المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اية التطهير / اسئلة واجوبة


الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:50 PM
شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية التطهير



السؤال: في من نزلت آية التطهير
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على رسول الله، اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وآل محمّد.
أُريد أن أستعلم من سيادتكم عن شيء مهم جداً وهو خاص بآية التطهير، فآية التطهير: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) في سورة الأحزاب، قد وضع الله عزّ وجلّ قبلها وبعدها آيات تخاطب نساء النبيّ وأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكمثل ما عوّدتمونا أن نتدبّر آيات القرآن، فهل هذا يدلّ على أنّ زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أهل البيت؟
على الرغم من ذلك وجدت في كتب أهل السُنّة، وفي البخاري حديث نبوي معناه: أنّ أهل البيت هم: النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفاطمة والحسن والحسين ومولانا أمير المؤمنين(عليهم السلام).

الجواب:

نقول: ممّا أجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دون ما قبلها وما بعدها، وهذا شيء متّفق عليه(1), فمن هنا يبطل القول بأنّها نازلة في خصوص النساء؛ لورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء(عليهم السلام).
وكذلك يبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدم ذكرهنّ في سبب النزول, وعدم إدخال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّ سلمة مع طلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها وعظمتها التي لا تنكر.
وأمّا من يحتجّ على دخول النساء بمسألة السياق, فالسياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.
وكذلك فإنّ السياق قد هُدم بمجيء ضمير التذكير خلافاً لما قبلها ولما بعدها, فيكون الخطاب حينئذ غير متوجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطعاً، مهما كانت تأويلاتهم لضمير التذكير في (( عَنكُمُ )), (( وَيُطَهِّرَكُم )), فلو أراد الله تعالى إبقاء السياق في الكلام مع النساء لَما أعرض عن ضمير التأنيث إلى التذكير؛ فإنّ ذلك يهدم السياق ويوهم السامع.
وعلى كلّ حال فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يبيّن سبب النزول حتى تعرف الأُمّة المراد؛ فقد قال تعالى: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم )) (النحل:44), فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضّح نزول آية التطهير لوحدها دون ما قبلها وما بعدها, وكذلك بيّن حصر أهل البيت المقصودين في آية التطهير، قولاً وفعلاً، بحصرهم في الكساء وقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي...)، كما خصّهم الله تعالى بذلك بقوله: (( إِنَّمَا )).
ونكتفي لتأكيد قولنا هذا، بقول أبي المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر)، وهو من علماء السُنّة؛ إذ قال فيه: ((والكلام لخطاب أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تم إلى قوله:(( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ )) (الأحزاب:33), وقوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) استئناف تشريفاً لأهل البيت وترفيعاًَ لمقدارهم؛ ألا ترى أنّه جاء على خطاب المذكر فقال: (( عَنكُمُ )) ولم يقل: (عنكن)؟! فلا حجّة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية..
يدلّ عليه: ما روي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: (السلام عليكم أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً )))(2). انتهى كلامه؛ فإنّه كلام حقّ قلَّ من نطق به.
وأخيراً، فلعلّ وضع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية وسط آيات خطاب الله تعالى ورسوله لنساءه (قبلها وبعدها)، إنّما كان للتمييز فيما بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام)، المتماثلين بالقرب منه، والصلة به، والملاصقة له(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
فنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد طُلب منهنّ الالتزام بأوامر الله تعالى، والحذر من مخالفتها؛ فإنّهن لسن كغيرهنّ من النساء، فيجب عليهنّ الالتزام أكثر من غيرهنّ, لأنّهنّ لا يمثّلن أنفسهنّ فحسب، وإنّما ينتمين إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويُحسبن عليه, فيجب عليهنّ عدم الإساءة إليه بتصرفاتهنّ غير المسؤولة..
فقد قال الله تعالى: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ )) (الأحزاب:34)، أي: تذكّرن وانتبهن للتعاليم التي خرجت إلى الناس من بيوتكنّ، فأنتنّ أولى بتذكّرها وذكرها, وذلك بعد تخييرهنّ واختيارهنّ الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فكأنّ تلك الآيات الشريفة شروط وخطوط يبيّنها الله تعالى لهنّ، وأوجبها عليهن.
أمّا الخطاب الذي ذكر أهل البيت(عليهم السلام) فكان خطاباًً يختلف عن ذلك الخطاب المتوجّه إلى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فأهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في هذه الآية مدحاً، ورفعاً لشأنهم، كما قال أبو المحاسن، ودون قيد أو شرط, فيكون ذكر شطري قرابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبيان حالهم والتمييز بينهم.
وبيان حالهم نكتة لطيفة من الله تعالى في جمعهم بمكان واحد؛ فقد يساء لأهل البيت(عليهم السلام) بالفهم الخاطئ بسبب التنديد الوارد في النساء ومطالبتهنّ بالإلتزام وتذكّر أحكام الله، وعدم إيذاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتضييق عليه، فيدخلهم في ذلك التخيير من الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه يشملهم وأنّهم مطالبون بتذكر آيات الله وعدم مخالفتها, فلذا جيئ بهذه الجملة المعترضة والآية الكريمة في وسط ذلك الجو لينزه أهل البيت(عليهم السلام) عن ذلك العتاب وذلك الإلزام وتلك الشروط, ويدفع ذلك التوهم بمدحهم مدحاً عظيماً مؤكداً ومخصصاًً لهم بذلك الفضل دون من سواهم, والله العالم.
وأمّا ما ذكرته عن البخاري، فغير دقيق؛ لأنّ البخاري لم يروِ حديث الكساء، وإنّما رواه مسلم.
(1) انظر: مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صحيح مسلم 7: 130 باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الترمذي 5: 30 سورة الأحزاب، المستدرك على الصحيحين 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، السنن الكبرى للبيهقي 2: 149 باب (أهل بيته الذين هم آله).
ولفط رواية أحمد: ((حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك، يعنى: ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعى زوجك وابنيك. قالت: فجاء عليّ والحسين والحسن فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري، قالت: وأنا أُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: (اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير))).
(2) معتصر المختصر 2: 267، في باب أهل البيت.






السؤال: تغاير آيتي التطهير والتخيير في سبب ووقت النزول
ارجو بيان ما يلي :
1- تاريخ نزول الايات المتحدّثة عن ازواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سورة الأحزاب: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )) (الأحزاب:28)، الى قوله تعالى: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا )) (الأحزاب:34).
2- تاريخ نزول مقطع التطهير في هذه الآيات: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا )) (لأحزاب: 33).
3- سبب النزول لكلي الآيتين: آيات نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومقطع التطهير.


الجواب:


لا شكّ أنّ هناك مغايرة في سبب نزول آية التخيير وآية التطهير، فالسبب الذي يذكروه لآية التخيير هو: أنّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سألنه شيئاً من الدنيا، ولم يكن عنده، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهنّ من بعض فانزل الله تعالى آية التخيير(1).
وقال الشامي في (سبيل الهدى والرشاد): ((إنّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سألنه في عرض الدنيا ومتاعها أشياء، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهنّ من بعض، فهجرهنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآلى على نفسه، أي: حلف، لا يقربهنّ شهراً، ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ وكانوا يقولون: طلّق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه...)(2).
وقيل في زمن نزول آية التخيير: أنّه حصل بعد الفتح، كما أشار إلى ذلك المقريزي في (إمتاع الاسماع)(3).
أمّا آية التطهير فكان نزولها في بيت أُمّ سلمة أو فاطمة(عليها السلام) عندما جمع الحسن والحسين وعليّ وفاطمة معه صلوات الله عليهم أجمعين تحت الكساء، لذا لا شك في اختلاف الواقعتين وإن صعب تحديد أيّهما الأسبق.


(1) انظر: تفسير السمعاني 4/275 قوله تعالى: (أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ...).
(2) سبل الهدى والرشاد للشامي 9/62 جامع أبواب سيرته الباب(4).
(3) إمتاع الأسماع 13/72 فصل في ذكر خصائص رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الواجب المتعلّق بالنكاح








رد على إشكالات بعض الوهابية على الآية
بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة عليّ وعصمة آل البيت
ومن الأدلّة التي يستدلون بها على الإمامة: آية التطهير، وآية التطهير هي قوله تبارك وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33).
يقولون: إنّ أهل البيت هم: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين؛ بدلالة حديث الكساء.
حديث الكساء: ترويه أُمّ المؤمنين عائشة التي يزعمون أنّها تبغض آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا الحديث يخرجه الإمام مسلم، الذي يزعمون أنّه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
عائشة تروي: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاءه عليّ فأدخله في عباءته - أي: في كسائه - ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاءه الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جلّلهم - أي: غطّاهم - صلوات الله وسلامه عليه بالكساء، ثم قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، فقالوا: هذا الحديث يفسر الآية، وهي قول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )).
ثم الاستدلال الآخر: وهو أنّ إذهاب الرجس والتطهير أي (يعني) العصمة، فيكونون بذلك معصومين، ويكون عليّ رضي الله عنه معصوماً، وكذا الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان الأمر كذلك فهم إذاً أوّلى بالإمامة من غيرهم، ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها، وقالوا: إنّ الإمامة في عليّ والحسن والحسين، ثم في أولاد الحسين، كما هو معلوم عند الكثيرين.
هذه الآية، هل هي فعلاً في عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم؟
اقرؤوا ما قبل هذه الآية، تدبّروا القرآن، فنحن لا نريد أكثر من ذلك، أفليس الله تبارك وتعالى يقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا )) (محمد:24)؟ ويقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثِيراً )) (النساء:82)؟ إنّ هذا الخطاب من الله جلّ وعلا ليس متوجّهاً فقط إلى أُناس معنيين هم الذين يحقّ لهم أن يتدبّروا القرآن، بل إنّ الله تعالى يطلب من جميع المسلمين - بل ومن غير المسلمين - أن يتدبّروا القرآن، ويتعرّفوا على الله جلّ وعلا من خلال هذا القرآن؛ فإنّهم إذا قرؤوا القرآن وتدبّروه وعرفوه حقّ المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بُدّاً من الانصياع إليه واتّباعه والإقرار بكماله وحسن رصّه، وغير ذلك من الأمور.
كذلك الأمر هنا، نحن لا نريد منكم أكثر من أن تتدبّروا القرآن - أنا أعنيكم يا عوام الشيعة - دعوا علماءكم جانباً، ارجعوا إلى كتاب ربّكم جلّ وعلا واقرؤوه، وافتحوا هذا القرآن الكريم، على سورة الأحزاب، فعندما نفتح الآن على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين، سنجد أنّ الله تبارك وتعالى يقول: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحاً نُؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً * وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً )) (الأحزاب:28-34).
نجد أنّ كلّ الآيات متناسقة، آيات في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يقول الله: (( يَا نسَاءَ النبيّ )), (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ وَلا تَبَرَّجنَ ))، ثم قال: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً * وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))، فنجد الآيات في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فكيف لأحد أن يدّعي بعد ذلك أنّ هذه الآية، بل هذا المقطع من الآية - لأنّ قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) ليست آية إنّما هي جزء من آية (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ ))، تلكم الآية - فكيف تقبلون في كلام الله جلّ وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا ))، ثم يقول: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ))... (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، يا عليّ.. يا فاطمة.. يا حسين! ثم يعود مرّة ثانية: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))؟
ما الذي أدخل عليّاً والحسن الحسين وفاطمة في خطاب موجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات؟ لا توجد مناسبة.
ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطعن في كلام الله، أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادّعوا دعوى غير صحيحة؛ لأنّ قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))؟
نقول: هذه دعوى باطلة، فهذه في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لذلك كان مجاهد رحمه الله تعالى - مجاهد بن جبر - يقول: ((هي في نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن شاء باهلته)) - أي في هذه الآية- .
- من هم آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
القصد، هذه الآية هي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحديث الكساء لعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وبهذا نجمع بين الأمرين: أنّ عليّاً وفاطمة، والحسن والحسين من آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بدليل حديث الكساء، وأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والدليل الآيات المذكورة سابقاً.
وغيرهم يدخل أيضاً في آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كـالفضل بن العبّاس، والمطّلب بن ربيعة بن الحارث ابن عم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ وذلك لأنّه لمّا منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال: (إنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد)..
ويدخل كذلك في آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): آل جعفر، وآل عقيل، وآل العبّاس، بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه.
فَقَصر هذه الآية على عليّ والحسن والحسين وفاطمة، لا يستقيم معه نص الآية، ولذلك نقول: إنّ هذا القول مردود.
- حلّ إشكال ورد شبهة:
هنا إشكال وهو: إذا كان الأمر كذلك؛ وهي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فما مفهوم: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ )) ولم يقل: عنكنّ؟ وهذا هو الذي يدندنون عليه!
لماذا قال: (عنكم)، ولم يقل: عنكن؟ وهذه قد ذكر أهل العلم لها معان كثيرة، منها:
أوّلاً - وهو أصح هذه الأقوال -: إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) داخل معهنّ، وذلك أنّ الخطاب كان للنساء، ثم لمّا تكلّم على البيت دخل سيّد البيت، وهو: محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب، فطبيعي جداً أن تُلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ))، أي: يا نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعكنّ سيدكنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وتصحّ أيضاً لِما قال الله تبارك وتعالى عن إمرأة إبراهيم: (( رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ )) (هود:73) وهي إمرأة إبراهيم، لم جاء بميم الجمع هنا: (عليكم) ولم يقل: (عليكنّ)، ولا (عليك) أيضاً؟ وإنّما (عليكم) يريد أهل البيت، يريد مراعاة اللفظ، واللفظ: (أهل).
وعلى كلّ حال؛ إنّ نون النسوة هنا لم يؤت بها؛ لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل معهنّ.
- عدم دلالة آية التطهير على عصمة آل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم):
كذلك بالنسبة للتطهير، الله سبحانه يريد أن يذهب الرجس، ويريد أن يطهّر سبحانه وتعالى، فهل هم مطهّرون خلقة، أو يريد الله الآن أن يطهّرهم؟
القوم يدّعون أنّهم مطهّرون خلقة - أي: خلقوا مطهّرون - فإذا كانوا خلقوا مطهّرين فما معنى قوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ )) بعد أوامر ونواه؟ قال: يريد أن يذهب عنكم الرجس - أي: طهّركم وأذهب عنكم الرجس -؟
إذاً: ما معنى حديث الكساء، وهو: (أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جلّلهم بالكساء، ثم قال: اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، لماذا يدعو؟ وبماذا يدعو.. بإذهاب الرجس الذي هو أصلاً ذاهب عنهم؛ لأنّهم مطهّرون خلقة؟! فكيف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلب من الله أن يذهب عنهم الرجس؟ تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
إذاً هذه الآية لا تدلّ على العصمة، كيف تدلّ على العصمة وعليّ رضي الله عنه يقول: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أُخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك)، يقول ذلك في الكافي الجزء الثامن صفحة (293)؟
ويقول للحسن ابنه: (ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (576).. وقال له أيضاً: (فاعلم أنّك إنّما تخبط خبط العشواء، وتتورّط الظناء)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (577).. وقال له كذلك: (فإن أشكل عليك من ذلك - يعني أمر - فاحمله على جهالتك به، فإنّك أوّل ما خلقت جاهلاً ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك)، وهذا في نهج البلاغة صفحة (578).
وهذا من يسمّونه بـ((الشهيد الثاني)): زين الدين بن علي العاملي، يقول: ((فإنّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنّهم علماء أبرار))، وهذا في حقائق الإيمان صفحة: (151).
- معنى الرجس:
يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ))، ما هو الرجس؟
الرجس: قال أهل اللغة: هو القذر.. الذنب.. الإثم.. الفسق.. الشك..الشرك.. الشيطان، كلّ هذا يدخل في مسمّى الرجس.
وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدّة، فقد وردت في قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )) (المائدة:90).
وقال تعالى: (( كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ )) (الأنعام:125).
وقال سبحانه وتعالى: (( قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيتَةً أَو دَماً مَسفُوحاً أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ أَو فِسقاً أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ )) (الأنعام:145).
وكذلك يقول سبحانه وتعالى على الكفار من اليهود: (( قَالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسمَاءٍ سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وَآبَاؤُكُم مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ )) (الأعراف:71).
ويقول تعالى: (( سَيَحلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضُوا عَنهُم فَأَعرِضُوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ )) (التوبة:95).
وجاءت آيات أُخرى تبيّن معنى الرجس، وهو: الإثم.. الذنب.. القذر..الشك.. الشيطان.. الشرك، وما شابهها من المعاني؛ ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه، أنّه قال: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ))، قال: هو الشك, وقال الباقر: (الرجس: هو الشك، والله).

الجواب:

هذه الشبهات المطروحة ليست جديدة، وقد تقوّلها عثمان الخميس في كتاب (حقبة من التاريخ) منذ سنين، ونحن نجيب عليها بالإضافة إلى ما أُجيب عنها سابقاً:
ما ذنب الشيعة والأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى المتنازع عليه، بأنّ أهل البيت هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، بالإضافة إلى سيد البيت النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!
فهذه رواية عائشة في مسلم(1) التي حكت فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأصحاب الكساء(عليهم السلام) ثم تلاوته لآية التطهير من سورة الأحزاب، تعاضدها النصوص الصحيحة التي رواها أئمّة السنن والآثار، حين نقلوا قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبطرق مختلفة: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) حين جلّلهم بالكساء، وحين قرأ آية التطهير عليهم خاصّة..
وهذا اللفظ منه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفيد الحصر وتعيين المذكورين فقط بأنّّهم أهل البيت دون غيرهم. وقد نصَّ العلماء بأنّ تعريف الجزءين (هؤلاء، أهل بيتي)يفيد الحصر(2).
وقد صرّح جمع من علماء أهل السُنّة بهذا المعنى أيضاً، أيّ: بأنّ المراد بأهل البيت هم: أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم، وفي هذا يقول الحاكم النيسابوري في كتابه، بعد أن ذكر جملة من الأخبار والروايات الصحيحة على شرط الشيخين، الصريحة في أنّ أهل البيت هم خصوص أصحاب الكساء(عليهم السلام) فقط، وأنّهم أيضاً المرادون بمصطلح: (آل محمّد)، دون غيرهم، قال بعد إيراده لحديث كيفية الصلاة على أهل البيت: ((وإنّما خرّجته ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت والآل جميعاً هم))(3).
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الآلوسي صاحب التفسير: ((وأخبار إدخاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً وفاطمة وابنيهما(رضي الله تعالى عنهم)، تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخال أُمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصّصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان البيت، فالمراد بهم: من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) )) (4).
وأمّا الجواب على الاحتجاج بوحدة السياق، وأنّ هذه الآية الكريمة وردت ضمن آيات جاءت تتحدّث عن نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيكون المراد بأنّهنّ المقصودات بهذه الآية الكريمة، بالإضافة إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لمحلّ التذكير في الضمائر (عنكم)، الذي يستفاد منه الشمول للذكر والأنثى..
فنقول: إنَّ من الضروري للاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات، بل وللاستدلال بها في كلّ آيات القرآن الكريم إثبات نزول الآيات المستدلّ بها دفعة واحدة، وفي مناسبة واحدة، ليكون بعضها قرينة على بعضها الآخر، وأمّا احتمال تعدّد الكلام في مناسبات مختلفة، فهو ينسف الاستدلال بوحدة السياق، ولا يمكن إثبات المدّعى في هذا المقام وفي كلّ مقام..
ومن المعلوم أنّ ترتيب الآيات القرآنية في المصحف الشريف لم يكن بحسب التسلسل الزمني لنزولها، فرُبّ آية مدنية وضعت بين آيات مكّية وبالعكس..، وهذا الأمر يمكن ملاحظته بأدنى مراجعة لأسباب نزول الآيات التي ذكرها العلماء في الكتب الخاصّة بهذا الشأن.
وفي مقامنا: من العسير جداً إثبات نزول آية التطهير (وهي الآية 33 من سورة الأحزاب) مع الآيات الواردة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل هناك من الأدلة ما يشير إلى نزول آية التطهير قبل آيات نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال السيوطي: ((أخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لمّا دخل عليّ(رضي الله عنه) بفاطمة رضي الله عنها جاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أربعين صباحاً إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )), أنا حرب لما حاربتم، وأنا سلم لمن سالمتم) ))(5).
فإذا علمنا أنّ زواج فاطمة(عليها السلام) من عليّ(عليه السلام)كان بعد رجوع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، كما يروي ذلك أبو الفرج الأصفهاني(6)، أو على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة، بحسب رواية الطبري عن الواقدي(7)..
وعلمنا أيضاً أنّ نزول الآيات المرتبطة بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان بعد زواج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمجموعة منهنّ، بل ذهب بعض المفسّرين إلى كونهنّ تسعة عند نزول هذه الآيات(8)، ولم يختلف أحد في وجود (حفصة) آنذاك، وأنّها من جملة النساء اللآتي خيّرهنَّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الدنيا والآخرة.. وقد صرّح الطبري وغيره أنّ زواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حفصة كان في السنة الثالثة من الهجرة قبل الخروج إلى أُحد(9)، أي أنّه متأخّر عن زواج فاطمة(عليها السلام) بما يقارب السنة الواحدة..
فيتبيّن لنا من ملاحظة هذين الأمرين - أي: من تاريخ زواج عليّ من فاطمة(عليهما السلام)، وتاريخ زواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حفصة - أنّه لا يمكن المصير إلى القول بأنّ آية التطهير قد نزلت دفعت واحدة مع آيات نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وهذا الإشكال الوارد على وحدة السياق لهذه الآية مع تلك الآيات إن ثبت على نحو الجزم، فهو مانع من الاستدلال به في المقام، وإن لم يثبت على نحو الجزم، فلا أقل من كونه احتمالاً مانعاً من تمامية الاستدلال بوحدة السياق في المقام.
وأيضاً يوجد هناك أمران آخران يمنعان من الاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات الكريمات:
الأوّل: عدم وحدة الخطاب بينها، أي بين آيات النساء وآية التطهير، فالملاحظ أنّ المولى سبحانه أرجع الإرادة في آيات النساء إليهن لا إليه عزّ وجلّ، إذ قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا... وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ )) (الأحزاب:28-30)، بينما في آية التطهير كان الخطاب يحكي عن تعلّق الإرادة الإلهية ذاتها بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، فقد قال تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33).
الثاني: إنّ آيات النساء وردت في سياق الزجر والتحذير، بينما آية التطهير - بالاتّفاق - قد وردت في سياق المدح والتفضيل، وشتّان بين السياقين إذا اعتبرنا أنّ المخاطب في كلا الموردين واحد وليس متعدّداً.
وبشكل عام لكي يتم الاحتجاج بوحدة السياق بين آيات ما، في القرآن الكريم، يحتاج إلى شيئين: الأوّل: الوحدة في النزول، الثاني: الوحدة في الخطاب.. وهما مفقودان في المقام.
وأمّا دعوى أنّ مجاهد بن جبر كان يقول: ((هي في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن شاء باهلته)).. فالصحيح أنّ هذا الرأي هو لعكرمة مولى ابن عبّاس، كان يجاهر به، وينادي به في الأسواق.
وعكرمة معروف بإنحرافه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وأهل بيته؛ لأنّه كان يرى رأي الخوارج، والنصب ظاهر من كلماته وألفاظه في هذه المسألة، وإلاّ.. فأيّ شيء يستدعي إجراء المباهلة لغرض بيان تفسير آية من آيات القرآن، أنّها نزلت في فلان دون فلان سوى النصب والعداء الذي كانت تجاهر به الخوارج تجاه أمير المؤمنين(عليه السلام) خاصّة، وأهل البيت(عليهم السلام) عامّة، وبالذات رأي نجدة الحروري - الذي كان عكرمة يرى رأيه - الذي يُعدّ أشدّ الآراء بغضاً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، بالإضافة إلى تكفير جميع المسلمين من غير الخوارج.
وقد اشتهر عن عكرمة أيضاً كذبه ووضعه للحديث، لذا وصفه يحيى بن سعيد الأنصاري بأنّه: كذّاب(10)، فمن المعيب، بل من الإجحاف الركون إلى هذا الرأي الصادر عن هذا الكذّاب الناصبي، وترك تلك النصوص الصريحة المستفيضة الصادرة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم..
مع أنّ في قوله - أي عكرمة - دلالة على أنّ المسلمين كافّة كانوا على خلاف في ذلك، ولذلك كان يقول: ((ليس ما تذهبون إليه...)) ثم يطلب المباهلة(11).
وفي دعوى عود ضمير الجمع (( عَنكُمُ.. يُطَهِّرَكُم )) إلى ما يشمل الذكور - النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - بالإضافة للزوجات، وأنّه جاء على لسان الخطاب مع زوجة إبراهيم(عليه السلام) في قوله تعالى: (( أَتَعجَبِينَ مِن أَمرِ اللَّهِ رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ )) (هود:73).
نقول: إنّ استفهام الملائكة من تعجّب سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) إنّما كان لقرابتها منه(عليه السلام) ولاصطفائها، وهذا المعنى يتطابق مع الواقع الخارجي لسارة - لكونها ابنة عم إبراهيم(عليه السلام) - وأيضاً مع المدلول اللغوي لكلمة (أهل بيت الرجل)، التي نصّ اللغويون على أنّ المراد منها: ذو قرباه ومن يجمعه وإياهم نسب(12) - أي قربى الرجل الذي نسبوا على أنّهم من أهل بيته - ولا شك أنّ الإرتباط مع الرجل بوشيجة النسب أخصّ منه في وشيجة السبب - كالزواج وغيره - ..
على هذا يكون الخطاب في (الآية 73 من سورة هود) شاهداً على أنّ المراد بأهل البيت في (آية التطهير 33 من سورة الأحزاب) هم: المرتبطون بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حيث النسب لا من حيث السبب، كما هو الشأن في سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) المرتبطة بإبراهيم(عليه السلام)، من حيث النسب والسبب معاً لا بالسبب وحده.
ولو سلّم شمول آية التطهير لزوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإستناد إلى عموم اللفظ..
نقول: قد خُصّص هذا العموم بالأحاديث الصحيحة المتضافرة من السُنّة الشريفة بأنّ المراد بـ (أهل البيت) في الآية الكريمة هم: الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.. فلا يتم مطلوب المناهض لهذا الرأي على أيّة حال.
وأيضاً الاستدلال بأنّ أهل البيت يشمل آل جعفر وآل عقيل وآل العبّاس - كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم(13) - لا يعدو أن يكون رأياً لزيد رآه لا يقوى على مناهضة الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، التي فسّرت أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.
وهذا الرأي لزيد يمكن الاستدلال به على نفي أنّ المراد بأهل البيت: نساؤه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)! فإنّ لزيد بن أرقم في هذه المسألة روايتان، في واحدة منها ينفي أن يكون المراد بأهل بيته: نساؤه، وفي الثانية يثبت فيها أنّ أهل بيته هم: من حرم الصدقة بعده، بالإضافة إلى إثباته بأنّ نساءه من أهل بيته، وقد يبدو التعارض والتناقض بين الروايتين!
ومن هنا قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ((وأمّا قوله في الرواية الأُخرى: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: وفي الرواية الأُخرى: فقلنا مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا. فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنّه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأوّل الرواية الأُولى على أنّ المراد أنهنّ من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم... ولايدخلن فيمن حرم الصدقة))(14).
فالملاحظ من هذا الشرح أنّ الرواية المعروفة والمشهورة عن زيد أنّ نساءه لسن من أهل بيته, ولكن لورودها في صحيح مسلم على خلاف المعروف والمشهور - كما أشار النووي في شرحه - احتاجت إلى التأويل!
وقد فصل زيد بين أهل البيت بمعنيين: بين من يسكن معه في بيت واحد ويعولهم, وبين من حرم الصدقة بعده, فالمراد بأهل البيت في الحديث - الذي يرويه زيد - هم: مَن حرم الصدقة بعده، وهو المعنى الذي أراد بيانه ونصّ عليه شارح مسلم النووي..
ومن المعلوم أنّ نساءه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تحرم عليهن الصدقة بالإجماع، إذاً هنَّ لسن المرادات من مفهوم (أهل البيت) الوارد في حديث الثـقلين، وكذلك في آية التطهير، بل في كلّ الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
وأمّا التساؤل عن معنى قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) بعد أوامر ونواه: فهو أمر قد تبيّن حاله من الأجوبة السابقة، بأنّ آية التطهير لم يكن نزولها مع آيات النساء والمشتملة على تلك الأوامر والنواهي، وهو الأمر الذي اعتبرناه مؤشراً واضحاً على اختلاف السياقين، وأنّ سياق (آية التطهير) هو سياق المدح والثناء، وهو الذي فهمه كلّ العلماء والمحدّثين، فأوردوا الأحاديث التي وردت فيها هذه الآية بحقّ أهل البيت(عليهم السلام) في باب مناقبهم وفضائلهم.. فتدبّر!
وكذلك الإتيان بلفظة (( يُرِيدُ )) في الآية لا تدلّ على وقوع المراد في المستقبل فقط، إذ يمكن أن يؤتى بصيغة الاستقبال ويراد بها الماضي والحال، كما في قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد الشَّيطَان أَن يوقعَ بَينَكم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمر وَالمَيسر )) (المائدة:91)، مع أنّ الشيطان قد أوقع العداوة في الماضي بسبب الخمر، فلا تدلّ الآية على إرادة الوقوع في المستقبل فقط، مع أنّ اللفظ جاء بصيغة الاستقبال..، وأيضاً قوله تعالى: (( يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم )) (النساء:28), فالإرادة فيه للحال لا للاستقبال مع أنّ الصيغة صيغة استقبال.. وهكذا غيرها من الموارد المذكورة في القرآن الكريم، فراجع!
وكذلك كونه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا لهم بإذهاب الرجس والتطهير - كما في بعض نصوص هذه الروايات - لا يدلّ على أنّ الرجس كان ثابتاً عندهم والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلب إذهابه، بل نقول: أنّ لسانه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هنا يجري مجرى قول القائل ((أذهب الله عنكم كلّ مرض)) مع أنّه لم يكن حاصلاً له أيّ مرض.
وما نُقل عن الشهيد الثاني في كتابه (حقائق الإيمان) بخفاء معنى العصمة عن كثير من أصحاب الأئمة(عليهم السلام)(15)، ليس دليلاً على عدم الدليل؛ فقد يخفى فهم الدليل على بعض ويدركه بعض آخر، وإلاّ لما دعا المولى سبحانه إلى التدبّر والتفكّر في آيات الله، وسؤال أهل الذكر، ووصف قوماً بالراسخين في العلم دون غيرهم!
وأمّا قولهم: إنّ عليّاً(عليه السلام) نفى عن نفسه العصمة، كما هو الوارد في (نهج البلاغة) أنّه قال: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك...).
نقول: هذا النصّ الوارد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة فيه استثناء يدلّ على العصمة، ولكن غالب المستشهدين به يقتطعونه لغرض التلبيس على العوام! فقد قال(عليه السلام) بالنص - كما في النسخة المحقّقة والتي علّق عليها الشيخ محمد عبده المصري -: (فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي).
قال الشيخ محمد عبده في تعليقته: ((يقول: لا آمن من الخطأ في أفعالي، إلاّ إذا كان يسّرَ الله لنفسي فعلاً هو أشد ملكاً منّي، فقد كفاني الله ذلك الفعل فأكون على أمن من الخطأ فيه))(16).
نقول: فهل كفى الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين(عليه السلام) من نفسه ما هو أملك به منه، ويسّر له فعلاً هو أشدّ ملكاً منه ينتصر به على نفسه ويأمن الخطأ في فعله، كما هو مراد الاستثناء في كلامه(عليه السلام) الذي يغض عنه الطرف المغرضون عمداً وتعمية؟!
وفي الجواب، نقول: فليرجع هؤلاء إلى (نهج البلاغة) نفسه الذي استشهدوا بهذه العبارة منه، وليستمعوا إلى أقوال أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الجانب وليلاحظوا العبارات التي يعبّر بها (عليه السلام) عن نفسه بما يفيد نفس معنى العصمة الذي يقول به الإمامية له(عليه السلام).
قال(عليه السلام): (وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبّيي، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً)(17).
ويقول(عليه السلام) في كلام له وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد فسكتوا مليّاً: (لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها إلاّ هالك، من استقام فإلى الجنّة، ومن زلَّ فإلى النار)(18).
ويقول(عليه السلام) في كلام له لبعض أصحابه: (فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه)(19).
ويقول(عليه السلام): (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قط)(20).
ويقول(عليه السلام) في كلام له ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه: (فوالذّي لا إله إلاّ هو أنّي لعلى جادّة الحقّ وإنّهم لعلى مزلّة الباطل)(21).
ويقول(عليه السلام) في خطبته المسمّاة بـ (القاصعة)، التي ذكر فيها قربه من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وملازمته إياه منذ الصغر: (وكان - أيّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل)(22).
ويقول(عليه السلام) في حقّ أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم، واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولا يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، لا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا)(23).
وهكذا نجد غير هذه الكلمات والنصوص الصادرة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في (نهج البلاغة)، وهي تدلّ بشكل واضح على عصمته وعصمة أهل بيته الكرام(عليهم السلام).
وأيضاً نقول عن الشبهة الأخرى: بأنّه تحمل أقواله(عليه السلام) في وصيّته لابن الحسن(عليه السلام) على اللسان المعروف في الخطاب: (إيّاك أعني واسمعي يا جارة)؛ وقد ورد هذا الخطاب من الله لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في موارد كثيرة في القرآن مع الجزم بعصمة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعدم تصوّر اشتماله بالمضمون المخاطب به، كمثل قوله تعالى: (( لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطنَّ عَمَلُكَ )) (الزمر:65), فإنّنا نجزم بأنَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يشرك، ولا يمكن أن نتصوّر منه الشرك، وإلاّ لما جعل نبيّاً!
وقد سبق من الله سبحانه أنّ عهد النبوّة أو الإمامة لا يناله ظالم، كما في قوله تعالى: (( لا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124), والشرك يُعد ظلماً عظيماً؛ لقوله تعالى: (( إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ )) (لقمان:13), فإن كان الأمر كذلك فلا يمكن أن تصل النوبة إلى تقليد عهد النبوّة أو الإمامة لرجل سبق في علم الله أنّه سيكون من الظالمين، وإنّما الخطاب المتصور في الآية: (( لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطنَّ عَمَلُكَ )) إنّما هو للمغيرة وليس له(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ورد على الطريقة المعروفة التي أشرنا إليها في الخطاب.
وكذلك يفهم كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) مع ابنه الحسن(عليه السلام)، بل هكذا ينبغي أن تفهم كلماتهم وأدعيتهم(عليهم السلام) التي يوجد فيها الطلب بالمغفرة للذنوب وما أشبه ذلك، وذلك بعد ثبوت الأدلّة على عصمتهم كآية التطهير، وحديث الثقلين، وحديث السفينة، وأحاديث أخرى صحيحة.
وأمّا ما جاء في بيان كلمة (( الرِّجسَ )) والمراد منها، فإنّنا لم نفهم محلّ التعليق عليه؛ فإنّهم قد ذكروا معاني متعدّدة للرجس بحسب ما جاء في اللغة، فيكون الحال - بهذا اللحاظ - أنّه سبحانه قد أذهب كلّ هذه الأمور التي يشتمل عليها معنى الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، فما ذكروه هو عليهم لا لهم!
وإنَّ لفظ (( الرِّجسَ )) - الذي هو متعلّق التطهير - قد ورد في الآية مطلقاً محلّى بألف ولام الجنس، فالآية الشريفة إذاً تعلن نفي ماهية الرجس بنحو العام الاستيعابي لكلّ ما هو داخل تحت هذا الاسم عن أهل البيت المذكورين في الآية..
وأوضح منه في إفادة العموم: قوله عزّ وجلّ: (( وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، وهذا لا يحصل برفع بعض الأقذار دون بعض، وإنّما يتحقق - أي التطهير - برفع جميع الأقذار ودفعها عن المحلّ.. فالآية تدلّ على نفي عموم الخبائث والنقائص والقبائح عن أهل البيت(عليهم السلام) ظاهراً وباطناً وبجميع المراتب..
وهذا المعنى أيضاً يمكن تحصيله بملاحظة آيات أخرى وردت في القرآن الكريم؛ فعندما نلاحظ قوله تعالى: (( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم )) (التوبة:125), يتبيّن لنا أنَّ للرجس مراتب، وأنّه من الأمور المتفاوتة - أي: أنّه ليس بمرتبة واحدة - وإلاّ لا تصح الزيادة في الآية الكريمة آنفاً (( فَزَادَتهُم ))!
وكذلك نستفيد أنّ للرجس ظاهر وباطن؛ إذ بحسب تفسير الرجس بالإثم نستفيد دلالة ذلك، كما في قوله تعالى: (( وَذَرُوا ظَاهِرَ الأِثمِ وَبَاطِنَهُ )) (الأنعام:120), وهذا كلّه قد أذهبه الله عزّ وجلّ - بدلالة آية التطهير - عن أهل البيت(عليهم السلام).
وما ذكروه من تفسير الإمام الباقر(عليه السلام) للرجس بالشرك، فإنّنا نفهم هذا التفسير بعد ملاحظة شمول معنى الرجس للذنوب والمعاصي والشكوك، وهو بحسب ما جاء في كلمات أهل اللغة من باب تفسير اللفظ بأبرز مصاديقه، لا أنّه يحصر مفهوم الرجس بهذا المصداق، كيف والقرآن الكريم يعطي هذا المفهوم تلك المصاديق الكثيرة كما هو واضح من الآيات الكريمة التي أوردوا هم بعضها.
ولمزيد الاطلاع على ردود اخرى حول الشبهات الواردة راجع كتاب (رد اباطيل عثمان الخميس) على آية التطهير وحديث الكساء لكاتبه حسن بن عبد الله بن علي .


(1) صحيح مسلم 7: 130 كتاب (فضائل الصحابة) باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(2) انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 560 النوع الثاني والأربعون: قاعدة في التعريف والتنكير.
(3) المستدرك على الصحيحين 3: 148 من مناقب أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(4) تفسير روح المعاني للآلوسي 22: 13 في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ...)).
(5) الدرّ المنثور 5: 199 سورة الأحزاب.
(6) مقاتل الطالبيين: 30 (الحسن بن علي).
(7) تاريخ الطبري 2: 177 غزوة السويق.
(8) انظر: السيوطي في الدرّ المنثور 5: 195 في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزوَاجِكَ )).
(9) تاريخ الطبري 2: 186 مقتل أبي رافع اليهودي.
(10) انظر: ترجمة عكرمة في: ميزان الاعتدال للذهبي 3: 93 عكرمة مولى ابن عبّاس، المعارف لابن قتيبة: 455 عكرمة مولى ابن عبّاس.
(11) الدر المنثور 5: 198 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ...)).
(12) مفردات الراغب
(13) صحيح مسلم 7: 122 باب (فضائل عليّ(رض)).
(14) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 180 فضائل عليّ بن أبي طالب(رض).
(15) حقائق الإيمان: 151 الأصل الرابع: التصديق بإمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.
(16) نهج البلاغة شرح محمد عبده 2: 201 من خطبة له (عليه السلام) بصفّين (216).
(17) نهج البلاغة 1: 189 خطبة (97).
(18) نهج البلاغة 1: 232 خطبة (119).
(19) نهج البلاغة 2: 64 خطبة (162).
(20) نهج البلاغة 2: 171 (197).
(21) نهج البلاغة 2: 172 (197).
(22) نهج البلاغة 2: 157 (192).
(23) نهج البلاغة 1: 189 (96 ).






آية التطهير خاصة لا تشمل أزواج النبي (صلى الله عليه واله) على كل الوجوه
جاء في كتاب (الكافي)، باب ((ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة(عليهم السلام) واحداً فواحد ح1))، وهو صحيح الإسناد: (عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: إنّ الإمام الصادق(عليه السلام) - بعدما نَقَلَ حديث الثقلين عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - قال: فلو سكت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يبيّن من أهل بيته، لادّعاها آل فلان وآل فلان، لكن الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33)، فكانّ عليّ والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثم قال: (اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي)، فقالت أُمّ سلمة: ألست من أهلك? فقال: (إنّك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي) ))(1).
أولاً: ماذا يقصد الإمام الصادق(عليه السلام) بقوله: (لكن الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه)? هل يقصد بأنَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا الله عزّ وجلّ بأن يذهب عن أهل البيت(عليهم السلام) الرجس، ثم أنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية تأييداً لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ أم نزلت الآية أوّلاً، ثم دعا الرسول هذا الدعاء?
ثانياً: ما هو معنى كلام الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أُمّ سلمة: (أنت إلى خير) أو (على خير)? لأنّ هذا الحديث يوجد في سنن الترمذي وباقي كتب السنة، ولكن لم توجد فيه عبارة: (ولكن هؤلاء أهلي وثقلي)? بل جاء فيه فقط: (‎أنت على مكانك وأنت على خير)(2)، وأنا لم أفهم معنى هذه العبارة؟
هل يكون المعنى: يا أُمّ سلمة أنت من أهل البيت ولا حاجة بمجيئك تحت الكساء، (كما ورد في بعض كتب السنة) ولا تحتاجي أن أدعو لك? أو يكون المعنى: أنت لا تكوني من أهل البيت، بل أنّك على المنهج الصحيح والى خير، (كما ورد هذا المعنى في كتب الشيعة وبعض السنة)؟
وأنّ حديث الكساء مع روايته بألفاظ أخرى مثل: (أنت من أزواج النبيّ ولكن هؤلاء أهل بيتي) أو قول أُمّ سلمة: ((فوالله؛ ما أنعم رسول الله))، أو عبارة: ((فجذبه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يدي، وقال: أنّك على خير))، أو عبارة: ((فَوددت أنه قال نَعَم، فكان أحبّ اليّ ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب))، ومثل هذه العبارات لا تمتلك السند الصحيح عند أهل السنة، ولا تعتبر عندهم، وليست من الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها عليهم.
ثالثاً: إنّ المفسرين من أهل السنة، لا ينكرون حديث الكساء، بل يقولون: بأنّ هذا الحديث لا يحصر أهل البيت في (عليّ وفاطمة والحسن والحسين)، مثلاً طاهر ابن عاشور (وهو من العلماء السُنّة الذين عرفوا بعدم التعصب، حتى أنّه حلّل زواج المتعة طبق الفقه الشيعي وطبقاً للآية من سورة النساء)، يقول في كتابه التفسيري (التحرير والتنويل) في تفسير الآية: ((وقد تلفق الشيعة حديث الكساء، فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أنّ أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لسن من أهل البيت، وهذه مصادمة للقرآن، بجعل هذه الآية حشوا بين ما خوطب به أزواج النبيّ، وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف (يعني كلمة أهل البيت) على أهل الكساء، إذ ليس في قوله: (هؤلاء أهل بيتي) صيغة القصر، فهو كقوله تعالى: (( إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي )) (الحِجر:68)، ليس معناه ليس لي ضيفاً غيرهم، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عمّا قبلها وما بعدها.
ويظهر أنّ هذا التوهم من زمن عصر التابعين، وأنّ منشأه قراءة هذه الآية على الألسن دون إتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها، ويدلّ على ذلك ما رواه المفسرين عن عكرمة، أنّه قال: ((من شاء باهلتة أنّها نزلت في أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ))، وأنّه قال أيضاً: ((ليس بالذي تذهبون إليه، إنّما هو نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ))، وأنّه كان يصرخ بذلك في السوق. وحديث عمر بن أبي سلمة (الذي رواه الترمذي) صريح في أنّ الآية نزلت قبل أن يدعو النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الدعوة لأهل الكساء، وأنّها نزلت في بيت أُمّ سلمة.
وأمّا ما وقع من قول عمر بن أبي سلمة، أنّ أُمّ سلمة قالت: وأنا معهم يا رسول الله?... فقال: (أنت على مكانك، وأنت على خير)، فقد وهم فيه الشيعة، فظنوا أنّه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة! لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّما أراد إنّ ما سألته من تحصيل الحاصل، لأنّ الآية نزلت فيها وفي ضرائرها، فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم، فالدعاء لها بأنّ يذهب الله عنها الرجس ويطهّرها دعاء بتحصيل الحاصل، وهو مناف لآداب الدعاء، كما حررّه شهاب الدين القرافي في الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه، فكان جواب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تعليما لها.
وقد وقع في بعض الروايات أنّه قال لأم سلمة: (إنّك من أزواج النبيّ)، وهذا أوضح في المراد بقوله: (أنّك على خير). ولمّا إستجاب الله دعاءه كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلق أهل البيت على فاطمة وعليّ وابنيهما، فقد روى الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: (الصلاة يا أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا)، قال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه))(3).
والسؤال: من أين نستطيع أن نعرف (على أساس مصادر أهل السنة)، بأنّ أهل البيت(عليهم السلام) منحصرون في خمسة أصحاب الكساء?
رابعاً: بالنسبة إلى تفسير عكرمة للآية، على أنّ الآية نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
نحن نردّ على ذلك: بأنّه كذّاب وأنّه من الخوارج، ولكن علينا أن نعرف بأنّ عكرمة لم يخص نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكونهم أهل البيت فقط، بل يقول بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويقول بدخول عليّ وعائلته تحت عنوان أهل البيت بدليل حديث الكساء، وهذا لا ينافي كون الآية نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ومن جهة أخرى: أنّ عكرمة نقل أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، (وأنا شاهدت الكثير منها في كتب السنة).
وكذلك؛ أنّه كان من الأفراد الموثقين عند الإمام الباقر(عليه السلام)، - كما ورد هذا الأمر في كتاب (التفسير والمفسرون) لآية الله معرفة - حيث يقول: ((ويبدو من روايات أصحابنا الإمامية، كونه - يعني عكرمة - من المنقطعين إلى أبواب آل البيت العصمة، وفقا لتعاليم تلقاها من مولاه ابن عبّاس - رضي الله عنه - فقد روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى أبي بصير، قال: كنا عند الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) وعنده حمران، إذ دخل عليه مولى له، فقال: جعلت فداك، هذا عكرمة في الموت، وكان يرى رأي الخوارج، وكان منقطعاً إلى أبي جعفر(عليه السلام)، فقال لنا أبوجعفر: (أنظروني حتى أرجع اليكم)، فقلنا: نعم، فما لبث أن رجع، فقال: (أما أنّي لو أدركت عكرمة، قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها، ولكنّي أدركته وقد وقعت النفس موقعها)، قلت: جعلت فداك، وماذاك الكلام? قال: (هو ـ والله ـ ما أنتم عليه، فلقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولاية)(4). في هذه الرواية مواضع للنظر والإمعان: أوّلا دخول مولى أبي جعفر بذلك الخبر المفاجئ، وقوله: كان منقطعاً إلى أبي جعفر، يؤيّد كون الرجل من خاصّة أصحابه، ولم يكن يدخل على غيره، دخوله على الإمام(عليه السلام)، وأمّا قوله: وكان يرى رأي الخوارج، فهو من كلام الراوي، حدساً بشأنه، حسبما أملت عليه الحكايات الشائعة عنه...))، إلى آخر كلامه الذي يدافع فيه عن عكرمة بشدّة، ويأتي أيضاً بكلمات العلاّمة الشوشتري حول الدفاع عن عكرمة، والشوشتري هو الذي كان يخالف المجلسي حول عكرمة.
وإذا كان عكرمة ممتازاً بهذا الشخصية وهذه المنزلة عند الأئمة، فلا نستطيع أن نصفه بالكذاب ونسمّيه بالخارجي، بل علينا أن نقبله بعنوان راوي، قال بنزول الآية في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وروى عن ابن عبّاس ما يؤيّد رأيه.
وقول عكرمة بكونه حاضراً للمباهلة مع مَن لا يعتقد بنزول الآية في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، موجود في كتب أهل السُنّة بإسناد صحيح.
(1) الكافي 1: 287 حديث (1).
(2) سنن الترمذي 5: 31 سورة الأحزاب.
(3) سنن الترمذي 5: 31.
(4) الكافي 3: 123 باب ((تلقين الميت)).


الجواب:


أولاً: بمراجعة الرواية من أوّلها والتنبه إلى أسلوب الاستدلال الذي جرى عليه الإمام(عليه السلام)، يتوضح لديك أنّ المراد من قوله: (تصديقاً لنبيّه) أي تأييداً وموافقةً لنبيّه, كما لو قلت: أنّ القرآن والسُنّة يصّدق أحدهما الآخر، أي يوافقه ويعاضده ويؤيده.
وإن أبيتَ إلاّ التمسك بظاهر العبارة، فإنّ التصديق قد جاء بعد حديث الثقلين، والصحيح أنّ حديث الثقلين صدر عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مواضع عديدة تصل إلى الثمانية أو العشرة، فيكون المعنى: إنّه بعد أن صرح رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحديث الثقلين، وأنّ الثقل الأصغر هم أهل البيت(عليهم السلام) بعد أن سئل عنهما بـ (وما الثقلان يا رسول الله؟)؛ ومن الطبيعي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيشير إلى أشخاصهم, جاءت آية التطهير تصديقاً له في تعين أهل البيت(عليهم السلام) وتشخيصهم، حتى لا يدّعي مدّع أنّ المحابات (نعوذ بالله) من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد تدخلت في التشخيص، وإنّما الأمر من الله عزّ وجلّ.
نعم، توجد هناك رواية رواها الحاكم في (المستدرك) وحكم بصحتها, فيها أنّ الدعاء كان قبل نزول الآية, (( فعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: لمّا نظر رسول الله إلى الرحمة هابطة، قال: أدعوا لي أدعوا لي, فقالت صفية: من يارسول الله؟ فقال: أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين, فجيء بهم, فألقى عليهم النبيّ كساءه ثم رفع يديه، ثم قال: اللّهمّ هؤلاء آلي فصل على محمّد وآل محمّد, وأنزل الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) ))(1).
ورواية أخرى عن أُمّ سلمة رواها ابن كثير في تفسيره، عن الأعمش، عن حكيم، وفي آخرها: ((فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط...))(2).
ثانياً: إنّ بعض علماء أهل السُنّة احتمل لجملة (أنتِ على خير) معنيين:
الأوّل: أنّ معناه؛ أنتِ لست من أهل بيتي، بل من أزواجي، وأنّ مآلك إلى خير وحسن العاقبة، وهذا المعنى هو ما يتمسك به الشيعة.
الثاني: أنّ معناه؛ أنت لست بحاجة للدخول تحت الكساء، لأنّك من أهل بيتي، فأزواجي من أهل بيتي.
والسبب في إيرادهم المعنى الثاني، هو أنّهم بعد أن قرروا في آية التطهير، أنّها نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مستدلين بالسياق، وجدوا أنّ إلتزامهم هذا يعارض بوضوح مفاد حديث الكساء، الذي شخص فيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل البيت(عليهم السلام) وطبق آية التطهير على مصداقها الخارجي، فأضطروا - حفاظاً على عقيدتهم - لحمل بعض جمل الحديث على التأويل البعيد وغير المتعارف، حلاً منهم للتعارض الظاهر، والذي يودي بعقيدتهم، بعد أن كان سند الحديث صحيحاً لا يمكن ردّه, ولم يجدوا جملة تحتمل التأويل - ولو البعيد غير المألوف - سوى (أنتِ على خير)، فحملّوها المعنى الثاني الذي عرفت.
فكان فعلهم هذا؛ ليس تمسكاً بما هو ظاهر الحديث بمفرده، بل تمسكاً بالتأويل الذي لجأوا إليه، بعد جمعه مع المعنى الذي أرادوه من الآية. فإنّهم بعد أن إلتزموا بأنّ (أهل البيت) في آية التطهير في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأخذوه كأصل موضوعي لا يقبل التبديل، اضطروا لحمل كلّ نص آخر يخالفه ظاهراً على المعنى المعني ولو بالتأويل, فلاحظ!
وإلاّ، فإنّ ظاهر الحديث بإنفراده، ودون النظر إلى الآية - أي حتى لو فرضنا عدم وجود آية في المقام - هو حصر معنى أهل البيت على مصداق هؤلاء الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام)، وهو ظاهر من القرآئن الحالية واللفظية في قول وفعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذا الحديث.
وظاهر جملة (أنتِ على خير) هو ما ذكرناه من المعنى الذي يتمسك به الشيعة، وهو المستعمل في لغة العرب لإخراج من يراد إخراجه، ولم يعهد منهم أن يستخدموا هذه الصيغة بمعنى دخول المخاطب بها في من خصّوه وميّزوه بالقيود والخصائص المذكورة في الكلام، فإنّ ظاهرها النفي بتقدير (لا) قبلها، وإذا أراد العربي أن يعطي مفاد الإيجاب، يجب أن يأتي بصيغة أخرى تفيده، بأن يقول مثلاً (وأنت كذلك), فلم يعهد من العرب بأنّهم إذا عزلوا أو خصوا جماعة من ضمن آخرين موجودين في نفس المكان بصفة أو إضافة معينة كوصفهم بالأضياف أو الشجعان مثلاً، ثم اعترض شخص حاضر فأجيب (بأنتَ على خير) أو (أنتَ مكانك) أنّه سيشمله هذا الوصف أو الإضافة، بل بالعكس فإنّه تأكيد بالخروج فوق ما لو لم يُقَل له مثل ذلك.
ولاحظ أنت؛ إذا دخلت إلى مطعم، وكان فيه أشخاص من ضمنهم بعض أصدقائك الحميمين، فناديت صاحب المطعم وقلت له: هؤلاء أضيافي، بعد أن أجلست أصدقاءك على طاولة خاصّة وعزلتهم عن بقية الناس, فهل يفهم صاحب المطعم أنّ البعض الآخر، يجوز أن يُقدم لهم الطعام على حسابك بكونهم أضيافك؟ ولو جاء شخص من الحاضرين وأراد الجلوس على نفس الطاولة وأنت قلت له: (أنتَ على خير)، أو (أنتَ مكانك) ولم تسمح له بالجلوس على الطاولة بمحضر صاحب المطعم, فهل يجوز لصاحب المطعم أن يجعله من أضيافك، أو أنّك لا تعذره وتعاتبه وكلّ الناس الحاضرين؟ ولا حجّة له بالقول؛ بأنّه أوّل معنى (على خير) بأنّك تعدّه من أضيافه الأساسيين الأصليين، بعد أن سبق كلامك القرائن الحالية بعزل أصدقائك على طاولة خاصّة, فلاحظ.
والذي يقطع الشك في هذا الحديث، الأحاديث الأخرى الكثيرة التي توضح هذه الجملة بما لا لبس فيها، والتي ذكرت أنت جملة منها, وبعض هذه الأحاديث صحيحة على موازين أهل السُنّة كما في مسند أحمد، عن شهر بن حوشب، عن أُمّ سلمة، الذي في آخره: (( فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: (انّك على خير) ))(3)، ورواه أبو يعلى في مسنده(4).
ثم أين أنت من القاعدة التي تقول: أنّ الأحاديث يقوي بعضها البعض؟
ونحن هنا نريد أن ننبه على شيء: وهو أنّ الحكم بصحة طريق معين، لا يعني أنّ رجال هذا الطريق لم يتكلم فيهم أحد بمغمز، وإلاّ فلا يسلم رجل من رجال أهل السنّة، فإنّه لا بد أن تجد أنّ هناك أحداً من أصحاب الجرح والتعديل طعن في هذا الرجل أو ذاك، وهكذا كلّ رواتهم، وإنّما الحكم عليه يكون من مجموع أقوال أصحاب الجرح والتعديل, فلاحظ. فإنّ كثيراً من المشاغبين المجادلين المتشدقين، تراهم من أجل تضعيف رجل في طريق الحديث ينقلون طعنه من أحد أصحاب الجرح والتعديل، ويغمضون أعينهم عن مجمل ما ورد فيه محاولين إيهام مجادليهم، وتراهم في مكان آخر يأتون بالمدح لنفس الرجل من رجالي آخر!!
والآن نعود لنفس الموضوع: وهو إنّا فوق ما ذكرنا من ظاهر الحديث, نجد أنّ تكرار الفعل من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الظاهر من متن الروايات، يقطع كلّ شك في الإختصاص, بل تكرار قراءة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للآية عند المرور على بيت فاطمة(عليها السلام) يرسخ هذا الإختصاص في أذهان المسلمين.
بل روى مسلم عن عائشة أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرأ بعد أن أدخلهم تحت الكساء: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))(5)، وقراءة الآية على من تحت الكساء وفيها أدات الحصر (إنّما) بحضور عائشة وغيرها قاطع للتوهم والمناقشة في الإختصاص، فلاحظ.
ثالثاً: قبل الإجابة على ما ذكره (طاهر بن عاشور)، نود الإشارة إلى أنّ إتفاق بعضهم مع الشيعة في بعض الأحكام الفرعية لا يخرجه عن التعصب, فهذا ابن تيمية يتفق مع الشيعة في أنّ الطلاق بالثلاث يعتبر طلقة واحدة(6)، فهل يمكن أن يقال عنه أنّه غير متعصب، مع ما مشهور عنه من نصبه لأهل البيت(عليهم السلام)! وبعد ذلك نقول:
أ - ما ذنب الشيعة إذا كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي قصَر وحصَر معنى أهل البيت في الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام)، حتى يقول (طاهر بن عاشور) عنهم، أنّهم غصبوا هذا الوصف وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيها(عليهم السلام)؟!
ب - قد ذكرنا في جواب السؤال السابق، أنّ منشأ قولهم يرجع بالحقيقة إلى إعتبارهم أنّ الآية نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كأصل موضوعي لا يناقش (إستناداً إلى السياق المدعى), وهذا واضح من كلام (طاهر بن عاشور)، من قوله: ((وهذه مصادمة للقرآن، بجعل هذه الآية حشواً بين ما خوطب به أزواج النبيّ))، وعلى هذا الأصل المفترض بنوا كلّ كلامهم.
ولكن سنبين أنّ ما ادعوه وما استدلوا به لم يكن إلاّ دعوى، من دون دليل: فإنّ ما سماه حشواً يدلّ على عدم معرفته بأساليب البلاغة لدى العرب!
يقول الشيخ السبحاني: ((لا غرو في أن يكون الصدر والذيل راجعين إلى موضوع، وما ورد في الأثناء راجعاً إلى غيره، فإنّ ذلك من فنون البلاغة وأساليبها, نرى نظيره في الذكر الحكيم وكلام البلغاء وعليه ديدن العرب في محاوراتهم، فربما يرد في موضوع قبل أن يفرغ من الموضوع الذي يبحث عنه ثم يرجع إليه. وثانياً: يقول الطبرسي: ((من عادة الفصحاء في كلامهم، أنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم))(7). قال الشيخ محمد عبده: ((إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرّة بعد المرّة))(8). روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): (أنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء)(9).
ثم أورد الشيخ السبحاني مثالاً لذلك من القرآن, قوله تعالى: (( إِنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعرِض عَن هَذَا وَاستَغفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ )) (يوسف:28-29)، فنرى إيراد قوله تعالى: (( يُوسُفُ أَعرِض عَن هَذَا )) قبل أن يفرغ من الكلام معها ثم يرجع إلى الموضوع الأوّل))(10).
فظهر ما في قوله: (حشواً) من حشو، وتجرّ على القرآن وعدم فهم!!
ثم إنّ الروايات عن أُمّ سلمة وعائشة وغيرهن، تنص على أنّ آية التطهير نزلت وحدها، ولم ترد ولا رواية واحدة على أنّها نزلت مع آيات النساء، فأيّ معنى بعد ذلك للاستدلال بالسياق، وإنّما وضعت (بينها) بأمر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو في مرحلة تأليف القرآن، ولهذا نظير في القرآن، فآية (الإكمال) نزلت في نهاية البعثة يوم غدير خم، مع أنّها الآن في سورة المائدة جزءاً من آية تبين أحكام اللحوم. ثم إنّ وقوعها بين آيات النساء، فيها عبرة لهنّ، بأن ينظرن ويحاولن أن يتبعن أهل هذا البيت النبوي(عليهم السلام) المعصومين عن الذنب.
ح - لقد بيّنا في جواب السؤال الثاني؛ دلالة الحديث بما فيه من القرآئن الحالية واللفظية على القصر فلا نعيد، وأوضحنا بالمثال الذي ذكرناه، بما يدلّ على عكس مراده بإستشهاده بالآية (( إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي )) (الحجر:68), فإنّ في هذه الآية أيضاً تخصيص وقصر على أنّ هؤلاء ضيوفي من بين كلّ الموجودين في المكان، ولا أحد غيرهم منكم من أضيافي, وذلك أنّ أسم الإشارة (هؤلاء) يعرف ويخص ويحصر في المكان والزمان الخاصين الصادر فيهما.
فقول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ هؤلاء أهل بيتي)، يعني أنّ هؤلاء في هذا الوقت هم أهل بيتي دونكم أنتم الحاضرون, وكان من الحاضرين زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعليه لا يصح الإتيان بأداة الإشارة وتعينهم بها إذا كان أحد غيرهم من الموجودين من أهل بيته, إذ لا تصدق الإشارة حين ذاك, وكذا في الآية (( إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي ))، فمن المعلوم أنّ الملائكة كانوا في ذلك الوقت والمكان هم أضياف نبيّ الله لوط(عليه السلام) دون أهل المدينة كلّهم، ولا يعني أنّه نفى أن يكون له أضياف في الزمان اللاحق, ولذا نحن لا نحصر أهل البيت بالخمسة أهل الكساء(عليهم السلام)، بل نعمها إلى الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) في الزمان اللاحق, ومن هذا كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ الآية ويخص بها عليّاً وفاطمة(عليهما السلام), والحسن والحسين(عليهما السلام) بعد لم يولدا(11)، فراجع.
ولكن مع ذلك كرّر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وزاد في التكرار بالإشارة إليهم، وتعريفهم بأهل البيت، دفعاً لمثل هذا التوهم المذكور.
د - وإن تعجب! فعجب من نسبة التوهم إلى التابعين، في حصر هذه الآية بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام)، مع أنّهم أقرب للنص! وقد سموا تابعين لأنّهم تبعوا الصحابة, ولا يَحتَمِل الوهم من شخص واحد جاء بعدهم بمئات السنين, فهو يعترف بأنّ هذا القول كان في عصر التابعين المطمأن، بل الأكيد أنّهم أخذوه من الصحابة, ومع ذلك ينسبهم للوهم دونه، مع أنّه بعيد عن النص والصحابة عدّة قرون، فيا لله والهوى.
بل نحن نقول: إنّ هذا القول كان معروفاً عند الصحابة أيضاً, ولذا لا توجد ولا رواية واحدة عنهم، بل عن نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنفسهن، فيها أنّ الآية خاصّة بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو هنّ والخمسة أصحاب الكساء, ولم يخصها بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى في عصر التابعين إلاّ عكرمة, وفي نفس روايته ما يتضح أنّ رأي الناس مطبق على أنّها نزلت في الخمسة، حين يقول: ((ليس بالذي تذهبون إليه، وإنّما هو نساء...))(12)، فلاحظ، وتأمل وتعجب!!
وقد عرفت من الروايات وخاصّة روايات أُمّ سلمة (رض) أنّ الآية نزلت وحدها، ولذا فلا عجب، بل الصحيح الطبيعي من المسلمين في ذلك الوقت أن يقرؤوها وحدها.
و- وقد عرفت أيضاً، أنّ هناك روايات عديدة تصرّح بأنّ دعاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان قبل نزول الآية, وطريق الجمع ربما يتوضح من تكرار فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما يظهر من الروايات المختلفة, فراجع.
والظاهر من قوله: ((وأنّها نزلت في بيت أُمّ سلمة))، أنّه يريد الاستدلال بمكان النزول، ويجعله سبب النزول في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا من عجيب الاستدلال!! فمكان النزول غير سبب النزول.
ط - ولقد عرفت أيضاً ممّا مضى، جوابنا على ما يدّعونه من معنى (أنتِ على مكانك) و(أنتِ على خير) فلا نعيد, وإنّما نعجب من بهتانه وتناقضه! فإنّه يستدل على ما يريد من كلام رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنتِ على مكانك) و(أنتِ على خير) بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مع أنّ نفس الرواية التي يريد شرحها، تنص على أنّها نزلت وحدها، وأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) طبقها في أهل البيت(عليهم السلام)! ومع أنّ أكثر أصحابه الذين يدخلون النساء في ضمن أهل البيت، يستدلون لدخولهن بالسياق لا بالنزول، ويقولون أنّ النساء دخلن بالسياق والخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دخلوا بفعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي بالحقيقة بالنزول, وذلك رداً منهم لإفتراء عكرمة أنّها في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة.
فهل رأيت تناقضاً أكثر من هذا؟!! فلا نعلم إنّه مع رأي عكرمة، أو مع رأي أكثر أهل السنة!!
ثم لو كانت الآية نازلة فيها وفي ضراتها كما يقول، فما معنى قول أُمّ سلمه: ((وأنا يارسول الله))؟ فهل كانت أُمّ سلمة لا تعرف أنّها نزلت فيها وفي ضراتها, ثم علم عكرمة أو طاهر بن عاشور بذلك!!
ي - إنّ الروايات الواردة في حديث الكساء على ثلاثة أصناف:
1- ما فيها أنّ الدعاء كان قبل النزول.
2- ما فيها أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرأ الآية فقط على من في الكساء، وأضاف في بعضها (إنّ هؤلاء أهل بيتي).
3- ما فيها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا لهم بعد نزول الآية، وبعد أن جمعهم تحت الكساء.
فلو سلّمنا بما قال: ((فالدعاء لها... دعاء بتحصيل الحاصل))، فهو يصدق على الصنف الثالث فقط, هذا أوّلاً، ثم إنّ ما ذكره لو صح، يتم فقط في عدم الدعاء لها بما هو حاصل, ولكن ما الداعي لإخراجها من التخصيص في أهل بيت في المقام, فالمفروض على مبنى كلامه أن يقول لها: أنتِ من أهل البيت، وقد تحقق لك ما أطلبه في الدعاء من الآية، لا أن يخرجها من أهل البيت أصلاً.
وبعبارة أخرى: نحن نستدل بتخصيص أهل البيت(عليهم السلام) في حديث الكساء، بعدّة أمور: منها فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتلفظه بأداة الإشارة (هؤلاء)، ودعائه لهم, فكلامه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على تسليمه يرد في الدعاء، وأمّا الباقي فعلى حاله.
وبعبارة أوضح: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لو كان يريد من فعله فقط الدعاء لأصحاب الكساء، فما الداعي لفعل وقول ما فعله وقاله؟ وكان يكفي أن يرفع يده ويطلب من الله إدخالهم في الآية، مع العلم أنّ أُمّ سلمة لم تسأله الدعاء، بل سألته الدخول معهم, فلاحظ. هذا ثانياً.
وثالثاً:
1- إنّ كلامه لا يتم إلاّ إذا ادعى بأنّ لفظة (( أَهلَ البَيتِ )) في الآية لا تشمل أصحاب الكساء(عليهم السلام) وإنّما تشمل النساء فقط, وهذا لا يتم لغة وضمير التذكير في (عنكم) يدحضه، وعليه فإذا دخل أصحاب الكساء(عليهم السلام) في الآية، بشمول لفظة (أهل البيت) لهم، يكون دعاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم أيضاً تحصيل للحاصل, وإذا قال عناداً وأصرّ على أنّ (( أَهلَ البَيتِ )) في الآية لا تشمل الذرية، يكون قد خالف الجمهور من علماء أهل السنة.
وإذا قال: أنّ الضمير في (عنكم) يعود للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، فيصبح الإشكال إشكالين: الأوّل: فما معنى إذهاب الرجس عنه في الآية؟ إذ من المعلوم أن الرجس منفي عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من السابق، إلاّ أن ينفي ذلك وهو من الشناعة بمكان. والثاني: يكون بحقه أيضاً من تحصيل الحاصل، لأنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان داخلاً تحت الكساء أيضاً، وهو من أهل البيت قطعاً.
2- في الحقيقة أنّ إشكالهم في الأساس، هو أنّ الإرادة في الآية تشريعية، إذ لو كانت تكوينية، فلا معنى لدعاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ هو تحصيل حاصل حسب مدعاه!! وهذا يرد بوجوه:
أ - حتى لو كانت الإرادة تشريعية، فإنّه سيكون أيضاً من تحصيل الحاصل، إذ معناه يا إلهي أدعوك أن تشرع عليهم التطهير كما شرعته عليهم، وأي معنى لهذا؟!
ب - إنّ الإرادة على الصحيح تكوينية، ويكون الدعاء لإدامة الشيء الحاصل ولا مانع منه، فمع أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مهتدي، وهو الذي يهدي للحق، يقرأ في صلاته كلّ يوم خمس مرات (( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )) (الفاتحة:6).
ج - وحصول الشيء عند شخص، لا يعني أنّه سوف يستغني عن الله ببقائه ودوامه.
د - إنّ المقامات السامية ليست كلّها بدرجة واحدة، وإنّما هي في تكامل مستمر عندهم.
ط - قد بيّنا ما في تكرار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من دلالة على الإختصاص, ولكن العجب من هذا المدعي يقول: ((ولمّا استجاب الله دعاءه، كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يطلق أهل البيت على فاطمة وعليّ وابينهما))، فيتهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنوع من المحاباة! إذ يكرر ويزيد في التكرار على من أصبحوا أهل البيت بدعائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويترك الإشارة إلى من أشار اليهم الله جلّ جلاله بأهل البيت ولو لمرّة واحدة وهن النساء حسب مدعاهم. ويا لله ولجرأتهم على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!!
أفلا كان لمدّع مغرض؛ أن يقول لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): مالك تخص هؤلاء الذين طلبت أنت من الله أن يدخلوا في أهل البيت، وتترك من فرض الله كونهم من أهل البيت؟! بالله أيصح هذا الفعل من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! إلاّ أن يكون فعله فيه نوع من الميل عن مراد الله - نعوذ بالله - على الأقل بتركه الأصل وإصراره على التبع, ولماذا لا ننزه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن هذا، ونقول كما هو واضح وعرفه الجميع أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يبيّن بفعله المكرر هذا مقاصد القرآن، وأنّه لا يفعل شيء إلاّ وهو مطابق للقرآن ومن وحي الله تعالى.
نعوذ بالله كيف يقلبون الحقّ باطلاً والباطل حقاً!!
3-
أ- لقد أجمع كلّ من نقل قول عكرمة على أنّه كان يدّعي إختصاصها بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا مجال لما ذكرت، فإنّ في متن بعض الروايات قوله: ((إنّها نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة))(13).
ثم أنّه قد نُقل عنه عدّة روايات، أحدها قوله: ((ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبيّ))(14) يقصد به قول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ... )) الآية، فهذا منه تفسير للآية لا ذكر شأن النزول, ومن المعلوم أنّ الآية لو كانت دلالتها مختصة بالنساء لاستقر التعارض بينها وبين حديث الكساء. نعم، لو كنّ مورد النزول فقط، كما يدّعي في روايات أُخر، لأمكن إحتمال عدم التعارض، ولكنه لا يتم أيضاً لما عرفنا من فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من التخصيص والحصر، إضافة لوجود روايات كثيرة تنص على أنّ مورد النزول هم الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام).
ب - لا يمكن مدح، فضلاً عن توثيق عكرمة بمثل هذه الروايات بعد أن نص رجاليونا على تضعيفه، فعن الكشي بعد أن نقل هذه الرواية، قال: ((فلم يدركه أبو جعفر(عليه السلام) ولم ينفعه))(15)، وهذا هو الفهم الصحيح للرواية, وقال في حقه العلاّمة في الخلاصة: ((ليس على طريقنا ولا من أصحابنا))(16), وكونه لا يعتقد بالمذهب الحقّ واضح لا يحتاج إلى روايات، بل هو مثل الشمس في رابعة النهار، خصوصاً بعد أن نص رجاليو السُنّة على أنّه كان على رأي الخوارج، وأنّه كان يكذب على ابن عبّاس.
أمّا ما فهمته أنت وغيرك من الرواية، من أنّه كان مورداً لتوجه الإمام الباقر(عليه السلام)، لأنّ الإمام(عليه السلام) أراد الحضور عند احتضاره، فهذا غير صحيح، بعد أن نعرف من سيرة أئمتنا(عليهم السلام) كلّهم معاودة ومواصلة مخالفيهم في المرض، وحالة الموت، أو الضيق والشدّة، وهذا مشهور عنهم بل حتى مع غير المسلمين، وزيارة الإمام الرضا(عليه السلام) للنصراني المحتضر معروفة، فإنّ من مقام أئمتنا(عليهم السلام) إيصال الهداية والرحمة والرأفة إلى كلّ الناس، من دون فرق، ولا يتأخرون عند أي بارقة أو إحتمال لنفع أيّ إنسان، حتى ولو كان مثل عكرمة, فتأمل.
أما إستفادة (الشيخ معرفة) من دخول مولى الإمام(عليه السلام)، وإخباره بإحتضار عكرمة، على كونه ذا منزلة لدى الإمام(عليه السلام)، فعجيب!! بعد أن نعرف أنّ عكرمة كان مولى لابن عبّاس أي محسوب على بني هاشم, ولم يكن شخصاً مجهولاً نكرة حتى ننفي وجود علاقات إجتماعية وتزاور وتراحم بينهم، مع ما كان للإمام(عليه السلام) من منزلة ومكانة في المدينة, ومن يمعن النظر في الواقع الإجتماعي لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) في ذلك الوقت، يجد بوضوح أنّهم لم يقطعوا صلاتهم حتى بألدّ أعدائهم المستحلّين لقتلهم بل قتلتهم أنفسهم، وما لجوء مروان بن الحكم إلى الإمام زين العابدين(عليه السلام) بخافية على أحد، ولا الإجتماعات والتزاور الذي كان يحصل بين الباقر والصادق(عليهما السلام) والأمويين والعباسيين بقليلة.
وأما ما علّق عليه من جملة: ((وكان منقطعاً إلى أبي جعفر(عليه السلام))) بكونه من خاصّة أصحاب الإمام(عليه السلام)، ولم يكن يدخل على غيره دخوله على الإمام(عليه السلام), فقد توضح بعض سببه، ممّا ذكرنا، من أنّه كان يحسب على بني هاشم، ولكن إنقطاعه إلى ابن عبّاس كان أوضح، ومع ذلك لم يمنعه من الكذب عليه وانتحال رأي الخوارج.
ثم إنّ الإمام الباقر(عليه السلام) سنحت له فرصة في أواخر الدولة الأموية لنشر علم أهل البيت(عليهم السلام) علانية، فكثر أصحابه وتلامذته والآخذون عنه حتى من المخالفين، والأمثلة كثيرة على ذلك، فلا عجب من أن يأخذ عكرمة العلم من الإمام(عليه السلام)، فقد كان(عليه السلام) في ذلك الوقت مدرسة لكلّ المسلمين ولا يغلق بابه على أحد خاصّة من كان له معه علاقات أسرية.
ولكن العجب من (الشيخ معرفة) أن يرد القول ((بأنّه كان يرى رأي الخوارج)) على أنّه من كلام الراوي حدساً بشأنه...الخ, ولا يرد القول ((بأنّه كان منقطعاً إلى أبي جعفر(عليه السلام)))، مع أنّه من قول نفس الراوي!! فلاحظ.
وعلى كلّ حال فإنّ (للشيخ معرفة) رأيه الخاص، ولا يلزم به غيره، خاصّة بعد أن نص أصحاب الرجال على تركه وتضعيفه.
وأخيراً حتى لو سلّمنا وقبلنا بعكرمة كراوي له درجة من المقبولية، لا يمكن أن نقبل روايته الخاصّة بآية التطهير، بعد معارضة الروايات الكثيرة عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها، فإنّ رأي عكرمة المنقول عنه ليس له وزن أمام قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).


(1) مستدرك الحاكم 3: 147 مناقب أهل البيت.
(2) تفسير ابن كثير 3: 493 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً)).
(3) مسند أحمد 6: 323.
(4) مسند أبي يعلى 12: 344 حديث6912، 456 حديث7026.
(5) صحيح مسلم 7: 130باب ((فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(6) منهاج السُنّة 5: 500.
(7) مجمع البيان 8: 158 قوله تعالى: (( يَا نِسَاء النَّبِيِّ...)).
(8) تفسير المنار 2: 541.
(9) المحاسن 2: 300 حديث 5 كتاب العلل.
(10) مفاهيم القرآن 10: 165 أهل البيت في القرآن الكريم الفصل الأوّل.
(11) انظر: الدر المنثور 5: 199 سورة الأحزاب، ما رواه عن أبي سعيد الخدري عن قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا دخل عليّ بفاطمة(عليهما السلام).
(12) الدر المنثور 5: 198 سورة الأحزاب.
(13) انظر: الدر المنثور 5: 198 سورة الأحزاب، تفسير الثعلبي 8: 36 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ...)) ما نقله من قول مقاتل.
(14) المصدر السابق.
(15) انظر: اختيار معرفة الرجال للطوسي 2: 478 في عكرمة مولى ابن عبّاس.
(16) خلاصة الأقوال: 383 عكرمة مولى ابن عبّاس.



يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:52 PM
تعليق على الجواب (1) انطلاقاً من مبدأ الزموهم بما الزموا به انفسهم احتججت على البعض بالحديث المذكور في جوابكم كما في مسند أحمد، عن شهر بن حوشب، عن أُمّ سلمة، الذي في آخره: ( فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: (انّك على خير)..ولكن من مبدأ العناد قال احدهم ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جذب الكساء من يد ام سلمة رضوان الله عليها لسبب وجود الامام علي عليه السلام تحت الكساء مما يجعل وجودها تحت الكساء محرماً شرعاً، فكان سؤالهم (هل يدخل الرسول ام سلمة تحت الكساء وعلي تحت الكساء!! يا رجل اتقي الله).
وسؤالهم اعتبره انتقاص من ام سلمة رضوان الله عليها. فما ردّكم العلمي يرحمكم الله ولطالما رأيت هذا الكلام في الكثير من المناظرات حول آية التطهير على الانترنت.
الجواب:

مدرسة المخالفين لا تقبل الا العمل بالظواهر ولا تجيز أي تأويل فكيف جاز لهم تاويل الحديث بهذا الشكل الى معنى هو خلاف الظاهر فالظاهر من النبي انه لم يجز لها الدخول تحت الكساء لانها ليست اهلا للكون من اهل البيت الذي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ولو كانت مثل ماقيل لقال لها انك من اهل البيت لكن لا يجوز لك الدخول تحت الكساء .
ثم من اين جاء أن دخول ام سلمة تحت الكساء محرما فليس هناك خلوة حتى يقال بالحرمة او يقال ان ام سلمة لم تكن محجبة وهي تريد الدخول وهذا ما لا يقبل ان يصدر من ام سلمة .







من هم أهل البيت ؟وهل نساء النبي من أهل البيت ؟


الجواب:

قد ورد عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: لمّا نظر رسول الله إلى الرحمة هابطة، قال: (أدعوا لي أدعوا لي)، فقالت صفية: مَن يا رسول الله؟ قال: (أهل بيتي: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين)، فجيء بهم, فألقى عليهم النبيّ كساءه، ثمّ رفع يديه، ثم قال: (اللّهم هؤلاء آلي فصل على محمّد وآل محمّد)، وأنزل الله عز وجلّ: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33)، رواه الحاكم, وقال: هذا حديث صحيح الإسناد(1).
هذا الحديث وما ورد بمعناه، صريح في إختصاص أهل بيت النبيّ بعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)(2).
وهل نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أهل البيت؟
قالت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة: ((... فأدخلت رأسي في البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير) ))(3)؛ وفي رواية أخرى: ((قالت أُمّ سلمة: يا رسول الله هل أنا من أهل البيت؟ قال: (إنّك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أهل بيتي أحق) ))(4)؛ وفي رواية أخرى عن أُمّ سلمة: ((فرفعت الكساء لأدخل معهم, فجذبه من يدي وقال: (إنّك على خير) ))(5).
وسئل الصحابي زيد بن أرقم: مَن هم أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: ((لا وأيم الله, إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها, أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده))(6).
وعن أبي سعيد الخدري: ((أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً, فعدّهم في يده، فقال: خمسة: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين))(7).
وعن أنس بن مالك: ((أنّ رسول الله كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر كلمّا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) ))(8).
وعن أبي سعيد الخدري: ((جاء النبيّ أربعين صباحاً إلى باب دار فاطمة يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته, الصلاة رحمكم الله (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) أنا حرب لمن حاربتم, أنا سلم لمن سالمتم) ))(9).


(1) المستدرك على الصحيحين 3: 147 ــ 148 مناقب أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(2) انظر: صحيح مسلم 7: 130 باب فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), السنن الكبرى للبيهقي 2: 149 باب بيان أهل بيته الذين هم آله, تفسير الطبري 22: 5 ــ 7 (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ...))، تفسير ابن كثير 3: 483 ــ 485 سورة الأحزاب7, الدر المنثور 5: 198 ــ 199 (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...)), صحيح الترمذي 5: 30 سورة الأحزاب, المستدرك على الصحيحين 2: 416 تفسير سورة الأحزاب, مجمع الزوائد 9: 162 باب فضل أهل البيت(رض), مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة.
(3) مسند أحمد 6: 292.
(4) المستدرك على الصحيحين 2: 416 جمعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته وقوله: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي).
(5) مسند أحمد 6: 323 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وراجع: الدر المنثور 5: 198, تـفـسيـر الطبري 22: 7.
(6) صحيح مسلم 7: 123 باب (فضائل عليّ).
(7) مجمع الزوائد 9: 165، 167.
(8) المستدرك على الصحيحين 3: 158 كان النبيّ يمر بباب فاطمة ستة أشهر..، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, أسد الغابة 5: 521 فاطمة بنت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), مسند أحمد 3: 259 مسند أنس بن مالك , تفسير الطبري 22: 9 (( وَقَرنَ في بيوتكنَّ...)), تفسير ابن كثير 3: 92 سورة الأحزاب, الدر المنثور 5: 199 سورة الأحزاب, مسند الطيالسي: 274 علي بن زيد بن الجدعان عن أنس, صحيح الترمذي 5: 31 سورة الأحزاب, كنز العمال 13: 646 فضائل أهل البيت, المصنف 7: 527 ما ذكر في فضائل فاطمة(رض)، مسند أبي يعلى 7: 59 الحديث 3978.
(9) مجمع الزوائد 9: 169, الدر المنثور 5: 199.









معنى لفظ (أهل البيت) في آية التطهير ؟عندي مناظرة في أحد المنتديات مع أحد الوهابية بخصوص آية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33)، وكلّ ما أتيت له بآيات من القرآن الكريم، أو بتفسير الآيات من المفسرين من السُنّة والشيعة لا يقبل..، وآخر شيء أتى لي بآية: (( وَامرَأَته قَآئمَةٌ فَضَحكَت فبَشَّرنَاهَا بإسحَقَ وَمن وَرَاء إسحَقَ يَعقوبَ قَالَت يَا وَيلَتَى أَأَلدٌ وَأَنَا عَجوزٌ وَهَـذَا بَعلي شَيخًا إنَّ هَـذَا لَشَيءٌ عَجيبٌ قَالوا أَتَعجَبينَ من أَمر اللّه رَحمَت اللّه وَبَرَكَاته عَلَيكم أَهلَ البَيت إنَّه حَميدٌ مَّجيدٌ )) (هود:71)، مستشهداً أنّ زوجة نبيّ الله إبراهيم عليه وآله السلام من أهل البيت..،
وأيضاً أتى بآية: (( قَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا إِنِّي آنَستُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُم مِنهَا بِخَبَرٍ... )) (القصص:29)، مستشهداً أيضاً على أنّ زوجة نبيّ الله موسى(عليه السلام) من أهل البيت، بقرينة (( قَالَ لِأَهلِهِ )).
فماذا أجيبه؟
الجواب:

إنّ معنى البيت المذكور في الآية هو: أمّا مأوى الرجل ومسكنة ومنزله وداره، أو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما أشبه ذلك، هذا ما يقوله أهل اللغة(1).
فإنّ كان المراد من البيت المعنى الأوّل: فسيكون الكلام عن بيت مخصوص من البيوت، وهو بيت سارة في الآية القرآنية، بقرينة توجه الخطاب اليها، أمّا آية التطهير التي تذكر أهل بيت النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يمكن أن يكون المراد بها بيت أزواجه لأنّه لم يكن لأزواجه بيت واحد معهود، بل كان لكلّ منهن بيت خاص، كما أنّه لا سبيل إلى القول بأنّ المراد بيت واحد من بيوتهن، إذ لا قرينة على ذلك، فتعين أن يكون بيت خاص مغاير لتلك البيوت، وهو ليس إلاّ بيت فاطمة(عليها السلام)، إذ لم يكن في جانب بيوت أزواج النبيّ بيت سوى بيتها(عليها السلام)، ويؤيده نزول الآية في بيت فاطمة(عليها السلام) وجمع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إياها وزوجها وابنيها تحت الكساء.
وإن كان المراد من البيت المعنى الثاني، وهو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما يناسب ذلك اللفظ: فالمراد يكون هو بيت النبوة وبيت الوحي ومركز أنوارهما، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصّة على وجه يصح مع ملاحظتها عدهم أهلاً لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر، فلا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب، وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصّة.
ولو فرض أنّ سارة متحقق عندها تلك الوشائج التي تجعلها مشمولة بالخطاب، فهو لا يعني أنّ تلك الوشائج متحققة عند نساء كلّ نبيّ حتى تشمل نساء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكلّ المنتمين عن طريق الأواصر الجسمانية إلى بيت خاص، إلاّ أذا كانت الوشائج المشار إليها موجودة عندهم, وهذا المعنى هو الأقرب، لأنّ آية التطهير تدلّ في آخرها على تلك الوشائج المتمثلة بعصمة أولئك الأشخاص، فقال تعالى: (( وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، فلا تكون الآية شاملة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا أعمامه ولا أيّ مصداق آخر غير العترة خاصّة، لأنّ جميع المسلمين متّفقون على عدم عصمة أولئك, فالوقائع التاريخية تشير إلى صدور الأخطاء والإشتباهات والمعاصي والإنحرافات منهم، وهذا ما يخالف العصمة التي من المفروض أنّ الآية نصّت عليها بهم.
والروايات التي وصلت من الفريقين تحدد المراد من أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء، فلا يبقى معنى لدخول غيرهم في آية التطهير، حتى لو كان إصطلاح (أهل البيت) عامّاً يشمل غيرهم في غير آية التطهير.
فإذا رجعنا إلى صحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، وإلى مسند أحمد، والبزار، وإلى المستدرك، وتفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور، نجد أنّهم يروون عن ابن عبّاس، وعن أبي سعيد، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن زيد بن أرقم، وعن أُمّ سلمة، وعن عائشة: أنّه لمّا نزلت آية التطهير جمع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهله أيّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين وألقى عليهم كساءاً وقال: (هؤلاء أهل بيتي)(2).
وقد أشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أنّ أُمّ سلمة أرادت الدخول معهم تحت الكساء فلم يأذن لها بالدخول، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها: (وانّك على خير)، أو (إلى خير)، وبالإضافه إلى ذلك كلّه فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حدد المراد من البيت بشكل عملي! فكان يمرّ ببيت فاطمة عدّة شهور كلّما خرج إلى الصلاة، فيقول: (الصلاة أهل البيت (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33) )(3).
وأمّا الروايات التي تقول أنّ الآية نزلت في حقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأزواجه، فإنّها تصل إلى عكرمة الخارجي الحروري، وعروة بن الزبير المعروف بالإنحراف عن عليّ(عليه السلام)، ومقاتل بن سليمان الذي يعد من أركان المشبهة، وأنّ قراءة بسيطة في ترجمة هؤلاء يعرف قيمة رواياتهم، وأنّها لا تقف في قبال تلك الروايات الصحيحة والكثيرة التي تحدد أهل البيت بالخمسة أصحاب النساء.
وأمّا بخصوص سارة فإنّها كانت ابنة عم نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) فدخلت في أهل بيته من هذا الوجه.
وأمّا آية نبيّ الله موسى(عليه السلام) ففيها مصطلح آخر متّفق عليه، وهو (أهل الرجل)، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل)، فنرجو عدم الخلط والمغالطة والتدليس عند الاستدلال، فقد قال الله تعالى: (( فَقَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا )) (طه:10)، وهذا المصطلح لغوي معروف مشهور مستعمل بكثرة وليس هو مصطلح خاص، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل) وبالتالي أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).


(1) لسان العرب 2: 15، مادة (بيت).
(2) انظر: صحيح مسلم 7: 130 باب ((فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)))، مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المستدرك 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، شواهد التنزيل 2: 55 (انما يريد الله ليذهب...) الآية، ينابيع المودّة 2: 41، السنن الكبرى للبيهقيّ 2: 149 باب ((أهل بيته الذين هم آله))، الدرّ المنثور 5: 198 سورة الاحزاب، الجامع الكبير 5: 328، جامع البيان 22: 8 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ...))، تفسير ابن كثير 3: 492 قوله تعالى: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ...)).
(3) انظر: المستدرك 2: 416، مسند أبي يعلى 12: 456، المعجم الكبير 3: 53، شواهد التنزيل 2: 63، تاريخ مدينة دمشق 14: 142.






تعليق على الجواب (1)
إنّ من يقرأ الآية الكريمة يجد أنّ الله عزّ وجلّ يخاطب نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موجهاً لهنّ ومرشداً، والآيات واضحات لا تحتاج إلى تأويل ولا جدال, فالله بعد كلّ هذا التوجيه والحرص على إستقامتهن، يوضح سبب ذلك، لأنّه يريد إبعاد الرجس عنهن أمام المسلمين، وفعلاً جعلهن مطهّرات ولا يجوز لأحد النكاح منهن بعد وفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم). ثم وبعد الآية مباشرة، هناك استمرارية المخاطبة لهنّ إستكمالاً لنفس الموضوع ولنفس الغرض، ممّا يؤكد أنّ المقصود هنا هو أنّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته، وبكلّ ماتعنيه كلمة أهل لغة.
ولا ينفي حديث الكساء أنّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس بأهله، أمّا كون الإمام عليّ وفاطمة والحسنيين(عليهم السلام) أهل بيته، فلا يلغي حقيقة أنّ نساءه هنّ أهل بيته شرعاً وعرفاً، وأنّ الآية الكريمة تقصدهن بكلّ تأكيد، ولا تقبل التأويل لأيّ غرض أو قصد.
كما أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) وزوجه الطهور وولديه هم أطهار، فكيف لا وهم بضعة من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:

ما قلته مجرد دعوى، وأساس الاحتجاج بها هو وحدة السياق, ووحدة السياق معارضة بأمرين، إن لم تكن أمور:
أولاً: تغير ضمير الخطاب من نون النسوة إلى ميم الجمع، وهذا يعني أنّ الخطاب قد تحول من النساء إلى جهة أخرى, وإلاّ كان المناسب الإستمرار بمخاطبتهن بنون النسوة، كما هو الشأن في الآيات السابقة واللاحقة لآية التطهير.
ثانياً: جاءت جملة وفيرة من الروايات تبلغ حدّ التضافر بل التواتر تشير إلى أنّ أهل بيته(عليهم السلام) هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وهذه الروايات كانت تبين سبب النزول لآية التطهير وتقرنه بفعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بإدارة الكساء حولهم(عليهم السلام), وفي الكثير منها ورد قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هؤلاء أهل بيتي) - أيّ بتعريف الجزأين - وتعريف الجزأين كما هو المعروف بلاغياً يفيد الحصر وينفي عمّا عداه(1), بل في بعضها تصريح واضح بإخراج النساء عن معنى أهل البيت, ومعنى الآية الكريمة.
بالإضافة إلى أنّ بعض الروايات كانت تشير إلى نزول آية التطهير قبل إتمام بنائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتسع نساء, وهذا يعني أنّ هذه الآية نزلت قبل الآيات التي جاءت مخاطبة للنساء.
وهناك مسألة أخرى:
إنّ الذي استفاده جمع كبير من المفسرين - سُنّة وشيعة - أنّ الآية تشير إلى معنى التنزيه وإذهاب الرجس بالإرادة الإلهية، والذي يعني العصمة بحسب استفادة المتكلمين الشيعة, وهذا المعنى ينافي واقع حال بعض نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو مدلول عليه قرآناً وسنة.
وإضافة إلى مسألة مهمة، أفصح عنها المحدثون وأصحاب المسانيد والصحاح من أهل السُنّة قبل الشيعة، وهي: أنّهم عدّوا هذه الآية وما ورد من سبب النزول لها، من فضائل الخمسة أصحاب الكساء دون نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وما ذكرناه ليس من التأويل في شيء، وإنّما هو من التفسير، فلا يختلط عليك الحال! فإنّ التفسير هو بيان الظاهر، وأمّا الجدال فهو الإصرار على رأي بدون دليل أو التمسك بدليل عليل, وأمّا إذا ساق المدعي أدلّة على الخصم لا يستطيع الإجابة عليها، فلا ينجيه التشبث بالدعوى المجردة ورمي المقابل بالجدل.
وأمّا أنّ معنى لفظة (أهل) يدخل فيها امرأة الرجل, فليس الكلام في هذه اللفظة، وإنّما الكلام في مصطلح (أهل البيت)، فما تجده عند البعض من الاستدلال بتسمية الله تعالى في القرآن لأهل موسى بـ(أهله) لا يجدي.


(1) انظر: الإتقان في علوم القرآن: 560 النوع الثاني والأربعون.






تعليق على الجواب (2)
أخي المحترم, إنّ تفسيركم لهذه الآية بهذا اللي, يحتم علينا الحذر في آيات أُخرى. كتفسير الشيخ المهاجر للآيات من سورة المدثر: (( كَلَّا وَالقَمَرِ * وَاللَّيلِ إِذ أَدبَرَ * وَالصُّبحِ إِذَا أَسفَرَ * إِنَّهَا لَإِحدَى الكُبَرِ * نَذِيرًا لِلبَشَرِ )) (المدثر:32-36) فسياق الآيات لا تدع مجالا للشك أنّها (سقر) أي جهنم.
لكن العلامّة المهاجر يقول انّ الله يقصد بها (فاطمة)؟؟
إذن لا مجال لسياق الآيات.
إذن القرآن ليست آياته بيّنات؟؟
أيّها السادة الكرام انّ الغلو في آل البيت هو الذي أوجد هذا التفسير الملتوي... محاولة إخراج الآيات عن سياقها لإلصاقها بآل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
الجواب:

إذا جاء الكلام من المعصوم كالنبيّ مثلاً يوضح لنا المراد بـ(أهل البيت)، فلا معنى للإعتراض على ما جاء من كلام المعصوم، ولا القول بأن السياق لا يقبل ذلك، لأنّه مؤخر عن قول المعصوم، والنبيّ المعصوم المطلع على القرآن يقول لنا، إنّ المراد بأهل البيت هم الخمسة أصحاب الكساء دون نساءه، فلا معنى لأن تعترض على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتقول أن السياق يغاير كلامك، لأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعلم بمراد الآيات القرآنية والألفاظ الواردة فيها.








سبب تذكير الضمير في آية التطهير
في آية التطهير جاء ميم الجمع بدل نون النسوة، لأنّ النساء دخل معهن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو رأس أهل بيته(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فما هي الإجابة على هذه الشبهة التي تريد أن تخرج أهل بيت الخمسة من الآية؟
الجواب:

للإجابة على ما ذكرت نقدّم نقاط:
الأول: ذُكرت عدّة آراء في المراد من (أهل البيت) في هذه الآية، نذكر المهمّ منها، فبعضها شاذّة، أو لم يقل به قائل محدّد:
أ- إنّها نزلت خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) الخمسة أصحاب الكساء.
ب- إنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء، وأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ج- إنّها نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة.
الثاني: إنّ القول الثالث قال به عكرمة ومقاتل وعروة بن الزبير، ونقل عن ابن عبّاس، وهو قول شاذّ لم يأخذ به إلاّ المتعصّب ضدّ أهل البيت(عليهم السلام)، مع أنّه مردود لأنّ عكرمة ومقاتل لا يأخذ بقولهما، إذ كانا كذّابين مطعون بدينهما، وعروة كان يناصب أمير المؤمنين(عليه السلام) أشدّ العداء، وعدّه بعضهم ممّن يضعون الأخبار في عليّ(عليه السلام)، وما عن ابن عبّاس فضعيف، لأنّ فيه مجاهيل، مع أنّ له معارضاً من قول ابن عبّاس نفسه.
وقد استدلّ الرادّون له وللقول الثاني، بأدلّة كثيرة على بطلانهما:
منها: الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء، حيث جلّلهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) به حصراً.
ومنها: إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.
ومنها: إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء بأهل بيته للمباهلة، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.
ومنها: إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة الله بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.
ومنها: إنّ الأزواج لم يدّعين دخولهن فيها، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.
ومنها: الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة؛ كدلالة تغيير الضمير، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس، وإنّ إختلاف المخاطب لا يقدح بوحدة السياق، وقد ورد كثيراً في القرآن، وإنّ الإلتزام بوحدة السياق إجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة، وعدم الإلتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود، وأنّه هو المنزل، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة، وغيرها.
الثالث: المهمّ إنّ الذين إختاروا إختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق، وقد عرفت الردّ عليه، ولكن عندما جوبهوا بإختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) معهن، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ، وهو الإختصاص بالنساء، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.
مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة، وجعل الآية عامّة في نساء النبيّ، والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وكان لنفس السبب، وهو تذكير الضمير، فراجع أقوالهم، كابن كثير، وابن روزبهان، بل وابن تيمية، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع النساء فقط.
وبعبارة أُخرى: إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط بمقتضى السياق، وكان قولهم تخلّصاً وتملّصاً من ورود الإشكال عليهم، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال، سوى هذا الإدعاء، ولم يستندوا فيه إلى حديث، أو قول لغويّ، أو دليل عقليّ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، ورددناه وأثبتنا بطلانه! فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده فقط معهن؟
ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا، لماذا أدخل الله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هنا في هذه الآية بالخصوص، ولم يدخله في الآيات الأُخر، التي جاء فيها الضمير مؤنّث، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا، لما فيها من ظاهر الضمير، وظاهر التهديد والوعيد، المبرأ عنه الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط، فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.
الرابع: فإذا قالوا: أدخله في هذه الآية فقط، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.
قلنا: إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط، وإنّما دخل معهن غيرهن، بمقتضى تذكير الضمير، وأنّ الإعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.
وعليه؛ فإذا كنّا نحن والآية فقط، نضيف: أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر، فما هو دليلكم على دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، فلعلّ معه غيره.
وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء، وهذا عود من البدء، وهو دور صريح.
فلا يبقى إلاّ الإعتماد على قرينة من داخل الآية، وهو المعنى المراد من أهل البيت(عليهم السلام)، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً، ومنها مدّعاكم، وقد رددناه بما لا مزيد عليه، بل إنّ القرينة (الداخلية) في الآية تخرج النساء أصلاً، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد وإحتمال صدور المعصية منهن، أو الإعتماد على قرينة من خارج الآية من سُنّة أو لغة، وهي معنا كما عرفت سابقاً.







تعليق على الجواب (1)
في جوابكم ذكرتم: ((وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود وأنّه هو المنزل , بل أنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة. وغيرها)).
هل معنى هذا الكلام إنّه تمّ اللعب بترتيب الآيات في القرآن؟
الجواب:

سوف يأتي في إجاباتنا في قسم (القرآن وعلومه) من الأسئلة العقائدية رأينا، أننا نؤمن بترتيب آيات السور في الجملة كما هي موجودة في القرآن الكريم, ولكن لا نقطع بذلك على نحو الكلّية، بحيث نجزم أن كلّ آية قد وضعت في مكانها الصحيح, ولذلك احتملنا أنّ آية التطهير قد أقحمت بين آيات النساء في سورة الأحزاب لوجود دواعي لذلك, وهو واضح من محاولة الاستدلال بالسياق في هذه الآية على الرغم من ورود سبب للنزول صريح بحصرها في الخمسة أصحاب الكساء والنصّ على نزولها لوحدها منفردة دون أي علاقة لها بآيات النساء التي قبلها وبعدها, فهي تنزل مع تلك الآيات التي تتحدث مع نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وضمير المخاطب فيها مذكّر لا يشبه ما قبلها ولا ما بعدها.
فكتبت في المصحف جزءاً من آية, وليست آية كاملة, وأُقحمت كجملة معترضة بين الآيات التي تحذر نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) , وتأمرهنّ وتنهاهنّ، كلّ ذلك ليدّعى أنّها في سياق الكلام مع النساء لتكون نازلة في النساء, مع عدم وجود رواية واحدة ولو ضعيفة بأنّها نزلت في النساء, أو أنّ لها علاقة بالنساء, أو دخول النساء فيها, أو ادعاء أحدى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدخولها وشمولها في آية التطهير, أو نزول آية التطهير فيها!!
فمع كلّ ذلك يدّعى دخولهنّ, ويدّعى أنّ السياق يقتضي ذلك، مع أنّ السياق ليس حجّة دائماً خصوصاً مع وجود قرينة, أو دليل على إرادة خلاف السياق, أو الدلالة على معنى لا علاقة له بالسياق، كما هو حاصل هنا.
مع وجود شواهد كثيرة في القرآن تنفي حجّية السياق، كقوله تعالى: (( حُرِّمَت عَلَيكُمُ المَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللّهِ بِهِ وَالمُنخَنِقَةُ وَالمَوقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيتُم وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَستَقسِمُوا بِالأَزلاَمِ ذَلِكُم فِسقٌ اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلاَ تَخشَوهُم وَاخشَونِ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضطُرَّ فِي مَخمَصَةٍ غَيرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) (المائدة:3).
فما قبل آية (إكمال الدين) وما بعدها يتكلم عن محرمات وذبائح وصيد واستقسام بالأزلام, وهي أمور محرمة منذ بداية الإسلام في مكة, وآية إكمال الدين نزلت منفردة في حجّة الوداع في غدير خم, (أو في عرفة على قول)، مع كونها في القرآن الآن في ضمن آية المحرمات التي لا علاقة لها بها, وأمثال هذه الآيات كثيرة تطلب في مظانها، من التنقل بين الموضوعات في السياق الواحد, أو الإضراب عن الموضوع فجأة, أو الإعتراض بجملة اعتراضية في أثناء آية واحدة أو سياق واحد، كما هو الشأن في آية التطهير, وآية إكمال الدين وغيرهما كثير.
ولذلك لا يمكن جعل السياق دليلاً مطلقاً دون قيد, أو شرط, أو تخصيص, أو إستثناء، أي على نحو القاعدة الكلّية.
وبالجملة: إنّما يستدل, أو يستأنس, أو يستفاد من السياق عند غياب الدليل, أو القرينة على عدم نقضه بشيء كما قدمنا في آيتي التطهير وإكمال الدين وغيرها.
والإنتقال من موضوع إلى موضوع أسلوب موجود في القرآن الكريم لوجود مناسبة ما, أو حكمة معينة تجعل إقحام بعض الآيات في سياق موضوع آخر لعلاقة ما، قد ندركها وقد لا ندركها, فلا يمكن بعد هذا الاحتجاج بالسياق لتفسير آية مع وجود أدلّة على عدم حجّية السياق هناك.

يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:53 PM
السياق لا يوجب دخول النساء في آية التطهيرهل يعتقد أهل السُنّة والجماعة بأنّ القرآن الكريم ليس مرتب؟
مثلاً.. في آية التطهير أنّها في غير مكانها.. مع ذكر المصدر يرحمكم الله؟
الجواب:

ليس المهم في مفروض السؤال الإعتقاد أو عدم الإعتقاد بالترتيب في آية التطهير، بل البحث في المراد من (أهل البيت)، فنقول:
إنّ العدول عن السياق المتناول في الآية وهو خطاب التأنيث إلى خطاب التذكير، بل والرّجوع منه ثانياً في الفقرات التالية بعده إلى خطاب التأنيث، يدلّ بكلّ وضوح على تمييز المخاطبين بهذه الفقرة بالذات عن باقي المخاطبين في الآية، حتّى أذعن الرازي في تفسيره للآية بهذه النقطة الحسّاسة(1)، فالحكم بالتطهير المطلق عن كافّة الأرجاس إنّما يخصّ هذه المجموعة الّتي تسمّى (أهل البيت)، وهذا ما يسمّى بالعصمة.
ثمّ على فرض قبول وحدة السياق - مع ما يأباه الظهور الخطابي - نقول بالتخصيص في هذا المجال استناداً إلى مصادر أهل السُنّة إذ ورد في الكثير منها، أنّ المراد من (أهل البيت) هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وقد صرّح فيها بأنّ أُمّ سلمة لم تكن من هؤلاء مع أنّها على خير؛ والمصادر الروائيّة في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، فعلى سبيل المثال ينبغي مراجعة: (صحيح مسلم 7 /130 باب فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مسند أحمد 6/292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المستدرك على الصحيحين 2/416 تفسير سورة الأحزاب، سنن الترمذي 5/327 مناقب أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، خصائص أمير المؤمنين للنسائي 49 منزلة عليّ كرم الله وجهه، 63 قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الله لا يخزيه أبداً، 81 الإختلاف في حديث المنزلة) وغيرها من المصادر.
ولا يخفى أنّ في الآيات السابقة على هذه الآية اشارة لطيفة الى عدم اعطاء هذه الرتبة السامية للأزواج مطلقاً، وفي كلّ الأحوال إذ يقول تعالى: (( فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا )) (الأحزاب:29)، فيقيّد الاجر بالمحسنات منهنّ، والحال لم يقيّد التطهير والعصمة من الأرجاس عن أهل البيت(عليهم السلام)بشيء! فنستفيد بأنّ عنوان (أهل البيت) يختلف موضوعاً عن عنوان (الأزواج).


(1) التفسير الكبير 9: 168






تعقيب على الجواب (1)

أرى من المهم على الأخوة الأعزاء في الموقع أن يجيبوا على ما يثيره المخالفون حول سياق آية التطهير، ببيان أنّ ذلك لا يتناقض مع حديث الكساء، وأنا هنا أطرح هذا البحث المتواضع حول هذا الموضوع، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاة َ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَة َ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة ٍ مُّبَيِّنَة ٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولا مَّعرُوفًا * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّة ِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاة َ وَآتِينَ الزَّكَاة َ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا )) (الأحزاب:28-33).
إنّ لعنوان أهل البيت معنى لغوي عام، ومعنى اصطلاحي خاص، كما للكثير من المفردات، فمثلاً للصلاة معنىً لغوي عام وهو الدعاء، ومعنىً اصطلاحي خاص وهو الصلاة المعروفة، فبأي معنى استخدم القرآن عنوان أهل البيت في آية التطهير؟
وللإجابة على ذلك، لابدّ من الرجوع إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لكونه مبين للقرآن قال تعالى: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم ))، وها هو رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نجده قد جمع معه عليّ وفاطمة والحسنين(عليهم السلام) تحت الكساء ليشير إلى الحصر، ثم قرأ هذا المقطع من الآية دون غيره وهو قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ))، وحينما أرادت إحدى أزواج النبيّ الدخول معهم تحت الكساء منعها، وقال لها: (مكانك إنك على خير)، بل إننا نجد أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكتفي بذلك، وإنّما كان ولعدّة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة يأتي باب فاطمة، ويقول: (الصلاة يا أهل البيت)، ثم يقرأ هذا المقطع من الآية دون غيره، وهو قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ))، في إشارةٍ واضحةٍ منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنّ لعنوان أهل البيت في الآية معنىً اصطلاحي خاص.
وهنا لابدّ من بيان أنّ سياق آية التطهير لا تناقض مع حصر عنوان أهل البيت بأصحاب الكساء دون أزواج النبيّ، ولتوضيح هذه المسألة يمكننا أن نطرح هذا التساؤل:
عندما يكون هناك شخص تهتم لأمره بالغ الإهتمام، أفلن تحذر كلّ من يحاول أن يسيء إليه؟.. وهذا تماماً ما تشير إليه هذه الآيات، فهي قد حذرت أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من إرتكاب أي عملٍ قد تسيء إلى أهل البيت(عليهم السلام) (محمّد وعليّ وفاطمة والحسنين)
ففي هذه الآيات خطابٌ من الله لنبيّه: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاة َ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَة َ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة ٍ مُّبَيِّنَة ٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولا مَّعرُوفًا * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّة ِ الأُولَى ))، ثمّ قال الله بعد ذلك لنبيّه موضحاً له: إنّما أردتُ من كلّ تلك الأوامر والنواهي لأزواجك أن أذهِبَ عنكم يا أهل البيت (محمّد وعليّ وفاطمة والحسنين) الرجس الذي قد يصدر منهنّ.
فإن قال قائلٌ بأنّ قوله تعالى: (( يَا نِسَاء النَّبِيِّ... )) إنّما هو خطاب منه تعالى للنساء مباشرة.
فإننا نقول أيضاً: إنّه لا يضر فيما نرمي إليه، لأنّه قد جاء على سبيل الإلتفات إليهن، فالله سبحانه و تعالى خاطب نبيّه وأمره أن يقول لأزواجه: (( إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاة َ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَة َ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة ٍ مُّبَيِّنَة ٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولا مَّعرُوفًا * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّة ِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاة َ وَآتِينَ الزَّكَاة َ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))، ثم رجع الله مخاطباً النبيّ الذي هو من أصحاب الكساء وممثلهم: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ))، وهذا نظير قوله تعالى: (( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعرِض عَن هَذَا وَاستَغفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ )) (يوسف:28-29)، ففي هذه الآيات من سورة يوسف خاطب عزيز مصر زوجته قائلاً لها: (( إِنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ ))، ثم التفتَ إلى يوسف قائلاً له: (( يُوسُفُ أَعرِض عَن هَذَا )) ثم رجع مخاطباً زوجته قائلاً لها: (( وَاستَغفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ )).
وما يؤكد أنّ الآيات كانت بصدد تحذير أزواج النبيّ من الإساءة إلى أهل البيت (محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين) هو ما حدث بالفعل على أرض الواقع.. فإننا نجد أنّ من ضمن ما ذكرته الآيات، هو أنّ الله قد خيّر أزواج النبيّ بين التسريح - أي الطلاق - أو الإستقامة: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاة َ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحاً جَميلاً ))، لما كان يصدر منهنّ من إساءةٍ لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والآيات القرآنية صريحة في ذلك، كما في قوله تعالى: (( وَإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعضِ أَزوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَت بِهِ وَأَظهَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ عَرَّفَ بَعضَهُ وَأَعرَضَ عَن بَعضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَت مَن أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ وَالمَلائِكَة ُ بَعدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزوَاجًا خَيرًا مِّنكُنَّ مُسلِمَاتٍ مُّؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبكَارًا )) (التحريم:3-5).
وكذلك تصرّح الآيات بأنّ الله قد أمرهنّ بالقرار في البيت: (( وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّة ِ الأُولَى ))، ولكنّ بعضهنّ خالفنَ هذا الأمر الإلهي كما حدث في معركة الجمل التي قادتها بعض أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضد الإمام عليّ(عليه السلام).







الاستدلال بآية مخاطبة امرأة إبراهيم(عليه السلام) على عود الضمير للنساءقد يستدل المخالف على إشكال الشيعة بأنّ تبدّل الصيغة في آية التطهير من نون النسوة إلى ميم الجمع بخروج النساء، بالاحتجاج بأنّ هناك آية أخرى تخاطب الملائكة فيها امرأة إبراهيم وهو قوله تعالى: (( قَالُوا أَتَعجَبِينَ مِن أَمرِ اللّهِ رَحمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ )) (هود:73) والخطاب مباشر لامرأة إبراهيم ومع ذلك خاطبها بصيغة الأهل؟
الجواب:

صحيح أنّ الخطاب في بداية الآية موجّه إلى امرأة إبراهيم(عليه السلام)، لكن المقصود من (( أَهلَ البَيتِ )) في آخر الآية أوسع من امرأة إبراهيم(عليه السلام)، وإلاّ لما صح الخطاب بصيغه الجمع بالإضافة إلى استخدام ضمير التذكير لا التأنيث، ونحن من خلال الضمائر نعرف المراد من الخطاب.
فأنت إذا قلت؛ إنّ الخطاب موجه في أوّل الآية إلى امرأة إبراهيم(عليه السلام)، لأنّه استخدم ضمير الخطاب إلى المؤنث، قبلنا منك ذلك.
وإذا قلت؛ بأنّها داخلة مع جماعة في كلمة عليكم من خلال السياق، قبلنا منك ذلك.
ولكن أن تقول؛ انّ الخطاب موجه إليها فقط مع ضمير الجمع والتذكير! فكلام غير مقبول، وخارج قواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن.
ثم لا يشكل، بأنّ امرأة إبراهيم(عليه السلام) دخلت في أهل البيت في الآية, فلماذا لا تدخل نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً في آية التطهير؟ فإنّا نقول: إنّ زوجة إبراهيم(عليه السلام) وهي سارة، كانت ابنة عمه فدخلت في أهل البيت من هذه الجهة لا من جهة الزوجية.تعليق على الجواب (1)
كما اشرتم ازواج النبي (صلى الله عليه وآله) ايضا داخلات مع جماعه في كلمه عليكم من خلال السياق وهؤلاء الجماعة هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
اما قولكم بان ساره كانت ابنت عم ابراهيم (عليه السلام) فدخلت في اهل البيت من هذه الجهة ... مضحك للغاية ومتي اصبحت بنت العم اقرب من الزوجه بحيث تعد من اهل البيت والزوجة لا تعد من اهل البيت!!! والواقع ان بنت العم ليست من اهل البيت الا اذا تكن زوجه كساره زوجه ابراهيم.
انا اعرف غرض عناد الروافض وذلك لانه ليس لديهم نص صريح في القران لاثبات العصمة المزعمومة لاهل البيت لهذا يستغلون هذه الاية لاثبات عقيدتهم الباطلة فلو ادخلوا ازواج النبي (صلى الله عليه وآله) في اهل البيت (عليهم السلام) فهم لايعتقدون لهن العصمة ولذلك يكون لفظ الطهارة لايدل علي العصمة ولايبقي لديهم شئ من القران يستنجدون به من اجل اثبات العصمة. والا والله وبالله وتالله الاية بينه وشفافه لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد .. من اين علمتم ايها الجهلاء بان الله خاطب ساره بانها من اهل البيت لكونها ابنت عمه ولا لكونها زوجته؟!
الجواب:

هناك روايات تشير الى عدم ادخال النبي للنساء معه في الكساء وحدد اهل بيته بمن تحت الكساء ونحن عندما نستدل بان الضمير في الاية كان هو الميم دون النون نريد ان نبين امرين الاول انه لا يصح ان يقال ان المراد باهل البيت هم ازواجه خاصة والامر الثاني ان لا يصح الاستدلال من خلال السياق على ان المراد باهل البيت الزوجات لان الاية بستعمالها لضمير الجمع الميم تدلل على مغايرة بيت النساء المذكورات في الاية السابقة وبين اهل البيت المذكورين في هذه الاية .
واما كون سارة هي ابنة عم ابراهيم فهذا مذكور في كتب التاريخ والتفسير في كتب الفريقين ففي جامع البيان للطبري 17/ 62 قال: (وتزوج سارة ابنة عمه). وفي المحرر الوجيز 3/189: (وامراة ابراهيم هذه هي سارة بنت هارون بن ناحور وهو ابراهيم بن ازر بن ناحور فهي ابنة عمه). وفي تفسير البيضاني 4/314 : وامراته سارة ابنة عمه.
وفي تفسير البحر المحيط 5/243 وهي سارة بنت هارون بن ناحور وهي ابنة عمه.
ومن خلال هذه الاخبار التي اثبتت ان سارة ابنة عم ابراهيم فنحن لا نحتاج لاكثر من ايراد الاحتمال على كون الاية اشارت اليها بانها من اهل البيت من خلال كونها ابنة عمه لان الاحتمال يكفينا لابطال استدلالكم بهذه الاية على عموم اهل البيت للزوجات وانتم الذين تحتاجون للاتيان بالدليل على انه اشار لها باهل البيت من جهة كونها زوجة لا من جهة كونها ابنة عمه فتأمل.
ثم اننا لاثبات عصمة الانبياء والائمة لا نقتصر على اية التطهير بل هناك عشرات الادلة العقلية والنقلية التي تدل على العصمة .








مناقشة رواية ظاهرها أنّ زوجاته (صلى الله عليه وآله) من أهل هذه الآية
يحتج البعض من المخالفين بهذه الرواية الواردة عندهم لإثبات دخول النساء في آية التطهير الكريمة, وإثبات عدم وجود التخصيص في روايات الكساء.
فكيف الرد عليهم؟
الرواية: ما رواه البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ غير مرة, وأبو عبد الرحمن محمّد بن الحسين السلمي من أصله, وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي, قالوا: ثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب, ثنا الحسن بن مكرم, ثنا عثمان بن عمر, ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار, عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار عن أُمّ سلمة، قالت: في بيتي أنزلت: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الاحزاب:33).
قالت: فأرسل رسول الله(صلّى الله عليه وسلم) إلى فاطمة وعليّ والحسن والحسين.
فقال: هؤلاء أهل بيتي.
وفي حديث القاضي والسلمي: هؤلاء أهلي, قالت: فقلت: يا رسول الله, أما أنا من أهل البيت, قال: بلى، إن شاء الله تعالى).
قال أبو عبد الله: هذا حديث صحيح سنده, ثقات رواته.
قال الشيخ: وقد روي في شواهده, ثمّ في معارضته أحاديث لا يثبت مثلها, وفي كتاب الله البيان لما قصدناه في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الآل, ومراده من ذلك أزواجه أو هنّ داخلات فيه(1).
اللّهمّ صل على محمّد وآل محمّد
(1) السنن الكبرى 2: 150 باب (الدليل على أن أزواجه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أهل بيته).


الجواب:

أولاً: نقول هذه الرواية تدحض الدعوى المألوفة عند أهل السنّة، بأنّ الآية نزلت في خصوص نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), أو نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع ضم الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليهنّ، ليصح توجيه الخطاب بضمير الجمع (عنكم, يطهّركم) الوارد في الآية الكريمة.
فهي من هذه الناحية تكون ملزمة للقائلين بصحتها في عدم تبني الدعوى المذكورة التي يروج لها البعض - من دون تحصيل - وإلاّ لزم التهافت في الدعوى والأدلة.
ثانياً: الرواية المذكورة معارضة بروايات كثيرة متضافرة، تفوقها عدداً ودلالة، في بيان إنّ المراد بأهل البيت هم الخمسة أصحاب الكساء: محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ, وفاطمة, والحسن والحسين(عليهم السلام) حصراً, بل أنّ في نفس الرواية المذكورة ما يدل على هذا المعنى ؛ إذ قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هؤلاء أهل بيتي), يفيد الحصر كما نصّ عليه علماء اللغة والبيان في أنّ تعريف الجزأين (المسند والمسند إليه) يفيد الحصر(1).
فإذا عرفنا ذلك، فربما يشكل التمسك بالرواية المذكورة، لمحل التهافت بين إرادة الحصر وعدمه فيها, الأمر الذي يرجح رواية المستدرك على رواية السنن هذه، كما ستأتي الإشارة إليها في الأمر الرابع.
وعن ابن حجر في (الصواعق المحرقة), قال: ((إنّ أكثر المفسرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين))(2)، انتهى.
وعند التعارض يلاحظ الجانب الذي تتفوق رواياته عدداً, بل ودلالةً، فيقدم على الآخر..، والروايات الوارد أنّها نزلت في خصوص الخمسة أصحاب الكساء، دون غيرهم، متضافرة تفوق كلّ رواية أخرى تناهضها في هذا المعنى.
ثالثاً: هذه الرواية معارضة بروايات أخرى، وردت عن أُمّ سلمة نفسها، يستفاد منها بأنّها ليست من أهل هذه الآية, كهذه الرواية التي يرويها الترمذي في سننه: ((قالت أُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبي الله, قال: أنت على مكانك وأنتِ على خير))(3)، (انتهى).
وأيضاً ورد بمضمون هذه الرواية رواية أخرى عن عائشة, قالت فيها - بعد أن رأت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجلل عليّاً وفاطمة والحسن والحسين بالكساء، يدعو لهم ويتلو عليهم آية التطهير-: ((وأنا من أهل بيتك؟ قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (تنحي فإنّك على خير) ))(4).
وبلحاظ هذا التعارض، تتساقط هذه الروايات، وتصير الرواية المذكورة - الواردة في السؤال - لا قيمة لها في معارضة الروايات المتضافرة الدالة على نزول آية التطهير في خصوص الخمسة أصحاب الكساء.
رابعاً: الرواية المذكورة، رواها الحاكم في مستدركه - بالسند نفسه مع إختلاف العبّاس بن محمد الدوري بدل الحسن بن مكرم - وفيها ما يخالف الدعوى المذكورة بدخول أُمّ سلمة في مفهوم (أهل البيت) الوارد في الآية, والرواية فيها: ((قالت أُمّ سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: (إنّك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أهلي أحق) )), وهذا الحديث قد صححه الحاكم على شرط البخاري(5), وأقرّه الذهبي على شرط مسلم.
وإذا سلّمنا بأنّ الرواية المذكورة في المستدرك هي نفسها رواية السنن - للبيهقي - فلا نجزم عندئذٍ بأن أي النصين هو الصادر عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), هل هو قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّ سلمة: (بلى إن شاء الله)، أي أنت من أهل بيتي, أم هو قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي)، المستفاد منه أنّها ليست من أهل بيته, وأنّها أهله بالمعنى المتعارف بأنّ الزوجة أهل الرجل، وهذا المعنى - بهذا الشكل الأخير الذي بيّناه - لازمه الاجمال وسقوط هذه الرواية برمتها عن معارضة الروايات المتضافرة بأنّ أهل بيته هم خصوص: علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
بل ربما يُرّجح الوارد في رواية المستدرك على الوارد في رواية السنن، لمحل التهافت الذي اشرنا إليه سابقاً في رواية السنن ولما موجود من تحريف في السند.
وعندئذٍ لا توجد معارضة بين الرواية المذكورة, والمعنى المعروف بنزول الآية في خصوص الخمسة من أصحاب الكساء (عليهم السلام) دون غيرهم.


(1) انظر: الإتقان في علوم القرآن: 583 في دلالة تعريف الجزأين على إفادة الحصر والتعين.
(2) الصواعق المحرقة: 141 سورة الأحزاب.
(3) سنن الترمذي 5: 31 سورة الأحزاب.
(4) انظر: تفسير ابن كثير 3: 493 قوله تعالى: (( يَا نِسَاء النَّبِيِّ...)) الآيات.
(5) انظر: المستدرك على الصحيحين 2: 416 سورة الأحزاب.










: أم سلمة ليست من أهل البيت (عليهم السلام)
إخواني، أهل السُنّة يستدلون بهذا الحديث على دخول (أم سلمة) رضوان الله تعالى عليها تحت الكساء.. الرجاء من سيادتكم التكرم بتوضيح الرد على ذلك بالأدلّة، وفقكم الله تعالى:
أحمد بن حنبل في (المسند 6/298) ح/ حدّثنا أبو النضر هاشم بن القاسم, ثنا عبد الحميد يعني ابن بهرام، قال: حدّثني شهر بن حوشب, قال: سمعت أُمّ سلمة زوج النبيّ حين جاء نعي الحسين بن عليّ(عليه السلام) لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، عزوه وذلوه لعنهم الله, فإنّي رأيت رسول الله جاءته فاطمة الزهراء غدية ببرمة, قد صنعت له فيها عصيدة تحمله في طبق لها حتى وضعتها بين يديه، فقال لها: (أين ابن عمك؟)، قالت: هو في البيت: قال: (فاذهبي فأدعيه وأتني بابنيه)، قالت: فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد وعليّ يمشي في أثرهما, حتى دخلوا على رسول الله فأجلسهما في حجره وجلس عليّ عن يمينه وجلست فاطمة عن يساره، قالت أُمّ سلمة: فاجتبذ من تحتي كساء خيبرياً كان بساطاً لنا على المنامة في المدينة, فلفه النبيّ عليهم جميعاً، فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمني إلى ربّه عزّ وجلّ، قال: (اللّهمّ أهلي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهمّ أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهمّ أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، قلت: يا رسول الله! ألست من أهلك؟ قال: (بلى, فادخلي في الكساء, قالت: فدخلت في الكساء بعد ما قضى دعاه لابن عمه عليّ(عليه السلام) وابنيه وابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنهم.

الجواب:

يمكن رد هذه الرواية من عدة جهات:
1- إنّ الرواية في كتب السُنّة ولا يمكن الاحتجاج بها علينا.
2- إنّ هذه الرواية معارضة بروايات متعددة صحيحة تحصر أصحاب الكساء بالخمسة، بل يُصرح في بعضها أنّ أُمّ سلمة ليست من أهل البيت.
3- الرواية توضح في آخرها أنّ أُمّ سلمة لم يشملها الدعاء بالتطهير, معنى ذلك أنّ خصوصية الخمسة وشمولهم بالتطهير - أي بالعصمة - تختلف عن أُمّ سلمة، التي هي إن كانت من أهل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فذلك وفق المعنى اللغوي لكلمة أهل، بخلاف الخمسة الذين دخلوا في أهل البيت الذين لهم خصوصية العصمة, فالرواية لا تدخل أُمّ سلمة في أهل البيت بل تدخلها في أهل النبيّ, وهناك فرق بينهما.
4- إنّ الحديث من جهة السند لا يصح الاحتجاج به, فشهر بن حوشب، قال عنه أبو حاتم: لا يحتج به, وقال عنه ابن عون: انّ شهراً تركوه, وقال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي, وقال ابن عدي: شهر ممّن لا يحتج به ولا يتدين بحديثه, وسأل ابن عون عن شهر فقال: ما يصنع بشهر انّ شعبة قد ترك شهراً، وسأل شعبة عن عبد الحميد بن بهرام فقال: صدوق, إلاّ أنّه يحدث عن شهر, وقال عنه ابن حجر: كثير الإرسال والأوهام، فلعل هذه الرواية من أوهامه، خصوصاً إذا عرفنا أنّه خالف بها الثقات ممّن قال بأنّ أُمّ سلمة ليست من أهل البيت.
5- الرواية رويت عن شهر بطرق أُخر صحيحة أخرجت أُمّ سلمة من أهل البيت, فعن بلال بن مرداس عن شهر بن حوشب عن أُمّ سلمة: ((... ألست من أهل البيت؟ قال: (إنّك على خير وإلى خير))), وعن زبيد عن شهر، عن أُمّ سلمة مثل ذلك: ((قالت: أنا منهم, قال: (إنّك على خير) ))(1), وقال الترمذي عن هذا الحديث: ((هذا الحديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب))(2), وأصرح من هذين ما روي عن علي بن زيد، عن شهر، عن أُمّ سلمة، حيث قالت: ((فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي، وقال: (إنّك على خير) ))(3)، ومثله ما روي عن عقبة عن شهر، عن أُمّ سلمة, حيث قالت: ((فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من يدي, وقال: (إنّك على خير) ))(4), ويقرب منه ما رواه حبيب بن أبي ثابت، عن شهر، عن أُمّ سلمة, حيث قالت: ((فجئت أدخل معهم، فقال: (مكانّك.. إنّك على خير) ))(5).
فبعد هذا كيف يمكن الاحتجاج بتلك الرواية عن شهر وقد روى عنه العدّة خلافها؟!


(1) تأريخ مدينة دمشق 14: 142 الحسن بن عليّ بن أبي طالب، مسند أحمد 6: 304 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(2) سنن الترمذي 5: 360 ما جاء في فضل فاطمة (رض).
(3) مسند أحمد 6: 323 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(4) مسند أبي يعلي 12: 344 الحديث (6912).
(5) الذرية الطاهرة للدولابي: 150 الحديث (192) سند حديث فاطمة(عليها السلام).








اذا كان سلمان من أهل البيت فلماذا لا تكون زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) منهم معنى قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (سلمان منّا أهل البيت؟
هناك سؤال تطرحه أخت سنّية تقول: إذا كان سلمان من أهل البيت، فلماذا لا تكون زوجات النبيّ من أهل البيت وهن أقرب إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟


الجواب:

إنّ سلمان (رضوان الله تعالى عليه) وصل إلى تلك الدرجة الرفيعة بالعلم والمعرفة، وبشدّة ولائه لأهل البيت(عليهم السلام)، فعن أبي جعفر(عليه السلام): (... وقال رسول الله: سلمان منّا أهل البيت، إنّما عني بمعرفتنا وإقراره بولايتنا)(1)، فهو من أهل البيت بالتولي لهم، كما قال إبراهيم(عليه السلام) فيما حكاه الله تعالى من قوله: (( فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )) (ابراهيم:36)، فكأنّه (عليه السلام) يقول: من تبعني وعمل بشريعتي وسار بسيرتي فإنّه من أقاربي ملحق بي ومن أبنائي تنزيلاً(2).
وانّ سبب دخول سلمان في أهل البيت(عليهم السلام) ليس هو القرب النسبي، فإنّه لا قرابة نسبية له مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولدخل كلّ من كان أقربائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أهل البيت(عليهم السلام) من جهة النسب، بل انّ دخوله كدخول جبرائيل مع أهل البيت(عليهم السلام)، حينما سئل: ((وأنا منكم؟ فقال صلوات الله عليه: (وأنت منّا) ))(3)، فصار جبرئيل يفتخر بانه من أهل بيت محمّد(صلوات الله عليه وآله)، فدخول جبرئيل لم يكن بقرب نسبي، فكذلك دخول سلمان لم يكن بقرب نسبي.
ثم إنّ الذي أدخل سلمان في أهل البيت(عليهم السلام) هو الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذي أخرج زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أهل البيت هو الرسول أيضاً! فقد قال (صلوات الله عليه وآله) عندما سألته أُمّ سلمة عن كونها من أهل البيت؟ فقال (صلوات الله عليه و آله): (أنّك على خير وهؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أهلي أحق)(4)، أو (أنّك على مكانك، وأنت على خير)(5)، أو (لا، وأنت على خير)(6)، أو (وأنت مكانك، وأنت على خير)(7)، أو (أنت على خير، أنّك من زواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، وما قال: أنّك من أهل البيت(8).
فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منع أُمّ سلمة من الدخول معه تحت الكساء، ولم يقل لها أنّها من أهل البيت على الرغم من طلبها ذلك وكونها من خيرة نساءه! وما كان ردّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ لغرض بيان عدم دخول أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أهل البيت وعدم قبول الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك، وإذا فعلنا ذلك فاننا عملنا خلاف ما يريده الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!


(1) تفسير فرات الكوفي: 170 الحديث (218)، بحار الأنوار 65: 55.
(2) انظر: تفسير الميزان 13: 71 قوله: (( فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )).
(3) أمالي الطوسي: 368 سبب نزول قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...)).
(4) المستدرك على الصحيحين2: 416 جمعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته وقوله: هؤلاء أهل بيتي.
(5) المستدرك على الصحيحين2: 416 جمعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته وقوله: هؤلاء أهل بيتي.
(6) سنن الترمذي 5: 31 سورة الأحزاب.
(7) المعجم الكبير 9: 26 ما أسند عمر بن أبي سلمة.
(8) خصائص الوحي المبين، لابن بطريق: 102 الفصل الرابع.



السؤال: المقارنة بين لفظة (أهل البيت) و(بيوت النبي)
من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم، لاحظت أمراً يتعلق بآية التطهير، وسأعرضه، طالباً منكم أن تتكرموا بإعطاءنا رأيكم فيما رأينا ودمتم موفقين:
لاحظنا أنّ في سورة الأحزاب وردت كلمة ï´؟ بيوتكنَّ ï´¾ مرتين في الآيتين (23 - 34)، وورد أيضاً لفظ ï´؟ بُيُوتَ النَّبِيِّ ï´¾ في الآية (53)، ووردت كلمة (بيت) بصيغة المفرد كما هو معروف مرة واحدة في الآية (33), الملفت هنا أنّه لو كانت آية التطهير تضم زوجات الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكان الأولى - والله أعلم - أن لا تأتي كلمة ï´؟ وَقَرنَ في بيوتكنَّ ï´¾ والعائد لزوجات الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا يوافق ما بعده من جمع كلمة ï´؟ وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ï´¾، فالأولى أن هناك تناسق بالألفاظ، وهذا ما تؤكده الآية (53): ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ï´¾ أتت بصيغة الجمع للدلالة على بيوت زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن ضمن نفس الآية نجد كلمة ï´؟ وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَظ°لِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ ï´¾ فهي تتوافق مع سياق جمع كلمةï´؟ بُيُوتَ النَّبِيِّ ï´¾.
والذي يؤكد أيضاً أنّ آية التطهير لا يدخل فيها زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الأحاديث والروايات التي أثبتت أنّ آية التطهير مختصة بأصحاب الكساء(عليهم السلام) فقط.
أتمنى أنّي قد وفقت بإيصال ما أريد بهذه الكلمات - والله من وراء القصد.
الجواب:
في مقام التعليق على ما ذكرت، نقدم أمور:
أوّلاً: يحدد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها، فأهل القرى: سكّانها، وأهل الكتاب: أتباعه، وأهل الرجل: عشيرته وذو قرباه(1)، وأخص الناس به(2)، ومن يجمعه وإياهم نسب أو دين(3)، وأهل بيت الرجل: ذو قرباه ومن يجمعه وإياهم نسب(4)، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيم(عليه السلام) وأولاد أولاده، قال تعالى: ï´؟ رَحمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ï´¾ (هود:73).
وهناك فرق بين أهل الرجل، وأهل بيت الرجل، فقد عبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته. قال الزبيدي في (تاج العروس): ((ومن المجاز: الأهل للرجل زوجته))(5)، أمّا أهل بيت الرجل: فهم من يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في اسرة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(6). (أنظر مودة أهل البيت المبحث الأوّل: أهل البيت في اللغة والإصطلاح/ مركز الرسالة).
ثانياً: من الواضح أنّ (أهل البيت) متكونة من لفظتين: هي (أهل) التي ذكروا أنّها، ولفظة (آل) بمعنى واحد, وذكروا لهما معاني متعددة بين الضيق والسعة، يرجع إليها في البحث المتعلق بمعنى (الآل)، وهل هم أقرباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أتباعه، أو غير ذلك.
واللفظة الأخرى فهي (البيت)؛ فهل المراد منها المعنى الموضوع لها، وهو مكان السكن المتكون من الطين والخشب أي البيت المادي, أو المراد منها هنا المعنى الإستعمالي، وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة أي بيت النبوة؟
مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة، ما هو المعنى المراد من استعمال (أهل البيت) إذا جاءا معاً عند العرب، وبالتالي لا فرق بين تعيين أي من المعنيين، ولكن المعنيان المذكوران أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية.
ثالثاً: من الواضح أنّ المقصود من البيوت في ï´؟ وَقَرنَ في بيوتكنَّ ï´¾ و ï´؟ وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ï´¾ هي البيوت المبنية من الطين والخشب، وكذا في قوله: ï´؟ بُيُوتَ النَّبِيِّ ï´¾، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي (أهل البيت) كما عرفت من تنصيص أهل اللغة، سواء قلنا أنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب أو بيت الذروة والشرف، وذلك واضح من الآية: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33).
لأنّه إذا قلنا أنّ المراد من (البيت) فيها هو بيت الطين والخشب، فلانه قد أضاف جمع البيوت في ï´؟ بُيُوتِكُنَّ ï´¾ إلى النساء وفي ï´؟ بُيُوتَ النَّبِيِّ ï´¾ إلى النبيّ، وهنا عرف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الإستغراقية، كما هو واضح، فانّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت، فتحصل أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء! وإلاّ فما هو المرجح بينها؟! وإنّما هو بيت آخر غيرها كان معهوداً بين المتكلم والمخاطب (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد يكون بيت عليّ(عليه السلام) كما ذكر ذلك رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما أشار إليه أبو بكر، وقال: هل هذا البيت منها؟ أي من البيوت التي اذن الله أن ترفع كما جاء في الآية (النور: 36)، فأجابه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن: (نعم, بل من أفضلها)(7) - وبيت عليّ(عليه السلام) هو بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا إشكال.
هذا، فيما لو تنزلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى (أي المصنوع من الطين والخشب)، وهو مورد الشبهة التي جاءت عن العامّة، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سعفه، فالأزواج من أهله، وقد عرفت الجواب! مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين (أهل) و (البيت) هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة، فلاحظ.
وأمّا إذا أريد من البيت، هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة، وأنّ المراد منه كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل الله، فعند ذلك لا يصح الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والإستعداد الكامل الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل الله، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه فجائها الجواب بالنفي، وهذا البيت هو المراد من ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ... ï´¾ (النور:36) كما تقدم سابقاً في جواب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي بكر.
وورد أيضاً أنّ قتادة لمّا جلس أمام الباقر(عليه السلام) قال: ((لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عبّاس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك؟! قال له أبو جعفر الباقر(عليه السلام): (ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ï´¾، فأنت ثم، ونحن أولئك). فقال قتاده: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين))(8).
ولعل هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه (أهل البيت) كما نقلنا عن أصحاب اللغة.
رابعاً: وبعد كلّ ما تقدم فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي (أهل البيت) فيما إذا وردتا معاً، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ افترق المسلمون إلى أقوال ونحن نستدل بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء، إضافة إلى ما تقدم كلّه.
فإذا تقرر ذلك: نرجع إلى سؤالك؛ أنّه هل يمكن أن تستفيد من نفس الآية حصراً، بغض النظر عن الأدلة الأخرى اختلاف المراد من (بيوتكن) و(أهل البيت)، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيت(عليهم السلام).
فنقول: من الواضح أنّ المراد في (بيوتكن) هو بيت الطين والخشب، وهو يجمع، إذ لو كان لشخص معين عدّة زوجات وكلّ منها أسكنها في بيت، فيقال: ((هذه بيوت هذا الرجل))، أو ((بيوت زوجاته))، وأنّ المراد من (أهل البيت) معنى آخر، هو ذو قرباه ومن يجمعه وإياهم نسب(9)، ولا تُجمع لفظة (البيت) فيه بهذا المعنى، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا (أهل بيوت النبيّ) ويراد به هذا المعنى المتقدم، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة، فإنّهم يقال لكلّ أولاده: ((أهل بيت الرجل)).
نعم، قد يستعمل ((أهل بيوت الرجل)) لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل.
فإذا نظرنا إلى الآية، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء، وأنّها جاءت مفردة عندما عرفت بالألف واللام وتعلقت بالأهل، ..فنعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا. ويمكن أن تكون إشارة لطيفة بلاغية على الإختلاف، نظراً لابدال التعبير من الجمع إلى المفرد، ثم إلى الجمع في نفس الآيات، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً، وذلك لأنّا قلنا أنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم (أهل البيت) سواء من اللغة أو القرآن أو السُنّة على الخلاف بين الآراء، فاختلاف المعاني المرادة من البيت، لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في (أهل البيت)، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أن النساء داخلات في (أهل البيت) ولو مجازاً!
نعم، نعود ونقول: أنّه مؤيد واشارة لطيفة، تتم إذا ادعى مدعي أنّ المراد من (البيت) في (أهل البيت) في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب، وتتأكد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا، إذا لاحظنا العودة إلى جمع (البيوت) مرة أخرى في آية ï´؟ وَاذكُرنَ ï´¾ بعد آية التطهير، فكأنها تؤكد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع والإضافة اليهن بعد الافراد والتعريف بالألف واللام العهدية.

(1) القاموس المحيط، مادة (أهل).
(2) لسان العرب، مادة (أهل).
(3) مفردات الراغب، مادة (أهل).
(4) مفردات الراغب، مادة (أهل).
(5) تاج العروس، مادة (أهل).
(6) مفردات الراغب، مادة (أهل).
(7) تفسير الثعلبي 7: 107 قوله تعالى: (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ...))، شواهد التنزيل 1: 532 سورة النور، الدر المنثور 5: 50 قوله تعالى: (( فِي بُيُوتٍ...)).
(8) الكافي 6: 256 باب (ما ينتفع به من الميتة وما لا ينتفع به منها).
(9) مفردات الراغب، مادة (أهل).






السؤال: تفسير الآية ضمن الآيات المتصلة بها
نتمنى منكم شرح هذة الآية:
ï´؟ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولًا مَّعرُوفًا * وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا * وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ï´¾ (الأحزاب:32-34)؟
الجواب:
جاء في (تفسير الميزان) للسيد الطباطبائي 16: 308 - 313):
قوله تعالى: ï´؟ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ ï´¾(الأحزاب:32) الخ، الآية تنفى مساواتهن لسائر النساء إن اتقين وترفع منزلتهن على غيرهن، ثم تذكر أشياء من النهى والأمر متفرعة على كونهن لسن كسائر النساء، كما يدلّ عليه قوله: فلا تخضعن بالقول، وقرن، ولا تبرجن... الخ، وهي خصال مشتركة بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر النساء. فتصدير الكلام بقوله: ï´؟ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ ï´¾، ثم تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد تأكد هذه التكاليف عليهن، كأنّه قيل: لستن كغيركن، فيجب عليكن أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف، وتحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء، وتؤيد بل تدلّ على تأكد تكاليفهن مضاعفة جزائهن خيراً وشراً كما دلّت عليها الآية السابقة، فإن مضاعفة الجزاء لا تنفك عن تأكد التكليف.
وقوله: ï´؟ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ ï´¾ بعد ما بيّن علو منزلتهن ورفعة قدرهن لمكانهن من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وشرط في ذلك التقوى فبيّن أنّ فضيلتهن بالتقوى لا بالإتصال بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نهاهن عن الخضوع في القول، وهو ترقيق الكلام وتليينه مع الرجال، بحيث يدعو إلى الريبة وتثير الشهوة، فيطمع الذي في قلبه مرض، وهو فقدانه قوة الإيمان التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.
وقوله: ï´؟ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً ï´¾ (الأحزاب:32)، أي كلاماً معمولاً مستقيماً يعرفه الشرع والعرف الإسلامي، وهو القول الذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله معرى عن الايماء إلى فساد وريبة.
قوله تعالى: ï´؟ وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الأحزاب:33)، من قر يقر، إذا ثبت، وأصله أقررن حذفت إحدى الرائين، أو من قار يقار إذا اجتمع، كناية عن ثباتهن في بيوتهن ولزومهن لها، والتبرج الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. والجاهلية الأولى الجاهلية قبل البعثة فالمراد الجاهلية القديمة، وقول بعضهم: انّ المراد به زمان ما بين آدم ونوح(عليهما السلام) ثمان مائة سنة، وقول آخرين أنّها ما بين إدريس ونوح، وقول آخرين زمان داود وسليمان، وقول آخرين أنّه زمان ولادة إبراهيم، وقول آخرين أنّه زمان الفترة بين عيسى(عليه السلام) ومحمد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أقوال لا دليل يدل عليها.
وقوله: ï´؟ وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ï´¾ (الأحزاب:33)، أمر بامتثال الأوامر الدينية، وقد أفرد الصلاة والزكاة بالذكر من بينها لكونهما ركنين في العبادات والمعاملات، ثم جمع الجميع في قوله: ï´؟ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ï´¾، وطاعة الله هي امتثال تكاليفه الشرعية وطاعة رسوله فيما يأمر به وينهى بالولاية المجعولة له من عند الله، كما قال: ï´؟ النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم ï´¾ (الأحزاب:6).
قوله تعالى: ï´؟ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الأحزاب:33)، كلمة (إنّما) تدل على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وكلمة أهل البيت سواء كان لمجرد الإختصاص، أو مدحاً أو نداء، يدلّ على إختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله: ï´؟ عَنكُمُ ï´¾، ففي الآية في الحقيقة قصران؛ قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت.
وليس المراد بأهل البيت نساء النبيّ خاصّة، لمكان الخطاب الذي في قوله: ï´؟ عَنكُمُ ï´¾، ولم يقل: عنكن، فإمّا أن يكون الخطاب لهن ولغيرهن، كما قيل: انّ المراد بأهل البيت، أهل البيت الحرام، وهم المتقون لقوله تعالى: ï´؟ إِن أَولِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُونَ ï´¾ (الانفال:34)، أو أهل مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهم الذين يصدق عليهم عرفاً أهل بيته من أزواجه وأقربائه وهم آل عبّاس وآل عقيل وآل جعفر وآل عليّ، أو النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأزواجه، ولعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلى عكرمة وعروة أنّها في أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة. أو يكون الخطاب لغيرهن كما قيل: انّهم أقرباء النبيّ من آل عبّاس وآل عقيل وآل جعفر وآل عليّ.
وعلى أي حال، فالمراد بإذهاب الرجس والتطهير مجرد التقوى الديني بالإجتناب عن النواهي وامتثال الأوامر، فيكون المعنى أنّ الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم وانّما يريد إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم، على حدّ قوله: ï´؟ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ ï´¾ (المائدة:6)، وهذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت السابقة لمنافاته البينة للإختصاص المفهوم من أهل البيت، لعمومه لعامّة المسلمين المكلفين بأحكام الدين.
وإن كان المراد بإذهاب الرجس والتطهير التقوى الشديد البالغ، ويكون المعنى: أنّ هذا التشديد في التكاليف المتوجهة إليكن أزواج النبيّ وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به، بل ليذهب عنكم الرجس ويطهّركم، ويكون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهن بعد تخصيصه بهن، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً بغيرهن، وهو ظاهر، ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهن، فانّ الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف وتضعيف الثواب والعقاب.
لا يقال: لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير، متوجها إليهن مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتكليفه شديد كتكليفهن.
لأنّه يقال: أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مؤيد بعصمة من الله، وهي موهبة إلهية غير مكتسبة بالعمل، فلا معنى لجعل تشديد التكليف وتضعيف الجزاء بالنسبة إليه، مقدمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له، إمتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية، ولذلك لم يصرح بكون الخطاب متوجهاً إليهن مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسلم فقط أحد من المفسرين، وإنّما احتملناه لتصحيح قول من قال: انّ الآية خاصّة بأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وإن كان المراد إذهاب الرجس والتطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقاً، لا بتوجيه مطلق التكليف، ولا بتوجيه التكليف الشديد، بل إرادة مطلقة لإذهاب الرجس والتطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت، كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهن بالتقوى، سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التشريعية أو التكوينية.
وبهذا الذي تقدم يتأيد ما ورد في أسباب النزول، أن الآية نزلت في النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسنين(عليهم السلام) خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم. وهي روايات جمة تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما ورد منها من طرق أهل السُنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة، فقد روتها أهل السُنّة بطرق كثيرة عن أُمّ سلمة وعائشة وأبى سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأسقع وأبى الحمراء وابن عبّاس وثوبان مولى النبيّ وعبد الله بن جعفر وعليّ والحسن بن عليّ(عليهما السلام)، في قريب من أربعين طريقاً.
وروتها الشيعة عن عليّ والسجاد والباقر والصادق والرضا(عليهم السلام) وأم سلمة وأبي ذر وأبى ليلى وأبى الأسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص في بضع وثلاثين طريقاً.
فإن قيل: انّ الروايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ وفاطمة والحسنين(عليهم السلام)، ولا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهن. قلنا: انّ كثيراً من هذه الروايات، وخاصّة ما رويت عن أُمّ سلمة - وفى بيتها نزلت الآية - تصرح باختصاصها بهم، وعدم شمولها لأزواج النبيّ، وسيجئ الروايات وفيها الصحاح.
فإن قيل: هذا مدفوع، بنص الكتاب على شمولها لهن كوقوع الآية في سياق خطابهن.
قلنا: إنّما الشأن كلّ الشأن في إتصال الآية بما قبلها من الآيات، فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبيّ، ولا ذكره أحد حتى القائل بإختصاص الآية بأزواج النبيّ، كما ينسب إلى عكرمة وعروة، فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبيّ ولا متصلة بها، وإنّما وضعت بينها أما بأمر من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو عند التأليف بعد الرحلة، ويؤيده أنّ آية ï´؟ وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ï´¾ على إنسجامها واتصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جملها، فموقع آية التطهير من آية ï´؟ وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ï´¾ كموقع آية ï´؟ اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ï´¾ (المائدة:3) من آية محرمات الأكل من سورة المائدة، وقد تقدم الكلام في ذلك في الجزء الخامس من الكتاب. وبالبناء على ما تقدم تصير لفظة أهل البيت اسماً خاصاً - في عرف القرآن - بهؤلاء الخمسة وهم النبيّ وعليّ وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام لا يطلق على غيرهم، ولو كان من أقربائه الأقربين، وإن صح بحسب العرف العام إطلاقه عليهم.
والرجس - بالكسر فالسكون - صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشئ توجب التجنب والتنفر منها، وتكون بحسب ظاهر الشئ كرجاسة الخنزير، قال تعالى: ï´؟ أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ ï´¾ (الانعام:145)، وبحسب باطنه - وهو الرجاسة والقذارة المعنوية - كالشرك والكفر وأثر العمل السيئ، قال تعالى: ï´؟ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ ï´¾ (التوبة:125)، وقال: ï´؟ مَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ ï´¾ (الانعام:125). وأياً ما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالإعتقاد الباطل أو العمل السيئ، وإذهاب الرجس - واللام فيه للجنس - إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الإعتقاد والعمل، فتنطبق على العصمة الإلهية، التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الإعتقاد وسيء العمل.
على أنّك عرفت أن إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم إختصاص الخطاب في الآية بأهل البيت، وعرفت أيضا أن إرادة ذلك لا تناسب مقام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العصمة.
فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة، ويكون المراد بالتطهير في قوله: ï´؟ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾- وقد أكد بالمصدر - إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومن المعلوم أن ما يقابل الإعتقاد الباطل هو الإعتقاد الحقّ فتطهيرهم هو تجهيزهم بادراك الحقّ في الإعتقاد والعمل، ويكون المراد بالإرادة أيضا غير الإرادة التشريعية، لما عرفت أن الإرادة التشريعية التي هي توجيه التكاليف إلى المكلف لا تلائم المقام أصلاً.
والمعنى: أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة، بإذهاب الإعتقاد الباطل وأثر العمل السيء عنكم أهل البيت، وإيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة.
قوله تعالى: ï´؟ وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ï´¾ (الأحزاب:34) ظاهر السياق أن المراد بالذكر ما يقابل النسيان، إذ هو المناسب لسياق التأكيد والتشديد الذي في الآيات، فيكون بمنزلة الوصية بعد الوصية بإمتثال ما وجه إليهن من التكاليف، وفى قوله: ï´؟ فِي بُيُوتِكُنَّ ï´¾ تأكيد آخر.
والمعنى: واحفظن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، وليكن منكن في بال حتى لا تغفلن ولا تتخطين ممّا خط لكم من المسير.
وأمّا قول بعضهم: انّ المراد واشكرن الله إذ صيركن في بيوت يتلى فيهن القرآن والسنة، فبعيد من السياق، وخاصّة بالنظر إلى قوله في ذيل الآية: ï´؟ انَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ï´¾.


يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:54 PM
السؤال: هل الإرادة في الآية تشريعية أم تكوينية؟
بالنسبة إلى آية التطهير العظيمة
هل الإرادة في هذه الآية - آية التطهير - تشريعية أم تكوينية؟ مع ذكر الأدلة على ما تتفضلون بطرحه جواباً عن سؤالي هذا.
حيث أنّ في القرآن المجيد يوجد تطهير إلهي بإرادة تشريعية، كما في آية الوضوء المباركة: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ وَإِن كُنتُم جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَرضَى أَو عَلَى سَفَرٍ أَو جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغَائِطِ أَو لامَستُمُ النِّسَاءَ فَلَم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامسَحُوا بِوُجُوهِكُم وَأَيدِيكُم مِنهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ï´¾ (المائدة:6)، وأيضاً ï´؟ إِذ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ ï´¾ (الأنفال:11)، حيث أنّ كليهما أتيا بعنوان الإرادة الإلهية بالتطهير على النحو التشريعي، كما في قوله تعالى: ï´؟ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ï´¾ و ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾.
فإذا قال لي المخالف: هذين الموضعين يشبه ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾(الأحزاب:33). وبذلك يقول لي: إنّ الإرادة بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) يشبه التطهير في آية الوضوء (الإرادة التشريعية) ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾. وإذهاب الرجس كما إذهاب الرجز والتطهير في: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾، وبالتالي لا يثبت هنالك فضل لأهل البيت(عليهم السلام) بخصوص آية التطهير المباركة, كما يزعم المخالف؟
الجواب:
لا يمكن أن يكون المراد بالإرادة في الآية هي الإرادة التشريعية, لأنّها تنص على قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ï´¾، وإنّما تفيد الحصر والقصر.
والمعنى: إنّ الله طلب من أهل البيت(عليهم السلام) فقط أن يكونوا كذلك, وإذا كانت الإرادة تشريعية، فلا معنى لأن يكون طلب الطهارة والتنزه عن الرجس مختصاً بأهل البيت(عليهم السلام) ومحصوراً بهم دون غيرهم, فالله سبحانه وتعالى أنزل الشريعة الإسلامية لا لكي يتطهّر أهل البيت(عليهم السلام) وحدهم, ويتنزهوا عن الرجس دون سواهم, وإنّما لكي يتطهّر المسلمون جميعاً دون غيرهم، ويتنزه كلّ من بلغه هذا الدين.
ولو حملنا الإرادة على التشريع فسيكون الحصر في غير محله, ولا يلائم الآية المباركة أساساً, وبذلك لايمكن أن تكون الإرادة في الآية تشريعية، وإنّما هي إرادة تكوينية.
وبعبارة أخرى: إنّ الإرادة لو كانت تشريعية، وأنّ الله يريد بيان أنّ الهدف من إرادته ــ أي من التكاليف ــ هو تطهير أهل البيت(عليهم السلام)، فهو غير مختص بهم, حيث أنّ إرادته تعالى متعلقة بصدور الفعل الواجب تشريعاً من غيره بإرادته وإختياره، وحملها هنا عليهم فقط لا خصوصية فيه، فلابد من أن تكون الإرادة هنا تكوينية.
وقد أُورد على كون الإرادة في الآية تكوينية: إنّ ذلك يؤدي بنا إلى شبهة الجبر والإضطرار, أي أنّ ذلك ينافي إرادية وإختيار المعصوم في أفعاله.
ونجيب على ذلك: بأنّ الله سبحانه وتعالى عالم بكلّ شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء, فهو يعلم بأفعال عبيده قبل أن يخلقهم، فمن علم منهم أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى، أعانهم على ذلك، وأخبر عن مشيئته التي منشؤها العمل بما يريدون الوصول إليه.
فالمسألة لا ترجع إلى إختيار جزافي، بل تتحرك في إطار هادف, فحيث علم الله من هؤلاء أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة والعبودية، تعلقت إرادته التكوينية بهم فطهّرهم من كلّ رجس، فعِلمه بهم منشأ لهذه الإرادة التكوينية, وبذلك تنتهي شبهة الجبر وتسقط بإرادة الفاعل على الفعل مسألة الإضطرار.
أمّا الدليل القرآني على أنّ المراد بأهل البيت(عليهم السلام) هم العترة دون غيرهم, فإنّ نفس الآية القرآنية تدلّ على ذلك, لأنّ قوله تعالى: ï´؟ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ دال على العصمة، وقد عرفنا أنّ قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ï´¾ هو إخبار وليس إنشاء, فالآية لا يمكن أن تشمل أقرباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نساءه ولا أعمامه ولا أي مصداق آخر غير العترة خاصّة، لأنّ جميع فرق المسلمين تتفق على عدم عصمة أولئك.
ولو كانت الآية تنطوي على الإطلاق بحيث تشمل أعمام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقرابته ونساءه, لكان منهم من أدعى هذا الفخر وهو وسام عظيم لا يمكن لإنسان أن يزهد فيه, ولكن من خلال العودة إلى التأريخ لم نجد أحداً يدّعي ذلك. ومن ناحية ثانية تشير الوقائع التاريخية إلى أنّ هؤلاء كانوا مشركين ثم صاروا مسلمين, وحتى بعد أن أسلموا صدرت منهم أخطاء واشتباهات وبدرت من بعضهم معاص وإنحرافات, وهذا ما يخالف العصمة التي من المفروض أنّ الآية نصت عليها بهم.



السؤال: التطهير في الآية على سبيل الدفع لا الرفع
كيف نستدل على عصمة الأئمة أو أهل البيت(عليهم السلام) منذ ولادتهم، فإنّ آية التطهير: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33) جائت في حياتهم. فهل يعني هذا: أنّه لمّا نزلت الآية صاروا معصومين، وقبل نزول الآية كانوا غير معصومين، لأنّ الآية تقول: ï´؟ لِيُذهِبَ عَنكُم ï´¾، ولم تقل: إنّ الله أذهب عنكم الرجس.
فكيف نستدل على عصمة أهل البيت(عليهم السلام) منذ الولادة؟
الجواب:
إنّ الإتيان بصيغة المضارع في مقام المدح أو الذم أو الشكر ونحوه، إنّما يفيد الإستمرار في الإتصاف، وليس التقيّد بهذا الإتصاف في الحال أو الإستقبال، ألا ترى أنّ قوله عزّ وجلّ: ï´؟ اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدُّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ ï´¾(البقرة:15)، ليس ناظراً إلى أنّه يستهزئ بهم في الحال أو الإستقبال، ولم يستهزئ بهم في الماضي، وإنّما يفيد أنّه سبحانه شأنه مع هؤلاء هو الإستهزاء بهم، أيّ أنّه سبحانه يجازيهم جزاء الإستهزاء، لأنّه سبحانه لا يستهزئ حقيقة, وذلك لأجل نفاقهم واستهزائهم برسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهكذا الحال في المقام, فإنّه تعالى شأنه، في مقام تنزيه أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) عن الرجس, فقوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ ناظر إلى أنّه عزّ وجلّ إنّما يتصف بإرادة تنزيه أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الرجس, ويستمر في هذا الإتصاف, ولا نظر للكلام إلى أنّه يتصف بها في الحال, ولم يتصف بها من قبل, بل تبيين ضمير المخاطب بقوله تعالى: ï´؟ أَهلَ البَيتِ ï´¾ تنبيه على أنّه تعالى إنّما يريد إذهاب الرجس عنهم من جهة أنّهم (أهل البيت)، وهذه الخصوصية ثابتة لهم في الماضي والحال والإستقبال, فلا مجال حينئذ للتفكيك بين الأزمنة, وتعلق الإرادة بالتنزيه في الحال, دون الماضي...
وأيضاً قد أجمع المسلمون سُنّة وشيعة، وكما دلّت عليه بعض الروايات أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) داخل ومشمول في مدلول آية التطهير, وهو لا يتصور في حقّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجود الرجس قبل نزول الآية - نعوذ بالله - وأنّ الله أذهبه عنه بعد ذلك, وكذلك لا يتصور هذا المعنى في حقّ الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) اللذين كانا صغيرين حين نزول الآية, إذ كيف يتصور وجود الرجس في حقهما حتى يتم إذهابه!
فإذهاب الرجس والتطهير الوارد في الآية إنّما هو على سبيل الدفع لا الرفع, إذ تارة يستعمل الإذهاب ويراد به إزالة ما هو موجود, وأخرى يستعمل ويراد به المنع من طريان أمر على محل قابل له, كقوله تعالى: ï´؟ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ ï´¾ (يوسف:24)، فإنّ يوسف(عليه السلام) لم يقع في الفحشاء قطعاً حتى يصرفها الله عنه بمعنى رفعها, وإنّما هو على سبيل الدفع لا الرفع.
وأيضاً حين تقول في الدعاء لغيرك: ((صرف الله عنك كلّ سوء، وأذهب الله عنك كلّ محذور))، فإنّك قد تخاطب بقولك هذا من لا يكون شيء من ذلك متحققاً فيه، ولا حاصلاً له أثناء خطابك له, وإنّما الخطاب يجري على سبيل الدفع لا الرفع.


تعليق على الجواب (1)
إنّ آية التطهير لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي تابثة لهم قبل نزول الآية, وإنّما جاءت لتطهّر تشريعياً المحيط الذي يعيش فيه أهل البيت(عليهم السلام) كرامة للعصمة الذاتية التي خصهم الله بها، ولذلك فهي جاءت في سياق الأوامر الموجهة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أي إنّ الغاية من الأوامر المشددة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومضاعفة الثواب للمحسنة منهن وضعف العذاب لمن أساءت منهن, هو إبعاد الرجس عن بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، باعتبار أنّ من تعمل الرجس من نساءه فقد ارتكبت الإثم والإساءة لآل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقت واحد, فتعاقب على الإثم وعلى الإساءة. ولذلك فالإرادة هنا تشريعية، أيّ أنّ هذه الآية لا تعصم من وجهّت إليهن الأوامر المشدّدة من المعصية.
أمّا إذا أردنا إثبات العصمة لآل البيت(عليهم السلام)، فيكفي أنّا نصلّي عليهم في صلاتنا (...كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد)، فلأنّه تعالى حميد مجيد، فقد صلّى وبارك على آل محمّد وعلى آل إبراهيم في العالمين، أيّ عالم الدنيا والآخرة، كما أخبر الله تعالى، فقال له الله: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ ï´¾ (الحِجر :42)، فهم عباد الله المخلصون (بفتح اللام). ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف(عليه السلام): ï´؟ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ ï´¾ (يوسف:24) (بالفتح)، ولم يقل سبحانه: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، أنّ يوسف(عليه السلام) صامد على عبوديته لله، والسوء والفحشاء هم الذين يقتربون منه, فتدخل الله ليصرف عنه ما اقترب منه بمعجزة فتح الباب الذي أغلقته إمرأة العزيز, كذلك: ليذهب عنكم أهل البيت ما قد يلحقكم من أذى في حال عصيان نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لله ولرسوله, وليس: ليذهبكم عن الرجس، فهم صامدون على عبوديتهم لله تعالى.
الجواب:
الأول: الظاهر من كلامك الأوّل حدوث خلط بين الإنشاء والإخبار! فإنّ الإنشاء هو جعل حكم لشيء، والإخبار هو الإخبار عن شيء واقع سابقاً على ما هو عليه. ولذا فالآية هنا إخبار عن وجود العصمة لأهل البيت(عليهم السلام) واستمرارها، وكلامك ((لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي ثابتة لهم قبل نزول الآية)) وهم!
وأمّا استدلالنا بالآية على عصمتهم(عليهم السلام) فهو في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت - أيّ الواقع - فإنّ العصمة ثابتة لهم في جميع الأزمنة، ولكن نحن نستدل لإثبات وجودها بهذه الآية.
الثاني: إنّ متعلق الإذهاب هم أهل البيت(عليهم السلام) في الآية لا نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى يصح ما قلته ((إنّما جاءت لتظهر تشريعياً))! فإنّ الكلام حول الآية بالذات هل هي تشريعية أو تكوينية؟ فلا تخلط بها الآيات التي سبقتها!
نعم، المجيء بها في هذا الموضع؛ فيه إشارة للنساء بفضيلة هذا البيت وما يتوجب عليهن نحوه كما أشرت أنت.
نعم، حثّ النساء في الآيات الخاصّة بهن تشريع لهن، لكنه لا يتعارض مع الإرادة التكوينية الخاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) في الآية حتى تنقلب الإرادة تشريعية.
الثالث: أمّا اعتبار الإرادة الواردة في الآية الكريمة تشريعية، فيرد عليه محذور أنّ الحصر في غير محله، فالتشريع بطلب التطهّر - لو حملنا الإرادة في الآية على التشريع دون جعل العصمة - لا وجه في إختصاصه بأهل البيت(عليهم السلام) دون غيرهم، إذ ما وجه التشريع بطلب التطهّر من الذنوب وعمل المعاصي من جماعة دون جماعة، وروح الشريعة من هذه الناحية واحدة، إذ المطلوب من الجميع أن يكونوا منزهين عن ارتكاب الذنوب واجتراح المعاصي..
فلا محيص من حمل الآية على الإرادة التكوينية، والتي يستفاد منها جعل العصمة لأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا هو الذي فهمه المفسرون من الآية الكريمة.
قال الطبري في تفسيره: (( ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ (الاحزاب:33)، يقول: إنّما يريد الله يذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويطهّركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً..
ثم قال: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.. حدّثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد بن قتادة، قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ فهم أهل بيت طهّرهم الله من السوء، وخصّهم برحمة منه.. وروى أيضاً عن ابن زيد قوله: الرجس ها هنا: الشيطان))(1).
وقال ابن عطية الأندلسي (المتوفى456هـ) في (المحرر الوجيز): ((والرجس: اسم يقع على الأثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت(عليهم السلام) ))(2).
الرابع: دعوى أنّ الآية نزلت بحقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يخالفه ظهور الخطاب في ميم الجمع الذي يخاطب به الأعم من الذكور والإناث. ولو سلمنا دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخطاب، لا يستقيم عندها قولكم: أنّ العصمة الذاتية ثابتة لأهل البيت(عليهم السلام) (محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)، إذاً ما فائدة خطاب المعصوم بتشريع يطالبه بالإجتناب عن الذنوب، أليس هذا تحصيل للحاصل، وهو محال؟!

(1) انظر: جامع البيان 22: 9 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ )).
(2) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4: 384 الآية (33) من سورة الأحزاب.

تعليق على الجواب (2)
أن كلامكم قابل للمناقشة، ويمكن الإيراد عليكم بعدة إيرادات، وهي :
أولا: قلتم أن الإذهاب قد يراد به إزالة ماهو موجود أو قد يراد به دفع ماهو غير موجود أصلاً، وهذا الكلام غير صحيح، فالإذهاب لغة هو الإزالة، والإزالة لا تكون إلا لما هو موجود، ولو لم يكن موجود لعبر عنه بـ(ليبعد أو ليصرف) عنكم.
لأن هذه اللفظة لا تستخدم إلا للرفع دون الدفع، ومن يقول أنها تستخدم للرفع والدفع معاً فعليه بالدليل.
ثانيا: حاولتم الإستدلال بقضية يوسف عليه السلام من أجل تأييد قولكم، ولكن استدلالكم لم يكن موفقا، لان قوله تعالى (ليصرف) شيء و (ليذهب) شيء، فقوله ليصرف أي يبعد وهي يمكن استخدامها للدفع وأما ليذهب أي ليزيل وهي لا تستخدم إلا للرفع أو الإزالة.

الجواب:
يختلف الامر في حالة تعدى الذهاب بالباء عن حال تعدي الذهاب بعن ففي تاج العروس 1/ 505 قال الزبيدي وقال بعض ائمة اللغة والصرف ان عدى الذهاب بالباء فمعناه الاذهاب او بعلى فمعناه النسيان او بعن فالترك.....) لذا ليس من الصحيح القول ان الاذهاب لا يأتي بمعنى الدفع.
واما الاية القرانية ï´؟ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ ï´¾ فقد اوردناها لايضاح معنى الدفع واختلافه على الرفع ولانريد ان نقول ان الانصراف والاذهاب شئ واحد.





السؤال: الارادة الالهية بإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصة
إذا قال شخص: إنّ (إنّما) تحصر - فقط سبب الإرادة - في إذهاب الرجس، بحيث يكون معنى الآية: إنّ سبب إرادة الله هو لمنفعة الناس لا لمنفعته هو عزّ وجلّ..
لا أنّ (إنّما) - أيضاً تحصر- المخاطبين بآل البيت فقط... ممّا يجعل الإرادة لهم ولعامة الناس، فيجعل المراد بها الإرادة التشريعية! فما هو الرد؟
وإذا قال: إنّ هناك أحكاماً خاصّة لبعض الناس دون بعض، مثل زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيحرم عليهن الزواج بأيّ رجل بعد زوجهن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), بينما لا يحرم ذلك على باقي النساء.. ممّا يبطل قولنا: أنّ التشريع لا يمكن أن يكون خاصاً!
فما هو الرد؟
الجواب:
إنّ هذا الإشكال طرح من قبل الفخر الرازي في تفسيره ولكن ليس بهذا الشكل.
فقد قال: (( ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33)، يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله، ولا تنفعن الله فيما تأتين به، وإنّما نفعه لكُنّ، وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن))(1).
فهو كأنّما قد خصّ الآية بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فجعلها تعليلاً لما جاء من أوامر ونواهي سابقة عليها تخص النساء، وهذا فيه ما فيه، أقلّه عدم تفسير إبدال الضمير في (عليكم) من التأنيث إلى التذكير! فإنّ الآية لا يمكن أن تختص بالنساء فقط لمكان (عليكم)، فلا بد أن يكون الخطاب في الآية لهنّ وغيرهن أو لغيرهن خاصّة.
فإذا قلنا: إنّ المراد بإذهاب الرجس مجرد التقوى والإلتزام بالأوامر الألهية وإجتناب النواهي، وإنّ المعنى هو كما ذكره الرازي، بأنّ الله لا ينتفع من توجيهه هذه التكاليف لكُنّ، وإنّما نفعه عائد إليكنّ، سوف لا يتفق ولا يتلاءم مع المعنيين الذين فرضناهما لأهل البيت! إذ أنّه يعم جميع المسلمين كما لا يخفى، فإنّ الله يريد منهم بالأوامر والنواهي منفعتهم لا منفعته ولا يبقى معنى للإختصاص بأهل البيت بكلمة ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ في الآية، فلم يبقى ألاّ أن نقول أنّ المراد بإذهاب الرجس هو العصمة، ولا يكون المراد بأهل البيت سوى غير النساء لأنهن غير معصومات بالإتفاق، فيثبت المطلوب.
ثم إنّ هذا المستشكل لمّا رأى أدلة الشيعة على عدم نزول الآية في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأدلّتهم على كون الإرادة في الآية تكوينية لا تشريعية لظهور ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ في الإختصاص، حاول تطوير استدلال الفخر الرازي وطرحه بأسلوب آخر على أنّه إشكال جديد، وذلك بإبدال كون المنفعة في كلام الرازي من كونها راجعة إلى النساء وجعلها راجعة إلى عموم المسلمين، ونسي أنّ الأساس في قول الرازي هو بناءه على أنّ الإرادة في الآية تشريعية لا تكوينية، وبالتالي الإضطرار لجعل مصب الآية التعليل لا التأسيس.
وعلى كلّ نقول:
أولاً: إنّ الآية تصدرت بـï´؟ إِنَّمَا ï´¾ وهي كما نقل أهل اللغة من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية، وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه، كقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي)، والمعنى ما يدافع عن أحسابهم إلاّ أنا أو مثلي(2).
فيكون معنى الآية: ما يريد الله إذهاب الرجس إلاّ عنكم أهل البيت. فعليه يكون في الآية قصران: حصر الإرادة الالهية بإذهاب الرجس، وقصرها على أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة.
فما قاله المستشكل أنّها تحصر سبب الإرادة فقط وهو كونها لمنفعة الناس غير صحيح، لأنّ في الآية قصران لا قصر واحد. وهو خلاف الظاهر جداً.
ثانياً: إنّ من قال (الفخر الرازي) بأنّ الآية تعليلية، أُلزم بذلك، بعد أن بنى على أنّها نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط لورود الخطاب لهنّ في الآيات السابقة، ولا نعلم من أين جاء ذكر الناس كلّهم في الآيات حتى يدّعي هذا المدعي حصر الإرادة بالتبع لهم؟! فهذا أجنبي وبعيد عن مراد الآية، والآيات الأخرى أيضاً ولا دخل للناس أو المسلمين بها، وإنّما الأمر يدور على أقصى الإحتمال في تفسير أهل البيت بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع آخرين، أو الأخرين غير النساء فقط.
ثالثاً: إذا كانت إرادته تعالى لمنفعة الناس، فلماذا حصر إرادة التطهير بأهل البيت(عليهم السلام) فقط، بإيراد ï´؟ إِنَّمَا ï´¾في أوّل الآية؟ ونحن نعلم بشكل كلّي؛ أنّ لا نفع ولا فائدة ترفع لله سبحانه وتعالى من خلق الكون وعالم الممكنات كلّه، لا فقط إرادة التطهير وإذهاب الرجس، سواء قلنا أنّها عامّة لكلّ الناس أم خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام)، لأنّه لا يطلب النفع إلاّ من فيه جهة من جهات النقص يريد إكمالها، ونعوذ بالله جلّ جلاله من نسبة ذلك لله.
رابعاً: نحن لا ننكر أنّ هناك أحكاماً خاصّة بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن نقول:
إنّ إرادة الله التشريعية بالتطهير عامّة لكلّ المسلمين بلا جدال، فلا وجه لتخصيصها وحصرها هنا بأهل البيت(عليهم السلام)، إلاّ إذا كان للإرادة معنى آخر هو الإرادة التكوينية التي لا يتخلف المراد منها.
ثم إنّ هناك طريقاً آخر لا مجال للتفصيل فيه هنا، ولكن لا بأس بالإشارة إليه، وهو: لو سلمنا أنّ هذه الإرادة خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) وأنّها من التكاليف الخاصّة، فما هو السبب لهذا الإختصاص؟ إذ لابد من ميزة لهم في ذلك. والتأمل في هذه الميزة يقرب لك قولنا.

(1) التفسير الكبير 25: 209 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً)).
(2) لسان العرب 13: 31 مادة (أنن).




السؤال: (إنما) جاءت للحصر لا للتعليل
سؤال حول إشكال على آية التطهير، أشكل به علينا أحد العلماء من أهل السنة، وحاصله أنّه ما المانع من حمل كلمة (إنّما) الواردة في آية التطهير على التعليل لا على الحصر، وذلك نحو قولك: ((كل يا ولدي، انّما أريد أن تقوى وتصح))، بمعنى آمرك بالأكل لأنّي أريدك أن تقوى وتصح، فما المانع أن (إنّما) في قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ï´¾ (الاحزاب:33)، هي لا للحصر كما ندعي نحن الشيعة بل للتعليل.
وذلك، لأنّ (إنّما) إذا كانت للتعليل هنا، بطل استدلالنا بها على حصر التطهير بأهل البيت، وتعين إدخال نساء النبيّ معهم، وبذلك يبطل كون الارادة الواردة في الآية تكوينية،ويتم الجمع بين السياق وبين الروايات التي فسرت أهل البيت بأصحاب الكساء، وذلك لأنّ الأصل في الكلام هو جمع القرائن الداخلية والخارجية مع السياق، لأنّ الجمع مع التمكن أولى من العدول عن السياق، فإن تعذر الجمع قدمنا القرائن على دلالة السياق.

الجواب:
لا يمكن حمل (إنّما) على التعليل، لما نص عليه علماء اللغة من كونها أوضح أدوات الحصر.
نعم، أقصى ما يمكن أن يدّعى أنّها تحصر العلّة، كما في المثال الذي ذكره المستشكل ((كل يا ولدي إنّما أريد أن تقوى وتصح))، فمن الواضح أنّ (إنّما) جاءت هنا أيضاً للحصر ولكن لحصر العلة وسبب الأمر بالأكل فحصرت الإرادة بالقوة والصحة.
ولو قال: ((إنّما أريد يا ولدي أن تقوى وتصح))، لأصبح في قوله قصران، قصر الإرادة بالقوة والصحة وحصرها بولده، وهذا الذي جاء في آية التطهير ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾، فإنّ فيها قصران، قصر الإرادة، وأنّها خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام).
هذا ولا دخل لمعنى (إنّما) بمفرها في تعين المراد من أهل البيت، وإنّما لها دخل في تعيين المراد من الإرادة، وانّها التكوينية، سواء قلنا بان معنى (إنّما) للحصر أو لحصر العلّة، وسواء قلنا أنّ أهل بيت يشمل النساء أو لا، لأنّ الحصر عموماً لا يتوافق مع التشريع العام.
إذ يأتي السؤال: بأنّ إرادة التطهير التشريعية شاملة لكلّ الناس، فلمّا خصت هذه الارادة هنا بأهل البيت، حتى لو شمل النساء؟
ولكن لا يخفى أنّ هذا كلّه فيما لو ثبتت وحدة السياق وهي لا تثبت قطعاً، إذ من الواضح أنّ الروايات الصحيحة المستفيضة في سبب النزول تنص على أنّ هذا المقطع من الآية نزل وحده، إضافة إلى دلالة الآية على العصمة المخرجة للنساء.






السؤال: الفرق في معنى (التطهير) في الآية عن معناه في بقية الآيات
سؤالي يدور حول آية التطهير، فأبناء السُنّة يقولون: إنّ الآية كانت عادية، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة، واستدلّوا بقوله: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾ (الأنفال:11)، ويقولون: إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين، كما سبق في آية التطهير، فما الفرق بين الآيتان.
الجواب:
إنّ التطهير في قوله: ï´؟ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ ï´¾، وكذا في قوله: ï´؟ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِّن حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ ï´¾ (المائدة:6)، يختلف عنه في قوله: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33).
لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين، والمقصود منه فيهما رفع الحدث، سواء الوضوء كما في آية المائدة، أو الجنابة كما في آية الأنفال.
أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير، منها:
1- أداة الحصر ï´؟ إِنَّمَا ï´¾ فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير.
2ـ كلمة ï´؟ أَهلَ البَيتِ ï´¾ سواء كان لمجرد الإختصاص أو مدحاً أو نداءً يدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله: ï´؟ عَنكُمُ ï´¾.
ففي الآية في الحقيقة قصران: قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت(عليهم السلام).
3- قوله: ï´؟ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ يدلّ على العصمة، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية.
4- اللام في كلمة ï´؟ الرِّجسَ ï´¾ لام الجنس، والمراد من الرجس كلّ ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة.
ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية، كالغسل والوضوء، أمّا في هذه الآية، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة، كما في الآيات الأُخريات.
وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها، وهي ما نسمّيه بالعصمة، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية، كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه.
وأدلّ دليل على مدّعانا، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح ـ كمسلم وغيره ـ من تطبيق النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية بدقّة عالية، من جمع أهل البيت(عليهم السلام) المخصوصين بالعصمة معه، ووضعه الكساء عليهم، وعدم إدخال أحد معهم، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها، مع مكانتها وتقواها، وبيّن اختصاص أهل البيت(عليهم السلام) بهذه الآية مع طلبها الشديد، وأخذها الكساء، فهي تخبرنا بأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جذب منها الكساء، وقال لها: (ابق إلى مكانك إنّك إلى خير)، وفي رواية: (أنت من أزواج النبيّ)، مع ما يحمله النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من خُلق عظيم، وعدم ردّ طلب أيّ أحد، ناهيك عن نساءه، بل أعزّ واتقى نساءه في زمانها ـ أي بعد خديجة ـ ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.
ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء، ودعا ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فأين هذه الآية من تلك؟





السؤال: معنى الرجس في آية التطهير
قوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33)، هل هذا الرجس معنوي أم مادي أم كلاهما؟
الجواب:
الرِجس - بالكسر فالسكون - صفة من الرجاسة, وهي القذارة, والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها, وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير, قال الله تعالى: ï´؟ أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ ï´¾ (الأنعام:145).
وبحسب باطنه: وهو الرجاسة والقذارة المعنوية, كالشرك والكفر وأثر العمل السيء, قال الله تعالى: ï´؟ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ ï´¾ (التوبة:125)، وقال الله تعالى: ï´؟ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ ï´¾ (الأنعام:145).
وأيّاًً ما كان؛ فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالإعتقاد الباطل أو العمل السيء وإذهاب الرجس - واللام فيه للجنس - إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الإعتقاد والعمل، فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الإعتقاد وسيء العمل(1).
فالقرآن إذن يستخدم الرجس في الدلالة على القذارة المادية, كما يستعملها في الأمور المعنوية أيضاً، فلحم الخنزير هو من مصاديق الرجاسة المادية, والكفر من المصاديق المعنوية أي من مصاديق الرجس والقذارة الباطنية.
ومن الجدير بالذكر أنّ قوله تعالى: ï´؟ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ ï´¾ عامٌ شامل في إذهاب الرجس, وذلك لما تفيده (ال) في الرجس من العموم والشمولية, إذ هي إمّا أن تكون للجنس أو للإستغراق.
ولم يتقدم ذكر أو إشارة إلى الرجس في الآيات السابقة حتى تكون (ال) حينئذ عهدية, وهذه الشمولية تعني نفي الرجس عن هؤلاء البررة نفياً عاماً شاملا ً لجميع مستويات الرجس, فكلّ رجس وكلّ قذارة قد أذهبها الله تعالى عن هؤلاء البررة، وهو معنى العصمة.

(1) انظر: تفسير الميزان 16: 312 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ )).




السؤال: دلالة آية التطهير على عصمة الأئمة الإثني عشر(عليهم السلام)
كيف نثبت عصمة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من خلال آية التطهير، مع العلم أنّها نزلت بأصحاب الكساء الخمسة ولم تشمل باقي الأئمة(عليهم السلام)؟
الجواب:
أولاً: يمكن بيان قاعدة أصولية يذكرها علماء الأصول في كتبهم والمفسرون في تفاسيرهم، وهي: (أنّ المورد لا يخصص الوارد), أو (انّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب), بمعنى أنّ المورد الذي تنزل فيه آية ما فيها حكم معين أو إخبار عن قضية ما أو قاعدة كلّية لا يمنعها - أي المورد - عن العموم أو الشمول لما يمكن أن يدخل تحت عنوانها العام، وإن لم يكن حاضراً ساعة نزول النص, وإلاّ لأقتصرت الأحكام الشرعية أو الأخبار العامّة أو القواعد الكلّية الواردة في أيات القرآن على خصوص المخاطبين بها، وهذا ممّا لا يمكن المصير إليه.
ثانياً: نقول: إنّ عنوان (أهل البيت) شامل حسب أدلة خارجية متظافرة لباقي الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)، الوارد عددهم في الحديث المشهور عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)(1).
ومن تلك الأحاديث, حديث الثقلين المتواتر المشهور, حيث نجد أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر بشكل واضح أنّ التلازم بين القرآن والعترة (أهل البيت) متواصل إلى يوم القيامة, الأمر الذي يعني وجود أئمة غير الخمسة أصحاب الكساء هم من أهل البيت, وداخلون في عنوان أهل البيت المشار إليه في آية التطهير, فقد قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين (إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر, كتاب الله وعترتي, فأنظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(2)، وأيضا قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي, ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً من بعدي, وليوال وليه, وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي, خلقوا من طينتي, رزقوا فهمي وعلمي, فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي, القاطعين فيهم صلتي, لا أنالهم الله شفاعتي)(3), وأيضاً ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (في كلّ خلوف من أمتي عدول من أهل بيتي, ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين, وإنتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين, ألا وإنّ أئمتكم وفدكم إلى الله عزّوجلّ, فانظروا بمن تفدون)(4).
ثالثاً: على أنّا لا نحتاج في تشخيص بقية المعصومين إلى أكثر من معصوم واحد يكون لنا المرجع في تعيين غيره, لأنّ عصمته تعين تنزهه عن المناحي العاطفية, أو الخطأ في التطبيق، كما هو واضح, ويكفينا من آية التطهير إثبات عصمة الخمسة الذين ضمّهم كساء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالفعل, وهم بدورهم يعينون لنا المعصومين من بعدهم, وهذا ما حدث بالفعل فقد جاءت مئات النصوص عن المعصومين بعضهم عن بعض في تعيين الإمام السابق للإمام اللاحق من بعده, فهنالك أحاديث نبوية ذكرها علماء العامة في كتبهم كـ(ينابيع المودة), و(تذكرة الخواص) بالإضافة إلى المجاميع الحديثية عند الشيعة الإمامية التي ذكرت هذا الأمر بكلّ وضوح, وعلى سبيل المثال يمكن مراجعة كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد، و(أعلام الورى) للطبرسي، لتطلع على جملة من هذه الأحاديث.

(1) صحيح مسلم 6: 4 كتاب الإمارة، باب ((الناس تبع لقريش والخلافة في قريش)).
(2) مستدرك الصحيحين 3: 109 ((وصية النبيّ في كتاب الله وعترة رسوله)).
(3) كنز العمال 12: 103 الباب الخامس ((في فضل أهل البيت، الفصل الأوّل)).
(4) ذخائر العقبى: 17 ((ذكر أخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّهم سيلقون بعده أثرة)).



يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:55 PM
السؤال: هل يدخل في الآية الأئمة التسعة من ولد الحسين(عليه السلام) وهل حديث الكساء يخرجهم
كيف حالكم سادتي، أتمنى أن تصل رسالتي وأنتم بأفضل حال، بارك الله فيكم ووفقكم، هذه مجموعة مداخلات متفرقة جرت بين طرفين أتمنى الجواب عليها على أساس هذه الشروط؛ وهي كالآتي:
الاستدلال يكون من الكتاب والسُنّة الصحيحة ولا فرق أن كانت صحيحة عند أهل السُنّة أو الشيعة، وأن لا تخرج عن الموضوع، بحيث أن تناقش آية آية، ودليل دليل، وحديث حديث، حتى لا يتشتت الموضوع ونستفيد منه بإذن الله، هذه هي الشروط.
وهي كالآتي:
*************************
البحث في آية التطهير، من أهم البحوث، حيث أشبع المحققون والباحثون من الشيعة والسُنّة البحث فيها، ومنهم من ألف كتباً في هذا الموضوع، ولكن موضوعي الذي سأطرحه يختلف نوعاً ما، وهو بعنوان آخر:
ما هو الدليل على دخول التسعة من أولاد الحسين رضي الله عنهم في آية التطهير؟ أو ما هو الدليل على دخولهم في مصطلح أهل البيت المطهّرين؟
أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، عن أُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: (هؤلاء أهل بيتي). قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط البخاري(1).
وقال أيضاً السيوطي في الدر المنثور: وأخرج أيضاً الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: في بيتي نزلت الآية... وفي البيت فاطمة وعليّ والحسن والحسين فجلّلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا)(2).
وقال أيضاً الآبي في شرحه لصحيح مسلم المسمى إكمال إكمال المعلم(3) ما نصه: الآية تدلّ على أنّ المراد بأهل البيت هؤلاء المعظمون... الى أن يقول: وقال الجمهور: والمراد من أدخلهم معه المرط لا غير لأحاديث وردت...
وعلى هذا فإنّي عندما قلت: أنّ كثيراً من علماء أهل السُنّة قالوا بأنّ الآية نزلت في الخمسة، هو قول الآبي في كتابه إكمال إكمال المعلم.
فلنذهب الآن إلى كتب الشيعة ونقوم بإخراج حديث الكساء، منها:
روى الكليني في الكافي بسند صحيح في باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة(عليهم السلام) واحداً فواحد، ما نصه: عن أبي عبد الله(عليه السلام) - والحديث طويل إلى أن يقول -: لكن الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الآية،... فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثم قال: (اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي)(4).
والآن بعد أن أخرجنا حديث الكساء من كتب السُنّة والشيعة بأسانيد صحيحة، نستنتج ما يلي:
1- إنّ آية التطهير نزلت في الخمس فقط.
2- إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام جلّلهم بالكساء، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي)، وأخرج أُمّ سلمة من الكساء رضي الله عنها.
3- إنّ أبا عبد الله رضي الله عنه أخرج التسعة من مصطلح أهل البيت، وبين أنّ الآية نزلت في الخمسة فقط، وأنّها لا تخص التسعة من أولاد الحسين رضي الله عنهم.
إذاً نستنج أنّ الرسول أراد أن يبيّن للأمّة من هم أهل البيت المطهّرين، أراد أن يجعل في إعتقاد كلّ صحابي وكلّ مسلم أنّ هؤلاء هم أهل البيت فقط، أراد أن يحصر مصطلح أهل البيت المطهّرين الشرعي في أهل الكساء لأنّه خاص بهم، أراد أن يوضح للأمّة أنّه عندما يقول أهل البيت فالمراد بهم هم الخمسة، لا غيرهم.
وسؤالي هو: ما هو الدليل على دخول التسعة في مصطلح أهل البيت؟ وما هو الدليل الذي جعلهم من أهل البيت المطهّرين؟ وإذا كانوا من أهل البيت المطهّرين، لماذا لم يقل الرسول في حديث الكساء: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ومعهم تسعة من أولاد الحسين!!؟ ولماذا أخرج الإمام جعفر الصادق التسعة من الآية ومن مصطلح أهل البيت المطهّرين؟
والمراد من سؤالي هذا: أنّه لا دليل على دخول التسعة في مصطلح أهل البيت، لأنّه خاص بالخمسة فقط.
*************************

وهذه فقرات من مداخلة اخرى..
*************************
والرد على هذه الشبهات
ثانياً: إذاً ولله الحمد أننا متّفقون على أنّ مصطلح أهل البيت خاص بالخمسة، بدليل حديث الكساء وتجليل الرسول عليه الصلاة والسلام لهم، وهذا طبعاً هو قول جميع علماء الشيعة وجمهور أهل السنة، كما نقلت أنا وكما نقلت أنت مشكوراً.
ثالثاً: أراك شيخنا أدخلت التسعة في مصطلح أهل البيت المطهّرين، وكان دليلك فقط حديث الثقلين، إذاً استنتج أنّ دليلك في دخول التسعة رضي الله عنهم هو حديث الثقلين الصحيح الذي أجمع الشيعة على صحته وجل علماء السُنّة على صحته، ولنا بإذن الله وقفات مع دليلك شيخنا، وهي كالآتي:
1- كان إعتمادك على دخول التسعة في أهل البيت هو لفظة وعترتي أهل بيتي، وللعلم! إنّ الحديث الصحيح في مسلم المقدم على باقي الأحاديث كان به لفظة (أهل البيت) من غير العترة، فهذا دليل على أنّ المراد بأهل البيت هم الخمسة الذين خصص لهم الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المصطلح دون غيرهم، سواء كانوا في زمانهم أم في غير زمانهم، ومع هذا حتى لو تواترت لفظة (وعترتي أهل بيتي)، إذاً نطمئن أنّ لفظة العترة المراد منها الخمسة فقط، وهذا معلوم عند أهل اللغة، حيث أنّ العترة لا تخص فقط الأبناء وإنّما أيضاً تخص الأقرباء، فيدخل معهم الإمام عليّ رضي الله عنه، ونحصر فقط الإمام عليّ دون غيره بلفظة أهل البيت بدليل حديث الكساء، إذاً كلامك يقوي كلامي شيخنا العزيز.
2- قولك: ((إنّه لو كانوا موجودين (التسعة) في زمان الرسول لأدخلهم الرسول مع الخمسة)) يحتاج إلى دليل قوي، فهذا شيخنا العزيز قول مردود بالأدلة القوية، حيث أنّ الكلّ متّفق على أنّ الرسول أخبر ببعض الأمور الغيبية عن طريق إخبار الله سبحانه وتعالى له، فلو كان الرسول يريد التسعة من أولاد الحسين لأخبر عن طريق الغيب، وقال أيضاً: تسعة من أولاد الحسين، لا أن يحصر الرسول مصطلح (أهل البيت) في الخمسة فقط، حيث أنّه لو جاء شخص وادعى أنّه من أهل البيت المراد بهم بالمصطلح الشرعي الذي خصصه الرسول، لقلنا له غير صحيح، لأنّ الرسول حصر هذا المصطلح بالخمسة فقط دون غيرهم.
3- شيخنا الكريم؛ إنّ ابن حجر لم ينفرد بهذا الكلام، فقد قال السمهودي والمناوي نفس كلامه تقريباً مع إختلاف الألفاظ وتوافق المعنى، وكان إعتمادهم على هذا الكلام هو لفظة (ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فهذه اللفظة فيها نظر، لأنّه لا دليل فيها على وجود رجل من أهل البيت في كلّ زمان ومكان ومتأهل منهم لحفظ السنة، فالمراد من لفظة (لن يفترقا) هو أنّ تراث وسُنّة أهل البيت(عليهم السلام) التي ينقلونها عن الرسول موجودة ومحفوظة في كلّ زمان، كما أنّ القرآن محفوظ وموجود في كلّ زمان، لا أنّه أنّ هناك رجلاً منهم في كلّ زمان ومكان.
وبمعنى آخر: بما أنّ القرآن موجود إذاً سُنّة أهل البيت موجودة، وبما أنّ القرآن موجود إذاً أحاديث أهل البيت موجودة، وبما أنّ القرآن موجود إذاً عقيدة أهل البيت موجودة، وبما أنّ القرآن موجود إذاً فقه أهل البيت موجود، وبما أنّ القرآن موجود إذاً أخلاق أهل البيت موجودة، فهذا هو المعنى لهذا الحديث، وإذاً هذا الحديث يقوي قولي؛ أنّ مصطلح (أهل البيت) خاص بالخمسة دون غيرهم من أقرباء الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عن أهل بيته الكرام.
4- أمّا تعليقك شيخي الكريم على كلامي، عندما نقلت قول الإمام جعفر الصادق(رضي الله عنه)، فإنّ كلامي صحيح.
وأمّا قولك: إنّ الإمام الصادق كان بصدد تبيين حادثة الكساء، صحيح، فبهذا أيضاً يتقوى قولي، لأنّ الإمام الصادق لم يقل ونحن معهم، بل خصص هذا المفهوم للخمسة فقط دون غيرهم، بل في قوله تصريح واضح وجليّ على أنّ مصطلح (أهل البيت) خاص بالخمسة دون غيرهم.
الخلاصة: نقول: إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبيّن للجميع من الصحابة والمسلمين مصطلح (أهل البيت) عن طريق تجليل الخمسة بالكساء، وهذا والله فعل لا يفعله إلاّ رجل عظيم ورجل كبير ورجل مسدد من قبل الله، حيث أنّه بيّن لنا من هم آل البيت، من هم عترته، من هم المراد بهم بحديث الثقلين.
فعندما يأتي أحد من السُنّة ويقول: أنّ النساء معهم أيضاً، نقول له: قف لو سمحت إنّ الرسول حصر هذا المصطلح بالخمسة فقط دون غيرهم، وإدخال النساء معهم يحتاج إلى دليل قوي لإدخالهم، وإذا جاء أحد من الشيعة وقال: أنّ التسعة أيضاً من أهل البيت المطهّرين، نقول له: قف لو سمحت فأنت تحتاج إلى دليل قوي لإدخالهم، فإنّ الرسول بين من هم أهل البيت بدليل حديث الكساء، ولو أراد أن يدخل الرسول معهم التسعة، لقال أيضاً؛ وتسعة من أولاد الحسين. فلله درك يا رسول الله، ولله درك يا حبيب الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك الكرام.
*************************
وهذه أيضا فقرات من مداخلة أخرى:
*************************

الوجه الأوّل: قولك: أنّي زعمت أنّ حديث الثقلين الذي في مسلم مقدّم على باقي الأحاديث!!
فأقول: نعم، إنّه مقدّم، لأنّ صحيح مسلم ثاني أصح الكتب عند أهل السُنّة بعد البخاري، ولكن هناك من أهل العلم من فضله على صحيح البخاري، فرحم الله الإمام البخاري والإمام مسلم وجزاهم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
الوجه الثاني: شيخنا العزيز، لم أقل أنّ (وعترتي أهل بيتي) لم تصدر من الرسول، فأنا قلت: لا فرق عندي بينها وبين لفظة (وأهل بيتي)، وإليك كلامي شيخنا العزيز في مداخلتي السابقة: ((ومع هذا حتى لو تواترت لفظة وعترتي أهل بيتي، إذاً نطمئن أنّ لفظة العترة المراد منها الخمسة فقط، وهذا معلوم عند أهل اللغة، حيث أنّ العترة لا تخص فقط الأبناء، وإنّما أيضاً تخص الأقرباء فيدخل معهم الإمام عليّ رضي الله عنه، ونحصر فقط الإمام عليّ دون غيره بلفظة (أهل البيت) بدليل حديث الكساء، إذاً كلامك يقوي كلامي شيخنا العزيز)). وهذا هو كلامي فتدبّر بارك الله فيك.
الوجه الثالث: وأمّا قولك شيخنا الكريم: ((فالحقّ أنّه لا دليل عندك على عدم شمول مفهوم أهل البيت لغير أصحاب الكساء)).
فأقول: نعم لدي الدليل على هذا الكلام، لأنّ الرسول عندما جلّلهم بالكساء قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي)، ولو أراد الرسول التسعة لقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ومعهم تسعة من أولاد الحسين رضي الله عنه وعنهم.
الوجه الرابع: أمّا قولك شيخنا الفاضل: ((إنّ محاولتك تخصيص لفظة (عترتي) الواردة في حديث الثقلين بأصحاب الكساء كما خصصت مفهوم (أهل البيت) من قبل بهم عليهم الصلاة والسلام دون غيرهم، باطلة، وغير صحيحة، ولا مستندة إلى دليل)).
فأقول: نعم هي بدليل، وبينت لك سابقاً أنّ مصطلح (أهل البيت) الشرعي خاص بالخمسة، حيث أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام هو من أطلق عليهم هذا المصطلح، فيخرج التسعة من هذا المصطلح ويدخلون مجازاً لا شرعاً في مصطلح أهل البيت.
الوجه الخامس: وأمّا قولك شيخنا الحبيب العزيز: ((وقولك أنّ المراد بـ (لن يفترقا): أن تراث أهل البيت وسُنّة أهل البيت التي ينقلونها عن رسول الله موجودة ومحفوظة في كلّ زمان، كما أنّ القرآن محفوظ وموجود في كلّ زمان...الخ، فهو ترجيح بلا مرجح، لأنّه كما يحتمل هذا يحتمل ما قلناه، وما قاله قبلنا البعض من علماء أهل السنة، من أنّ حديث الثقلين يدلّ على وجود شخص من أهل البيت بذاته مع القرآن الكريم إلى يوم القيامة، فترجيحك لرأيك - حسب ما يظهر لنا - أنّه بلا مرجح، فما هو يا ترى الدليل المرجح الذي اعتمدت عليه لترجيحك رأيك على رأينا؟)).
فأقول: بالله عليك هل اعتمدت على الدليل على أنّه يجب أن يكون هناك رجل من أهل البيت في كلّ زمان ومكان، أم أنّك اعتمدت على الظن؟
وأقول أيضاً: إنّ لفظة (ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) لها عدّة معاني.
فأنت تقول أنّه يجب أن يكون رجل من أهل البيت في كلّ زمان ومكان، وأنا أقول لا طبعاً، وهذا مستحيل! لأنّ هذه اللفظة يمكن أن تعني أيضاً، أنّه بما أنّ القرآن محفوط فسُنّة أهل البيت محفوظة، وبما أنّ القرآن موجود فسُنّة أهل البيت موجودة، وبما أنّ القرآن موجود فعقيدة أهل البيت موجودة، وبما أنّ القرآن موجود ففقه أهل البيت موجود.
وبمعنى آخر واضح: بما أنّ القرآن مجموع وموجود بين أيدي المسلمين فسُنّة أهل البيت موجودة محفوطة بين أيدي المسلمين.
بعد أن انتهيت من تبيين بعض الأمور التي غابت عنك شيخنا الكريم، سأقوم الآن بالرد على الأدلة والأحاديث التي وضعتها:
الحديث الأوّل الذي عند الصفار: (لمّا نزلت ï´؟ يَومَ نَدعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِم ï´¾ (الاسراء:71)، قال: فقال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلّهم أجمعين؟ فقال: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيكذَّبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا ومن والاهم واتبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذّبهم فليس منّي ولا معي وأنا منه بريء)(5). سأقوم الآن بإذن الله بمناقشة متن الحديث:
أوّلاً: ليس المراد من الآية هم الأئمة التسعة، وأين الدليل على أنّهم هم الأئمة التسعة فقط؟ وأين الدليل على دخول الإمام عليّ والحسن والحسين في هذه الآية؟ أو أين الدليل على أنّها نزلت بهم؟
ثانياً: لاحظ لفظة (أئمة.. من أهل بيتي)، فلماذا لا تقول أنّ المراد بهم هم الإمام عليّ والحسن والحسين رضي الله عنهم فقط؟ ولماذا أدخلت التسعة معهم؟ وبأي دليل أدخلتهم شيخنا الفاضل؟
ثالثاً: لقد أورد المفسرون عدّة أقوال في تفسير آية ï´؟ يَومَ نَدعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِم ï´¾، ولم يقتصروا على إيراد تفسير واحد.
ومن التفاسير التي يطمئن لها قلبي، هو القول أنّ المراد من الأئمة في هذه الآية؛ هي الكتب التي نزلت على كلّ أمّة مثل التوراة والإنجيل والقرآن، والدليل تكملة الآية ï´؟ ... فَمَن أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ... ï´¾، ولا يمكنك شيخنا أن تجعل هذه الآية هي خاصّة بالأئمة، لأنّ لفظة الإمام لها عدّة معاني في القرآن، ولا أريد أن أطيل في بحث هذه الآية لأنني سوف أخرج عن موضوعنا.
الحديث الثاني: كتابه الآخر (معاني الأخبار)، قال: ((حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني - رضي الله عنه - قال: حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين(عليهم السلام)، قال: سُأل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن معنى قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟) فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم، حتّى يردوا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوض))(6). وسأقوم أيضاً بمناقشة متن هذا الحديث شيخنا العزيز:
أوّلاً: هذا الحديث به جريمة عظمى وكبرى، ألا وهي إخراج الزهراء بالدرجة الأولى من مصطلح (أهل البيت)، وإخراجها أيضاً بالدرجة الثانية من حديث الثقلين، أحلفك بالله، ألم يجلّل الرسول الزهراء، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي)؟ ألم تكن الزهراء تحت الكساء؟ أليست الزهراء من أهل البيت المطهّرين؟ ألا تدخل الزهراء في حديث الثقلين؟ وهل كلام الزهراء حجّة أم لا؟
فأقول يا شيخنا العزيز: هذا الحديث يسقط لأنّه يخرج الزهراء، والزهراء طبعاً تدخل في مصطلح أهل البيت بدليل حديث الكساء، فتدبّر بارك الله فيك.
الحديث الثالث: والصحيحة التي رواها العلاّمة الكليني في (الكافي)، قال: ((علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: (إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا)) )(7). وسأقوم أيضاً بمناقشة متن هذا الحديث شيخنا الكريم:
من الذي طهّرهم الله وعصمهم في هذا الحديث، أليس هم الخمسة فقط؟
وإذا قلت أيضاً التسعة يدخلون، فأقول لك: أين الدليل شيخنا الكريم؟ أليس كلام الإمام عليّ واضح وجليّ، أنّ المراد من أهل البيت هم الخمسة فقط؟ أليس هذا دليل، أنّ هذا الحديث خاص بالخمسة؟
فإذا قلت: لا، فسأقول لك: أليس الذين طهّرهم الله في آية التطهير هم الخمسة؟
فإن قلت: نعم، إذا تقول بمثل ما نقول، أنّ مصطلح أهل البيت خاص بالخمسة دون غيرهم، وإن قلت: لا، قلنا لك شيخنا: هات الدليل؟
الحديث الرابع: والصحيحة التي رواها العلاّمة الصفار في (بصائر الدرجات)، قال: ((حدّثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّا نجد الشيء من أحاديثنا في أيدي الناس، قال لي: لعلك لا تدري أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنال وأنال، ثم أومأ بيده عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه، {وقال:}(وإنّا أهل البيت عندنا معاقل العلم وضياء الأمر وفصل ما بين الناس) ))(8). وسأقوم أيضاً بمناقشة متن الحديث شيخنا الفاضل:
بالله عليك شيخنا هل يصمد هذا الحديث أمام الحصر الذي قام به الرسول عندما قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي)؟ هل يخالف الإمام الصادق الرسول، ويقول؛ أنا من أهل البيت، والرسول خصص هذا المصطلح بالخمسة؟ فكيف الإمام الصادق يقول وإنّا أهل البيت، والرسول لم يطلق عليه وعلى التسعة رضي الله عنهم هذا المصطلح؟
يمكن أن يقال؛ أنّ الإمام الصادق كان يقصد أنّه من أهل البيت مجازاً وليس شرعاً، لأنّه أخذ علومه من أجداده أصحاب الكساء المراد بهم بأهل البيت المطهّرين.
الحديث الخامس: حسب ما ورد عنه في الرواية الصحيحة التي رواها العلاّمة الصفار في (بصائر الدرجات صفحة 382)، قال: (حدّثنا محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن ذريح بن يزيد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، فنحن أهل بيته). سأقوم أيضاً بمناقشة متن هذا الحديث شيخنا الكريم:
الإمام الصادق هنا بين حديث الثقلين، ولكن أسالك: من قائل الزيادة فنحن أهل بيته؟ هل هو الرسول أُمّ الإمام الصادق؟ وإذا كان الرسول أين الدليل؟ وإذا كان الإمام الصادق، فأقول: كيف الإمام الصادق يجتهد أمام النص الصريح الواضح؟ ألم يقل الرسول في حديث الكساء عن الخمسة (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي)، فلماذا الإمام الصادق يدخل نفسه في مصطلح أهل البيت والرسول أخرجه؟
بعد أن انتهينا شيخنا من مناقشة متون الأحاديث، أنتقل إلى مناقشة بعض أقوالك، كما وضعتها في مداخلتك:
قلت شيخنا: ((أمّا بخصوص ما ادّعيته على الإمام الصادق(عليه السلام) من أنّه حصر مفهوم أهل البيت في أصحاب الكساء، فليس بصحيح، فكما ذكرت لك سابقاً أنّ الإمام(عليه السلام) إنّما كان بصدد رواية حديث الكساء)).
أقول: نعم الإمام الصادق حصر مصطلح أهل البيت في الخمسة فقط ولم يقل أنّه معهم، والحديث الذي نقلته أنا من الكافي، الصحيح السند، يناقض الحديث الذي نقلته أنت، الذي يقول به الإمام الصادق: (فنحن أهل بيته)!!
قلت شيخنا: ((أنّه قد تبين من كلّ ما أوردناه، أنّ مفهوم أهل البيت في آية التطهير لا يختص فقط بأصحاب الكساء، وإنّما يندرج تحته الأئمة التسعة من ولد الحسين(عليهم السلام))).
أقول: لا، لم يتبين شيخنا الكريم، فقد بينت لك متون الروايات التي نقلتها أنت، وبينت لك أنّها لا تصمد أمام حديث الكساء الذي خصص مصطلح أهل البيت في الخمسة فقط.
وأمّا سؤالك: ((بناء على رأيك أنّ مفهوم أهل البيت خاص بأصحاب الكساء، فيا ترى ما هو السبب الذي جعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخص هذا المفهوم بهؤلاء؟ هل هناك سبب ما؟)).
نعم شيخنا، السبب هو أنّ الرسول أراد أن يبيّن من هم أهل البيت المراد بهم بحديث الثقلين، حيث أنّه لو أتى شخص وادعى أنّه من أهل البيت، فنقول له كلامك مردود فالرسول حصر هذا المصطلح في الخمسة فقط دون غيرهم.
وأعيد وأكرر أسئلتي شيخنا الكريم:
1 - ما هو الدليل على دخول التسعة في مصطلح أهل البيت المطهّرين؟
2- لماذا الرسول حصر مصطلح أهل البيت في الخمسة فقط؟
3- لو كان الرسول يريد التسعة معهم، لماذا لم يقل؛ وتسعة من أولاد الحسين معهم؟
الخلاصة: أريد أن أبين شيخنا الحبيب، أنّ حديث الكساء بيّن من هم أهل البيت، فالرسول(صلّى الله عليه وسلّم) حصر هذا المصطلح بالخمسة فقط دون غيرهم، وعندما جلّلهم الرسول بالكساء.. فهذا دليل على عظمة الرسول وأنّه مسدد من قبل الله، حتى لا يأتي أحد ويقول أنا من أهل البيت المراد بهم في حديث الثقلين، حتى لا يأتي سنّي ويدخل النساء في مصطلح أهل البيت، وحتى لا يأتي شيعي ويدخل التسعة في مصطلح أهل البيت.
*************************
ومن مداخلة أخرى:
*************************
الوجه الأوّل: سأقوم الآن شيخنا الكريم بوضع حديث الكساء مرّة أخرى، حتى تتبين لك الصورة، وتتخيل فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، لكي يتضح لك قولي، وماذا أريد أكثر فأكثر، فاصبر فإنّ في الصبر فائدة.
(أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين عن أُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33)، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهل بيتي).
أنظر شيخنا وتدبّر! فإنّ الرسول أطلق مصطلح أهل البيت على هؤلاء الخمسة فقط، وعندما أقول أنّه أطلق عليهم هذا المصطلح شرعاً وليس مجازاً، فعندما تأتي وتقول أنّ التسعة منهم، فبأي دليل؟ ومن سمح لك شيخنا العزيز؛ أن تأتي بأحاديث تخالف هذا الحديث وتدخل التسعة معهم؟
وأنظر شيخنا الكريم إلى حديث الكساء، هذا الذي أخرجه الكليني عن الإمام الصادق ((روى الكليني في الكافي بسند صحيح في باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة(عليهم السلام) واحداً فواحد، ما نصه: عن أبي عبد الله(عليه السلام) - والحديث طويل إلى أن يقول -: (لكن الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الآية، فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام)، فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثم قال اللّهمّ: إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي...) ))(9).
الله أكبر، أنظر شيخنا إلى كلام الإمام الصادق وهو يصف الخمسة بأنّهم هم أهل البيت، وأنّهم هم الثقل الثاني بعد القرآن، فلماذا تترك هذا الحديث الذي يحصر الخمسة فقط، وتذهب إلى الأحاديث التي تدخل التسعة؟
الوجه الثاني: لن أرد عليك شيخنا الفاضل بالنسبة لمسألة صحيح مسلم، حتى لا يتشتت الحوار ولا يتوسع، حرصاً منّي أن يكون الحوار ممنهجاً وفق الشروط التي وضعتها أنا ووافقت عليها أنت، ولكن أقول: لماذا ظلمتني شيخنا الكريم، ولماذا لم تعلق على كلامي هذا، لماذا تريد أن تبين للقارئ الكريم أنني رفضت الحديث بلفظة (وعترتي وأهل بيتي)، وسأنقل لك وللقارئ الكريم كلامي مرّة أخرى، حتى تتبين الصورة والحقيقة التي لم ينتبه لها القارئ، وسأحسن الظن فيك، وأقول: وأنت أيضاً.
وهذا هو كلامي: لو تواترت لفظة وعترتي أهل بيتي، إذاً نطمئن أنّ لفظة العترة المراد منها الخمسة فقط، وهذا معلوم عند أهل اللغه، حيث أنّ العترة لا تخص فقط الأبناء وإنّما أيضاً تخص الأقرباء، فيدخل معهم الإمام عليّ رضي الله عنه، ونحصر فقط الإمام عليّ دون غيره بلفظة أهل البيت بدليل حديث الكساء، إذاً كلامك يقوي كلامي شيخنا العزيز..، فهذا هو كلامي يا أستاذي الفاضل، فأنا لا أرفض هذه اللفظة، وإنّما أقر بها، فمالك كيف تحكم شيخنا الكريم!!
الوجه الثالث: قولك شيخنا الكريم: وقلنا أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّما حصر وقصر مفهوم أهل البيت في من جلّلهم، لأنّهم هم المصداق الوحيد لهذا المفهوم حينها، فيصح له أن يقول؛ أنّ هؤلاء أهل بيتي، ويريد بهم المصاديق الموجودة في زمانه، ولا إشكال في ذلك من حيث اللغة أو العرف.
لا، هناك إشكال طبعاً، وهو: أليس الرسول مسدد من قبل الله؟ أليس الرسول يعلم بعض الأمور الغيبية؟ ألم يكن عالماً بمسألة الإمامة؟
فلماذا الرسول لم يدخل التسعة مع الخمسة، ولو لفظاً لأنّهم غير موجودين وقتها في حديث الكساء، حتى يبيّن للأمّة من هم أهل البيت؟ لماذا الرسول لم يبيّن للأمّة أنّ التسعة أيضاً من أهل البيت المطهّرين حتى لا أختلف أنا وأنت؟
الوجه الرابع: قولك شيخنا الكريم: إنّ قولي: أنّ المراد ب- (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) يراد به عدم الإفتراق المادي، أعني وجود شخصية واحد من أئمة أهل البيت مع القرآن الكريم، إنّما أيدته بأدلة من الروايات تفيد، أنّ مفهوم أهل البيت أشمل ممّا تدعيه، وكانت تلك الروايات مجرد نماذج أتيت بها على عجالة من أمري، وعندي غيرها ممّا يفيد أنّ مفهوم أهل البيت يشمل غير أصحاب الكساء، أمّا أنت فلم تأت بدليل واحد تؤيد به أنّ المراد بـ (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) تراث أهل البيت وسُنّة أهل البيت التي ينقلونها عن رسول الله، وأنّها موجودة ومحفوظة في كلّ زمان، كما أنّ القرآن محفوظ وموجود في كلّ زمان.. فأين دليلك على ترجيح رأيك على رأينا؟ علماً أنّ رأيي قد وافقني عليه جماعة من علماء أهل السنّة...
أقول: أين هذه الأدلة التي أتيت بها؟ هل كانت أدلتك معارضة لحديث الكساء ولكلام الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أم لا؟
وأمّا قولك: ((لفظة (ولن يفترقا) يراد به عدم الإفتراق المادي))، تحتاج إلى دليل لإثباته، فكلام الرسول له أكثر من معنى، ممكن أن يكون المعنى الأوّل الذي ذكرته، ويمكن أن يكون المعنى الذي ذكرته أنا، ألا وهو: بما أنّ القرآن موجود فسُنّة أصحاب الكساء موجودة، وبما أنّ القرآن موجود فعقيدة أصحاب الكساء موجودة، وبما أنّ القرآن موجود ففقه أصحاب الكساء موجود.
وقد أعجبتني كلمتك التي ذكرتها وهي: ((ومع وجود مثل هذا الإحتمال يبطل الاستدلال))، وبما أنّك قلت: مع وجود هذا الإحتمال يبطل الاستدلال، فكذلك أنا أقول: بما أنّ إحتمالي موجود في أنّ القرآن وسُنّة أهل البيت لن يفترقا، فيبطل استدلالك على أنّه في كلّ زمان ومكان يجب أن يكون هناك إمام!!
الوجه الخامس: أمّا قولك عن الرواية التي تفسر ï´؟ يَومَ نَدعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِم ï´¾ (الأسراء:71).. ((بخصوص الرواية الأولى، فهي عندنا صحيحة ولا يوجد لها معارض، لا من الشرع ولا من العقل، فنحن نأخذ بها في تفسير الآية، وإختلاف المفسرين عندكم حول تفسير...)).
سأذكرك بكلامك مرّة أخرى، شيخنا الفاضل عندما قلت: ومع وجود مثل هذا الإحتمال يبطل الاستدلال، فالإمام شيخنا في القرآن الكريم له أكثر من معنى، وقد جاء الإمام بمعنى الكتاب، والدليل قول الله عزّ وجلّ: ï´؟ وَمِن قَبلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحمَةً ï´¾ (هود:17). أنظر شيخنا لقد سمى الله عزّ وجلّ التوراة إماماً، ومع وجود هذا الإحتمال شيخنا العزيز يبطل استدلالك أخي وحبيبي وقرّة عيني الشيخ التلميذ!!
الوجه السادس: أمّا قولك شيخنا الكريم: ((لا جريمة كبرى ولا شيء من ذلك، فالإمام عليّ(عليه السلام) فسّر المراد من العترة وأهل البيت في حديث الثقلين لا المراد من أهل البيت في آية التطهير، وحديث الثقلين هو النص الخاص بالأئمة من العترة الطاهرة الذين يتولون قيادة الأمّة من بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والزهراء(عليها السلام) ليست واحدة منهم)).
أقول: أين الدليل على أنّ الزهراء لا تدخل بحديث الثقلين؟ ولماذا الحديث هذا يخرجها من مصطلح أهل البيت والرسول أدخلها؟ وأين الدليل على أنّ حديث الثقلين خاص بالأئمة دون الزهراء؟ وأين الدليل على أنّ الزهراء ليست واحده منهم؟
وسأنقل لك حديث الإمام الصادق الذي يطلق على الزهراء ويقول عنها أنّها الثقل الثاني بعد القرآن، فهذا هو الحديث: روى الكليني في الكافي بسند صحيح في باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة(عليهم السلام) واحداً فواحد ما نصه: عن أبي عبدالله(عليه السلام) - والحديث طويل إلى أن يقول -: لكن الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الآية، فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثم قال اللّهمّ: (إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي...) (مرآة العقول الجزء الثالث ص 213)، لا أقول: إلاّ الله أكبر، الرسول يصف الزهراء بالثقل والحديث يقول وعترتي أهل بيتي، وهذا الحديث يخرجها من مصطلح أهل البيت ويجعلها ليست الثقل الثاني بعد القرآن!!
وأعيد وأكرر؛ فإنّ هذا الحديث به جريمة كبرى وعظمى في حقّ سيدة نساء العالمين رضي الله عنها وحشرنا الله معها.
الوجه السابع: أمّا قولك شيخنا الكريم: ((أمّا بخصوص الرواية الخامسة، فواضح أنّ القائل (فنحن أهل بيته) هو الإمام الصادق(عليه السلام) لأنّ الضمير في لفظة (بيته) راجع إلى النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والرواية أيضاً دليل صريح على أنّ مفهوم أهل البيت أعم ممّا تدعيه، وأنّ الإمام الصادق(عليه السلام) داخل تحت هذا المفهوم، ودعواك أنّ إدخال الإمام نفسه في مفهوم أهل البيت هو إجتهاد في مقابل النص باطل، لأنّ الحصر الموجود في النص الذي تدعي الإجتهاد في قباله إنّما للمصاديق الموجودة في زمان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا أنّها كلّ المصاديق، يكون النص مزعوم مدعى، ودعوى الإجتهاد في قباله، من الإمام الصادق كذلك))، إذا كان القائل هو الإمام الصادق فكيف يدخل نفسه في مصطلح أهل البيت والرسول حصره بالخمسة بدليل حديث الكساء؟! وكيف تقول أنّ الحديث يدلّ على أنّ مفهوم أهل البيت أعم، والرسول حصر هذا المصطلح؟ وأين الدليل أنّ كلامي باطل عندما قلت أنّ الإمام الصادق أدخل نفسه إجتهاداً مقابل النص؟ وهل يكون باطلاً لأنّه كان دليلي حديث الكساء؟ وأين الدليل أنّ الحصر كان في زمن النبيّ فقط؟ ولماذا الرسول حصر هذا المصطلح بالخمسة دون غيرهم؟ فتدبّر شيخنا الحبيب ولا تتسرع بالإجابه بارك الله فيك!
الوجه الثامن: وأمّا سؤالك شيخنا الكريم: ((ما هي الخصيصة التي امتاز بها عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) التي جعلت من الله عزّ وجلّ ورسوله يجعلانهم المصداق الوحيد لمفهوم أهل البيت دون غيرهم من أقرباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟)).
فأقول: عندما جلّلهم الرسول بالكساء كان هذا أمراً إلهياً، وهذا هو الدليل الذي جعلهم هم المصداق الوحيد لمصطلح أهل البيت، حيث أنّ أفعال الرسول حجه ولا يفعل فعلاً يخالف الأوامر الإلهية، فالإدعاء أنّ التسعة معهم يحتاج إلى دليل قوي وواضح جداً جداً لا يحتمل التأويل ولا يدخل به الإحتمال، شيخنا الكريم.
وبهذا انتهيت من الرد على أدلتك شيخنا الحبيب والكريم، أستاذنا الفاضل الشيخ التلميذ، والآن سأقوم بمناقشة ردودك على أسألتي، ولكي ترى ويرى القارئ الكريم هل وفقت في الإجابه عليها أم لا؟
إجابتك الأولى: ((أمّا جواب سؤالك الأوّل: فلقد ذكرنا لك مجموعة من الأدلة من الروايات، ومنها حديث الثقلين، ونقلنا لك من الروايات الصحيحة التي تخص مفهوم العترة وأهل البيت في هذا الحديث بعليّ والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين، ونقلت لك روايات صحيحة عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه أدخل نفسه في أهل البيت)).
أقول: الاستدلال بحديث الثقلين لا يكفي ولا يرد على حديث الكساء، بل استدلالك بحديث الثقلين ظنّي، وليس لك دليل به على دخول التسعة مع الخمسة، وأمّا مفهوم العترة وأهل البيت، نعم، هو خاص بالخمسة دون غيرهم، لأنّ الرسول هو من أطلق عليهم هذا المصطلح، وأمّا رواية إدخال الإمام الصادق لنفسه للحديث، فقد بيناها وقمنا بالرد عليها، فراجع بارك الله فيك.
إجابتك الثانية: ((أمّا جواب سؤالك الثاني: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حصر مفهوم أهل البيت في أصحاب الكساء، حتى لا يدخل فيه غيرهم ممّن هو موجود في ذلك الوقت من أقربائه أو غيرهم لأنّه لا يشملهم)).
أقول: أمّا قولك أنّ النبيّ حصر هذا المفهوم في وقته فقط، فأقول: يا شيخنا الكريم: هذا به مغالطة، بل الرسول حصر هذا المفهوم في زمانهم وفي غير زمانهم، وأنت تحتاج إلى دليل قوي تبين فيه أنّ الرسول لم يحصر هذا المصطلح بالخمسة فقط!
إجابتك الثالثة: ((أمّا جواب سؤالك الثالث: فيظهر من خلال هذا الرد، وبالتحديد في النقطة ثانياً)).
أقول: لم تجب، ولم تبين شيخنا.. فقد أبطلنا كلّ إجابة أجبتنا عليها، فراجع بارك الله فيك.
النقطة الأخيرة: أمّا الأدلة التي أتيت بها من كتب أهل السُنّة عن الإمام المهدي(عليه السلام)!
فأقول: هذه الأدلة والأحاديث، شيخنا كريم، تبين أنّ الإمام المهدي مجازاً وليس شرعاً من أهل بيت الرسول، حيث أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان بصدد تبيين حقيقة الإمام المهدي، كان بصدد تبين من هو الإمام المهدي، كان بصدد تبين أنّ الإمام المهدي يرجع نسله إلى أهل البيت، لا أنّه من أهل البيت المطهّرين المراد بهم بحديث الكساء، فكلّ الأحاديث التي ذكرتها تبين أنّه مجازاً من أهل البيت وليس شرعاً، وإن قلت أنّه من أهل البيت شرعاً، فتحتاج إلى دليل إلى إثبات كلامك، فالرسول أطلق المصطلح الشرعي على الخمسة فقط وفقط، ولازلت أقول أنّه لا دليل على دخول التسعة مع أهل البيت المطهّرين.
وأمّا قولك شيخنا الحبيب: ((وفي هذه الأدلة كفاية لبطلان زعمك الذي انفردت به ولم أجد لك متابعاً عليه - حسب تتبعي - من الأمّة، فهل تسلم أو تكابر.. الله يعلم!)).
فأقول: أنا لم أنفرد شيخنا بهذا الرأي، حيث أنّ العلماء اختلفوا في مصطلح أهل البيت، فمنهم من قال النساء فقط، ومنهم من قال الخمسة فقط، ومنهم من توسع وقال هم كلّ بني هاشم، ومنهم من قال هم آل عليّ وآل عقيل... وغيرهم، بدليل حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، فأنا أتبنى الرأي الثاني، لأنّه له دليل قوي وصحيح ويبطل كلّ الأدلة الأخرى.
وأمّا قولك: هل سأسلم أم أكابر..، فأقول لك شيخنا: والله إنني هنا ليس من أجل العناد، وإنّما من أجل الحصول على القناعة الشخصية واليقين، فإن أتيتني بما هو مقنع قبلته، وإن أتيتتني بشيء لا يقنعني رفضته.
وشكراً لك شيخنا الحبيب على استمرارك بهذا الحوار الطيب الذي هو ملئ بالعلم من ناحيتك وملئ بالجهل من ناحيتي، فأنت شيخنا وأستاذنا ومعلمنا ونحن طلبتك الصغار الذين نتعلم منك ونستفيد، فبارك الله بك شيخنا الكريم.
أختم كلامي بأسئله أتمنى الإجابة عليها:
1- ما هو الدليل القوي والصريح على دخول التسعة رضي الله عنهم في مصطلح أهل البيت الخاص بالخمسة رضي الله عنهم؟
2- لماذا أخرجت شيخنا الكريم الزهراء من حديث الثقلين والرسول أدخلها بمصطلح أهل البيت، والإمام الصادق بين أنّها الثقل الثاني بعد القرآن، والدليل الحديث الذي نقلته لك من الكافي؟
3- لماذا يا شيخنا الكريم تترك النص الجليّ على أنّ الرسول حصر هذا المصطلح بالخمسة، وتذهب إلى حديث الثقلين الذي هو لا يصمد أمام حديث الكساء؟

*************************
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 146.
(2) الدر المنثور 6: 604.
(3) إكمال إكمال المعلم 8: 277.
(4) مرأة العقول 3: 213.
(5) بصائر الدرجات: 53 باب (16).
(6) معاني الأخبار: 90.
(7) الكافي 1: 246.
(8) بصائر الدرجات: 385.
(9) انظر: مرآة العقول 3: 213.
الجواب:
الأول: قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ï´¾ (الاحزاب:33), يمكن استفادة مفهومين من الآية من ضمن المفاهيم الأخرى يدخلان في موضوع المناقشة:
1- مفهوم أهل البيت(عليهم السلام) الذي هو غير النساء لغة، وإن أمكن أن يدخلن فيه مجازاً, ولا قرينة على دخولهن مجازاً إلاّ ما يدّعى من السياق، وروايات نزول الآية وحدها تدحض هذا القول، إضافة إلى الإنتقال من اسلوب الخطاب التقريعي إلى اسلوب المدح، بل القرآئن المقالية في الآية تدلّ على خلافه، لموقع الضمير المذكر في (عنكم)، إضافة إلى قرائن دلالية من مفهوم الآية الدالة على العصمة التي لا تثبت للنساء، وبغض النظر عن القرآئن الحالية التي يدلّ عليها حديث الكساء.
2- مفهوم العصمة المستفاد من إذهاب جنس الرجس والتأكيد على التطهير, وثبوت العصمة أمر باطني لا يمكن الإطلاع عليه إلاّ بإخبار من يطلع على الأفئدة، ولا يمكن أن يكون كلّ أهل البيت بالمعنى اللغوي معصومين، لأنّه يشمل الأولاد والذرية وهم لا يعدّون، كما ربما يدّعى من أنّ نفس الآية، هي إخبار عن عصمة كلّ من يشملهم معنى (أهل البيت) لغة بالإستفادة من الحصر الموجود فيها.
ومن هنا جاءت الحاجة لبيان وتحديد أشخاص هؤلاء المعصومين المطهّرين من أهل البيت، الذين كانوا سبباً لنزول الآية، فجاء البيان من الصادق المصدق رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما قاله وفعله في حديث الكساء وغيره، وأحاديث أخرى من الأئمة(عليهم السلام) تأتي في محلها.
الثاني: ممّا تقدم ثبت لنا؛ ومن الآية مجردة، أنّها خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) فقط، ولا يدخل فيها النساء ولا الآخرين، وأنّها وبدلالة ألفاظها التي تدلّ على العصمة ضيقت المراد من (أهل بيت) بسبب نزولها بالمطهّرين المعصومين منهم, فالعلاقة الدلالية تبادلية بين مفهوم أهل البيت ومفهوم العصمة (التطهير)، فنفهم أنّ المراد والمعني من الآية هم أشخاص معينون ينطبق عليهم كونهم من أهل البيت ومعصومين, ومن التركيب بين هذين المفهومين ينتج عندنا مصطلح جديد يمكن أن نسميه مصطلح شرعي منقول من المعنى اللغوي هو (أهل البيت المطهّرين)، ولا يبقى إلاّ تعيين أشخاصهم في الخارج, وكان بعهدة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر منه سبحانه بلا إمتراء.
وهنا جاء دور حديث الكساء الذي هو مصداق البيان والإخبار النبوي، ولكن السؤال في أنّه: هل ينحصر بيان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحديث الكساء، أو أنّ الحديث أحد أفراده وجزء من البيان والأخبار عن معنى الآية؟ فمن يدّعي أنّ البيان منحصر فقط بحديث الكساء فعليه الدليل, والدليل دلّ على أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيّن من هم أهل بيته المعصومون المطهّرون في أكثر من موضع لا يظل المتتبع في إيجادها, ولكن قد يدّعي مدّع أنّ مدلول حديث الكساء فيه حصر للخمسة لا يمكن إدخال غيرهم فيه، وبالتالي يكون مدلوله معارضاً للروايات الأخرى الصادرة من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة(عليهم السلام) لو سلمنا بوجودها، فكيف نحل التناقض المدعى؟ ولابد قبله من إثبات الروايات الأخرى التي تنص على دخول غير الخمسة في أهل البيت(عليهم السلام).
وهذا ما سنناقشه في النقطة التالية:
الثالث: إنّ دعوى الشيعة؛ بأنّ سبب نزول ومورد آية التطهير هم الخمسة أصحاب الكساء صحيحة لا غبار عليها بدلالة روايات حديث الكساء، ولكن سبب النزول لا يخصص الوارد (وبعبارة أصولية: إنّ المورد لا يخصص الوارد)، فلا تلازم في الإنطباق على مصداق بسبب النزول وبين نفيه للمصاديق الأخرى الداخلة في العموم.
وهذا الوهم ممّا يقع فيه الكثيرون، منهم صاحب الإشكال, ودعوى أنّ البيان الذي احتيج إليه لتعيين أشخاص المطهّرين المتمثل بحديث الكساء، حاصر للمصاديق بالخمسة فقط، دعوى ضعيفة البرهان!
1- مصطلح أصحاب الكساء وهم الخمسة بلا ريب يختلف عن مصطلح أهل البيت المطهّرين المعنين بالآية، فأصحاب الكساء أخص.
ونحن لا ندعي دخول غير الخمسة في أصحاب الكساء، ولكنا نقول: إنّ أهل البيت المطهّرين يشملهم وغيرهم وهم التسعة الباقين, ودعوى المساواة وهم ناجم عن عدم الدقة في تعيين مدى الحصر المستفاد من حديث الكساء، والأخذ بظاهر كلمات العلماء دون الفهم التام لها.
2- إنّ حديث الكساء بمنطوقه والقرآئن الحالية الحافة به من فعل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دالة على الحصر بلا ريب, ولكن ما مدى ومقدار هذا الحصر من جهة الزمان، هل هو حصر في الظرف الزماني المعين، ولا يشمل بقية الأزمان، أو هو حصر على طول امتداد الزمان إلى يوم القيامة؟
ومدّعانا أنّه حصر محدد بالظرف الزماني المعين، وهذا الظرف يحدد مقداره عرف أهل اللغة، وليس حصراً على طول الزمان أبداً.
وبعبارة أخرى: إنّ سعة هذا الحصر يمكن أن تشمل آخرين لم يكونوا في ظرف زمان الحديث يمكن أن يدخلهم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو الأئمة(عليهم السلام) ببيان وأخبار أُخر.
والمثال العرفي عليه، هو: لو أنّ أحد الأشخاص خرج أمام الناس وجمع أولاده الثلاثة أو الأربعة بين يديه من دون العدد الكبير من الأطفال في مدرسة معينة، وقال: هؤلاء أولادي، فإنّ فيه دلالة بلا شك على أنّ غير هؤلاء الثلاثة أو الأربعة من جميع الحاضرين في ظرف الفعل ليسوا أولاده، وهو لا يعني بأنّه سوف لا يكون له، أو لا يرزق بولد أو أولاد آخرين في المستقبل، فلاحظ.
فالحصر في حديث الكساء مقيد بالظرف الزماني الآني لفعل وقول الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا يشمل إمتداد الزمان، وبالتالي يمكن للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وببيان آخر أن يوضح أنّ هناك آخرين يدخلون في مصطلح أهل البيت المطهّرين المشمولين بآية التطهير، وهم مصداق من مصاديقها, فتأمل.
ومنه نفهم تصدير الإمام الصادق(عليه السلام)كلامه بالفعل (كان) الدال على الماضي في ذلك الزمان، عندما قال: (فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة...) الحديث، ولا صحة لقول المستشكل أنّ الصادق(عليه السلام)أخرج التسعة الأخرين، فلا دلالة في كلامه على أخراجهم إلاّ إدعاء الحصر في الخمسة فقط، وقد أوضحنا عدم صحة ذلك.
ثم أنّ كلام الشخص - خاصّة المعصوم - يجمع كلّه ويقارن بعضه ببعض، حتى يفهم المراد منه، لا أن يقتصر على بعض كلامه, ومنه يظهر ضعف قول المستشكل ((لماذا لم يقل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الكساء: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ومعهم تسعة من أولاد الحسين))، فقد بين الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخول التسعة في أهل البيت المطهّرين في نصوص أخرى عديدة، نعم، هم لا يدخلون في مصطلح أصحاب الكساء, وهذا البحث يفصّل عادة في بحث القرآئن التي تنقسم إلى متصلة ومنفصلة.
والحكم واحد فيهما من هذه الجهة.
الرابع: بعد أن تبين عدم صحة الحصر على إمتداد الزمان في حديث الكساء، وأنّ دعوى أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند بيانه لمصداق آية التطهير حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ليس عليها دليل.
وبعد أن تبين أنّ معرفة أهل البيت المطهّرين بأشخاصهم يحتاج إلى بيان وإخبار، وأنّه منوط بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه لا مانع عقلي وشرعي من تعدد البيانات وتعدد المصاديق، يصح لنا أن نبحث عن أخبار أُُخر يمكن أن نعرف منها مصاديق أُخرى للمطهّرين من أهل البيت(عليهم السلام)، وهذه الأخبار موجودة بكثرة في التراث الحديثي الشيعي على الأقل، لا حاجة لذكرها, ويمكن للمراجع أن يطلع عليها في مضانها.
كما أنّه إذا دلّ دليل نقلي أو عقلي على شمول آية التطهير للتسعة الآخرين(عليهم السلام)، فلا معارضة في البين بينه وبين حديث الكساء، وإنّما يتم الجمع بالجمع العرفي.
الخامس: من هذا يتبين عدم صحة القول بإجماع علماء الشيعة والسُنّة على أنّ مصطلح أهل البيت خاص بالخمسة، فإنّ هذه النسبة إلى علماء الشيعة بالخصوص ممّا يضحك الثكلى، فأيّ عالم منهم أخرج بقية الأئمة(عليهم السلام)، فضلاً عن دعوى الإجماع على إخراجهم؟!
وكذا دعوى قولهم؛ بأنّ الحصر في حديث الكساء يخرج التسعة(عليهم السلام) من مصطلح أهل البيت المطهّرين، أو دعوى إجماعهم على مفهوم الحصر بمعناه المدعى من حديث الكساء.
السادس: لا ينحصر دليلنا على دخول التسعة(عليهم السلام) في أهل البيت بحديث الثقلين فقط، فهذه مجازفة في القول, ولكنّه من الأدلة الواضحة على ذلك لكونه منقولاً لدى الطرفين.
السابع: وأمّا حديث مسلم، فلنا وقفة معه:
أ- إنّ دخول التسعة(عليهم السلام) في أهل البيت كما يتم من دلالة لفظة (عترتي)، يتم أيضاً من دلالة لفظة (أهل البيت) كما أوضحنا سابقاً، وعليه فحتى حديث مسلم فيه شمول للتسعة(عليهم السلام)، وإن لم يذكر فيه لفظ (عترتي) وجاء بلفظ (أهل البيت) فقط.
ب - إنّ صحيح مسلم ليس له إعتبار عندنا فهو ليس من كتبنا، نعم هو من الصحيح عندهم ومقدّم على غيره، ولذا نلزمهم به ولا يصح منهم أن يلزمونا به.
ج - ومع عدم إلتفاتنا إلى ما يدعى لصحيح مسلم، فإنّ حديث الثقلين فيه رواية آحاد، إذ أنّه لم يرو إلاّ عن يزيد بن حيان في كلّ طرقه، فنصه وإن كان صحيحاً عندهم لا يرقى إلى التواتر حتى نحتج به في العقيدة، كما هو الحال بنص حديث الثقلين عند غير مسلم.
د - ومع ذلك فإنّ مسلم قد تلاعب في هذا الحديث وقطع من متنه ما فيه دلالة تساعد على فهمه! فقد حذف منه الجزء الأخير الذي فيه نهي ابن زياد لزيد بن أرقم عن التحديث بحديث الحوض وإتهامه له بالخرف والكذب، فهو موجود وبنفس السند عند أحمد(1), فراجع.
هـ - ومع ذلك كلّه فإنّ زيداً؛ في نفس الحديث وفي بدايته يعتذر من الذين طلبوا منه الحديث، ويرجوهم عذره عمّا لا يحدثهم به بحجّة كبر سنه, ومع ذلك يذكر في الحديث لفظ الثقلين صراحة ثم يذكر القرآن وهو الثقل الأوّل، ويذكر قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمره بالتمسك به، ثم يأتي في المتن قوله: ((ثم قال: وأهل بيتي...)) الحديث، (وثم) تدلّ على التراخي، وفيها دلالة على وجود قطع أو حذف في الكلام تجنّب زيد بن أرقم أن يرويه، كما نص على ذلك محمد نافع في كتابه (حديث الثقلين) بلغة الأردو عند كلامه على حديث مسلم.
و - إنّ لفظة (ثم قال) وما تدلّ عليه في متن الحديث، دعتنا للبحث والتنقيب عن رواية أو روايات أخرى لحديث الثقلين تنقل تمام كلام رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نجد فيه الفقرة المحذوفة بين دعوته للتمسك بالقرآن وبين تذكيره المسلمين بأهل البيت(عليهم السلام)، عندما قال: (اذكركم الله في أهل بيتي) ثلاث مرات، ونجد فيه ذكر حوضه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم القيامة.
وهذا البحث دلنا على رواية أو أكثر رواها الخزاز (ت400هـ) في (كفاية الأثر) بهذا السند: ((حدّثنا محمد بن وهنا بن محمد البصري، قال: حدّثنا محمد بن عمر الجعالي، قال: حدّثني إسماعيل بن محمد بن شيبة القاضي البصري، قال: حدّثني محمد بن أحمد بن الحسين، قال: حدّثني يحيى بن خلف الراسي، عن عبد الرحمن، قال: حدّثنا يزيد بن الحسن، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أُسيد، قال: سمعت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: على منبره: (معاشر الناس، إنّي فرطكم وإنّكم واردون عليَّ الحوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وأنا سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لن تضلوا، ولا تبدلوا في عترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أنتظر من يرد عليَّ منكم وسوف يتأخر أناس دوني، فأقول: يا ربّ منّي ومن أمتي، فيقال: يا محمّد هل شعرت بما عملوا؟ إنّهم ما برحوا بعدك على أعقابهم)، ثم قال: (أوصيكم في عترتي خيراً) ثلاثاً، أو قال: (في أهل بيتي)، فقام إليه سلمان فقال: يا رسول الله ألا تخبرني عن الأئمة بعدك؟ أما هم من عترتك؟ فقال: (نعم، الأئمة بعدي من عترتي عدد نقباء بني اسرائيل، تسعة من صلب الحسين(عليه السلام) أعطاهم الله علمي وفهمي، فلا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم، واتبعوهم فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم) ))(2).
وفي هذه الرواية ذكر للحوض الذي خاف زيد بن أرقم أن يذكره لتهديد ابن زياد، وفيه الفقرة المحذوفة بين الأمر بالتمسك بالقرآن وبين التذكير بأهل البيت(عليهم السلام) وهي (أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، وفيه أنّ التسعة من ولد الحسين من أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن عترته وهم الأئمة بعده، فهو يجيب على كلّ ما أشكل به المدعي.
وفي الكتاب - أعني (كفاية الأثر) - روايات أخرى منها عن عمر فيها نفس الدلالة(3), فراجع.
ي - ولا يقول قائل بأنّ كتاب (كفاية الأثر) لمؤلف شيعي، فلا حجّة فيه علينا، فإنّا نقول: بأنّا لا نحتج هنا بما تدلّ عليه الرواية كرواية، بل احتجاجنا بالأساس هو بالمقارنة بين رواية مسلم ورواية الخزاز، فإنّ الفارق بين عصريهما أقل من مائة وخمسين سنة، ولا يوجد إحتمال ولو واحد بالألف من أنّ الخزاز قد وضع وفبرك الرواية حتى يأتي شخص بعد ألف سنة ويقارن بين روايته ورواية مسلم ويستخرج ما سقط من روايته، فإنّ العقل لا يقبل بمثل هكذا إحتمال، ولا يصدق ادعاء الوضع المتعمد من الخزاز بهذه النسبة الضعيفة، فتأمل. فضلاً عن وجود روايات أُخرى عند الخزاز تدلّ بنفس الدلالة عند مقارنتها مع رواية مسلم, فراجع.
ط - إنّ من أحد الأسباب التي دعتنا إلى المقارنة بين رواية مسلم وروايات الخزاز، هو دحض الشبهة التي يتمسك بها المخالفون من عدم وجود أمر من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالتمسك بأهل البيت(عليهم السلام)، كما هو الحال مع القرآن الكريم، في رواية مسلم التي لا يصح غيرها حسب مدعاهم، كما أورد ذلك ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة)، فإنّ المقارنة تثبت أنّه قد وقع الحذف والقطع في رواية مسلم، إمّا من قبل زيد نفسه لخوفه، أو من قبل أحد رواتها المغرضين، وأنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أمر في الواقع بالتمسك بهما كليهما، وقال بأنّهما لا يفترقان، كما هو نص الروايات الأخرى المتواترة لحديث الثقلين عند غير مسلم!
ع - ومن هذا الحديث فضلاً عن غيره الكثير, يثبت أيضاً أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد بين أنّ التسعة(عليهم السلام) هم من أهل البيت ومن العترة في نفس وقت إعلانه لحديث الثقلين. فالإدعاء بأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يذكر ذلك وهم في وهم، والإدعاء بأنّ الحصر في حديث الكساء يخرج التسعة (عليهم السلام) من أهل البيت وهم آخر.
الثامن: وأمّا النظر الذي أبداه من فهمه لجملة (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، فهو فهم بعيد عن الظاهر المراد, فإنّ مراد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) باللذين (لن يفترقا) الثقلان اللذان نصّ عليهما في كلامه، وهما القرآن وأهل بيته, أي نفس وجود القرآن ونفس وجود أهل البيت(عليهم السلام), لا اللازم لهما، فإنّ سيرة أهل البيت(عليهم السلام) من لوازم وجودهم، وهي أيضاً موجودة إلى يوم الحوض، ولكن بوجود موضوعها وهم نفس أهل البيت(عليهم السلام), فإنّ قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نصّ في ذلك, وإلاّ لو كان مراده ما قاله هذا المستشكل لجاء بألفاظ أُخر تدل على سيرتهم وسنّتهم.
ثم إنّ ما ادعاه هذا من الفهم سوف لا يجعلهما ثقلان، وإنّما سيكون هناك ثقل واحد، فإنّ سيرتهم وسنتهم لا تخرج عن سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبالتالي لا تخرج على الأمر بالتزام القرآن، فيكونا عند تصريف معنى الكلام واحد، ولا يكون كذلك لو كان يعني(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجوديهما، فإنّهما سيكونان وجودان، وإن كان لازم ذلك في المآل إتحادهما أيضاً، فلاحظ.
وهذا ما فهمه أعلام أهل السنّة، وإلاّ لما ادعوا تارة أنّ المراد بالثقل الثاني وجود علماء من أهل البيت(عليهم السلام) يحفظون الدين إلى يوم القيامة، وأُخرى أنّ إجماع العترة لا يكون إلاّ حقاً, فهم في كلا القولين يريدون أعيانهم.
ومع ذلك فإنّ قولك هذا حجّة عليك أيضاً، وهو دليل للشيعة على غيرهم, فهم المتمسكون فعلاً بسيرة وسُنّة أهل البيت(عليهم السلام) ولا يزايد على ذلك إلاّ مبطل.
ولكن الفصل بيننا في المراد؛ هو أحاديث وروايات رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأخرى، ومنها الخاصّة بالإمام المهدي(عليه السلام)، فإنّ فيها النص على أنّه من أهل البيت(عليهم السلام)، فلاحظ.
التاسع: نرجع ونقول: إنّ قول الإمام الصادق(عليه السلام) كان في بيان الربط الموضوعي بين آي القرآن الكريم وبين حديث رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيان من هم أهل البيت، وأنّه لا ينطبق في زمن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ على الخمسة أهل الكساء خاصّة، لا أنّه كان يريد حصر أهل البيت(عليهم السلام) فيهم على طول الزمان، وإلاّ فإنّ هناك روايات عديدة فيها النص من مولانا الصادق(عليه السلام) نفسه على أنّه من أهل البيت(عليهم السلام)، فلاحظ.
العاشر: إنّ قولنا بأنّ جملة (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) بأنّها تدلّ على وجود فرد معين من أهل البيت(عليهم السلام) يلازم القرآن إلى يوم القيامة، ليس من باب الترجيح بلا مرجح بين ظاهرين لمعنى الجملة، بل هو من باب التمسك بالظاهر الذي هو حجّة عند الكلّ، مقابل التأويل سواءاً كان قريباً أم بعيداً، إذ لو وجد هناك في كلّ كلام ظاهر يمكن الإلتزام به لا يتعدى منه إلى الفهم والتأويل البعيد، إلاّ إذا كان هناك مانع لفظي أو شرعي أو عقلي من الإلتزام بهذا الظاهر, وليس من هذا في البين.
الحادي عشر: إنّ الاستدلال بحديث الصفار، ليس لتعيين الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) بأشخاصهم، فإنّ هذا لا يتم بالحديث وحده، ولكن الاستدلال به يكون على أنّ هناك أئمة من أهل البيت(عليهم السلام) يجب إتباعهم، وأنّهم سيكونون في كلّ زمان، وإلاّ لما تم الاستدلال بالآية، إذ لو لم يكونوا في كلّ زمان لوجد أُناس لا إمام لهم واجب الإتباع يدعى من يؤمن به يوم القيامة, ولخلا زمان ما من هذا الإمام، فتكون في ذلك الحجّة للناس على الله ـ. نعوذ بالله - وليس بالعكس؛ أيّ الحجّة لله على الناس، فلاحظ.
وأمّا التذرع بالتفاسير، فهذا خروج عن البحث، إذ أنّ الكلام بعد التسليم بالرواية لا رد الرواية والرجوع إلى التفاسير.
الثاني عشر: وأمّا ما اعترض عليه في حديث (معاني الأخبار) من إخراج الزهراء(عليها السلام)، فليس له محل في الكلام, لأنّ من الواضح أنّ جواب الإمام(عليه السلام) كان في بيان الأئمة(عليهم السلام)، توضيحاً لما أشكل في ذهن السائل، مقابل المخالفين، ومن الواضح أنّ الزهراء(عليها السلام) ليست بإمام، وإن كانت حجّة وهو بحث آخر. والظاهر أنّ المستشكل يخلط بين مفهوم الحجّة ومفهوم الإمام بالمعنى الخاص المتنازع فيه، أو أنّ أحدهما يلازم الآخر.
إذ من الواضح أنّ القرآن وسُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجّة ولكن ليسا بإمام بهذا المعنى، فلاحظ.
الثالث عشر: وأمّا رواية سُليم: فليس الذين طهّرهم الله في آية التطهير الخمسة أصحاب الكساء فقط، وإنّما أهل البيت المعصومون، والذين نعرفهم ونشخصهم من النص الصادر عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا قال إنّ التسعة(عليهم السلام) يدخلون فيهم، فنسلم ولا جدال.
الرابع عشر: وأمّا صحيحة الصفار في (بصائر الدرجات)، فبعد أن وجد أن لا محيص عنها في الدلالة، إلتجأ إلى دعوى المعارضة بينها وبين حديث الكساء، وقد بيّنا أنّ لا معارضة إلاّ في فهمه السقيم للحصر، ومع ذلك فالظاهر أنّ صاحبنا لم يطلع في علم أصول الفقه في (باب التعارض) على أنواع الجمع العرفي، وأن التعارض لا يتم إذا كان هناك في الإمكان جمع عرفي.
وهل أوضح من الجمع بين قول الصادق(عليه السلام) وبين حديث الكساء، من أنّ الخمسة(عليهم السلام) والإمام الصادق(عليه السلام) على الأقل في هذه الرواية داخلون في مصطلح أهل البيت المطهّرين(عليهم السلام)، فلاحظ.
الخامس عشر: وفي الصحيحة الأخرى للصفار، وبعد أن أعيته الدلالة ووضوحها أيضاً، طعن في الفرق في الحجية بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والصادق(عليه السلام)، وهذا لا يتم؛ لأنّ الاستدلال بالرواية من قبلنا يكون بعد التسليم بأنّ حجية الصادق(عليه السلام) من حجية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا مجال لإفتراض الإجتهاد هنا فضلاً عن الإجتهاد مقابل النص, وبالتالي لابد من جعل ما قاله الصادق(عليه السلام) نصّاً في بيان المراد من أهل البيت(عليهم السلام) في حديث الثقلين، صادراً من مشكاة النبوة, والجمع بين حديث الثقلين وحديث الكساء سهل وواضح.
السادس عشر: وأمّا تكراره للأسئلة ومطالبته بالجواب عنها، فلك أن تسرد له الروايات المتواترة على دخول التسعة(عليهم السلام) في أهل البيت، وهذا هو دليلنا، فهناك روايات صادرة عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأكثر منها صادرة عن أئمتنا(عليهم السلام)، وأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يحصر أهل البيت(عليهم السلام) في أصحاب الكساء الخمسة(عليهم السلام)، والحصر في حديث الكساء لم يكن حصراً على طول الزمان، وبالتالي لا تعارض بين حديث الكساء وغيره من الأحاديث الناصة على دخولهم(عليهم السلام).
ثم وإن قلنا فرضاً بالتعارض البدوي، فإنّ التعارض لا يتم إذا كان هناك وجه للجمع العرفي، مع أنّ النص منهم(عليهم السلام) بدخولهم في أهل البيت(عليهم السلام) مقدم على ظاهر الحصر في حديث الكساء، لو قلنا به، ولا نقول! فإنّ النص يقدم على الظاهر عند التعارض، وأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أدخل الأئمة الباقين(عليهم السلام) في أهل البيت بنصوص أخرى، ولا يشترط بأن يكون البيان بقرينة متصلة، فإنّ حكمها والمنفصلة واحد، وأنّ كلام الرجل يأخذ كلّه ولا يأخذ البعض دون البعض.
وأمّا بقية الكلام فتكرار يعرف جوابه ممّا مضى.

(1) مسند أحمد 4: 367، حديث زيد بن أرقم
(2) كفاية الأثر: 127 ما جاء عن حذيفة بن اسيد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(3) كفاية الأثر: 91 ما جاء عن عمر بن الخطاب عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).

تعليق على الجواب (1)
هلّا أشرتم لنا إلى المصادر من كتب الشّيعة الّتي تدخل الأئمّة أجمعين في أهل البيت؟
وما سند هذا الحديث:
قال رجلٌ عند الصادق (ع): اللهم صلّ على محمد وأهل بيت محمد.. فقال الصادق (ع): يا هذا !.. لقد ضيّقت علينا، أما علمت أنّ أهل البيت خمسة أصحاب الكساء ؟.. فقل الرجل: كيف أقول ؟.. قال: قل: اللهم صلّ على محمد وآل محمد !.. فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه
الجواب:
الروايات التي تذكر اهل البيت ويكون المقصود بها الائمة (عليهم السلام) كثيرة ومن تلك الروايات:
في الكافي للشيخ الكليني ج 1ص 451 قال:
بعض أصحابنا رفعه، عن محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله: ما معنى السلام على رسول الله ؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا الله ووعدهم أن يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن وأن ينزل لهم البيت المعمور، ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم والأرض التي يبدلها الله من السلام ويسلم ما فيها لهم لاشية فيها، قال: لا خصومة فيها لعدوهم وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع الأئمة وشيعتهم الميثاق بذلك, وإنما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله، لعله أن يعجله عز وجل ويعجل السلام لكم بجميع ما فيه.
وفي ج 1 ص 181 قال:
عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل و [ لا ] يعرف الامام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا.
وفي ج 1 ص 185 قال:
الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن أورمة ومحمد بن عبد الله، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين فقال عليه السلام: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون " ؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال: الحسنة معرفه الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت، ثم قرأ عليه هذه الآية.
وفي ج 1ص 223 قال:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا عليه السلام: أما بعد، فان محمدا صلى الله عليه وآله كان أمين الله في خلقه فلما قبض صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب, ومولد الاسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان، وحقيقة النفاق....
وفي ج 1ص 283 قال:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن أبي عبد الله البزاز، عن حريز قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما أقل بقاء كم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم ؟ ! فقال: إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته....
وفي ج 1ص 411 قال:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله وقال له رجل: أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجديد، فقال له: إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر [ عليه ] ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب علي عليه السلام وسار بسيرة علي عليه السلام.
وفي ج 1 ص 423 قال:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن المفضل ابن صالح، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " يعني الولاية، من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء عليهم السلام، وقوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " يعني الأئمة عليهم السلام وولايتهم، من دخل فيها دخل في بيت النبي صلى الله عليه وآله.
وفي ج 1ص 469 قال:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معتجر بعمامة سوداء وكان ينادي يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول....
وفي ج 1ص 483 قال:
قال: أخبرك بالأربعة كلها، أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا، والثانية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله من الله بسبب، فقال له الراهب، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله رب العالمين
وفي ج 2 ص 22 قال:
عنه، عن معلى بن محمد، عن الوشاء عن أبان، عن إسماعيل الجعفي قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال: رحمك الله هذا الذي أريد، فقال أبو جعفر (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لامرنا والورع والتواضع وانتظار قائما فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها.
وفي ج 2 ص 46 قال:
عنه، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الاسلام عريان، فلباسه الحياء وزينته الوقار ومروءته العمل الصالح وعماده الورع. ولكل شئ أساس، وأساس الاسلام حبنا أهل البيت .
وفي ج 2 ص 74 قال:
أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم، وأحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، جميعا عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه....





يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 05:56 PM
السؤال: من هم الآل ؟
ما هو الدليل على ان كلمة ( آل ) تعني علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) وأبنائهم ؟

الجواب:
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : (لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء), قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال : (تقولون : اللهم صل على محمد وتسكتون, بل قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) (الصواعق المحرقة : 146, جواهر العقدين 2 / 155, ينابيع المودة 1 / 37).
روى مسلم في صحيحه (1 / 305) عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجلس معنا في مجلس سعد بن عبادة, فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله, فكيف نصلي عليك ؟ قال: فصمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تمنينا أنه لم يسأله, ثم قال: (قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد ...).
وأما أن أهل البيت (عليهم السلام) هم الخمسة أصحاب الكساء فقد روى الحاكم عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أنه قال : لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الرحمة هابطة قال : (ادعوا لي ادعوا لي), فقالت صفية : من يا رسول الله ؟ قال : (أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين), فجيء بهم, فألقي عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) كساءه ثم رفع يديه ثم قال : (اللهم هؤلاء آلي, فصل على محمد وآل محمد), وأنزل الله عزوجل : ï´؟ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ï´¾ (المستدرك على الصحيحين 3 / 14).
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد .
وراجع في حصر أهل البيت في هؤلاء الخمسة : (صحيح مسلم 7 / 130, السنن الكبرى 2 /149,جامع البيان 22 / 5, تفسير ابن كثير 3 / 485, جامع الأصول 10 / 101, صحيح الترمذي 12 / 85).
ومما يدل على أن زوجاته لسن من أهل البيت :
أولاً : الروايات الواردة في شأن نزول آية التطهير صريحة في الحصر بهؤلاء, وهي روايات بلغت حد التواتر في حصر أهل البيت بهؤلاء, وإدخال غيرهم يحتاج إلى دليل .
ثانياً: الكثير من هذه الروايات لما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اللهم هؤلاء اهل بيتي ...), قالت أم سلمة : فأنا معهم يا نبي الله ؟ قال: (أنت على مكانك وأنت على خير) (تاريخ ابن عساكر 5 / 1 /ب 16, الدر المنثور 5 / 198, مسند أحمد 6 / 292 و 323).
وروى الحاكم في (المستدرك 2 / 416) : أن أم سلمة قالت : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ؟ قال:(إنك إلى خير, وهؤلاء أهل بيتي, اللهم أهل بيتي أحق).
وفي رواية أخرى قالت أم سلمة: يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال: (إنك إلى خير, إنك إلى خير, إنك من أزواج النبي) (الدر المنثور 5 / 198, مشكل الآثار 1 / 233, تسير الوصول 3 / 297, جامع الأصول 10 / 100).
وروى مسلم في صحيحه (7 / 133 /باب فضائل علي بن أبي طالب) عن زيد بن أرقم, عندما سئل: مَن هم أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال: لا, وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ؛ أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده .
وعن أبي سعيد الخدري قال : أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً, فعدهم في يده, فقال : خمسة : رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (مجمع الزوائد 9 / 165 / باب فضائل أهل البيت) .





السؤال: حديث الكساء يشمل أهل البيت (عليهم السلام)
عند الصلاة على النبيّ وآله، نقصد بالآل النبيّ(صلّى الله عليه و آله) والسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والأئمة الإثنا عشر(عليهم السلام)، ولكن عند نزول آية التطهير وفي حديث الكساء يقول النبيّ عن الخمسة(عليهم السلام): (اللّهمّ هولاء أهل بيتي و...).
فكيف نوفّق بين الأمرين؟

الجواب:
حديث الكساء مسألة، والصلاة مسألة أخرى، والخلط ما بين المسألتين غلط!
فحديث الكساء خاص بمن كان موجوداً آنذاك وهم الخمسة(صلوات الله وسلامه عليهم)، فلا يمكن اتيان كلّ الأئمة(عليهم السلام) ووضعهم تحت الكساء، فهذا لا معنى له لعدم وجودهم آنذاك.
ثم هذه القضية الخاصّة، كرامة لهم ولذريتهم، والقدر المتيقن من ذريتهم هو الأئمة(عليهم السلام)، والصلاة على محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مسألة أخرى لا ترتبط بهذا الموضوع، لأنّ (الآل) عنوان عام خُص في الروايات بآل محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحينئذ فالمطلبين مستقلين وتداخلهما غلط.
فهناك قضايا ترتبط بالوقت المحدد لها كحديث الكساء أو المباهلة مثلاً، وبقية الأئمة(عليهم السلام) حتماً داخلين في هذه الكرامة ولكن لا يوجد حضور حيّ عندهم، أي بمعنى أن نطلق عليهم كلّهم أصحاب الكساء، بل الإطلاق خاص بالخمسة وكذا آية المباهلة، ولكن بمعنى أنّهم لو كانوا موجودين وقتها لأدخلهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) معهم لوجود نفس الخصوصية فيهم.
وبعبارة أخرى: عندنا قضية خارجية، وعندنا قضية حقيقية، فالقضية الخارجية تتحقق بأفرادها الموجودين خارجاً حين ذاك كقضية حديث الكساء، فالأئمة(عليهم السلام) لم يكونوا موجودين خارجاً حتى نقول لا تشملهم، بخلاف القضية الحقيقية كقضية (الآل)، فانّها قضية كبروية حقيقية تشمل الأئمة(عليهم السلام) حسب تشخيص الروايات.
ثم إنّ مسألة (الآل) مسألة مهمة، لذا بحث العلماء حول المقصود من آل محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وقد أجمع المسلمون بأنّ المراد من (الآل) ليس مطلق قريش، والحنفية والزيدية يقولون: ((هم بنو هاشم))، والشافعية يقولون: ((هم بنو عبد المطلب))، وبعض فقهائهم قالوا: ((هم مؤمنوا بني هاشم وعبد المطلب))، والبعض الآخر قال: ((هم أولاد فاطمة(سلام الله عليها) )).
بينما نحن الشيعة نقول: ((هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم(عليهم السلام))).
وهذا المعنى لو نأخذه من جهة علم الأصول، فالقدر المتيقن ما نقوله نحن، لأنّ هذا متّفق عليه عند جميع الطوائف، وما زاد عليه مشكوك، فتجري أصالة العدم، هذا عدا النصوص الموجودة عندنا من طرق العامّة كصاحب (المناقب)(1)وغيره حيث ينصّون على هذه السلسلة الطاهرة.
بالإضافة إلى كلّ هذا، يمكن الإستناد إلى حديث الثقلين، حيث يدلّ بوضوح على استمرار الآل والعترة مع القرآن، وأنّ القرآن والعترة خليفتين لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لن يفترقا، وحديث الثقلين رواه المسلمون في مصادرهم وصحّحوه، والجمع بين حديث الثقلين وبين ما روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حصر الأئمة والخلفاء من بعده باثني عشر، وهذا الحديث أيضاً رواه المسلمون في مصادرهم وصرحوه، فالجمع بين هذين الحديثين يعطينا نتيجة: أنّ أهل بيت النبيّ(عليهم السلام) هم فاطمة والأئمة الاثني عشر(عليهم السلام).

(1) مناقب الخوارزمي: 60 الفصل الخامس.





السؤال: في أي وقت نزلت آية التطهير
بغيت بعض المعلومات التاريخية عن حديث الكساء مع المصادر
1- في أي سنة هجرية
2- عمر النبي والامام علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسنين
3- وقت الحادثة .. مثل صباح أو عصر أو ليل
4- الاحداث التاريخية القريبة من حديث الكساء
5- سبب الحديث و سبب نزول الاية
الجواب:
قبل ان نجيب على الاسئلة نقول : ان الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) لما صالح مع معاوية خطب خطبة طويلة قال فيها بعد ذكر آية المباهلة (وقد قال الله تعالى : ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ (الأحزاب:33) فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنا وأخي وأمي وأبي فجللنا ووجلل نفسه في كساء لام سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة رضي الله عنها : أدخل معهم يا رسول الله ؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يرحمك الله أنت على خير وإلى خير أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم.
ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول : ( الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
في ظل هذه الخطبة الحاوية لبيان المعلومات التاريخية عن اية التطهير وحديث الكساء نقول : ان المخالفين ايضا نقلوا في كتبهم عن ابي برزة قال صليت مع رسول الله (صلى الله عليه واله) سبعة عشر شهرا فاذا خرج من بيته اتى باب فاطمة فقال الصلاة ..... هذا اكثر مدة ذكروها في مجيى النبي باب فاطمة الزهراء بعد نزول اية التطهير وندائه لاهل بيته الطاهرين الصلاة . والامام المجتبى (عليه السلام) يقول في خطبته التي ذكرناها ( ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه واله) بقية عمره حتى قبضه الله اليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر ) فمعناه ونتيجة هذا الكلام بان اية التطهير نزلت في السنة التاسعة او العاشرة من الهجرة النبوية ويثبت ايضا عمر النبي (صلى الله عليه واله) انذاك كانت في الثانية والستين او الواحدة والستين حيث ارتحل النبي (صلى الله عليه واله) في السنة الحادية عشر من الهجرة في عمر يناهض الثالثة والستين كما ذكروه . مضافا الى ا ن ام سلمة قد تزوجها رسول الله في السنة الثالثة من الهجرة فلايمكن القول بنزول هذه الاية في بيتها قبل زواجها مع النبي (صلى الله عليه واله) ومضافا الى ان الامام الحسن والحسين (عليهما السلام) جاءا بأنفسهما ولم يرد في الرواية ان الحسين (عليه السلام) قد احتمله او احتضنه احد وجاء به الى بيت ام سلمة وهذا يدل على ان الامام الحسين (عليه السلام) كان في عمر يستطيع ان يمشي بشكل اعتيادي ومضافا الى ان الكساء الذي جلل به النبي (صلى الله عليه واله) ذريته الطاهرين كان من خيبر حيث ينقل العلامة المتقى الهندي في كتاب (كنز العمال ج16ص356) عن ام سلمة ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لفاطمة ائتني بزوجك وابنيك فجائت بهم فالقى عليهم رسول الله كساء كان تحتي خيبريا اصبناه من خيبر ......) وفي بعض الروايات (كساءا فدكيا) وانت تعلم بان حرب خيبر كانت مع اليهود في السنة السابعة من الهجرة النبوية فلابد ان يكون نزول هذه الاية بعد السنة السابعة.
واما وقت نزول الاية من الليل او النهار فنقول : ان وقت نزول الاية المباركة كان في النهار بعد طلوع الشمس حيث ورد في الروايات بان فاطمة الزهراء صلوات الله عليها جائت الى النبي (صلى الله عليه واله) غدية وفي بعض الاخر ورد : خرج النبي ذات غداة وامثال ذلك من الكلمات تدل على ان وقت نزول هذه الاية كان في النهار وفي الصباح الباكر .
واما سبب الحديث وشأن نزول اية التطهير فليس هو ما جاء به اهل الخلاف من ان اهل البيت الخمسة كانوا اقرباء للنبي فلذا ادخلهم النبي (صلى الله عليه واله) تحت الكساء. فهذا غير صحيح لان النبي (صلى الله عليه واله) لم يدخل عمه العباس تحت الكساء مع ان العم اقرب من ابن العم كما ان عقيلا وابناء العباس وجعفر ايضا كانوا في رتبة واحدة من حيث قرابتهم للنبي (صلى الله عليه واله) ولم يدخلهم تحت الكساء فلو كان السبب هو القرابة فلماذا لم يدخلهم تحتها .
وبعضهم قالوا ان العشرة هي كانت السبب لدخول الامام علي تحت الكساء، ان الامام علي (عليه السلام) لملازمته له ومعاشرته لفاطمة الزهراء قد دخل تحت الكساء . وهذا ايضا غير صحيح حيث العشرة والمعاشرة ليست بشيء ما دام بمجردها وليس هناك أي دليل على هذا ولو كانت العشرة بهذه المنزلة فلماذا لم يدخل النبي زوجاته وهذا القرآن يصرح بان طول المعاشرة لم يفد ابن نوح (عليه السلام) .
بل السبب وشأن الاية هو اظهار عصمة اهل البيت وطهارتهم من كل نقص وشين وذنب ورين بل من كل ما هو رجس بمعنى عام أي ان هذه الاية تنص على عصمة الخمسة الذين هم تحت الكساء . نعم ان الائمة الباقين من ذرية النبي (صلى الله عليه واله) ايضا مشمولون في هذه الاية بادلة قطعية اخرى حيث ذكر علماءنا الابرار بان الخمسة الذين كانوا موجودين انذاك شملتهم الاية ولكن وجود الروايات العديدة التي تنص على عصمة بقية الائمة عليهم السلام تلجأنا الى ان الائمة الباقين (عليهم السلام) ايضا مصداق هذه الاية المباركة لان الحصر كان اضافيا ولا يدل على اختصاص الخمسة (عليهم السلام) ولذا اثبت الاصحاب عصمتهم بهذه الاية ايضا وبدلائل اخرى .







السؤال: آية التطهير نزلت في بيت ام سلمة لا في بيت عائشة
حديث الكساء حديث صحيح متواتر مشهور تناقلته المصادر الاسلامية المعتبرة لدى الفريقين ككتب التفسير والحديث والتاريخ، فقد رواه احمد و الترمذي من حديث ام سلمة، و رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة. أي انه حديث متواتر لدى السنة.
فالسؤال هو كيف نقلته عائشة وام سلمة مع ان واقعة الكساء حدثت في بيت السيدة فاطمة (عليها السلام)؟ ارجو التوضيح ان امكن
الجواب:
الاحاديث التي تصرح بنزول اية التطهير في بيت ام سلمة كثيرة منها:
أولاً: في الأمالي للشيخ الصدوق - ص 559
746 / 4 - حدثنا أبي ( رحمه الله )، قال: حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الأصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: أخبرنا مخول بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني، عن عمار بن أبي معاوية الدهني، عن عمرة بنت أفعى، قالت: سمعت أم سلمة ( رضي الله عنها )، تقول: نزلت هذه الآية في بيتيï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ (الإحزاب:33)، قالت: وفي البيت سبعة: رسول الله، وجبرئيل وميكائيل، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (صلوات الله عليهم)، قالت: وأنا على الباب، فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت ؟ قال: إنك من أزواج النبي، وما قال: إنك من أهل البيت .
ثانياً: وفي الخصال للشيخ الصدوق ص 403 قال:
113 - أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب، عن أحمد ابن علي الأصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرنا مخول بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني، عن عمار بن معاوية الدهني، عن عمرة بنت أفعي قالت: سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول: نزلت هذه الآية في بيتي ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ قالت: وفي البيت سبعة رسول الله وجبرئيل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، قالت: وأنا على الباب فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال: إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله. وما قال: إنك من أهل البيت.
ثالثاً: في كفاية الأثر للخزاز القمي ص 155 قال:
حدثنا علي بن الحسين ( 7 ) بن محمد، قال: حدثنا هارون ابن موسى التلعكبري، قال حدثنا عيسى بن موسى الهاشمي بسر من رأى، قال حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أبيه علي عليه السلام قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة وقد نزلت هذه الآية ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي والأئمة من ولدك. فقلت: يا رسول الله وكم الأئمة بعدك ؟ قال: أنت يا علي، ثم ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والحجة من ولد الحسن، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت الله تعالى عن ذلك فقال: يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون وأعداؤهم ملعونون.
رابعاً: في سنن الترمذي ج 5 ص 30 قال:
3258 حدثنا قتيبة أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال أنت على مكانك وأنت على خير " هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة.
خامساً: مسند أحمد ج 6 - ص 292 قال:
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير قال ثنا عبد الملك يعنى ابن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال حدثني من سمع أم سلمة تذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت لها عليه فقال لها ادعى زوجك وابنيك قالت فجاء على والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري قالت وأنا أصلى في الحجرة فأنزل الله عز وجل هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فاخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير انك إلى خير
سادساً: سنن الترمذي ج 5 - ص 328 قال:
3875 حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال أنت على مكانك وأنت إلى خير ".
سابعاً: في المستدرك للحاكم النيسابوري ج 2 ص 416 قال:
( حدثنا ) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ثنا شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها انها قالت في بيتي نزلت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة يا رسول الله ما انا من أهل البيت قال إنك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
ثامناً: المستدرك للحاكم النيسابوري - ج 3 - ص 146 قال:
( حدثنا ) أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه وأبو العباس محمد بن يعقوب ( قالا ) ثنا الحسن بن مكرم البزار ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي * هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه *
واما الاحاديث التي ترويها عائشة فهي لا تقول نزولها في بيتها بل تفصل الحادثة التي حصلت ففي صحيح مسلم 7/130 قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ لأبي بكر)
قالا حدثنا محمد بن بشر عن زكرياء عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شبية قالت قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن بن علي فادخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء على فادخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
وتعبر عائشه (بخرج) يدل على ان الحادثة لم تحصل في بيتها بل راتها في مكان اخر تصرح به وهذا لا يصدم مع الروايات التي تشير الى نزولها في بيت سلمة بل هناك تصريح من عائشة بان الاية نزلت في بيت ام سلمة كما في تفسير فرات 334:
455 - 12 - فرات قال: حدثني عبيد بن كثير معنعنا: عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عائشة فقلت: أين نزلت هذه الآية: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا ï´¾ قالت: نزلت في بيت أم سلمة. قالت أم سلمة: لو سألت عائشة لحدثتك ان هذه الآية نزلت في بيتي. قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ في البيت ] إذ قال: لو كان أحد يذهب فيدعو لنا عليا وفاطمة وابنيها. [ أ، ب: وابنيهما ] قالت: فقلت: ما أجد غيري. قال [ ب: قالت ]: فدفعت وجئت [ ر: فجئت ] بهم جميعا فجلس علي بين يديه وجلس الحسن والحسين عن يمينه وشماله وأجلس فاطمة خلفه ثم تجلل بثوب خيبري ثم قال: نحن جميعا إليك - فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات - إليك لا إلى النار ذاتي وعترتي [ و. ر، ب ] أهل بيتي من لحمي ودمي. قالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم. قال: يا أم سلمة إنك من صالحات أزواجي ولا يدخل الجنة في هذا المكان إلا مني. قالت: ونزلت هذه الآية ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ).
واما الروايات التي يظهر منها نزولها في بيت فاطمة عليها السلام فهي غير صريحه في ذلك بل يفهم ذلك من قولها عليها السلام (دخل عليّ ابي رسول الله) في حديث الكساء المطول او ان الراوي يقول انه (اني جئت اريد عليا.....) ثم يذكر دخوله ونزول الاية فهذين الروايتين غير صريحتين في نزول الاية في بيت فاطم(عليها السلام) بل يمكن ان يكون النزول في بيت ام سلمة وان فاطمه كانت عندها عند النزول كما تشير بعض الروايات او انها استدعيت لذلك كما تشير روايات اخرى لذا فالتعبير (دخل عليّ ابي) يمكن له ان ينسجم مع نزولها في بيت ام سلمه و لعل تلك الروايات او غيرها التي يظهر منها نزولها في بيت فاطمة عليها السلام يشير الى الروايات العديدة التي تشير الى ان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) كان لمده سته اشهر يمر ببيت فاطمة اذا خرج الى الفجر فيقول الصلاة يا اهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا.
او يمكن القول بتعدد الواقعة فالاية نزلت في بيت فاطمه (عليها السلام) وكرر الفعل ايضا في بيت ام سلمة او بالعكس.