المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع التحليل السياسي عند علماء مدرسة أهل البيت:


السيد مهدي الحسيني
25-05-2014, 10:20 PM
من روائع التحليل السياسي عند علماء مدرسة أهل البيت:

كتب العلامة المنار، في ساحة هجر:

http://www.johod.net/~hajr/hajrvb/sh...hp?t=402954046

شكرا للأخوة الكرام لعل من المناسب أن نبين بعض المتعلقات في التحليل السياسي. وكيف يفكر السياسي الحقيقي؟ وليس الإعلامي .

السياسي الممارس يفكر بطريقة غيرمفهومة للعامة ولا يصح أن نكشف كل حيثيات تفكيره لأن بعضها لا يصح طرحه للعامة . ولوسألتني عن شكليات تفكير السياسي فسأجيب بسرور :

السياسي له ثلاث مهام أساسية :

الأولى: الإدارة. وهذه المهمة هي غالب ممارسة السياسيين في الشرق الأوسط وهم لا يملكون مؤهلات أخرى تقريبا.

والثانية: هي القانون . وهي في الغالب عند الدكتاتوريين عبارة عن قراراتهم هم وليس عبارة عن دستور ملزم له. ولكن على كل حال لا بد للسياسي أن يؤطر نفسه بقالب قانوني .

والثالثة : الاستراتيجية السياسية . وهي تحتاج إلى علوم عسكريةوسياسية واقتصادية وامنية واجتماعية .

وبتعبير سياسي فان السياسي يمارس الاستراتيجية والتكتيك والانضباط القانوني .

وهو يحتاج في الاستراتيجيةوالتكتيك. إلى المعلومات والى تحليل المعلومات .

ويحتاج في المجال القانوني إلى ضبط ومعرفة القوانين والدساتير ومعرفة صلاحياته وكيف يمارسها بقوة .

فالسياسي الحقيقي والمتمكن من فنه. لابد له من الاحاطة بخمسة أوستة علوم وهي :

السياسة والاقتصاد والإدارة والقانون والاجتماع والعلوم العسكرية.

حينما يحتاج السياسي إلى المعلومات يطلبها من عدة جهات عديدة .

وأول الجهات الموثوقة عنده في العصر الحديث هي المخابرات . وبعدها الاستخبارات الأخرى من عسكرية ومدنية .

وبعدها المعلومات الإدارية من دوائر الدولة والوزارات ،سواء في الداخل أو الخارج من السفارات .

وهو يركز أولا على المعلومة الصحيحةومن ثم يركز على كيفية تضليل العامة عن هذه المعلومة.

وبعد أن يحصل على المعلومات الصحيحة أو الأقرب للصحة حسب ما يراهايقوم بتحليل المعلومة بطرق كثيرة جدا.

وأهم شيء عنده استكشاف الحدث المستقبلي ليكون قرارا مناسبا حسب مصالحه ومقتضيات بقاءه إذا كان دكتاتورا .

وحسب مصالح دولته ومؤسساتها الاقتصادية والعسكرية وغيرها إذا كان في حكم غير دكتاتوري .

(مثلا بلغه أن العدو زاد من طول مدارج مطاراته مقدار مائة متر فسيعرف انه اشترى نوعا من الطائرات تحتاج هذا الطول وسيبحث عن مثل هذه الطائرات ومصادرها وسبب هذه الصفقة؟ هل هو تجاري بحث؟ أم استراتيجي وتحالف عدواني؟)واهم آليات قراءة الحدث هو تكوين مجموعة كبيرة من المعلومات المترابطة. وفق نظريات مركبة بين الإحصاء والاستنباط والتخيل الواسع.

وأركز على الخيال فهو أهم وسائل السياسي في التحليل . رغم وجود طرق كثيرة تعتمد الجانب الموضوعي بدل الذاتي .

ولكن السياسي يعتمد على حدسه كثيرا فيتقدير الأمور.

السياسي يعتني كثيرا بمبدأ الشك . ويرى أن الشك والاهتمام به خيروسيلة لمحاصرة المعلومات.

ويبدا من الشك في تفسير كل الظواهر التي تواجهه. ولكن يجب أن نغادر عن عمل السياسي القائد. إلى السياسي الممهد وهذايقوم بادوار مهمة في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للقائد. مثل موظفي وزارةالداخلية والخارجية والمخابرات والاستخبارات وموظفي الدولة والوزارات والقصرالرئاسي .

هنا يستخدمون جمع المعلومات وطرق الإحصاء وطرق التحليل المنهجي . وهم بعد القيام بهذه العمليات يقدمون التقارير الجاهزة للقادة . وهنا مقتل السياسي الحقيقي حينما يتحكم به مصدر معلومات غير دقيق أو يعتمد منهج للتحليل غير مناسب .

والمناهج المستخدمة مقسمة إلى :

مناهج التحليل الإحصائي

مناهج التحليل الدلالي

مناهج التحليل العقلي

مناهج تحليل المكونات الخارجيةوأغلب هذه المناهج معروفة ومدروسةمدرسيا حتى في الثانويات العامة خصوصا التحليل الإحصائي وتحليل المكونات الخارجية (الفهرسة الموضوعية للأشياء) . والمهم منها ومحل الأخذ والرد هو مناهج التحليلي العقلي والدلالي .

فمناهج التحليل العقلي تطورت منذ فيثاغورس الذي اخذ المنطق والفلسفة عن البابليين قطعا وقد اثبت الدكتور طه باقر ذلك.

ولكن لا يعلم هل فلسفته منقولة من البابليين نصا أم قام بتطويرها فهذا يحتاج إلى متخصصين ليبتوا فيه. ولحدالآن لا يوجد أجوبة جازمة . مما يعني أنه منطقة فراغ في التحقيق.

فيثاغورس اعتمد منهج التحليل الرياضي. وقال أنه حتى معرفة طبيعةالموسيقى تحلل على أساس رياضي (المعاني والأشياء ثابتة وتحلل على أساس جزئياتهارياضيا وفق بديهيات مسبقة) .فتهجم على منهجه هيراقيلطس وقال بالمنهج الجدلي (لايوجد فكرة ثابتة) وادخل إمكانية تقنين المغالطة.

فرد عليه أرسطو بالمنهج العقلي المتشدد الجامع بين التلقي والمعلومات العقلية القبلية الحاكمة لانتاج فكر سليم من الخطأ. ولكنه لم يعطي أي قيمة لما دون اليقين. فجعل المعرفة الحقيقية محصورةباليقينيات. والباقي لا يسمى علما. وإنما ظنا لا قيمة له .

فردعليه علماء الإسلام وقالوا بتطوير المنهج العقلي وقالوا بالعلم الاطمئناني . وإلافلا يمكن استبعاد العلوم التي لا تتصف بالدرجة العالية من اليقين . وبهذا قد تبطل الأديان والعلوم نفسها لعدم الوثوق بغير القطع اليقيني وهو متعذر في السمعيات والتجريبيات.

وكذلك رد عليه في الغرب ديكارت فقال بأن أساس العلم هو الذات ومنهاينبع اليقين . وليس الخارج .

فكيف يعتبر تصورات الذات ليست علما ولا يمكن أن يؤدي للكشف عن المجهول؟ بل ادعى إن وعي الوجود نابع من الذات أساسا (أنا أفكر إذن أناموجود) .

وهنا جاءت موجة نفي المنهج العقلي. وقالوا إن الإنسان لا يملك منهجا عقليا. وإنما تتكون معلوماته نتيجة التراكم الحسي للمعلومات (المنهج التجريبي ) . وقد غالى أصحاب المنهج التجريبي في الثقة به. ونفوا أي طريق آخر للمعرفة وقالوايجب تفحص كل معلومة بالتجربة والدليل الحسي.

فهجم عليهم (أمانويل كانت) قائلا : انه لا يمكن فرض معرفة مطلقا ما لم تستند إلى معلومات قبلية خلقها الله فينا مثل الواحد نصف الاثنين وهي قضايا بديهية لا تحتاج إلى برهان عائدا في نظريته إلى نظريةفيثاغورس البابلية والى جزء من نظرية أرسطو معمقا لها. فحتى التجربة لا يمكن أن تكون مصادق عليها عقليا ما لم تستند إلى قضايا بديهية قبلية، فان قضية ارتدادالمطاط بالصلب تحتاج الى مصادقة عقلية للقضية الكلية ولعملية الربط وهي عملية عقليةصرفة وقبلية صرفة.

وفي هذه الإثناء ظهر تطوير مهم من قبل العالم الألماني أدمونت هوسرل يجمع بين نظريتي (ديكارت وكانت) فقال : بوجود جانبين للمعرفة الأول موضوعي يفرضه الظاهر الخارجي والثاني ذاتي يحلل وفق منهج مقنن في ذات الإنسان . وقد اعترض عليه تلميذه (هدجر) قائلا أن نظرية هوسرل لا تخرج عن عالم الذهن كما هو حال ديكارت فهي ترجع الى الجانب الذاتي في النتيجة مهما اقرت الجانب الموضوعي لان الجانب الذاتي هو الحاكم. وهذا يعني أن القيمة الحقيقية للمعرفة هي قيمة ذاتية. وأنه لا يوجد في الخارج قيمة حقيقية للحقائق . فلهذا اقترح أن يقسم المعرفة إلى تحليل دلالي وتحليل وجودي (داخل الإنسان.. وخارج الإنسان) من اجل الرجوع إلى الواقع بقيمة الفن والجمال الذي لا يمكن أن يفسره منهج هوسرل.

وقدظهر عنصر جديد هو عنصر حركة الحداثة. حيث تقول هذه الحركة أن الفكر هو معالجةالمعلومات في العقل وهو مبني على أساس اللغة والدلالة. وان العقل ليس صفحة بيضاءوإنما هو وعاء مليء يفسر أي شيء يدخله بطريقته الخاصة وحسب سوابقه المعرفية (المعرفة الخلفية - الباك جراوند) .

فلهذا فان أي نص أو دلالة خارجية ستفسر وفق مشتهيات المتلقي فقط وليس وفق واقعها . وهذا هو أساس البنيوية الداخلية لعقل الإنسان. وقد استفاد من هذه النظرية كل الفاشلين الذين يريدون نفي أفكار الآخرين بهذه الحجة.

وهم الآن تيار كبير باسم التيار الحداثوي ولكن في الحقيقة لا يملكون منهجا يمكنه أن يفسر الأحداث بطريقة سليمة. وقد اتجهت دراسات تفسير الدين والسياسةعلى هذا الأساس. وقد تم البناء على الفهم الداخلي للمتلقي عن الديمقراطية والدكتاتورية والإدارة والدين والنص الدستوري والديني.... وهنا مشكلة المشاكل حيث يقول هذا الاتجاه إن النصوص الدستورية تتطور وفق مفاهيمنا. فتفقد فهمها الذي أراده واضع الدستور وتصبح حسب مقرراتنا (موت المتكلم) وقد تم تطبيق ذلك على الدين أيضا.

يعني ان الربا ليس حسب ما يريد المشرع وانما حسب فهمنا منه وكذا العلاقات الزوجيةوالعلاقات السياسية وغير ذلك.

وهنا ظهر الرياضي البريطاني برنت راند رسل في بدايات القرن العشرين. فأيد المنطق الارسطي وحاول تصحيح معطياته . وقال بان التعويض للمجهول الذي لا يوفره الواقع ولا توفره الذات يمكن أن يكون رياضيا باستخدام المعادلات الاحصاية مثل معادلات الاحتمالات لنفي قيمة الاحتمال المضاد .

فيتولدلدينا علم ذو قيمة شبه مطلقة من استقراء ناقص أو تحليل يعتمد على حصر المدركات في اتجاهات محدودة ويكون الحكم وفقها .

وهذا المنهج جمع بين طرق الاستقراءوبين الاستنباط ولم يلتفت لمنهج هوسرل في التفريق بين الذاتي والموضوعي والذي يمكن أن يحل مشكلة الاتجاه الموضوعي الصرف عند راسل.

والمنهج الأخير (منهج راسل) هو أكثرالمناهج استخداما في التحليل المعرفي الحديث في المجال العلمي والسياسي والاقتصادي. المستخدم في تحليل المعلومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها . وقد تعتمدبعض المؤسسات السياسية مناهج قديمة مكتفين بالحدس الشخصي لتحليل البيانات بطريقةخوارزمية الفا بيتا (استبعاد الاحتمال غير المنتج في البحث).

لكن في عالم السياسية هناك تشويش متعمد على المنهج التحليلي . يجعل المحلل غير قادر على تحديد المعلومة الصحيحة. ولهذا يمشي دائما بعكس الاتجاه ولايصل إلى ما يريد ولا يعرف لماذا؟ وهذا التشويش يقع بعدة أشكال منها توليف قاعدة لها وجه من الصحة ولكنها تعمم وتكون قضية كلية في أي منهج للتحليل . ومنها توريد منهج يغالي في الثقة بالمظنونات ويعتمد عليها فيصل إلى نتائج غير واقعية دائما وهذامشكلة اغلب مخابرات العالم. ومنها اعتماد المنهج الظاهري بمراقبة ظاهر الإحداث فيقع المحلل بخدعة الظاهر المشكّل عن عمد. والذي هو خلاف الواقع . (مثلا تحركٌ عسكري في الشمال بينما هو يريد الهجوم في الجنوب) فمثل هذه الخدع لا يمكن للمنهج الظاهرياعتبارها خدعة. وإنما هي ظاهر يجب البناء عليه. وهذا احد مشاكل المذهب الظاهراتي لهورسل.

وعلى كل فهناك الكثير من المشاكل التي ترافق التحليل غير مشكلةالمعلومات الكاذبة أو الخاطئة التي يتعمد السياسي تسويقها باعتبارها العنصر الأساسي في التغطية على ما يهدف إليه من تحرك يريد أن ينال به الفوز. وسأوضح المشكلة بمثال معروف عالميا .

هناك تسريبات لنظريات مشكلة قد دار حولها النقاش كثيرا مثل(نظرية المؤامرة).قد أطرت الفكر السياسي لمجموعات كبيرة من الحركات السياسية. لماذا هذه النظرية مشكلة ؟ وما هو موقعها من التحليل؟

إنها ليست منهج تحليل وإنما هي نظرية (تقولب) الأحداث. ولكنهاأصبحت قالبا حاكما على منهج التحليل السياسي عند الحركات التحررية وعند بعض الحكام. وهي مشكلة لأنها قد حرفت الحقيقة ودمرت التحليل الحقيقي عند الشعوب الإسلامية. وحكمت على المنطقة بعدم فهم الأحداث بشكل حقيقي.

فهي بنفسها مؤامرة كبيرة علىالمجتمع العربي والإسلامي. وقد كانت أساس التحليل السياسي عند الأحزاب العلمانيةكالحزب الشيوعي والبعثي والاشتراكي في كل العالم العربي وهي أساس التفكير السياسي عند حزب الإخوان المسلمين وعند حزب التحرير وعند حزب الدعوة وهي أساس التفكير عندمخابرات جمال عبد الناصر والمخابرات العراقية والسورية وغيرها.

لماذا هذه النظرية؟ ومن روجها؟ ولماذا أصبحت حاكمة على مناهج التحليل السياسي في المنطقة العربية؟

هذه النظرية روجها الفرنسيون في أوائل القرن العشرين ونشرها الإنجليز للاستفادة منها ثم تركزت على يد الأمريكان بعدالحرب العالمية الثانية.

ويقصد منها حرف بوصلة التهديف لمعرفة الأحداث ومسارها . فالتفكير بأن هناك صراعا دوليا وأنك واقع ضمن الصراع الدولي وان تصرفات منافسك المحلي هو جزء من المؤامرة الدولية وانه موجّه شخصيا ضدك من المخابرات الدولية . يجعلك تفقد البوصلة بشكل تام . ولا تعرف كيف تفكر ولا كيف تهدف؟ ولهذا شاع في المجتمع العربي نسبة جميع سيئات المجرمين المحليين الى الاستعمار .

فترى العراقي ينسب كل السيئات إلى الإنجليز وترى الجزائري ينسب كل السيئات إلى الفرنسيين . إنهاتغذية متعمدة للتفكير الخاطئ . القصد منها التربية على فقد بوصلة التهديف ولا يريدمنك المستعمر ان تثق فيه وتعاديه بتهديف صحيح وإنما ان تعاديه بتهديف خاطئ. حتى أصبح الشخص لا يعرف عدوه الحقيقي. ولا كيف تسير الأحداث؟ وقد يستفيد من هذه الحالةالعدو الداخلي حين يرى عدوه لا يفهم حركاته بشكل حقيقي . وهذا الحال قد تطور بشكل كبير في بعض البلدان . فبالرغم من أن تحليل الحكومة العراقية مثلا للأحداث مبني على نظرية المؤامرة ولهذا لم يستطع أن يفهم صدام ما يجري حوله بشكل جيد وخسر المعركةالسياسية قبل ان يخسر المعركة العسكرية باعتباره سائرا نحو وهم لا صحة له في كل ماقام به من قرارات وردود أفعال بحيث تم توجيهه وفق الوهم وأنتج هزيمة له ولمعسكركبير في العالم.

ولكن صدام نفسه ومجاميعه الإجرامية كانوا يستعملون نفس نظريةالمؤامرة . فكان في فترة حكمه ينسب كل أخطائه وإخفاقاته إلى العدو الإمبريالي الصهيوني . والناس صدقت هذا. بينما العدو الصهيوني بريء من إخفاقات صدام براءةالذئب من دم ابن يعقوب. وقد وصل من استغلال صدام لنظرية المؤامرة . ان جعل الشعب العراقي لا يفهم ما يجري ولا يدري هل كان قتل أبناء الشعب العراقي نتيجة خيانةللأمة أو نتيجة ظلم وجور وجريمة إنسانية يرتكبها صدام . فقد أصبح الشعب العراقي مذهولا ( الصدامي يَقتل ويقول [لست أنا] والشعب العراقي يٌقتل ويقول [ لا أدري] ). وحين سقط صدام ورأى إن الشعب العراقي لم يعاقب مجاميعه الإجرامية ولم يذبح قتلة العراقيين . رجع إلى القتل بعد ذهاب الخوف . ولكن خارج السجون . وباسم المقاومة وماشابه ذلك. فاخذ يقتل على الهوية ويفجر الأسواق واماكن الاكتضاض السكاني لطائفةمعينة وأماكن العبادة واهداف الدولة التي توفر الاستقرار. ومجموعة صدام تنشر بين الناس أن هذا من فعل الأمريكان وليس من فعل العراقيين . وتنتشر القصص اليوميةالمفتعلة . مثل أن رجلا تعطلت سيارته في أحد المراكز الاجرامية. فآواه رجل من أهل تلك القرية الاجرامية . وقال له إن أبنائي من المقاومة السنية فكن أنت سنيا حتى تسلم ولا تتكلم . فجاء أبناءه ليلا وجاءت بعدهم دورية أمريكية فسلمتهم المبالغ لعمل الجرائم غدا واستلم هو مبلغا من اجل أن يعمل جريمة قتل . وهكذا ثبت المطلوب . وانتشرت مثل هذه الدعايات. وكل شخص يرويها لك عن الشخص نفسه أو بواسطةٍ واحدة. والقصة تنتشر في كل العراق وعن جميع مراكز الإرهاب . وللأسف تجد الأحزاب الإسلاميةالتي يقتل أبناؤها يصدقون هذا التحليل. وينشرونه هم بين الناس ويشجعون تخريب بلدهم من اجل تصديق هذه الأخبار . ولو كان هناك منهج تحليل صحيح. لقال القائل لهم : طيب الامريكيون أعداء الشعوب المسلمة. ويمكن أن يدفعوا من اجل قتل بعضنا . ولكن لماذانحن نقبل أن نقتل بعضنا كما يريد الأمريكيون؟

هل نحن مكلفون بطاعتهم وإلا خسرناشرفنا وديننا فنقتل أنفسنا وأبنائنا؟ ولماذا نقبل أن نأخذ منهم الأموال لقتلأبنائنا؟ فأين الشرف والمقاومة في هذا؟ فهذه القصة لا تبرر عمل هؤلاء بل تضيف إليهم أنهم عملاء باعتراف هذه القصة بالإضافة الجريمة على الشعب العراقي ولهذا فيكون أنصار الحكم السابق عملاء للامريكان ومجرمون وقتلة للشعب العراقي وعديمو الشرف والالتزام ومرتزقة .

فانظر إلى فرق المنهج التحليلي بين من يريد أن يؤطر القضية وفق نظرية المؤامرة وبين من يريد أن يحلل الحدث وفق منهج عقلي استنباطي استدلالي.

فالقضية كلها عبارة عن تمرير قاعدة خطيرة تشل تفكير الشعوب وتفكيرالسياسيين لتضييع الهدف الحقيقي الذي هو تشخيص العدو الحقيقي.

فلهذا السبب تأخرت الحكومة العراقية في حل الأزمة المفتعلة . لأنهالا تملك منهجا يخلصها من طوق القضية القائلة بالمؤامرة . ولم تعتمد الحكومةالعراقية مبدأ التشخيص وفق المصالح الوطنية. وتحليل إرادة الآخرين وفق مصالحهمأيضا. وليس وفق نظريات وهمية كنظرية المؤامرة . التي تبرئ المجرم وتتهم الهواء .

وهذا الحال نفسه الآن في مصر وفي فلسطين وفي كثير من دول العالم الواقعة تحت إرهاب القوى الخفية والتي لا يمكن معرفتها لأن الناس يفكرون بنظريةمؤامرة دولية وقعت عليهم وتنسب الأعمال الإجرامية لتلك الجهات المجهولة.

ان اغلب الصراعات الوطنية الحاصلة في دول الشرق الأوسط والتي تفرّق المواطنين. بل تفرّق البيت الواحد . مبنية على اطر معرفية كاذبة. وعلى منهج تحليل لربط الوهميات وقبول الوهم كحقيقة بمعلومات لا يمكن تصديقها فضلا عن إقامة الدليل عليها . وهي التي تبني تؤسس الصراع . وفيها خلط متعمد بين السياسة والدين والمجتمع وفعل الإنسان الناقص بما لا رابط بينهما .

فقد أضافت القوى الخفية إلى نظرية المؤامرة نظريةالشحن الطائفي وتفسير كل التحركات السياسية على أساس أن الطائفة التي تطالب بحقهافي العيش والكرامة. تريد قتل الطوائف الأخرى. أي أن معنى كرامتها أن تموت الطوائف الأخرى ( الشحن الطائفي في الجزائر ومصر ولبنان والسعودية والعراق وباكستان وتركياوووو). وقد يثار جميع سيئات التاريخ وأكاذيبه لإقناع الرعاع بالنهج الطائفي في أي توجه وطني . وهذا إطار معرفي يحدد منهجا سطحيا مبنيا على الأوهام والأكاذيب لتأليف تصورات من اجل تغيير جهة العداء في الشرق الأوسط. فلا تكون اسرائيل والكيان الغاصب هو العدو. وإنما الشيعة مثلا هم العدو... لماذا ؟

لأنهم لا يؤمنون بحق أبي بكر وعمرفي إزاحة علي بن أبي طالب من الخلافة . [ فما علاقة هذا بذاك؟] ولهذا يجب أن لانكره اسرائيل ونكره الشيعة. ويقال للمسيحيين كذلك ضد المسلمين . إن هذا المنطق انتبه له كتّاب ومفكرين عرب سنة وشيعة ومسيحيون ودروز وغيرهم من الطوائف الدينية في المنطقة.

وهو معروف المصدر. ولكنه انتشر انتشار النار في الهشيم. والناشر مخابرات الدول الداعرة أو مثلا سعد الحريري الذي لا يكاد ينام صاحيا أو غير زانٍ في مراقص الغرب والشرق . فبيته خمارة وبيت دعارة حقيقي وهو يوجّه هذا التوجه الديني عند المسيحيين ضد الإسلام وعند السنة ضد الشيعة . لإنقاذ المشروع السياسي الوطني كمايقول بلسانه المائع.

حدثنا من نثق به أن احد العقلاء دخل إلى غرفة بالتوك ورآهم منهمكين في الصراع المذهبي والتشاتم. فطلب التكلم فسمح له : فقال أن العدو الحقيقي هواسرائيل. فلماذا ننسى عدونا وننهش ببعضنا ؟

فأغلق عليه الآدمن. وقال له اخرج فإنك خالفت قوانين الغرفة . يعني إن قوانينها تنص على أن لا ينتبه احد للعدو الحقيقي الغاصب. وأن يكون العدو هو أخوك في الدين وفي الوطن. ويجب نهشه وتحريكه لينهشك. [ لو فكر العرب والمسلمون في هذا فقط لكفروا بكل مناهج تفكيرهم الفاشلة]هذه كوارث حقيقية نتيجة تلاعب بالمناهج التحليلية وبالمعلومات . ولولا المنهج السطحي ومنهج اعتماد الموهومات والأكاذيب لما وصل المجتمع العربي لهذاالموقع المتخلف. ولما تم فك الطوق عن اسرائيل .

إن اسرائيل في هذا الظرف الحالي نتيجة هذا الصراع المفتعل. المبني على منهج تحليلي متخلف. هي في اشد حالاتها أمنا. وقد تكفل العالم السني بفك الطوق عنها. وبإبعاد أي خطر يقع عليها من جانب السنة أوالشيعة أو المسيحيين الغاضبين من اسرائيل. لأن السني أو المسيحي الذي يناهض اسرائيل سيتهم بالتشيع وممالئته حتى لو كان سلفيا تكفيريا للنخاع كحركة حماس . فإن هذاالمنهج كفيل بوضع التشيع في موضع العدو الأول والأخطر من اسرائيل المسكينة الواقعةتحت مقصلة الجلاد الشيعي الحماسي السلفي المكفر للشيعة المتأسف على وصول الشيعةللحكم في العراق الذي يجب قتلهم وإرسال الجهاديين إليهم كما تشير بياناتهم وندواتهم . [ نحن امام تركيبة غريبة جدا]

فالعالم العربي أصبح في حالة عدم تمييز المعاني بمايقارب وضع البهائم. بحيث يمكن أن يفرق الكلب بين العدو والصديق بمختلف حواسه وتفكيره. ولكن الإنسان العربي والمسلم لا يمكن أن يفرق بين العدو والصديق. لأنه يمتلك منهجا للتحليل يعتمد الأكاذيب مصدرا والتوهم منهجا للمعرفة اليقينية التي يبني عليها قتل نفسها والآخرين . فبمجرد أن تصله معلومة إن هذا المسلم من جماعةالأمريكان أو الشيعة فسيقدم جسده هدية لإسرائيل لينتقم من هذا المسلم فورا . بناءعلى هذه المعلومة الكاذبة. وهو لا يدري أن حقيقة الصراع في المنطقة هو بين شيعةإيران وبين أمريكا. وان اسرائيل تتصيد بالماء العكر . وهذا ما يقتضيه منهج الاستنباط والاستقراء الصحيح. أرجو أن اكون قد بينت بشكل إجمالي طرق المناهج التحليلية . وبينت مشكلة التلاعب بالمنهج التحليلي ووقوع اغلب المنطقة في براثن هذا التلاعب. وقد بينت مشكلتين فقط من عدة مشاكل منهجية موجودة فعليا في المجتمعات والحركات السياسية العربية والاسلامية.