المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام علي ( عليه السلام ) في رأي أبي بكر مصادر سنية


الشيخ عباس محمد
09-01-2018, 08:18 PM
الإمام علي ( عليه السلام ) في رأي أبي بكر
1 - أبو بكر يعترف : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) عزله ، ونصّب علياً ( عليه السلام ) .
أخرج الإمام أحمد بن حنبل وغيره ، من المحدّثين والمؤرّخين من أهل السُنة بإسنادهم عن أبي بكر : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعثه بالبراءة لأهل مكّة ، وإبلاغهم ببعض الآيات من سورة التوبة ، وفيها ـ أيضاً ـ لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة ، ومَن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مدة فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورسوله ، فسار بها ثلاثاً متوجهاً نحو مكّة ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ( الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت . قال : ففعل ـ علي ( عليه السلام ) ـ ما أمر ، فلمّا قَدم أبو بكر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكى فقال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل مني ) (1) .
قال العلاّمة الأميني : هذه الإثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفّاظه ، وعدّد منهم 73 نسمةً (2) .
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) مسند أحمد بن حنبل 1 : 3 و 1 : 7 ح 4 من الطبعة الحديثة ، كفاية الطالب : 254 باب ( 62 ) .
أخرجه عن أحمد بن حنبل ، والحافظ أبي نعيم ، وابن عساكر ، البداية والنهاية 7 : 357 - 358 وفيه : أو ( رجل من أهل بيتي ) ، البيان والتعريف 1 : 378 ح 441 أخرجه عن أحمد بن حنبل ، وابن خزيمة ، وأبي عوانة ، أنساب الأشراف 2 : 886 .
( 2 ) الغدير 6 : 338 ـ 350.
وقد زاد العلاّمة المرعشي التستري على هذا العدد آخرين من مؤلفي أهل السُنة (1) ، يمكن لمَن يراجع كتابه إحقاق الحق أن يستزيد معرفةً وعلماً إلى علمه .
ذِكراً : أنّ رواة هذه القصة أكثر من اثني عشر صحابياً ، غير أبي بكر ممّن رووا حديث البراءة ، ولكن اعتراف وإقرار أبي بكر بنفسه ، بأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) عزله عن القيام بهذه المهمة الدينية ، ذات أهمية كبرى وكرامة عظمى للإمام علي ( عليه السلام ) ، وأنّ هذا العزل لم يكن إلاّ بأمر إلهي ، أوحي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن يعزل أبا بكر وينصّب علياً ( عليه السلام ) مكانه ؛ للقيام بهذه المهمة وإبلاغ البراءة لأهل مكة ، وأنّ علياً ( عليه السلام ) قد أدى هذا الأمر بأبلغ وجه وأتمه ـ كما مرّ في الحديث ـ .
2 - أبو بكر يعترف : بقصة الغدير ومولوية علي ( عليه السلام ) ، لمَن كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) مولاه .
روى مِئة وعشر من كبار صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وثمانون وأربع راوٍ من التابعين ، وكذا أخرج ما يربو عن أربعمِئة عالم ومحدّث ومفسّر ومؤرّخ ورجالي ، وكثير من رجال العلم والأدب المعتمد عليهم عند أهل السُنة (2) .
وكذا صنّف أكثر من مِئة وأربع وثمانين كتاباً ورسالةً ، بلغات مختلفة عربية وفارسية وهندية وأجنبية ، فيما يخص مسالة الغدير ، وقد طُبعت أكثرها ، وبعضها تكرّر طبعه حتى وصل إلى
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) إحقاق الحق 3 : 399 سورة التوبة.
( 2 ) ومَن أراد الاستزادة من التفصيل ، ومعرفة أسماء رواة حديث الغدير ، وأسماء الحفّاظ والمصادر التي أخرجت هذا الحديث ، فليراجع موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني المجلد الأَوّل ص 14 ـ 158 ، حيث إنّه روى عن ثلاثمِئة وستين عالماً ، وستة وعشرين كتاباً ، من علماء أهل السُنة وكتبهم ، واستقصى العلاّمة التستري في كتابه القيم إحقاق الحق المجلد الثاني ص 415 - 501 رواة هذا الحديث حتى أوصل ذلك العدد إلى أربعمِئة راوٍ .
خمس مرات أو أكثر (1) .
وحديث الغدير هو :
لمّا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) راجعاً من حجّته ـ حجّة الوداع ـ وذلك في السنة العاشرة الهجرية ، نزل عليه الوحي يأمره بإكمال الدين ، يعني تبليغ تلك المسألة المصيرية ، أي تعيين الإمام والخليفة من بعده ، فأمر الناس بتجهيز مقدمات ذاك الأمر ، مثل الإعلان بتريّث المسلمين الحجاج ، وتوقّفهم في محل يُعرف بغدير خم ، وهو مفترق الطرق المؤدّية إلى مكة والمدينة وغيرها ، وأمر ( صلى الله عليه وآله ) بإرجاع الذين سبقوا الآخرين بالذهاب وإيقاف القادمين ، حتى تجمّع آنذاك في ذاك المحل مِئة وعشرون ألف حاجّاً من شتى أقطار البلاد الإسلامية .
وكان ذلك اليوم يوماً حاراً هاجراً شديد الرمضاء ، والشمس ساطعة حرارتها على رؤوسهم ، وقد اشتعلت أرض الحجاز ، فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بأن يصنعوا له من جهاز الجمال والمراكب مكاناً مرتفعاً كالمنبر ، حيث يراه الحاضرون جميعاً ويسمعون كلامه ، فوقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ذاك الموضع المنبري ، وخطب الناس خطبةً غرّاء ، وقال فيما قاله ( صلى الله عليه وآله ) :
( أيّها الناس. .. مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله . .. ) ، وغير ذلك من العبارات الباهرة ، حيث شبّه النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) بنفسه ، وبأنّه ولي الناس والقائم بأمرهم ، وطاعته فرض واجب ، وأنّه الخليفة من بعده ، ولكي يصدّ أمام ملابسات المنافقين ، وشبهات المخالفين ، لمولوية الإمام علي ( عليه السلام ) وخلافته ، أخذ بيد علي ( عليه السلام ) ورفعه عالياً ، حيث يراه جميع الحضّار والمجتمعين في هذا المؤتمر العالمي ، ثمّ دعا ( صلى الله عليه وآله ) لمَن يتولى علياً وينصره ، ولعن مَن عاداه وخذله ، وبعد ذلك أمر
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) الغدير للعلاّمة المحقّق السيد عبد العزيز الطباطبائي : 23 ـ 233.
الناس الذين اجتمعوا في هذا المؤتمر ، بأن يقوموا فرداً فرداً ويبايعوا علياً ، ويسلّموا عليه بالإمرة والخلافة طوعاً .
وقد طالت هذه البيعة من ضحى ذاك اليوم حتى غروبه ، وحتى نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسائر المؤمنات جِئنَ فوضعنَ أيديهنّ في الطشت ـ الذي وضع أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) يده فيه ـ وهو خلف الخيمة فبايعنَه على الخلافة والولاية ، وبهذه الطريقة أعلن المسلمون آنذاك بأجمعهم التزامهم ، بالانقياد والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
هذه خلاصة حديث الغدير .
أبو بكر يروي حديث الغدير : ولمّا كان موضوع كتابنا هذا ، هو نقل روايات الخلفاء واعترافاتهم ، التي أقرّوا بها بأولوية الإمام علي ( عليه السلام ) ، يجدر بنا أن نلفت أبصار القرّاء الكرام إلى حقيقتين مهمتين ، بلغتا من الأهمية حدّها الأقصى ، حتى يذهب الزَبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس :
الأُولى : قال أكثر الحفّاظ والمؤرّخين السنيين ، الذين رووا حديث الغدير في كتبهم ورسائلهم ، أو صنّفوا كتاباً مستقلاً وخاصاً بموضوع الغدير : إنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا في مقدمة الرواة لحديث الغدير ، الذين نقلوا قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ( مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه ) .
الثانية : روى أكثر من ستين عالماً وحافظا ومؤرّخاً ، بأنّ أبا بكر وعمر هما أَوّل مَن بارك وهنّأ علياً بالخلافة والولاية ، وقالا له : بخ بخ لك يا علي ، أو قالا له : أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ، وذلك عندما انتهت مراسيم حفل الغدير ، وإعلان النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنّ علياً هو مولى المؤمنين ، وبعد ما أمر الناس بالبيعة لعلي ( عليه السلام ) .
وممّن روى حديث الغدير ـ حديث ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ) ـ عن أبي بكر :
1 - الحافظ ابن عقدة ـ 333 هـ‍ ـ قد روى عن مِئة وخمس صحابياً رووا حديث الغدير ، ويذكر في كتابه ( حديث الولاية ) أسماء الرواة وقبائلهم ، ثمّ يخص بالذكر ثمانية عشر راوٍ دون أن يذكر خصائصهم ، ثمّ يقول : إنّ أَوّل مَن روى حديث الغدير هو أبو بكر بن أبي قحافة التيمي ـ 13 هـ‍ ـ (1) .
2 - القاضي أبو بكر الجعابي ـ 356 هـ‍ ـ روى حديث الغدير عن مِئة وخمس وعشرين طريقاً من الصحابة ، منهم أبي بكر (2) .
3 - واستخرج العلاّمة منصور اللاتي الرازي ـ من أعلام القرن الخامس ـ في كتابه ( حديث الغدير ) أسماء مَن روى حديث الغدير مرتّباً على حروف المعجم ، وذكر منهم أبا بكر (3) .
4 - قال العلاّمة ابن المغازلي الشافعي ـ 484 ه‍ـ ـ : وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نحو من مِئة نفس ، منهم العشرة المبشّرة ، وهم : أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير. .. وهو حديث ثابت لا أعرف له علة (4) ، تفرّد علي ( عليه السلام ) بهذه
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) أسد الغابة 3 : 274 ترجمة عبد الله بن ياميل ، الإصابة 4 : 226 ترجمة عبد الله بن ياميل رقم 5047 ، الطرائف للسيد ابن طاووس : 140.
( 2 ) المناقب للسروي 3 : 25، بحار الأنوار 37 : 157. وقال رواه صاحب بن عباد وثمانية وسبعون صحابياً من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، منهم : أبو بكر ، عمر ، عثمان ، الإمام علي ( عليه السلام ) ، طلحة ، والزبير . ..
( 3 ) المناقب للسروي 3 : 25 ، الغدير للعلاّمة الأميني 1 : 17 و 155. ولمزيد من الاطلاع على هذه المصادر الثلاثة المذكورة راجع : الغدير للعلاّمة الطباطبائي : 41 - 81 ترجمة رقم 6 و 10 و 19 .
( 4 ) لا أعرف له علة ، أي أنّي لم أعرف مخالفاً لهذه الرواية ؛ وذلك لأنّ هذا الحديث المتواتر فاقد لأي عيب ونقيصة ، سنداً ومتناً ، إلاّ أنّ هناك بعض المغرضين والمنحرفين عن علي ( عليه السلام ) .
الفضيلة ليس يشركه فيها أحد (1) .
5 - وأخرجه أيضا العلاّمة الجزري الشافعي في كتابيه ( أسنى المطالب ) و ( أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب ) (2) .
6 - وروى المؤرّخ العلاّمة زيني دحلان ، عن أبي بكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وأحب مَن أحبه ، وأبغض مَن أبغضه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ) (3) .
وأمّا حديث التهنئة فسوف نوافيك به ضمن الأحاديث المروية عن عمر بن الخطاب (4) .
3 - أبو بكر يقول : ملائكة خُلقوا من نور وجه علي ( عليه السلام ) .
روى العلاّمة الخطيب الخوارزمي بإسناده عن عثمان بن عفان قال : سمعت عمر بن الخطاب قال : سمعت أبا بكر بن أبي قحافة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنّ الله خلق من نور وجه علي بن أبي طالب ملائكةً ، يسبّحون ويقدّسون ويكتبون ثواب ذلك لمحبيه ومحبي وُلده ) (5) .
وأخرج أيضاً بسند آخر عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب أنّه قال :
حرّفوا بعض ألفاظه ، أو أسقطوا منها شيئاً ، وقد ذكرنا ذلك في كتاب أضواء على الصحيحين . ( المعرّب ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) المناقب لابن المغازلي : 27 ذيل ح 39.
( 2 ) أسنى المطالب : 35 تحقيق المحمودي ، وص 12 تحقيق الطنطاوي .
( 3 ) فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين ، بهامش السيرة النبوية لزيني دحلان 2 : 161.
( 4 ) راجع ص : 74 - 81 ( 5 ) مقتل الحسين ( عليه السلام ) للخوارزمي : 97.
( إنّ الله تعالى خلق ملائكةً من نور وجه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) (1) .
أقول : ولعلّ هاتين الروايتين حديث واحد ، وإنّما وقع الاختلاف والنقيصة فيه حين التخريج عمداً أو سهواً .
4 - أبو بكر يعترف : النخلة تشهد لعلي ( عليه السلام ) بالوصية .
أخرج العلاّمة العيني الحنفي بسنده عن أبي بكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك لمّا سمع صوت خرج من النخلة ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أتدرون ما قالت النخلة ؟ قال أبو بكر : قلنا : الله ورسوله أعلم .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : صاحت : هذا محمد رسول الله ، ووصيه علي بن أبي طالب ) (2) .
5 - أبو بكر يعترف : علي ( عليه السلام ) خير مَن طلعت عليه الشمس وغربت .
أخرج الحافظ ابن حجر العسقلاني بإسناده عن أبي الأسود الدؤلي قال : سمعت أبا بكر يقول : أيّها الناس ، عليكم بعلي بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( علي خير مَن طلعت عليه الشمس وغربت بعدي ) (3) .
6 - أبو بكر يعترف : علي ( عليه السلام ) من النبي ( صلى الله عليه وآله ) كالنبي من الله عزّ وجلّ .
روى المحب الطبري وغيره بإسنادهم عن ابن عباس قال : . .. قال أبو بكر : يا علي ، ما كنت لأتقدّم رجلاً سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( علي مني كمنزلتي ـ
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) المناقب للخوارزمي : 329 فصل ( 19 ) ح 348 .
( 2 ) مناقب سيدنا علي ( عليه السلام ) للعيني : 15 ح 4 طبعة أعظم بريس حيدر آباد .
( 3 ) لسان الميزان 6 : 78 ترجمة المغيرة بن سعيد البجلي رقم 281.
بمنزلتي ، خ ـ من ربّي ) . أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة (1) .
يعني أنّ منزلة علي ( عليه السلام ) وكرامته عندي كمنزلتي ، وبقدر مالي من المنزلة والكرامة عند الله عزّ وجل .
ورواه أيضاً العلاّمة الحريفيش بلفظ آخر . .. : قال أبو بكر : أنا لا أتقدّم على رجل قال في حقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنّ علياً يجيء يوم القيامة ، ومعه أولاده وزوجته على مراكب من البُدن ، فيقول أهل القيامة : أيُّ نبي هذا ؟ فينادي منادٍ : هذا حبيب الله ، هذا علي بن أبي طالب ) (2) .
7 - أبو بكر يعترف : جواز العبور على الصراط بيد علي ( عليه السلام ) .
روى العلاّمة الحافظ المحب الطبري ، وآخرون بإسنادهم عن قيس بن أبي حازم قال : التقى أبو بكر وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فتبسّم أبو بكر في وجه علي ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) له : مالك تبسّمت ؟ قال : سمعت رسول الله ( عليه السلام ) يقول : ( لا يجوز أحد الصراط إلاّ مَن كتب له علي الجواز ) . أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ذخائر العقبى : 64 ، الرياض النضرة 3 : 118 و 232 ، الصواعق المحرقة : 177، توضيح الدلائل : 239 مخطوط ، الروض الأزهر : 97 ، إحقاق الحق 17 : 194 خرّجه عن وسيلة النجاة : 134، ووسيلة المال : 113، ومناقب العشرة : 12. مناقب سيدنا علي : 39 ، أرجح المطالب : 468 .
( 2 ) إحقاق الحق 15 : 439 أخرجه عن الروض الفائق في المواعظ والدقائق ، لشعيب بن عبد الله المعروف بالحريفيش : 267 .
( 3 ) ذخائر العقبى : 71 ، الرياض النضرة 3 : 137 ، الصواعق المحرقة : 126 أخرجه عن ابن السمان والعسقلاني في المطالب العالية ، ينابيع المودة : 419 باب ( 70 ) المناقب
وأخرج العلاّمة الخطيب البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال : قال أبو بكر عند موته :
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنّ على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد ، إلاّ بجواز من علي بن أبي طالب ) (1) .
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : هل ترى أنّ مَن تقلّد الخلافة زوراً وظلماً وغصباً ، وأخذ البيعة من علي ( عليه السلام ) قهراً وكرهاً ، ويعترف قائلاً : ليتني لم أكشف بيت فاطمة ، ولو أعلن علي الحرب (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــ
المرتضوية للكشفي الترمذي : 91 ، إسعاف الراغبين : 176 ، الروض الأزهر للسيد شاه تقي : 97 ، وسيلة النجاة : 135 ، وسيلة المال : 122 مخطوط ، فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين 2 : 161، أرجح المطالب : 550 ، المناقب لابن المغازلي : 119، مناقب سيدنا علي : 45.
( 1 ) تاريخ بغداد 10 : 357 . أقول : أخرجه الخطيب وفيه من الزوائد والإضافات ما يدل على كون هذه الزوائد من المدسوسات والتحريفات ، ثمّ يعقّب الخطيب على الرواية وزوائدها ويقول : هذا من حكاية القصّاصين ، ولكن لمّا تنظر وتتمعّن في النص ، الذي أخرجه الحفّاظ والمحدّثون ، وكما جاء في المصادر المتكثرة ، والتي هي خالية من الزوائد البغدادية وتحريفاته للحديث ، لعرفت أنّ الخطيب زوّر الحديث وزيّفه حسب ما تهواه نفسه .
( 2 ) فلو أردت أيّها القارئ أن تطّلع على اعتراف أبي بكر ، بأنّه هو الذي أمر بإحراق باب بيت الزهراء ( عليها السلام ) فراجع مضّانه في المصادر التالية :
الأموال لأبي عبيد : 194 ، الإمامة والسياسة : 18 ، الكامل للمبرد : روى عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 : 46 ، وج 6 : 51 و 20 : 24، السقيفة وفدك للجوهري : 40 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 137 ، تاريخ الطبري 3 : 43 حوادث سنة 13 ه‍ـ ، العقد الفريد 4 : 268 ، مروج الذهب 2 : 301 ، المعجم الكبير 1 : 19 ح 43 ، تاريخ مدينة دمشق 30 : 422 ، كنز العمال 5 : 631 ح 14133 ، أخرجه عن الأموال ، والضعفاء للعقيلي ، وفضائل الصحابة للطرابلسي والطبراني وابن عساكر ومسند سعيد بن منصور ، ميزان الاعتدال 3 : 109 ترجمة علوان بن داود رقم 5763 ، تاريخ الإسلام للذهبي 3 : 117 - 188 ، لسان الميزان 4 : 189 ترجمة علوان بن داود رقم 502 ، منتخب كنز العمال 2 : 171 ، الضعفاء للعقيلي 3 : 420 ترجمة علوان بن داود البجلي رقم 1461 .
حتى آلَ الأمر به وبأصحابه أن يحرقوا باب دار علي وفاطمة بالنار ، ويضربوا بنت المصطفى وزوجة المرتضى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، حتى أسقطت ما في بطنها ، ويأمر أتباعه وملازميه بملاحقة علي ( عليه السلام ) ، وأباح لهم التعدي عليه ، حتى أن وصل الأمر بهم أن قام الإمام علي ( عليه السلام ) يشكو ويئن من قسوتهم وظلمهم وتعديهم . .. فهل ترى مثل هذا يجوز الصراط ، في حين أنّ جواز العبور بيد علي ( عليه السلام ) كما اعترف هو بنفسه ؟ .



يتبع

الشيخ عباس محمد
09-01-2018, 08:19 PM
8 - أبو بكر يعترف : النظر إلى وجه علي ( عليه السلام ) عبادة .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن المغازلي الشافعي وغيره من الحفّاظ ، بإسنادهم عن عائشة قالت : رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي ( عليه السلام ) ، فقلت : يا أبة ، أراك تكثر النظر إلى وجه علي ( عليه السلام ) ؟ فقال : يا بُنية ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( النظر إلى وجه علي عبادة ) (1) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) المناقب لابن المغازلي : 210 ح 252 أخرجه بسندين ، المجالسة وجواهر العلم لأبي بكر الدينوري : 514 ، المناقب للخوارزمي : 362 فصل ( 23 ) ح 375 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 350 ، الرياض النضرة 3 : 120 ، مسلسلات ابن الجوزي : 17 ح 13 مخطوط ، نهاية العقول للرازي : 17 ، إحقاق الحق 7 : 110 ، ذخائر العقبى : 95 عن تاريخ مدينة دمشق ، كفاية الطالب : 161 باب ( 34 ) ، سير أعلام النبلاء 15 : 542 ، البداية والنهاية 7 : 357 ، تاريخ الخلفاء : 172 ، الصواعق المحرقة : 177، اللآلئ المصنوعة 1 : 345 أخرجه عن تاريخ ابن النجّار وصحّحه ، التعقّبات للسيوطي : 57 ، المناقب المرتضوية : 83 ، مناقب العشرة : 34 و 36 ، أخرج عنهم إحقاق الحق 7 : 109 وج 17 : 152 ، مناقب سيدنا علي : 19 ح 56 أخرجه عن الحاكم وابن عساكر ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 5 : 31 ، وسيلة المال : 134 ، الروض الأزهر : 97 .
9 - أبو بكر يعترف : عدل علي ( عليه السلام ) مساوٍ لعدل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي وغيره من الحفّاظ ، عن الحبشي بن جنادة قال : كنت جالساً عند أبي بكر الصدّيق ، فقال : مَن كانت له عند رسول الله عِدة ، فليقم ، فقام رجل فقال : إنّه قد وعدني ثلاث حَثَيات من تمر ، فقال أبو بكر : أرسلوا إلى علي ( عليه السلام ) ، فجاء فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، إنّ هذا يزعم أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعده أن يحثي له ثلاث حَثَيات من تمر ، فاحثِها له ، فحثاها .
فقال أبو بكر : عدّوها ، فوجدوا في كل حَثية ستين تمرةً ، لا تزيد واحدة على الأخرى . فقال أبو بكر : صدق الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الهجرة ـ ونحن خارجون من الغار نريد المدينة ـ : ( يا أبا بكر ، كفي وكف علي في العدل سواء ) .
وورد أيضاً ( في العدد ) بدلاً عن ( في العدل ) (1) .

سواسية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي في العدل .
وروى العلاّمة الخطيب البغدادي بسنده عن أنس بن مالك ، عن عمر بن الخطاب ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : جئت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله )
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ بغداد 5 : 37 و 8 : 76 ، المناقب للخوارزمي : 296 فصل ( 19 ) ح 290 ، المناقب لابن المغازلي : 129 ح 170 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 369 ، تاريخ الخلفاء : 93 ح 98 ، الرياض النضرة 3 : 120، منتخب كنز العمال 5 : 31 ، ينابيع المودة : 233 و 252 ، سعد الشموس والأقمار : 211، أرجح المطالب ، 256، الكوكب الدري لمحمد صالح الحنفي : 122 ، فرائد السمطين 1 : 50 ح 15.
وبين يديه تمر ، فسلّمت عليه ، فردّ علي وناولني من التمر مِلء كفه ، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة ، ثمّ مضيت من عنده إلى عند علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وبين يديه تمر ، فسلّمت عليه ، فردّ عليّ وضحك إلي وناولني من التمر مِلء كفه ، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة ، فكثر تعجّبي من ذلك ، فرجعت إلى النبي فقلت : يا رسول الله ، جئتك وبين يديك تمر ، فناولتني مِلء كفك ، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة ، ثمّ مضيت إلى عند علي بن أبي طالب وبين يديه تمر ، فناولني مِلء كفه ، فعددته ثلاثاً وسبعين ، فتعجّبت من ذلك . فتبسّم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ( يا أبا هريرة ، أَما علمت أنّ يدي ويد علي في العدل سواء ) (1) .


10 - أبو بكر يعترف : علي ( عليه السلام ) أسبق الناس بيعةً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر عن الدار قطني بسنده عن أبي رافع ، قال : كنت قاعداً بعد ما بايع الناس أبا بكر ، فسمعت أبا بكر يقول للعباس : أنشدك الله ، هل أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم ، وجمعكم دون قريش ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا بني عبد المطلب ، إنّه لم يبعث الله نبياً ، إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً وخليفةً في أهله ، فمَن منكم ـ يقوم و ـ يبايعني ، على أن يكون أخي ووزيري ، ووصيي وخليفتي في أهلي ؟ فلم يقم منكم أحد . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا بني عبد المطلب ، كونوا في الإسلام رؤساء ولا تكونوا أذناباً ، والله ليقومنّ قائمكم أو لتكوننّ في غيركم ثمّ لتندُمنّ ) ، فقام علي من بينكم ، فبايعه على ما شرط له ودعا إليه ، أتعلم هذا له من
ـــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ بغداد 8 : 76 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 368 ، كفاية الطالب : 256 فصل ( 62 ) ، فرائد السمطين 1 : 50 ح 15.

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال العباس : نعم (1) .
وأخرج العلاّمة الحافظ محمد بن جرير الطبري ، بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه كان عند أبي بكر إذ جاء علي والعباس ، فقال العباس : أنا عم رسول الله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته ، فقال أبو بكر : فأين كنت يا عباس حين جمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال : ( أيّكم يؤازرني ، ويكون وصيي ، وخليفتي في أهلي ، وينجز عدتي ، ويقضي دَيني ؟ ) فقال له العباس : بمجلسك تقدّمته وتأمّرت عليه ، أي إن كان هكذا كما تقول : لماذا تقدّمت عليه وغصبت أمره ؟ .
فقال أبو بكر : أغدراً يا بني عبد المطلب (2) ؟ أي أنّكما ـ يا علي ويا عباس ـ أردتما بدعواكما هذه المصطنعة على إرث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتركته ، أن تأخذا مني الإقرار والاعتراف بحق علي ( عليه السلام ) وأولويته للخلافة ، وتحكموا عليّ بما أَتفوه به ، وأقوله بنفسي ولساني ، يعني : تديناني وتلزماني من فمي .
وأمّا ابن عساكر الدمشقي فعندما نقل الحديث أسقط منه صدره ـ أي مجيء العباس وعلي إلى أبي بكر ، وهما يتحاكمان إليه مسالة إرث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهكذا أسقط ذيله ، أي كلمة العباس لأبي بكر ، حيث يدينه على تقدّمه وتأمّره على
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 50 ، تأويل مختلف الحديث : 35 .
( 2 ) المسترشد : 577 ح 249 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 158 ذكره ضمن الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب وبين ابن عباس . وأشار إلى هذا الحديث ابن عبد ربّه في العقد الفريد 2 : 412 ولكنّه حرّف وشوّه المتن منه .

الإمام علي ( عليه السلام ) ، ممّا يدل على مخالفة أبي بكر لأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وعلى الرغم من أنّ الحديث الذي رواه ابن عساكر مبتور الصدر والذيل ، لكنّه يكشف عن حقيقة في غاية الأهمية وهي : إثبات الخلافة لعلي ( عليه السلام ) بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّه متقدم في إيمانه وإسلامه على غيره .
وملخّص القول : أنّ أبا بكر حين يروي هذا الحديث ، يعترف ويقر بأفضلية الإمام علي ( عليه السلام ) ، وهذا الاعتراف خير دليل ، وأفضل شاهد ، على أنّ علياً ( عليه السلام ) أقدم الناس إسلاماً ، وأنّه أَوّل مَن آمن وأعلن حمايته للنبي ومناصرته إيّاه في بدء الدعوة ، وأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قلّده في مقابل هذه الأمور ، وسام الأخوة والوزارة والوصاية والخلافة من بعده . فتأمل .

11 - أبو بكر يعترف : حرب علي وسلمه ، هو حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلمه .
أخرج العلاّمة الحافظ المحب الطبري ، وآخرون من حفّاظ أهل السُنة ومحدثيهم ، بإسنادهم عن أبي بكر قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خيّم خيمةً ، وهو متكئ عل قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فقال : ( يا معشر المسلمين ، أنا سِلم لمَن سالم أهل الخيمة ، وحَرب لمَن حاربهم ، لا يحبهم إلاّ سعيد الجد ، طيب الولادة ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجد ، رديء الولادة ) ، وزاد العلاّمة الخطيب الخوارزمي فيما أخرجه : فقال رجل لزيد ـ راوي الحديث ـ : يا زيد ، أأنت سمعت هذا منه ـ أي من أبي بكر ـ ؟ قال زيد : إي وربِّ الكعبة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الرياض النضرة 3 : 154 ، المناقب للخوارزمي : 296 فصل ( 19 ) ح 291 ، أهل البيت

12 - أبو بكر يأمر بمداراة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أخرج العلاّمة جلال الدين السيوطي ، عن البخاري بإسناده ، عن أبي بكر في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) . أنّه قال : ارقبوا محمداً ( صلى الله عليه وآله ) في أهل بيته (2) .
أقول : لا يخفى على الخبير أنّ علياً ( عليه السلام ) ، هو أَوّل الناس وأقربهم مصداقيةً لأهل البيت والعترة ( عليهم السلام ) ، بعد فاطمة سيدة النساء ( عليها السلام ) ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوصي الناس دائماً بعلي ( عليه السلام ) ، ولكن لو راجعت التاريخ لرأيت ، أنّ أبا بكر هو أَوّل مَن رعى حقه ومداراته ، وأثبت رعايته ومراقبته للعترة الطاهرة ، كما قال : ليتني لم أكشف. .. (3) .

13 - أبو بكر يستقيل الناس ، ويعترف بأولوية علي ( عليه السلام ) بالخلافة .
أخرج حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ، وابن روزبهان الشيرازي ـ وهو من متكلمي أهل السُنة ـ عن أبي بكر أنّه قال وهو على المنبر : ( أقيلوني ولست بخيّركم وعلي فيكم ) ، ولا ريب أنّ هذه الإقالة هي الإقالة من الخلافة ، وبعبارة أخرى : إنّ الخليفة ـ أبا بكر ـ نوّه بقوله هذا للمسلمين : فإن كنتم قد بايعتموني على أنّي أفضلكم وخيّركم فأقيلوا البيعة ؛ وذلك لأنّي لست كذلك ، ولست بخيّركم وأفضلكم ، وهذا
ــــــــــــــــــــــ
لتوفيق أبو علم : 8 و 227، الإمام علي ( عليه السلام ) لتوفيق أبو علم : 66. مرآة المؤمنين لولي الله اللكهنوي : 84 ، أرجح المطالب : 309.
( 1 ) الشورى : 23.
( 2 ) الدر المنثور 6 : 7 ، تاريخ الخلفاء : 98 ، الصواعق المحرقة : 176.
( 3 ) راجع ص 41 عند البحث عن قول أبي بكر ليتني لم أكشف بيت فاطمة ؛ لتزداد خبراً إلى خبر ، على حقيقة قول أبي بكر بالمراقبة والمداراة بأهل البيت ( عليهم السلام ) .

علي ( عليه السلام ) فيكم (1) .
وأخرج السبط ابن الجوزي (2) ، هذا الحديث عن أبي حامد الغزالي ، في كتابه سرّ العالمين بزيادة في الشرح والبيان فقال : قول أبي بكر على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أقيلوني فلست بخيّركم . قال : أَفقال ـ أي أبو بكر ـ ذلك هزلاً أو جِداً أو امتحاناً ؟ فإن كان هزلاً فالخلفاء منزّهون عن الهزل ، وإن كان جِداً فهذا نقض للخلافة ، وإن كان امتحاناً فالصحابة لا يليق بهم الامتحان لقوله تعالى : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) (3) .
ولتوضيح المراد أنقل للقارئ ما ذكره متكلّم أهل السُنة العلاّمة القوشجي ، في بيان إقرار أبي بكر فإنّه قال : وليتكم ولست بخيّركم وعلي فيكم ، فهذه العبارة صريحة في مسالة الخلافة كما ترى (4) .
وعلى أي حال ، فإنّ كلا العبارتين ( أقيلوني ) أو ( وليتكم ) صريحتان في اعتراف أبي بكر ، بأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) أولى بالخلافة والولاية بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّ طلبه الاستقالة يمكن أن يحتج به على أبي بكر ، ويلزمه باعترافه هذا ، وزد على ذلك أيضاً أنّ مقولة أبي بكر حجة قاطعة وبالغة ، على كل مَن يريد التخرّص بلفه ونشره الفاسد ، أن يقول بأولوية أبي بكر ، وأفضليته على علي ( عليه السلام ) ، وهو يريد بزعمه هذا الإغماض والتغافل عن كل الشواهد القرآنية والحديثية والتاريخية ، الدالة على أولوية الإمام علي ( عليه السلام ) وأحقيته للخلافة .
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) سرّ العالمين لأبي حامد الغزالي : إبطال الباطل لابن روزبهان ، أورده في الجواب على الطعن السابع على أبي بكر ، في مسالة إحراق بيت الزهراء ( عليها السلام ) ، تشييد المطاعن 1 : 149، بحار الأنوار 28 : 201.
( 2 ) تذكرة الخواص : 62.
( 3 ) الأعراف : 43.
( 4 ) شرح تجريد الاعتقاد : 371 المقصد الخامس من مبحث الإمامة .
14 - أبو بكر يعترف : جواز عبور الصراط بيد علي ( عليه السلام ) .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده عن أبي بكر قال : إنّ على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد ، إلاّ بجواز من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1) .
15 - أبو بكر يعترف : علي شبيه آدم ونوح وإبراهيم ( عليهم السلام ) .
أخرج الحافظ الخطيب الخوارزمي بإسناده عن الحارث الأعور ـ صاحب راية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ قال : بلغنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في جمع من أصحابه فقال : ( أيّكم آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في حكمته ؟ ) فلم يكن بأسرع من أن طلع علي ( عليه السلام ) ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أَقِست رجلاً بثلاثة من الرسل ، بخ بخ لهذا الرجل ، مَن هو ، يا رسول الله ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَوَ لا تعرفه يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال ( صلى الله عليه وآله ) : هو أبو الحسن علي بن أبي طالب ) ، قال أبو بكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك يا أبا الحسن (2) ؟ .
16 - أبو بكر وعمر يعترفان : علي أمير المؤمنين .
أخرج الحافظ الشيخ عبيد الله الأمر تسري الحنفي ، عن طريق الحافظ ابن مردويه الأصفهاني ، بإسناده عن سالم مولى أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) قال : كنت مع علي ( عليه السلام ) في أرض نعمل ، إذ جاء أبو بكر وعمر إلى علي ( عليه السلام ) وقالا : السلام
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) لسان الميزان 4 : 111 ترجمة عبيد الله بن لؤلؤ بن جعفر بن حمويه رقم 225.
( 2 ) المناقب : 88 ح 79 ، أرجح المطالب : 454 أخرجه عن ابن مردويه.
عليك يا أمير المؤمنين ، فقيل لهما : أكنتما تسلّمان عليه في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإمرة المؤمنين ؟ قال عمر : هكذا أمرنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) (1) .
17 - أبو بكر يعترف : المنبر حق علي ( عليه السلام ) .
أخرج العلاّمة ابن أبي الحديد روايةً عن الشعبي قال : قال الحسن بن علي ( عليه السلام ) إلى أبي بكر ، وهو يخطب على المنبر فقال له : ( انزل عن منبر أبي ) ، فقال أبو بكر : صدقت ، والله ، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي (2) ، أخرجه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة (3) .
18 - أبو بكر يعترف : علي ( عليه السلام ) عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أخرج العلاّمة المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير ، في بيان الحديث النبوي ( مَن كنت وليه فعلي وليه ) ، وقال : ورواه الديلمي بلفظ : ( مَن كنت نبيه فعلي وليه ) ؛ ولهذا قال أبو بكر فيما أخرجه الدار قطني : علي عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أي أنّ علياً هو من الذين حثّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) على التمسّك بهم ، والاقتداء بهديهم ؛ لأنّهم النجوم التي يهتدي بهم المقتدي والمتمسك (4) .
وقال ابن كثير : أخرج الدار قطني في كتابه الفضائل ، بسنده عن معقل بن
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) أرجح المطالب : 15، مناقب سيدنا علي ( عليه السلام ) : 20 ح 61.
( 2 ) شرح نهج البلاغة 6 : 42 - 43 ، الرياض النضرة 1 : 187 ، الصواعق المحرقة : 177 ، السيرة الحلبية 1 : 442 ، تاريخ الخلفاء : 80 ، كنز العمال 5 : 616 ح 14085 أخرجه عن أبي نعيم والجابري ، ينابيع المودة : 306 باب ( 59 ) فصل في الآيات النازلة بشان أهل البيت ( عليهم السلام ) رواه عن الدار قطني ، الإتحاف بحب الأشراف : 23.
( 3 ) السقيفة وفدك : 66 ـ 67.
( 4 ) فيض القدير 6 : 218.
يسار قال : سمعت أبا بكر يقول : علي بن أبي طالب عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1) .
وبناءً على هذا ، فمَن تمعّن ودقّق في مفاد حديث الثقلين ، الذي تواتر تخريجه عند السنة والشيعة ، وثبت صدوره وقطعيته عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث قال : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا أبداً ) (2) ، عرف وتيقّن بأنّ الرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قرن العترة بالقرآن ، وجعلها عدلاً له ، وأنّها هي التي تفسّر القرآن ، وتكشف رموزه ؛ ولهذا كان التمسّك بالقرآن والعترة والانقياد إليهما واتّباعهما ، هو السبيل الوحيد في الاهتداء إلى الصواب ، والنجاة من الضلالة والغواية ، اللذَينِ يتبعهما الخزي والعار في الدار الآخرة .
وبناءً على ما اعترف به أبو بكر اعترافاً صريحاً ، بأنّ الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) هو العترة ، فبأي مستمسك شرعي ودليل ديني ، أزاح أبو بكر علياً ( عليه السلام ) عن الخلافة ، التي هي محط إجراء الأحكام القرآنية ، والمرجع في تبليغ تعاليم القرآن وبيان حقائقه ، حتى أنّ أبا بكر لم يكتفِ بهذا فقط ، بل فرض على علي ( عليه السلام ) الإقامة القهرية في داره ، منذ أن غصب الخلافة حتى نهاية خلافة عثمان ، والتي دامت مدة ربع قرن ، بل إنّه لم يرضَ بذلك حتى أن أمر بإحراق دار علي ( عليه السلام ) ، وسحبوا علياً
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) وسيلة المال لابن كثير نقل عنه الغدير 1 : 303 و 398.
( 2 ) أَلّف العلاّمة المحقّق آية الله مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي موسوعةً كبيرة ، في إثبات ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأولاده الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ، عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والاستدلال على أَحقية خلافتهم ، وأسماها بعبقات الأنوار ، وخصّ المؤلّف المحقّق مجلدينِ من هذه الموسوعة ، في إثبات صحة طرق حديث الثقلين من كتب أهل السُنة وصحاحهم ، ودلالته على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وقد أبدع المؤلّف في هذا الكتاب بحثاً عميقاً وأنيقاًَ وعلمياً ، في إثبات حديث الثقلين سنداً ومتناً ، وقد قمنا بتحقيق هذين المجلدينِ تحقيقاً علمياً ، وخرج بعد ذلك في ستة أجزاء ، وطُبع في مدينة أصفهان ، وشرحنا ترجمة المؤلّف وخصائص كتابه في مقدمة تحقيقنا فليراجع .
مقيّداً إلى المسجد النبوي ؛ لمبايعة الخليفة السقيفي كرهاً وزوراً .

19 - أبو بكر يعترف : علي أقرب الناس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
أخرج العلاّمة المحب الطبري بطريقه عن الشعبي قال : إنّ أبا بكر نظر إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : مَن سرّه أن ينظر إلى أقرب الناس قرابةً من رسول الله ، وأعظمهم عنه غنىً ، وأحظّهم عنده منزلةً فلينظر ـ وأشار ـ إلى علي بن أبي طالب . خرّجه ابن السمان (1) .
وأخرج المحدّث الدار قطني ـ بإسناده عن الشعبي ـ الحديث بلفظ آخر عن أبي بكر : مَن سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً ، عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلينظر إلى هذا الطالع (2) ـ أي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ .
20 - أبو بكر يعترف : علي ( عليه السلام ) كالنبي ( صلى الله عليه وآله ) في الرتبة .
أخرج العلاّمة الشيخ أبو المكارم علاء الدين السمناني ـ 736 ه‍ـ ـ في كتابه ( العروة الوثقى ) بعد أن روى حديث المنزلة ، وحديث الغدير ، ودعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ( اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ) ، ثمّ قال : وهذا حديث متفق على
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الرياض النضرة 3 : 119 ، المناقب للخوارزمي : 161 فصل ( 14 ) ح 193 ، نظم درر السمطين : 129 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 73 ، وفيه : وأفضلهم دالةً ـ أي دلالة ـ ، كنز العمال 13 : 115 ح 36375 خرّجه عن الأثرات لابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم ، الصواعق المحرقة : 177 ، فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين بهامش السيرة النبوية 2 : 16 .
( 2 ) أرجح المطالب : 467 أخرجه عن ابن السمان ، مناقب سيدنا علي ( عليه السلام ) : 49 خرّجه عن الدار قطني وابن السمان ، مفتاح النجاة : 29، الروض الأزهر : 362.
صحته ، فصار ( عليه السلام ) سيد الأولياء ، وكان قلبه على قلب محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
وأضاف قائلاً : وإلى هذا السر أشار سيد الصدّيقين ، صاحب غار النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أبو بكر ، حين بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى علي ( عليه السلام ) ؛ لاستحضاره فقال : يا أبا عبيدة ، أنت أمين هذه الأمّة ، أبعثك إلى مَن هو في مرتبة مَن فقدناه بالأمس ـ يعني النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ ينبغي أن تتكلم عنده بحسن الأدب (1) .
أقول : ولعلّني أمكنني أن أتفهّم معنى هذا الإحضار ، وأمر أبي بكر أبا عبيدة بمراعاة المرونة والأدب وحسن المعاملة ، مع علي ( عليه السلام ) ، وأتفهّم وأعقل متى كان هذا الأمر من أبي بكر ولِمَ أمر بذلك ؟ وليته قد أمر بذلك لمّا أرسل عمر بن الخطاب لإحضار علي إلى سقيفة بني ساعدة . .. وما جرى عليه ( عليه السلام ) ـ بعد ذلك ـ .
تأمل أيّها القارئ الخبير في هذا المختصر ، فإنّ الحر تكفيه الإشارة .
21 - أبو بكر يعترف : إنّه عاجز عن وصف النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أخرج العلاّمة محب الدين الطبري بسنده عن ابن عمر قال : إنّ اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا له : صف لنا صاحبك ـ أي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ . فقال : معشر اليهود ، لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتينِ ، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصره ، ولكنّ الحديث عنه ( صلى الله عليه وآله ) شديد ، وهذا علي بن أبي طالب ، فأتوا علياً ( عليه السلام ) فقالوا : يا أبا الحسن ، صف لنا ابن عمك ، فقال ( عليه السلام ) : ( لم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالطويلِ الذاهب طولاً ، ولا بالقصيرِ المتردّد ، كان فوقَ الربعة ، أبيضَ اللونِ ، مشرباً حمرة ، جعدَ الشعرِ ، ليس بالقطط ، يضرب
ــــــــــــــــــ
( 1 ) الغدير 1 : 297.
شعره إلى أرنبته ، صلت الجبينِ ، أدعجَ العينين ، دقيقَ المسربةِ ، برّاقَ الثنايا ، أقنى الأنفِ ، كان عنقه إبريقَ فضةٍ ، له شعرات من لبتهِ إلى سرتهِ ، كأنّهنّ قضيب مسك أسود ، ليس في جسده ولا في صدره شعرات غيرهنّ ، وكان شئن الكف والقدم ، وإذا مشى كأنّما يتقلّع من صخرٍ ، وإذا التفتَ التفتَ بمجامعِ بدنهِ ، وإذا قام غمر الناسَ ، وإذا قعد علا الناسَ ، وإذا تكلم أنصت الناس ، وإذا خطب أبكى الناسَ ، وكان أرحمَ الناس بالناس ، لليتيمِ كالأبِ الرحيم ، وللأرملةِ كالكريمِ الكريم ، أشجعَ الناس ، وأبذلَهم كفاً ، وأصبحَهم وجهاً ، لباسه العباء ، وطعامه خبز الشعير ، وإدامه اللبن ، ووساده الأُدم محشو بليف النخل ، سريره أمّ غيلان مرمّل بالشريف ، كان له عمامتان إحداهما تدعى السحاب ، والأخرى العقاب ، وكان سيفه ذا الفقار ، ورايته الغرّاء ، وناقته العضباء ، وبغلته دلدل ، وحماره يعفور ، وفرسه مرتجز ، وشاته بركة ، وقضيبه الممشوق ، ولواؤه الحمد ، وكان يعقلُ البعيرَ ، ويعلف الناضحَ ، ويرقّعُ الثوبَ ، ويخصفُ النعلَ ) (1) .
هكذا وصف لهم علي ( عليه السلام ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأوصاف حميدة ، وخصال تامة من الناحية الجسمية والنفسية والخلقية .
وكيف كان ( صلى الله عليه وآله ) يتعامل مع الناس ، حتى ذكر ( عليه السلام ) لهم مركب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعمامته وسيفه وغيره .
وتجدر الإشارة إلى ما يضحك الثكلى ، كيف يعجز مَن يعتقد أبناء السُنة وأتباع الخلافة فيه ، بأنّه أَوّل المسلمين إيماناً ، وأنّه لم يفارق النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلال ثلاث وعشرين سنة ، من بدء الدعوة حتى وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو للحظة قصيرة ؟ وكيف يتصور أنّ مَن يدعي الخلافة والإمامة ، وأنّه القائم مقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يعجز عن توصيف مستخلفه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ كما يدعي هو ـ ويبيّن خصاله الخَلقية والخُلقية ، وتراه عندما
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الرياض النضرة 3 : 162 - 163 ، ذخائر العقبى : 80 . أوردنا الحديث بكامله ؛ لِما فيه بيان شمائل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخصائصه . ( المعرّب ) .
يعجز عن ذلك ، يضطر أن يبعث السائل اليهودي إلى الإمام علي ( عليه السلام ) ليأخذ الجواب ؟
فعلى هذا ، فهل يمكن التوقّع من أبي بكر أن يصف لنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الناحية العلمية والدينية والأخلاقية ، بينما هو عاجز عن توصيفه من الناحية الجسمية ؟ وهل يعقل أن نلتمس من أبي بكر أن يخطو خُطى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويسير على نهجه ، ويواصل سبيله ؛ لكي يشدّ عزم المسلمين في دينهم ، ويهدي الكافرين إلى الصراط المستقيم ، ويسوقهم نحو معرفة شخصية الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يعجز عن توصيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ .
22 - أبو بكر يستشير علياً ( عليه السلام ) ويمنعه من الجهاد .
قال العلاّمة الشيخ محمد مخلوف المالكي ـ وهو من علماء مصر المعاصرين ـ :
كان أبو بكر كثيراً ما يحرص على آراء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؛ ولذلك كان يدأب في إبقاء الإمام علي ( عليه السلام ) بجواره في المدينة ، ولم يرضَ له الخروج من المدينة والحجاز ، أو الاشتراك في الحروب مع المجاهدين (1) .
23 - أبو بكر يرجع إلى علي ( عليه السلام ) في حلّ مسائل اليهودي .
روى العلاّمة الأديب ابن دريد البصري في كتابه المجتنى ، بسنده عن أنس بن مالك قال : أقبل يهودي بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى دخل المسجد فقال : أين وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فأشار القوم إلى أبى بكر ، فوقف عليه فقال : أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبي أو وصي نبي ، قال أبو بكر : سل عمّا بدا لك قال اليهودي : أخبرني عمّا ليس لله ، وعمّا ليس عند الله ، وعمّا لا يعلمه الله ؟
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) طبقات المالكية 2 : 41.
فقال أبو بكر : هذه مسائل الزنادقة ، يا يهودي ، وَهمّ أبو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودي .
فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أنصفتم الرجل ، فقال أبو بكر : أَما سمعت ما تكلم به ؟ فقال ابن عباس : إن كان عندكم جوابه وإلاّ فاذهبوا به إلى علي ( عليه السلام ) يجيبه ، فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( اللهم اهدِ قلبه ، وثبّت لسانه ) .
قال أنس : فقام أبو بكر ومَن حضره حتى أتوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاستأذنوا عليه ، فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، إنّ هذا اليهودي سألني مسائل للزنادقة ، فقال علي ( عليه السلام ) : ( ما تقول ، يا يهودي ؟ قال : أسالك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبي ، أو وصي نبي ، فقال ( عليه السلام ) له : قل . فردّ اليهودي المسائل . فقال علي ( عليه السلام ) : أمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إنّ عزيراً ابن الله ، والله لا يعلم أنّ له ولداً ، وأمّا قولك : أخبرني بما ليس عند الله ، فليس عنده ظلم للعباد ، وأمّا قولك : أخبرني بما ليس لله ، فليس لله شريك ) ، فقال اليهودي : أشهد أن لا إله الله ، وأنّ محمد رسول الله ، وأنّك وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال أبو بكر والمسلمون لعلي ( عليه السلام ) : يا مفرّج الكرب .
وجاء في رواية العلاّمة المحدّث الشهير بابن حسنويه الحنفي في كتابه ( در بحر المناقب ) ـ بعد ما شهد اليهودي الشهادتين فضجّ الناس عند ذلك ـ فقال أبو بكر : يا كاشف الكربات ، أنت يا علي فارج الهم (1) .
قال أنس : فعند ذلك خرج أبو بكر ورقى المنبر وقال : أقيلوني فلست بخيّركم وعلي فيكم ، قال أنس : فخرج عليه عمر وقال : يا أبا بكر ، ما هذا الكلام ، فقد ارتضيناك لأنفسنا ؟! ثمّ أنزله عن المنبر (2) .

24 - أبو بكر يرجع إلى علي ( عليه السلام ) في القضاء .
أخرج الحافظ جلال الدين السيوطي ، وآخرون من أعلام الحديث عند السُنة عن ثلاث طرق قالوا : إنّ خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر ، أنّه وُجد في بعض نواحي العرب رجلاً يُنكح كما تُنكح المرأة . فاستشار أبو بكر أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيهم أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه ، وكان أشدهم قولاً ، فقال عليه السلام : ( إنّ هذا الذنب لم تعصِ به أمّة من الأمم إلاّ واحدة ، فصنع الله بها ما قد علمتم ، أرى أن تحرقه بالنار ) . فأجمع رأي أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أن يحرقوه بالنار ، فكتب أبو بكر الصدّيق إلى خالد بن الوليد بأن يحرقه ، فحرقه ، ثمّ حرقهم ابن الزبير في إمارته ، ثمّ حرقهم هشام بن عبد الملك (3) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) علي بن أبي طالب إمام العارفين لأحمد بن صدّيق الغماري : 99 ، المجتنى : 35 نقل عنه الغدير 7 : 179 وإحقاق الحق 7 : 73.
( 2 ) در بحر المناقب : 76 نقل عنه إحقاق الحق 8 : 240.
( 3 ) راجع : الدر المنثور 3 : 346 قال : وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وابن المنذر والبيهقي في شُعب الإيمان ، مسند علي بن أبي طالب للسيوطي : 256 ح 799 ، أعلام
25 - أبو بكر يستشير علياً في غزو الروم .
أخرج المؤرّخ المشهور العلاّمة ابن واضح اليعقوبي : أراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعةً من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقدّموا وأخّروا ، فاستشار علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأشار عليه أن يفعل ، فقال : ( إن فعلت ظفرت ) . فقال أبو بكر : بشّرت بخير ، فغزا المسلمون الروم ، وفتحوا بيت المقدس ، التي كانت تحت وطأة اليهود يوم ذاك ، وانهزم اليهود ، ووقع ما أخبر به أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وكان ذلك في عام ثلاث عشر من الهجرة (1) .
وأخرج ابن عساكر هذا الحديث بزيادات وإضافات في ألفاظه ومتنه ، حيث إنّه نقل سؤال أبي بكر لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، عن منبع علمه بالظفر والانتصار في غزوة الروم ، وجواب علي ( عليه السلام ) عن ذلك (2) .
ــــــــــــــــــــــ
الموقعين 4 : 378 ، كنز العمال 5 : 469 ح 13643 ، الطرق الحكمية : 15، إحقاق الحق 8 : 229 أخرجه عن الداء والدواء : 248 والجواب الكافي لمَن سأل الدواء الشافي : 146، الكبائر للذهبي : 58 ، السُنن الكبرى 8 : 232 أخرجه باختصار، المدخل للحاج الفاسي 3 : 119 نقل عنه إحقاق الحق 17 : 446 . انظر الهامش . أقول : ولكنّي لم أجد هذا الحديث في كتاب ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ، طبعة مؤسسة الكتب الثقافية ، وتحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ، ويسرى عبد الغني عبد الله . ولعلّ المحقّقينِ حذفاه ؛ تكريماً لخليفتهم وتعتيماً على جهله ، وأنّ الخليفة أخذ برأي الإمام علي ( عليه السلام ) ( المعرّب ) .
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 132.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 2 : 64، إحقاق الحق 8 : 237 خرّجه عن تاريخ دمشق .