فـإنّ الإفـك مـن شِيمِ اللئامِ
أبـعدَ مـحمّد بـأبي وأمّـي
رسول الله ذي الشرفِ التهامي
أَليس علي أفضلَ خَلقِ ربّي
وأشـرفَ عندَ تحصيلِ الأنامِ
ولايـته هـي الإيـمان حقاً
فـذَرني مـن أبـاطيل الكلامِ
وطـاعةُ ربِّـنا فـيها وفيها
شـفاءٌ لـلقلوبِ مـن السقامِ
عـلي إمـامنا بـأبي وأمّي
أبـو الحسن المطهّر من حرامِ
إمـام هـدىً أتـاه اللهُ علماً
بـه عرفَ الحلالَ من الحرامِ
ولـو أنّـي قتلتُ النفسَ حباً
لـه مـا كـان فـيها من أثامِ
يـحلّ الـنارَ قـومٌ أبغضوه
وإن صلّوا وصاموا ألفَ عامِ
ولا واللهِ لا تـزكوا صـلاةٌ
بـغير ولايـةِ الـعدلِ الإمامِ
أمـير المؤمنينَ بكَ اعتمادي
وبـالغُر الـميامينَ اعتصامي

فـهذا الـقول لي دين وهذا
إلـى لُـقياك يا ربّي كلامي
بَرأتُ من الذي عادى علياً
وحـاربه مـن أولادِ الطغامِ
تَـناسوا نصبَه في يوم خمٍ
مـن الباري ومن خيرِ الأنامِ
برغمِ الأنفِ مَن يشنأ كلامي
عـليٌ فـضلُه كالبحرِ طامي
وأبـرأ مـن أناسٍ أخّروه
وكـان هـو الـمقدّم بالمقامِ
عـليٌ هـزمَ الأبـطالَ لمّا
رأوا فـي كـفهِ برقَ الحُسامِ
فقال معاوية : أنت أصدقهم قولاً فخذ البدرة (1) .
أقول : الأبيات الخمس الأخيرة ، قد حذفت من كتاب فرائد السمطين ، الذي طبع في الآونة الأخيرة ، وهي موجودة في النسخة الخطية ، التي اعتمدها العلاّمة الأميني في غديره ، والقصيدة بكاملها 17 بيتاً ، نقلها الجويني من الخصائص العلوية على سائر البرية للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد النطنزي .
5 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) أكرم الناس أباً وأُمّاً .
أخرج العلاّمة المحدّث البيهقي وقال : قال معاوية ذات يوم وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني بخير الناس ، أباً وأُمّاً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ، وجداً وجدةً ، فقام مالك بن عجلان فأومأ إلى الحسن ( عليه السلام ) فقال : ها هو ذا ، أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر الطيّار في الجنات ، وعمته أمّ هانئ بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فرائد السمطين 1 : 375 باب ( 68 ) ح 305 ، الغدير 2 : 177، بحار الأنوار 33 : 258 ح 531 ، بشارة المصطفى : 11 وقد زيد فيه بيتاً آخر ، وهو :
على آلِ الرسولِ صلاةُ ربّي صلاة بالكمالِ وبالتمامِ
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) . فسكت القوم ، ونهض الحسن ( عليه السلام ) ، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال : حب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل ؟ فقال ابن عجلان : ما قلت إلاّ حقاً ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق ، إلا لم يعطَ أمنيته في دنياه ، وخُتم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضركم عوداً ، وأوراكم زنداً ، أليس كذلك ، يا معاوية ؟ قال ـ معاوية ـ : نعم (1) .
وأخرج ابن عساكر الدمشقي في تاريخه حديثاً قريباً لهذا الحديث (2) .
وروى العلاّمة ابن عبد ربّه الأندلسي حديثاً آخر ، ولعلّه غير المذكور آنفاً قال فيه : سأل معاوية يوماً جلساءه : مَن أكرم الناس ، أباً وأُمّاً ، وجداً وجدةً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ؟ فقالوا : أنت أعلم .
فأخذ ـ معاوية ـ بيد الحسن بن علي ( عليه السلام ) وقال : هذا !! أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأُمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر ، وعمته هالة بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) .
أقول : هذا الحديث وإن كان يتعلّق بذكر الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولكن لمّا كان فيه
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) المحاسن والمساوئ : 82 - 83.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 13 : 240 ، ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) لابن عساكر 3 : 121 في الهامش ، ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) لابن عساكر : 138 ح 229.
( 3 ) العقد الفريد 5 : 87.
اعتراف معاوية بأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) ـ أبو الإمام الحسن ( عليه السلام ) ـ هو أكرم الناس طُراً ، وهو ممّا يتناسب بموضوع هذا الكتاب أدرجناه هنا .
6 - معاوية يعترف : بفضل علي ( عليه السلام ) ويترحّم عليه .
روى السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة ، وغيره من أعلام الحديث وأرباب السير والتاريخ في مؤلّفاتهم : أنّ ضرار بن حمزة ـ أو ضمرة وهو من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) وشيعته ـ دخل ذات يوم على معاوية بن أبي سفيان ، وكان ذلك بعد شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال معاوية لضرار بن ضمرة : صِف لي علياً ؟
فقال ضرار : أَوَ تعفيني ؟
قال : بلْ صِفه .
قال : أَوَ تعفيني ؟
قال : لا أعفيك .
فبدأ ضرار بذكر فضائل الإمام وخُلقه وأدبه .
ثمّ قال : وأشهد باللهِ لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سُدوله وغارت نجومه ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يَتململُ تململَ السليم ، ويبكي بكاءَ الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول : ( يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي ، أَبِي تَعَرَّضْتِ ، أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ ، لا حَانَ حِينُكِ ، هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي ، لا حَاجَةَ لِي فِيكِ ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثاً لا رَجْعَةَ فِيهَا ، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ، وَطُولِ الطَّرِيقِ ، وَبُعْدِ السَّفَرِ ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ ) (1) .
فذرفت دموع معاوية حتى خرّت على لحيته ، فما يملكها وهو ينشّفها بكمه ،
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : 480 قصار الحكم ( 77 ) .
وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟
قال : حزن من ذُبح وَلدُها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ، ولا يسكن حزنها (1) .
7 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) أفصح وأشجع وأسخى الناس طُراً .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر ، بإسناده عن أبي إسحاق قال : قَدم ابن أجور التميمي إلى معاوية بن أبي سفيان ، وقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من عند ألأم الناس ، وأبخل الناس ، وأعيى الناس ، وأجبن الناس ـ يقصد بذلك علي ( عليه السلام ) ـ .
فقال له معاوية : ويلك وأنّى أتاه اللؤم ؟ ولكنّا نتحدث أن لو كان لعلي ( عليه السلام ) بيت من تبن وآخر من تبر ، لأنفد التبر قبل بيت التبن .
وأنّى له العي ؟ وإن كنّا نتحدث أنّه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي ( عليه السلام ) .
ويلك وأنّى أتاه الجبن ؟ وما برز له رجل قط إلاّ صرعه ، والله يا بن أجور لولا الحرب خدعة لضربت عنقك ، اخرج فلا تُقيمَنّ في بلدي (2) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مروج الذهب 3 : 16 ، الاستيعاب 3 : 1107 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) رقم 1855 ، الفتوحات الإسلامية 2 : 453 - 458، ربيع الأبرار 1 : 97 ، شرح نهج البلاغة 18 : 224 - 226 ، صفة الصفوة 1 : 315 ، الرياض النضرة 3 : 187، حلية الأولياء 1 : 84 - 85 ، ذخائر العقبى : 100، الصواعق المحرقة : 131 - 132، الإتحاف بحب الأشراف : 25، المستطرف للأبشيهي 1 : 137، نظر درر السمطين : 134 - 135، الأمالي للصدوق : 724 ح 990 ، كنز الفوائد 2 : 160.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 414 ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ، شرح نهج البلاغة 1 : 24 - 25 و 6 : 279.
8 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) سنّ الفصاحة للعرب .
أخرج العلاّمة ابن أبي الحديد : لمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيى الناس ، والظاهر أنّ معاوية سأله : من أين أتيت ؟ قال ذلك في جوابه ـ ويقصد بأعيى الناس الإمام علي ( عليه السلام ) ـ : قال له معاوية : ويحك !! كيف يكون أعيى الناس ؟! يا بن اللخناء ، العلي تقول هذا ؟! فوالله ، ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وقال لمحفن بن أبي محفن ـ لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ـ : ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ؟! لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه (1) .
وقال ابن قتيبة : ذكروا أنّ عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب .
فقال معاوية : لله أنت !! أتدري ما قلت ؟ .
أمّا قولك ( الغبي ) ، فوالله ، لو أنّ أَلسن الناس جُمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي ( عليه السلام ) .
وأَمّا قولك ( إنّه جبان ) : ثكلتك أمّك هل رأيت أحداً قط بارزه إلاّ قتله ؟
وأمّا قولك ( إنّه بخيل ) ، فوالله ، لو كان له بيتان ، أحدهما من تبر والآخر من تبن لأنفد تبره قبل تبنه .
فقال ابن أبي محجن الثقفي : فعَلامَ تقاتله إذاً ؟
قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم الذي مّن جعله في يده جادت طينته
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 1 : 22.
وأطعم عياله ، وادّخر لأهله .
فضحك الثقفي ثمّ لحق بعلي ( عليه السلام ) (1) .
9 - معاوية يعترف : علي وبنيه خير خلق الله وعترة نبيه .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر بسنده عن جابر قال : كنّا عند معاوية فذكر علي ( عليه السلام ) فأحسن ذكره ، وذكر أبيه وأمّه ثمّ قال : وكيف لا أقول هذا لهم وهم خيار خلق الله وعترة نبيه ، أخيار أبنا أخيار ، ( وفي النسخة الخطية ) وعنده بنيه أخيار أبناء أخيار (2) .
10 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) يجيب مسائل ملك الروم .
روى العلاّمة السروي : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شيء ، فتحيّر معاوية وعجز عن الجواب ، وكان آنذاك في صفين ، فقال عمرو بن العاص : وجّه فرساً إلى معسكر علي ( عليه السلام ) ليباع ـ أي يبيع الفرس ـ فإذا قيل للذي هو معه بكم ؟ يقول : بلا شيء ، فعسى أن تخرج المسألة . فجاء الرجل ـ المرسَل بالمسألة ـ إلى عسكر علي ( عليه السلام ) ، إذ مرّ به علي ( عليه السلام ) ومعه قنبر فقال : ( يا قنبر ، ساومه . فقال قنبر : بكم الفرس ؟ قال : بلا شيء . قال علي ( عليه السلام ) : يا قنبر، خذ منه .
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) الإمامة والسياسة : 101، محاضرات الأدباء 2 : 387 .
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 415 ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) .
قال الرجل : أعطني لا شيء . فأخرجه إلى الصحراء وأراه السراب ، فقال ( عليه السلام ) : ذلك لا شيء ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : اذهب فخبّره ، قال الرجل : وكيف ؟ قال ( عليه السلام ) : أَما سمعت بقول الله تعالى : ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) ) (1) (2) .
11 - معاوية يعترف : بأعلمية علي ( عليه السلام ) ، ويرجع إليه في حلّ مسالة .
أخرج العلاّمة الحافظ المتقي الهندي ، بإسناده عن أبي الوضين قال : إنّ رجلاً تزوّج إلى رجل من أهل الشام ابنةً له ابنة مهيرة ، فزوّجه وزّف إليه ابنةً له أخرى بنت فتاة ، فسألها الرجل بعد ما دخل بها : ابنة مَن أنت ؟ فقالت : ابنة فلانة تعني الفتاة ، فقال : إنّما تزوجت إلى أبيك ابنة المهيرة . فارتفعوا إلى معاوية بن أبي سفيان فقال : امرأة بامرأة ، وسأل مَن حوله من أهل الشام . فقالوا : امرأة بامرأة . فقال الرجل لمعاوية : ارفعنا إلى علي بن أبي طالب ، فقال : اذهبوا إليه ، فأتوا علياً ، فرفع علي ( عليه السلام ) شيئاً من الأرض وقال : ( القضاء في هذا أيسر من هذا ، لهذه ما سقتَ إليها بما استحللتَ من فرجها ، وعلى أبيها أن يجهّز الأخرى بما سقتَ إلى هذه ، ولا تقربها حتى تنقضي عدة هذه الأخرى ) ، قال أبو الوضين : وأحسب أنّه ( عليه السلام ) جلد أباها أو أراد أن يجلده (3) .
ـــــــــــــــــــ
( 1 ) النور : 39.
( 2 ) مناقب ابن شهر آشوب السروي 2 : 382 .
( 3 ) كنز العمال 5 : 836 ح 14513 خرّجه عن ابن أبي شيبة ، المناقب للسروي 2 : 376.
12 - معاوية يسأل علياً ( عليه السلام ) عن حكم مسألة في النكاح .
أخرج الإمام مالك والشافعي ، وسعيد بن منصور بن شعبة المروزي ، وعبد الرزاق والبيهقي ، بإسنادهم جميعاً عن سعيد بن المسيب قال : إنّ رجلاً من أهل الشام يقال له ابن خيبري ، وجدَ مع امرأته رجلاً فقتله أو قتلهما معاً ، فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه ، فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأل له علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن ذلك ، فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ( إنّ هذا الشيء ما هو بأرضي ، عزمت عليك لتُخبرني ، فقال له أبو موسى : كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك ، فقال علي ( عليه السلام ) : أنا أبو الحسن القَرم (1) ، إن لم يأتِ بأربعة شهداء فليعط برمته ) (2) .
قال ابن شهر آشوب : إن كان الزاني مُحصناً فلا شيء على قاتله ؛ لأنّه قتل مَن يجب عليه القتل (3) .
13 - معاوية يعترف : علم علي ( عليه السلام ) أجمع العلوم وأحكمها .
بعث جواسيس معاوية إليه نبأ انتصاب مالك الأشتر والياً على مصر من قبل
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) القَرم : قال ابن الأثير في النهاية 4 : 49 مادة قرم : القَرم أي المقدّم في الرأي .
( 2 ) الموطأ 2 : 738 كتاب الأقضية باب ( 19 ) باب القضاء فيمَن وَجد مع امرأته رجلاً ح 18، مسند الشافعي 2 : 362 - 363 ، كتاب الجنائز والحدود ، السُنن الكبرى 8 : 230 ، وج 10 : 147 ، كنز العمال 15 : 83 - 84 ح 40198 أخرجه عن الشافعي ، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي ، تيسير الوصول 4 : 86 باب من قتل زانياً بغير بيّنة ح 1، السيرة الحلبية 3 : 149.
( 3 ) المناقب لابن شهر آشوب 2 : 41 .
أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ، فبعث معاوية إلى رجل من أهل الخراج في القلزم يثق به وقال له : إنّ الأشتر قد ولي مصر فإن كفيتنيه ـ وقضيت عليه ـ لم آخذ منك خراجاً ما بقيتُ وبقيتَ ، فاحتل في هلاكه ما قدرت عليه ، فاحتالَ هذا القلزمي في أن تظاهر له بحب علي ( عليه السلام ) ، وأتاه بطعام حتى إذا طعم سقاه شربة عسل قد جعل فيها سُماً، فلمّا شربها مات ، فسلبوا منه كتاب أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) إليه ـ الذي يُعد دستوراً وقانوناً ، في الإدارة والحكومة والسياسة الإسلامية ، المعروف بعهد مالك الأشتر ـ وأرسلوه إلى معاوية ، فجعل معاوية ينظر فيه بدقة وتمعّن ، فتعجب من احتوائه على شتى الأصول الإدارية ، وشموله أرفع القيم وأتقنها ، فتحيّر معجباً بما رآه في ذلك العهد ، وعزم على أن يحتفظ به ، فقال الوليد بن عقبة ـ وهو عند معاوية آنذاك وقد رأى إعجابه به ـ : مر بهذه الأحاديث أن تُحرق ، فقال له معاوية : مه ، لا رأي لك . فقال الوليد : أَفمن الرأي أن يعلم الناس أنّ أحاديث أبي تراب عندك تتعلّم منها ؟ قال معاوية : ويحك !! أتأمرني أن أحرق علماً مثل هذا ! والله ما سمعت بعلم هو أجمع منه ولا أحكم . فقال الوليد : إن كنت تعجب من علمه وقضائه فعَلامَ تقاتله ؟ فقال : لولا أنّ أبا تراب قتل عثمان ، ثمّ أفتانا لأخذنا عنه ، ثمّ سكت هنيهة ، ثمّ نظر إلى جلسائه فقال : دعوني أنظر فيه ؛ لأنّي ما سمعت أحكم منه وأتقن ، وفيه آداب
الحكم والقضاء والسياسة (1) .
أقول : لقد حان الأوان لشيعة آل أبي سفيان ، أن يتأملوا قليلاً في اعتراف خليفتهم ورأيه ، في أصول القوانين في الحكم الإسلامي ، الذي كتبه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى واليه على مصر مالك الأشتر ، الذي كُلّف بتطبيق هذه المنشور القويم في تلك الولاية ، وكذا يتدبر هؤلاء في كيفية تخطيط معاوية لقتل مالك الأشتر ، حتى يعرفوا علياً ( عليه السلام ) وخصائصه العلمية ، ومؤهلاته الجامعة في أولويته على غيره في مسألة الخلافة ، ويطّلعوا أكثر على جرائم معاوية ، وانحرافاته الاعتقادية والعلمية .
14 - معاوية يعترف : ذهب الفقه والعلم بموت علي ( عليه السلام ) .
أخرج المؤرّخ ابن عبد البر القرطبي : كان معاوية يكتب فيما ينزل به ؛ ليسأل له علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن ذلك ، فلمّا بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ، فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام . فقال له : دعني عنك (2) .

15 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) هو الشجاع المطرِق .
قال ابن أبي الحديد : لمّا دعا الإمام علي ( عليه السلام ) معاوية في صفين إلى المبارزة ؛ ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما ، قال له عمرو : لقد أنصفك .
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 6 : 74 - 75.
( 2 ) الاستيعاب 3 : 1108، الفتوحات الإسلامية 2 : 453 ، فتح الملك العلي للغماري : 44 ، الشرف المؤبّد : 95.
فقال معاوية : ما غششتني منذ نصحتني إلاّ اليوم !! أتأمرني بمبارزة أبي الحسن ، وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرِق ؟! أراك طمعت في أمارة الشام بعدي ؟! (1) .
16 - معاوية يسأل علياً ( عليه السلام ) في مسألة الخنثى .
أخرج العلاّمة المتقي الهندي ، عن الحافظ سعيد بن منصور ، بإسناده عن الشعبي قال : قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عمّا نزل به من أمر دينه ، إنّ معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثى ، فكتبتُ إليه : أن ورّثه من قِبل مباله ) (2) .
17 - معاوية يعترف : ماتت الفضائل بموت علي ( عليه السلام ) .
أخرج العلاّمة ابن عساكر الدمشقي بطرق ثلاثة ، وكذا روى غيره بطرق أخرى : أنّه لمّا جاء نعي علي ( عليه السلام ) إلى معاوية ، استرجع ، وكان قائلاً مع امرأته فاختة بنت قرظة نصف النهار في يوم صائف ، فقعد باكياً وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا فقدوا من العلم ؟ فقالت له امرأته : تسترجع عليه اليوم وتبكي ، وأنت تطعن عليه بالأمس ! فقال : ويحكِ ، لا تدرين ما ذهب من علمه وفضله وسوابقه ؟ وما فقد الناس من حلمه وعلمه (3) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 1 : 20 و 5 : 217 ، محاضرات الأدباء للجاحظ 1 : 131.
( 2 ) كنز العمال 11 : 83 ح 30701.
( 3 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 583 ، المناقب للخوارزمي : 391 فصل ( 26 ) ح 408 ، فرائد السمطين 1 : 372 - 373 باب ( 68 ) ح 303 - 304 ، نظم درر السمطين : 134.
وقال المحمودي معلّقاً على هذه الرواية : وغير خفي على ذوي الدراية والفَطانة ، أنّ ما تضمّنه الحديث وما بسياقه مخالف لجِبلة معاوية ، مباين لِما كان استقر عليه عمل ابن هند من محادّة أولياء الله ، وسعيه في استئصالهم بكل حيلة ومكر وغدر .
نعم الملائم لسيرة
18 - معاوية يترحّم على علي ( عليه السلام ) ويعترف : عقمت الأمّهات أن يلدنَ مثله .
روى العلاّمة الزمخشري : سأل معاوية عقيلاً عن قصة الحديدة المحماة . فبكى عقيل وقال : أنا أحدّثك - يا معاوية - عنه ، ثمّ أحدّثك عمّا سألت ، نزل بالحسين ( عليه السلام ) ابنه ضيف فاستسلف درهماً اشترى به خبزاً ، واحتاج إلى الإدام ، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقاً من زقاق العسل ، جاءتهم من اليمن ، فأخذ منه رطلاً ، فلمّا طلبها علي ( عليه السلام ) ليقسّمها قال : ( يا قنبر ، أظن أنّه حدث بهذا الزق حدث ، فأخبره ، فغضب ( عليه السلام ) وقال : عليّ بالحسين ، فرفع عليه الدرة . فقال الحسين ( عليه السلام ) : بحق عمي جعفر ـ وكان علي ( عليه السلام ) إذا سئل بحق جعفر سكن ـ فقال له : فداك أبوك ، وإن كان لك فيه حق ، فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ! أَما لولا أنّي رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبّل ثنيتك لأوجعتك ضرباً .
ــــــــــــــــــــــ
معاوية وما انعقد عليه ضميره ، هو ما ذكره الخوئي في منهاج البراعة 9 : 127 : ولمّا بلغ إلى معاوية نعي أمير المؤمنين فرح فرحاً شديداً وقال : إنّ الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه . ثمّ قال :
قلْ للأرانب ترعى أينما سرحت وللضباء بلا خوفٍ ولا وجلٍ
وقال الراغب في المحاضرات عن شريك : والله لقد أتاه قتل أمير المؤمنين ، وكان متكئاً فاستوى جالساً ثمّ قال : يا جارية ، غنيني فاليوم قرّت عيني ! فأنشأت تقول :
أَلا أبلغ معاويةَ بن حربٍ فلا قرّت عيونُ الشامتينا
أفي شهرِ الصيامِ فجعتمونا بخيرِ الناس طُراً أجمعينا
قتلتم خيرَ مَن ركب المطايا وأفضلهم ومَن ركب السفينا
( المعرّب )
ثمّ دفع إلى قنبر درهماً كان مصروراً في ردائه وقال : ( اشترِ به خير عسل تقدر عليه . قال عقيل : والله لكأنّي أنظر إلى يدي علي ( عليه السلام ) وهي على فم الزق ، وقنبر يقلب العسل فيه ، ثمّ شدّه وجعل يبكي ويقول : اللهم اغفر لحسين فإنّه لم يعلم !! ) .
فقال معاوية : ذكرت مَن لا ينكر فضله ، رحم الله أبا حسن ، فلقد سبق مَن كان قبله ، وأعجز مَن يأتي بعده ! هلمَّ حديث الحديدة .
قال عقيل : نعم ، أقويت وأصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته ، فجمعت صبياني وجئته بهم ، والبؤس والضر ظاهران عليهم .
فقال ( عليه السلام ) : ( ائتني عشيةً لأدفع إليك شيئاً ، فجئته يقودني أحد وُلدي ، فأمره بالتنحّي ، ثمّ قال : أَلا فدونك ، فأهويت - حريصاً قد غلبني الجشع - أظنها صرةً ، فوضعت يدي على حديدة تلتهب ، فلمّا قبضتها نبذتها ، وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره .
فقال ( عليه السلام ) : ثكلتك أمّك ! أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبهِ ـ بنار هذه الدنيا ـ وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه ! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى ؟
ثمّ قرأ : ( إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ) (1) .
ثم قال : ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلاّ ما ترى ، فانصرف إلى أهلك ) .
فجعل معاوية يتعجب من هذه الحكاية ويقول : هيهات هيهات !!! عقمت الأمّهات أن يلدنَ مثله (2) .
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) غافر : 71.
( 2 ) شرح نهج البلاغة 11 : 253 - 254، ربيع الأبرار 3 : 80 باب 52.