المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إستحالة القُبحِ على الله تعالى وإرادته


مرتضى علي الحلي
17-07-2013, 03:21 PM
بحوثٌ في أصل العدلِ الإلهيِّ
===============

ومَسائله العَقَديَّة
========

القسم الثالث في : إستحالة القُبحِ على الله تعالى وإرادته :
=============================


بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين


لقد أثبتَ علماء الكلام والعقيدة بأنَّ اللهَ تعالى : لايفعل القبيح ولايخل بالواجبذلك لإستغنائه وعلمه الدالين على إنتفاء القبح عن أفعاله تعالى:
:كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد:العلامة الحلي:ص187:




وواضحٌ أنَّ القبح هو ضد الحَسن من الأشياءوالذي يستنكره العقل العملي ويذم صاحبه عليه
ومع بداهة وضرورية تنزيه الباري عن فعل القبيح أو إرادته

إدّعَتْ الأشاعرة أنَّ الله تعالى فاعلُ الكلَّ من الأشياء حسنها أو قبيحها .
شرها أو خيرها وإيماناً كان أوكفرا
بإعتبار أنه تعالى مُوجد لكل الأشياء فيكون هو مريدٌ لها وفاعلها .



: ولِما ثبتَ عندهم زعماً من إستناد الأفعال إليه ومن جملتها فعل القبيح وترك الواجب
ولأنه وبحسب زعمهم كلّفَ بما لايُطاق فيكون فاعلاً للقبيح
ولأنَّه كلّفَ الكافرَ ولافائدة منه لا في الدنيا ولا في الآخرة
وتكليف الكافر قبيح فيثبت أنه فاعل القبيح :
:اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية:العلامة السَّيوري الحلي :ص220:






وأما مدرسة الإماميَّة الإثني عشرية ومعها فرقة المعتزلة.
فقالتْ بإستحالة أن يكون الله تعالى فاعلاً للقبيح أو مُريداً له عقلا

: ذلك لأنَّ لله تعالى صارفاً عن إرادة القبيح وفعله وهو علمه تعالى بالقبح .
ولا داعي لله تعالى إلى أن يُريد القبح أو يفعله
لأنَّ الداعي هو أصلاً معدومٌ ومنتفٍ عند الله تعالى بالمرة والإطلاق .

كونه تعالى غير محتاج إلى إرادة القبح وفعله
فضلاً عن عدم الحكمة من إرادة القبيح وفعله
ومعلومٌ أنه لا حكمة في فعل القبيح عقلاً.
هذا ولو جاز والعياذ بالله على الله تعالى إرادة القبح وفعله لإمتنع إثبات النبوات :
:شرح الباب الحادي عشر:العلامة السيوري:ص75:





وإنَّ تجويز القبح إرادةً أو وقوعاً على الله تعالى يلزم منه إمتناع إثبات نبوة كل نبي نبي.
ذلك لأنَّه بتجويز القبيح على الله تعالى لايقبح منه تصديق الكاذب
ومع ذلك لايمكن الجزم بصحة نبوة النبي وهو ظاهر لكل عاقل ومتدبر.

إذ على فرض تجويز القبح على الله تعالى قد يدَّعي مُدّعِ النبوة وهو كاذب
والله يجوز عليه القبح بحسب مذهب الأشاعرة
فقد لايقبح منه تعالى وحاشاه عن ذلك تصديق الكاذب في نبوته ودعوته وهو باطلٌ عقلاً.



والأخطر من ذلك عقديّاً
أنه
: لو جاز منه تعالى فعل القبيح أو الإخلال بالواجب لإرتفع الوثوق بوعده (الثواب) ووعيده(العقاب)
لإمكان تطرق الكذب إليه وحاشاه تعالى عن ذلك
ولجاز منه أيضاً إظهار المعجزة على يد الكاذب
وذلك يفضي إلى الشك في صدق الأنبياء
ويمتنع الإستدلال بالمعجزة على نبوة النبي :
:كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد:العلامة الحلي:ص188:




ثمَّ إنَّ الله تعالى يستحيل عليه عقلاً إرادة القبح ومصاديقه كالكفر والشر وغيرها .
لأنّه تعالى نهى عن القبيح وأمر بالطاعة
فيكون سبحانه كارهاً لإرادة القبح ومُريداً للطاعة.
ولما ثبتَ من أنه تعالى حكيم وعليم وقد دعا إلى الأشياء الحسنة .
و لأنَّ إرادة القبح قبيحة بدليل أنَّ العقلاء كما يذمون فاعل القبيح فكذلك يذمون مُريده والآمر به .




وحتى أنَّ القرآن الكريم قد أثبتَ نصاً إستحالة القبح عليه تعالى إرادةً أو وقوعا.
قال تعالى
{ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }الحجرات7

(( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )ِ) الزمر7




إذاً على أساسٍ من الذي تقدّم نجزم بإستحالة إرادة القبح وفعله على الله تعالى مُطلقا.
لما ثبتَ من كونه حكيماً وعليماً ومُريداً للخير والحسن وكارهاً للشر والقبح والكفر وغيرها.


ولكن يبقى ثمة تساؤلٌ فلسفي وآيديولوجي قديم وجديد

وهو أنه إذا ثبتَ أنَّ الله تعالى لايفعل القبيح ولايريد وقوعه

فما معنى وقوع الشرور في هذا العالم ؟




والجواب
====
:1:
إنَّ هذا العالم المادي هو محكومٌ بقوانين التغيِّر والتبدل والتحول والتزاحم مما ينتج نسبياً وقوع الشرور قطعاً وبصورة أقل من الخير .

قال تعالى
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41



:2:
إنَّ نفس وجود ووقوع الشرور بوصفها لوناً من ألوان البلاء أو الإختبار
هي في النتيجة تدخل في صلب إصلاح الإنسان في هذه الحياة الدنيا
بإعتبارها توجب الإنتباه والنظر في ماهية هذا العالم وقوانينه ووجوب فهمها ومعرفة صور التعاطي معها بشريا .

قال تعالى
{ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35




:3:
إنَّ نظام الوجود هو قائم على أساس التوازن والتناسب والتقدير والمعيارية الدقيّة في المُدخلات والمُخرجات الحياتية
فلا يمكن أن تكون الحياة على وتيرة الخير المحض
وكذا لايمكن أن تكون على وتيرة الشر المحض
فيؤخَذ من هذا وذاك إيجاداً للتوازن وحفظاً للتقدير .


قال تعالى
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49


{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }الشورى27

{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }الحجر21





والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :

حسين ال دخيل
20-07-2013, 01:05 AM
بحوث عقائدية رائعة
بوركت جهودكم المباركة

مرتضى علي الحلي
20-07-2013, 01:48 AM
اللهُ يحفظكم
ويُبارك بكم

السيد \ المسني
23-07-2013, 06:51 AM
شكرا لك اخي العزيز على بحثك الجميل وسال الله لك التوفيق

مرتضى علي الحلي
23-07-2013, 07:58 PM
لاشكر على واجب ووفقكم اللهُ تعالى للتي هي أحسن

النسر
23-07-2013, 08:10 PM
http://www.shattalarab.net/up/uploads/13651981392.gif

خادمة فاطمة
23-07-2013, 11:49 PM
[ في كونه تعالى لا يفعل القبيح ]

وهو تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه وبأنه غني عنه وقلنا ذلك لأن

صفة القبح صارفة عنه.
وكذلك من علم وصوله إلى نفعه بالصدق على الوجه الذي يصل إليها بالكذب لا يؤثره على الصدق وإنما يصح إيثاره على الصدق متى جهل قبحه فينتفي الصارف أو دعت إليه الحاجة فيقابل داعيها صارف القبح فيؤثره.
وأيضا فالقبح يستحق به الذم والاستخفاف وخفوض الرتبة وذلك صارف قوي عنه لا يجوز معه إيثاره إلا لجهل به أو لحاجة زائدة عليه وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه فلا يصح منه مواقعة القبيح.
وإذا كانت هذه القضية سارية في القبح وجب القطع على انتفاء الداعي منه تعالى إلى شيء منه وتعذر وقوع جميعه ولا يلزم على ذلك وقوع كل حسن لأن صارف القبح موجب لارتفاعه ممن علمه واستغنى عنه وداعي الحسن غير موجب لعلمنا بأن أحدنا قد يفعل الشيء لحسنه ولا يفعل كل ما شاركه في صفة الحسن كصدقة درهم لحسنها وترك أمثالها مع مساواتها لها في صفة الحسن ولا يجوز أن يترك كذبا لقبحه ويفعل مثله.
وليس لأحد أن يقول كما لا يفعل القبيح إلا لجهل به أو اعتقاد حاجة إليه فكذلك الحسن قد لا يفعل إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضر فيجب أن لا يفعله سبحانه لاستحالة الضر والنفع عليه.
لأنا قد بينا تعذر وقوع القبيح إلا لجهل أو لحاجة فيجب فيمن لا يصحان عليه أن لا يفعله على حال والمعلوم ضرورة في الحسن خلاف ذلك لوقوعه منه تعالى مع استحالة النفع والضر عليه.. .







الأخ الكريم احسنتم . .

مرتضى علي الحلي
24-07-2013, 12:25 AM
وأحسن اللهُ تعالى إليكم وشكرا لإضافتكم اللطيفة