المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زمن إستغلال العمائم!!


شجون الزهراء
08-03-2014, 01:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف


زمن إستغلال العمائم!!





إنها بضع مقارنات بين الماضي والحاضر، فلنتأمل بها جيداً حتى ندرك أبعاد المأساة.



في الماضي.. أي حينما كنا صغاراً، أذكر أن الخطيب المعمم ما إن ينزل من منبره بعد انتهاء محاضراته، كانت الناس تتدافع على تقبيل جبهته ويديه وعمامته وأطرافاً من عباءته، فيما كان بعض منهم يمسح عرقه ويضع شيئاً منه على وجهه تبركاً بعرق من أحيا ذكرى أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام). في ذلك الزمان كان للعمامة شأنها وهيبتها، فلم يكن أحد ليجرؤ على أن يرتديها دون أن يكون مؤهلاً لذلك، وكان بحق تاجاً على رؤوس أهل العلم والتقوى والصلاح.



وقد كان بعض العلماء من شدة ورعهم وتقواهم يعزفون عن ارتداء العمامة لأنهم يرون أنفسهم غير جديرين بها، فثمة عالم ذا مرتبة علمية عالية جعلته يحوز درجة الاجتهاد قضى في الحوزات أكثر من أربعين عاماً، لكنه حتى هذه اللحظة يمتنع عن ارتداء عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله لما تفرضه عليه من مسؤوليات جمّة لا يرى نفسه جديراً بها. وليس ذلك بغريب؛ فالعمامة تكسب صاحبها تمثيلاً شرعياً سيحاسب عليه أمام رب العالمين، إنه بذلك يتحمل مسؤولية خطيرة ذات التزامات متعددة وأدوار مختلفة، فهو الرجل الذي يعمل على حفظ عقيدة المؤمنين وبيان أحكام الدين، وهو من يقع على عاتقه تبليغ وترويج المذهب الحق، وهو الذي يربط المجتمع بالقيادة الدينية المتمثلة بالمرجعية، وهو من يتكفل بفض المنازعات وحل المشاكل في ما بين الأفراد وإقامة الحدود في حال كونه حاكماً شرعياً مبسوط اليد.


لقد كانت الناس في ما مضى تحترم العمامة وصاحبها احتراماً كبيراً لا يضاهيه احترام، ليس لمجرد عمامته، بل لأنه ينطق باسم الدين والمذهب واحترامه امتداد لاحترام الأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام). فلم يكن المؤمنون يرجعون إلى الحكومات المدنية لفض منازعاتهم واختلافاتهم، بل كانوا يحتكمون إلى المرجعية الدينية والفقهاء العدول ومن ينصبهم أولئك لذلك.


تلك مشاهد من الماضي القريب، ولننقل هنا مشاهد من حاضرنا البائس لنكتشف التحول الرهيب: فالمعمم اليوم يطلب سيارة أجرة في الدولة التي عمادها المعممون ولا يتوقف صاحب السيارة لإيصاله لأنهم (يكرهون المعممين) على حد قولهم! والمعمم اليوم يذهب إلى مجالس الديوانيات فلا يقوم له أحد احتراماً، بل يتأفف المتواجدون من حضوره! والمعمم اليوم يعتلي منبره ليخطب في الناس والحضور لا يتجاوزون أصابع اليد في غير المواسم، بل الأهالي يمنعون أبناءهم من التردد على تلك المجالس حتى (لا يتعقدوا من المعممين)! فما الذي حدث وأين مكمن الخلل وما هي المشكلة؟ لماذا بات الاحترام لرجل الدين المعمم مفقوداً في أوساط الأعم الأغلب من الناس؟ لمَ كرهوا زي علماء الدين وحديثهم ومنطقهم؟ فتارة يقولون بأن همّهم مصالحهم وجبي الأموال باسم (الخمس)؟ وتارة يقولون بأنهم أفراد لا صنعة لهم فامتهنوا مهنة رجل الدين وعاشوا عالة على المجتمع؟ وأخرى يقولون بأنهم أهل البحث عن (المتعة)؟ وهكذا تتوالى التهم واحدة تلو الأخرى.. ويبتعد المجتمع عن العلماء صالحهم وطالحهم، فما الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة يا ترى؟! هل هذه التهم صحيحة بحذافيرها؟ أم أن الأمر خلاف ذلك؟


ينبغي لنا بداية أن ندرك أن الوسط العلمائي هو كغيره من الأوساط، في الصالح والطالح، الحسن والرديء، المخلص وغير المخلص، الصادق والكاذب، وذلك أمر طبيعي إذ لا عصمة للبشر والمعممون منهم على أية حال. وإذا كان هناك بعض الممارسات الخاطئة فلا يحمل وزرها المجموع، أي لا يوجب ذلك النقمة على كل علماء الدين حيث (لا تزر وازرة وزر أخرى). غير أن هذه الحالة الطبيعية لا تمنعنا من قول الحقيقة سالكين في ذلك مسلك النقد الذاتي الإصلاحي.


إن الأمر ليس بفعل بعض الممارسات الخاطئة فحسب، بل هو يتعدى ذلك بكثير. إننا هنا نتحدث عن العمامة كرمز لا كملبس، فكيف سقطت هذه الرمزية في عيون المجتمع وما عوامل ذلك؟ لاشك بأن الإجابة على مثل هذا السؤال متشعبة كثيراً، لكننا لا يمكن أن نوجه أصابع الاتهام إلى مجرد بضع ممارسات من ذوي الضمائر الضعيفة ممن ارتدوا جلباب الدين وغرتهم الدنيا ببهرجها وزخرفها، لأن مثل تلك المماراسات كانت حاضرة على مختلف الأزمان، قديماً وحديثاً، فما التحول الذي طرأ الآن خصوصاً؟


إن هذا التحول مرده عوامل رئيسية غيرت كثيراً من المعادلات التي كانت تحكم الوسط العلمائي، من بينها العامل السياسي الذي تمثّل بقيام أول تجربة للحكم الإسلامي الإمامي في إيران وما رافق هذه التجربة من إخفاقات ولدت شعوراً بالإحباط والانتكاسة. ففي الوقت الذي كانت تتطلع فيه الشيعة إلى نموذج تكاملي مثالي يعزز من المكانة التاريخية للمدرسة الإمامية ويقدم صورة مشرقة لطبيعة توليها السلطة، جاءت الممارسات الخاطئة من قبيل اللجوء إلى العنف وسلب الحريات وإلغاء الآخر وحصر الشرعية في قطبية أحادية علاوة على قمع بعض المرجعيات المخالفة كما حدث لآيات الله الشريعتمداري والشيرازي والمنتظري، جاءت تلك الممارسات لتصب في قالب أوجد نفوراً من النموذج الإسلامي وردة فعل عكسية.


لقد شاهدنا ذلك بأم أعيينا في جولاتنا ولقاءاتنا، فتجد معمماً متخرجاً من هذه المدرسة السياسية يتقن فنون العمل السياسي ببراعة، لكنه يجهل أبسط المسائل الشرعية. لقد أصبحت العمامة وفق هذه المعادلة مجرد وسيلة للوصول إلى مناصب اتخاذ القرار، وذلك نابع من تلك المدرسة السياسية التي مارست أدوات كثيرة بغية تسييس أنظمة الحوزات العلمية، وهذا ما حدث فعلاً مع الأسف. لقد كان هذا الهاجس - أعني توظيف الدين في خدمة السياسة - ماثلاً في أذهان كثير من العقلاء إبان قيام هذا النموذج، وقد أثبتت التجربة أنه في محله، واليوم يلمس الجميع كيف ارتد الشارع الإيراني عن قيادة المعممين وفقد الثقة بهم، وكان من نتاج ذلك أن نفر الشارع من الدين بشكل عام وبدأنا نلاحظ كيف تخرج الفتيات كاشفات أكثر من نصف رؤوسهن وهن يرتدين بعض النظارات المثيرة وبنطال (الجينز) - وإن سترنه بعباءة تظهر منه أكثر مما تخفي - خلف شباب (متأمرك) على الدراجات النارية في الشوارع والأزقة، بل وقرب المراقد المقدسة هناك. إن هذه الجموع الشعبية التي كانت محور قيام النظام الإسلامي انقلبت اليوم عليه، لأنها لم تر فيها ما كانت تتأمله. هذا مثال باختصار عن العامل السياسي.


ومن عوامل تدني درجة احترام العمامة؛ عامل التباعد المرجعي. فهذا التشتت في ما بين المرجعيات الذي وصل في أحيان إلى حد المحاربات المكشوفة والفتاوى المتضادة أعان على تغيير نظرة الناس إلى المعممين ورجال الدين، وكيف لا وهم ينظرون إلى إمام مسجد فلاني يكرّس طاقاته وجهوده كلها لمحاربة مرجعية أخرى منافسة ويدعو المصلين إلى عدم الصلاة في المسجد الذي يمثلها لأن الصلاة خلف إمامه باطلة! وكيف لا وهم يرون المعممين يتناطحون في ما بينهم لأجل الاستحواذ على الساحة وتأليبها ضد خصومهم! وكيف لا وهم اكتشفوا أن كثيراً من أولئك المعممين يقولون ما لا يفعلون (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)!


ولو أن المرجعيات حاولت بحق أن تقرب المسافات في ما بينها من خلال نظرية (شورى الفقهاء) الحضارية؛ لارتفعت معظم الحواجز في ما بينها ولتلاشت معظم الخلافات إلى حد كبير، خاصة تلك التي كان للقوى الاستعمارية الدور الرئيسي في إذكاء نارها لإدراكها بأن توحد المرجعيات يعني نشوء قوة إسلامية صلبة تدفع بالمسلمين للتغيير والتصدي لمحاولات الاستغلال الغربية، وتكوين الدولة الإسلامية العالمية الواحدة في مرحلة متقدمة.


ثم لا يُغفل في هذا الإطار دور الكتل الحزبية في تأجيج الساحة، وهي ذاتها التي ساهمت في إلغاء محدّدات رجل الدين وشروط أهليته لذلك، فرفعت ومجدت من ينجسم معها، وحطت من قدر من يختلف وإياها. وهذا المطلب يحتاج إلى تفصيل غير أننا نكتفي بهذا المقدار حول عامل التباعد المرجعي لننتقل إلى العامل الثالث والذي نطلق عليه (استغلال العمامة)!


إن كثيرين من الذين أرادوا تحقيق طموحاتهم الشخصية وجدوا في العمامة وسيلة سهلة لذلك، خاصة بعدما أصبح نيلها سهلاً بالالتفات للعاملين الأول والثاني اللذان ذكرناهما آنفاً. أولئك شوّهوا كثيراً سمعة رجل الدين المعمم، حيث إنهم استغلوا العمامة استغلالاً بشعاً ومأساوياً، وبعضهم قدّم إلى العامة صورة منحطة لرجل الدين فالواحد منهم تراه لم يحصِّل العلوم الدينية إلا لفترة وجيزة يعود بعدها لينخرط في المجتمع ويفصّل الأحكام كما يحول له وكيفما شاء، وذلك يعود إلى عدم رغبته بمواصلة الدراسة الحوزوية أصلاً فالهدف عنده هو مجرد لبس (العمامة).



أذكر ذات ليلة أني كنت جالساً في ديوان أحد التجار هنا في البلد، وبينما كنت أتجاذب أطراف الحديث معه حول إحدى المشاريع وإلى جانبي سماحة الخطيب الشيخ مرتضى الشاهرودي، وإذا بثلاثة من المعممين الإيرانيين يدخلون ويسلمون على الحاضرين فرداً فرداً، حتى إذا وصلوا إلى صاحب الديوان قبّلوا رأسه! ثم بدءوا بالحديث معه طالبين منه بعض المال. كان التاجر ذكياً فجرّهم في الكلام إلى أن اعترفوا أنهم قدموا خصيصاً من إيران للتسول لا أكثر! وأنهم دفعوا كذا وكذا لمن استقدمهم ببطاقة زيارة (فيزا)، والعجيب فيهم التبجح والقهقهة خلال حديثهم! عندئذ التفت سماحة الشيخ الشاهرودي إليّ قائلاً: (أ رأيت كيف يأتي هؤلاء الحثالة ليسودوا وجه رجال الدين؟!) وخرج غاضباً. كان هذا موقفاً غريباً شهدته للمرة الأولى، غير أني سألت التاجر عن أمثال أولئك فقال: (أنت لا تعلم.. يأتيني في السنة ما لا يقل عن ألف رجل من هذا النمط)!!


إن حالات انتحال شخصية عالم الدين زادت في الآونة الأخيرة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أيضاً من انتحل شخصية مرجع التقليد وهو ليس كفؤا للبس العمامة أصلاً! ولم يعد مستغرباً من مثل هذا أن ترى صورته - وهو في زيه العلمائي الكامل وعمامته السوداء الكبيرة - في لقاء صحافي أجرته معه مجلة خلاعية تركية إلى جوار صورة لامرأة متجردة من ثيابها تماماً! ولم يعد مستغرباً ممن كان همّه الظهور السياسي أن يُشاهَد بعمامته في صحيفة كويتية فاتحاً جلبابه ومتحدثاً عن حلِّية الأفلام الجنسية ومغامراته الشبابية وخدماته لمن يعانون ضعفاً في الاستجابة الجسدية! ولم يعد مستغرباً أن يظهر زعيم لإحدى أهم فصائل المعارضة الإسلامية العراقية على شاشة فضائية عربية متحاوراً مع مذيعة سافرة تلبس لباساً مثيراً! ولم يعد مستغرباً أيضاً أن يخرج مجموعة معممين من طورهم ويرقصون بعمائمهم أمام الملأ رقصة (الدبكة) اللبنانية ابتهاجاً بانسحاب القوات الصهيونية من الجنوب! والأمثلة تتوالى.


هؤلاء لا يهمهم أمر العمامة وسمعة الدين والمذهب، فقد أخذوها وسيلة لتعويض النقص الذي يشعرون به إزاء المجتمع الذي رفض المصلحيين، تماماً كما تفعل المرأة السافرة التي تضع على وجهها أطناناً من مساحيق التجميل وتتفنن باستخدام أحدث أنواع العطور والملابس الفاتنة، لأنها تعاني من عقدة نقص تعود إلى إحساسها بأن الرجال يرونها قبيحة الشكل والمظهر. هنا يظهر الجانب السلبي من حياة الإنسان، ذلك الجانب الذي يقوده إلى ارتكاب المحرمات في سبيل نيل مطالبه الدنيوية.


لقد لعب هؤلاء دوراً أساسياً في زعزعة احترام الناس لشخصية علماء الدين، الذين كانوا يحظون في ما مضى باحترام واسع من قبل المجتمع. لقد أصبحت العمامة مع الأسف مهنة من لا مهنة له!


ونحن لا نملك إزاء تشخيصنا لهذه الحالة المزرية إلاّ أن ندعو الناس إلى التفريق بين الصالح والطالح، فما كل من إرتدى العمامة معمم حقاً، وما كل من لبس جلباب الدين عالم حقاً. والتمييز أمر ضروري حتى لا يُغرر بالأمة ولا تنقاد لمن لا يستحق. على أننا نؤكد أن الحوزات العلمية وهي حصون آل محمد (عليهم الصلاة والسلام) ستبقى بعون الله تعالى تحت نظر مولانا صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فيحميها بقدسيته من الاستغلال والاختراق والتشويه، وهو القائل (صلوات الله عليه): (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).


وإن كان للمؤمنين من دور في هذا الصدد فإنه يكمن بتمسكهم أكثر وأكثر بالمراجع والعلماء الأعلام الذين تثق بصلاحهم الأمة فتسلمهم أمر قيادتها لأنهم القادة بنص الشارع المقدس، ولا ينبغي أن تتزعزع هذه العقيدة في نفوسنا حيث إن تكثيف إرتباطنا بالعلماء الأجلاء سيساعد كثيراً على تنقية الصفوف ممن ينتحل هذه الشخصية المقدسة ويوظفها لخدمة مصالحه وطموحاته. فالمصلحيون أولئك لا يمثلون بأي حال من الأحوال هذا الدين العظيم وهذه المدرسة الإمامية النورانية.

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::

نرجوا منكم عدم وضع صور لاشخاص مجهولين بحجة انه معمم فمهما حاول القوم الاساءة لهذه العمامة المقدسة فلن يصل الامر لهذا الحد ، ينقل للقسم المناسب


:::الجابري اليماني:::

عصر الشيعة
08-03-2014, 01:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

اختي الكريمة اعتقد يوجد قسم للحوزة العلمية هذا للحوار العقائدي وليس الشيعي الشيعي

شجون الزهراء
08-03-2014, 01:36 AM
جزاكم الله خير ينقل الى القسم مناسب

مولى أبي تراب
14-03-2014, 11:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استغلال العمامة يدخل في إطار استغلال الدين ، وكما نعلم أن استغلال الدين أمر متعارف وموجود ليس اليوم أو أمس بل منذ صدر الإسلام الى اليوم هناك من يستغل الدين للوصول الى مآربه الشخصية ومصالحه الخاصة ، كما أن ذلك غير مقصور على شريحة معينة وجماعة خاصة بل هو متصور وواقع من مختلف شرائح المجتمع وأصنافه ، فوسائل استغلال الدين عديدة فقد يستغل الدين بواسطة العباءة مثلاً أو عن طريق اللحية مثلاً أو المسبحة أو الصلاة والصوم ، وليس معنى الرياء الا ذلك فالمرائي في الحقيقة هو مستغل للدين عن طريق ممارسة طقوسه وعباداته ، وهكذا يمكن أن نتصور استغلال الدين في أمور كثيرة كممارسة الشعائر والزيارات بل كل ما له صلة بالدين يمكن أن يكون وسيلة لاستغلال الدين ، ومن ذلك استغلال العمائم فهو وسيلة من الوسائل العديدة والمتنوعة لاستغلال الدين .
على أي حال أود التعليق ببعض الأمور :
الأمر الأول / الكاتب لم يوفق أبداً في اختيار العنوان المناسب للمقال ، فعنوان المقال لا يخلو من حيف وظلم لمعممي هذا الزمن ، لأنه يوحي بكون استغلال العمامة بات أمراً متفشياً بين معممي هذا الزمن حتى أن جلّهم إن لم يكونوا كلهم هم كذلك ، فإنه بحسب عرف المحاورة فإن وصف الزمان بوصف معين فيه إشارة الى كثرة وقوع الوصف وشيوع تحقق الاتصاف ، فعندما يقال زمن النزول أو زمن القحط أو زمن الجور أو زمن التقية أو زمن جني الثمر ونحو ذلك فليس المقصود وقوع هذه الحوادث في أزمنتها لمرة أو مرتين مثلاً بل المتبادر كثرة وقوع هذه الحوادث حتى استوعبت زمان وقوعها أو شغلت غالب آناته وهذا ما يوحي به التعبير بزمن استغلال العمائم فالسامع مباشرة يفهم تفشي هذه الظاهرة وليس معنى ذلك الا اتصاف أغلب المعممين بها ، وهذا خلاف الواقع مهما بلغت الوقائع والحالات التي يمكن الاستشهاد بها على وقوع الاستغلال ومهما كان عدد من اتصف بالاستغلال من المعممين فإنهم بلحاظ مجموع المعممين قليل ، فقد يكون الشيء في نفسه كثيراً الا أنه بلحاظ غيره وبقانون النسبة والتناسب قد يكون قليلاً فماء النهر في نفسه كثير الا أنه بالنسبة الى ماء البحر ليس بشيء يستحق الذكر ، وهكذا الحال في استغلال العمامة وعدد المعممين المتصفين بذلك فحتى لو سلمنا بكثرتهم فإنهم بلحاظ مجموع المعممين قليل فلا يصح نسبة الاستغلال الى الجميع أو الغالب كما يوحي به العنوان ، خصوصاً إذا لاحظنا لفظ ( العمائم ) فهو جمع محلّى بأل وذكروا أن الجمع المحلّى بأل يدل على العموم والشمول ، فقول الكتاب زمن استغلال العمائم معناه كل العمائم أو لا أقل الغالب وهذا خلاف الواقع ، ربما الكاتب غير متفطن الى ذلك وليس هو مقصوده لكن على أي حال هذا ما يعطيه كلامه من معنى ومن يكتب عليه أن يعرف ماذا يكتب وهو مسؤول عما يكتب .
الأمر الثاني / مضافاً الى ما تقدم فإن العنوان يوحي بشيء آخر أيضاً وهو أن ظاهرة استغلال العمائم ظهرت ووجدت في هذا الزمن ولم تكن قبل ذلك موجودة ، وهذا ما صرح به الكاتب من حديثه عن الخطيب والتبرك به سابقاً ، ولكن هذا غير صحيح فاستغلال العمامة موجود في كل زمان ، غاية الأمر أن يقل في زمان ويكثر في زمان آخر ، فربما لم يكن ملموساً سابقاً بشكل واضح والآن صار ملموساً ولكنه موجود في كل زمان ، ولعل زيادة هذه الظاهرة في هذا الزمن ولم تكن كذلك سابقاً يرجع لأمور منها :
1. قلة عدد المعممين سابقاً عن عددهم في زماننا - وأتحدث على مستوى العراق على الأقل - ، مضافاً الى اقتصار وجودهم سابقاً على مراكز العلم ولم يكن لهم أي تواجد في سائر مدن البلاد الا أفراداً قليلين من أئمة المساجد والوكلاء في المحافظات مع ما كانوا يعيشونه من عزلة عن الناس بسبب الضغط والتقية في زمن حزب البعث ، أما الآن فنحن نتحدث عن آلاف المعميين في سائر محافظات البلد باختلاط كبير مع المجتمع ، فمن الطبيعي أن يكون هناك فرق بين هذا الزمن وما قبله .
2. قلة فرص الاستغلال للمعمم سابقاً في ظل بساطة الحياة مع ظرف التقية الذي كان يعيشه المعمم سابقاً ، بخلاف اليوم حيث انفتحت آفاق السياسة وسائر مجالات الحياة التي انخرط فيها بعض المعممين ، وربما لو أتيح ذلك لمن سبق لرأينا من بعضهم مثل ما نرى اليوم .
ما أريد أن أقوله أن المقال يصوّر أن حالة هبوط أخلاقي حصلت في شريحة المعممين وأنها بعد أن كانت ملائكية في زمن سابق فإذا بها في هذا الزمن شيطانية استغلالية !! وهذا تجاوز كبير على هذه الشريحة المباركة وفي ذلك ما لا يخفى من الظلم .
الأمر الثالث / في المقال خلط كبير بين استغلال العمامة وخطأ المعمم ، فالمفروض أن المقال مسوق للتعرض لاستغلال العمائم لكن أغلب الشواهد المذكورة في المقال ليست من الاستغلال في شيء وإنما هو استعراض لبعض الأخطاء والشطحات صدرت من بعض المعممين ، وليس كل خطأ هو استغلال وإن صح العكس فبين المفهومين عموم وخصوص مطلق إذ كل استغلال خطأ لكن ليس كل خطأ هو استغلال ، على الأقل بالمعنى الذي نفهمه من الاستغلال والا فقد يقال أن بينها عموماً وخصوصاً من وجه فقد لا يكون كل استغلال خطأ بل بعض الاستغلال خطأ كما أن بعض الخطأ استغلال ، وعلى أي حال كثير من الشواهد المذكورة ينبغي تصنيفها على أنها تصرفات خاطئة صدرت من هذا المعمم أو ذاك ولا تصنف على أنها استغلال للعمائم ، فما يوحي به عنوان استغلال العمامة أن شخصاً معمماً يستغل حسن ظن الناس بالمعممين وثقتهم بهم وتقديرهم للعمامة فيصل عن طريق ذلك الى بعض منافعه ومصالحه من قبيل أن يطرح نفسه للانتخابات مثلاً ويعد الناس بأنه على تقدير فوزه يتصرف معهم من منطلق عمامته وحسن ظنهم بها مع أن قصده الفعلي هو استغلال العمامة للفوز في الانتخابات فمثل هذا يعد استغلالاً ، أو من قبيل ما كنا نشاهده في السابق من بعض المعممين في الأضرحة المقدسة من استغلال قدسية العمامة في جذب الزوار والحصول منهم على بعض المنافع والهدايا ، فالاستغلال يتضمن الخداع للناس من أجل تحقيق المنافع الشخصية ، وبعبارة أخرى الاستغلال هو التظاهر والاتصاف بالأمر المحبوب والمرغوب من أجل الوصول الى غير ذلك ، أما الدبكة مثلاً من بعض المعممين اللبنانيين فهذا قد يكون تصرفاً خاطئاً ولكنه ليس استغلالاً للعمامة لأنه ليس فيه خداع للناس وليس تظاهراً بالأمر المحبوب من أجل الوصول الى غيره حتى يكون استغلالاً بالمعنى العرفي للاستغلال ، والظهور في مجلة منحرفة ليس استغلالاً للعمامة بل هو تصرف خاطئ لأن مثل هذا الفعل لا يوصل الى بعض المنافع والمصالح الخاصة عن طريق العمامة حتى يكون استغلالاً لها بل على العكس فهذا الرجل أضر بنفسه وأساء لها بتصرفه هذا ، وهكذا .
فإذا وصلنا الى هذه النتيجة وهي أن هذه الشواهد تصنف على أنها تصرفات خاطئة لا استغلال للعمامة حينئذٍ سيختلف الكلام كثيراً ، فكما ذكر صاحب المقال أن المعممين ليسوا معصومين فقد يصدر منهم الخطأ ، ولا نتوقع من المعمم أن يكون معصوماً فلماذا نثير ضجة كبيرة حول سلوك هذا المعمم أو ذاك حتى نعد الأمر استغلالاً للعمائم ونصف الزمن بأنه زمن استغلال العمائم ؟ نعم بعض التصرفات والأخطاء لا تكون مغتفرة عند صدورها من معمم ، لكن لا يستدعي الأمر كل هذه الضجة على العمائم حتى نعد هذا الزمن زمن استغلال العمائم ونحو ذلك ، بل معمم صدر منه تصرف خاطئ فالأمر لا يعدو كونه أزرى بنفسه وأساء إليها وأنه شخص لم يحترم العمامة ليس أكثر من ذلك .
الأمر الرابع / إن نسبة عزوف بعض الناس عن الدين الى استغلال العمائم كما في المجتمع الإيراني - على حد كلام الكاتب - غير مقبولة إطلاقاً ، فلا يمكن أن يكون استغلال العمائم أو بالأحرى التصرفات الخاطئة لبعض المعممين هي السبب في عزوف الناس عن الدين وفقد ثقتهم به ، هذه مجرد كذبة وحجة يحتج بها من ليس له توجه ديني ويريد الانفلات من التكاليف الدينية فيحاول أن يبرر تمرده على الدين بالسلوك الخاطئ لأهل الدين ورجال الدين لأنه لا يستطيع أن يقول أنا غير متدين ولا رغبة لي بهذا الدين ولا أطيق تعاليم الدين ولا أريد الالتزام بأحكام الشريعة فيتخذ من هذه الأعذار حجة للتملص من الالتزام بالدين ، وهل العبادة للمعممين حتى إذا ما وجدنا منهم استغلالاً للعمائم أو تصرفاً خاطئاً نكفر بهم وبالدين ؟ العبادة لله تعالى والمعمم مجرد واسطة بينا وبين الله تعالى ووسيلة لمعرفة الدين فإذا ما ثبت استغلال واحد منهم لعمامته فهذا لا يعني سقوط العبادة وانهيار الدين بل ببساطة أتحول عنه الى واسطة أخرى ورجل دين آخر أثق به ، بل لا يكون هناك عذر لأي مكلف حتى لو ثبت عنده عدم كفاءة جميع المعممين والعياذ بالله فالدين أمر متيقن والتكليف معلوم على أي حال ولا يسقط لأي سبب كان ، لكن كما قلت هذه مجرد كذبة وتبرير غير منطقي وحجة داحضة يتمسك بها من لا رغبة له في الدين للتبرير لنفسه وعلى ذلك كثير من الناس ، مثلاً بعض الناس يوعز سبب عدم التزامه بدفع الخمس الى عدم ثقته بالمراجع فهو يظن أنهم يصرفونها على أنفسهم وهذه مجرد حجة سخيفة لتبرير عصيان هذا التكليف فلو فرضنا أنه لا يوجد أي مرجع ثقة فهذا لا يبرر عصيان تكليف مهم ذكره الله في كتابه الخالد ويمكن أن يتصدى الإنسان بنفسه لإيصال الحق الى مستحقيه لو كان فعلاً لا يثق بالمعممين لا أن يسقط التكليف بالخمس عن نفسه ، وما ذنب الفقراء يحرمون من حقهم ؟ ولكن هي مجرد حجة غير منطقية ولا مقنعة ، ومثلاً ذات مرة بلغني أن فلاناً لا يصلي وعندما سئل لم لا تصلي ؟ كانت حجته أنْ قال : كيف أصلي أنظروا الى فلان المتدين والمصلي كيف يضرب أمه كل يوم !! فقلت لهم قولوا له ولماذا لم تنظر الى الملايين غيره من المؤمنين الذين يصلون ولا يضربون أمهاتهم بل يبرون بهن ويعظمونهن ؟ ولماذا تتخذ هذا أسوة وتترك من يستحق التأسي به ؟ وهل ضربه لأمه يسقط عنك التكليف بالصلاة ؟ أي تفكير هذا ؟ واضح أنها حجة واهية كصاحبها ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوعز سبب تراجع التدين والالتزام في المجتمع الإيراني أو غيره الى استغلال العمائم ، وكما قلنا هي مجرد حجة واهية تفوح منها رائحة التبرير والتملص من التكليف .
ولذا نجد المؤمنين المخلصين والمتدينين الحقيقين ثابتين على دينهم متمسكين بعقيدتهم وطاعتهم وعبادتهم لربهم مهما حصل من استغلال للعمائم كما يقال ، فعبوديتهم الحقيقة لا تسمح لهم أن يتخذوا ربهم ورائهم ظهرياً ولا يتحججون بأي شيء وهنا يتضح الفرق بين الصادق والكاذب وبين المتدين الحقيقي وبين مدعي التدين ، ولو كان استغلال العمائم هو سبب عزوف الناس عن الدين فلماذا لم يترك هؤلاء تدينهم ؟ .
الأمر الخامس / لا يمكن حصر سبب تراجع هيبة العمامة باستغلال العمائم فهذا - على تقديره - واحد من الأسباب لا تمام السبب بل هناك أسباب أخرى لا ترجع الى رجال الدين بل تتعلق بالناس أنفسهم ، وأحد أهم الأسباب عزوف غالب الناس عن الدين وابتعاد الكثير عن الالتزام الديني ، ومن الطبيعي من لا تكون له صلة بالتدين ويعزف عن الدين لا تبقى له أي علاقة برجال الدين وبالعمائم ولا يجد في نفسه هيبة للعمائم ، ومن لا تكون للدينة هيبة في نفسه من باب أولى أن لا تبقى للعمائم هيبة في نفسه ، والدليل على ذلك أننا لا نجد قلة الاحترام وعدم الهيبة للمعممين والعمائم الا عند غير الملتزمين ، أما الملتزمون فمهما لمسوا بعض الأخطاء من بعض المعممين فلا يقودهم ذلك الى النظر باستصغار وعدم هيبة للعمائم ، مما يدل على أن سبب من أسباب فقدان العمائم هيبتها يعود الى فقدان الدين لهيبته في نفوس الكثير من الناس الذين صارت الدنيا أكبر همهم ، لماذا لم نعد نرى من يتمسح بعرق الخطيب ؟ ترى هل خليت بحيث لم يبقَ من يستحق أن يتمسح بعرقه من المعممين ؟ أم أن المتمسحون والمتبركون لم يعودوا موجودين ؟ .
وكون أكثر الناس عازفين عن الدين وفقد الدين هيبته في نفوسهم واقع لا يمكن إنكاره فأين تدين أهل هذا الزمان من تدين وفطرة من سبقهم ، وبدلاً من أن نقارن بين عمائم اليوم فنقول زمن استغلال العمائم وعمائم الأمس فنقول كانت مقدسة يتبرك بها يمكن أن نصور القضية بتصوير آخر فنقول أين طيبة وتدين وفطرة آبائنا وأجدادنا الذي كانوا يقدسون العمائم لقدسية الدين في نفوسهم مقارنة بكثير من أهل هذا الزمن الذين لم تبق في نفوسهم قدسية للدين فضلاً عما يرتبط به من عمائم أو غيرها وصارت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ؟! .
الأمر السادس / وهذا مهم وينبغي الالتفات إليه وهو أننا نعلم أن المذهب له أعداء غاية في العدائية ، ونعلم أنهم يعملون ليل نهار للكيد بهذا المذهب وتسقيطه والقضاء على أتباعه ، وللمعممين ورجال الدين النصيب الأكبر في هذا العداء ، فالأعداء يعلمون جيداً أن المعممين هم عماد هذا المذهب وهم المدافعون عنه المشيدون لأركانه الحافظون له من الأخطار ، لذا يبذل الأعداء أقصى جهودهم لتسقيط هذه الشريحة لتمهيد الطريق للقضاء على المذهب الذي لا سبيل للقضاء عليه الا بإسقاط شريحة المعممين وتسقيطهم ، لذا فإن المعممين يتعرضون لحملة كبيرة من التشوية غاية في الخسة والوضاعة وليس أفضل من تهم الجنس وسيلة للتسقيط لذا نجد الأعداء يركزون على هذه النقطة ، مضافاً الى مختلف التهم الأخرى ، حتى وصل الأمر الى تمثيل بعض المقاطع التي تصور بعض المعممين المزيفين بحجة أنهم رجال دين شيعة وهم في أوضاع لا أخلاقية فيصورون معمماً يرقص وهناك مقطع يصور معمماً يتحرش بالنساء في الزحام وآخر يطارد فتاة في الشارع وآخر في وسط تجمع نسوي يطلبن منه المتعة ووو ، كل ذلك لتسقيط المعممين وتشويه سمعتهم ، ولا ننسى ما كان يفعله مجاهدو خلق عبر قناتهم التي كانت تبث في الثمانينات بعد انتهاء بث قناة بغداد ، والى الآن أتذكر تلك المشاهد التي يصورون فيها المعممين راقصين مطبلين خمّارين كل ذلك كيداً بحكومة المعممين في إيران وسعياً في تسقيطها وإسقاطها . والأمر أكثر من ذلك وأسوء فقد سخّر الأعداء بعض المرتزقة والعملاء من داخل المذهب وخارجه ليتغلغلوا بين المعممين ويرتدوا العمامة لتحصيل بعض المكاسب كمعرفة نقاط ضعف المذهب للضرب عليها ، أو للتصريح باسم المذهب الشيعي بما يخدم الأعداء باعتبار أنهم من رجال الدين الشيعة ، بل ربما قضى أحدهم السنين في الحوزات على أنه طالب علم شيعي حتى يعلن تسنّنه بعد ذلك ليقال المرجع الفلان صار سنياً ، ولا ننسى أيضاً ما كان يفعل حزب البعث من زرع بعض العيون والجواسيس بين المعممين لمعرفة نشاطاتهم وكان ذلك يتطلب أن يتظاهروا بزي رجال الدين ويرتدوا العمامة . كل ذلك يجعلنا على يقين بأن الكثير مما وقع من استغلال العمائم والكثير مما صدر من انحرافات هي لم تصدر من المعممين الحقيقين بل مصدرها معممون مزيفون تعمدوا فعل ذلك من أجل تشويه صورة المعمم المقدسة في نظر المجتمع ومن أجل عزل الناس وإبعادهم عن المعممين حتى يسهل اختراق المذهب ، ولا يمكن أن أقتنع بأي حال من الأحوال أن من يظهر في مجلة خلاعية - مع علمه بذلك وتعمده إليه - هو معمم حقيقي ورجل دين حقيقي لو لم يكن المقصود من ذلك تحقيق أغراض أخرى ، فمهما بلغ المعمم الحقيقي من السوء فلا يمكن أن يهبط الى هذا المستوى لأن المعمم الحقيقي حريص على سمعته إن لم يكن من أجل الله والدين والمذهب فلا أقل هو حريص على سمعته من أجل نفسه لأنه يعلم أن رأس ماله في المجتمع هو سمعته وأنه إذا فقدها فقد فقد كل شيء .
الأمر السابع / إن مكمن المشكلة ليس في نفس وقوع الاستغلال من بعض العمائم بقدر ما هو الفهم الخاطئ من قبل الناس لمعنى العمامة ووجودها ودورها ، فكثير من الناس يحسبون الدين هو العمامة والعمامة هي الدين ونتيجة لذلك أي استغلال أو خطأ في العمامة يعني بالضرورة سقوط الدين وانهيار شريعة سيد المرسلين !!
والحال أن الدين في الحقيقة هو النظرية الإلهية التي على الناس تطبيقها ، ومجموعة الأحكام التي على الناس الالتزام بها ، والعمائم ورجال الدين مجرد طريق ووسيلة لمعرفة هذا الدين ومعرفة الأحكام الشرعية حتى يتسنى للناس تطبيق الدين من خلالهم ، فدور رجال الدين والعمائم دور الوسيط بين الناس والدين ، ورجوع الناس إليهم من باب الرجوع الى أهل الخبرة في هذا المجال كرجوعهم في أي مجال آخر الى أهل الخبرة في ذلك المجال .
إذا ما وعى الناس هذه المعنى وأدركوا هذه الحقيقة انحلت المشكلة تماماً وحينئذٍ ستترتب على ذلك نتائج رائعة ومهمة منها :
1. إن العمامة بما هي عمامة لا اعتبار بها وإنما الاعتبار بنفس المعمم ، فالعمامة مجرد إشعار وعلامة على أن صاحبها من رجال الدين ، وقد يكون كذلك فعلاً وقد لا يكون كذلك ، وكل من لبس العمامة هو بلسان الحال يريد أن يقول للناس أنا متفرغ لدراسة العلوم الدينية حتى أبلغكم بالحلال والحرام وأعرفكم بدينكم ، وقد يكون كذلك فعلاً وقد لا يكون كذلك ، وعليه فلا نعول على نفس العمامة وعلى مجرد ارتدائها بل التعويل كل التعويل على صاحبها والمتعمم بها فننظر فيه فإن كان ممن يستحق فعلاً أن يكون طريقاً للدين وموصلاً لنا لمعرفة أحكام الشريعة وكان فعلاً لسان حاله كاشفاً عن فعاله وثقنا به وألتزمناه وتمسكنا به وإن ثبت لنا العكس فلا قيمة له ولا لعمامته ، وهذا لا يوجب سقوط هيبة وقيمة بقية العمائم الصادقة . ولذا لا نجد في شرائط مرجع الدين مثلاً أن يكون معمماً بل كل ما ذكروه من شروط كالعدالة والإيمان يرجع الى نفس الشخص فهي من صفات المعمم لا العمامة ، وهكذا مثلاً ليس من صفات إمامة الجماعة أن يكون معمماً بل أن يكون مؤمناً عادلاً ولو لم يكن معمماً ، وهكذا ... لذا نقول الاعتبار للمعمم لا للعمامة .
2. من النتائج أيضاً التي تترتب على هذا الفهم الواعي أن ثبوت أي استغلال أو انحراف في هذه العمامة أو تلك لا يعني أكثر من أن صاحبها لا يصلح أن يكون طريقاً لمعرفة الدين ، وهذا لا يبرر ترك الدين ولا إسائة الظن بكل الطرق الأخرى للدين ، بل نعدل عن هذا الطريق الذي ثبت لنا عدم صلاحيته الى طريق آخر صالح لتحقيق المبتغى والوصول للدين ، فكما قلنا الاعتبار بالمعممين كأشخاص وأفراد لا بالعمائم ، وحينئذٍ كل نفس بما كسبت رهينة ولا تزر وازرة وزر أخرى وكل معمم وسلوكه ، ولا معنى للحديث حينئذٍ عن استغلال العمائم بل نبحث عن المعممين الطيبين الذي نثق بهم في معرفة الدين ونترك غيرهم ، لا أكثر ولا أقل .
3. بما أن المعممين ورجال الدين هم طريق الناس الى الدين ، فحينئذٍ كل معمم وكل رجل دين بما في ذلك المراجع هم ليسوا نفس الدين بل هم ممثلون للدين وهناك فرق بينهما ، فالمعصوم عندنا هو نفس الدين لذا أي تصرف يصدر منه يعتبر حجة وكاشفاً عن واقع الدين ، وهذا بخلاف رجال الدين فالفكر والسلوك الذي يحمله كل معمم يمثل فهمه للدين لا أنه نفس الدين بالضرورة ، والدليل على ذلك اختلاف الأفهام والآراء والنظريات بين العلماء في المسألة الدينية الواحدة ولا يمكن أن يكون كل ذلك من الدين فرأي الدين واحد لا يتعدد ، بل كل رأي يمثل فهم صاحبه للدين وليس هو الدين بالضرورة الا أن يطابق الواقع ورأي الدين الحقيقي ، وإن كان الجميع على أي حال مثابون ومعذورون في حالة الخطأ في فهم الدين . وانطلاقاً من هذا الفهم فلا معنى لتحميل الدين خطأ بعض رجال الدين لأنه في الحقيقة خطأ في تمثيل الدين وفهمه لا في نفس الدين ، وخطأ في الطريق الى الدين ليس الا ، وما علينا الا تغيير هذا الطريق إذا ما ثبت أن الخطأ عن تقصير ولا معنى حينئذٍ للحكم على نفس الدين بالسقوط ولا على جميع الطرق بالاستغلال والخطأ أيضاً .
وبهذا نجيب على ما يقوم به بعض أعداء المذهب من تصيد الزلات لبعض الخطباء والعلماء ثم ينسبون تلك الزلة الى المذهب ، فتجد مثلاً مقطعاً من مقاطع اليوتيوب بعنوان انظروا الى الشيعة ماذا يقولون ، وعندما نستعرض المقطع نجد فيه اقتباساً لكلام خطيب من الخطباء يعرض فيه رأياً خاطئ ولو بحسب نظرهم فينسبون الخطأ والزلة الى المذهب الشيعي كله .
فنقول على تقدير كون هذا الرأي خاطئاً فعلاً فهو يمثل فهم ذلك المعمم للدين والمذهب الشيعي وليس هو المذهب حقيقة بالضرورة ، فلا يصح أن ننسبه الى المذهب واعتقاد كل أبناء المذهب ما لم يكن هذا هو رأيهم جميعاً أو رأي أغلبهم .
4. ومن النتائج أيضاً ضرورة تصنيف أصحاب العمائم الى صنفين - وهذا مهم جداً - : صنف مشتغل في أمور الدين ومتفرغ في معرفة الحلال والحرام ودراسة العلوم الإلهية ، وصنف آخر مشتغل في مجال آخر كالسياسة ونحوها ، أو قل صنف من المعممين هم رجال دين وصنف ليسوا كذلك ، فليس كل معمم هو رجل دين بل قد يكون رجل سياسة أو رجل أعمال ونحو ذلك ، فليس كل معمم متفرغ لمعرفة الشريعة وتبليغها الناس فبعض المعممين إنما لبس العمامة لمجرد كونه من عائلة علمائية مثلاً ، وبعضهم يرتدي العمامة لمجرد أنه كان من رجال الدين ثم سلك طريقاً آخر فاحتفظ بزيه الديني ، وفيهم من لبس العمامة لأجل الاستغلال فعلاً ، وهكذا ، ومن الخطأ الخلط بين الصنفين .
ونسبة الاستغلال والانحراف عادة ما تكون في الصنف الثاني أكثر منه في الأول والناس بقلة وعيهم يحملون الصنف الأول وهم رجال الدين وزر الصنف الثاني الذين هم ليسوا رجال دين بل رجال سياسة أو غيرها لبسوا زي رجال الدين ، لأن أغلب الناس للأسف يتعامل مع العمامة بما هي عمامة ويعطي الوزن والاعتبار لنفس العمامة لا لصاحبها فيترتب على ذلك الخلط بين الصنفين وتحميل الصنف الأول سوء سلوك بعض أفراد الصنف الثاني ، لكن إذا فهمنا العمامة أنها مجرد وسيلة وطريق للدين فحينئذٍ سينعزل الصنف الثاني مباشرة لعدم اشتغالهم بالدين وعدم تفرغهم لمعرفة الشريعة ولا كونهم رجال الدين ، إذا أدركنا أن الاعتبار للمعمم لا لنفس العمامة وأن المعمم قيمته ليس بلبس العمامة بل بمقدار ما يؤدي من وظيفة الوساطة بين الناس والدين وبمقدار اشتغاله بمعرفة الحلال والحرام ليبلغها الناس كما قال تعالى ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة / 122 ، فحينئذٍ سنعزل الصنف الثاني مباشرة ونقصر اهتمامنا على الصنف الأول لأنهم هم رجال الدين ، وحينئذٍ أؤكد أن الهيبة سترجع للعمامة وينتفي الكلام عن استغلال العمائم . وليس معنى ذلك أن أصحاب الصنف الأول ورجال الدين الحقيقيين معصومون لكن سنجد أن الأمر أهون بكثير وسيكون ذلك كفيلاً ليس فقط بإعادة هيبة العمامة بل قدسيتها ومكانها الذي تستحقه ولا يضر بعد ذلك بعض العمائم التي تحاول التطاول على هذا العالم الروحاني وهذه الشريحة الطيبة لتحقيق بعض المكاسب الشخصية ، فهناك فرق كبير بين معمم ينحرف وبين منحرف لبس عمامة ليتستر بها ويستغلها ، وهناك فرق بين رجل دين طرأ عليه الانحراف وبين منحرف ارتدى زي رجال الدين ، وأغلب الشواهد التي تذكر لاستغلال العمامة هي من الثاني لا الأول فمن يستغل العمامة هذا في الغالب منحرف تغلغل بين شريحة المعممين لا أنه معمم طرأ عليه الانحراف ، ومن النادر جداً لو لم يكن منعدماً أن تذكر لرجال الدين الحقيقين المتفرغين لدراسة العلوم الشرعية زلات كبيرة ومن الصعب أن نجد منهم استغلالاً واضحاً للعمائم وإنما هي هفوات طبيعية وأخطاء غير مقصودة قد تصدر من بعضهم كنتيجة طبيعية لعدم العصمة وكما ذكر الكاتب أن المعممين على أي حال غير معصومين .
وعلى أي حال فليس كل معمم هو رجل دين فليس من المنطق أن نحمل رجال الدين ذنب شخص مسيء ومستغل ليس منهم لمجرد أنه يرتدي العمامة ، ومن الظلم الكبير أن نحمل سوء سلوك معمم برلماني أو سياسي مثلاً على رجال الدين وأصحاب الحوزات الذين يفنون أعمارهم في سبيل تبليغ هذا الدين للناس ويحرمون أنفسهم من أبسط لذائذ العيش والحياة من أجل أن لا يمسّ المذهب بسوء .
الكلام يطول أكتفي بهذا المقدار خشية الإطالة ، وأسأل الله تعالى أن يحفظ لنا علمائنا ورجال ديننا ومعممينا الصالحين المصلحين المتفرغين لخدمة المذهب والدين ، اللهم امدد في أعمارهم وبارك لنا في ظلالهم وأيدهم بتأييدك وسددهم بتسديدك واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم وزد في آجالهم وامدد في أعمارهم وأهلك من أراد السوء بهم وتعمد الإسائة إليهم وتفضل عليهم بالزهد والنصيحة ، فلولاهم ما عرفنا ديننا ولولا جهودهم لجهلنا عقيدتنا فالدعاء لهم أقل ما نجازيهم به ، اللهم اشملهم بدعاء مولانا صاحب الزمان صلواتك وسلامك عليه وعنايته ولطفه وكرمه ، آمين رب العالمين .