المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :مَدخلٌ قُرآني إلى معرفة النبي مُحمّد:صلى اللهُ عليه وآله وسلَّم :ق2:


مرتضى علي الحلي
05-01-2013, 04:45 PM
:مَدخلٌ قُرآني إلى معرفة النبي مُحمّد:صلى اللهُ عليه وآله وسلَّم: :ق2:
==================================
: المنهجُ والأهداف :
===========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين

كُنَّا قد بحثنا في القسم الأول عن مفهوم شاهديَّة النبي محمد
:صلى الله عليه وآله وسلّم:
بإجازة ألفاظٍ بعيدةٍ عن التعقيد الصياغي والمعنوي
وبياناً للمعنى المُنتَجُ منها وتلمساً للأثر الحتمي المُترتبُ عليها موضوعيا وواقعيا
بحيث أمكن لنا الإلتزام بضرورة بقاء الشاهدية
في صورة القرآن الكريم حجةً وبلاغاً
لتلتصق مع أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:حدوثاً وبقاءاً.

وكان الغرضُ البحثي من ذلك هو الوقوف على معالم ومحددات النبي محمد:ص: في ماهيته ومنهجه وأهدافه .

سيما والقرآن الكريم قد رسمَ لنا تلك المعالم والمُحددات وصاغها بمفاهيم كليَّة مُنتجة وباقيةٍ في أثرها الواقعي وبصور معلومة
كما تقدم كبقاء القرآن الكريم ونفوذه حجةً وبياناً
وضرورة وجود عدله من الأئمة المعصومين :عليهم السلام:
نصباً ونصا .

إذاً يتبيَّن بعد الثقة والقطع بصدقيّة ويقينية الجهةُ القرآنية العليا توصيفا.
هو أنَّ كلَّ معالم ومحددات ماهيّة النبي محمد:ص: في معناها الأعم
قد أُخذَ فيها الترتب والوجوب إتصافا
كما في قوله تعالى
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }الفتح8

بمعنى أنَّ ما تحددت به شخصية وماهية النبي محمد:ص:
في الظاهر وحتى في الباطن
هو واقع موضوعي وخارجي قد تحقق في وقته وبقي في أثره على نحو القضية الحقيقية والتي تحفظ الحكم والأثر وتُجهزه لموضوعها في ظرف وجوده المُقدَّر له .
أي أنَّ ما توفرتْ عليه الماهية المحمدية في معناها الأعم وما به وجودها الخاص.
هو ما جعله مُؤَهلاً للإئتساء به حياتيا.
حتى صار قوله وفعله وبيانه وتقريره وشرحه حجةً شرعيَّة نافذة على الناس أجمعين من الأولين والآخرين
في إطلاقها أو قدرها المتيقَّن آنذاك موضوعيا.

وإذا ما رجعنا إلى نص الآيات في قوله تعالى
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45}
وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46}
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً {47} الأحزاب

سنلحظ الإطلاق المفاهيمي وأثره المُنتج بيِّناً وظاهرا.
ولا نلحظ التقييد لكل مفهوم مفهوم حتى يتحجم منهج وهدف النبي محمد:ص: في واقعه الموضوعي حصرا

لا بل على العكس قد جائت صياغة المفاهيم صياغة كليَّة ومُطلقة
لتحكي مراد وقصد الله تعالى من ذلك كله

ولتشمل في دلالاتها الناس أجمعين وإن ختمتْ النبوة واقعاً
ولما تقدم من إمكان بقاء المفهوم نتيجاً وأثرا
فلايبقى مجالٌ للشك في حجيّة ماهيّة النبي محمد:ص:
في معالمها ومحدداتها ومنهجها وهدفها وجوديا.

وعلى هذا يجب إستيعاب كل محدد محدد
فالشاهدية قد إتضحت مفهوماً وأثرا ونتاجا

وبقي فهم ما بعدها وأعني: المٌبَشِّر :
ذلك المفهوم الذي يرمز إلى بعث الأمل في نفس المُتلقي
أو المُتعاطي مع نبيه إعتقادا وتطبيقا.

والمُبَشِّر :هو ذلك الإنسان الذي يدعو الناس إلى الأمر الحسن والمكتنف لكل وجوه الخير .
وهذا يعني أنَّ النبي محمد:ص: قد تلبس بهذا الوصف الشأني فعلاً وأثرا
وما صدر منه في نطاق التبشير هو حثٌ منه
على كل أمر مرغوب به شرعا وعقلا
مما يُحفِّز المُتأسي به إلى الرغبة والعشق لما بشَّر به واقعا.

ليرسم بالتبشير سبيل الجنة المُنتَظرة تحققا.

والدليل هو تذيل هذه الآيات بنتيجة حتمية يَحظى بها مَن أتقن واستوعب مقدماتها مفهوما وتطبيقا
وهو قوله تعالى
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً {47} الأحزاب

بمعنى أنَّ إستيعاب كل محدد محدد وبصورة تتوازن مع قرينه
كما هو الحال في تعقيب البشير بالنذير
والداعِ إلى الله تعالى بالسراج المُنير
يقيناً سيوصل إلى المطلوب الحسن.
حتى يتحول مفهوم البشير إلى وجوده الشأني والباقي في صورة القرآن الكريم
قال تعالى
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89

وهنا يجب الإلتفات إلى نقطة قرآنية تنموية لها ثقلها القيمي في تربية الإنسان ومجتمعه
وهو ضرورة التوازن بين مفهومي البشير والنذير تطبيقا

أي أنَّ الإنسان المُسلم هو مُطالبٌ بالتحرك في نطاق الأمر المُبشَّر به بمقدار يُساوي الترك لما أُنذر به
لما تُحدثه الرغبة البشرية في وعيها للذي تُبشَّر به تحفيزاً
فتتحرك بإتجاهه طوعا
ولما تفرضه الرهبة والتخوف من الأمر الذي أنذرَ به.
فيترك الإنسان ما يحذره خوفا .

طبقاً لقوله تعالى
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }يونس2

ثمَّ إنَّ مفهوم النذير هو الآخر قد خرجَ من الوصف الفعلي في ماهية النبي محمد بعد رحيله :ص:
إلى الوصف الشأني المُتمثِّل ببقاء القرآن الكريم وجوداً لفظيَّاً وقيميَّا وحجةً وبيانا مُحذِّراً للناس أجمعين

فالقرآن الكريم قد بيَّن هذه الحقيقة الوجودية جليّا
في قوله تعالى :
{ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19
بمعنى :
وأوحى الله إليََّ هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم وأحذركم به عذاب الله تعالى أن يحلَّ بكم
وأنذر به مَن وصل إليه وبلغه من الأمم ما مضى منها والحاضرة والمُستقبلية
إنكم لتقرون أنَّ مع الله معبودات أخرى تشركونها به.
قل لهم -أيها الرسول-: إنِّي لا أشهد على ما أقررتم به
إنّما الله إله واحد لا شريك له
وإنني بريءٌ من كل شريك تعبدونه معه

وبهذا يتبيَّن أنَّ وصف النذير في ماهيّة النبي محمد:ص:
هو عاملٌ رئيس سيكون له دوره الشأني
في ضرورة تصحيح مسار وأفكار الناس كافة
ليسلكوا سبيل التوحيد سويا من بعده :ص:
ولقطع العذر و لإقامة الحجة عليهم

قال الله تعالى
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165

وممكن لوصف النذير في وجوده ودوره الشأني من بعد رحيل النبي الخاتم محمد:ص:
أن يتمثَّلَ ظهوراً في لزوم بقاء شخص
الإمام المعصوم :عليه السلام: بوصفه نذيراً أخيراً للبشرية كافة يحذرها عاقبة كفرها وضلالها في نهاية المطاف
هذا ما يمكن أن نستظهره معنىً ومُعطىً من الآية القرآنية الشريفة
في قوله تعالى
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24

لما إتضح من كون النبي محمد:ص: واقعاً قد إتصف بمفهومي البشير والنذير فعليا
وقد بقي الإتصاف الشأني من بعده ليتمثَّل في إمكانه الوقوعي في شخص الإمام المعصوم :عليه السلام:
والذي يدعم ذلك الإستظهار هو القانون الإطلاقي والكلي الذي خُتمَتْ به هذه الآية الشريفة
{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } فاطر24

بمعنى لابد من وجود ومضي نذيرٍ في كل أمة أمة وفي كل زمان
والشاهد على أنَّ النذير في ذيل هذه الأية الشريفة
هو غير النذير في صدرها هو عدم قرن النذير بالبشير في آخر الآية
بياناً لتحقق معنى ومفهوم البشير وتنجزه في حق مَنْ بلغته الرسالة الإلهيّة قطعاً
مع تحقق مفهوم النذير من أول أمر التبليغ النبوي الشريف

ليتطلَّب ذلك ضمان وجود نذير أخير في كل أمة أمة لزوماً
تحذيراً للناس وتصويبا لحركتهم البشرية ومصيرها .

وإنما خصَّ اللهُ تعالى النذير بالذكر في آخر الآية بياناً منه تعالى
لشدّة حاجة الناس الفعليّة إلى النذير .

وقد علَّقَ إبن شهر آشوب على قوله تعالى
{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } فاطر24

فقال:
وهذا عام في سائر الأمم وعمومه يقتضي
أنَّ في كل زمان حصلتْ فيه أمة مُكلفة نذيرا
ففي أزمنة الأنبياء هم النذر للأمم
وفي غيرها الأئمة :عليهم السلام:
:مُتشابه القرآن ومُختَلفه :ابن شهر آشوب :ج2:ص26:


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف